د/ نايف العتيبي
24-May-2009, 11:00 PM
( الصلاة عند وقوع الزلازل والبراكين )
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه وبعد :
ففي مسألة الصلاة عند الزلازل والبراكين والحديث عنها أقول مستعينا بالله :
قال الله تبارك وتعالى : { وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا} (59) سورة الإسراء .
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله :
قال قتادة إن الله تعالى يخوف الناس بما شاء من الآيات لعلهم يعتبرون ويذكرون ويرجعون ذكر لنا أن الكوفة وجفت على عهد ابن مسعود رضي الله عنه فقال يا أيها الناس إن ربكم يستعتبكم فأعتبوه . أ.هـ قلت وهذا الأثر رواه ابن جرير في تفسيره بسنده .
قلت وكما قال الإمام البخاري أن هذا التخويف يوجب الخشوع والإنابة لله تعالى ،
وكما هو معلوم أن كثرة الزلازل من أشراط الساعة وعلاماتها كما جاء بذلك الخبر الصحيح فقد روى أحمد والبخاري عن أبي هُرَيْرَةَ قال قال النبي صلى الله عليه وسلم :
(لا تَقُومُ السَّاعَةُ حتى يُقْبَضَ الْعِلْمُ وَتَكْثُرَ الزَّلَازِلُ وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ وهو الْقَتْلُ الْقَتْلُ حتى يَكْثُرَ فِيكُمْ الْمَالُ فَيَفِيضَ ) .
ومن حيث الصلاة في حال الزلازل ففيها اختلاف بين العلماء والقول الفصل في ذلك إن شاء الله تعالى ما يأتي :
قال الإمام البيهقي بسنده عن الإمام محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله (الأم للشافعي ج7/ص168):
لا أرى أن يجمع لصلاة عند شيء من الآيات غير الكسوف وقد كانت آيات فما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالصلاة عند شيء منها ولا أحد من خلفائه وقد زلزلت الأرض في عهد عمر بن الخطاب فما علمناه صلى وقد قام خطيباً فحض على الصدقة وأمر بالتوبة وأنا أحب للناس أن يصلي كل رجل منهم منفرداً عند الظلمة والزلزلة وشدة الريح والخسف وانتشار النجوم وغير ذلك من الآيات وقد روى البصريون أن ابن عباس صلى بهم في زلزلة وإنما تركنا ذلك لما وصفنا من أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بجمع الصلاة إلا عند الكسوف وأنه لم يحفظ أن عمر صلى عند الزلزلة ،قال أحمد قد روينا حديث عمر وابن عباس في السنن وروينا عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا رأيتم آية فاسجدوا )،وذلك يرجع إلى ما استحبه الشافعي من الصلاة على الانفراد وكذلك روي عن ابن مسعود أنه قال : (إذا سمعتم هادا من السماء فافزعوا إلى الصلاة )، ثم قال : قال الشافعي فيما بلغه عن عباد عن عاصم الأحول عن قزعة عن علي أنه صلى في زلزلة ست ركعات في أربع سجدات وخمس ركعات وسجدتين في ركعة وركعة وسجدتين في ركعة ولو ثبت هذا الحديث عندنا عن علي لقلنا به وهم يثبتونه ولا يأخذون به . انتهى ما قاله الإمام البييهقي في كتابه /معرفة السنن والآثار 3/90.
وعنده في السنن :
عن محمد بن عبيد ثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن صفية بنت أبي عبيد قالت: زلزلت الأرض على عهد عمر حتى اصطفقت السرر وبن عمر يصلي فلم يدر بها ولم يوافق أحدا يصلي فدرى بها فخطب عمر الناس فقال : (أحدثتم لقد عجلتم قالت ولا أعلمه إلا قال لئن عادت لأخرجن من بين ظهرانيكم) .
قلت هذا الأثر رواه نعيم بن حماد في الفتن بسنده :
الفتن لنعيم بن حماد ج2/ص620
حدثنا ابن عيينة عن عبيد الله عن نافع عن صفية قالت : تزلزلت المدينة على عهد عمر وابن عمر قائم لا يشعر حتى اصطفقت السرر فلما أصبح عمر رضى الله عنه قال: ( يا أيها الناس ما أسرع ما أحدثتم )
قال ابن عيينة وفي غير حديث نافع : قال (لئن عادت لأخرجن من بين أظهركم ).
قلت :وهذا السند صحيح إن شاء الله وغاية ما قدح به نعيم بن حماد أنه قد يروي من غير الثقات أو يصل ما أوقف ولم يكن هذا السند من هذا القبيل ، ولله الحمد ، ثم هو متابع كما في رواية البيهقي السابقة تابعه الذي روى عن محمد بن عبيد وهو أيوب بن محمد الوزان وهو ثقة كما في التقريب .
قلت وأما ما يروى عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه أَنَّهُ صلى في زَلْزَلَةٍ سِتَّ رَكَعَاتٍ في أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ خَمْسَ رَكَعَاتٍ وَسَجْدَتَيْنِ في رَكْعَةٍ وَرَكْعَةٍ وَسَجْدَتَيْنِ في رَكْعَةٍ .
فهذه الرواية في سندها مقال ، إضافة إلى أن قزعة لا أظنه يروي عن علي مباشرة ، وقد قال الشافعي رحمه الله كما تقدم : وَلَوْ ثَبَتَ هذا الْحَدِيثُ عِنْدَنَا عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه لَقُلْنَا بِهِ وَهُمْ يُثْبِتُونَهُ وَلَا يَأْخُذُونَ بِهِ .
وقال ابن عبد البر في الاستذكار ج2/ص418 :
وكان مالك والشافعي لا يريان الصلاة عند الزلزلة ولا عند الظلمة والريح الشديد ورآها جماعة من أهل العلم منهم أحمد وإسحاق وأبو ثور وروي عن بن عباس أنه صلى في الزلزلة وقال بن مسعود إذا سمعتم هادا من السماء فافزعوا إلى الصلاة ، وقال أبو حنيفة من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج .
قال أبو عمر لم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجه صحيح أن الزلزلة كانت في عصره ولا صحت عنه فيها سنة وقد كانت أول ما كانت في الإسلام على عهد عمر فأنكرها وقال أحدثتم والله لئن عادت لأخرجن من بين أظهركم
رواه بن عيينة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن صفية قالت زلزلت المدينة على عهد عمر حتى اصطكت السور فقام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال ما أسرع ما أحدثتم والله لئن عادت لأخرجن من بين أظهركم
وروى حماد بن سلمة عن عبد الله بن الحارث قال زلزلت الأرض بالبصرة فقال بن عباس والله ما أدري أزلزلت الأرض أم بي أرض فقام بالناس فصلى مثل صلاة الكسوف . أ.هـ
قلت : بل ثبت في صحيح البخاري عن أنس رضي الله عنه قال : صَعِدَ النبي صلى الله عليه وسلم أُحُدًا وَمَعَهُ أبو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ فَرَجَفَ فقال (اسْكُنْ أُحُدُ أَظُنُّهُ ضَرَبَهُ بِرِجْلِهِ فَلَيْسَ عَلَيْكَ إلا نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ ).
و روى ابن أبي شيبة :
في مصنفه ج2/ص221
حدثنا حَفْصٌ عن لَيْثٍ عن شَهْرٍ قال زُلْزِلَتْ الْمَدِينَةُ في عَهْدِ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ( إنَّ رَبَّكُمْ يَسْتَعْتِبُكُمْ فَأَعْتِبُوهُ )، وهذا سنده مرسل ضعيف كما قال ابن حجر في تلخيص الحبير .
وقال ابن أبي شيبة حدثنا بن نُمَيْرٍ عن عُبَيْدِ اللهِ عن نَافِعٍ عن صَفِيَّةَ ابْنَةِ ابي عُبَيْدٍ قال : زُلْزِلَتْ الأَرْضُ على عَهْدِ عُمَرَ حتى اصْطَفَقَتْ السُّرَرُ فَوَافَقَ ذلك عَبْدَ اللهِ بن عُمَرَ وهو يُصَلِّي فلم يَدْرِ قال فَخَطَبَ عُمَرُ لِلنَّاسِ فقال : أَحَدُهُمَا (لقد عَجِلْتُمْ - قال وَلاَ أَعْلَمُهُ إِلاَّ قال - لَئِنْ عَادَتْ لَأَخْرُجَنَّ من بَيْنِ ظَهْرَانِيكُمْ ).
ولم يثبت في هذين الأثرين – حديث أنس وحديث صفية- أن الرسول صلى الله عليه وسلم ولا عمر رضي الله عنه صليا .
وأما ما ثبت في مصنف ابن أبي شيبة :
حدثنا الثَّقَفِيُّ عن خَالِدٍ عن عبد اللهِ بن الْحَارِثِ أَنَّ بن عَبَّاسٍ صلى بِهِمْ في زَلْزَلَةٍ كانت أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ فيها سِتُّ ركعات .
فهذا الأثر وقد صححه ابن حجر في الفتح إنما هو اجتهاد من ابن عباس رضي الله عنه وهو موقوف عليه ،
وأما يروى أن عائشة رضي الله عنها مرفوعا قالت : صلاة الآيات ست ركعات وأربع سجدات ، فلعل ذلك المقصود به الكسوف والخسوف .
أما من استدل بأنها قياس على صلاة الخسوف والكسوف ،
فأقول : أن الصلاة عبادة محضة والعبادات مبنية على التوقيف والمتابعة ولا يصح القياس فيها بل لا يجوز لأنه محدث هنا ولأنها أي الصلاة عبادة محضة غير معلله في كيفية أدائها ولا وقتها ولا هيئة المصلي فيها ولا في تشريعها على نحوها الذي تؤدى عليه وهناك ما لانعقله من عللها والقياس إنما يستساغ مع التعليل أو مع عقل المعنى من الحكم والتشريع وهذا في المعاملات والعادات والجنايات وبعض العبادات كالزكاة والجهاد ونحوها ، وهو مستساغ في مسائل محدودة ويسيرة وبأضيق الحدود في أمور العبادات أو المتعلقة بها .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في القواعد النورانية: كان أحمد وغيره من فقهاء أهل الحديث يقولون: إن الأصل في العبادات التوقيف، فلا يشرع منها إلا ما شرعه الله، وإلا دخلنا في معنى قوله تعالى: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ).أ.هـ
وقد أفتى حينما سئل سماحة شيخنا العلامة ابن باز رحمه الله في هذا الموضوع بقوله :
لا أعلم دليلاً يعتمد عليه في شرعية الصلاة للزلازل ونحوها، وإنما جاءت السنة الصحيحة بالصلاة والذكر والدعاء والصدقة حين الكسوف، وذهب بعض أهل العلم إلى شرعية صلاة الكسوف للزلزلة، ولا أعلم نصاً عن الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك، وإنما ذلك مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقد علم بالأدلة الشرعية أن العبادات توقيفية لا يشرع منها إلا ما دل عليه الكتاب والسنة الصحيحة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) متفق على صحته من حديث عائشة رضي الله عنها، وأخرجه مسلم في صحيحه عنها رضي الله عنها بلفظ: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد))، والمعنى فهو مردود على من أحدثه، لا يجوز العمل به، ولا نسبته إلى الشرع الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، والله الموفق.أ.هـ
الخلاصة لم يثبت صلاة مخصصة للزلزلة وإنما من رأى من هذه الزلازل والبراكين فعليه مع كثرة الدعاء التوبة والاستغفار والابتهال والخشوع والإنابة إلى الله تعالى ، هذا والله تعالى أجل وأعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه .
كتبه د . نايف بن محمد العتيبي
29/5/1430هـ
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه وبعد :
ففي مسألة الصلاة عند الزلازل والبراكين والحديث عنها أقول مستعينا بالله :
قال الله تبارك وتعالى : { وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا} (59) سورة الإسراء .
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله :
قال قتادة إن الله تعالى يخوف الناس بما شاء من الآيات لعلهم يعتبرون ويذكرون ويرجعون ذكر لنا أن الكوفة وجفت على عهد ابن مسعود رضي الله عنه فقال يا أيها الناس إن ربكم يستعتبكم فأعتبوه . أ.هـ قلت وهذا الأثر رواه ابن جرير في تفسيره بسنده .
قلت وكما قال الإمام البخاري أن هذا التخويف يوجب الخشوع والإنابة لله تعالى ،
وكما هو معلوم أن كثرة الزلازل من أشراط الساعة وعلاماتها كما جاء بذلك الخبر الصحيح فقد روى أحمد والبخاري عن أبي هُرَيْرَةَ قال قال النبي صلى الله عليه وسلم :
(لا تَقُومُ السَّاعَةُ حتى يُقْبَضَ الْعِلْمُ وَتَكْثُرَ الزَّلَازِلُ وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ وهو الْقَتْلُ الْقَتْلُ حتى يَكْثُرَ فِيكُمْ الْمَالُ فَيَفِيضَ ) .
ومن حيث الصلاة في حال الزلازل ففيها اختلاف بين العلماء والقول الفصل في ذلك إن شاء الله تعالى ما يأتي :
قال الإمام البيهقي بسنده عن الإمام محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله (الأم للشافعي ج7/ص168):
لا أرى أن يجمع لصلاة عند شيء من الآيات غير الكسوف وقد كانت آيات فما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالصلاة عند شيء منها ولا أحد من خلفائه وقد زلزلت الأرض في عهد عمر بن الخطاب فما علمناه صلى وقد قام خطيباً فحض على الصدقة وأمر بالتوبة وأنا أحب للناس أن يصلي كل رجل منهم منفرداً عند الظلمة والزلزلة وشدة الريح والخسف وانتشار النجوم وغير ذلك من الآيات وقد روى البصريون أن ابن عباس صلى بهم في زلزلة وإنما تركنا ذلك لما وصفنا من أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بجمع الصلاة إلا عند الكسوف وأنه لم يحفظ أن عمر صلى عند الزلزلة ،قال أحمد قد روينا حديث عمر وابن عباس في السنن وروينا عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا رأيتم آية فاسجدوا )،وذلك يرجع إلى ما استحبه الشافعي من الصلاة على الانفراد وكذلك روي عن ابن مسعود أنه قال : (إذا سمعتم هادا من السماء فافزعوا إلى الصلاة )، ثم قال : قال الشافعي فيما بلغه عن عباد عن عاصم الأحول عن قزعة عن علي أنه صلى في زلزلة ست ركعات في أربع سجدات وخمس ركعات وسجدتين في ركعة وركعة وسجدتين في ركعة ولو ثبت هذا الحديث عندنا عن علي لقلنا به وهم يثبتونه ولا يأخذون به . انتهى ما قاله الإمام البييهقي في كتابه /معرفة السنن والآثار 3/90.
وعنده في السنن :
عن محمد بن عبيد ثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن صفية بنت أبي عبيد قالت: زلزلت الأرض على عهد عمر حتى اصطفقت السرر وبن عمر يصلي فلم يدر بها ولم يوافق أحدا يصلي فدرى بها فخطب عمر الناس فقال : (أحدثتم لقد عجلتم قالت ولا أعلمه إلا قال لئن عادت لأخرجن من بين ظهرانيكم) .
قلت هذا الأثر رواه نعيم بن حماد في الفتن بسنده :
الفتن لنعيم بن حماد ج2/ص620
حدثنا ابن عيينة عن عبيد الله عن نافع عن صفية قالت : تزلزلت المدينة على عهد عمر وابن عمر قائم لا يشعر حتى اصطفقت السرر فلما أصبح عمر رضى الله عنه قال: ( يا أيها الناس ما أسرع ما أحدثتم )
قال ابن عيينة وفي غير حديث نافع : قال (لئن عادت لأخرجن من بين أظهركم ).
قلت :وهذا السند صحيح إن شاء الله وغاية ما قدح به نعيم بن حماد أنه قد يروي من غير الثقات أو يصل ما أوقف ولم يكن هذا السند من هذا القبيل ، ولله الحمد ، ثم هو متابع كما في رواية البيهقي السابقة تابعه الذي روى عن محمد بن عبيد وهو أيوب بن محمد الوزان وهو ثقة كما في التقريب .
قلت وأما ما يروى عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه أَنَّهُ صلى في زَلْزَلَةٍ سِتَّ رَكَعَاتٍ في أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ خَمْسَ رَكَعَاتٍ وَسَجْدَتَيْنِ في رَكْعَةٍ وَرَكْعَةٍ وَسَجْدَتَيْنِ في رَكْعَةٍ .
فهذه الرواية في سندها مقال ، إضافة إلى أن قزعة لا أظنه يروي عن علي مباشرة ، وقد قال الشافعي رحمه الله كما تقدم : وَلَوْ ثَبَتَ هذا الْحَدِيثُ عِنْدَنَا عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ تَعَالَى عنه لَقُلْنَا بِهِ وَهُمْ يُثْبِتُونَهُ وَلَا يَأْخُذُونَ بِهِ .
وقال ابن عبد البر في الاستذكار ج2/ص418 :
وكان مالك والشافعي لا يريان الصلاة عند الزلزلة ولا عند الظلمة والريح الشديد ورآها جماعة من أهل العلم منهم أحمد وإسحاق وأبو ثور وروي عن بن عباس أنه صلى في الزلزلة وقال بن مسعود إذا سمعتم هادا من السماء فافزعوا إلى الصلاة ، وقال أبو حنيفة من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج .
قال أبو عمر لم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجه صحيح أن الزلزلة كانت في عصره ولا صحت عنه فيها سنة وقد كانت أول ما كانت في الإسلام على عهد عمر فأنكرها وقال أحدثتم والله لئن عادت لأخرجن من بين أظهركم
رواه بن عيينة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن صفية قالت زلزلت المدينة على عهد عمر حتى اصطكت السور فقام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال ما أسرع ما أحدثتم والله لئن عادت لأخرجن من بين أظهركم
وروى حماد بن سلمة عن عبد الله بن الحارث قال زلزلت الأرض بالبصرة فقال بن عباس والله ما أدري أزلزلت الأرض أم بي أرض فقام بالناس فصلى مثل صلاة الكسوف . أ.هـ
قلت : بل ثبت في صحيح البخاري عن أنس رضي الله عنه قال : صَعِدَ النبي صلى الله عليه وسلم أُحُدًا وَمَعَهُ أبو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ فَرَجَفَ فقال (اسْكُنْ أُحُدُ أَظُنُّهُ ضَرَبَهُ بِرِجْلِهِ فَلَيْسَ عَلَيْكَ إلا نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ ).
و روى ابن أبي شيبة :
في مصنفه ج2/ص221
حدثنا حَفْصٌ عن لَيْثٍ عن شَهْرٍ قال زُلْزِلَتْ الْمَدِينَةُ في عَهْدِ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ( إنَّ رَبَّكُمْ يَسْتَعْتِبُكُمْ فَأَعْتِبُوهُ )، وهذا سنده مرسل ضعيف كما قال ابن حجر في تلخيص الحبير .
وقال ابن أبي شيبة حدثنا بن نُمَيْرٍ عن عُبَيْدِ اللهِ عن نَافِعٍ عن صَفِيَّةَ ابْنَةِ ابي عُبَيْدٍ قال : زُلْزِلَتْ الأَرْضُ على عَهْدِ عُمَرَ حتى اصْطَفَقَتْ السُّرَرُ فَوَافَقَ ذلك عَبْدَ اللهِ بن عُمَرَ وهو يُصَلِّي فلم يَدْرِ قال فَخَطَبَ عُمَرُ لِلنَّاسِ فقال : أَحَدُهُمَا (لقد عَجِلْتُمْ - قال وَلاَ أَعْلَمُهُ إِلاَّ قال - لَئِنْ عَادَتْ لَأَخْرُجَنَّ من بَيْنِ ظَهْرَانِيكُمْ ).
ولم يثبت في هذين الأثرين – حديث أنس وحديث صفية- أن الرسول صلى الله عليه وسلم ولا عمر رضي الله عنه صليا .
وأما ما ثبت في مصنف ابن أبي شيبة :
حدثنا الثَّقَفِيُّ عن خَالِدٍ عن عبد اللهِ بن الْحَارِثِ أَنَّ بن عَبَّاسٍ صلى بِهِمْ في زَلْزَلَةٍ كانت أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ فيها سِتُّ ركعات .
فهذا الأثر وقد صححه ابن حجر في الفتح إنما هو اجتهاد من ابن عباس رضي الله عنه وهو موقوف عليه ،
وأما يروى أن عائشة رضي الله عنها مرفوعا قالت : صلاة الآيات ست ركعات وأربع سجدات ، فلعل ذلك المقصود به الكسوف والخسوف .
أما من استدل بأنها قياس على صلاة الخسوف والكسوف ،
فأقول : أن الصلاة عبادة محضة والعبادات مبنية على التوقيف والمتابعة ولا يصح القياس فيها بل لا يجوز لأنه محدث هنا ولأنها أي الصلاة عبادة محضة غير معلله في كيفية أدائها ولا وقتها ولا هيئة المصلي فيها ولا في تشريعها على نحوها الذي تؤدى عليه وهناك ما لانعقله من عللها والقياس إنما يستساغ مع التعليل أو مع عقل المعنى من الحكم والتشريع وهذا في المعاملات والعادات والجنايات وبعض العبادات كالزكاة والجهاد ونحوها ، وهو مستساغ في مسائل محدودة ويسيرة وبأضيق الحدود في أمور العبادات أو المتعلقة بها .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في القواعد النورانية: كان أحمد وغيره من فقهاء أهل الحديث يقولون: إن الأصل في العبادات التوقيف، فلا يشرع منها إلا ما شرعه الله، وإلا دخلنا في معنى قوله تعالى: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ).أ.هـ
وقد أفتى حينما سئل سماحة شيخنا العلامة ابن باز رحمه الله في هذا الموضوع بقوله :
لا أعلم دليلاً يعتمد عليه في شرعية الصلاة للزلازل ونحوها، وإنما جاءت السنة الصحيحة بالصلاة والذكر والدعاء والصدقة حين الكسوف، وذهب بعض أهل العلم إلى شرعية صلاة الكسوف للزلزلة، ولا أعلم نصاً عن الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك، وإنما ذلك مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقد علم بالأدلة الشرعية أن العبادات توقيفية لا يشرع منها إلا ما دل عليه الكتاب والسنة الصحيحة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) متفق على صحته من حديث عائشة رضي الله عنها، وأخرجه مسلم في صحيحه عنها رضي الله عنها بلفظ: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد))، والمعنى فهو مردود على من أحدثه، لا يجوز العمل به، ولا نسبته إلى الشرع الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، والله الموفق.أ.هـ
الخلاصة لم يثبت صلاة مخصصة للزلزلة وإنما من رأى من هذه الزلازل والبراكين فعليه مع كثرة الدعاء التوبة والاستغفار والابتهال والخشوع والإنابة إلى الله تعالى ، هذا والله تعالى أجل وأعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه .
كتبه د . نايف بن محمد العتيبي
29/5/1430هـ