د/ نايف العتيبي
24-Feb-2009, 09:04 PM
فائدة : في مدح النفس
( مناسبة هذا الموضوع هو ما سألنيه الأخ العزيز /فيصل بن ضاوي
في موضوع سابق في هذا المنتدى الطيب عن : كيف التفريق بين ذم التفاخر ومدح النفس المباح )
الحمده وحده وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد :
فإنه من المعلوم كراهة المدح والتفاخر بالأنساب والأحساب وذلك لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم :
عن عبد الرحمن بن أبي بَكْرَةَ عن أبيه قال مَدَحَ رَجُلٌ رَجُلًا عِنْدَ النبي صلى الله عليه وسلم قال فقال : (وَيْحَكَ قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ مِرَارًا إذا كان أحدكم مَادِحًا صَاحِبَهُ لا مَحَالَةَ فَلْيَقُلْ أَحْسِبُ فُلانًا وَاللَّهُ حَسِيبُهُ ولا أُزَكِّي على اللَّهِ أَحَدًا أَحْسِبُهُ إن كان يَعْلَمُ ذَاكَ كَذَا وَكَذَا )رواه البخاري ومسلم .
وعن أبي مُوسَى قال سمع النبي صلى الله عليه وسلم رَجُلا يثنى على رَجُلٍ وَيُطْرِيهِ في الْمِدْحَةِ فقال: ( لقد أَهْلَكْتُمْ أو قَطَعْتُمْ ظَهْرَ الرَّجُلِ ) رواه مسلم
وعن مُجَاهِدٍ عن أبي مَعْمَرٍ قال قام رَجُلٌ يثنى على أَمِيرٍ من الْأُمَرَاءِ فَجَعَلَ الْمِقْدَادُ يَحْثِي عليه التُّرَابَ وقال: ( أَمَرَنَا رسول اللَّهِ صلى الله
عليه وسلم أَنْ نَحْثِيَ في وُجُوهِ الْمَدَّاحِينَ التُّرَابَ )رواه مسلم.
وعن هَمَّامِ بن الْحَارِثِ أَنَّ رَجُلًا جَعَلَ يَمْدَحُ عُثْمَانَ فَعَمِدَ الْمِقْدَادُ فَجَثَا على رُكْبَتَيْهِ وكان رَجُلًا ضَخْمًا فَجَعَلَ يَحْثُو في وَجْهِهِ الْحَصْبَاءَ فقال له عُثْمَانُ ما شَأْنُكَ فقال إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا رَأَيْتُمْ الْمَدَّاحِينَ فَاحْثُوا في وُجُوهِهِمْ التُّرَابَ )رواه مسلم .
ولما ورد في ترك التفاخر بالأحساب والطعن في الأنساب
عن أَبَي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيَّ رضي الله عنه أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : (أَرْبَعٌ في أُمَّتِي من أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ لَا يَتْرُكُونَهُنَّ الْفَخْرُ في الْأَحْسَابِ
وَالطَّعْنُ في الْأَنْسَابِ وَالْاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ وَالنِّيَاحَةُ ،،وقال النَّائِحَةُ إذا لم تَتُبْ قبل مَوْتِهَا تُقَامُ يوم الْقِيَامَةِ وَعَلَيْهَا سِرْبَالٌ من قَطِرَانٍ وَدِرْعٌ من جَرَبٍ ) رواه أحمد ومسلم وغيرهما .
وقد عنون ابن حبان في صحيح لأحاديث بقوله :
صحيح ابن حبان ج13/ص84
(ذكر الإباحة للمرء ان يمدح نفسه بشيء من الخير إذا أراد بذلك انتفاع الناس به وامن العجب على نفسه)
ثم روى حديث أنا النبي ل اكذب .
وكذلك عنون لحديث آخر :
(ذكر البيان بأن المرء جائز له أن يمدح نفسه ببعض ما أنعم الله عليه إذا أراد بذلك قصد الخير بالمستمعين له دون إعطاء النفس شهواتها منه)
قال ابن عبدالبر ت 463هـ رحمه :
الله في التمهيد20/39
عند كلامه حول الحديث الثابت وقوله صلى الله عليه وسلم :
(ردوا علي ردائي أتخافون أن لا أقسم بينكم ما أفاء الله عليكم
والذي نفسي بيده لو أفاء الله عليكم مثل سمر تهامة نعما
لقسمته بينكم ثم لا تجدونني بخيلا ولا جبانا ولا كذابا...الحديث).
قال : "وفيه جواز مدح الرجل الفاضل الجليل لنفسه ونفيه عن نفسه ما يعيبه بالحق الذي هو فيه وعليه إذا دفعت إلى ذلك ضرورة أو معنى يوجب ذلك فلا بأس بذلك وقد قال الله عز وجل حاكيا عن يوسف عليه السلام أنه قال ( إني حفيظ عليم ) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنا أول من تنشق عنه الأرض ، وأول شافع وأول مشفع وأنا سيد ولد آدم ولا فخر ) ومثل هذا كثير في السنن وعن علماء السلف لا ينكر ذلك إلا من لا علم له بآثار من مضى" أ.هـ .
وقال ابن الجوزي ت597هـ رحمه الله :
كشف المشكل ج1/ص240
فإن قال قائل كيف مدح هذا الرجل نفسه ومن شأن المؤمن
التواضع
فالجواب أنه إذا اضطر الإنسان إلى إظهار فضله حسن إظهاره
كما قال يوسف عليه السلام (( إني حفيظ عليم )) يوسف 55
فهذا لما عيره الجهال اضطر إلى ذكر فضله .
- ثم قال - وأعلم أن المدحة إذا خلت عن البغي والاستطالة على أهل الحق وكان مقصود قائلها إقامة حق أو إبطال جور أو إظهار نعمة لم يلم ، فلو أن قائلا إني لحافظ لكتاب الله عالم بتفسيره وبالفقه في الدين يقصد بهذا إظهار الشكر أو تعريف المتعلم ما عنده ليستفيده إذ لو لم يبين ذلك لم يعلم ما عنده فلم يطلب لم يستقبح ذلك .
ولهذا المعنى قال يوسف عليه السلام(( إني حفيظ عليم )) وقال نبينا عليه الصلاة والسلام : (أنا أكرم ولد آدم على ربه)،
- قلت : رواه ابن أبي حاتم والدارمي والطبراني في الكبير وأبويعلى ، وقال ابن كثير له شواهد صحيحه،
- وقال عمر حين أعطى السائل قميصه والله لا أملك غيره .
- وقال علي سلوني عن كتاب الله فو الله ما من آية إلا وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار أم في سهل نزلت أم في جبل وقال ابن مسعود والله ما نزلت في القرآن سورة إلا أنا أعلم حيث أنزلت ولو أعلم أحدا أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لأتيته .
- وقال الحباب بن المنذر أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب .
وقال الأحنف بن قيس : ما جلس إلي اثنان قط
ثم انصرفا من عندي فذكرتهما بسوء .
- وقال سعيد بن جبير قرأت
القرآن في ركعة في الكعبة .
- وقال مورق العجلي ما قلت في
الغضب شيئا قط فندمت عليه في الرضا .
- وقال ثابت البناني ما تركت سارية في الجامع إلا صليت عندها وبكيت عندها
وقد كانت الجاهلية – أي أهل الجاهلية - تصف محاسنها لتبعث على الاقتداء بها قال حاتم طيء والله ما خاتلت جارة لي قط ولا ائتمنت على أمانة إلا أديتها ولا أتي أحد قط من قبلي بسوء وقال :
ولا تشتكيني جارتي غير أنني
إذا غاب عنها بعلها لا أزورها
سيبلغها خيري ويرجع بعلها
إليها ولم تقصر علي ستورها
قلت : كان كلام ابن الجوزي رحمه الله هنا في معرض شرحه للأثر الثابت في البخاري والذي يعتبر دليلا قويا وآخرا لجواز مدح النفس عند الحاجة لذلك والأثر هو :
عن قَيْسٍ قال سمعت سَعْدًا – ابن وقاص -رضي الله عنه يقول : ( إني لَأَوَّلُ الْعَرَبِ رَمَى بِسَهْمٍ في سَبِيلِ اللَّهِ وَكُنَّا نَغْزُو مع النبي صلى الله عليه وسلم وما لنا طَعَامٌ إلا وَرَقُ الشَّجَرِ حتى إِنَّ أَحَدَنَا لَيَضَعُ كما يَضَعُ الْبَعِيرُ أو الشَّاةُ ما له خِلْطٌ ثُمَّ أَصْبَحَتْ بَنُو أَسَدٍ تُعَزِّرُنِي على الْإِسْلَامِ لقد خِبْتُ إِذًا وَضَلَّ عَمَلِي وَكَانُوا وَشَوْا بِهِ إلى عُمَرَ قالوا لا يُحْسِنُ يُصَلِّي ) رواه البخاري.
هنا يجب التنبيه والتحذير أن ما سبق خلاف الأولى والأصل ومشروط بأمور من أهمها أن يكون للضرورة لدفع مغيبة أو احتقار واستنقاص أو للإعلام بعلم ينتفع به أو لأمر نحو ذلك في صدق غير مبالغ فيه كما تقدم ولا يتجاوز ذلك لئلا يقع الإنسان في محاذير منها :
ما ثبت في المسند وعند ابن مردويه قال عمر بن الخطاب : (من قال أنا مؤمن فهو كافر ومن قال هو عالم فهو جاهل ومن قال هو في الجنة فهو في النار- ولفظ ابن مردويه -: عن عمر أنه قال إن أخوف ما أخاف عليكم إعجاب المرء برأيه فمن قال ...به ).
أي فيه كذب وإعجاب بالرأي الشخصي وقد يقع الإنسان في المحذور فيشكر نفسه ويزكي أعماله ويمن بإيمانه وقد يكون فيه تعالي على الله كما نهى (فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى) وقال (ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء ولا يظلمون فتيلا) .
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.[/size][/color]
كتبه د. أبومحمد نايف بن محمد العصيمي
14/2/1430هـ
** ملاحظة أنا لا أستصدر الإفتاء ولا أدعي الفتوى ولا أحبذ أن تطلب مني ولكن هذا الموضوع هو أحد بحوثي التي أبحثها لنفسي وقدمته لكم هنا لمناسبته .
( مناسبة هذا الموضوع هو ما سألنيه الأخ العزيز /فيصل بن ضاوي
في موضوع سابق في هذا المنتدى الطيب عن : كيف التفريق بين ذم التفاخر ومدح النفس المباح )
الحمده وحده وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد :
فإنه من المعلوم كراهة المدح والتفاخر بالأنساب والأحساب وذلك لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم :
عن عبد الرحمن بن أبي بَكْرَةَ عن أبيه قال مَدَحَ رَجُلٌ رَجُلًا عِنْدَ النبي صلى الله عليه وسلم قال فقال : (وَيْحَكَ قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ مِرَارًا إذا كان أحدكم مَادِحًا صَاحِبَهُ لا مَحَالَةَ فَلْيَقُلْ أَحْسِبُ فُلانًا وَاللَّهُ حَسِيبُهُ ولا أُزَكِّي على اللَّهِ أَحَدًا أَحْسِبُهُ إن كان يَعْلَمُ ذَاكَ كَذَا وَكَذَا )رواه البخاري ومسلم .
وعن أبي مُوسَى قال سمع النبي صلى الله عليه وسلم رَجُلا يثنى على رَجُلٍ وَيُطْرِيهِ في الْمِدْحَةِ فقال: ( لقد أَهْلَكْتُمْ أو قَطَعْتُمْ ظَهْرَ الرَّجُلِ ) رواه مسلم
وعن مُجَاهِدٍ عن أبي مَعْمَرٍ قال قام رَجُلٌ يثنى على أَمِيرٍ من الْأُمَرَاءِ فَجَعَلَ الْمِقْدَادُ يَحْثِي عليه التُّرَابَ وقال: ( أَمَرَنَا رسول اللَّهِ صلى الله
عليه وسلم أَنْ نَحْثِيَ في وُجُوهِ الْمَدَّاحِينَ التُّرَابَ )رواه مسلم.
وعن هَمَّامِ بن الْحَارِثِ أَنَّ رَجُلًا جَعَلَ يَمْدَحُ عُثْمَانَ فَعَمِدَ الْمِقْدَادُ فَجَثَا على رُكْبَتَيْهِ وكان رَجُلًا ضَخْمًا فَجَعَلَ يَحْثُو في وَجْهِهِ الْحَصْبَاءَ فقال له عُثْمَانُ ما شَأْنُكَ فقال إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا رَأَيْتُمْ الْمَدَّاحِينَ فَاحْثُوا في وُجُوهِهِمْ التُّرَابَ )رواه مسلم .
ولما ورد في ترك التفاخر بالأحساب والطعن في الأنساب
عن أَبَي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيَّ رضي الله عنه أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : (أَرْبَعٌ في أُمَّتِي من أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ لَا يَتْرُكُونَهُنَّ الْفَخْرُ في الْأَحْسَابِ
وَالطَّعْنُ في الْأَنْسَابِ وَالْاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ وَالنِّيَاحَةُ ،،وقال النَّائِحَةُ إذا لم تَتُبْ قبل مَوْتِهَا تُقَامُ يوم الْقِيَامَةِ وَعَلَيْهَا سِرْبَالٌ من قَطِرَانٍ وَدِرْعٌ من جَرَبٍ ) رواه أحمد ومسلم وغيرهما .
وقد عنون ابن حبان في صحيح لأحاديث بقوله :
صحيح ابن حبان ج13/ص84
(ذكر الإباحة للمرء ان يمدح نفسه بشيء من الخير إذا أراد بذلك انتفاع الناس به وامن العجب على نفسه)
ثم روى حديث أنا النبي ل اكذب .
وكذلك عنون لحديث آخر :
(ذكر البيان بأن المرء جائز له أن يمدح نفسه ببعض ما أنعم الله عليه إذا أراد بذلك قصد الخير بالمستمعين له دون إعطاء النفس شهواتها منه)
قال ابن عبدالبر ت 463هـ رحمه :
الله في التمهيد20/39
عند كلامه حول الحديث الثابت وقوله صلى الله عليه وسلم :
(ردوا علي ردائي أتخافون أن لا أقسم بينكم ما أفاء الله عليكم
والذي نفسي بيده لو أفاء الله عليكم مثل سمر تهامة نعما
لقسمته بينكم ثم لا تجدونني بخيلا ولا جبانا ولا كذابا...الحديث).
قال : "وفيه جواز مدح الرجل الفاضل الجليل لنفسه ونفيه عن نفسه ما يعيبه بالحق الذي هو فيه وعليه إذا دفعت إلى ذلك ضرورة أو معنى يوجب ذلك فلا بأس بذلك وقد قال الله عز وجل حاكيا عن يوسف عليه السلام أنه قال ( إني حفيظ عليم ) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنا أول من تنشق عنه الأرض ، وأول شافع وأول مشفع وأنا سيد ولد آدم ولا فخر ) ومثل هذا كثير في السنن وعن علماء السلف لا ينكر ذلك إلا من لا علم له بآثار من مضى" أ.هـ .
وقال ابن الجوزي ت597هـ رحمه الله :
كشف المشكل ج1/ص240
فإن قال قائل كيف مدح هذا الرجل نفسه ومن شأن المؤمن
التواضع
فالجواب أنه إذا اضطر الإنسان إلى إظهار فضله حسن إظهاره
كما قال يوسف عليه السلام (( إني حفيظ عليم )) يوسف 55
فهذا لما عيره الجهال اضطر إلى ذكر فضله .
- ثم قال - وأعلم أن المدحة إذا خلت عن البغي والاستطالة على أهل الحق وكان مقصود قائلها إقامة حق أو إبطال جور أو إظهار نعمة لم يلم ، فلو أن قائلا إني لحافظ لكتاب الله عالم بتفسيره وبالفقه في الدين يقصد بهذا إظهار الشكر أو تعريف المتعلم ما عنده ليستفيده إذ لو لم يبين ذلك لم يعلم ما عنده فلم يطلب لم يستقبح ذلك .
ولهذا المعنى قال يوسف عليه السلام(( إني حفيظ عليم )) وقال نبينا عليه الصلاة والسلام : (أنا أكرم ولد آدم على ربه)،
- قلت : رواه ابن أبي حاتم والدارمي والطبراني في الكبير وأبويعلى ، وقال ابن كثير له شواهد صحيحه،
- وقال عمر حين أعطى السائل قميصه والله لا أملك غيره .
- وقال علي سلوني عن كتاب الله فو الله ما من آية إلا وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار أم في سهل نزلت أم في جبل وقال ابن مسعود والله ما نزلت في القرآن سورة إلا أنا أعلم حيث أنزلت ولو أعلم أحدا أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لأتيته .
- وقال الحباب بن المنذر أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب .
وقال الأحنف بن قيس : ما جلس إلي اثنان قط
ثم انصرفا من عندي فذكرتهما بسوء .
- وقال سعيد بن جبير قرأت
القرآن في ركعة في الكعبة .
- وقال مورق العجلي ما قلت في
الغضب شيئا قط فندمت عليه في الرضا .
- وقال ثابت البناني ما تركت سارية في الجامع إلا صليت عندها وبكيت عندها
وقد كانت الجاهلية – أي أهل الجاهلية - تصف محاسنها لتبعث على الاقتداء بها قال حاتم طيء والله ما خاتلت جارة لي قط ولا ائتمنت على أمانة إلا أديتها ولا أتي أحد قط من قبلي بسوء وقال :
ولا تشتكيني جارتي غير أنني
إذا غاب عنها بعلها لا أزورها
سيبلغها خيري ويرجع بعلها
إليها ولم تقصر علي ستورها
قلت : كان كلام ابن الجوزي رحمه الله هنا في معرض شرحه للأثر الثابت في البخاري والذي يعتبر دليلا قويا وآخرا لجواز مدح النفس عند الحاجة لذلك والأثر هو :
عن قَيْسٍ قال سمعت سَعْدًا – ابن وقاص -رضي الله عنه يقول : ( إني لَأَوَّلُ الْعَرَبِ رَمَى بِسَهْمٍ في سَبِيلِ اللَّهِ وَكُنَّا نَغْزُو مع النبي صلى الله عليه وسلم وما لنا طَعَامٌ إلا وَرَقُ الشَّجَرِ حتى إِنَّ أَحَدَنَا لَيَضَعُ كما يَضَعُ الْبَعِيرُ أو الشَّاةُ ما له خِلْطٌ ثُمَّ أَصْبَحَتْ بَنُو أَسَدٍ تُعَزِّرُنِي على الْإِسْلَامِ لقد خِبْتُ إِذًا وَضَلَّ عَمَلِي وَكَانُوا وَشَوْا بِهِ إلى عُمَرَ قالوا لا يُحْسِنُ يُصَلِّي ) رواه البخاري.
هنا يجب التنبيه والتحذير أن ما سبق خلاف الأولى والأصل ومشروط بأمور من أهمها أن يكون للضرورة لدفع مغيبة أو احتقار واستنقاص أو للإعلام بعلم ينتفع به أو لأمر نحو ذلك في صدق غير مبالغ فيه كما تقدم ولا يتجاوز ذلك لئلا يقع الإنسان في محاذير منها :
ما ثبت في المسند وعند ابن مردويه قال عمر بن الخطاب : (من قال أنا مؤمن فهو كافر ومن قال هو عالم فهو جاهل ومن قال هو في الجنة فهو في النار- ولفظ ابن مردويه -: عن عمر أنه قال إن أخوف ما أخاف عليكم إعجاب المرء برأيه فمن قال ...به ).
أي فيه كذب وإعجاب بالرأي الشخصي وقد يقع الإنسان في المحذور فيشكر نفسه ويزكي أعماله ويمن بإيمانه وقد يكون فيه تعالي على الله كما نهى (فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى) وقال (ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء ولا يظلمون فتيلا) .
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.[/size][/color]
كتبه د. أبومحمد نايف بن محمد العصيمي
14/2/1430هـ
** ملاحظة أنا لا أستصدر الإفتاء ولا أدعي الفتوى ولا أحبذ أن تطلب مني ولكن هذا الموضوع هو أحد بحوثي التي أبحثها لنفسي وقدمته لكم هنا لمناسبته .