د/ نايف العتيبي
20-Jun-2009, 11:52 PM
وجوب أداء الأمانة عند اختبار الطلاب
الحمد لله، والصلاة والسلام على محمد عبد الله ورسوله وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، أسأله - تبارك وتعالى - أن يجعلنا وإياكم ممن اتبعوه بإحسان.
أما بعد:
فقد قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾ [النساء: 58] وقال الله تعالى: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا﴾ [الأحزاب: 72] ما أظلم الإنسان، وما أجهله، تُعْرَضُ الأمانةُ على السموات والأرض والجبال فيمتنعن عن حملها ثم يتحملها الإنسان بما وهبه الله - تعالى - من العقل وما أعطاه من إرادة وتصرف ....
أيها الإخوة المسلمون، إن الأمانة مسؤولية عظيمة، إنها عبء ثقيل على غير من خففه الله عليه، إنها التزام الإنسان بالقيام بحق الله وبحق عباده، إنها التزام بحقوق العباد من غير تقصير كما تحب أن يقوموا بحقوقك من غير تقصير، ولقد رسم لنا النبي - صلى الله عليه وسلم - منهجاً سليماً واضحاً فقال: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"متفق عليه، فلا تتصرف مع أخيك إلا بتصرف تُحب أن يتعامل معك به، وقال النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -: "من أحب أن يُزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر وأن يأتي الناس ما يحب أن يُؤتى إليه"رواه مسلم، فإذا أردت أن تتصرف مع غيرك فانظر هل ترضى أن يتصرف معك هذا التصرف؟ فإن كنت ترضى بذلك فتصرف معه على هذا الوجه وإلا فأحسن التصرف.
أيها الإخوة المسلمون، إننا بني الإنسان قد تحملنا الأمانة، وحملناها على عواتقنا، والتزمنا بمسؤوليتها، وسنُسأل عنها يوم القيامة، فيا ليت شعري ما هو الجواب إذا سُئلنا في ذلك اليوم العظيم؟ اللهم إنا نسألك تثبيتاً وصواباً.
أيها المسلمون، إن الله - تعالى - أمرنا أن نؤدي الأمانات إلى أهلها، وأمرنا إذا حكمنا بين الناس أن نحكم بالعدل، فهذان أمران لا تقوم الأمانة إلا بهما: أداء الأمانات إلى أهلها والحكم بين الناس بالعدل، وإننا - الآن - على أبواب اختبار الطلبة من ذكور وإناث، وإن الاختبارات أمانة، وإنها حكم، إنها أمانة حين وضع الأسئلة، وأمانة حين المراقبة، وحكم حين التصحيح، أمانة حين وضع الأسئلة، فيجب على واضع الأسئلة مراعاتها، بحيث تكون على مستوى الطلبة المستوى الذي يُبَيِّنُ به مدى تحصيل الطالب في عام دراسته، بحيث لا تكون سهلة، لا تكشف عن تحصيل، ولا تكون صعبة تُؤدي إلى التعجيز، والاختبارات أمانة حين المراقبة، فعلى المراقب أن يُراعي تلك الأمانة التي ائتمنته عليها إدارة المدرسة ومن وراءها وزارة أو رئاسة وفوق ذلك دولة، بل ائتمنه عليه المجتمع كله، فعلى المراقب أن يكون مستعيناً بالله، يقظاً في رقابته، مستعملاً حواسه السمعية والبصرية والفكرية، يسمع، وينظر، ويستنتج من الملامح والإشارات، وإن على المراقب أن يكون قوياً، لا تأخذه في الله لومة لائم، إن على المراقب أن يمنع أي طالب من الغش أو محاولة الغش؛ لأن تمكين الطالب من الغش خيانة، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أنه قال: "من غش فليس منا"رواه مسلم والترمذي ، إن تمكين الطالب من الغش ظلم لزملائه الحريصين على العلم، الْمُجِدِّينَ في طلبه، الذين يرون من العيب والسخافة والسفاهة أن ينالوا درجة النجاح بالطرق الملتوية، إن المراقب إذا مَكَّنَ أحداً من هؤلاء المهملين الفاشلين في دراستهم من الغش فأخذ درجة نجاح يتقدم بها على الحريصين المجدين كان ذلك ظلماً لهم، وكان ذلك ظلماً للطالب الغاش، وهو في الحقيقة مغشوش، حيث انخدع بدرجة نجاح وهمية، لم يحصل بها على ثقافة ولا علم، ليس له من ثقافته ولا علمه سوى بطاقة يحمل بها شهادة زيف لا حقيقة، وإذا بحثت معه في أدنى مسألة مما تنبئ عنه هذه البطاقة لم تحصل منه على علم، إن تمكين الطالب من الغش خيانة لإدارة المدرسة، وللوزارة، أو الرئاسة التي من ورائها، وخيانة للدولة، وخيانة للمجتمع كله، وإن تمكين الطالب من الغش أو تلقينه الجواب بتصريح أو تلميح ظلم للمجتمع وهضم لحقه، حيث تكون ثقافة المجتمع ثقافة مهلهلة، يظهر فشلها عند دخول ميادين السباق، ويبقى مجتمعنا دائماً في تأخر وفي حاجة إلى الغير؛ ذلك لأن كل من نجح عن طريق الغش لا يمكن إذا رجع الأمر إلى اختياره أن يدخل مجال التعليم والتثقيف لعلمه أنه فاشل فيه، وإن تمكين الطالب من الغش كما يكون خيانة وظلماً من الناحية العلمية والتقديرية، يكون كذلك خيانة وظلماً من الناحية التربوية؛ لأن الطالب بممارسته الغش يكون مستسيغاً له، هين في نفسه، فيتربى عليه ويربي عليه أجيال المستقبل، "ومن سنَّ في الإسلام سنة سيئةً فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة"رواه مسلم، إن على المراقب ألا يراعي شريفاً لشرفه، ولا قريباً لقرابته ولا غنياً لغناه، إن عليه أن يُراقب الله - عز وجل - الذي ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾ [غافر: 19]، عليه أن يُؤدي الأمانة، كما تحملها؛ لأنه مسؤول عنها يوم القيامة، ولربما قال مراقب إذا أديت واجب المراقبة إلى جنب من يضيع ذلك فقد أرى بعض المضايقات، فجوابنا عليه أن نقول: اتق الله فيما وليت عليه، واقرأ قول الله عز وجل: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجَاً﴾ [الطلاق: 2]، وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرَاً﴾ [الطلاق: 4]، وقوله تعالى: ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [هود: 49].
أيها المسلمون، إن الاختبارات حكم حين التصحيح، فإن المعلم الذي يقدر درجات أجوبة الطلبة ويقدر درجات سلوكهم هو حاكم بينهم؛ لأن أجوبتهم بين يديه بمنزلة حجج الخصوم بين يدي القاضي، فإذا أعطى طالباً درجات أكثر مما يستحق فمعناه: أنه حَكَم له بالفضل على غيره مع قصوره، وهذا جور في الحكم، وإذا كان لا يرضى أن يقدم على ولده من هو دونه فكيف يرضى لنفسه أن يُقدم على أولاد الناس من هو دونهم؟ وإن من الأساتذة من لا يتقِ الله - تعالى - في تقدير درجات الطلبة، فيُعطي أحدهم ما لا يستحق؛ إما لأنه ابن صديقه، أو قريبه، أو ابن شخص ذي شرف، أو مال أو رئاسة، ويمنع بعض الطلبة ما يستحق إما لعداوة شخصية بينه وبين الطالب، أو بينه وبين أبيه، أو غير ذلك من الأسباب وهذا كله خلاف العدل الذي أمر به الله ورسوله، فإقامة العدل - أيها المسلمون - واجبة بكل حال على من تحب ومن لا تحب، فمن استحق شيئاً وجب إعطاؤه إياه، ومن لا يستحق شيئاً وجب حرمانه منه، اسمعوا - أيها الإخوة - إلى هذه القصة؛ حتى تكون نبراساً تسيرون عليه: أرسل النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - عبد الله بن رواحة إلى اليهود في خيبر؛ ليخرص عليهم الثمار والزروع؛ وليضمنهم ما للمسلمين منها فأراد اليهود أن يُعطوه رشوة فقال - رضي الله عليه - منكراً عليهم:"تطعمونني السحت والله لقد جئتكم من عند أحب الناس إليّ - يعني: رسول الله صلى الله عليه وسلم - فإن محبته أشد المحبات عند الإنسان المؤمن، قال - رضي الله عنه -: وإن محبة النبي صلى الله عليه وسلم أعظم من محبة أي إنسان عندي، وإنكم لأبغض إليّ من أمثالكم من القردة والخنازير ثم يقول لهم: ولا يحملني بغضي لكم وحبي إياه ألا أعدل عليكم"رواه أحمد ومالك، هكذا العدل يجب أن لا يحاب الإنسان أحدا بأي سبب كان إلا من استحق ما يعطى، إن العدل لا يجوز أن يضيع بين الحب وعاصفة البغض، يقول الله عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ - أي: لا يحملنكم بغض قوم - عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [المائدة: 8]، ويقول سبحانه: ﴿وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [الحجرات: 9]، ويقول تعالى: ﴿وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا﴾ [الجن: 15]، والقاسطون: هم الجائرون وهم من حطب جهنم، المقسطون: هم العادلون وهم من أحباب الله، في الحديث الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أنه قال: "إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن عز وجل وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا"رواه مسلم وقال - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -: "أهل الجنة ثلاثة ذو سلطان مقسط متصدق موفق ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذو قربى ومسلم وعفيف متعفف ذو عيال" أخرجه مسلم، فاتقوا الله عباد الله، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ﴾ [النساء: 135]. اللهم وفقنا لأداء الأمانة والحكم بالعدل والاستقامة، اللهم ثبتنا على الهدى، وجنبنا أسباب الهلاك والردى، إنك جواد كريم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله ليّ ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
ملخصا من إحدى خطب شيخنا العلامة محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله .
http://www.ibnothaimeen.com/all/khotab/article_220.shtml
الحمد لله، والصلاة والسلام على محمد عبد الله ورسوله وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، أسأله - تبارك وتعالى - أن يجعلنا وإياكم ممن اتبعوه بإحسان.
أما بعد:
فقد قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾ [النساء: 58] وقال الله تعالى: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا﴾ [الأحزاب: 72] ما أظلم الإنسان، وما أجهله، تُعْرَضُ الأمانةُ على السموات والأرض والجبال فيمتنعن عن حملها ثم يتحملها الإنسان بما وهبه الله - تعالى - من العقل وما أعطاه من إرادة وتصرف ....
أيها الإخوة المسلمون، إن الأمانة مسؤولية عظيمة، إنها عبء ثقيل على غير من خففه الله عليه، إنها التزام الإنسان بالقيام بحق الله وبحق عباده، إنها التزام بحقوق العباد من غير تقصير كما تحب أن يقوموا بحقوقك من غير تقصير، ولقد رسم لنا النبي - صلى الله عليه وسلم - منهجاً سليماً واضحاً فقال: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"متفق عليه، فلا تتصرف مع أخيك إلا بتصرف تُحب أن يتعامل معك به، وقال النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -: "من أحب أن يُزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر وأن يأتي الناس ما يحب أن يُؤتى إليه"رواه مسلم، فإذا أردت أن تتصرف مع غيرك فانظر هل ترضى أن يتصرف معك هذا التصرف؟ فإن كنت ترضى بذلك فتصرف معه على هذا الوجه وإلا فأحسن التصرف.
أيها الإخوة المسلمون، إننا بني الإنسان قد تحملنا الأمانة، وحملناها على عواتقنا، والتزمنا بمسؤوليتها، وسنُسأل عنها يوم القيامة، فيا ليت شعري ما هو الجواب إذا سُئلنا في ذلك اليوم العظيم؟ اللهم إنا نسألك تثبيتاً وصواباً.
أيها المسلمون، إن الله - تعالى - أمرنا أن نؤدي الأمانات إلى أهلها، وأمرنا إذا حكمنا بين الناس أن نحكم بالعدل، فهذان أمران لا تقوم الأمانة إلا بهما: أداء الأمانات إلى أهلها والحكم بين الناس بالعدل، وإننا - الآن - على أبواب اختبار الطلبة من ذكور وإناث، وإن الاختبارات أمانة، وإنها حكم، إنها أمانة حين وضع الأسئلة، وأمانة حين المراقبة، وحكم حين التصحيح، أمانة حين وضع الأسئلة، فيجب على واضع الأسئلة مراعاتها، بحيث تكون على مستوى الطلبة المستوى الذي يُبَيِّنُ به مدى تحصيل الطالب في عام دراسته، بحيث لا تكون سهلة، لا تكشف عن تحصيل، ولا تكون صعبة تُؤدي إلى التعجيز، والاختبارات أمانة حين المراقبة، فعلى المراقب أن يُراعي تلك الأمانة التي ائتمنته عليها إدارة المدرسة ومن وراءها وزارة أو رئاسة وفوق ذلك دولة، بل ائتمنه عليه المجتمع كله، فعلى المراقب أن يكون مستعيناً بالله، يقظاً في رقابته، مستعملاً حواسه السمعية والبصرية والفكرية، يسمع، وينظر، ويستنتج من الملامح والإشارات، وإن على المراقب أن يكون قوياً، لا تأخذه في الله لومة لائم، إن على المراقب أن يمنع أي طالب من الغش أو محاولة الغش؛ لأن تمكين الطالب من الغش خيانة، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أنه قال: "من غش فليس منا"رواه مسلم والترمذي ، إن تمكين الطالب من الغش ظلم لزملائه الحريصين على العلم، الْمُجِدِّينَ في طلبه، الذين يرون من العيب والسخافة والسفاهة أن ينالوا درجة النجاح بالطرق الملتوية، إن المراقب إذا مَكَّنَ أحداً من هؤلاء المهملين الفاشلين في دراستهم من الغش فأخذ درجة نجاح يتقدم بها على الحريصين المجدين كان ذلك ظلماً لهم، وكان ذلك ظلماً للطالب الغاش، وهو في الحقيقة مغشوش، حيث انخدع بدرجة نجاح وهمية، لم يحصل بها على ثقافة ولا علم، ليس له من ثقافته ولا علمه سوى بطاقة يحمل بها شهادة زيف لا حقيقة، وإذا بحثت معه في أدنى مسألة مما تنبئ عنه هذه البطاقة لم تحصل منه على علم، إن تمكين الطالب من الغش خيانة لإدارة المدرسة، وللوزارة، أو الرئاسة التي من ورائها، وخيانة للدولة، وخيانة للمجتمع كله، وإن تمكين الطالب من الغش أو تلقينه الجواب بتصريح أو تلميح ظلم للمجتمع وهضم لحقه، حيث تكون ثقافة المجتمع ثقافة مهلهلة، يظهر فشلها عند دخول ميادين السباق، ويبقى مجتمعنا دائماً في تأخر وفي حاجة إلى الغير؛ ذلك لأن كل من نجح عن طريق الغش لا يمكن إذا رجع الأمر إلى اختياره أن يدخل مجال التعليم والتثقيف لعلمه أنه فاشل فيه، وإن تمكين الطالب من الغش كما يكون خيانة وظلماً من الناحية العلمية والتقديرية، يكون كذلك خيانة وظلماً من الناحية التربوية؛ لأن الطالب بممارسته الغش يكون مستسيغاً له، هين في نفسه، فيتربى عليه ويربي عليه أجيال المستقبل، "ومن سنَّ في الإسلام سنة سيئةً فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة"رواه مسلم، إن على المراقب ألا يراعي شريفاً لشرفه، ولا قريباً لقرابته ولا غنياً لغناه، إن عليه أن يُراقب الله - عز وجل - الذي ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾ [غافر: 19]، عليه أن يُؤدي الأمانة، كما تحملها؛ لأنه مسؤول عنها يوم القيامة، ولربما قال مراقب إذا أديت واجب المراقبة إلى جنب من يضيع ذلك فقد أرى بعض المضايقات، فجوابنا عليه أن نقول: اتق الله فيما وليت عليه، واقرأ قول الله عز وجل: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجَاً﴾ [الطلاق: 2]، وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرَاً﴾ [الطلاق: 4]، وقوله تعالى: ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [هود: 49].
أيها المسلمون، إن الاختبارات حكم حين التصحيح، فإن المعلم الذي يقدر درجات أجوبة الطلبة ويقدر درجات سلوكهم هو حاكم بينهم؛ لأن أجوبتهم بين يديه بمنزلة حجج الخصوم بين يدي القاضي، فإذا أعطى طالباً درجات أكثر مما يستحق فمعناه: أنه حَكَم له بالفضل على غيره مع قصوره، وهذا جور في الحكم، وإذا كان لا يرضى أن يقدم على ولده من هو دونه فكيف يرضى لنفسه أن يُقدم على أولاد الناس من هو دونهم؟ وإن من الأساتذة من لا يتقِ الله - تعالى - في تقدير درجات الطلبة، فيُعطي أحدهم ما لا يستحق؛ إما لأنه ابن صديقه، أو قريبه، أو ابن شخص ذي شرف، أو مال أو رئاسة، ويمنع بعض الطلبة ما يستحق إما لعداوة شخصية بينه وبين الطالب، أو بينه وبين أبيه، أو غير ذلك من الأسباب وهذا كله خلاف العدل الذي أمر به الله ورسوله، فإقامة العدل - أيها المسلمون - واجبة بكل حال على من تحب ومن لا تحب، فمن استحق شيئاً وجب إعطاؤه إياه، ومن لا يستحق شيئاً وجب حرمانه منه، اسمعوا - أيها الإخوة - إلى هذه القصة؛ حتى تكون نبراساً تسيرون عليه: أرسل النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - عبد الله بن رواحة إلى اليهود في خيبر؛ ليخرص عليهم الثمار والزروع؛ وليضمنهم ما للمسلمين منها فأراد اليهود أن يُعطوه رشوة فقال - رضي الله عليه - منكراً عليهم:"تطعمونني السحت والله لقد جئتكم من عند أحب الناس إليّ - يعني: رسول الله صلى الله عليه وسلم - فإن محبته أشد المحبات عند الإنسان المؤمن، قال - رضي الله عنه -: وإن محبة النبي صلى الله عليه وسلم أعظم من محبة أي إنسان عندي، وإنكم لأبغض إليّ من أمثالكم من القردة والخنازير ثم يقول لهم: ولا يحملني بغضي لكم وحبي إياه ألا أعدل عليكم"رواه أحمد ومالك، هكذا العدل يجب أن لا يحاب الإنسان أحدا بأي سبب كان إلا من استحق ما يعطى، إن العدل لا يجوز أن يضيع بين الحب وعاصفة البغض، يقول الله عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ - أي: لا يحملنكم بغض قوم - عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [المائدة: 8]، ويقول سبحانه: ﴿وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [الحجرات: 9]، ويقول تعالى: ﴿وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا﴾ [الجن: 15]، والقاسطون: هم الجائرون وهم من حطب جهنم، المقسطون: هم العادلون وهم من أحباب الله، في الحديث الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أنه قال: "إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن عز وجل وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا"رواه مسلم وقال - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -: "أهل الجنة ثلاثة ذو سلطان مقسط متصدق موفق ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذو قربى ومسلم وعفيف متعفف ذو عيال" أخرجه مسلم، فاتقوا الله عباد الله، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ﴾ [النساء: 135]. اللهم وفقنا لأداء الأمانة والحكم بالعدل والاستقامة، اللهم ثبتنا على الهدى، وجنبنا أسباب الهلاك والردى، إنك جواد كريم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله ليّ ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
ملخصا من إحدى خطب شيخنا العلامة محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله .
http://www.ibnothaimeen.com/all/khotab/article_220.shtml