المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تفسير سورة الطارق


فهد النفيعي
28-Apr-2008, 05:34 PM
قال الله تعالى: وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ (2) النَّجْمُ الثَّاقِبُ (3) إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ (4) فَلْيَنْظُرِ الإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (7) إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ (8) يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (9) فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلاَ نَاصِرٍ (10) وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (11) وَالأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ (12) إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (13) وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ (14) إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا (16) فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا [الطارق].

بين يدي السورة

سورةٌ مكية، وهي قسمان: الأول: يتحدث عن البعثِ وأدلته. والثاني: يتحدث عن القرآن وصدق النبي صلى الله عليه وسلم .

تفسير الآيات

يقول تعالى: وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ: هكذا استُفتحت السورةُ بالقسمِ من الله عز وجل بالسماء، وهي مُشَاهدةٌ، والطارق مأخوذ من الطّرق، وأصله الضرب، ومنه سُميت مِطْرقةُ الصائغ الحدّاد؛ لأنه يطرقُ بها، أي يضربُ بها، وقد فسّر اللهُ تعالى الطارق الذي أقسم به بقوله: النَّجْمُ الثَّاقِبُ أي: الذي يثقُبُ الظلام بضوئه، وقيل: كلُّ نجمٍ طارقٌ، لأنّ طلوعه بالليل، وكل ما أتى بالليل فهو طارق.
وقوله: وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ: سؤالٌ لتفخيم أمره، وتعظيم شأنه، وجوابُ القسم: إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ، والحفظةُ نوعان: حَفَظَةُ الأعمال، وحَفَظَةُ الأبدان.
أما حفظةُ الأعمال فهم الذين قال اللهُ عنهم: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ [الانفطار: 10- 12]، وقال تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق: 16- 18].
وأما حفظةُ الأبدان فهم الذين قال اللهُ عنهم: لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ [الرعد: 11]، وهذا مِنْ لُطْفِ اللهِ بعباده، وكلّ بهم حفظةً يحفظونهم من المصائب والآفات، فإذا جاء القدرُ تخلّوا عنهم ليصيبهم ما كُتِبَ لهم.
فأنتَ يا عبدَ الله، تمشي بين أربعة أملاك: واحدٌ عن يمينك، وواحدٌ عن شمالك، وثالثٌ أمَامَك، ورابعٌ خَلْفك، ومع ذلك تفعلُ القبيحَ، وتقول السوء، ولا تستحيي ! ولو علمتَ أنّ واحدًا من بني آدم يطلع عليك لذُبتَ خَجلاً وحياءً ! وملائكة ربك أولى بذلك الخجل والحياء.
وقوله تعالى: فَلْيَنْظُرِ الإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ «تنبيهٌ للإنسان على ضعفِ أصله الذي خُلق منه، وإرشادٌ له إلى الاعتراف بالمعاد، لأنّ مَنْ قدرَ على البداءَةِ فهو قادرٌ على الإعادة بطريق الأَوْلى، كما قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ. (تفسير ابن كثير).
وقوله تعالى: خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ يعني صُلب الرّجل، وترائب المرأة، كما قال تعالى: إِنَّا خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ أي مختلطة، يعني ماء الرجل وماء المرأة، فلما اختلطا صارا ماءً واحدًا، ولذا قال هنا: خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ وإنما هما ماءان، ماء الرجل وماء المرأة، لكن بعد الاتحاد صارا كالماء الواحد، هو النطفةُ الأمشاج، وقوله تعالى: إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ يعني أنّه تعالى قادرٌ على إعادة هذا الإنسان بعد موته، كما ابتدأ خَلْقَه، وهذا واحدٌ من البراهين التي يستدلُّ بها على إمكان البعث، وقد كثر ذكرُه في القرآن الكريم، قال تعالى: وَيَقُولُ الإِنْسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (66) أَوَلاَ يَذْكُرُ الإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا [مريم: 66، 67]، وقال تعالى: أَوَلَمْ يَرَ الإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (77) وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ
[يس: 77- 79].
ومتى تكونُ الإعادة والمراجعة ؟ قال تعالى: يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ وينكشفُ المكنونُ، ويحصّلُ ما في الصدور، ويا لها من فضيحة ! نسأل الله أن يجيرنا منها، وأن يسترنا بستره: يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ.
وقوله تعالى: فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلاَ نَاصِرٍ أي: فما للإنسان من قوة من نفسه تدفعُ عنه عذابَ الله، وما له من ناصرٍ من أصدقائهِ وخلانِه، وأهله وجيرانه.
قوله تعالى: وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ أي: ذاتِ المطرِ الذي يرجع كلّ عام، وَالأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ أي: التي يصدعُها النباتُ، أي يشقِّها، والصّدْعُ هو الشّقُ في الشيء الصّلب، وهاتان الآيتان كقوله تعالى: فَلْيَنْظُرِ الإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقًّا (26) فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (27) وَعِنَبًا وَقَضْبًا الآيات.
وجوابُ القسم: إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (13) وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ يعني أنّ القرآن هو القولُ الفصلُ، الذي يفصلُ في كلِّ قضية، ويتكلم في كل خلافٍ، وهو لا يلتبسُ بالهزلِ أبدًا، وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت: 41، 42]، كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ، ولذلك أمَر اللهُ تعالى بالرجوع عند الخلافِ إلى كتابه، فقال: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ [الشورى]، أي إلى كتابه يفصلُ بينكم ويصلح الضمير في إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ للعود إلى قوله تعالى: إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ فيكون المعنى: وهذا وَعْدٌ حَقٌّ، وقولٌ فصل، ثم قال تعالى: إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا، كما قال الله تعالى: وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [الأنفال]،
فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أي: أنظرهم ولا تستعجل لهم، أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا أي: قليلاً، وسترى ما يحل بهم من العذاب، ولو أمهلهم الدنيا كلها لكانت قليلاً.
نسأل الله عز وجل العفو والعافية في الدنيا والآخرة، والحمد لله رب العالمين.

عبدالله الجريسي
28-Apr-2008, 05:49 PM
مشكور وماقصرت

/عبد العزيز الجذع/
28-Apr-2008, 07:42 PM
جزاك الله خير..

والله لايحرمك الاجر..

عبدالرحمن الهيلوم
28-Apr-2008, 07:43 PM
جزاك الله خير ابا عامر

فهد النفيعي
28-Apr-2008, 07:49 PM
الجريسي

الهيلوم

الجذع

مشكور على مروركم

محمد المسعودي العتيبي
30-Apr-2008, 07:20 AM
جزاك الله خير..

والله لايحرمك الاجر..


ياابــــــــــــــــاعـــــــــامــــــــــــــر

كامل الذوق
30-Apr-2008, 03:20 PM
الله لا يحرمنا من مواضيعك وشكرا

محب الهيلا
30-Apr-2008, 03:40 PM
جزاك الله خير

ويعطيك العافية

فهد النفيعي
30-Apr-2008, 08:58 PM
كامل الذوق

محب الهيلا

محمد المسعودي

مشكور على مروركم العطر

دام تواصلكم