تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : عمل المرأة


عاصم الثقيل
14-Apr-2009, 12:17 PM
أيها الأحبة هذه خطبة خطبت بها في شهر ربيع الأول من عام 1429 في مسجدي (جامع الحامد بالرياض), وهي عن عمل المرأة, وأحببت أن أنقلها لكم لتعم الفائدة.
الخطبة الأولى/
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد ألا إله ألا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد :
معاشر المسلمين، لم تعرف البشريةُ ديناً ولا حضارةً عُنيت بالمرأة أجملَ عناية وأتمَّ رعايةٍ وأكملَ اهتمام كالإسلام. تحدَّث عن المرأة، وأكّد على مكانتها وعِظم منزلتها، جعلها مرفوعةَ الرأس، عاليةَ المكانة، مرموقةَ القدْر، لها في الإسلام الاعتبارُ الأسمى والمقامُ الأعلى، تتمتّع بشخصيةٍ محترمة وحقوقٍ مقرّرة وواجبات معتبرة. نظر إليها على أنها شقيقةُ الرجل، خُلِقاَ من أصل واحد، ليسعدَ كلٌّ بالآخر ويأنس به في هذه الحياة، في محيط خيرٍ وصلاح وسعادة، قال : ((إنما النساء شقائق الرجال)).
المرأةُ في تعاليم الإسلام كالرجل في المطالبة بالتكاليف الشرعية، وفيما يترتّب عليها من جزاءات وعقوبات، وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّـٰلِحَـٰتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً [النساء:124].
هي كالرجل في حمل الأمانة في مجال الشؤون كلها إلا ما [اقتضت] الضرورةُ البشرية والطبيعة الجِبليّة التفريقَ فيه، وهذا هو مقتضى مبدأ التكريم في الإسلام لبني الإنسان، وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى ءادَمَ وَحَمَلْنَـٰهُمْ فِى ٱلْبَرّ وَٱلْبَحْرِ وَرَزَقْنَـٰهُمْ مّنَ ٱلطَّيّبَـٰتِ وَفَضَّلْنَـٰهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً [الإسراء:70].
إخوةَ الإسلام، لقد أشاد الإسلام بفضل المرأة، ورفع شأنَها، وعدَّها نعمةً عظيمةً وهِبةً كريمة، يجب مراعاتها وإكرامُها وإعزازها، يقول المولى جل وعلا: لِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاء يَهَبُ لِمَن يَشَاء إِنَـٰثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء ٱلذُّكُورَ أَوْ يُزَوّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَـٰثاً [الشورى:49،50]، وفي مسند الإمام أحمد أن النبي قال: ((من كان له أنثى فلم يئدها ولم يُهنها ولم يؤثر ولده عليها أدخله الله الجنة).
المرأةُ في ظل تعاليم الإسلام القويمة وتوجيهاتِه الحكيمة تعيش حياةً كريمة في مجتمعها المسلم، حياةً مِلؤها الحفاوةُ والتكريم من أوَّل يوم تقدُم فيه إلى هذه الحياة، ومُرورًا بكل حال من أحوال حياتها.
رعى حقَّها طفلةً، وحثَّ على الإحسان إليها، ففي صحيح مسلم من حديث أنس رضي الله عنه أن النبي قال: ((من عال جاريتين حتى تبلُغا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين)) وضمّ أصابعه، وفي مسلم أيضاً أن النبي قال: ((من كان له ثلاث بنات وصبر عليهن وكساهن من جدته كُنَّ له حجابا من النار)).
رعى الإسلام حقَّ المرأة أمًّا، فدعا إلى إكرامها إكرامًا خاصًّا، وحثَّ على العناية بها، وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّـٰهُ وَبِٱلْوٰلِدَيْنِ إِحْسَـٰناً [الإسراء:23]. بل جعل [حقَّ] الأمّ في البرّ آكدَ من حقِّ الوالد، جاء رجل إلى نبينا فقال: يا رسول الله، من أبرّ؟ قال: ((أمّك))، قال: ثم من؟ قال: ((أمّك))، قال: ثم من؟ قال: ((أمّك))، قال: ثم من؟ قال: ((أبوك)) متفق عليه.
رعى الإسلامُ حقَّ المرأة زوجةً، وجعل لها حقوقاً عظيمة على زوجها، من المعاشرة بالمعروف والإحسان والرفق بها والإكرام، قال : ((ألا واستوصوا بالنساء خيراً، فإنهن عوان عندكم)) متفق عليه، وفي حديث آخر أنه قال: ((أكملُ المؤمنين إيماناً أحسنُهم خُلُقاً، وخيارُكم خياركم لنسائه)).
رعى الإسلامُ حقَّ المرأة أختًا وعمَّةً وخالةً، فعند الترمذي وأبي داود: ((ولا يكون لأحد ثلاثُ بنات أو أخوات فيُحسن إليهن إلا دخل الجنة)).
وفي حال كونِها أجنبيةً فقد حثَّ على إعانتها ومساعدتها ورعايتها، ففي الصحيحين: ((الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، أو كالقائم الذي لا يفتُر، أو كالصائم الذي لا يفطِر)).
معاشرَ المسلمين، المكانةُ الاجتماعية للمرأة في الإسلام محفوظةٌ مرموقة، منحها الحقوقَ والدفاعَ عنها والمطالبةَ برفع ما قد يقع عليها من حرمان أو إهمال، يقول : ((إن لصاحب الحق مقالاً)).
أعطاها حقَّ الاختيار في حياتها والتصرّف في شؤونها وفقَ الضوابط الشرعية والمصالح المرعية، قال جل وعلا: وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ [النساء:19]، وقال : ((لا تُنكح الأيم حتى تُستأمَر، ولا البكر حتى تستأذَن في نفسها)).
المرأةُ في نظر الإسلام أهلٌ للثقة ومحلٌّ للاستشارة، فهذا رسول الله أكملُ الناس علما وأتمُّهم رأيًا يشاور نساءَه ويستشيرهن في مناسبات شتى ومسائل عظمى.
والإسلامَ يفرض للمرأة من حيث هي ما يسمَّى بمبدأ الأمن الاقتصادي مما لم يسبق له مثيلٌ ولا يجاريه بديل حينما كفل للمرأة النفقةَ أمًّا أو بنتاً أو أختاً أو زوجةً وحتى أجنبية، لتتفرّغ لرسالتها الأسمى وهي فارغةُ البال من هموم العيش ونصب الكدح والتكسُّب.
معاشر المؤمنين، هذه بعضُ مظاهر التكريم للمرأة في الإسلام، وذلك [غيْضٌ من فيض] وقبضةٌ من بحر.
أيها المسلمون، إن أعداءَ الإسلام تُقلقهم تلك التوجيهاتُ السامية، وتقضّ مضاجعهم هذه التعليمات الهادفة، لذا فهُم بأنفسهم وبمن انجرّ خلفهم في حديث لا يكلّ عن المرأة وشؤونها وحقّها وحقوقها، كما يتصوّرون وكما يزعمون، مما يحمل بلاءً لاتختلف الفضائل في ضجَّته، وتذوب الأخلاق في أزِمّته، دعواتٌ تهدف لتحرير المسلمة من دينها والمروق من إسلامها، مبادئُ تصادم الفطرةَ وتنابذ القيمَ الإيمانية. دعواتٌ من أولئك تنبثق من مبادئَ مُهلكةٍ ومقاييسَ فاسدة وحضاراتٍ منتنة، تزيِّن الشرورَ والفساد بأسماء برّاقة ومصطلحات خادعة. وللأسف تجد من أبناء المسلمين من في فكره عِوَجٌ وفي نظره خلل ينادي بأعلى صوتٍ بتلك الدعوات، ويتحمّس لتلك الأفكار المضلِّلة والتوجُّهات المنحرفة، بل ويلهج سعياً لتحقيقها وتفعيلها. لذا تجد أقلامَهم تُفرز مقتاً للأصيل من أصولهم والمجيد من تراثهم.
إخوة الإسلام، لقد عرف أعداءُ الإسلام ما يحمله هذا الدين للمرأة من سموّ كرامةٍ وعظيم صيانة، علموا في مقرراته المأصَّلة أن الأصلَ قرارُ المرأة في مملكة منزلها، في ظل سكينة وطمأنينة، ومحيط بيوتٍ مستقرةٍ، وجوِّ أسرة حانية. رأوا حقوقَ المرأة مقرونةً بمسؤوليتها في رعاية الأسرة، وخروجها في الإسلام من منزلها يؤخَذ ويمارَس من خلال الحشمة والأدب، ويُحاط بسياج الإيمان والكرامة وصيانة العرض، كما قال تعالى: وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ ٱلْجَـٰهِلِيَّةِ ٱلأولَىٰ [الأحزاب:33]، وكما قال : ((وبيوتهن خير لهن)). حينذاك ضاقوا من ذلك ذرعاً، فراحوا بكلِّ وسيلة وسعوا بكل طريقة ليخرجوا المرأةَ من بيتها وقرارِها المكين وظلِّها الأمين، لتطلق لنفسها حينئذ العنانَ لكل شاردةٍ وواردة، ولهثوا لهثاً حثيثاً ليحرّروها من تعاليم دينها وقيم أخلاقها، تارةً باسم تحرير المرأة، وتارةً باسم الحرية والمساواة، وتارة باسم العمل والحاجة إليه، وتارةً باسم الرقي والتقدم الكاذب. مصطلحاتٌ ظاهرها الرحمة والخير، وباطنُها شرٌّ يُبنى على قلبِ القيم، وعكس المفاهيم، والخروج من كل الضوابط والقيم والمسؤوليات الأسَرِية والحقوقِ الاجتماعية، وبالتالي تؤول المرأة إلى سلعةٍ تُدار في أسواق الملذَّات والشهوات.
فالمرأةُ في نظر هؤلاء هي المتحرِّرةُ من شؤون منزلها وتربية أولادها، هي الراكضةُ اللاهثة في هموم العيش والكسب ونصب العمل ولفْت الأنظار وإعجاب الآخرين، ولو كان ذلك على حساب تدمير الفضيلة والأخلاق, وتدمير الأسرة والقيم، فلا هي حينئذ بطاعة ربٍ ملتزمةٌ، ولا بحقوق زوجٍ وافية، ولا في إقامة مجتمع فاضلٍ مُسهِمة، ولا بتربية نشءٍ قائمةٌ.
إخوةَ الإسلام، تلك نظراتُهم تصبُّ في بواثِق الانطلاق التامِّ والتحرُّر الكامل، الذي يُغرق الإنسانَ في الضياع والرذيلة وفقدان القيمة والهدف والغاية. أما في الإسلام فالمرأة أهمُّ عناصر المجتمع، الأصلُ أن تكون مربِّيةً للأجيال، مصنعاً للأبطال، ومع هذا فالإسلام ـ وهو الذي يجعل للعمل الخيِّر منزلةً عظمى ومكانةً كبرى ـ لا تأبى تعاليمُه عملاً للمرأة في محيط ما تزكو به النفس، وتُقوَّم به الأخلاق، وتحفظ به المرأة كرامتَها وحياءها وعفَّتها، وتصون به دينها وبدنَها وعرضها وقلبَها، وذلك من خلال ما يناسب فطرتَها ورسالتَها، وطبيعتَها ومواهبَها، وميولها وقدراتِها. ومن هذا المنطلق فالإسلام حينئذ يمنع المرأة وبكلِّ حزم من كلِّ عمل ينافي الدين، ويضادُّ الخلقَ القويم، فيشرط في عملها أن تكون محتشمةً وقورة، بعيدةً عن مظانِّ الفتنة، غيرَ مختلطة بالرجال، ولا متعرّضةٍ للسفور والفجور. ولئن أردنا حقيقةَ الواقع الذي يخالف ذلك المنهج الإسلامي فاسمع ـ يا رعاك الله ـ لأحد كُتَّاب الغرب وهو يقول: "إن النظام الذي يقضي بتشغيل المرأة في المعامل مهما نشأ عنه من الثروة للبلاد فإن نتيجتَه كانت هادمةً لبناء الحياة المنزلية؛ لأنه هاجم هيكلَ المنزل، وقوَّض أركانَ الأسرة، ومزَّق الروابط الاجتماعية"، وتقول أخرى وهي دكتورةٌ تحكي أزماتِ مجتمعها، تقول: "إن سبب الأزماتِ العائلية وسرَّ كثرةِ الجرائم في المجتمع هو أن الزوجةَ تركت بيتَها لتضاعفَ دخلَ الأسرة، فزاد الدخلُ وانخفض مستوى الأخلاق"، إلى أن قالت: "والتجاربُ أثبتت أن عودةَ المرأة إلى المنزل هي الطريقةُ الوحيدة لإنقاذ الجيل الجديد من التدهور الذي [هو] فيه" انتهى.
فيا أيها المسلمون، الحرصَ الحرصَ على تعاليم هذا الدين، والحذرَ الحذر من مزالق الأعداء الحاقدين.
بارك الله لي ولكم في القرآن، ونفعنا بما فيه من الآيات والبيان، أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله سيّد الأنبياء والمرسلين.
أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل، فمن اتقاه وقاه، وأسعده وما أشقاه.
إخوة الإسلام، من أوجُه عناية الإسلام بالمجتمع حرصُه على منع الاختلاط بين الرجال والنساء في أيِّ مجال وفي أيِّ شأن، ذلكم أنه وباءٌ خطير، ما أصيبَ به مجتمع إلا ودبَّت فيه كلُّ بليَّة وعمَّ فيه الشرُّ والفساد، فما من جريمة نُهِش فيها العرض وذُبح العفافُ وأُهدِر الشرف إلا وكانت الخيوطُ الأولى التي نُسجت فيها هذه الجريمة، وسهَّلت سبيلها هي ثغرة حصلت في الحصون التي وضعتها الشريعة في العلاقة بين الرجال والنساء، ومن خلال هذه الثغرة يدخل الشيطان ويقع الفساد.
ولنستمع لمقالة إحدى النساء التي عاشت في مجتمع الاختلاط، وهي تحكي تجرباتِ بنات جنسها في مقال أسمته "امنعوا الاختلاط" قالت: "إن المجتمعَ العربيَّ كاملٌ وسليم، ومن الخليق بهذا المجتمع أن يتمسَّك بتعاليمه وتقاليده التي تقيِّد الفتاةَ والشابَّ في حدود المعقول"، إلى أن قالت: "لهذا أنصح بأن تتمسَّكوا بتقاليدكم وأخلاقكم، وامنعوا الاختلاط، وقيِّدوا حريةَ الفتاة، بل ارجعوا إلى أصل الحجاب، فهو خيرٌ لكم من الإباحة والانطلاق والفجور" انتهى.
ألا فليتقِ اللهَ أهلُ الإسلام في مواليهم، وليحسِبوا خطواتِ السير في حياتهم، وليحفظوا ما استرعاهم الله عليهم من رعاياهم، والحذر الحذر من التفريط والاستجابة لفتنة الاستدراج إلى مدارج الغواية والضلالة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَـٰعاً فَٱسْـئَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:53].
ثم إن الله جل وعلا أمرنا بأمر عظيم ألا وهو الصلاة على النبي الكريم.
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين...

خالد نوار العتيبي
14-Apr-2009, 12:44 PM
جزاك الله خير وبارك فيك خطبة قيمه

والمرأة نصف المجتمع أهي أمنا وأختنا وزوجتنا

يعطيك الله العافية

تحياتي لك

@ـايل
14-Apr-2009, 12:57 PM
جزاك الله خير اخونا العزيز / عاصم الثقيل ...

خطبه قيمّه فيها من الحكم الشيء الكثير ...

الله يجعلها في موازين حسناتك ..

........

عاصم الثقيل
14-Apr-2009, 01:26 PM
الأخ الكريم خالد العتيبي والاخ الكريم هايل العتيبي أشكر لكما مروركما ودعائكما, الله لا يحرمنا وإياكم الجنة.

محمد العتيبي
15-Apr-2009, 04:29 PM
الله يجزاك خير يالغالي ..

عاصم الثقيل
16-Apr-2009, 01:07 PM
أشكرك على مرورك الجميل أخي محمد العتيبي, وتقبل مني تحية معطرة, ذات رونق خاص.