راعي البلهـا
08-Oct-2007, 12:49 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
لم تكن الضيافة في المجتمع الجاهلي مادية والمغزى فحسب بل كانت دسمة القيمة، غزيرة المعاني.. لم تكن لمجرد إشباع جائع، أو إرواء ظامئ يهيم في الصحراء، بل كانت نبلاً متدفقاً، كرماً سمحاً وسجية اجتماعية عربية عريقة، رائعة الصيت بين القوم لتبجيل النفس الإنسانية.. بالحفاوة والبشر، والجود بصنوف من أريحية الروح والإكرام، والرعاية الفاضلة.
ومن المجازفات الأدبية والمعنوية الفادحة أن مثل هذه الخصلة العريقة لم تسلم محاسنها وبريقها من رشقها بنبال التجريح والتشكيك والإنكار، فلا تلبث مآثر الطائي تطرح اليوم من بعضهم إجحافاً في موازين النشاط الاقتصادي.. وبتحليلات فجة هي من منظور المادية الطاغية بجشعها المعاصر، ينصب ذاك الرمز الساطع والشامخ للنقد الرخيص، لتقذف أمجاده هملاً، ويتهم هو بشيء من السفه، والتبذير، وسوء تقدير للثروة والاقتصاد.
ومهما يكن من أمر فإن صفات الكرم والضيافة قد احتلت مكانة مرموقة في حياة الإنسان العربي، ووجاهة اجتماعية رصينة، تجلت وفي أحوال العوز بالذات غرة مضيئة من صحن الخيمة ومن محيا الإنسان وروحه، بل ومن الأثافي الموقدة في الصحراء القاحلة.
لذا، يعد الكرم من أجل مظاهر القيم الإنسانية في ذلك المجتمع العربي القديم الذي كان فيه بمثابة القانون الأخلاقي الذي يرقى في تقديرنا إلى مصاف ميثاق إنساني رفيع يخضع له الجميع، ويكادون يمارسونه، وتجلى ذلك في وجوه إكرام الضيف والإحسان إليه، والانشغال به، باعتبار ضيافته (حقاً من الحقوق) يجب أن يؤديه العربي بأريحية وسماحة وإيثار.
حقوق الإنسان
وأزعم هنا أن لفظة (الحق) أو (أداء الحقوق).... (حقوق الإنسان) ارتبطت بصورة جلية بتلك العادات العربية الأصيلة، فكأنما صار مفهوم (الحق) في تلك الحقبة السحيقة مصطلحاً شعرياً وثقافياً متداولاً بين الشعراء، وشائعاً في العرف الاجتماعي والإنساني لتجذره في ذلك القانون القبلي الذي هيمن على تلك الحياة، واستقر في قناعات المجتمع ووجدانه.
يقول الشاعر الجاهلي مضرس بن ربعي:
وإني لأدعو الضيف بالضوء بعدما
كسا الأرض نضاح الجليد وجامده
لأكرمه إن الكرامة حقه
ومثلان عندي قربه وتباعده
فلنتأمل هنا قوله (إن الكرامة حقه) (ومثلان عندي قربه وتباعده) فكأنه بيان عام صادر ومعلن للملأ، يؤكد رسوخ هذا المبدأ السامي في وجدان الإنسان الجاهلي وسلوكه بهذه المفردات الرائدة( الكرامة حقه) (ومثلان عندي): أي المساواة التي أضحت اليوم في بعض المجتمعات عزيزة ومفقودة، وفي مبنى المنظمة الدولية لا تزال فيه هذه المعاني نفسها معادة مكرورة.
http://pr.sv.net/aw/2007/june2007/arabic/images/img2A.jpg
ويقول آخر:
والضيف أكرمه فإن مبيته
حق ولاتك لعنة للنزل
يقول الأعشى:
الضيف أوصيكم بالضيف إن له
حقاً عليّ فأعطيه واعترف
ويقول آخر
وقمت إلى برك هجان أعده
لوجبة حق نازل أنا فاعله
وتقول الخنساء
نعف ونعرف حق القرى
ونتخذ الحمد ذخراً وكنزاً
وتجد الآن أبيات حاتم الطائي يطرحها البعض ويحللها بعيد عن المنطقيه من اجل المردود المادي.
ودونما اي تحليل لهذه الأبيات
تفسيرها، فإن مفرداتها اللفظية (إن الكرامة حقه) (فإن مبيته حق) (إن له حقاً) (ونعرف حق القرى) (لوجبة حق نازل أنا فاعله).
تغني للدلالة على أن ثمة قائمة من الحقوق الإنسانية، والمسؤوليات الاجتماعية الجسيمة عاشها ذلك الإنسان، عادات وتقاليد عميقة الجذور، صارمة الممارسة والتنفيذ.
ويجدر بي أن أنوه هنا بأن مضامين حقوق الإنسان الدولية في عالمنا اليوم (وثيقة حقوق الإنسان) تمثل رؤية فلسفية وأخلاقية منبثقة من ثقافة القوم وحضارتهم وسلوكهم.
فاين هي مثلاً من حقوق الوالدين عندنا!
يقول الشاعر الجاهلي عبيد:
وأكرم والدي وأصون عرضي
وأكره أن أعد من الحراص
صدق إنساني
وترسم الأبيات التالية لوحة فنية للوعة إنسانية صادقة إزاء مشهد بالغ التأثير، درامي الإيقاع، مشهد مسافر، وحيد يسري ليلاً في الصحراء وقد بلغ به الإعياء والظمأ مبلغه حتى كاد يهلك، فيستجمع قواه، ويطلق أنيناً يتبدى جله في جوف الصحراء، ويتوارى شبحه النحيل في الليل البهيم، فإذا العربي في خيمته يهب من سباته جزعاً مشفقاً فيسرع إلى النار يوقدها، وإلى كلبه يطلقه إلى الفضاء، ليرشده إليه، ثم يرحب بالضيف أجمل ترحيب ويقدم له على عجل (برك هجان) أي ناقته الكريمة السمينة.
وداع دعا بعد الهدو كأنما
يقاتل أهوال السرى وتقاتله
دعا يائساً شبه جنون وما به
جنون ولكن كيد أمر يحاوله
فلما سمعت الصوت ناديت نحوه
بصوت الكريم الجد حلو شمائله
فأبرزت ناري ثم أثقبت ضوءها
وأخرجت كلبي وهو في البيت داخله
فقلت له أهلاً وسهلاً ومرحباً
رشدت ولم أقعد إليه أسائله
وقمت إلى برك هجان أعده
لوجبة حق نازل أنا فاعله
ويمثل حاتم الطائي في الثـــــقافة العربية قيمة الكرم ذاتها في بعدها الإنســـــاني والإغــــــاثي والجود بالعزيز نبــــلاً وإيثــــاراً، بينما معظم ألق الضيافة اليوم لوجاهة من مظـــــاهر الزهــــو الذاتي والاجتماعي، ووســـــــيلة لتحقيق عالم أكثر لبــــاقة، وحضــــارة، في المـــــادية الطاغية المنـــــــزوعة الروح والمبــاهج الحقيــــــقية. أما ذلك المجتمـــع فـقد كان الفقر فيه أو الشح قيداً ثقيلاً عائقاً له أمام المبادرات الإنسانية الخلاقة.
http://pr.sv.net/aw/2007/june2007/arabic/images/img2D.jpg
يقول الطائي
وقد يعقل القلّ الفتى دون همة
وقد كان لولا القلّ طلاع أنجد
وكم يجسد عروة بن الورد وهو من شعراء الصعاليك معاني البذل والتضحية والإيثار:
إني امرؤ عافي إنائي شركة
وأنت امرؤ عافي إنائك واحد
اتهزأ مني أن سمنت وأن ترى
بوجهي شحوب الحق والحق جاهد
أقسم جسمي في جسوم كثيرة
وأحسو قراح الماء والماء بارد
ويناجي حاتم الطائي زوجته أماوية:
أماوي إن المال غاد ورايح
ويبقى من المال الأحاديث والذكر
أماوي أني لا أقول لسائل
إذا جاء يوماً حل في مالنا نزر
أماوي ما يغني الثراء عن الغنى
إذا حشرجت نفس وضاق بها الصدر
ويقول لغلامه:
أوقد فإن الليل ليل قر
عسى يرى ناري من يمر
والريح في الليل ريح صر
إن جلبت ضيفاً فأنت حر
وهــــــــكذا نعم يمثل الكرم باباً مواتياً
وميداناً فسيحاً يفضي إلى درب الحرية الرحب (إن جلبت ضيفاً فأنت حر) إنه موسم فرح وابتهاج.. موسم قدوم ضيف.. فلتتزامن مباهجه مع نشوة انعتاق وانطلاق وسيادة... ولتعم الأفراح ..كيف لا! وقرى الأضياف، والجود بالسيادة صنوان عند هذه النفس النابضة بالسماحة والبذل والمتشبعة بقيمة إنسانية نادرة، وفي الصورة المقابلة مشهد جميل، ألم يصدح عنترة العبسي بين قومه بقولته المشهورة (إن العبد لايكر ولا يفر) لينعم هو بعد ذلك بتلك الصفقة الرابحة.. بالحرية والسعادة، يقيناً منه بأن مجتمعه يتسامى بقيم الشجاعة والبأس والإقدام.
وفي مضمار القيم الإسلامية الفاضلة وثرائها الإنساني تتحول هذه السجايا الإنسانية الفياضة (الكرم.. وإكرام الضعيف العابر) في الإسلام إلى فريضة واجبة الأداء، يعطي المسافر العابر (ابن السبيل) من الزكاة إذا كان محتاجاً {إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم}
أي البخلاء..
بل وأين هي من عظمة هذا التوجيه. {...واخفض لهما جناح الذل من الرحمة.(الإسراء): "24".
لذا فإن في الشعر الجاهلي _ وهو مرآة صادقة لصورة العربي وحياته (قبل الإســـــلام) بغواياته، وضلالاته وزيغه عن الجادة والهداية وثيقة رائعة، ومثلاً ومــــــبادئ رفـــيعة تتجلى فيها قيم الإبداع والفن والجمال في البناء الشــــكلي للقصيدة الجاهلية، كما تنبــــــض فيها جوانب مشرقة من القــــــيم الإنســـــانية والفضائل التي عاشــــها ذلك المجتـــمع بملء رئتيه، وكانت إرهاصات لقـــيم إســـلامية أعمق، بزغت بعد ذلك في الكون نوراً وهداية وسعادة. (إنمـــــا بعثت لأتمــــــم مكـــارم الأخلاق).
لم تكن الضيافة في المجتمع الجاهلي مادية والمغزى فحسب بل كانت دسمة القيمة، غزيرة المعاني.. لم تكن لمجرد إشباع جائع، أو إرواء ظامئ يهيم في الصحراء، بل كانت نبلاً متدفقاً، كرماً سمحاً وسجية اجتماعية عربية عريقة، رائعة الصيت بين القوم لتبجيل النفس الإنسانية.. بالحفاوة والبشر، والجود بصنوف من أريحية الروح والإكرام، والرعاية الفاضلة.
ومن المجازفات الأدبية والمعنوية الفادحة أن مثل هذه الخصلة العريقة لم تسلم محاسنها وبريقها من رشقها بنبال التجريح والتشكيك والإنكار، فلا تلبث مآثر الطائي تطرح اليوم من بعضهم إجحافاً في موازين النشاط الاقتصادي.. وبتحليلات فجة هي من منظور المادية الطاغية بجشعها المعاصر، ينصب ذاك الرمز الساطع والشامخ للنقد الرخيص، لتقذف أمجاده هملاً، ويتهم هو بشيء من السفه، والتبذير، وسوء تقدير للثروة والاقتصاد.
ومهما يكن من أمر فإن صفات الكرم والضيافة قد احتلت مكانة مرموقة في حياة الإنسان العربي، ووجاهة اجتماعية رصينة، تجلت وفي أحوال العوز بالذات غرة مضيئة من صحن الخيمة ومن محيا الإنسان وروحه، بل ومن الأثافي الموقدة في الصحراء القاحلة.
لذا، يعد الكرم من أجل مظاهر القيم الإنسانية في ذلك المجتمع العربي القديم الذي كان فيه بمثابة القانون الأخلاقي الذي يرقى في تقديرنا إلى مصاف ميثاق إنساني رفيع يخضع له الجميع، ويكادون يمارسونه، وتجلى ذلك في وجوه إكرام الضيف والإحسان إليه، والانشغال به، باعتبار ضيافته (حقاً من الحقوق) يجب أن يؤديه العربي بأريحية وسماحة وإيثار.
حقوق الإنسان
وأزعم هنا أن لفظة (الحق) أو (أداء الحقوق).... (حقوق الإنسان) ارتبطت بصورة جلية بتلك العادات العربية الأصيلة، فكأنما صار مفهوم (الحق) في تلك الحقبة السحيقة مصطلحاً شعرياً وثقافياً متداولاً بين الشعراء، وشائعاً في العرف الاجتماعي والإنساني لتجذره في ذلك القانون القبلي الذي هيمن على تلك الحياة، واستقر في قناعات المجتمع ووجدانه.
يقول الشاعر الجاهلي مضرس بن ربعي:
وإني لأدعو الضيف بالضوء بعدما
كسا الأرض نضاح الجليد وجامده
لأكرمه إن الكرامة حقه
ومثلان عندي قربه وتباعده
فلنتأمل هنا قوله (إن الكرامة حقه) (ومثلان عندي قربه وتباعده) فكأنه بيان عام صادر ومعلن للملأ، يؤكد رسوخ هذا المبدأ السامي في وجدان الإنسان الجاهلي وسلوكه بهذه المفردات الرائدة( الكرامة حقه) (ومثلان عندي): أي المساواة التي أضحت اليوم في بعض المجتمعات عزيزة ومفقودة، وفي مبنى المنظمة الدولية لا تزال فيه هذه المعاني نفسها معادة مكرورة.
http://pr.sv.net/aw/2007/june2007/arabic/images/img2A.jpg
ويقول آخر:
والضيف أكرمه فإن مبيته
حق ولاتك لعنة للنزل
يقول الأعشى:
الضيف أوصيكم بالضيف إن له
حقاً عليّ فأعطيه واعترف
ويقول آخر
وقمت إلى برك هجان أعده
لوجبة حق نازل أنا فاعله
وتقول الخنساء
نعف ونعرف حق القرى
ونتخذ الحمد ذخراً وكنزاً
وتجد الآن أبيات حاتم الطائي يطرحها البعض ويحللها بعيد عن المنطقيه من اجل المردود المادي.
ودونما اي تحليل لهذه الأبيات
تفسيرها، فإن مفرداتها اللفظية (إن الكرامة حقه) (فإن مبيته حق) (إن له حقاً) (ونعرف حق القرى) (لوجبة حق نازل أنا فاعله).
تغني للدلالة على أن ثمة قائمة من الحقوق الإنسانية، والمسؤوليات الاجتماعية الجسيمة عاشها ذلك الإنسان، عادات وتقاليد عميقة الجذور، صارمة الممارسة والتنفيذ.
ويجدر بي أن أنوه هنا بأن مضامين حقوق الإنسان الدولية في عالمنا اليوم (وثيقة حقوق الإنسان) تمثل رؤية فلسفية وأخلاقية منبثقة من ثقافة القوم وحضارتهم وسلوكهم.
فاين هي مثلاً من حقوق الوالدين عندنا!
يقول الشاعر الجاهلي عبيد:
وأكرم والدي وأصون عرضي
وأكره أن أعد من الحراص
صدق إنساني
وترسم الأبيات التالية لوحة فنية للوعة إنسانية صادقة إزاء مشهد بالغ التأثير، درامي الإيقاع، مشهد مسافر، وحيد يسري ليلاً في الصحراء وقد بلغ به الإعياء والظمأ مبلغه حتى كاد يهلك، فيستجمع قواه، ويطلق أنيناً يتبدى جله في جوف الصحراء، ويتوارى شبحه النحيل في الليل البهيم، فإذا العربي في خيمته يهب من سباته جزعاً مشفقاً فيسرع إلى النار يوقدها، وإلى كلبه يطلقه إلى الفضاء، ليرشده إليه، ثم يرحب بالضيف أجمل ترحيب ويقدم له على عجل (برك هجان) أي ناقته الكريمة السمينة.
وداع دعا بعد الهدو كأنما
يقاتل أهوال السرى وتقاتله
دعا يائساً شبه جنون وما به
جنون ولكن كيد أمر يحاوله
فلما سمعت الصوت ناديت نحوه
بصوت الكريم الجد حلو شمائله
فأبرزت ناري ثم أثقبت ضوءها
وأخرجت كلبي وهو في البيت داخله
فقلت له أهلاً وسهلاً ومرحباً
رشدت ولم أقعد إليه أسائله
وقمت إلى برك هجان أعده
لوجبة حق نازل أنا فاعله
ويمثل حاتم الطائي في الثـــــقافة العربية قيمة الكرم ذاتها في بعدها الإنســـــاني والإغــــــاثي والجود بالعزيز نبــــلاً وإيثــــاراً، بينما معظم ألق الضيافة اليوم لوجاهة من مظـــــاهر الزهــــو الذاتي والاجتماعي، ووســـــــيلة لتحقيق عالم أكثر لبــــاقة، وحضــــارة، في المـــــادية الطاغية المنـــــــزوعة الروح والمبــاهج الحقيــــــقية. أما ذلك المجتمـــع فـقد كان الفقر فيه أو الشح قيداً ثقيلاً عائقاً له أمام المبادرات الإنسانية الخلاقة.
http://pr.sv.net/aw/2007/june2007/arabic/images/img2D.jpg
يقول الطائي
وقد يعقل القلّ الفتى دون همة
وقد كان لولا القلّ طلاع أنجد
وكم يجسد عروة بن الورد وهو من شعراء الصعاليك معاني البذل والتضحية والإيثار:
إني امرؤ عافي إنائي شركة
وأنت امرؤ عافي إنائك واحد
اتهزأ مني أن سمنت وأن ترى
بوجهي شحوب الحق والحق جاهد
أقسم جسمي في جسوم كثيرة
وأحسو قراح الماء والماء بارد
ويناجي حاتم الطائي زوجته أماوية:
أماوي إن المال غاد ورايح
ويبقى من المال الأحاديث والذكر
أماوي أني لا أقول لسائل
إذا جاء يوماً حل في مالنا نزر
أماوي ما يغني الثراء عن الغنى
إذا حشرجت نفس وضاق بها الصدر
ويقول لغلامه:
أوقد فإن الليل ليل قر
عسى يرى ناري من يمر
والريح في الليل ريح صر
إن جلبت ضيفاً فأنت حر
وهــــــــكذا نعم يمثل الكرم باباً مواتياً
وميداناً فسيحاً يفضي إلى درب الحرية الرحب (إن جلبت ضيفاً فأنت حر) إنه موسم فرح وابتهاج.. موسم قدوم ضيف.. فلتتزامن مباهجه مع نشوة انعتاق وانطلاق وسيادة... ولتعم الأفراح ..كيف لا! وقرى الأضياف، والجود بالسيادة صنوان عند هذه النفس النابضة بالسماحة والبذل والمتشبعة بقيمة إنسانية نادرة، وفي الصورة المقابلة مشهد جميل، ألم يصدح عنترة العبسي بين قومه بقولته المشهورة (إن العبد لايكر ولا يفر) لينعم هو بعد ذلك بتلك الصفقة الرابحة.. بالحرية والسعادة، يقيناً منه بأن مجتمعه يتسامى بقيم الشجاعة والبأس والإقدام.
وفي مضمار القيم الإسلامية الفاضلة وثرائها الإنساني تتحول هذه السجايا الإنسانية الفياضة (الكرم.. وإكرام الضعيف العابر) في الإسلام إلى فريضة واجبة الأداء، يعطي المسافر العابر (ابن السبيل) من الزكاة إذا كان محتاجاً {إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم}
أي البخلاء..
بل وأين هي من عظمة هذا التوجيه. {...واخفض لهما جناح الذل من الرحمة.(الإسراء): "24".
لذا فإن في الشعر الجاهلي _ وهو مرآة صادقة لصورة العربي وحياته (قبل الإســـــلام) بغواياته، وضلالاته وزيغه عن الجادة والهداية وثيقة رائعة، ومثلاً ومــــــبادئ رفـــيعة تتجلى فيها قيم الإبداع والفن والجمال في البناء الشــــكلي للقصيدة الجاهلية، كما تنبــــــض فيها جوانب مشرقة من القــــــيم الإنســـــانية والفضائل التي عاشــــها ذلك المجتـــمع بملء رئتيه، وكانت إرهاصات لقـــيم إســـلامية أعمق، بزغت بعد ذلك في الكون نوراً وهداية وسعادة. (إنمـــــا بعثت لأتمــــــم مكـــارم الأخلاق).