نبض المشاعر
31-Aug-2007, 12:31 AM
مع كل يوم يَنْقُص من الزمن القليل المتبقِّي لإجراء انتخابات الرئاسة الأميركية يزداد ويتَّسِع الانفصال في المصالح بين الرئيس بوش وكبار المتورِّطين معه (والمورِّطين له) في حرب العراق وبين حزبه (الحزب الجمهوري) وكبار الطامحين إلى الفوز بترشيح الحزب لهم لتلك الانتخابات، والذين، في يأس متزايد، ينتظرون أوَّلا أن تنجح إدارة الرئيس بوش الجمهورية في أن تُحقِّق، قبل بدء واحتدام المعركة الانتخابية، إنجازا يُعتدُّ به، ويمكن أن يُتَرْجَم سريعا بتغيير في ميزان القوى الانتخابي لمصلحة الجمهوريين ومرشَّحهم الرئاسي، فرياح الحرب في العراق مازالت حتى الآن تجري بما تشتهي سفينة الحزب الديمقراطي، وتُكْسِبه قوَّة شعبية وانتخابية وسياسية يبدو عاجزا عن الحصول عليها بقواه الذاتية فحسب.
الرئيس بوش مع بقايا فريقه الحاكم لا يملك الآن، وليس في مقدوره أن يملك من الآن وصاعدا، فيما يخصُّ أزمته وأزمة إدارته وحزبه وبلاده في العراق، من سياسة إلا تلك التي تجتمع فيها المكابرة مع الحسابات الشخصية والفئوية الضيِّقة، فليس من ولاية رئاسية ثالثة يمكن أن تُوْجِد له من المصالح ما يَحْمِله على أن يجنح لبراغماتية، أو واقعية، أو عقلانية، يمكنها أن تؤسِّس لسياسة جديدة، جيدة بحسب المعيار الانتخابي.
ومع ذلك لا يستطيع الرئيس بوش مع بقايا فريقه الحاكم تجاهل المصلحة الانتخابية لحزبه التي تقضي بأن يفعل شيئا، في ما بقي من وقت، يمكن أن يُغيِّر في ميزان القوى الانتخابي لمصلحة الجمهوريين، وكأنَّ الأمر الذي يحضُّونه عليه هو «الاستثمار القصير الأجل والجزيل الربح»، فما بقي لديه من قوَّة يمكن ويجب، بحسب دعوة الجمهوريين لرئيسهم، أن يسرع في توظيفه في العراق أوَّلا، وعلى وجه الخصوص، وما استطاع إلى ذلك سبيلا، فإذا تأكَّد وثَبُت عجزه عن جَعْل العراق موضعا لاستثمار كهذا فإنَّ عليه أن يَجِد موضعا آخر؛ ولكن من غير إبطاء.
القضية المثيرة للجدل والخلاف والانقسام في داخل الولايات المتحدة، بين المواطنين والناخبين، بين الجمهوريين والديمقراطيين، بين الجمهوريين أنفسهم، وبين الديمقراطيين أنفسهم، إنَّما هي، على ما تَظْهَر لنا، أو على ما يُظْهِرونها لنا، «قضية الانسحاب»، بأبعادها وجوانبها المختلفة، فثمة من يدعو إلى انسحاب تام وعاجل، وثمة من يدعو إلى انسحاب جزئي، أو على مراحل، وثمة من يدعو إلى وضع برنامج زمني للانسحاب، وثمة من يعترض ويعارض، وثمة من يدعو إلى انسحاب ينتهي إلى احتفاظ الولايات المتحدة بوجود عسكري استراتيجي بعيد الأجل في العراق على غرار وجودها في اليابان، أو كوريا الجنوبية، أو ألمانيا. ولكن الحقيقة الأساسية والجوهرية الكامنة في تلك القضية، وفي ما تثيره من جدل وخلاف وانقسام، والتي يحاولون منع ظهورها أو إظهارها، وجَعْلِها بعيدة عن الأبصار والبصائر، إنَّما هي «الخسائر» العظيمة والمتعاظِمة التي تُمنى بها الولايات المتحدة في العراق، أو بسبب غزوها واحتلالها له، فلولا خسائرها التي تَنْفُد قدرتها على احتمالها لَمَا ظَهَرت تلك القضية، ولَمَا أثارت، لو ظَهَرَت، ما أثارته وتثيره من جدل وخلاف وانقسام.
هنا، وهنا فحسب، يكمن التحدِّي الأوَّل والأعظم الذي ينبغي لإدارة الرئيس بوش أن تواجهه، وأن تعرف كيف تواجه. وهنا، وهنا فحسب، يكمن مأزقها الكبير. إنَّ السؤال الكبير الذي يتوفَّر الرئيس بوش مع بقايا فريقه الحاكم على إجابته إجابة عملية مُقْنِعة، والذي يُظْهِره في استمرار على أنَّه أعجز من أن ينجح في ذلك، هو الآتي: كيف يمكن أن تحتفظ الولايات المتحدة بوجود عسكري استراتيجي طويل الأجل في العراق على أن تغدو الخسائر الأميركية قليلة ويمكن احتمالها، والأرباح الأميركية (النفطية والاقتصادية والسياسية والاستراتيجية) كبيرة، ويمكنها بالتالي أن تجتذب إلى «سياسة البقاء» تأييدا شعبيا؟ إذا كان «البقاء (العسكري الاستراتيجي طويل الأجل)» هو الغاية التي تكمن فيها مصلحة حيوية للولايات المتحدة فإنَّ إدارة الرئيس بوش نجحت في أن تخوض الصراع في العراق في طريقة أفْقَدَت الولايات المتحدة كل ما كان لديها، أو كل ما كان يمكن أن يكون بين يديها، من وسائل لبلوغ تلك الغاية. حتى الوقت المتبقي ما عاد كافيا، وما عاد يسمح بالتالي إلا لخيارات سياسية ـ استراتيجية يرتفع فيها منسوب التهوُّر والمغامرة.. والحماقة.
في سبيل تحويلها العراق إلى ما يشبه اليابان، أو كوريا الجنوبية، أو ألمانيا، لجهة الوجود الاستراتيجي الأميركي فيه، اتَّبَعت إدارة الرئيس بوش سياسة «فَرِّق تَسُد»، معتقدةً، أو متوهِّمةً، أنَّ «العراق المركزي الفدرالي» يمكن أن ينجو من عواقب تلك السياسة. لقد تصوَّرت «الأقاليم الثلاثة» التي بها وفيها يَظْهَر ويتأكَّد ويترسَّخ الانقسام العرقي (أو القومي) والطائفي (أو المذهبي) مع «الدولة المركزية الفدرالية» التي تنبثق منها على أنها الطريق إلى هيمنتها على هذا البلد هيمنة استراتيجية طويلة الأجل لا تلقى مقاومة تُذْكَر.
هنا وقع الفشل الأكبر، وكانت العاقبة الكبرى هي هذا الخليط الرهيب من «المقاومة» و»الإرهاب» و»الحرب (أو الحروب) الأهلية»، فهل من بديل يُمْكِنه أن يُنْقِذ ما يمكن إنقاذه من «سياسة البقاء» مع أهدافها الأساسية؟ لَمْ يبقَ من بديل سوى الذي ترتضيه سياسة فَقَدَت كل ما يجعلها منتمية إلى السياسة بوصفها بنت العِلْم والفن.
وهذا «البديل» إنَّما هو «بديلان» أحلاهما مرُّ، ويشتركان في أمر جَعْل الانقسام العراقي الذي غذَّته الولايات المتحدة وأظْهَرته وعمَّقته ووسَّعته وأنشأت له ما يحتاج إليه من تشريعات ومؤسسات وأحزاب وقيادات وميليشيات..
ويقوم هذا البديل، أو البديلان، على تقويض ما بقي حتى الآن في الحفظ والصون من مقوِّمات وأسس «الحكم المركزي الفدرالي»، وكأنَّ القضاء على البقية الباقية من «الدولة العراقية» هو مهمة الساعة التي يُعْمَل من أجلها في السر والعلن.
أمَّا ما بعد ذلك فهو ما يجعل البديل بديلين، فبعد القضاء على «الدولة» يمكن أن يتحوَّل الانقسام والتقسيم إلى دُوَلٍ لن تقل عن ثلاث، أو يمكن أن نرى امتزاجا بين «التقسيم العراقي» و «التقاسم الإقليمي»، فشمال العراق الكردي يمكن على سبيل المثال أن ينفصل نهائيا عن العراق ليصبح جزءاً من تركيا التي في هذه الحال يمكن أن تمنح أكرادها وأكراد العراق معاً حكما ذاتيا مع احتفاظها بالسيطرة على نفط كركوك. وفي هذه المنطقة التي يُفْتَرَض أن تكون آمنة مستقرة بعد ذلك، وبفضل ذلك، يمكن أن تركِّز الولايات المتحدة جزءا كبيرا من وجودها العسكري الاستراتيجي، فالاحتفاظ بالسيطرة على جزء، أو أجزاء، أفضل كثيرا من التفريط في السيطرة على الكل. أمَّا الجنوب الشيعي فمصيره النهائي لن يرى في وضوح إلا بعد، وفي ضوء، النهاية التي سيصل إليها النزاع بين الولايات المتحدة وإيران.
عن (ميديل إيست أونلاين)
م
ر
و
ر
ي
مع كلــــــ الود
الرئيس بوش مع بقايا فريقه الحاكم لا يملك الآن، وليس في مقدوره أن يملك من الآن وصاعدا، فيما يخصُّ أزمته وأزمة إدارته وحزبه وبلاده في العراق، من سياسة إلا تلك التي تجتمع فيها المكابرة مع الحسابات الشخصية والفئوية الضيِّقة، فليس من ولاية رئاسية ثالثة يمكن أن تُوْجِد له من المصالح ما يَحْمِله على أن يجنح لبراغماتية، أو واقعية، أو عقلانية، يمكنها أن تؤسِّس لسياسة جديدة، جيدة بحسب المعيار الانتخابي.
ومع ذلك لا يستطيع الرئيس بوش مع بقايا فريقه الحاكم تجاهل المصلحة الانتخابية لحزبه التي تقضي بأن يفعل شيئا، في ما بقي من وقت، يمكن أن يُغيِّر في ميزان القوى الانتخابي لمصلحة الجمهوريين، وكأنَّ الأمر الذي يحضُّونه عليه هو «الاستثمار القصير الأجل والجزيل الربح»، فما بقي لديه من قوَّة يمكن ويجب، بحسب دعوة الجمهوريين لرئيسهم، أن يسرع في توظيفه في العراق أوَّلا، وعلى وجه الخصوص، وما استطاع إلى ذلك سبيلا، فإذا تأكَّد وثَبُت عجزه عن جَعْل العراق موضعا لاستثمار كهذا فإنَّ عليه أن يَجِد موضعا آخر؛ ولكن من غير إبطاء.
القضية المثيرة للجدل والخلاف والانقسام في داخل الولايات المتحدة، بين المواطنين والناخبين، بين الجمهوريين والديمقراطيين، بين الجمهوريين أنفسهم، وبين الديمقراطيين أنفسهم، إنَّما هي، على ما تَظْهَر لنا، أو على ما يُظْهِرونها لنا، «قضية الانسحاب»، بأبعادها وجوانبها المختلفة، فثمة من يدعو إلى انسحاب تام وعاجل، وثمة من يدعو إلى انسحاب جزئي، أو على مراحل، وثمة من يدعو إلى وضع برنامج زمني للانسحاب، وثمة من يعترض ويعارض، وثمة من يدعو إلى انسحاب ينتهي إلى احتفاظ الولايات المتحدة بوجود عسكري استراتيجي بعيد الأجل في العراق على غرار وجودها في اليابان، أو كوريا الجنوبية، أو ألمانيا. ولكن الحقيقة الأساسية والجوهرية الكامنة في تلك القضية، وفي ما تثيره من جدل وخلاف وانقسام، والتي يحاولون منع ظهورها أو إظهارها، وجَعْلِها بعيدة عن الأبصار والبصائر، إنَّما هي «الخسائر» العظيمة والمتعاظِمة التي تُمنى بها الولايات المتحدة في العراق، أو بسبب غزوها واحتلالها له، فلولا خسائرها التي تَنْفُد قدرتها على احتمالها لَمَا ظَهَرت تلك القضية، ولَمَا أثارت، لو ظَهَرَت، ما أثارته وتثيره من جدل وخلاف وانقسام.
هنا، وهنا فحسب، يكمن التحدِّي الأوَّل والأعظم الذي ينبغي لإدارة الرئيس بوش أن تواجهه، وأن تعرف كيف تواجه. وهنا، وهنا فحسب، يكمن مأزقها الكبير. إنَّ السؤال الكبير الذي يتوفَّر الرئيس بوش مع بقايا فريقه الحاكم على إجابته إجابة عملية مُقْنِعة، والذي يُظْهِره في استمرار على أنَّه أعجز من أن ينجح في ذلك، هو الآتي: كيف يمكن أن تحتفظ الولايات المتحدة بوجود عسكري استراتيجي طويل الأجل في العراق على أن تغدو الخسائر الأميركية قليلة ويمكن احتمالها، والأرباح الأميركية (النفطية والاقتصادية والسياسية والاستراتيجية) كبيرة، ويمكنها بالتالي أن تجتذب إلى «سياسة البقاء» تأييدا شعبيا؟ إذا كان «البقاء (العسكري الاستراتيجي طويل الأجل)» هو الغاية التي تكمن فيها مصلحة حيوية للولايات المتحدة فإنَّ إدارة الرئيس بوش نجحت في أن تخوض الصراع في العراق في طريقة أفْقَدَت الولايات المتحدة كل ما كان لديها، أو كل ما كان يمكن أن يكون بين يديها، من وسائل لبلوغ تلك الغاية. حتى الوقت المتبقي ما عاد كافيا، وما عاد يسمح بالتالي إلا لخيارات سياسية ـ استراتيجية يرتفع فيها منسوب التهوُّر والمغامرة.. والحماقة.
في سبيل تحويلها العراق إلى ما يشبه اليابان، أو كوريا الجنوبية، أو ألمانيا، لجهة الوجود الاستراتيجي الأميركي فيه، اتَّبَعت إدارة الرئيس بوش سياسة «فَرِّق تَسُد»، معتقدةً، أو متوهِّمةً، أنَّ «العراق المركزي الفدرالي» يمكن أن ينجو من عواقب تلك السياسة. لقد تصوَّرت «الأقاليم الثلاثة» التي بها وفيها يَظْهَر ويتأكَّد ويترسَّخ الانقسام العرقي (أو القومي) والطائفي (أو المذهبي) مع «الدولة المركزية الفدرالية» التي تنبثق منها على أنها الطريق إلى هيمنتها على هذا البلد هيمنة استراتيجية طويلة الأجل لا تلقى مقاومة تُذْكَر.
هنا وقع الفشل الأكبر، وكانت العاقبة الكبرى هي هذا الخليط الرهيب من «المقاومة» و»الإرهاب» و»الحرب (أو الحروب) الأهلية»، فهل من بديل يُمْكِنه أن يُنْقِذ ما يمكن إنقاذه من «سياسة البقاء» مع أهدافها الأساسية؟ لَمْ يبقَ من بديل سوى الذي ترتضيه سياسة فَقَدَت كل ما يجعلها منتمية إلى السياسة بوصفها بنت العِلْم والفن.
وهذا «البديل» إنَّما هو «بديلان» أحلاهما مرُّ، ويشتركان في أمر جَعْل الانقسام العراقي الذي غذَّته الولايات المتحدة وأظْهَرته وعمَّقته ووسَّعته وأنشأت له ما يحتاج إليه من تشريعات ومؤسسات وأحزاب وقيادات وميليشيات..
ويقوم هذا البديل، أو البديلان، على تقويض ما بقي حتى الآن في الحفظ والصون من مقوِّمات وأسس «الحكم المركزي الفدرالي»، وكأنَّ القضاء على البقية الباقية من «الدولة العراقية» هو مهمة الساعة التي يُعْمَل من أجلها في السر والعلن.
أمَّا ما بعد ذلك فهو ما يجعل البديل بديلين، فبعد القضاء على «الدولة» يمكن أن يتحوَّل الانقسام والتقسيم إلى دُوَلٍ لن تقل عن ثلاث، أو يمكن أن نرى امتزاجا بين «التقسيم العراقي» و «التقاسم الإقليمي»، فشمال العراق الكردي يمكن على سبيل المثال أن ينفصل نهائيا عن العراق ليصبح جزءاً من تركيا التي في هذه الحال يمكن أن تمنح أكرادها وأكراد العراق معاً حكما ذاتيا مع احتفاظها بالسيطرة على نفط كركوك. وفي هذه المنطقة التي يُفْتَرَض أن تكون آمنة مستقرة بعد ذلك، وبفضل ذلك، يمكن أن تركِّز الولايات المتحدة جزءا كبيرا من وجودها العسكري الاستراتيجي، فالاحتفاظ بالسيطرة على جزء، أو أجزاء، أفضل كثيرا من التفريط في السيطرة على الكل. أمَّا الجنوب الشيعي فمصيره النهائي لن يرى في وضوح إلا بعد، وفي ضوء، النهاية التي سيصل إليها النزاع بين الولايات المتحدة وإيران.
عن (ميديل إيست أونلاين)
م
ر
و
ر
ي
مع كلــــــ الود