البـرنس
31-Jan-2008, 04:31 PM
عينان ساحرتان ، شجاعة نادرة ، كرم عجيب ، قوام كالسمهر
، وهيبة آسرة ، وعلم جم ، شاعر موهوب ، إحساس مرهف
، يعرف قدر نفسه ، لا تيه ولا ازدها ، صوت يناجي القلوب
إذا جر الربابة ، سَبَق محيطه ، معرفة لقدر المرأة ، إكراما
لتلك الأم التي كان يشعر بأنها تعيش من أجله . بهذه الأوصاف
والمزايا عاد ( نمر ) ، أمير شعر الأردن في البادية ، عاد إلى
القبيلة ، وكأن القدر قد رتب زيارة السائحة مع عودة ( نمر )
من الأزهر ، لم تمح صورته الحبيبة إليها من قلبيها ، فاضت
الدموع من عينيها ، وهي تستقبله ، رأته فارسا بعد أن وَدَعته
الأزهر يافعا ، فيالعظمة فرحتها ! رأت بندقيته المجوهرة ،
وشاهدته معزا بها فوعدته ببندقية متطورة ، جعلت الفرسان
يحسبون له ألف حساب !.
كانت تلك الهدية قد ملأت قلبه سرورا ، فهو يريد
أن " يتباهى " بها ، لأنه لامثيل لها . فذهب مع مجموعة من
شبان الحي ، الذين يتحدون الذي يغارون منه ، وكانت
الرحلة في أيام الربيع ، أيام كانت أسراب الظباء تغطي سهول
( مادبا ) ، قبل أن يقطعها ( مدحت باشا ) – الذي كان يكنى بـ
( أبي الأحرار ) – للعشائر التي سكنتها عام 1880م ، على
أثر نزوحها من ( الكرك ) . في ذلك اليوم كان فوج
من فتيات ( بني صخر ) اللائي يشبهن الظباء ، يستقين من
أحد الغدران فمال ( نمر ) ورفاقه الى الغدير ، متذرعين بأنهم
يريدون أن يشربوا ، ويوردوا خيلهم ، سلم ( نمر ) ورفاقه
على الفتيات ، فحيوا بأحسن من تحيتهم ، فاسترعت بصر
( نمر ) فتاه ، كانت قد ملأت الجود " قربة صغيرة " الذي
معها فطلب منها ( نمر ) الجود ليشرب ، فناولته اياه فلامست
يده يدها فأحس بما يشبه تيارا من الكهرباء يسري في قلبه ،
نظر عليها ليشكرها ، فغضت من بصرها حياء فازداد بها
إعجابا ، فسألها عن اسمها فخجلت ، وأرتبكت ولأن الفتيات
أخذن يرشقنها بنظراتهن ذات المغازي ، فانبرت أختها
الصغرى ، كأنما هي تريد أن تنقذ شقيقتها من المأزق ،
بلهجة بدوية : وش لك باسمها ؟ ( هذي إختي أسمها وضحى
بنت فلاح السبيلة القضاة من بني صخر ، وأنا اسمي
( وطفا ) على الخير والشر ، عسى مالك عند أهلها اطلابة ؟
أجاب ( نمر) : والله لايسمح ، نشدت عن اسمها حيث هي
أكرمتنا وشربنا من الجود اللي معها ، وصار واجب علينا أن
نعرف اسمها حيث الماء جانب من الضيافة والمعزب يشكر !
أجابت ( وضحى ) باستحياء : أنتم قناصين ما انتم من عربنا ،
لغوتكم ماهي لغوتنا ، أنتم ضيوف ، باسم صاحب الشق عليكم
جيرة للغدا افلحوا والفلاح ما ينلطم ، والبيوت ماهن بعيدات .
أجاب ( نمر) ، : كثر الله خيركم ، إن يسرّ الله ، فالوجه منا
عليكم إن شاء الله .
صفات ( وضحى )
قوام معتدل الى الطول أميل منها إلى القصر – عينان سوداوان
، شعر أسود طويل ، تكاد جدائله تلامس التراب بدليل قوله
يرحمه الله :
اللي جدايلها تنوش التراب ؟
هدب عينها طويل ، جميلة المحيا ، باسمة الثغر، هذه بعض
صفاتها الظاهرة . أما مزاياها فكريمة . لاتتدخل في شؤون
جيرانها ، لم تر في حفلات السامري ، غضيضة الطرف ،
صادقة المقال ، لم تستعر حاجة من جارة لها ، لأنها كانت ترى
ان العار والاستعارة من أصل وأحد ، لم تدخل في جدل مع
نمر . تكرم أقرباء نمر وترى فيه عالمها ، لم تنم مرة قبل
حضور نمر من مجلس الرجال ، مهما طالت سهرته ، واذا جاء
مهموما أخذت تسليه إلى أن تسري عنه بدليل قوله :
إن جيتها زعلان قامت ترضين** مثل الشفوق اللي تلهله ولدها !
كان حب نمر وضحى من النظرة الأولى ، لكن لم يكن فيه موعد
ولا لقاء ، اذ شعر كل منهما أنه خلق لصاحبه ، إذا أسر نمر
لأ حب رفاقه إليه قائلا : والله يافلان إن ( وضحى ) خذت
قلبي ! أجاب رفيقه : الله يكتبها لك ، ويجعلك من نصيبها ،
ما دمنا عرفنا البنت ، وعرفنا أهلها من ( بني صخر ) ، وهم
أحباب وأصحاب ، مابقي مانع يمنع من خطبتها !
وصل نمر إلى العرب وقد اصطاد ظباء وحماما وحجلانا كثيرة ،
فرحت أمه بصيده صيد بندقيته الجديدة ، فوزعت منها على
البيوت القريبة . في النهار التالي ذكر( نمر) لأمه حبه
لـ ( وضحى ) ، فأسرعت تبشر عمه ( بركات ) بأن ( نمرا )
قد وجد له عروسا من ( بني صخر ) !
سأل ( بركات ) أم ( نمر) : هل تعلل ( نمر) مع البنت ؟
أجابت : لاتعلية ولا غيرها
تناولت النساء قضية ( نمر ) وعمه ( بركات ) وأمه ( نوفة )
، إذ كيف يقدم شاب معروف على التخلي عن بنات
عمه - العدوانيات- ويخطب أجنبية ؟ وكان الشيخ
( حمود) – الناقم على ( نمر ) – اشد الناس معارضة للفكرة
، إذ قال : باطل كل العدوانيات ما فيهن اللي تملا عين
هالقاروط ؟ على ويش حاله :
ماعمر خيب قوم سوى نفيلة***إلا في قضب الورق والدفاتر!
معنى بيت الشعر : أي لايعرف عن متعلم في عشيرة أنه صنع
صنيعا حسنا – غنيمة إلا في كونه يمسك القلم والأوراق – إن
كان مثل التفاهة تعد مغنما!
أما ( نمر ) فإنه ظل مصراً على رأيه ، توجهت الجاهة من
وجهاء العدوان والأعيان ، ما عدا الزعيم المنافس – وقصدت
الجاهة منا زل ( السبيلة ) القضاة ، فقدمت القهوة ، فامتنع
كبير الجاهة من شرب القهوة قائلا : حنا طلابين وعسانا من
عند الله ومن عندكم ما حنا خايبين ، نريد منكم مهرة تأكل
بايدها ، ما تاكل باثمها ، نريد ( وضحى ) ، ترخصون لي
أشوف البنت وأمها . دخل ( فلاح ) المحرم واستشار (
وضحى ) وأمها فرحبتا بالجاهة فعاد مرحباً ، وقال : حياكم الله
اشربوا قهوتكم ترها جتكم عطية ما من وراها جزية جعلها الله
صبار ابركة !
أجاب كبير الجاهة : ( وضحى ) : ما تنسام بمسام ، مير
الهدية عند أجاويد الله لها جزية ، جزيتها تصل المراح باقرب
وقت إن شاء الله
أجاب كبير الجاهة : ( وضحى ) ما تقصرون إن شاء الله .
شربت القهوة ، وذبحت الذبائح وبعد العشاء جاءت الجاهة الى
مضارب العدوان ، فاستقبلت في عرب العدوان بشيء من
التجهم ، هذا من حيث العدوان ، أما عرب السبيلة ، فإن ابن
عم ( وضحى ) ، جاء معترضا بأنه أولى بابنة عمة ، وكاد هذا
الاعتراض يحدث مشكلة . لكن والد وضحى تدارك الأمر بحكمة
وقال : هذي وطفا بنت عملك ، وما بين بنات العم خيار ،
فالقمة حجراً .
لم تمض أيام ، حتى كانت الجزية عند الشيخ فلاح في مراحه ،
فمنهم من يردد قول ( نمر ) :
ماسقت بيها غير خمسة وثمانين*** بيهن ابكار وبعض يدرج ولدها !
ومنهم من يردد قولا منسوبا اليه :
ماسقت بيها غير مية وتسعين *** معهن أعبية وعبد يرعى جلدها
لم يمض شهر حتى كان الوفد من أهل العريس من قبل
العدوان في عرب السبيلة لزفاف ( وضحى ) ، وقد أعدت (
البرزة ) قبل إحضار العروس . فلما دخلت ( وضحى ) البرزة
صمدت . دخل ( نمر ) فحلف لها أنه لن يعرف غيرها من
النساء امرأة مادام الله كاتبا لهما الحياة ، وعزز ذلك ببيت من
الشعر يروى :
مازولك حية ، وأنا ماتوفيت ***يحرم عليك سمعك للطلاق
حشمها سبع ليال حشمة بنات الأمراء وكبار الشيوخ . فسارت
الحياة بينهما كأنها أنشودة غرامية يزفها عازف ماهر . الأمر
الذي ملأ بعض القلوب غيرة وحسداً ، خاصة قلب الشيخ (
حمود ) الذي راى حياة ( نمر) تزداد إشرقا ، من يوم إلى
يوم . وفوق هذا فإن القبيلة رأت في حياة ( نمر ) شبه ثورة
على القاليد والعادات التي كانت تقدس الأم ، فالام ما دونها
دون ، ولا شيء يكون ولأخت مجال فخر ، فإذا ضيم الأردني
هتف ! " أنا آخو فلانة ! " أما الزوجة فأن التقاليد والعادات
تخفض من قيمتها . فقد كان الزوج إذا أراد أن يذكر زوجته ،
يكني عنها ، بمثل قوله :
أ-الحرمة – الله لا يحرمك لذة الدنيا ، ويكرّمك من
هالطاري
ب- المرة – الله لا يمرمر لك ريق .
ج - أم الاعيال – الله لا يعيل لك أمر .
د – إمرتي – حيشاك ، وأنت أكبر قدر.
هـ- الأنثى – الله لا ينثي لك بخت
و- ألوية – الله لا يولي عليك ظالم .
ولم تكن تقاليد العادات تسمح للزوجة أن تنادي زوجها باسمه
أو بكنيته ، حتى لو كان واقفا أمامها ، أو الى جانبها .
إلى هذا الدرك الأرذك وصلت الزوجة ، ليس هذا عندنا وحدنا ،
بل كان عاما ، فقد ذكر الأستاذ ( محمد جميل بيهم ) في كتابه
النفيس ( المرأة في حضارة العرب ، والعرب في تاريخ
المرأة ) ، ذكر أمورا مخجلة محزنة ، وسمى الديار التي كانت
تفرض على الأنثى ، إذ بلغت السادسة من عمرها وأدا بلا
قبور . وكانت البدوية أحسن حالا من القروية والحضرية ،
وقد ثار ( نمر) على كل هذه الخرافات والخزعبلات !
فقد كان إعفاء ( نمر) لــ ( وضحى ) ، من كل ماكان مألوفا
يومذاك ، ثورة إجتماعية أثارت الرجال على ( نمر) ، وأثارت
النساء على ( وضحى ) . فصار الرجال يطلبون من كل زوجة
أن تتشبه بــ ( وضحى ) . من غير أن تتيح لها الفرصة
المتاحة لــ ( وضحى ) ، وصارت النساء يطلبن من كل رجل
أن يتشبه بــ ( نمر) معاملة للمرة ، غير مقدرات الظروف التي
تهيأت لــ ( نمر) . وقد كان ضرب المرأة أمراً عاديا ، يشير
إلى ذلك قول احداهن:
ع الأسمراني ع الأسمراني !***هاللي سلامه بالخيزران ِ "
وضحى أم البنات ! جيابة البنات !
قبل أن ترزق ( وضحى ) ( عقاباً ) وإخوته ، ولدت طفلة ،
ففرحت جاراتها - منافساتها- على ( نمر ) ، وزادت الشماته
يوم ماتت الطفلة !
لم يمض حول ، حتى ولدت ( وضحى ) طفلة ثانية ، فطارت
الشامتات فرحا ، صرن يهمسن بينهن : " جيابة بنات ، الله
لا يقيمها ولا يقيم ( نمر) معها. متزنطرة ( متكّبرة ) و ( نمر)
ماهو شايف بالدنيا أحد غير ( وضحى ) ، وفوق هذا تحلف
الداية أن ( نمر) حب ( وضحى ) على جبينها وهي نفساء ،
قبل ما يصير لها ثلاثة أيام ، والناس كلها تدري أن النفساء أم
البنات ما تنلمس قبل شهرين ، وأم لولد لا يجوز لمسها قبل
الأربعين ، وهكذا ضجت النساء بصوت واحد : يا الله دخلنا
عليك ، وش صاب ( نمر) هالمنصب هو انجن ؟! وكانت
النساء يتوقعن أن تسقط منزلة ( وضحى ) عند ( نمر) ، لأنها
ولدت طفلتين ، وقد ذهل الجميع يوم علموا ، أن حبه لها أزداد
عما كان عليه يوم زواجهما ، وكانت القبلة التي طبعها على
جبينها ، والنساء نظرن أعظم دليل ، لأن مثل هذا الأمر ، لم
يسبق له مثيل ، لأن النفساء أم الولد تظل نجسة - في رأيهم-
إلى الأربعين ، فلا يأكل زوجها من يدها شيئا أما المؤاكلة ،
مؤاكلة الزوججة فلم تكن مقبولة ، لأنها تسقط الرجل :
لاعتقادهم أن من يؤاكل زوجته يجب أن يطلقها لأنها تضحي
بمنزلة أخته ، فقد كانوا اذا أرادوا الطعن في رجولة رجل
عيروه بقولهم " إمواكل امرته ! " أجل كان حب ( نمر)
لـ ( وضحى ) معلناً ، كأنه يريد أن يتحدى العقلية المتحجرة ،
فسارت حياتهما سعيدة ، لم يعكر صفوها سوى موت الطفلة
الطفلة الثانية ، وفي الحول الثالث ولدت مولوداً ذكراً أسماه
(عقاباً) ، وكني ( نمر) بــ ( أبو عقاب )!.
، وهيبة آسرة ، وعلم جم ، شاعر موهوب ، إحساس مرهف
، يعرف قدر نفسه ، لا تيه ولا ازدها ، صوت يناجي القلوب
إذا جر الربابة ، سَبَق محيطه ، معرفة لقدر المرأة ، إكراما
لتلك الأم التي كان يشعر بأنها تعيش من أجله . بهذه الأوصاف
والمزايا عاد ( نمر ) ، أمير شعر الأردن في البادية ، عاد إلى
القبيلة ، وكأن القدر قد رتب زيارة السائحة مع عودة ( نمر )
من الأزهر ، لم تمح صورته الحبيبة إليها من قلبيها ، فاضت
الدموع من عينيها ، وهي تستقبله ، رأته فارسا بعد أن وَدَعته
الأزهر يافعا ، فيالعظمة فرحتها ! رأت بندقيته المجوهرة ،
وشاهدته معزا بها فوعدته ببندقية متطورة ، جعلت الفرسان
يحسبون له ألف حساب !.
كانت تلك الهدية قد ملأت قلبه سرورا ، فهو يريد
أن " يتباهى " بها ، لأنه لامثيل لها . فذهب مع مجموعة من
شبان الحي ، الذين يتحدون الذي يغارون منه ، وكانت
الرحلة في أيام الربيع ، أيام كانت أسراب الظباء تغطي سهول
( مادبا ) ، قبل أن يقطعها ( مدحت باشا ) – الذي كان يكنى بـ
( أبي الأحرار ) – للعشائر التي سكنتها عام 1880م ، على
أثر نزوحها من ( الكرك ) . في ذلك اليوم كان فوج
من فتيات ( بني صخر ) اللائي يشبهن الظباء ، يستقين من
أحد الغدران فمال ( نمر ) ورفاقه الى الغدير ، متذرعين بأنهم
يريدون أن يشربوا ، ويوردوا خيلهم ، سلم ( نمر ) ورفاقه
على الفتيات ، فحيوا بأحسن من تحيتهم ، فاسترعت بصر
( نمر ) فتاه ، كانت قد ملأت الجود " قربة صغيرة " الذي
معها فطلب منها ( نمر ) الجود ليشرب ، فناولته اياه فلامست
يده يدها فأحس بما يشبه تيارا من الكهرباء يسري في قلبه ،
نظر عليها ليشكرها ، فغضت من بصرها حياء فازداد بها
إعجابا ، فسألها عن اسمها فخجلت ، وأرتبكت ولأن الفتيات
أخذن يرشقنها بنظراتهن ذات المغازي ، فانبرت أختها
الصغرى ، كأنما هي تريد أن تنقذ شقيقتها من المأزق ،
بلهجة بدوية : وش لك باسمها ؟ ( هذي إختي أسمها وضحى
بنت فلاح السبيلة القضاة من بني صخر ، وأنا اسمي
( وطفا ) على الخير والشر ، عسى مالك عند أهلها اطلابة ؟
أجاب ( نمر) : والله لايسمح ، نشدت عن اسمها حيث هي
أكرمتنا وشربنا من الجود اللي معها ، وصار واجب علينا أن
نعرف اسمها حيث الماء جانب من الضيافة والمعزب يشكر !
أجابت ( وضحى ) باستحياء : أنتم قناصين ما انتم من عربنا ،
لغوتكم ماهي لغوتنا ، أنتم ضيوف ، باسم صاحب الشق عليكم
جيرة للغدا افلحوا والفلاح ما ينلطم ، والبيوت ماهن بعيدات .
أجاب ( نمر) ، : كثر الله خيركم ، إن يسرّ الله ، فالوجه منا
عليكم إن شاء الله .
صفات ( وضحى )
قوام معتدل الى الطول أميل منها إلى القصر – عينان سوداوان
، شعر أسود طويل ، تكاد جدائله تلامس التراب بدليل قوله
يرحمه الله :
اللي جدايلها تنوش التراب ؟
هدب عينها طويل ، جميلة المحيا ، باسمة الثغر، هذه بعض
صفاتها الظاهرة . أما مزاياها فكريمة . لاتتدخل في شؤون
جيرانها ، لم تر في حفلات السامري ، غضيضة الطرف ،
صادقة المقال ، لم تستعر حاجة من جارة لها ، لأنها كانت ترى
ان العار والاستعارة من أصل وأحد ، لم تدخل في جدل مع
نمر . تكرم أقرباء نمر وترى فيه عالمها ، لم تنم مرة قبل
حضور نمر من مجلس الرجال ، مهما طالت سهرته ، واذا جاء
مهموما أخذت تسليه إلى أن تسري عنه بدليل قوله :
إن جيتها زعلان قامت ترضين** مثل الشفوق اللي تلهله ولدها !
كان حب نمر وضحى من النظرة الأولى ، لكن لم يكن فيه موعد
ولا لقاء ، اذ شعر كل منهما أنه خلق لصاحبه ، إذا أسر نمر
لأ حب رفاقه إليه قائلا : والله يافلان إن ( وضحى ) خذت
قلبي ! أجاب رفيقه : الله يكتبها لك ، ويجعلك من نصيبها ،
ما دمنا عرفنا البنت ، وعرفنا أهلها من ( بني صخر ) ، وهم
أحباب وأصحاب ، مابقي مانع يمنع من خطبتها !
وصل نمر إلى العرب وقد اصطاد ظباء وحماما وحجلانا كثيرة ،
فرحت أمه بصيده صيد بندقيته الجديدة ، فوزعت منها على
البيوت القريبة . في النهار التالي ذكر( نمر) لأمه حبه
لـ ( وضحى ) ، فأسرعت تبشر عمه ( بركات ) بأن ( نمرا )
قد وجد له عروسا من ( بني صخر ) !
سأل ( بركات ) أم ( نمر) : هل تعلل ( نمر) مع البنت ؟
أجابت : لاتعلية ولا غيرها
تناولت النساء قضية ( نمر ) وعمه ( بركات ) وأمه ( نوفة )
، إذ كيف يقدم شاب معروف على التخلي عن بنات
عمه - العدوانيات- ويخطب أجنبية ؟ وكان الشيخ
( حمود) – الناقم على ( نمر ) – اشد الناس معارضة للفكرة
، إذ قال : باطل كل العدوانيات ما فيهن اللي تملا عين
هالقاروط ؟ على ويش حاله :
ماعمر خيب قوم سوى نفيلة***إلا في قضب الورق والدفاتر!
معنى بيت الشعر : أي لايعرف عن متعلم في عشيرة أنه صنع
صنيعا حسنا – غنيمة إلا في كونه يمسك القلم والأوراق – إن
كان مثل التفاهة تعد مغنما!
أما ( نمر ) فإنه ظل مصراً على رأيه ، توجهت الجاهة من
وجهاء العدوان والأعيان ، ما عدا الزعيم المنافس – وقصدت
الجاهة منا زل ( السبيلة ) القضاة ، فقدمت القهوة ، فامتنع
كبير الجاهة من شرب القهوة قائلا : حنا طلابين وعسانا من
عند الله ومن عندكم ما حنا خايبين ، نريد منكم مهرة تأكل
بايدها ، ما تاكل باثمها ، نريد ( وضحى ) ، ترخصون لي
أشوف البنت وأمها . دخل ( فلاح ) المحرم واستشار (
وضحى ) وأمها فرحبتا بالجاهة فعاد مرحباً ، وقال : حياكم الله
اشربوا قهوتكم ترها جتكم عطية ما من وراها جزية جعلها الله
صبار ابركة !
أجاب كبير الجاهة : ( وضحى ) : ما تنسام بمسام ، مير
الهدية عند أجاويد الله لها جزية ، جزيتها تصل المراح باقرب
وقت إن شاء الله
أجاب كبير الجاهة : ( وضحى ) ما تقصرون إن شاء الله .
شربت القهوة ، وذبحت الذبائح وبعد العشاء جاءت الجاهة الى
مضارب العدوان ، فاستقبلت في عرب العدوان بشيء من
التجهم ، هذا من حيث العدوان ، أما عرب السبيلة ، فإن ابن
عم ( وضحى ) ، جاء معترضا بأنه أولى بابنة عمة ، وكاد هذا
الاعتراض يحدث مشكلة . لكن والد وضحى تدارك الأمر بحكمة
وقال : هذي وطفا بنت عملك ، وما بين بنات العم خيار ،
فالقمة حجراً .
لم تمض أيام ، حتى كانت الجزية عند الشيخ فلاح في مراحه ،
فمنهم من يردد قول ( نمر ) :
ماسقت بيها غير خمسة وثمانين*** بيهن ابكار وبعض يدرج ولدها !
ومنهم من يردد قولا منسوبا اليه :
ماسقت بيها غير مية وتسعين *** معهن أعبية وعبد يرعى جلدها
لم يمض شهر حتى كان الوفد من أهل العريس من قبل
العدوان في عرب السبيلة لزفاف ( وضحى ) ، وقد أعدت (
البرزة ) قبل إحضار العروس . فلما دخلت ( وضحى ) البرزة
صمدت . دخل ( نمر ) فحلف لها أنه لن يعرف غيرها من
النساء امرأة مادام الله كاتبا لهما الحياة ، وعزز ذلك ببيت من
الشعر يروى :
مازولك حية ، وأنا ماتوفيت ***يحرم عليك سمعك للطلاق
حشمها سبع ليال حشمة بنات الأمراء وكبار الشيوخ . فسارت
الحياة بينهما كأنها أنشودة غرامية يزفها عازف ماهر . الأمر
الذي ملأ بعض القلوب غيرة وحسداً ، خاصة قلب الشيخ (
حمود ) الذي راى حياة ( نمر) تزداد إشرقا ، من يوم إلى
يوم . وفوق هذا فإن القبيلة رأت في حياة ( نمر ) شبه ثورة
على القاليد والعادات التي كانت تقدس الأم ، فالام ما دونها
دون ، ولا شيء يكون ولأخت مجال فخر ، فإذا ضيم الأردني
هتف ! " أنا آخو فلانة ! " أما الزوجة فأن التقاليد والعادات
تخفض من قيمتها . فقد كان الزوج إذا أراد أن يذكر زوجته ،
يكني عنها ، بمثل قوله :
أ-الحرمة – الله لا يحرمك لذة الدنيا ، ويكرّمك من
هالطاري
ب- المرة – الله لا يمرمر لك ريق .
ج - أم الاعيال – الله لا يعيل لك أمر .
د – إمرتي – حيشاك ، وأنت أكبر قدر.
هـ- الأنثى – الله لا ينثي لك بخت
و- ألوية – الله لا يولي عليك ظالم .
ولم تكن تقاليد العادات تسمح للزوجة أن تنادي زوجها باسمه
أو بكنيته ، حتى لو كان واقفا أمامها ، أو الى جانبها .
إلى هذا الدرك الأرذك وصلت الزوجة ، ليس هذا عندنا وحدنا ،
بل كان عاما ، فقد ذكر الأستاذ ( محمد جميل بيهم ) في كتابه
النفيس ( المرأة في حضارة العرب ، والعرب في تاريخ
المرأة ) ، ذكر أمورا مخجلة محزنة ، وسمى الديار التي كانت
تفرض على الأنثى ، إذ بلغت السادسة من عمرها وأدا بلا
قبور . وكانت البدوية أحسن حالا من القروية والحضرية ،
وقد ثار ( نمر) على كل هذه الخرافات والخزعبلات !
فقد كان إعفاء ( نمر) لــ ( وضحى ) ، من كل ماكان مألوفا
يومذاك ، ثورة إجتماعية أثارت الرجال على ( نمر) ، وأثارت
النساء على ( وضحى ) . فصار الرجال يطلبون من كل زوجة
أن تتشبه بــ ( وضحى ) . من غير أن تتيح لها الفرصة
المتاحة لــ ( وضحى ) ، وصارت النساء يطلبن من كل رجل
أن يتشبه بــ ( نمر) معاملة للمرة ، غير مقدرات الظروف التي
تهيأت لــ ( نمر) . وقد كان ضرب المرأة أمراً عاديا ، يشير
إلى ذلك قول احداهن:
ع الأسمراني ع الأسمراني !***هاللي سلامه بالخيزران ِ "
وضحى أم البنات ! جيابة البنات !
قبل أن ترزق ( وضحى ) ( عقاباً ) وإخوته ، ولدت طفلة ،
ففرحت جاراتها - منافساتها- على ( نمر ) ، وزادت الشماته
يوم ماتت الطفلة !
لم يمض حول ، حتى ولدت ( وضحى ) طفلة ثانية ، فطارت
الشامتات فرحا ، صرن يهمسن بينهن : " جيابة بنات ، الله
لا يقيمها ولا يقيم ( نمر) معها. متزنطرة ( متكّبرة ) و ( نمر)
ماهو شايف بالدنيا أحد غير ( وضحى ) ، وفوق هذا تحلف
الداية أن ( نمر) حب ( وضحى ) على جبينها وهي نفساء ،
قبل ما يصير لها ثلاثة أيام ، والناس كلها تدري أن النفساء أم
البنات ما تنلمس قبل شهرين ، وأم لولد لا يجوز لمسها قبل
الأربعين ، وهكذا ضجت النساء بصوت واحد : يا الله دخلنا
عليك ، وش صاب ( نمر) هالمنصب هو انجن ؟! وكانت
النساء يتوقعن أن تسقط منزلة ( وضحى ) عند ( نمر) ، لأنها
ولدت طفلتين ، وقد ذهل الجميع يوم علموا ، أن حبه لها أزداد
عما كان عليه يوم زواجهما ، وكانت القبلة التي طبعها على
جبينها ، والنساء نظرن أعظم دليل ، لأن مثل هذا الأمر ، لم
يسبق له مثيل ، لأن النفساء أم الولد تظل نجسة - في رأيهم-
إلى الأربعين ، فلا يأكل زوجها من يدها شيئا أما المؤاكلة ،
مؤاكلة الزوججة فلم تكن مقبولة ، لأنها تسقط الرجل :
لاعتقادهم أن من يؤاكل زوجته يجب أن يطلقها لأنها تضحي
بمنزلة أخته ، فقد كانوا اذا أرادوا الطعن في رجولة رجل
عيروه بقولهم " إمواكل امرته ! " أجل كان حب ( نمر)
لـ ( وضحى ) معلناً ، كأنه يريد أن يتحدى العقلية المتحجرة ،
فسارت حياتهما سعيدة ، لم يعكر صفوها سوى موت الطفلة
الطفلة الثانية ، وفي الحول الثالث ولدت مولوداً ذكراً أسماه
(عقاباً) ، وكني ( نمر) بــ ( أبو عقاب )!.