المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من قال هلك الناس فهو أهلكهم


عبدالرحمن الهيلوم
24-Jan-2008, 04:20 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الشيخ الدكتور/ عبدالعزيز محمد السدحان

إن الحمد لله... أما بعد: لما كان من المعلوم بدها أن النفوس المؤمنة تألف وتأنس بكل خير، وفي المقابل تأنف وتنفر من كل شر، كان من حكمة الله تعالى أن يبتلي عباده بذلك كله (ونبلوكم بالشر والخير فتنة) فالابتلاء بالخير عملا به ولزوما له، والابتلاء بالشر تركا له واجتنابا عنه.

وإذا كان الأمر كذلك فلا شك ولا ريب أن مريد الخير يفرح ويغتبط كلما اتسعت دائرة الخير وكثر فعله وفاعلوه، وفي الوقت نفسه يحزن ويهتم كلما اتسعت دائرة الشر وكثر فعله وفاعلوه. ومن شمولية الشرع وعظيم عنايته بجميع الأمور كلا وجزءا حسا ومعنى، كان من ذلك مشاعر الإنسان وأحاسيسه، عني الإسلام بذلك أتم عناية وأكملها، فرغب ورهب ووعد وأوعد. ذلك أن تلك المشاعر والأحاسيس هي الباعث -بعد تقدير الله تعالى- على فعل الخير والتزامه وترك الشر واجتنابه
{ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد
(16)} ]][ق: 16]،
{واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه} [البقرة: 235]،
{من شر الوسواس الخناس (4) الذي يوسوس في صدور الناس (5)
من الجنة والناس(6)} [الناس: 4 - 6]،
{يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم} [الأنفال: 70].

ولقد كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أكثر المؤمنين عملا بالخير ولزوما له وترغيبا فيه، وكذا أعظم الناس تركا للشر واجتنابا له وترهيبا منه. ومع ما بلي به النبي صلى الله عليه وسلم من أصناف الأذى الحسي والمعنوي، ومع ما داخله من الحزن {ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون (97)} [الحجر: 97]،
{فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك} [هود: 12]،
مع ذلك كله كان صلى الله عليه وسلم أقوى الناس عزيمة وأكثرهم تفاؤلا؛ فعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالتكان صلى الله عليه وسلم يعجبه الفأل الحسن)، وكان صلى الله عليه وسلم يحذر ويحذر من القنوط واليأس امتثالا لتحذير الله تعالى: {
قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون (56)} [الحجر: 56]، { ولا تيأسوا من روح} [يوسف: 87].

والناظر في حال كثير من الناس اليوم يرى أن الشيطان قد غلب وغلب على نفوسهم جانب اليأس والقنوط حتى أصبح حال أولئك غاية من التذمر نظروا إلى المجتمع نظرة سوداء قاتمة، رأوا كل شيء أسود وحجبوا
عن أعينهم كثير الخير ناهيكم عن قليله، أساؤوا الظن، تشاءموا ولم يتفاءلوا، فقل لي بربك: أي باب من الشر فتحوا على أنفسهم، وأي باب من الخير أغلقوا على أنفسهم.

إن نظرة التشاؤم وظن التشاؤم من أعظم أسباب زيادة الشر وانحسار الخير، ذلك أن المتشائم بئر معطلة بقعوده وضعف همته وعزيمته. قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: (علو همة المرء عنوان فلاحه وسفول
همته عنوان حرمانه)(1). ولو كان الضرر مقصورا على نفسه لكان الأمر أهون على ما فيه من السوء، لكن الشأن إذا كان المتشائم القانط ممن يرجى منه ويتوقع منه حث الناس والصبر على مسيئهم وشد عضد المحسن منهم.

إن من المحاذير التي يقع فيها المتشائم زيادة على تشاؤمه وقنوطه ما يكون من تزكية نفسه وتبرئتها والله تعالى يقول:
{فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى(32)} [النجم: 32].
قال الحافظ ابن كثير(2): (أي تمدحوها وتشكروها وتمنوا بأعمالكم )هو أعلم بمن اتقى) كما قال تعالى:{ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء ولا يظلمون فتيلا (49)} [النساء: 49] .

وإن من لازم تشاؤمه وذمه للمجتمع وأهله عموما أنه جعل نفسه بمعزل عما وقع فيه الناس؛ فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا قال الرجل هلك الناس فهو أهلكهم) أخرجه مسلم؛ ففي الحديث ذم للتشاؤم وتقنيط الناس، وفيه أيضا
ذم من زكى نفسه وتنقص غيره بغير حق. قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: (وهذا النهي لمن قال ذلك عجبا بنفسه وتصاغر الناس وارتفاعا عليهم فهذا هو الحرام، وأما من قاله لما يرى في الناس من نقص في أمر دينهم وقاله تحزنا عليهم وعلى الدين فلا بأس به. هكذا فسره العلماء وفصلوه...) انتهى كلامه رحمه الله تعالى. وهو كلام سديد، وعلى المعنى الثاني مشروعية قول ذلك تحزنا لا تشاؤما ولا تلازمابين الحزن والتشاؤم بل قد يكون حزن المرء على حال الناس باعثا له لإصلاح كثير من الخلل.
قال علي رضي الله تعالى عنهألا أنبئكم بالفقيه كل الفقيه؟ قالوا: بلى. قال: من لم يقنط الناس من رحمة الله، ولم يؤيسهم من روح الله، ولم يؤمنهم من مكر الله، ولا يدع القرآن رغبة عنه إلى ما سواه.
ألا لا خير في عبادة ليس فيها تفقه، ولا علم ليس فيه تفهم ولا قراءة ليس فيها تدبر).
وهذا الأثر مرفوع. قال الإمام ابن عبدالبر: وأكثرهم يوقفونه على علي(3). أقول قولي هذا وأستغفر الله ...

ومن سديد القول في هذا المقام كلام للشيخ ابن سعدي رحمه الله تعالى أجاد فيه وأفاد، قال رحمه الله تعالىواليوم وإن كان المسلمون مصابين بضعف شديد، والأعداء يتربصون بهم الدوائر، هذه الحالة أوجدت من بينهم أناسا ضعيفي الإيمان، ضعيفي الإرادة الرأي والقوة، يتشاءمون أن الأمل في رفعة الإسلام قد ضاع، وأن المسلمين إلى ذهاب واضمحلال، ولقد غلطوا في هذا أعظم غلط، فإن هذا الضعف عارض له أسباب، وبالسعي في زوال أسبابه تعود صحة الإسلام كما كانت، كما تعود إليه قوته التي فقدها منذ أجيال.

ما ضعف المسلمون إلا لأنهم خالفوا كتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، وتنكبوا السنن الكونية التي جعلها الله مادة حياة الأمم ورقيها، فإذا رجعوا إلى ما مهده لهم دينهم، فإنهم لابد أن يصلوا إلى الغاية كلها أو بعضه.
وهذا المذهب المهين، وهو التشاؤم والكسل لا يعرفه الإسلام ولا يرتضيه، بل يحذر عنه أشد تحذير، ويبين للناس أن النجاح مأمول، وأن مع العسر يسرا، وأنه {سيجعل الله بعد عسر يسرا (7)} [الطلاق: 7]
،

ويبين أنه لا أضر عليهم من اليأس والقنوط. فليتق الله هؤلاء المتشائمون، وليعلموا أن المسلمين أقرب الأمم إلى النجاح الحقيقي. ويقابل هؤلاء طائفة يؤملون آمالا عظيمة، ويقولون ولا يفعلون، فتراهم يتحدثون بمجد الإسلام ورفعته، وأن له العاقبة الحميدة، وأن الرجوع إلى تعاليمه وهدايته هو السبب الوحيد لعلو أهله ورفعتهم، ولكن لا يقدمون لدينهم أدنى منفعة بدنية ولا مالية، ولا يقدمون مساعدة جدية لتحقيق ما يقولون، فإن الأقوال لا تقوم إلا إذا قارنتها الأفعال. ويا طوبى لطائفة هم غرة
المسلمين، وهم رجال الدنيا والدين، قرنوا الأقوال والأفعال، وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم، وبأقوالهم وبإنهاض إخوانهم، وتبرؤوا من مذهب المتشائمين ومن أهل الأقوال دون الأفعال، فهؤلاء هم الذين يناط بهم الأمل،وتدرك المطالب العالية بمساعيهم المشكورة وأعمالهم المبرورة) انتهى كلامه رحمه الله تعالى.

اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن تزيدنا إيمانا وعلما وعملا .. اللهم إنا نعوذ بك من الهم
والحزن، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين.

(1) مدارج السالكين 3/180

(2) التفسير 3/275

(3) جامع بيان العلم 2/ص55 [/color]

فهد النفيعي
24-Jan-2008, 10:25 PM
:)جزاك الله خير

@ـايل
25-Jan-2008, 12:06 AM
اخوي عبدالرحمن جزاك الله خير وبارك الله فيك وجعل ماقدمته في موازين حسناتك الى يوم القيامه

عبدالرحمن الهيلوم
26-Jan-2008, 02:44 AM
شكرا علي المرور

الذيبان
26-Jan-2008, 03:45 AM
بيض اللة وجهكـ،،,’’’............

عبدالرحمن الهيلوم
26-Jan-2008, 09:11 PM
شكرا يالغالين علي المرور