النافذ
30-Aug-2007, 04:31 PM
http://www.islammemo.cc/media/iraq/alarabi_Iraki_figh02.jpg
حسن الرشيدي
istratigi@hotmail.com
مفكرة الإسلام: لعبت المقاومة العراقية ـ وبعد وقت قصير من سقوط بغداد ـ دورًا صعبًا في قتال القوات الغازية, ونظمت حرب عصابات أرهقت أعتى جيوش العالم وأكثرها تسليحًا وعتادًا من أحدث ما وصلت إليه تكنولوجيا العصر, ولكن أسوار بغداد ومدن العراق وبالذات ما يطلق عليه المثلث السني قد تلاعبت برامبو العصر, وأثبتت أن قوته لا تزيد عن قوة الأفلام السينمائية الهوليودية والتي تمجد بطولة المقاتل الأمريكي الزائفة, وأرجعت الشعب الأمريكي المغتر بهذه القوة إلى واقع حاله الصعب والمزري.
والواقع أن إنجازات المقاومة في اتجاه الاحتلال الأمريكي قد تحققت على صعيدين رئيسيين:
الأول: إيقاع خسائر غير مسبوقة في صفوف القوات الأمريكية:
وتتنوع هذه الخسائر من حيث الجنود الأمريكيين أو على الصعيد الاقتصادي:
فمن حيث الجنود: تتعدد هذه الخسائر:
قتلى: ارتفع عدد القتلى من الجنود الأمريكيين منذ بدء الحرب على العراق في مارس عام 2003 حتى نهاية الأسبوع الأول من أغسطس الحالي إلى 3678 قتيلاً, وذلك وفق الإحصائيات الأمريكية, بينما تصل إحصائيات أخرى بهذا الرقم إلى أكثر من ثلاثين ألف قتيل.
وعلى الرغم من تراجع حصيلة القتلى الأمريكيين خلال يوليو الفائت مقارنة بالشهور التي سبقته, إلا أنه يظل الأعلى من حيث الضحايا مقارنة بشهور يوليو الأخرى منذ الغزو عام 2003: إذ بلغ متوسط قتلى الأمريكيين اليومي خلال يوليو الماضي 2.55 قتيلاً مقابل 2.25 قتيلاً يوميًا عام 2006 و2.32 قتيلاً عام 2005 و2.33 قتيلاً في 2004.
وبلغ عدد الجنود الأمريكيين الذين قتلوا خلال الفترة من إبريل إلى يونيو أكثر من مائة قتيل شهريًا بسبب تزايد العمليات العسكرية بمواجهة العناصر المسلحة في كافة أنحاء العراق وارتفاع عدد القوات الأمريكية هناك إلى أعلى مستوياتها 162 ألف جندي.
إصابات: يُذكر أن عدد المصابين من الجيش الأمريكي في عملية تحرير العراق منذ ربيع 2003 وحتى التاسع والعشرين من الشهر الماضي وفقًا لتأكيدات الجيش الأمريكي بلغت أكثر من 26350 عنصرًا.
تمرد: فقد أشار تقرير صادر عن وزارة الدفاع البنتاجون بتاريخ 11/6/2004 ونشرته صحيفة تايمز الأمريكية عن أن حالات التمرد في الجيش الأمريكي قد خرجت عن النطاق الفردي, وأصبحت اليوم حالة جماعية, وأشار التقرير إلى حادثة مهمة بهذا الشأن. وهي تمرد أكثر من 22 ضابطًا أمريكيًا و200 جندي أمريكي بوجه أوامر صادرة من وزير الدفاع دونالد رامسفيلد, وقد جرت محاكمة جزء كبير منهم في محاكم عسكرية في العراق ومنهم من تمت محاكمته في محاكم عسكرية في الولايات المتحدة.
انتحار: أكد مصدر مسئول في وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) أن عدد حالات الانتحار في الجيش الأمريكي بالعراق وصل إلى 65 حالة منذ بداية الحرب على العراق هذا التصريح صدر بتاريخ 8/7/2004 في العديد من الصحف الأمريكية, وكانت صحيفة معاريف الإسرائيلية قد أشارت في وقت سابق إلى هذا الخصوص, وقدرت عدد المنتحرين في الجيش الأمريكي بحوالي 90 جنديًا.
وفي هذا الشهر قال الجيش الأمريكي: إن نسبة الجنود المنتحرين في صفوفه زادت في أعقاب حرب العراق وأفغانستان لتصل إلى 99 منتحرًا في العام الماضي, معتبرًا العدد غير مسبوق منذ حرب الخليج الأولى في عام 1991 حيث سجل انتحار 102 جندي. لكن وسائل الإعلام الأمريكية تشكك في العدد وترى أنه منخفض.
وقال تقرير للجيش: إن أكثر المنتحرين هم من الجنود العائدين من الحرب بسبب فشل علاقات, بما في ذلك علاقات زواج, وبسبب ضغوط نفسية. ففي عام 2006 وصل عدد المنتحرين إلى 99 جنديًا, في حين وصل عدد الجنود الذين انتحروا في عام 2005 إلى 87 جنديًا, أما في عام 1991 أي بعد حرب الخليج فقد وصل عدد المنتحرين في تلك السنة إلى 102 جندي.
ويشك الجيش في أن عددًا من حالات الموت التي حدثت في العام الماضي كانت حالات انتحار, ولكنها لم تؤكد رسميًا حسب التقرير.
وفي العام الماضي انتحر 30 جنديًا من أصل 99 جنديًا وهم في أرض المعركة 27 منهم في العراق وثلاثة في أفغانستان. وجاء في التقرير أن عدد الجنود الذين خدموا في العراق وأفغانستان على مدار السنوات الأخيرة وصل إلى مليون ونصف المليون جندي وعامل في الجيش بشكل دوري.
ويقول التقرير: إنه بالنسبة للعام الجاري وحتى نهاية شهر يونيو الماضي وصل عدد الجنود الذين انتحروا إلى 44 جنديًا من بينهم 17 جنديًا انتحروا في مناطق الحرب نفسها.
أما على الصعيد الاقتصادي: وفقًا لدراسة مشتركة نقلها على باكير باسم التكاليف الاقتصادية لحرب العراق الواقعة في 36 صفحة والمنشورة على موقع جامعة هارفارد, فإنّ التكلفة الحقيقية للحرب على العراق تتراوح بين 750 مليار دولار و1.2 تريليون دولار (العام 2006) وحوالي أكثر من 2 تريليون دولار إذا بقي الاحتلال للعام 2008 وما بعد استنادًا للمعيار المعتمد والحسابات الحذرة والمعتدلة والمتحفظة.
وتكشف إحدى الدراسات الأمريكية أن الحرب على العراق أثرت سلبًا في الخدمات الاجتماعية والصحية التي تقدم للأمريكيين, مشيرة إلى أن المواطن لا يدفع ما عليه من ضرائب من أجل الحرب في العراق وإنما لأجل مزيد من الخدمات. وقالت الدراسة: إن الأموال التي أنفقت على الحرب في عام واحد كانت تكفي لتمويل برامج الإسكان لنحو 23 مليون أمريكي وتوفير الرّعاية الصّحية لما يزيد عن 27 مليونًا آخرين.
أما الصعيد الثاني ـ والذي أنجزت فيه المقاومة العراقية ـ فهو القدرة على إحداث تحول في الاستراتيجية الأمريكية سواء المحلية أم الإقليمية أم الدولية:
فعلى المستوى المحلي (العراقي): كان هدف الاستراتيجية الأمريكية في العراق في البداية الاستيلاء على نفطه وضمان أمن إسرائيل والقضاء على الإرهاب, ولكن أيًا من هذه الأهداف لم يستطع الاحتلال الأمريكي تحقيقه إلا ربما في ضمان أمن إسرائيل, حيث تخلصت إسرائيل من النظام الذي كان يهددها باستمرار. وتعكس المذكرة التي سلمها ريتشارد بيرل مستشار البنتاجون وزارة الدفاع الأمريكية لمسئول خليجي قبل الحرب والتي علقت عليها الصحافة البريطانية لأيام قبل الحرب تعكس النية الأمريكية الرسمية للبقاء في العراق فترة من الزمن تحددها المذكرة بسبع سنوات بغية توليد مناخ ملائم وإدارة عراقية محلية ملائمة وعلاقات إقليمية بين هذه الإدارة والحكومة من جهة والجوار الجغرافي من جهة أخرى؛ وذلك من أجل أن تعلن الحكومة العراقية الجديدة عن علاقات جديدة مع شركات النفط الغربية العملاقة تفضي إلى تخصيص النفط العراقي, وأن تئول إدارته المباشرة لهذه الشركات الغربية العملاقة, وأن تقتصر علاقة العراق بنفطه على مجرد نسبة مئوية يتم الاتفاق عليها بين العراق ممثلاً بالحكومة الجديدة وكونسورتيوم من الشركات المدعومة من الإدارة الأمريكية.
ولكن بعد سقوط بغداد وعلى أرض الواقع توالت الحقائق الميدانية لتفرض نفسها؛ فالبنتاجون الذي تبنى قوى المنفى العراقي يكتشف أن هذه القوى لا تملك قواعد شعبية أو أُطُرًا سياسية في مجتمع عراقي يجهل زعماءها بمن فيهم أحمد الجلبي, ووجدت أمريكا أنها أمام مرجعيات شيعية يبدو أنها أعدت عدتها قبل الحرب بمسافة زمنية كافية. هذه المرجعيات تثبت وجودها على الأرض؛ حيث تنافس قوات الاحتلال بالاستيلاء إداريًا ومدنيًا على مدن الشيعة في الوسط والجنوب وصولاً إلى بعض أحياء بغداد وضواحيها, وفي ذكرى ما يدعيه الشيعة أنه أربعون الحسين عبرت هذه المرجعيات عن حرارة تعصبها الطائفي, ولعل المثال الأبرز في هذا المجال حيث كان الأمريكيون يراهنون قبل الحرب على عبد المجيد الخوئي فأتوا به إلى النجف لعله يتمكن من توحيد الشيعة, ولكن فصيل مقتدى الصدر رد على الأمريكيين بقتل الخوئي في رسالة إلى أمريكا تطلب أن لا يتجاوزه أحد في كعكة الحكم.
وعلى الصعيد الإقليمي: إعادة ترتيب الأوضاع ورسم الخريطة السياسية للمنطقة: وهو الهدف الاستراتيجي لهذه العملية, وهو سينتج تلقائيًا مع تحقيق الأهداف السابقة؛ حيث لا يتبقى إلا وضع الصورة النهائية لخريطة المنطقة السياسية بما يتلاءم والمصالح الاستراتيجية الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة العربية.
وذلك ما عبر عنه بوش صراحة في خطابه في معهد أميركان أنتربرايز بعد الحرب مباشرة بقوله: إن تغيير النظام في العراق سيفسح المجال أمام تغييرات إيجابية في كامل منطقة الشرق الأوسط. ويوضح بوش ذلك في الخطاب نفسه بقوله: إن قيام نظام جديد في العراق سيخدم كمثال مهم جدًا للحرية يلهم البلدان الأخرى في المنطقة. وتوصل الباحث فيليب جوردون من معهد بروكنجز إلى أن هناك عدة افتراضات تقوم عليها هذه الرؤية:
الافتراض الرئيس هو أن الوضع الراهن في الشرق الأوسط لم يعد مقبولاً بعد الهجمات الانتحارية على واشنطن ونيويورك في 11 سبتمبر (أيلول)؛ فالذين فجروا الطائرات الانتحارية في برجي مركز التجارة العالمي ومقر البنتاجون جاءوا من العالم العربي مدفوعين بكراهية للولايات المتحدة سببها الدعم الأمريكي لنظم غير ديمقراطية.
وقد ورد في نشرة فورين ريبورت الأمريكية الاستراتيجية أن من بين المصالح الأمنية الأمريكية في المنطقة بعد الحملة الأمريكية على أفغانستان إبرام تسويات سلمية في الشرق الأوسط تستقر مع إعادة رسم الخريطة السياسية الجديدة للمنطقة التي تشتعل بالصراعات الإقليمية والدولية وفقًا للتخطيط الأمريكي, بينما يبقى الاهتمام الأمريكي في المنطقة هو المحافظة على التفوق العسكري الإسرائيلي وخلق كيانات صغيرة في المنطقة للمحافظة على ذلك التفوق, ومن ثم تأمين تدفق البترول من الخليج العربي وبحر قزوين إلى الغرب بالمعدلات والأسعار الملائمة له, وتأمين خطوط المواصلات البحرية العالمية بما يخدم حرية التجارة الدولية بلا قيود وتدفق الصادرات الأمريكية والأوروبية وفي مقدمتها السلاح إلى الدول العربية ودول جنوب آسيا.
وتقول مصادر صحافية أن هناك في بعض الدول العربية المجاورة لإسرائيل فريقًا أمريكيًا من كبار المخططين السياسيين يدرس أحوال الدول العربية؛ وذلك بهدف تفكيك دول المنطقة وإعادة تركيبها من جديد, بل إن بعض الدول ستظهر في المنطقة وسيختفي بعضها الآخر.
أما على الصعيد الدولي: كتب أحد معلقي صحيفة الغارديان البريطانية يقول: إن المقاومة العراقية توشك أن تفرض تغييرًا في ميزان القوى العالمي. فكيف تم ذلك؟!
لقد تميز هيكل النظم الدولية بأنه يعبر عن مجموعة من الدول الكبرى؛ بحيث يمكن أن تكون أحدها أقوى من الجميع, ولكن هي في محل قيادة لهم وليس تسلطًا وتجبرًا عليهم وتهميشًا لهم, وهذا الدور مارسته بريطانيا في كثير من مراحل النظام الدولي, ولكن كان بجانبها قوى أخرى كان لها رأيها النافذ والمتحكم أيضًا كفرنسا والنمسا وألمانيا وروسيا وأمريكا في مراحل مختلفة, وتميزت هذه النظم بأنه عندما تريد دولة أو تحاول حتى الانفراد بالهيمنة؛ فسرعان ما تندلع الحرب لتعيد التوازن أو شبه التوازن مرة أخرى, ولكن في النظام الدولي الجديد بدأت أمريكا في الشروع بالانفراد الذي يعني إخضاع الآخرين وعدم السماح بنفوذ لهم في هيكل النظام الدولي.
وجاءت حرب العراق رغم أنف الجميع لتثبت أمريكا للعالم كله هذه الفكرة, ولكن بعد أعوام من هذا الاحتلال اهتزت هذه الفرضية بشكل كبير وأضحت دولاً كبيرة, بل تجرأت على تحدي الهيمنة الأمريكية على النظام الدولي.
لقد حققت المقاومة العراقية وبجميع أطيافها داخل المعسكر الثاني تحولات استراتيجية وتكتيكية هائلة, ولكن بقيت الصورة غير مكتملة وفي القلب غصة كبيرة وأسى لما يحدث, وهذا ما سنتناوله في مقال لاحق.
حسن الرشيدي
istratigi@hotmail.com
مفكرة الإسلام: لعبت المقاومة العراقية ـ وبعد وقت قصير من سقوط بغداد ـ دورًا صعبًا في قتال القوات الغازية, ونظمت حرب عصابات أرهقت أعتى جيوش العالم وأكثرها تسليحًا وعتادًا من أحدث ما وصلت إليه تكنولوجيا العصر, ولكن أسوار بغداد ومدن العراق وبالذات ما يطلق عليه المثلث السني قد تلاعبت برامبو العصر, وأثبتت أن قوته لا تزيد عن قوة الأفلام السينمائية الهوليودية والتي تمجد بطولة المقاتل الأمريكي الزائفة, وأرجعت الشعب الأمريكي المغتر بهذه القوة إلى واقع حاله الصعب والمزري.
والواقع أن إنجازات المقاومة في اتجاه الاحتلال الأمريكي قد تحققت على صعيدين رئيسيين:
الأول: إيقاع خسائر غير مسبوقة في صفوف القوات الأمريكية:
وتتنوع هذه الخسائر من حيث الجنود الأمريكيين أو على الصعيد الاقتصادي:
فمن حيث الجنود: تتعدد هذه الخسائر:
قتلى: ارتفع عدد القتلى من الجنود الأمريكيين منذ بدء الحرب على العراق في مارس عام 2003 حتى نهاية الأسبوع الأول من أغسطس الحالي إلى 3678 قتيلاً, وذلك وفق الإحصائيات الأمريكية, بينما تصل إحصائيات أخرى بهذا الرقم إلى أكثر من ثلاثين ألف قتيل.
وعلى الرغم من تراجع حصيلة القتلى الأمريكيين خلال يوليو الفائت مقارنة بالشهور التي سبقته, إلا أنه يظل الأعلى من حيث الضحايا مقارنة بشهور يوليو الأخرى منذ الغزو عام 2003: إذ بلغ متوسط قتلى الأمريكيين اليومي خلال يوليو الماضي 2.55 قتيلاً مقابل 2.25 قتيلاً يوميًا عام 2006 و2.32 قتيلاً عام 2005 و2.33 قتيلاً في 2004.
وبلغ عدد الجنود الأمريكيين الذين قتلوا خلال الفترة من إبريل إلى يونيو أكثر من مائة قتيل شهريًا بسبب تزايد العمليات العسكرية بمواجهة العناصر المسلحة في كافة أنحاء العراق وارتفاع عدد القوات الأمريكية هناك إلى أعلى مستوياتها 162 ألف جندي.
إصابات: يُذكر أن عدد المصابين من الجيش الأمريكي في عملية تحرير العراق منذ ربيع 2003 وحتى التاسع والعشرين من الشهر الماضي وفقًا لتأكيدات الجيش الأمريكي بلغت أكثر من 26350 عنصرًا.
تمرد: فقد أشار تقرير صادر عن وزارة الدفاع البنتاجون بتاريخ 11/6/2004 ونشرته صحيفة تايمز الأمريكية عن أن حالات التمرد في الجيش الأمريكي قد خرجت عن النطاق الفردي, وأصبحت اليوم حالة جماعية, وأشار التقرير إلى حادثة مهمة بهذا الشأن. وهي تمرد أكثر من 22 ضابطًا أمريكيًا و200 جندي أمريكي بوجه أوامر صادرة من وزير الدفاع دونالد رامسفيلد, وقد جرت محاكمة جزء كبير منهم في محاكم عسكرية في العراق ومنهم من تمت محاكمته في محاكم عسكرية في الولايات المتحدة.
انتحار: أكد مصدر مسئول في وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) أن عدد حالات الانتحار في الجيش الأمريكي بالعراق وصل إلى 65 حالة منذ بداية الحرب على العراق هذا التصريح صدر بتاريخ 8/7/2004 في العديد من الصحف الأمريكية, وكانت صحيفة معاريف الإسرائيلية قد أشارت في وقت سابق إلى هذا الخصوص, وقدرت عدد المنتحرين في الجيش الأمريكي بحوالي 90 جنديًا.
وفي هذا الشهر قال الجيش الأمريكي: إن نسبة الجنود المنتحرين في صفوفه زادت في أعقاب حرب العراق وأفغانستان لتصل إلى 99 منتحرًا في العام الماضي, معتبرًا العدد غير مسبوق منذ حرب الخليج الأولى في عام 1991 حيث سجل انتحار 102 جندي. لكن وسائل الإعلام الأمريكية تشكك في العدد وترى أنه منخفض.
وقال تقرير للجيش: إن أكثر المنتحرين هم من الجنود العائدين من الحرب بسبب فشل علاقات, بما في ذلك علاقات زواج, وبسبب ضغوط نفسية. ففي عام 2006 وصل عدد المنتحرين إلى 99 جنديًا, في حين وصل عدد الجنود الذين انتحروا في عام 2005 إلى 87 جنديًا, أما في عام 1991 أي بعد حرب الخليج فقد وصل عدد المنتحرين في تلك السنة إلى 102 جندي.
ويشك الجيش في أن عددًا من حالات الموت التي حدثت في العام الماضي كانت حالات انتحار, ولكنها لم تؤكد رسميًا حسب التقرير.
وفي العام الماضي انتحر 30 جنديًا من أصل 99 جنديًا وهم في أرض المعركة 27 منهم في العراق وثلاثة في أفغانستان. وجاء في التقرير أن عدد الجنود الذين خدموا في العراق وأفغانستان على مدار السنوات الأخيرة وصل إلى مليون ونصف المليون جندي وعامل في الجيش بشكل دوري.
ويقول التقرير: إنه بالنسبة للعام الجاري وحتى نهاية شهر يونيو الماضي وصل عدد الجنود الذين انتحروا إلى 44 جنديًا من بينهم 17 جنديًا انتحروا في مناطق الحرب نفسها.
أما على الصعيد الاقتصادي: وفقًا لدراسة مشتركة نقلها على باكير باسم التكاليف الاقتصادية لحرب العراق الواقعة في 36 صفحة والمنشورة على موقع جامعة هارفارد, فإنّ التكلفة الحقيقية للحرب على العراق تتراوح بين 750 مليار دولار و1.2 تريليون دولار (العام 2006) وحوالي أكثر من 2 تريليون دولار إذا بقي الاحتلال للعام 2008 وما بعد استنادًا للمعيار المعتمد والحسابات الحذرة والمعتدلة والمتحفظة.
وتكشف إحدى الدراسات الأمريكية أن الحرب على العراق أثرت سلبًا في الخدمات الاجتماعية والصحية التي تقدم للأمريكيين, مشيرة إلى أن المواطن لا يدفع ما عليه من ضرائب من أجل الحرب في العراق وإنما لأجل مزيد من الخدمات. وقالت الدراسة: إن الأموال التي أنفقت على الحرب في عام واحد كانت تكفي لتمويل برامج الإسكان لنحو 23 مليون أمريكي وتوفير الرّعاية الصّحية لما يزيد عن 27 مليونًا آخرين.
أما الصعيد الثاني ـ والذي أنجزت فيه المقاومة العراقية ـ فهو القدرة على إحداث تحول في الاستراتيجية الأمريكية سواء المحلية أم الإقليمية أم الدولية:
فعلى المستوى المحلي (العراقي): كان هدف الاستراتيجية الأمريكية في العراق في البداية الاستيلاء على نفطه وضمان أمن إسرائيل والقضاء على الإرهاب, ولكن أيًا من هذه الأهداف لم يستطع الاحتلال الأمريكي تحقيقه إلا ربما في ضمان أمن إسرائيل, حيث تخلصت إسرائيل من النظام الذي كان يهددها باستمرار. وتعكس المذكرة التي سلمها ريتشارد بيرل مستشار البنتاجون وزارة الدفاع الأمريكية لمسئول خليجي قبل الحرب والتي علقت عليها الصحافة البريطانية لأيام قبل الحرب تعكس النية الأمريكية الرسمية للبقاء في العراق فترة من الزمن تحددها المذكرة بسبع سنوات بغية توليد مناخ ملائم وإدارة عراقية محلية ملائمة وعلاقات إقليمية بين هذه الإدارة والحكومة من جهة والجوار الجغرافي من جهة أخرى؛ وذلك من أجل أن تعلن الحكومة العراقية الجديدة عن علاقات جديدة مع شركات النفط الغربية العملاقة تفضي إلى تخصيص النفط العراقي, وأن تئول إدارته المباشرة لهذه الشركات الغربية العملاقة, وأن تقتصر علاقة العراق بنفطه على مجرد نسبة مئوية يتم الاتفاق عليها بين العراق ممثلاً بالحكومة الجديدة وكونسورتيوم من الشركات المدعومة من الإدارة الأمريكية.
ولكن بعد سقوط بغداد وعلى أرض الواقع توالت الحقائق الميدانية لتفرض نفسها؛ فالبنتاجون الذي تبنى قوى المنفى العراقي يكتشف أن هذه القوى لا تملك قواعد شعبية أو أُطُرًا سياسية في مجتمع عراقي يجهل زعماءها بمن فيهم أحمد الجلبي, ووجدت أمريكا أنها أمام مرجعيات شيعية يبدو أنها أعدت عدتها قبل الحرب بمسافة زمنية كافية. هذه المرجعيات تثبت وجودها على الأرض؛ حيث تنافس قوات الاحتلال بالاستيلاء إداريًا ومدنيًا على مدن الشيعة في الوسط والجنوب وصولاً إلى بعض أحياء بغداد وضواحيها, وفي ذكرى ما يدعيه الشيعة أنه أربعون الحسين عبرت هذه المرجعيات عن حرارة تعصبها الطائفي, ولعل المثال الأبرز في هذا المجال حيث كان الأمريكيون يراهنون قبل الحرب على عبد المجيد الخوئي فأتوا به إلى النجف لعله يتمكن من توحيد الشيعة, ولكن فصيل مقتدى الصدر رد على الأمريكيين بقتل الخوئي في رسالة إلى أمريكا تطلب أن لا يتجاوزه أحد في كعكة الحكم.
وعلى الصعيد الإقليمي: إعادة ترتيب الأوضاع ورسم الخريطة السياسية للمنطقة: وهو الهدف الاستراتيجي لهذه العملية, وهو سينتج تلقائيًا مع تحقيق الأهداف السابقة؛ حيث لا يتبقى إلا وضع الصورة النهائية لخريطة المنطقة السياسية بما يتلاءم والمصالح الاستراتيجية الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة العربية.
وذلك ما عبر عنه بوش صراحة في خطابه في معهد أميركان أنتربرايز بعد الحرب مباشرة بقوله: إن تغيير النظام في العراق سيفسح المجال أمام تغييرات إيجابية في كامل منطقة الشرق الأوسط. ويوضح بوش ذلك في الخطاب نفسه بقوله: إن قيام نظام جديد في العراق سيخدم كمثال مهم جدًا للحرية يلهم البلدان الأخرى في المنطقة. وتوصل الباحث فيليب جوردون من معهد بروكنجز إلى أن هناك عدة افتراضات تقوم عليها هذه الرؤية:
الافتراض الرئيس هو أن الوضع الراهن في الشرق الأوسط لم يعد مقبولاً بعد الهجمات الانتحارية على واشنطن ونيويورك في 11 سبتمبر (أيلول)؛ فالذين فجروا الطائرات الانتحارية في برجي مركز التجارة العالمي ومقر البنتاجون جاءوا من العالم العربي مدفوعين بكراهية للولايات المتحدة سببها الدعم الأمريكي لنظم غير ديمقراطية.
وقد ورد في نشرة فورين ريبورت الأمريكية الاستراتيجية أن من بين المصالح الأمنية الأمريكية في المنطقة بعد الحملة الأمريكية على أفغانستان إبرام تسويات سلمية في الشرق الأوسط تستقر مع إعادة رسم الخريطة السياسية الجديدة للمنطقة التي تشتعل بالصراعات الإقليمية والدولية وفقًا للتخطيط الأمريكي, بينما يبقى الاهتمام الأمريكي في المنطقة هو المحافظة على التفوق العسكري الإسرائيلي وخلق كيانات صغيرة في المنطقة للمحافظة على ذلك التفوق, ومن ثم تأمين تدفق البترول من الخليج العربي وبحر قزوين إلى الغرب بالمعدلات والأسعار الملائمة له, وتأمين خطوط المواصلات البحرية العالمية بما يخدم حرية التجارة الدولية بلا قيود وتدفق الصادرات الأمريكية والأوروبية وفي مقدمتها السلاح إلى الدول العربية ودول جنوب آسيا.
وتقول مصادر صحافية أن هناك في بعض الدول العربية المجاورة لإسرائيل فريقًا أمريكيًا من كبار المخططين السياسيين يدرس أحوال الدول العربية؛ وذلك بهدف تفكيك دول المنطقة وإعادة تركيبها من جديد, بل إن بعض الدول ستظهر في المنطقة وسيختفي بعضها الآخر.
أما على الصعيد الدولي: كتب أحد معلقي صحيفة الغارديان البريطانية يقول: إن المقاومة العراقية توشك أن تفرض تغييرًا في ميزان القوى العالمي. فكيف تم ذلك؟!
لقد تميز هيكل النظم الدولية بأنه يعبر عن مجموعة من الدول الكبرى؛ بحيث يمكن أن تكون أحدها أقوى من الجميع, ولكن هي في محل قيادة لهم وليس تسلطًا وتجبرًا عليهم وتهميشًا لهم, وهذا الدور مارسته بريطانيا في كثير من مراحل النظام الدولي, ولكن كان بجانبها قوى أخرى كان لها رأيها النافذ والمتحكم أيضًا كفرنسا والنمسا وألمانيا وروسيا وأمريكا في مراحل مختلفة, وتميزت هذه النظم بأنه عندما تريد دولة أو تحاول حتى الانفراد بالهيمنة؛ فسرعان ما تندلع الحرب لتعيد التوازن أو شبه التوازن مرة أخرى, ولكن في النظام الدولي الجديد بدأت أمريكا في الشروع بالانفراد الذي يعني إخضاع الآخرين وعدم السماح بنفوذ لهم في هيكل النظام الدولي.
وجاءت حرب العراق رغم أنف الجميع لتثبت أمريكا للعالم كله هذه الفكرة, ولكن بعد أعوام من هذا الاحتلال اهتزت هذه الفرضية بشكل كبير وأضحت دولاً كبيرة, بل تجرأت على تحدي الهيمنة الأمريكية على النظام الدولي.
لقد حققت المقاومة العراقية وبجميع أطيافها داخل المعسكر الثاني تحولات استراتيجية وتكتيكية هائلة, ولكن بقيت الصورة غير مكتملة وفي القلب غصة كبيرة وأسى لما يحدث, وهذا ما سنتناوله في مقال لاحق.