ابو ضيف الله
27-Mar-2008, 01:26 PM
وعلى المعلمين أن يكونوا متعاونين على البر والتقوي كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (المسلم أخو المسلم لا يسلمه ولا يظلمه). وقوله: (مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكي منه عضو، تداعي له سائر الجسد بالحمي والسهر)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده، لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه من الخير ما يحبه لنفسه). وقوله: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا) وشبك بين أصابعه، وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تحاسدوا /ولا تقاطعوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا). وهذا كله في الصحيح.
وفي السنن عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ألا أنبئكم بأفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر؟). قالوا: بلي يارسول الله، قال: (صلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة، لا أقول: تحلق الشعر ولكن تحلق الدين).
وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (تفتح أبواب الجنة كل يوما اثنين وخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئًا، إلا رجلاً كان بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا). وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيصد هذا ويصد هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام).
وليس لأحد من المعلمين أن يعتدي على الآخر، ولا يؤذيه بقول ولا فعل بغير حق؛ فإن الله ـ تعإلى ـ يقول: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} [الأحزاب:58]، وليس لأحد أن يعاقب أحدًا على غير ظلم ولا تعدي حد ولا تضييع حق، بل لأجل هواه. فإن هذا من الظلم الذي حرم الله ورسوله. فقد قال ـ تعإلى ـ فيما روي /عنه نبيه صلى الله عليه وسلم: (ياعبادي، إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا، فلا تظالموا).
وإذا جني شخص فلا يجوز أن يعاقب بغير العقوبة الشرعية، وليس لأحد من المتعلمين والأستاذين أن يعاقبه بما يشاء. وليس لأحد أن يعاونه ولا يوافقه على ذلك، مثل أن يأمر بهجر شخص فيهجره بغير ذنب شرعي، أو يقول: أقعدته أو أهدرته أو نحو ذلك، فإن هذا من جنس ما يفعله القساقسة والرهبان مع النصاري والحزابون مع إليهود، ومن جنس ما يفعله أئمة الضلالة والغواية مع أتباعهم. وقد قال الصديق الذي هو خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمته: أطيعوني ما أطعت الله، فإن عصيت الله، فلا طاعة لي علىكم. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق). وقال: (من أمركم بمعصية الله، فلا تطيعوه).
فإذا كان المعلم أو الأستاذ قد أمر بهجر شخص، أو بإهداره وإسقاطه وإبعاده ونحو ذلك، نظر فيه، فإن كان قد فعل ذنبًا شرعيا، عوقب بقدر ذنبه بلا زيادة. وإن لم يكن أذنب ذنبًا شرعيا، لم يجز أن يعاقب بشيء لأجل غرض المعلم أو غيره.
وليس للمعلمين أن يحزبوا الناس ويفعلوا ما يلقي بينهم العداوة والبغضاء، بل يكونون مثل الأخوة المتعاونين على البر والتقوي كما قال تعإلى: {وَتَعَاوَنُواْ على الْبرِّ وَالتَّقْوَي وَلاَ تَعَاوَنُواْ على الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:2].
وليس لأحد منهم أن يأخذ على أحد عهدًا بموافقته على كل ما يريده، وموالاة من يوإليه، ومعاداة من يعاديه. بل من فعل هذا، كان من جنس جنكزخان وأمثاله الذين يجعلون من وافقهم صديقًا وإلى، ومن خالفهم عدوًا باغي. بل عليهم وعلى أتباعهم عهد الله ورسوله بأن يطيعوا الله ورسوله؛ ويفعلوا ما أمر الله به ورسوله؛ ويحرموا ما حرم الله ورسوله، ويرعوا حقوق المعلمين كما أمر الله ورسوله. فإن كان أستاذ أحد مظلومًا نصره، وإن كان ظالمـًا لم يعاونه على الظلم بل يمنعه منه؛ كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (انصر أخاك ظالمـًا أو مظلومًا). قيل: يارسول الله، أنصره مظلومًا فكيف أنصره ظالمًا؟ قال: (تمنعه من الظلم فذلك نصرك إياه).
وإذا وقـع بين معلم ومعلم أو تلميذ وتلميذ أو معلم وتلميذ خصومة ومشاجـرة، لم يجـز لأحـد أن يعيـن أحـدهما حتى يعلم الحـق، فلا يعاونه بجهل ولا بهوي، بل ينظر في الأمـر فـإذا تبين له الحق، أعان المحق منهما على المبطل، سواء كان المحق من أصحابه أو أصحاب غيره. وسواء كان المبطل من أصحابه أو أصحاب غيره، فيكون المقصود عبادة الله وحده وطاعة رسوله، واتباع الحق والقيام بالقسط. قال الله تعإلى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ على أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللّهُ أَوْلَي بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَي أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} [النساء: 135]، يقال: لوي يلوي لسانه: فيخبر بالكذب. والإعراض: أن يكتم الحق؛ فإن الساكت عن الحق شيطان أخرس.
ومن مال مع صاحبه ـ سواء كان الحق له أو عليه ـ فقد حكم بحكم الجاهلية وخرج عن حكم الله ورسوله، والواجب على جميعهم أن يكونوا يدًا واحدة مع الحقي على المبطل، فيكون المعظم عندهم من عظمه الله ورسوله، والمقدم عندهم من قدمه الله ورسوله، والمحبوب عندهم من أحبه الله ورسوله، والمهان عندهم من أهانه الله ورسوله بحسب ما يرضي الله ورسوله لا بحسب الأهواء؛ فإنه من يطع الله ورسوله، فقد رشد. ومن يعص الله ورسوله، فإنه لا يضر إلا نفسه.
فهذا هو الأصل الذي عليهم اعتماده. وحينئذ، فلا حاجة إلى تفرقهم وتشيعهم، فإن الله ـ تعإلى ـ يقول: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} [الأنعام: 159]، وقال تعإلى: {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ} [آل عمران: 105]، وإذا كان الرجل قد علمه أستاذ عرف قدر إحسانه إليه وشكره.
ولا يشد وسطه لا لمعلمه ولا لغير معلمه، فإن شد الوسط لشخص معين وانتسابه إليه ـ كما ذكر في السؤال ـ: من بدع الجاهلية، ومن جنس التحالف الذي كان المشركون يفعلونه، ومن جنس تفرق قيس ويمن. فإن كان المقصود بهذا الشد والانتماء التعاون على البر والتقوي، فهذا قد أمر الله به ورسوله له ولغيره بدون هذا الشد، وإن كان المقصود به التعاون على الإثم والعدوان، فهذا قد حرمه الله ورسوله فما قصد بهذا من خير، ففي أمر الله ورسوله بكل معروف استغناء أمر المعلمين، وما قصد بهذا من شر، فقد حرمه الله ورسوله.
فليس لمعلم أن يحالف تلامذته على هذا، ولا لغير المعلم أن يأخذ أحدًا من تلامذته لينسبوا إليه على الوجه البدعي: لا ابتداء، ولا إفادة. وليس له أن يجحد حق الأول عليه، وليس للأول أن يمنع أحدًا من إفادته التعلم من غيره، وليس للثاني أن يقول: شد لي وانتسب لي دون معلمك الأول، بل إن تعلم من اثنين فإنه يراعي حق كل منهما، ولا يتعصب لا للأول ولا للثاني، وإذا كان تعلىم الأول له أكثر، كانت رعايته لحقه أكثر.
وإذا اجتمعوا على طاعة الله ورسوله، وتعاونوا على البر والتقوي، لم يكن أحد مع أحد في كل شيء، بل يكون كل شخص مع كل شخص في طاعة الله ورسوله، ولا يكونون مع أحد في معصية الله ورسوله، بل يتعاونون على الصدق والعدل والإحسان، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، ونصر المظلوم وكل ما يحبه الله ورسوله، ولا يتعاونون لا على ظلم ولا عصبية جاهلية. ولا اتباع الهوي بدون هدي من الله، ولا تفرق ولا اختلاف، ولا شد وسط لشخص ليتابعه في كل شيء، ولا يحالفه على غير ما أمر الله به ورسوله.
وحينئذ، فلا ينتقل أحد عن أحد إلى أحد، ولا ينتمي أحد: لا لقيطًا، ولا ثقيلاً ولا غير ذلك من أسماء الجاهلية، فإن هذه الأمور إنما ولدها كون الأستاذ يريد أن يوافقه تلميذه على ما يريد، فيوإلى من يوإليه، ويعادي من يعاديه مطلقًا. وهذا حرام، ليس لأحد أن يأمر به أحدًا، ولا يجيب عليه أحدًا، بل تجمعهم السنة وتفرقهم البدعة. يجمعهم فعل ما أمر الله به، ورسوله وتفرق بينهم معصية الله ورسوله، حتى يصير الناس أهل طاعة الله أو أهل معصية الله، فلا تكون العبادة إلا لله ـ عز وجل ـ ولا الطاعة المطلقة إلا له ـ سبحانه ـ ولرسوله صلى الله عليه وسلم.
ولا ريب أنهم إذا كانوا على عادتهم الجاهلية ـ أي: من علمه أستاذ كان محالفًا له ـ كان المنتقل عن الأول إلى الثاني ظالمًا باغيا ناقضًا لعهده غير موثوق بعقده، وهذا ـ أيضًا ـ حرام وإثم، هذا أعظم من إثم من لم يفعل مثل فعله؛ بل مثل هذا إذا انتقل إلى غير أستاذه وحالفه، كان قد فعل حرامًا، فيكون مثل لحم الخنزير الميت. فإنه لا /بعهد الله ورسوله أوفي، ولا بعهد الأول. بل كان بمنزلة المتلاعب الذي لا عهد له، ولا دين له ولا وفاء. وقد كانوا في الجاهلية يحالف الرجل قبيلة فإذا وجد أقوي منها، نقض عهد الأولي وحالف الثانية ـ وهو شبيه بحال هؤلاء ـ فأنزل الله تعإلى:
{وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ علىكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَي مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلكِن يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ وَلاَ تَتَّخِذُواْ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُواْ الْسُّوءَ بِمَا صَدَدتُّمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النحل: 91: 94].
المــصـــدر المجلد الثامن والعشرين من مجموع الفتاوي
http://www.al-eman.com/Islamlib/viewchp.asp?BID=252&CID=525#s4
وفي السنن عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ألا أنبئكم بأفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر؟). قالوا: بلي يارسول الله، قال: (صلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة، لا أقول: تحلق الشعر ولكن تحلق الدين).
وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (تفتح أبواب الجنة كل يوما اثنين وخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئًا، إلا رجلاً كان بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا). وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيصد هذا ويصد هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام).
وليس لأحد من المعلمين أن يعتدي على الآخر، ولا يؤذيه بقول ولا فعل بغير حق؛ فإن الله ـ تعإلى ـ يقول: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} [الأحزاب:58]، وليس لأحد أن يعاقب أحدًا على غير ظلم ولا تعدي حد ولا تضييع حق، بل لأجل هواه. فإن هذا من الظلم الذي حرم الله ورسوله. فقد قال ـ تعإلى ـ فيما روي /عنه نبيه صلى الله عليه وسلم: (ياعبادي، إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا، فلا تظالموا).
وإذا جني شخص فلا يجوز أن يعاقب بغير العقوبة الشرعية، وليس لأحد من المتعلمين والأستاذين أن يعاقبه بما يشاء. وليس لأحد أن يعاونه ولا يوافقه على ذلك، مثل أن يأمر بهجر شخص فيهجره بغير ذنب شرعي، أو يقول: أقعدته أو أهدرته أو نحو ذلك، فإن هذا من جنس ما يفعله القساقسة والرهبان مع النصاري والحزابون مع إليهود، ومن جنس ما يفعله أئمة الضلالة والغواية مع أتباعهم. وقد قال الصديق الذي هو خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمته: أطيعوني ما أطعت الله، فإن عصيت الله، فلا طاعة لي علىكم. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق). وقال: (من أمركم بمعصية الله، فلا تطيعوه).
فإذا كان المعلم أو الأستاذ قد أمر بهجر شخص، أو بإهداره وإسقاطه وإبعاده ونحو ذلك، نظر فيه، فإن كان قد فعل ذنبًا شرعيا، عوقب بقدر ذنبه بلا زيادة. وإن لم يكن أذنب ذنبًا شرعيا، لم يجز أن يعاقب بشيء لأجل غرض المعلم أو غيره.
وليس للمعلمين أن يحزبوا الناس ويفعلوا ما يلقي بينهم العداوة والبغضاء، بل يكونون مثل الأخوة المتعاونين على البر والتقوي كما قال تعإلى: {وَتَعَاوَنُواْ على الْبرِّ وَالتَّقْوَي وَلاَ تَعَاوَنُواْ على الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:2].
وليس لأحد منهم أن يأخذ على أحد عهدًا بموافقته على كل ما يريده، وموالاة من يوإليه، ومعاداة من يعاديه. بل من فعل هذا، كان من جنس جنكزخان وأمثاله الذين يجعلون من وافقهم صديقًا وإلى، ومن خالفهم عدوًا باغي. بل عليهم وعلى أتباعهم عهد الله ورسوله بأن يطيعوا الله ورسوله؛ ويفعلوا ما أمر الله به ورسوله؛ ويحرموا ما حرم الله ورسوله، ويرعوا حقوق المعلمين كما أمر الله ورسوله. فإن كان أستاذ أحد مظلومًا نصره، وإن كان ظالمـًا لم يعاونه على الظلم بل يمنعه منه؛ كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (انصر أخاك ظالمـًا أو مظلومًا). قيل: يارسول الله، أنصره مظلومًا فكيف أنصره ظالمًا؟ قال: (تمنعه من الظلم فذلك نصرك إياه).
وإذا وقـع بين معلم ومعلم أو تلميذ وتلميذ أو معلم وتلميذ خصومة ومشاجـرة، لم يجـز لأحـد أن يعيـن أحـدهما حتى يعلم الحـق، فلا يعاونه بجهل ولا بهوي، بل ينظر في الأمـر فـإذا تبين له الحق، أعان المحق منهما على المبطل، سواء كان المحق من أصحابه أو أصحاب غيره. وسواء كان المبطل من أصحابه أو أصحاب غيره، فيكون المقصود عبادة الله وحده وطاعة رسوله، واتباع الحق والقيام بالقسط. قال الله تعإلى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ على أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللّهُ أَوْلَي بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَي أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} [النساء: 135]، يقال: لوي يلوي لسانه: فيخبر بالكذب. والإعراض: أن يكتم الحق؛ فإن الساكت عن الحق شيطان أخرس.
ومن مال مع صاحبه ـ سواء كان الحق له أو عليه ـ فقد حكم بحكم الجاهلية وخرج عن حكم الله ورسوله، والواجب على جميعهم أن يكونوا يدًا واحدة مع الحقي على المبطل، فيكون المعظم عندهم من عظمه الله ورسوله، والمقدم عندهم من قدمه الله ورسوله، والمحبوب عندهم من أحبه الله ورسوله، والمهان عندهم من أهانه الله ورسوله بحسب ما يرضي الله ورسوله لا بحسب الأهواء؛ فإنه من يطع الله ورسوله، فقد رشد. ومن يعص الله ورسوله، فإنه لا يضر إلا نفسه.
فهذا هو الأصل الذي عليهم اعتماده. وحينئذ، فلا حاجة إلى تفرقهم وتشيعهم، فإن الله ـ تعإلى ـ يقول: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} [الأنعام: 159]، وقال تعإلى: {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ} [آل عمران: 105]، وإذا كان الرجل قد علمه أستاذ عرف قدر إحسانه إليه وشكره.
ولا يشد وسطه لا لمعلمه ولا لغير معلمه، فإن شد الوسط لشخص معين وانتسابه إليه ـ كما ذكر في السؤال ـ: من بدع الجاهلية، ومن جنس التحالف الذي كان المشركون يفعلونه، ومن جنس تفرق قيس ويمن. فإن كان المقصود بهذا الشد والانتماء التعاون على البر والتقوي، فهذا قد أمر الله به ورسوله له ولغيره بدون هذا الشد، وإن كان المقصود به التعاون على الإثم والعدوان، فهذا قد حرمه الله ورسوله فما قصد بهذا من خير، ففي أمر الله ورسوله بكل معروف استغناء أمر المعلمين، وما قصد بهذا من شر، فقد حرمه الله ورسوله.
فليس لمعلم أن يحالف تلامذته على هذا، ولا لغير المعلم أن يأخذ أحدًا من تلامذته لينسبوا إليه على الوجه البدعي: لا ابتداء، ولا إفادة. وليس له أن يجحد حق الأول عليه، وليس للأول أن يمنع أحدًا من إفادته التعلم من غيره، وليس للثاني أن يقول: شد لي وانتسب لي دون معلمك الأول، بل إن تعلم من اثنين فإنه يراعي حق كل منهما، ولا يتعصب لا للأول ولا للثاني، وإذا كان تعلىم الأول له أكثر، كانت رعايته لحقه أكثر.
وإذا اجتمعوا على طاعة الله ورسوله، وتعاونوا على البر والتقوي، لم يكن أحد مع أحد في كل شيء، بل يكون كل شخص مع كل شخص في طاعة الله ورسوله، ولا يكونون مع أحد في معصية الله ورسوله، بل يتعاونون على الصدق والعدل والإحسان، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، ونصر المظلوم وكل ما يحبه الله ورسوله، ولا يتعاونون لا على ظلم ولا عصبية جاهلية. ولا اتباع الهوي بدون هدي من الله، ولا تفرق ولا اختلاف، ولا شد وسط لشخص ليتابعه في كل شيء، ولا يحالفه على غير ما أمر الله به ورسوله.
وحينئذ، فلا ينتقل أحد عن أحد إلى أحد، ولا ينتمي أحد: لا لقيطًا، ولا ثقيلاً ولا غير ذلك من أسماء الجاهلية، فإن هذه الأمور إنما ولدها كون الأستاذ يريد أن يوافقه تلميذه على ما يريد، فيوإلى من يوإليه، ويعادي من يعاديه مطلقًا. وهذا حرام، ليس لأحد أن يأمر به أحدًا، ولا يجيب عليه أحدًا، بل تجمعهم السنة وتفرقهم البدعة. يجمعهم فعل ما أمر الله به، ورسوله وتفرق بينهم معصية الله ورسوله، حتى يصير الناس أهل طاعة الله أو أهل معصية الله، فلا تكون العبادة إلا لله ـ عز وجل ـ ولا الطاعة المطلقة إلا له ـ سبحانه ـ ولرسوله صلى الله عليه وسلم.
ولا ريب أنهم إذا كانوا على عادتهم الجاهلية ـ أي: من علمه أستاذ كان محالفًا له ـ كان المنتقل عن الأول إلى الثاني ظالمًا باغيا ناقضًا لعهده غير موثوق بعقده، وهذا ـ أيضًا ـ حرام وإثم، هذا أعظم من إثم من لم يفعل مثل فعله؛ بل مثل هذا إذا انتقل إلى غير أستاذه وحالفه، كان قد فعل حرامًا، فيكون مثل لحم الخنزير الميت. فإنه لا /بعهد الله ورسوله أوفي، ولا بعهد الأول. بل كان بمنزلة المتلاعب الذي لا عهد له، ولا دين له ولا وفاء. وقد كانوا في الجاهلية يحالف الرجل قبيلة فإذا وجد أقوي منها، نقض عهد الأولي وحالف الثانية ـ وهو شبيه بحال هؤلاء ـ فأنزل الله تعإلى:
{وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ علىكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَي مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلكِن يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ وَلاَ تَتَّخِذُواْ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُواْ الْسُّوءَ بِمَا صَدَدتُّمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النحل: 91: 94].
المــصـــدر المجلد الثامن والعشرين من مجموع الفتاوي
http://www.al-eman.com/Islamlib/viewchp.asp?BID=252&CID=525#s4