محب الهيلا
15-Mar-2008, 10:34 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
د. عائض القرني
أكتب هذه المقالة من باريس في رحلة علاج الركبتين وأخشى أن أتهم
بميلي إلى الغرب وأنا أكتبُ عنهم شهادة حق وإنصاف ، ووالله إن غبار
حذاء محمد بن عبد الله ( صلى الله عليه وسلم ) أحبُ إليّ من أميركا
وأوروبا مجتمِعَتين . ولكن الاعتراف بحسنات الآخرين منهج قرآني ، يقول
تعالى: « ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة ».
وقد أقمت في باريس أراجع الأطباء وأدخل المكتبات وأشاهد الناس وأنظر
إلى تعاملهم فأجد رقة الحضارة ، وتهذيب الطباع ، ولطف المشاعر ،
وحفاوة اللقاء ، حسن التأدب مع الآخر ، أصوات هادئة ، حياة منظمة ،
التزام بالمواعيد ، ترتيب في شؤون الحياة ، أما نحن العرب فقد سبقني
ابن خلدون لوصفنا بالتوحش والغلظة ، وأنا أفخر بأني عربي؛ لأن القرآن
عربي والنبي عربي ، ولولا أن الوحي هذّب أتباعه لبقينا في مراتع هبل
واللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى . ولكننا لم نزل نحن العرب من الجفاء
والقسوة بقدر ابتعادنا عن الشرع المطهر.
نحن مجتمع غلظة وفظاظة إلا من رحم الله ، فبعض المشايخ وطلبة
العلم وأنا منهم جفاة في الخُلُق ، وتصحّر في النفوس ، حتى إن بعض
العلماء إذا سألته أكفهرَّ وعبس وبسر ، الجندي يمارس عمله بقسوة
ويختال ببدلته على الناس ، من الأزواج زوج شجاع مهيب وأسدٌ هصور
على زوجته وخارج البيت نعامة فتخاء ، من الزوجات زوجة عقرب تلدغ
وحيّة تسعى ، من المسؤولين من يحمل بين جنبيه نفس النمرود بن
كنعان كِبراً وخيلاء حتى إنه إذا سلّم على الناس يرى أن الجميل له ، وإذا
جلس معهم أدى ذلك تفضلاً وتكرماً منه ، الشرطي صاحب عبارات مؤذية
، الأستاذ جافٍ مع طلابه ، فنحن بحاجة لمعهد لتدريب الناس على حسن
الخُلُق وبحاجة لمؤسسة لتخريج مسؤولين يحملون الرقة والرحمة
والتواضع ، وبحاجة لمركز لتدريس العسكر اللياقة مع الناس ، وبحاجة
لكلية لتعليم الأزواج والزوجات فن الحياة الزوجية.
المجتمع عندنا يحتاج إلى تطبيق صارم وصادق للشريعة لنخرج من
القسوة والجفاء الذي ظهر على وجوهنا وتعاملنا . في البلاد العربية يلقاك
غالب العرب بوجوه عليها غبرة ترهقها قترة ، من حزن وكِبر وطفشٍ
وزهق ونزق وقلق ، ضقنا بأنفسنا وبالناس وبالحياة ، لذلك تجد في غالب
سياراتنا عُصي وهراوات لوقت الحاجة وساعة المنازلة والاختلاف مع
الآخرين ، وهذا الحكم وافقني عليه من رافقني من الدعاة ، وكلما قلت:
ما السبب ؟
قالوا: الحضارة ترقق الطباع ، نسأل الرجل الفرنسي عن الطريق ونحن
في سيارتنا فيوقف سيارته ويخرج الخارطة وينزل من سيارته ويصف لك
الطريق وأنت جالس في سيارتك ، نمشي في الشارع والأمطار تهطل
علينا فيرفع أحد المارة مظلته على رؤوسنا ، نزدحم عند دخول الفندق أو
المستشفى فيؤثرونك مع كلمة التأسف ، أجد كثيراً من الأحاديث النبوية
تُطبَّق هنا ، احترام متبادل ، عبارات راقية ، أساليب حضارية في التعامل
بينما تجد أبناء يعرب إذا غضبوا لعنوا وشتموا وأقذعوا وأفحشوا ، أين
منهج القرآن: « وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن » ، « وإذا خاطبهم
الجاهلون قالوا سلاما » ، « فاصفح الصفح الجميل » ، « ولا تصعّر خدّك
للناس ولا تمش في الأرض مرحاً إن الله لا يحب كل مختال فخور ،
واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير »
. وفي الحديث: « الراحمون يرحمهم الرحمن » ، و « المسلم من سلم
المسلمون من لسانه ويده » ، و « لا تباغضوا ولا تقاطعوا ولا تحاسدوا »
. عندنا شريعة ربّانيّة مباركة لكن التطبيق ضعيف ، يقول عالم هندي:
( المرعى أخضر ولكن العنز مريضة ) .
انتهى المقال
د. عائض القرني
أكتب هذه المقالة من باريس في رحلة علاج الركبتين وأخشى أن أتهم
بميلي إلى الغرب وأنا أكتبُ عنهم شهادة حق وإنصاف ، ووالله إن غبار
حذاء محمد بن عبد الله ( صلى الله عليه وسلم ) أحبُ إليّ من أميركا
وأوروبا مجتمِعَتين . ولكن الاعتراف بحسنات الآخرين منهج قرآني ، يقول
تعالى: « ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة ».
وقد أقمت في باريس أراجع الأطباء وأدخل المكتبات وأشاهد الناس وأنظر
إلى تعاملهم فأجد رقة الحضارة ، وتهذيب الطباع ، ولطف المشاعر ،
وحفاوة اللقاء ، حسن التأدب مع الآخر ، أصوات هادئة ، حياة منظمة ،
التزام بالمواعيد ، ترتيب في شؤون الحياة ، أما نحن العرب فقد سبقني
ابن خلدون لوصفنا بالتوحش والغلظة ، وأنا أفخر بأني عربي؛ لأن القرآن
عربي والنبي عربي ، ولولا أن الوحي هذّب أتباعه لبقينا في مراتع هبل
واللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى . ولكننا لم نزل نحن العرب من الجفاء
والقسوة بقدر ابتعادنا عن الشرع المطهر.
نحن مجتمع غلظة وفظاظة إلا من رحم الله ، فبعض المشايخ وطلبة
العلم وأنا منهم جفاة في الخُلُق ، وتصحّر في النفوس ، حتى إن بعض
العلماء إذا سألته أكفهرَّ وعبس وبسر ، الجندي يمارس عمله بقسوة
ويختال ببدلته على الناس ، من الأزواج زوج شجاع مهيب وأسدٌ هصور
على زوجته وخارج البيت نعامة فتخاء ، من الزوجات زوجة عقرب تلدغ
وحيّة تسعى ، من المسؤولين من يحمل بين جنبيه نفس النمرود بن
كنعان كِبراً وخيلاء حتى إنه إذا سلّم على الناس يرى أن الجميل له ، وإذا
جلس معهم أدى ذلك تفضلاً وتكرماً منه ، الشرطي صاحب عبارات مؤذية
، الأستاذ جافٍ مع طلابه ، فنحن بحاجة لمعهد لتدريب الناس على حسن
الخُلُق وبحاجة لمؤسسة لتخريج مسؤولين يحملون الرقة والرحمة
والتواضع ، وبحاجة لمركز لتدريس العسكر اللياقة مع الناس ، وبحاجة
لكلية لتعليم الأزواج والزوجات فن الحياة الزوجية.
المجتمع عندنا يحتاج إلى تطبيق صارم وصادق للشريعة لنخرج من
القسوة والجفاء الذي ظهر على وجوهنا وتعاملنا . في البلاد العربية يلقاك
غالب العرب بوجوه عليها غبرة ترهقها قترة ، من حزن وكِبر وطفشٍ
وزهق ونزق وقلق ، ضقنا بأنفسنا وبالناس وبالحياة ، لذلك تجد في غالب
سياراتنا عُصي وهراوات لوقت الحاجة وساعة المنازلة والاختلاف مع
الآخرين ، وهذا الحكم وافقني عليه من رافقني من الدعاة ، وكلما قلت:
ما السبب ؟
قالوا: الحضارة ترقق الطباع ، نسأل الرجل الفرنسي عن الطريق ونحن
في سيارتنا فيوقف سيارته ويخرج الخارطة وينزل من سيارته ويصف لك
الطريق وأنت جالس في سيارتك ، نمشي في الشارع والأمطار تهطل
علينا فيرفع أحد المارة مظلته على رؤوسنا ، نزدحم عند دخول الفندق أو
المستشفى فيؤثرونك مع كلمة التأسف ، أجد كثيراً من الأحاديث النبوية
تُطبَّق هنا ، احترام متبادل ، عبارات راقية ، أساليب حضارية في التعامل
بينما تجد أبناء يعرب إذا غضبوا لعنوا وشتموا وأقذعوا وأفحشوا ، أين
منهج القرآن: « وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن » ، « وإذا خاطبهم
الجاهلون قالوا سلاما » ، « فاصفح الصفح الجميل » ، « ولا تصعّر خدّك
للناس ولا تمش في الأرض مرحاً إن الله لا يحب كل مختال فخور ،
واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير »
. وفي الحديث: « الراحمون يرحمهم الرحمن » ، و « المسلم من سلم
المسلمون من لسانه ويده » ، و « لا تباغضوا ولا تقاطعوا ولا تحاسدوا »
. عندنا شريعة ربّانيّة مباركة لكن التطبيق ضعيف ، يقول عالم هندي:
( المرعى أخضر ولكن العنز مريضة ) .
انتهى المقال