تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : من سنن الله الكونية الصراع بين الحق والباطل


ابو ضيف الله
05-Oct-2008, 10:19 AM
الشيخ/ عبدالله بن صالح بن عبدالحميد آل الشيخ
مدير إدارة الشؤون الدينية للقوات المسلحة

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على خاتم المرسلين, وعلى آله, وأصحابه أجمعين.

لقد كرم الله الإنسان, فخلقه بيده, وأسجد له ملائكته, وعلمه الأسماء كلها, وأعطاه العقل الذي يعرف به الخطاب, ويطلب به الأسباب, ويستفيد مما سخر له, قال تعالى : [وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي البَرِّ وَالبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا] الإسراء:70
وهبط آدم أبو البشر – عليه السلام – إلى الأرض, عارفاً بربه, عالماً بما يجب له, مؤمناً نقياً, واصطفاه الله بالنبوة والوحي, قال تعالى : [فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ] البقرة:37

وعاش البشر الذين تناسلوا من آدم وزوجه مدة من الزمن على دين أبيهم, وكانوا أمة واحدة على التوحيد ودين الحق, كما قال الله تعالى : [كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الكِتَابَ بِالحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ البَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ] البقرة:213

قال الإمام ابن جرير - رحمه الله - :" فإن دليل القرآن واضح, على أن الذين أخبر الله عنهم إنما كانوا أمة واحدة, إنما كانوا على الإيمان ودين الحق, دون الكفر بالله و الشرك"(1). ويؤيد ذلك ما أثر عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : " كان بين نوح وآدم عشرة قرون, كلهم على شريعة من الحق, فاختلفوا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين " ( 2).
فالله سبحانه أنزل الوحي والهدى, رحمة بالناس, ليحققوا به ما أراده منهم من الحكمة الشرعية لخلقهم, وهي عبادته وحده لاشريك له, والتي بَيَّنها بقوله: [وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ] الذاريات:56

ولكن كثيراً من الناس يأبى إلا التنازع , والبغي والعدوان, الذي ينتج عنه الخلاف المذموم الذي يقع بعد البينة والعلم, فواقع الناس صائر إلى ما أراده الله بحكمته الكونية, من اختلافهم وتفرقهم إلى أهل باطل وخلاف مذموم, وأهل حق, رحِمَهُمُ الله فتمسكوا بدينه ولازموه, مبياًن ذلك ربنا بقوله: [وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ *إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ] هود: 118ـ119

فهذه هي الحال التي علم الله أنها ستكون من الناس, فأرادها وقدرها عليهم, وأذن بحصولها لتتحقق بها حكمته من وقوع الابتلاء والامتحان وتميز الفريقين, وسبب اختلاف الناس بعد أن يأتيهم العلم والبينة هو: البغي, كما بين الله تعالى ذلك في بقوله: [بَغْيًا بَيْنَهُمْ] البقرة:213

والبغي المذموم هو: تجاوز الحق إلى الباطل, أو تجاوزه إلى الشُّبَه, فالاختلاف على هذا يكون سببه الظلم والاعتداء , والطغيان في طلب العلم, حين يُؤدي إلى تجاوز العلم الذي أنزل الله, وتطلب الحق في غيره, مما يقود إلى الاختلاف المذموم, وقد بين الله تعالى أنه يهدي المؤمنين إلى الحق الذي اختلف الناس في تعيينه بقوله جل وعلا: [فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الحَقِّ بِإِذْنِهِ] البقرة:213 فخص المهتدين بوصف المؤمنين, وهؤلاء المؤمنون الذين تكفل الله لهم بالهداية عند اختلاف الناس, هم الذين تمسكوا بما جاءت به الرسل, ولم يَحِيْدوا ولم يبدّلوا, وهذه الآية دليل قاطع لمن أراد الحق وتحراه, وتنشرح صدور المؤمنين الذين حققوا إيمانهم با لثبات على المنهج الأول, الذي كان عليه سلف الأمة, ونفروا من المحدثات وحذروا منها, لذلك قال أبو العالية – رحمه الله - : " في هذه الآية مخرج من الشبهات والضلالات والفتن" ( 3 ).

وإذا كان البغي والغرور وعدم الاكتفاء بالوحي الإلهي والتطلع إلى ما وراء الوحي من العلوم, أهم دافع لاختلاف الناس بعد مجيء البينة والعلم, إلا أنه ليس بالدافع الوحيد لاختلافهم, فهناك فئات من الناس, قد انتكست فطرها, وقست قلوبها, لا يحبون الخير, بل يعادونه, قد زاغُو فأزاغَ الله قلوبهم, وختم على سمعهم وأبصارهم, كما قال الله تعالى: [فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ] الصَّف:5 وقال جل وعلا : [خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ] البقرة:7

فليس لهم هَمٌّ إلا الانغماس في الشهوات, والإفساد في الأرض, لا ينتفعون بعلم ولا هدى, فهم يعادون الحق ويسلكون كل سبيل لمحاربته, ومن ذلك استغلالهم للخلاف الذي يقع من أتباع الحق , فَيُروجون لتلك الاختلافات, وينشرونها بقصد البلبلة وتوسيع الخلاف, ونتيجة لوجود أهل الحق والنور الإلهي من جهة, ووجود أهل الضلال و الزيغ من جهة أخرى, وُجد الصراع بين الحق والباطل, سنة جارية أرادها الله, إرادة كونية, فكان الناس كما اقتضت حكمة الحكيم العليم أنهم لايزالون مختلفين إلا من رحم سبحانه وتعالى, والصراع بين الحق والباطل يأخذ أشكالاً متعددة من أهمها :
1. الصراع الفكري القائم على المحاجة والجدال .
2. الصراع الفكري القائم على المكر والكيد , ونشر الأفكار الهدامة .
3. الصراع المسلح .

وقد بين الله سبحانه في كتابة الكريم, وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم هذه الأنواع الثلاثة من الصراع, وبين موقف المؤمنين تجاه كل نوع منها, وبين علماء الأمة في كتب التاريخ والتفسير والعقائد ما لاقته الأمة الإسلامية من الصراع المرير, والحرب المسعورة من أنصار الباطل بجميع الوسائل, وفي مختلف العصور, كما بينوا في كتب الحديث والأحكام والمعاملات ما ينبغي للمسلم عمله تجاه هذه التحديات( 4 ).

اللهم اسلك بنا صراطك المستقيم, واجعلنا من أنصار دينك, واحفظ علينا أمننا, ووفق ولاة أمرنا لما تحب وترضى, إنك على كل شي قدير, وصلى الله على نبينا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين .


الهوامش
(1) جامع البيان في تفسير القرآن 2/196.
(2) رواه ابن جرير في التفسير 2/194.
(3) رواه ابن جرير في تفسيره 2/339.
(4) بتصرف من كتاب أثر الإيمان في تحصين الأمة الإسلامية د . عبدالله الجربوع.


المصدر مجلة الجندي المسلم
http://jmuslim.naseej.com/Detail.asp?InNewsItemID=282794

عبدالرحمن الهيلوم
05-Oct-2008, 10:23 AM
سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلا

شكرا لك يالغالي
علي المفيد من الطرح

ابو ضيف الله
05-Oct-2008, 10:27 AM
جزاك الله كل خير على المرور يا الهيلوم وبارك فيك

ولكن السؤال هل سوف نكون في صف الحق في هذا الصراع
ام سوف نكون مع القواعد من النساء

عبدالرحمن الهيلوم
05-Oct-2008, 10:41 AM
القواعد من النساء
ياباضيف الله ..
أجزم ان بهن الكثير يملك الدرايه والحكمه والغيره علي مكتسبات الدين
اكثر من الرجال .
لان الرجل عامية كلمه تطلق علي الذكر ,.,.
وكما قيل الرجال ثلاثه //
رجل ..رجل (( قال الله فيهم رجال صدقوا ماعاهدوا الله عليه
وقال فيهم الله .. رجال لاتلهيهم تجاره ولابيع عن ذكر الله ))

ورجل نصف رجل !!
ورجل .. لارجل ,,
و
ونسال الله ان اكون انا وانت من السابقين لكل خير

عبد العزيز العضيــاني
05-Oct-2008, 11:06 AM
شكرا لكم عاى الموضوع والنقاش


تقبلوا مروري


والسلام

ابو ضيف الله
05-Oct-2008, 11:34 AM
يا الهيلوم جزاك الله كل خير وبارك في حميتك ومنطقك

وان شاء الله ان النساء فيهن من يحمل هم هذا الدين ويحمل هم الصراع او الحـرب التي تدور رحاها على الاسلام سواءً عسكرياً او فكرياً واذكر منهم من باب الذكر وليس الحصر الاستاذة قمر السبيعي والدكتورة قذلة الحقطاني والدكتور العالمة الجوهرة العنقري حفظهن الله وبارك في جهودهن


وبالمناسبة معنى (القواعد من النساء) والتي ذكرهن الله في سورة النور هن النساء التي انقطع عنهن الحيض ويئسن من الولد يعني بمعنى اخر (العجز)

ولد الحميداني
05-Oct-2008, 12:15 PM
كلام جميل مبني على الكتاب والسنة وأعجبني قوله : ( فليس لهم هَمٌّ إلا الانغماس في الشهوات, والإفساد في الأرض, لا ينتفعون بعلم ولا هدى, فهم يعادون الحق ويسلكون كل سبيل لمحاربته ) .

الله أكبر نعم الحق معادى من كثير في هذا الزمان وليت كثير من الناس يتعظون بكلام الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم .
ولقد قرأت مقالاً جميلاً لشيخنا الشيخ صالح بن فوزان الفوزان - حفظه الله ومتعه بالصحة والعافية - يندرج تبعاً لما ذكره أخونا : أبو ضيف الله - نقلاً - هذا نصه :يقول الشيخ -حفظه الله - :

الحوار : هو المجادلة بين طرفين مختلفين ، وكل منهما ينتصر لما هو عليه ، وهو على قسمين :

• القسم الأول : الحوار الدعوي الذي معناه عرض ما عند كل من الطرفين لمعرفة مدى ما فيه من الحق فيؤخذ به وما فيه من الخطأ فيترك ، وهذا حوار مطلوب شرعًا . قال تعالى : ﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴾ . [ آل عمران : 64 ] .

وقد ذكر الله في القرآن الكريم الحق ببراهينه وحججه ، وذكر الباطل بشبهاته ومرتكزاته ورد عليها ، لأن الله سبحانه أنزل القرآن ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه ، وقال سبحانه : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا ﴾ . [ النساء : 59 ] .

ولذلك فإن العاقل المنصف الذي يريد الحق بمجرد ما يسمع القرآن ، وهو يفهمه يسارع إلى قبول ما جاء به من مختلف الطوائف والديانات ، وهذا سر ظهور هذا الدين على الأديان كلها وانتشاره في مشارق الأرض ومغاربها في أدوار التاريخ ؛ فلا تجد مكانًا في الأرض اليوم إلا وفيه مسلمون ، ويكثر عددهم يوميًا - ولله الحمد - .

• القسم الثاني : من أقسام الحوار ما يراد به دمج الحق مع الباطل ، والتنازل عن أعز شيء من الحق ، وهو العقيدة لأجل إرضاء المخالفين ، وهذا هو لبس الحق بالباطل والتسوية بين المختلفات والجمع بين المتناقضات ، وهذا هو المداهنة التي حمى الله رسوله منها ؛ فقال : ﴿ وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لاتَّخَذُوكَ خَلِيلا . وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلا . إِذًا لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا ﴾ . [ الإسراء : 73 - 75 ] .

وقال تعالى : ﴿ فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ . وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ ﴾ . [ القلم : 8 ، 9 ] .

وقال تعالى : ﴿ وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ ﴾ . [ هود : 113 ] .

والعجيب أن المخالفين لنا لا يعترفون بما نحن عليه من الحق ، ويطلبون منا أن نعترف بما هم عليه من الباطل ، والواجب على المسلمين أن يتمسكوا بدينهم ، ولا يتنازلوا عن شيء منه ، وأن ينكروا الباطل ويحذروا منه ، قال الله تعالى : ﴿ فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ . وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ ﴾ . [ الزخرف : 43 ، 44 ] .

وفق الله الجميع لمعرفة الحق والعمل به ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه .


أسأل الله أن ينفع به
أخوكم : أبو عمر سعد الحميداني

ابو ضيف الله
05-Oct-2008, 01:36 PM
الاخ ابو عمر سعد الحميداني جزاك الله كل خير على هذه الاضافة الرائعة والقيمة
والشيخ صالح الفوزان هو من أعلم الناس في الرد على اصحاب الشبهات والشهوات
أسأل الله ان يطيل في عمره وان يقصر في عمر خصومة من اهل الزيغ والضلال