البتار الغبيوي
24-Aug-2008, 07:06 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
.
.
.
قَوْله تَعَالَى { خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ } .
فِيهَا عَشْرُ مَسَائِلَ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : فِي الْعَفْوِ : قَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ عَلَى الِاسْتِيفَاءِ فِي الْإِطْلَاقِ وَالِاشْتِقَاقِ ، وَاخْتَلَفَ إيرَادُ الْمُفَسِّرِينَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ : الْأَوَّلُ : أَنَّهُ الْفَضْلُ مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ ، نَسَخَتْهُ الزَّكَاةُ ؛ قَالَ ذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ .
الثَّانِي : أَنَّهُ الزَّكَاةُ ؛ قَالَ مُجَاهِدٌ .
وَسَمَّاهَا عَفْوًا ؛ لِأَنَّهُ فَضْلُ الْمَالِ وَجُزْءٌ يَسِيرٌ مِنْهُ .
الثَّالِثُ : أَنَّهُ أَمْرٌ بِالِاحْتِمَالِ وَتَرْكِ الْغِلْظَةِ ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِآيَةِ الْقِتَالِ .
الرَّابِعُ : خُذْ الْعَفْوَ مِنْ أَخْلَاقِ النَّاسِ ؛ قَالَهُ ابْنَا الزُّبَيْرِ مَعًا ، وَرُوِيَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ عَنْهُمَا .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : رَوَى سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ : { إنَّ جِبْرِيلَ نَزَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذِهِ الْآيَةِ ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ ؟ قَالَ جِبْرِيلُ : لَا أَدْرِي حَتَّى أَسْأَلَ الْعَالِمَ ، فَذَهَبَ فَمَكَثَ سَاعَةً ثُمَّ رَجَعَ ، فَقَالَ : إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُك أَنْ تَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَك ، وَتُعْطِيَ مَنْ حَرَمَك ، وَتَصِلَ مَنْ قَطَعَك }
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : قَوْلُهُ : { وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ } : فِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ : الْأَوَّلُ : الْعُرْفُ : الْمَعْرُوفُ ؛ قَالَهُ عُرْوَةُ .
الثَّانِي : قَوْلُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ .
الثَّالِثُ : مَا يُعْرَفُ أَنَّهُ مِنْ الدِّينِ .
الرَّابِعُ : مَا لَا يُنْكِرُهُ النَّاسُ مِنْ الْمَحَاسِنِ الَّتِي اتَّفَقَتْ عَلَيْهَا الشَّرَائِعُ .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : { أَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ } فِيهِ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ مُحْكَمٌ ، أُمِرَ بِاللِّينِ .
الثَّانِي : أَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِآيَةِ الْقِتَالِ قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ .
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ : رَوَى { جَابِرُ بْنُ سُلَيْمٍ قَالَ : رَكِبْت قَعُودِي ثُمَّ أَتَيْت إلَى مَكَّةَ ، فَطَلَبْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنَخْت قَعُودِي بِبَابِ الْمَسْجِدِ ، فَدَلُّونِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ، فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ عَلَيْهِ بُرْدٌ مِنْ صُوفٍ فِيهِ طَرَائِقُ حُمْرٌ ، فَقُلْت : السَّلَامُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَقَالَ : وَعَلَيْك السَّلَامُ .
فَقُلْت : إنَّا مَعْشَرَ أَهْلِ الْبَادِيَةِ قَوْمٌ فِينَا الْجَفَاءُ فَعَلِّمْنِي كَلِمَاتٍ يَنْفَعُنِي اللَّهُ بِهَا .
قَالَ : اُدْنُ مِنَّا .
فَدَنَوْت ، فَقَالَ : أَعِدْ عَلَيَّ .
فَأَعَدْت .
فَقَالَ : اتَّقِ اللَّهَ ، وَلَا تَحْقِرَنَّ مِنْ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا ، وَأَنْ تَلْقَى أَخَاك بِوَجْهٍ مُنْبَسِطٍ ، وَأَنْ تُفْرِغَ مِنْ دَلْوِك فِي إنَاءِ أَخِيك ، وَإِنْ أَحَدٌ سَبَّك بِمَا يَعْلَمُ مِنْك فَلَا تَسُبَّهُ بِمَا تَعْلَمُ فِيهِ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ جَاعِلٌ لَك أَجْرًا وَعَلَيْهِ وِزْرًا ، وَلَا تَسُبَّنَّ شَيْئًا مِمَّا خَوَّلَك اللَّهُ .
فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا سَبَبْت بَعْدَهُ لَا شَاةً وَلَا بَعِيرًا .
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ : فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَدِمَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ ، فَنَزَلَ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ الْجَدِّ بْنِ قَيْسٍ ، وَكَانَ مِنْ النَّفَرِ الَّذِي يُدْنِيهِمْ عُمَرُ ، وَكَانَ الْقُرَّاءُ أَصْحَابَ مَجَالِسِ عُمَرَ وَمُشَاوَرَتِهِ كُهُولًا كَانُوا أَوْ شُبَّانًا ، فَقَالَ عُيَيْنَةُ لِابْنِ أَخِيهِ : يَا بْنَ أَخِي ؛ لَك وَجْهٌ عِنْدَ هَذَا الْأَمِيرِ ، فَاسْتَأْذِنْ لِي عَلَيْهِ قَالَ : سَأَسْتَأْذِنُ لَك .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : فَاسْتَأْذَنَ الْجَدُّ لِعُيَيْنَةَ ، فَأَذِنَ عُمَرُ ، فَلَمَّا دَخَلَ قَالَ : هِيهِ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ ، فَوَاَللَّهِ مَا تُعْطِينَا الْجَزْلَ ، وَلَا تَحْكُمُ فِينَا بِالْعَدْلِ .
فَغَضِبَ عُمَرُ حَتَّى هَمَّ أَنْ يُوقِعَ بِهِ ، فَقَالَ لَهُ :
الْعَفْوَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، إنَّ اللَّهَ قَالَ لِنَبِيِّهِ : { خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ } وَإِنَّ هَذَا مِنْ الْجَاهِلِينَ ، وَاَللَّهِ مَا جَاوَزَهَا عُمَرُ حِينَ تَلَاهَا عَلَيْهِ ، وَكَانَ وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللَّهِ .
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ : فِي تَنْقِيحِ الْأَقْوَالِ : أَمَّا الْعَفْوُ فَإِنَّهُ عَامٌّ فِي مُتَنَاوَلَاتِهِ ، وَيَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِهِ خُذْ مَا خَفَّ وَسَهُلَ مِمَّا تُعْطَى ، فَقَدْ { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْبَلُ مِنْ الصَّدَقَةِ التَّمْرَةَ وَالْقَبْضَةَ وَالْحَبَّةَ وَالدِّرْهَمَ وَالسَّمَلَ ، وَلَا يَلْمِزُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَعِيبُهُ } : وَلَقَدْ كَانَ يُسْقِطُ مِنْ الْحُقُوقِ مَا يَقْبَلُ الْإِسْقَاطَ حَتَّى قَالَتْ عَائِشَةُ فِي الصَّحِيحِ : { مَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ لِنَفْسِهِ قَطُّ } .
وَأَمَّا الِاحْتِمَالُ : فَقَدْ { كَانَ يَصْبِرُ عَلَى الْأَذَى ، وَيَحْتَمِلُ الْجَفَاءَ ، حَتَّى قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَرْحَمُ اللَّهُ مُوسَى ، لَقَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ } .
وَأَمَّا مُخَالَفَةُ النَّاسِ : فَهُوَ كَانَ أَقْدَرَ الْخَلْقِ عَلَيْهَا وَأَوْلَاهُمْ بِهَا ، فَإِنَّهُ كَانَ يَلْقَى كُلَّ أَحَدٍ بِمَا يَلِيقُ بِهِ مِنْ شَيْخٍ وَعَجُوزٍ ، وَصَغِيرٍ وَكَبِيرٍ ، وَبِدَوِيٍّ وَحَضَرِيٍّ ، وَعَالِمٍ وَجَاهِلٍ ، وَلَقَدْ { كَانَتْ الْمَرْأَةُ تُوقِفُهُ فِي السِّكَّةِ مِنْ سِكَكِ الْمَدِينَةِ ، وَلَقَدْ كَانَ يَقُولُ لِأَخٍ لِأَنَسٍ صَغِيرٍ : يَا أَبَا عُمَيْرٍ ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ } .
وَلَقَدْ { كَانَ يُكَلِّمُ النَّاسَ بِلُغَاتِهِمْ ، فَيَقُولُ لِمَنْ سَأَلَهُ أَمِنَ امْبِرِّ امْصِيَامُ فِي امْسَفَرِ ؟ فَيَقُولُ لَهُ : لَيْسَ مِنْ امْبِرِّ امْصِيَامُ فِي امْسَفَرِ }
الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ : فِي تَنْقِيحِ الْأَقْوَالِ بِالْعُرْفِ : أَمَّا الْعُرْفُ : فَالْمُرَادُ بِهِ هَاهُنَا الْمَعْرُوفُ مِنْ الدِّينِ الْمَعْلُومُ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ ، وَمَحَاسِنِ الْأَعْمَالِ ، الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ فِي كُلِّ شَرِيعَةٍ الَّتِي أُمَّهَاتُهَا وَأُصُولُهَا الثَّلَاثُ الَّتِي يُقَالُ إنَّ جِبْرِيلَ نَزَلَ بِهَا : أَنْ تَصِلَ مَنْ قَطَعَك ، فَلَا شَيْءَ أَفْضَلَ مِنْ صِلَةِ الْقَاطِعِ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى كَرَمِ النَّفْسِ ، وَشَرَفِ الْحِلْمِ ، وَخُلُقِ الصَّبْرِ الَّذِي هُوَ مِفْتَاحُ خَيْرَيْ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ .
وَفِي الْأَثَرِ : { لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ ، وَلَكِنْ الْوَاصِلُ الَّذِي إذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا } .
وَقَالَ : { أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ الصَّدَقَةُ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْكَاشِحِ } .
وَاَلَّذِي يُبَيِّنُ ذَلِكَ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ الَّذِي خَرَّجَهُ الْأَئِمَّةُ وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ : قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ : { بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً اسْتَعْمَلَ عَلَيْهَا رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ ، فَغَضِبَ ، فَقَالَ : أَلَيْسَ أَمَرَكُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُطِيعُونِي ؟ قَالُوا : بَلَى .
قَالَ : فَاجْمَعُوا حَطَبًا .
فَجَمَعُوا .
فَقَالَ : أَوْقِدُوا لِي نَارًا .
فَأَوْقَدُوهَا .
فَقَالَ : اُدْخُلُوهَا .
فَهَمُّوا ، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يُمْسِكُ بَعْضًا وَيَقُولُونَ : فَرَرْنَا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ النَّارِ .
فَمَا زَالُوا حَتَّى خَمَدَتْ النَّارُ ، وَسَكَنَ غَضَبُهُ ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا ، إنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ } ، يُرِيدُ الَّذِي يَجُوزُ فِي الدِّينِ مَوْقِعُهُ وَيَثْبُتُ فِيهِ حُكْمُهُ .
الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ : الْإِعْرَاضُ عَنْ الْجَاهِلِينَ : وَأَمَّا الْإِعْرَاضُ عَنْ الْجَاهِلِينَ فَإِنَّهُ مَخْصُوصٌ فِي الْكُفَّارِ الَّذِينَ أُمِرَ بِقِتَالِهِمْ ، عَامٌّ فِي كُلِّ الَّذِي يَبْقَى بَعْدَهُمْ .
وَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ : { لَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إلَيْهِمْ } .
وَقَالَتْ { أَسْمَاءُ : إنَّ أُمِّي قَدِمَتْ عَلَيَّ رَاغِبَةً وَهِيَ مُشْرِكَةٌ أَفَأَصِلُهَا ؟ قَالَ : نَعَمْ ، صِلِي أُمَّك } .
الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ : قَالَ عُلَمَاؤُنَا : هَذِهِ الْآيَةُ مِنْ ثَلَاثِ كَلِمَاتٍ ، قَدْ تَضَمَّنَتْ قَوَاعِدَ الشَّرِيعَةِ الْمَأْمُورَاتِ وَالْمَنْهِيَّاتِ ، حَتَّى لَمْ يَبْقَ فِيهِ حَسَنَةٌ إلَّا أَوْضَحَتْهَا ، وَلَا فَضِيلَةٌ إلَّا شَرَحَتْهَا ، وَلَا أُكْرُومَةٌ إلَّا افْتَتَحَتْهَا ، وَأَخَذَتْ الْكَلِمَاتُ الثَّلَاثُ أَقْسَامَ الْإِسْلَامِ الثَّلَاثَةَ .
فَقَوْلُهُ : { خُذْ الْعَفْوَ } تَوَلَّى بِالْبَيَانِ جَانِبَ اللِّينِ ، وَنَفْيَ الْحَرَجِ فِي الْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ وَالتَّكْلِيفِ .
وَقَوْلُهُ : { وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ } تَنَاوَلَ جَمِيعَ الْمَأْمُورَاتِ وَالْمَنْهِيَّاتِ ؛ وَإِنَّهُمَا مَا عُرِفَ حُكْمُهُ ، وَاسْتَقَرَّ فِي الشَّرِيعَةِ مَوْضِعُهُ ، وَاتَّفَقَتْ الْقُلُوبُ عَلَى عِلْمِهِ .
وَقَوْلُهُ : { وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ } تَنَاوَلَ جَانِبَ الصَّفْحِ بِالصَّبْرِ الَّذِي بِهِ يَتَأَتَّى لِلْعَبْدِ كُلُّ مُرَادٍ فِي نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ ، وَلَوْ شَرَحْنَا ذَلِكَ عَلَى التَّفْصِيلِ لَكَانَ أَسْفَارًا .
أحكّام القرآن
.
.
.
قَوْله تَعَالَى { خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ } .
فِيهَا عَشْرُ مَسَائِلَ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : فِي الْعَفْوِ : قَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ عَلَى الِاسْتِيفَاءِ فِي الْإِطْلَاقِ وَالِاشْتِقَاقِ ، وَاخْتَلَفَ إيرَادُ الْمُفَسِّرِينَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ : الْأَوَّلُ : أَنَّهُ الْفَضْلُ مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ ، نَسَخَتْهُ الزَّكَاةُ ؛ قَالَ ذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ .
الثَّانِي : أَنَّهُ الزَّكَاةُ ؛ قَالَ مُجَاهِدٌ .
وَسَمَّاهَا عَفْوًا ؛ لِأَنَّهُ فَضْلُ الْمَالِ وَجُزْءٌ يَسِيرٌ مِنْهُ .
الثَّالِثُ : أَنَّهُ أَمْرٌ بِالِاحْتِمَالِ وَتَرْكِ الْغِلْظَةِ ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِآيَةِ الْقِتَالِ .
الرَّابِعُ : خُذْ الْعَفْوَ مِنْ أَخْلَاقِ النَّاسِ ؛ قَالَهُ ابْنَا الزُّبَيْرِ مَعًا ، وَرُوِيَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ عَنْهُمَا .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : رَوَى سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ : { إنَّ جِبْرِيلَ نَزَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذِهِ الْآيَةِ ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ ؟ قَالَ جِبْرِيلُ : لَا أَدْرِي حَتَّى أَسْأَلَ الْعَالِمَ ، فَذَهَبَ فَمَكَثَ سَاعَةً ثُمَّ رَجَعَ ، فَقَالَ : إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُك أَنْ تَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَك ، وَتُعْطِيَ مَنْ حَرَمَك ، وَتَصِلَ مَنْ قَطَعَك }
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : قَوْلُهُ : { وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ } : فِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ : الْأَوَّلُ : الْعُرْفُ : الْمَعْرُوفُ ؛ قَالَهُ عُرْوَةُ .
الثَّانِي : قَوْلُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ .
الثَّالِثُ : مَا يُعْرَفُ أَنَّهُ مِنْ الدِّينِ .
الرَّابِعُ : مَا لَا يُنْكِرُهُ النَّاسُ مِنْ الْمَحَاسِنِ الَّتِي اتَّفَقَتْ عَلَيْهَا الشَّرَائِعُ .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : { أَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ } فِيهِ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ مُحْكَمٌ ، أُمِرَ بِاللِّينِ .
الثَّانِي : أَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِآيَةِ الْقِتَالِ قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ .
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ : رَوَى { جَابِرُ بْنُ سُلَيْمٍ قَالَ : رَكِبْت قَعُودِي ثُمَّ أَتَيْت إلَى مَكَّةَ ، فَطَلَبْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنَخْت قَعُودِي بِبَابِ الْمَسْجِدِ ، فَدَلُّونِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ، فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ عَلَيْهِ بُرْدٌ مِنْ صُوفٍ فِيهِ طَرَائِقُ حُمْرٌ ، فَقُلْت : السَّلَامُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَقَالَ : وَعَلَيْك السَّلَامُ .
فَقُلْت : إنَّا مَعْشَرَ أَهْلِ الْبَادِيَةِ قَوْمٌ فِينَا الْجَفَاءُ فَعَلِّمْنِي كَلِمَاتٍ يَنْفَعُنِي اللَّهُ بِهَا .
قَالَ : اُدْنُ مِنَّا .
فَدَنَوْت ، فَقَالَ : أَعِدْ عَلَيَّ .
فَأَعَدْت .
فَقَالَ : اتَّقِ اللَّهَ ، وَلَا تَحْقِرَنَّ مِنْ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا ، وَأَنْ تَلْقَى أَخَاك بِوَجْهٍ مُنْبَسِطٍ ، وَأَنْ تُفْرِغَ مِنْ دَلْوِك فِي إنَاءِ أَخِيك ، وَإِنْ أَحَدٌ سَبَّك بِمَا يَعْلَمُ مِنْك فَلَا تَسُبَّهُ بِمَا تَعْلَمُ فِيهِ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ جَاعِلٌ لَك أَجْرًا وَعَلَيْهِ وِزْرًا ، وَلَا تَسُبَّنَّ شَيْئًا مِمَّا خَوَّلَك اللَّهُ .
فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا سَبَبْت بَعْدَهُ لَا شَاةً وَلَا بَعِيرًا .
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ : فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَدِمَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ ، فَنَزَلَ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ الْجَدِّ بْنِ قَيْسٍ ، وَكَانَ مِنْ النَّفَرِ الَّذِي يُدْنِيهِمْ عُمَرُ ، وَكَانَ الْقُرَّاءُ أَصْحَابَ مَجَالِسِ عُمَرَ وَمُشَاوَرَتِهِ كُهُولًا كَانُوا أَوْ شُبَّانًا ، فَقَالَ عُيَيْنَةُ لِابْنِ أَخِيهِ : يَا بْنَ أَخِي ؛ لَك وَجْهٌ عِنْدَ هَذَا الْأَمِيرِ ، فَاسْتَأْذِنْ لِي عَلَيْهِ قَالَ : سَأَسْتَأْذِنُ لَك .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : فَاسْتَأْذَنَ الْجَدُّ لِعُيَيْنَةَ ، فَأَذِنَ عُمَرُ ، فَلَمَّا دَخَلَ قَالَ : هِيهِ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ ، فَوَاَللَّهِ مَا تُعْطِينَا الْجَزْلَ ، وَلَا تَحْكُمُ فِينَا بِالْعَدْلِ .
فَغَضِبَ عُمَرُ حَتَّى هَمَّ أَنْ يُوقِعَ بِهِ ، فَقَالَ لَهُ :
الْعَفْوَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، إنَّ اللَّهَ قَالَ لِنَبِيِّهِ : { خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ } وَإِنَّ هَذَا مِنْ الْجَاهِلِينَ ، وَاَللَّهِ مَا جَاوَزَهَا عُمَرُ حِينَ تَلَاهَا عَلَيْهِ ، وَكَانَ وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللَّهِ .
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ : فِي تَنْقِيحِ الْأَقْوَالِ : أَمَّا الْعَفْوُ فَإِنَّهُ عَامٌّ فِي مُتَنَاوَلَاتِهِ ، وَيَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِهِ خُذْ مَا خَفَّ وَسَهُلَ مِمَّا تُعْطَى ، فَقَدْ { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْبَلُ مِنْ الصَّدَقَةِ التَّمْرَةَ وَالْقَبْضَةَ وَالْحَبَّةَ وَالدِّرْهَمَ وَالسَّمَلَ ، وَلَا يَلْمِزُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَعِيبُهُ } : وَلَقَدْ كَانَ يُسْقِطُ مِنْ الْحُقُوقِ مَا يَقْبَلُ الْإِسْقَاطَ حَتَّى قَالَتْ عَائِشَةُ فِي الصَّحِيحِ : { مَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ لِنَفْسِهِ قَطُّ } .
وَأَمَّا الِاحْتِمَالُ : فَقَدْ { كَانَ يَصْبِرُ عَلَى الْأَذَى ، وَيَحْتَمِلُ الْجَفَاءَ ، حَتَّى قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَرْحَمُ اللَّهُ مُوسَى ، لَقَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ } .
وَأَمَّا مُخَالَفَةُ النَّاسِ : فَهُوَ كَانَ أَقْدَرَ الْخَلْقِ عَلَيْهَا وَأَوْلَاهُمْ بِهَا ، فَإِنَّهُ كَانَ يَلْقَى كُلَّ أَحَدٍ بِمَا يَلِيقُ بِهِ مِنْ شَيْخٍ وَعَجُوزٍ ، وَصَغِيرٍ وَكَبِيرٍ ، وَبِدَوِيٍّ وَحَضَرِيٍّ ، وَعَالِمٍ وَجَاهِلٍ ، وَلَقَدْ { كَانَتْ الْمَرْأَةُ تُوقِفُهُ فِي السِّكَّةِ مِنْ سِكَكِ الْمَدِينَةِ ، وَلَقَدْ كَانَ يَقُولُ لِأَخٍ لِأَنَسٍ صَغِيرٍ : يَا أَبَا عُمَيْرٍ ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ } .
وَلَقَدْ { كَانَ يُكَلِّمُ النَّاسَ بِلُغَاتِهِمْ ، فَيَقُولُ لِمَنْ سَأَلَهُ أَمِنَ امْبِرِّ امْصِيَامُ فِي امْسَفَرِ ؟ فَيَقُولُ لَهُ : لَيْسَ مِنْ امْبِرِّ امْصِيَامُ فِي امْسَفَرِ }
الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ : فِي تَنْقِيحِ الْأَقْوَالِ بِالْعُرْفِ : أَمَّا الْعُرْفُ : فَالْمُرَادُ بِهِ هَاهُنَا الْمَعْرُوفُ مِنْ الدِّينِ الْمَعْلُومُ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ ، وَمَحَاسِنِ الْأَعْمَالِ ، الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ فِي كُلِّ شَرِيعَةٍ الَّتِي أُمَّهَاتُهَا وَأُصُولُهَا الثَّلَاثُ الَّتِي يُقَالُ إنَّ جِبْرِيلَ نَزَلَ بِهَا : أَنْ تَصِلَ مَنْ قَطَعَك ، فَلَا شَيْءَ أَفْضَلَ مِنْ صِلَةِ الْقَاطِعِ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى كَرَمِ النَّفْسِ ، وَشَرَفِ الْحِلْمِ ، وَخُلُقِ الصَّبْرِ الَّذِي هُوَ مِفْتَاحُ خَيْرَيْ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ .
وَفِي الْأَثَرِ : { لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ ، وَلَكِنْ الْوَاصِلُ الَّذِي إذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا } .
وَقَالَ : { أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ الصَّدَقَةُ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْكَاشِحِ } .
وَاَلَّذِي يُبَيِّنُ ذَلِكَ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ الَّذِي خَرَّجَهُ الْأَئِمَّةُ وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ : قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ : { بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً اسْتَعْمَلَ عَلَيْهَا رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ ، فَغَضِبَ ، فَقَالَ : أَلَيْسَ أَمَرَكُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُطِيعُونِي ؟ قَالُوا : بَلَى .
قَالَ : فَاجْمَعُوا حَطَبًا .
فَجَمَعُوا .
فَقَالَ : أَوْقِدُوا لِي نَارًا .
فَأَوْقَدُوهَا .
فَقَالَ : اُدْخُلُوهَا .
فَهَمُّوا ، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يُمْسِكُ بَعْضًا وَيَقُولُونَ : فَرَرْنَا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ النَّارِ .
فَمَا زَالُوا حَتَّى خَمَدَتْ النَّارُ ، وَسَكَنَ غَضَبُهُ ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا ، إنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ } ، يُرِيدُ الَّذِي يَجُوزُ فِي الدِّينِ مَوْقِعُهُ وَيَثْبُتُ فِيهِ حُكْمُهُ .
الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ : الْإِعْرَاضُ عَنْ الْجَاهِلِينَ : وَأَمَّا الْإِعْرَاضُ عَنْ الْجَاهِلِينَ فَإِنَّهُ مَخْصُوصٌ فِي الْكُفَّارِ الَّذِينَ أُمِرَ بِقِتَالِهِمْ ، عَامٌّ فِي كُلِّ الَّذِي يَبْقَى بَعْدَهُمْ .
وَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ : { لَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إلَيْهِمْ } .
وَقَالَتْ { أَسْمَاءُ : إنَّ أُمِّي قَدِمَتْ عَلَيَّ رَاغِبَةً وَهِيَ مُشْرِكَةٌ أَفَأَصِلُهَا ؟ قَالَ : نَعَمْ ، صِلِي أُمَّك } .
الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ : قَالَ عُلَمَاؤُنَا : هَذِهِ الْآيَةُ مِنْ ثَلَاثِ كَلِمَاتٍ ، قَدْ تَضَمَّنَتْ قَوَاعِدَ الشَّرِيعَةِ الْمَأْمُورَاتِ وَالْمَنْهِيَّاتِ ، حَتَّى لَمْ يَبْقَ فِيهِ حَسَنَةٌ إلَّا أَوْضَحَتْهَا ، وَلَا فَضِيلَةٌ إلَّا شَرَحَتْهَا ، وَلَا أُكْرُومَةٌ إلَّا افْتَتَحَتْهَا ، وَأَخَذَتْ الْكَلِمَاتُ الثَّلَاثُ أَقْسَامَ الْإِسْلَامِ الثَّلَاثَةَ .
فَقَوْلُهُ : { خُذْ الْعَفْوَ } تَوَلَّى بِالْبَيَانِ جَانِبَ اللِّينِ ، وَنَفْيَ الْحَرَجِ فِي الْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ وَالتَّكْلِيفِ .
وَقَوْلُهُ : { وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ } تَنَاوَلَ جَمِيعَ الْمَأْمُورَاتِ وَالْمَنْهِيَّاتِ ؛ وَإِنَّهُمَا مَا عُرِفَ حُكْمُهُ ، وَاسْتَقَرَّ فِي الشَّرِيعَةِ مَوْضِعُهُ ، وَاتَّفَقَتْ الْقُلُوبُ عَلَى عِلْمِهِ .
وَقَوْلُهُ : { وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ } تَنَاوَلَ جَانِبَ الصَّفْحِ بِالصَّبْرِ الَّذِي بِهِ يَتَأَتَّى لِلْعَبْدِ كُلُّ مُرَادٍ فِي نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ ، وَلَوْ شَرَحْنَا ذَلِكَ عَلَى التَّفْصِيلِ لَكَانَ أَسْفَارًا .
أحكّام القرآن