تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : القبيلة بين النخبوية والشعبوية


جزام
28-Aug-2007, 11:14 AM
القبيلة بين النخبوية و الشعبوية
رؤية من الداخل

ارتبطت الصورة النمطية للقبيلة بالبداوة وصورة البداوة النمطية هي الأخرى مرتبطة بالتخلف الحضاري ورغم تحضر القبيلة في مجتمعنا لم ينظر إلى هذا التحضر إلا كنمط معيشي وليس كسلوك إنساني وتطور فكري رغم أن القيم الأخلاقية في البداوة على مدى التاريخ تتفوق في نبلها عن القيم الأخلاقية المدنية المتحضرة ورغم ظهور النخب الثقافية والفكرية والاقتصادية والإدارية والسياسية والوطنية في القبيلة إلا أنها ربطت بالبداوة حتى في الأوساط الأكاديمية نظراً لتجذّر الصورة النمطية .
ورغم انتماء غالب أهل الحضارة في الجزيرة العربية إلى القبيلة نسباً إلا أن القبيلة لديهم لم ترتبط بالبداوة حيث تم الاستغناء عن اسم القبيلة باسم الأسرة كدرجة ربما تبعد عن عصبية القبيلة لتدخل في عصبية الأسرة المرتبطة بالبلد أو الإقليم .. فلو كتب الاسم النخبوي يرادفه اسم القبيلة فهو في الغالب سيكون بدوياً متميزاً وأما إذا رادفه اسم الأسرة فالحضارة أقرب إليه هذا هو الانطباع العام و هذه هي الصور النمطية السائدة لمفهوم القبيلة بين الحضارة والبداوة .
من هنا تعاني النخب فهي قد وقعت بين مطرقة مجتمع القبيلة الخاص وسندان الصورة النمطية في المجتمع العام ولذا فلا بد من التعريج على تكوين مجتمع القبيلة اليوم من الناحية الحضارية الفكرية والسلوكية وهو بين فئتين :
فئة النخب الثقافية والسياسية والاقتصادية والتربوية والوطنية وهم الصورة المشرقة للقبيلة والمشرفة للوطن وقد تنتكس بعض هذه النخب فتعود أدراجها للفئة الأخرى نتيجة ضغوط اجتماعية في المجتمع العام ؛والفئة الأخرى هي فئة الجماهير ، والنخب والجماهير على طرفي نقيض في رؤيتهم للقبيلة:
فالنخب ترى أن الوطن هو القبيلة .
والجماهير ترى أن القبيلة هي الوطن .
الجماهير تحركها العاطفة.
والنخب يحركها العقل.
والجماهير وإن كانت ذات فكر واحد إلا أنها تنقسم من حيث فعاليتها في مجتمع القبيلة إلى أربعة أقسام:
الأول : الرؤوس ومنها الفارغ والنصف فارغ وأندرها الرؤوس الممتلئة عقلاً فالممتلئة تستطيع أن تفكر وتدرك ذلك والفارغة لا تفكر أصلاً والنصف فارغة قد تفكر ولكنها لا تدرك .
الثاني : الخفافيش وهؤلاء هم أخطر أقسام الجماهير لأنهم كطير الخفاش لا يطير إلا في الظلام كما أنهم ينظرون إلى العالم نظرة مقلوبة فهم يتعلقون في الأسقف العالية بأرجلهم لأن أيديهم لا تطول ذلك وهم يقومون بأدوار متعددة فهم يوقدون النار و يزرعون الخلاف يتسلقون على أكتاف الآخرين لأنهم لا يفكرون إلا في مصالحهم الشخصية فقط.
الثالث :الظواهر الصوتية وهؤلاء هم أبواق الدعاية والمرجفون والدجالون وهم ألسنة وحناجر ولاشيء غير ذلك يسهل عليهم الكلام ويصعب عليهم الصمت ويعشقون الغوغائية عشقاً أبدياً ويتضمنون زمراً عديدة كحمقى الشعراء ووكالات (اللقافة) للأنباء الفردية ترى أحد أشخاصها يسير خلف سيارة الإسعاف أو الإطفاء لمسافة 100كم لمجرد معرفة الخبر وبثه في المجالس التعيسة .
الرابع: الغثاء وهم صدى الظاهرة الصوتية وهؤلاء يأكلون ويشربون ويتناسلون ويرددون ما يقول الآخرون فكل منهم إمعة تمشي على الأرض إن أحسن الناس أحسنت وإن أساء الناس أساءت وهم من مسببات الازدحام في الطرقات .
كل الأقسام الجماهيرية الأربعة متضامنة هي اليوم سيدة الموقف مع مراعاة الفوارق الاجتماعية بين ذوي الدماء النبيلة وذوات الدم البارد!! فالطبقية موجودة حتى في مجتمع القبيلة؛ ولا يتصور البعض أن الطبقية في المجتمع السعودي تتمثل في ( قبيلي) وغير (قبيلي) فقط .
والجماهير عموماً تعتمد في نموها الفكري على الذاكرة الشعبية المستمدة من موروث القبيلة العامي وتاريخها الشفوي وحدها وهذه الذاكرة تنمي التعصب ليس للقبيلة ككل بل للقبيلة كأجزاء متناثرة قبل كل شيء وهذه الأجزاء لا تتفق فيما بينها غالباً؛ومن هنا فإن التعصب للقبيلة ككل هو في الظاهر فقط أما في الباطن فكل مستقل بذاته ويريد احتواء الآخرين بطريقة أو بأخرى هذا الأمر ولد فكر المؤامرة بين الجماهير لقلب الحقائق التاريخية بدعم من الظواهر الصوتية الحمقاء .
وفيما يفترض أن النخب توجه الجماهير وتمحو أميتهم الثقافية والفكرية نجدها منعزلة في أبراجها العاجية تتمحور حول ذاتها بدلا من حملها مشاعل التنوير ودفع الجماهير إلى ركب الحضارة الفكرية الوطنية؛ بل إن من هذه النخب من أصبح جماهيرياً غير مستقل برأي ولا فكر .
والحقيقة أن قيادة المجتمع يجب أن تكون تحت سيطرة النخب التي يمكنها تغيير الصورة النمطية السائدة ولكن انقلبت الأمور تماماً في مجتمع القبيلة :
فالجماهير في الصف الأمامي .
والنخب في الصف الخلفي.
الجماهير تطالب وتفرض ما تريد في فضاء القبيلة.
والنخب تجلس القرفصاء بعيداً ولا تشارك في مجتمع القبيلة.
وبديهي أن المجتمع لن يسلم قياده للنخب بسهولة ولكن للأسف أن النخب تخلت عن دورها التنويري تماماً لأسباب كثيرة لعل أهمها أن النخب اكتفت بدورها الوطني وتقديرها السلطوي وكذلك عدم قدرتها على التكيف مع سطحية الجماهير فهل تنتظر النخب مبادرة السلطة إلى تكليف النخب بدور تنموي فكري لمجتمع القبيلة ؟! أم هل ينتظرون دعوة الجماهير السطحية لهم ؟!
الحقيقة أنه يجب أن تتخذ النخب زمام المبادرة وتفرض نفسها على الجماهير بقوة و لا تنتظر من أحد دعوتها أو تكليفها .
بل إني لا أجد غضاضة في القول أنها محاربة لأن الجهل هو العدو التقليدي اللدود للعلم ولكن يظل السلاح الفكري للنخب هو السلاح الأخطر وينبغي عليهم اختراق الدوائر المغلقة بهذا السلاح لإعادة تشكيل الجماهير وإيجاد دور فاعل للنخب .
بقي أن أقول أن هذه وجهة نظر من الداخل يمكن تعميمها مع بعض الاختلافات الطفيفة على كافة خلايا المجتمع السعودي .

اليوم الثلاثاء 15/8/1428 منشور في جريدة الاقتصادي للكاتب قاسم خلف الرويس