ابن نميان
30-Nov-2007, 09:12 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
المعنى في شعر المحاورة .....
يقول شاعر العربية الأول المتنبي :
وزائرتي كـــأنّ بهـــا حيــاءً 000 فليــس تــزور إلا في الظــلام ِ
بذلـتُ لهــا المطارف والحشايــا 000 فعـافتـْـهـا وباتـتْ في عظـامي
أراقـبُ وقتـهـا من غيـر شــوق ٍ 000 مراقـبـة المشـوق المستـهـام ِ
فيصـدق وعدهـا والصّـــدق شرٌّ 000 إذا ألقــاك في الكـُرَبِ العِـظــام ِ
هذه الأبيات المختارة تحكي معاناة الشاعر مع مرض الحمّـى ، صاغها الشاعر معتمدًا على اللعب على محاور الرمز مستخدمًا معنًى ظاهرًا للجميع ، وهو زيارة المحبوبة التي يغلبها الحياء فلا تزور إلا ليلاً . ولكن حينما نصل إلى المقصود الحقيقي ندرك لماذا يكره الشاعر هذه المعشوقة ؟ ولماذا يكره ملاقاتها في الموعد الذي لا تخلفه ؟
نعم ... هنا شعر ، وهنا صور ، وهنا لفظ ، وهنا معنى ! ولا غرابة فالقائل هو المتنبي !
وفي المقابل يقول أحدهم :
وكــأننا والماء من حـــولنا **** قوم ٌ جلــوس ٌ حولهم ماء ُ
لا يختلف اثنان على معنى هذا البيت ، فالشاعر يقول : ـ عندما كنّا جلوساً وحولنا الماء فكأننا قوم جلوس وحولهم الماء ..! ولكن .. هل أضاف الشاعر معنى ً جديداً ؟ أم هل أتى بتشبيه جديد ؟ أم هل في البيت صورة جميلة ؟ بالطبع لا ! فالبيت لا يعدو كونه ألفاظاً قام الشاعر بصفها وترتيبها وتنميقها ووزنها حتى أصبحت بيتاً
يقرؤه الناس ، لا لإضافة جديد بل لأنه وضع هكذا .
هذا هو حال الكثير من أبيات المحاورة في زماننا هذا ، مجرد ألفاظ يرتبها الشعراء ويهذون بها في المناسبات ، وإن بحثت عن جوهرها ولبها وجدتها خاوية ً على عروشها ، وجوفاء من المعنى .
إنّ كثيراً من شعراء المحاورة في هذا العصر لا يقول الشعر من أجل الشعر ولكن من أجل أغراض أخرى قد يكون الكسب المادي أهمها ، لذلك اختلط الحابل بالنابل ، والغث بالسمين . وأصبح همّ أحدهم أن يقول ما حلا له وما يرى أنه يضحك الحاضرين حتى وإن أدخل في كلامه الألفاظ السيئة الخارجة عن أدب الحوار والمناقشة ، وأصبح أغلب جمهور المحاورة يسعى وراء اللفظ دون الالتفات لما يحمله اللفظ من معانٍ ورموز ، لذلك لم نعد نسمع تلك الأبيات التي تحرك المشاعر والوجدان ، والتي كان الجمهور يرددها الليل والنهار لما تحمله من حكمة وبلاغة وصور جمالية ؛ وأصبح الجمهور الواعي إذا حضر مناسبة يرثي لحال شعر المحاورة وهو يتذكر ما مضى لهذا الفن من رفعة على أيدي شعراء سابقين .
نعم... لقد طغى اللفظ هذه الأيام على المعنى طغياناً جارفاً ، ودخل ميدان المحاورة من لا يجيد التعامل مع هذا الموروث الشعبي الرائع .
ولن أكون قاسياً على الشعراء ، ولا أعمّ الشعراء جميعا ً ، فهنالك من الشعراء من إذا وقف عند ( الميكرفون ) أجبرك على الإنصات والاستماع وهم كثيرون منهم : ـ أحمد الناصر ، رشيد الزلامي ، صياف الحربي ، مستور العصيمي ، فيصل الرياحي ، حبيّب العازمي ،ملفي المورقي ، محمد السناني ، عوض الله أبو مشعاب ، مصلح بن عيّاد ، إبراهيم الشيخي ..... وجيلٌ سبقهم لا يمكننا التنكر لهم وجحدان فضلهم من أمثال عبد الله المسعودي ، جار الله السواط ، مطلق الثبيتي ، محمد بن تويم ، الجبرتي .
وأنا في هذه العجالة لن أورد شواهد خلت من روح المعنى ، وغلب عليها جسد اللفظ وإلا فالشواهد كثيرة لا يمكن حصرها ، ولكنني سأورد بعض الأبيات التي أضافت شيئاً جديدا ً لساحة المحاورة ، والتي لا تجد شخصاً مهتماً بهذا الفن إلا ويتغنى بها . ومن أراد المزيد فعليه بالعودة لما تم حفظه في مكاتب التسجيل الصوتي من محاورات كبار شعراء القلطة ، أو ما يتم تسجيله سنويا ً من محاورات بلغت القمة في الروعة والجمال في حفلات ( المغترة ) التي يرعاها ويهتم بها صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن خالد ،والذي حفظ ماء الوجه لهذا الفن .
يقول المسعودي في إحدى محاوراته مع مطلق الثبيتي ( رحمهما الله ) : ـ
عينت الشايب اللي لقمته ما وصلت الحنجور **** فضيحة لن تفلها وإن بلعها سمها فيها
ويقول مطلق الثبيتي في إحدى محاوراته مع صياف الحربي : ـ
البعير اللي يشيل الحمل عوّد يرضع أمّه **** بعد قالوا شامخ النيبان مردوم السنامي
ويقول حبيّب العازمي في محاورة ٍ مع صياف الحربي : ـ
أنا خوفي من الدنيا وأنا خوفي من السحمان **** ترى السحمان لو تمسك ثياب الناس شقّتها
فيردّ صياف بهذا الرد الرائع : ـ
بلاش تخاف ما دام الرعية عندها رعيان **** ليا طال النهار الذاهبة تعرف بجرّتها
عزيزي القارئ ... أظنك لا تختلف معي في جمال هذه الأبيات وروعتها ، وهذا ليس كل شيء ، فلو بحثت لوجدت المزيد ، ويبقى العتب قائما ًعلى شعراء المحاورة المشهورين فهم من يرفع هذا الفن إلى عنان السماء ، وهم من يضعه في الحضيض . فما لديهم من حس ٍّ مرهف يجعلنا ننتظر المزيد منهم .
إذن .. المحاورة فن لا يجيده إلا المجيدون ، وما بُلٍيت به الساحة هذه الأيام إلا سحابة لا تلبث أن تنقشع .
وختامًــا يقول حبيب العازمي :
أنا ابـاخذ من المعنـــــى ، وأبـرمــي في بحــر قزويــــــــن
يصيـــده مـــن يصيـــــده ، والغبـــي يضحـــك على حـــاله
أعتقد أن كثيرين جـدًّا يا حبيـــب لن يصيــــــــــــدوه !!!!!!!
:)منقول (من الكاتب: عائش السفياني)
المعنى في شعر المحاورة .....
يقول شاعر العربية الأول المتنبي :
وزائرتي كـــأنّ بهـــا حيــاءً 000 فليــس تــزور إلا في الظــلام ِ
بذلـتُ لهــا المطارف والحشايــا 000 فعـافتـْـهـا وباتـتْ في عظـامي
أراقـبُ وقتـهـا من غيـر شــوق ٍ 000 مراقـبـة المشـوق المستـهـام ِ
فيصـدق وعدهـا والصّـــدق شرٌّ 000 إذا ألقــاك في الكـُرَبِ العِـظــام ِ
هذه الأبيات المختارة تحكي معاناة الشاعر مع مرض الحمّـى ، صاغها الشاعر معتمدًا على اللعب على محاور الرمز مستخدمًا معنًى ظاهرًا للجميع ، وهو زيارة المحبوبة التي يغلبها الحياء فلا تزور إلا ليلاً . ولكن حينما نصل إلى المقصود الحقيقي ندرك لماذا يكره الشاعر هذه المعشوقة ؟ ولماذا يكره ملاقاتها في الموعد الذي لا تخلفه ؟
نعم ... هنا شعر ، وهنا صور ، وهنا لفظ ، وهنا معنى ! ولا غرابة فالقائل هو المتنبي !
وفي المقابل يقول أحدهم :
وكــأننا والماء من حـــولنا **** قوم ٌ جلــوس ٌ حولهم ماء ُ
لا يختلف اثنان على معنى هذا البيت ، فالشاعر يقول : ـ عندما كنّا جلوساً وحولنا الماء فكأننا قوم جلوس وحولهم الماء ..! ولكن .. هل أضاف الشاعر معنى ً جديداً ؟ أم هل أتى بتشبيه جديد ؟ أم هل في البيت صورة جميلة ؟ بالطبع لا ! فالبيت لا يعدو كونه ألفاظاً قام الشاعر بصفها وترتيبها وتنميقها ووزنها حتى أصبحت بيتاً
يقرؤه الناس ، لا لإضافة جديد بل لأنه وضع هكذا .
هذا هو حال الكثير من أبيات المحاورة في زماننا هذا ، مجرد ألفاظ يرتبها الشعراء ويهذون بها في المناسبات ، وإن بحثت عن جوهرها ولبها وجدتها خاوية ً على عروشها ، وجوفاء من المعنى .
إنّ كثيراً من شعراء المحاورة في هذا العصر لا يقول الشعر من أجل الشعر ولكن من أجل أغراض أخرى قد يكون الكسب المادي أهمها ، لذلك اختلط الحابل بالنابل ، والغث بالسمين . وأصبح همّ أحدهم أن يقول ما حلا له وما يرى أنه يضحك الحاضرين حتى وإن أدخل في كلامه الألفاظ السيئة الخارجة عن أدب الحوار والمناقشة ، وأصبح أغلب جمهور المحاورة يسعى وراء اللفظ دون الالتفات لما يحمله اللفظ من معانٍ ورموز ، لذلك لم نعد نسمع تلك الأبيات التي تحرك المشاعر والوجدان ، والتي كان الجمهور يرددها الليل والنهار لما تحمله من حكمة وبلاغة وصور جمالية ؛ وأصبح الجمهور الواعي إذا حضر مناسبة يرثي لحال شعر المحاورة وهو يتذكر ما مضى لهذا الفن من رفعة على أيدي شعراء سابقين .
نعم... لقد طغى اللفظ هذه الأيام على المعنى طغياناً جارفاً ، ودخل ميدان المحاورة من لا يجيد التعامل مع هذا الموروث الشعبي الرائع .
ولن أكون قاسياً على الشعراء ، ولا أعمّ الشعراء جميعا ً ، فهنالك من الشعراء من إذا وقف عند ( الميكرفون ) أجبرك على الإنصات والاستماع وهم كثيرون منهم : ـ أحمد الناصر ، رشيد الزلامي ، صياف الحربي ، مستور العصيمي ، فيصل الرياحي ، حبيّب العازمي ،ملفي المورقي ، محمد السناني ، عوض الله أبو مشعاب ، مصلح بن عيّاد ، إبراهيم الشيخي ..... وجيلٌ سبقهم لا يمكننا التنكر لهم وجحدان فضلهم من أمثال عبد الله المسعودي ، جار الله السواط ، مطلق الثبيتي ، محمد بن تويم ، الجبرتي .
وأنا في هذه العجالة لن أورد شواهد خلت من روح المعنى ، وغلب عليها جسد اللفظ وإلا فالشواهد كثيرة لا يمكن حصرها ، ولكنني سأورد بعض الأبيات التي أضافت شيئاً جديدا ً لساحة المحاورة ، والتي لا تجد شخصاً مهتماً بهذا الفن إلا ويتغنى بها . ومن أراد المزيد فعليه بالعودة لما تم حفظه في مكاتب التسجيل الصوتي من محاورات كبار شعراء القلطة ، أو ما يتم تسجيله سنويا ً من محاورات بلغت القمة في الروعة والجمال في حفلات ( المغترة ) التي يرعاها ويهتم بها صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن خالد ،والذي حفظ ماء الوجه لهذا الفن .
يقول المسعودي في إحدى محاوراته مع مطلق الثبيتي ( رحمهما الله ) : ـ
عينت الشايب اللي لقمته ما وصلت الحنجور **** فضيحة لن تفلها وإن بلعها سمها فيها
ويقول مطلق الثبيتي في إحدى محاوراته مع صياف الحربي : ـ
البعير اللي يشيل الحمل عوّد يرضع أمّه **** بعد قالوا شامخ النيبان مردوم السنامي
ويقول حبيّب العازمي في محاورة ٍ مع صياف الحربي : ـ
أنا خوفي من الدنيا وأنا خوفي من السحمان **** ترى السحمان لو تمسك ثياب الناس شقّتها
فيردّ صياف بهذا الرد الرائع : ـ
بلاش تخاف ما دام الرعية عندها رعيان **** ليا طال النهار الذاهبة تعرف بجرّتها
عزيزي القارئ ... أظنك لا تختلف معي في جمال هذه الأبيات وروعتها ، وهذا ليس كل شيء ، فلو بحثت لوجدت المزيد ، ويبقى العتب قائما ًعلى شعراء المحاورة المشهورين فهم من يرفع هذا الفن إلى عنان السماء ، وهم من يضعه في الحضيض . فما لديهم من حس ٍّ مرهف يجعلنا ننتظر المزيد منهم .
إذن .. المحاورة فن لا يجيده إلا المجيدون ، وما بُلٍيت به الساحة هذه الأيام إلا سحابة لا تلبث أن تنقشع .
وختامًــا يقول حبيب العازمي :
أنا ابـاخذ من المعنـــــى ، وأبـرمــي في بحــر قزويــــــــن
يصيـــده مـــن يصيـــــده ، والغبـــي يضحـــك على حـــاله
أعتقد أن كثيرين جـدًّا يا حبيـــب لن يصيــــــــــــدوه !!!!!!!
:)منقول (من الكاتب: عائش السفياني)