تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : احتسبوا في «غلاء الأسعار»!


عبدالرحمن الوجنان
31-Aug-2007, 01:20 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


احتسبوا في «غلاء الأسعار»!
سامي بن عبدالعزيز الماجد الحياة - 31/08/07//

غلاء الأسعار... ارتفاع كلفة المعيشة... حديث المجالس، ومن الخطأ بمكان أن نتعامل مع هذه القضية الحاضرة بمنطق سلبي، يجعلنا في حِلٍّ من المسؤولية في محاولة مدافعته، أو أن نأخذ معه بأنصاف الحلول، وأنصاف المنطق كذلك، ومن ذلك أن نكتفي من ذلك بتذكير الناس بوجوب التوبة والاستغفار، فإن كان هذا مشروعاً لا يسوغ استهجانه، فضلاً عن تخطئته، فإن من الخطأ أن ينحصر دورنا في هذا التذكير، وإنما ويصح هذا تمام الصحة لو كان الغلاء واقعاً بسبب آفة سماوية، أو كارثة أرضية، مما لا يد للبشر فيها... حينئذ يصح أن نقول للناس: ليس لكم إلا التوبة والاستغفار وكفى، لينكشف ما بكم. أما وقد جاءهم البلاء ومسّهم الغلاء بيدٍ ظاهرةٍ من بعض طبقة الأغنياء، فالأمر يتطلب أكثر من مجرد توبة.
ولذا؛ نجد نوحاً - عليه السلام - يكتفي بأمر قومه بالاستغفار لأنهم لا يد لهم في تغييره، فلتتوجّه إلى من ينفرد بتدبيره، «فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً، يرسل السماء عليكم مدراراً، ويمددكم بأموال وبنين، ويجعل لكم جناتٍ، ويجعل لكم أنهاراً».
في حين أن شعيباً لم يكتفِ بأمر قومه بالاستغفار في شأن ما يعانونه من بخس التجار لهم في الكيل - وهي ظاهرة تشبه ظاهرة المغالاة في الأسعار واستغلال الحاجة التي نشهدها اليوم - ولكنه أظهر الإنكار على المطففين، الباخسين للحقوق، وقاد حملة الإنكار عليهم، ولم يكتفِ بتوجيه من وقع عليهم هذا التسلط والاستغلال إلى مجرد التوبة والاستغفار، ولم يقل لهم: توجهوا إلى الله بالتوبة، فذلك كفيل بأن يردع الظلمة عن ظلمهم، والمطففين عن تطفيفهم! بل أشعرهم أن تغيير هذا الظلم - والذي قد يكون تسليطه بسبب الذنوب - بإرادتهم هم بعد إرادة الله، وأن عليهم أن يحملوا على أولئك حملة رجل واحد.
وهكذا الأمر في شأن المغالاة في الأسعار واستغلال حاجات الناس حين تغيب عين الرقابة، فإنه ليس مما تتفرد فيه إرادة الله وحدها، ولا يكون للبشر فيها يد، فيُكتفى فيها بتذكير الناس بالاستغفار، ولكنه منكرٌ باشرته أيدي بعضهم، فيجب فيه الاحتساب بالانكار ومحاربته بوسائل الاصلاح، وإن كان هذا لا يمنع هذا أن يكون في نفسه عقوبة مسلطة، كما أشار إلى ذلك قوله تعالى: «قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض» فتسليط بعضهم على بعض قد يكون في بعض صوره عقوبة، لكن ذلك لا يمنع إنكاره ومحاربته؛ لأنه ظلم، والظلم يجب أن ينكر، كما قال عليه الصلاة والسلام: «لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنْ الْمُنْكَرِ وَلَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدَيْ الظَّالِمِ وَلَتَأْطُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا، أَوْ لَيَضْرِبَنَّ اللَّهُ بِقُلُوبِ بَعْضِكُمْ عَلَى بَعْضٍ».
إن هذا الحديث يوجب علينا وعلى علمائنا ودعاتنا أن نحتسب على هذا المنكر كما نحتسب على غيره من المنكرات، وأن نحاول الإصلاح في هذا الشأن كما نحاوله في غيره. إن جرأتنا في الحق يجب أن تكون أكبر من أن نقول للضعيف المغلوبِ على أمره، المستعر بنار الأسعار: إن الغلاء بسبب ذنوبك، فاستغفر ربك، وتبْ من ذنبك! يجب أن تكون لنا الجرأة نفسها مع كل من له يدٌ أو سبب في هذا التلاعب والاستغلال، من التجار الجشعين، وعلية القوم المتواطئين، أو المقصرين في وظائفهم؛ فننكر عليهم، ونذكّرهم بأن ما هم فيه منكرٌ يجب الاستغفار منه. إن للدين خمسةَ مقاصد، جاء بحفظها ورعايتها، فإن كان منها حفظ النسل - المتضمن لحفظ الأعراض - فإن منها كذلك حفظ المال، ومِن ثَمّ فإن الإخلال بحفظ المال منكر كالإخلال بحفظ العرض، فلماذا نرى جهودنا تتضافر على إنكار ما يخل بالنسل والعرض ما لا نجد نصفه ولا نصيفه في إنكار ما يخل بحفظ المال؟ ألسنا نجد المقتول دون ماله شهيداً في شريعتنا، كما يكون شهيداً المقتولُ دون أهله؟
هل في الشرع ما يؤيد ما لبعضنا من حضور في إنكار قضايا الاختلاط - بحسب رؤيتهم - على وزارة التجارة، مما لا نجد عُشره، ولا أدنى من ذلك، في الإنكار على الوزارة غيابها الفاضح في الرقابة على الأسعار؟
أليس لظاهرة اتساع طبقة الفقراء أثرٌ خطيرٌ يسهم في زيادة جرائم العرض، وفشو الفواحش، وفي اقتيادِ الفتيات إلى الاقتيات من أعراضهن؟ فلماذا لا ننكر تلك المغالاة، وذلكم الاستغلال الظالم، كما ننكر كل ذريعة تفضي إلى الفاحشة؟ أليست هي الأخرى بذريعة؟ ألم يقل عمر رضي الله عنه: لو كان الفقر رجلاً لقتلته؟
كأني ببعضهم قد زوّر كلاماً في نفسه يريد أن يفضي به، لكني أختصر عليه لأقول: ليس إنكار العلماء والدعاة لهذا المنكر كإنكار المغلوبين على أمرهم، ولو تمالؤوا على ذلك قاطبة، وإذا لم يكن للعلماء دور الرائد والقائد في محاولة إصلاح هذا الاختلال والاستغلال، فأين سيكون دورهم؟ أيكونون في غمار الناس بعد أن كنا نلح على الناس أن يكون الصدور عن آرائهم وتوجيهاتهم؟ وأتساءل: أليست مشاركة العالم والداعية لهؤلاء الضحايا الذين أضحوا هشيماً لنار الأسهم وغلاء الأسعار من قبيل مشاركة الناس همومهم، ومما يحببهم إلى الناس بما يحبه الله من إظهار شعيرة إنكار المنكر بمفهومه الشامل الصحيح؟ أليس هذا مما يعطي كلمتهم صدقية أكثر... حين يكونون جريئين في الحق مع الكبير كما هم كذلك مع الضعيف المستضعف؟


*كاتب وأستاذ شريعة في جامعة «الإمام».

المصدر : جريدة الحياة :
http://ksa.daralhayat.com/oasis/08-2007/Article-20070830-b88a367f-c0a8-10ed-01b1-9340d3e94e49/story.html

النافذ
31-Aug-2007, 07:36 PM
http://www.arab-eng.org/vb//uploaded/4750_1146023523.jpg

أسامة العتيبي
02-Sep-2007, 09:11 PM
بارك الله بك , شكراً أخي الكريم