عبدالعزيزالسلولي
06-Aug-2007, 08:53 PM
بيشة عرين الأسود ومضرب المثل بالشجاعة
سميت بيشة بهذا الاسم لأنها كانت في العصر الجاهلي غابة غناء والغابة في اللغة الفارسية تعني ( بيشة ) ، وفي اللغة العربية الموضع كثيف الأشجار0 وقد اتخذت الأسود وحيوانات الغاب المفترسة أرض بيشة عريناً لها ، وقد ساعدها على ذلك الظروف المناخية المناسبة من مياه جارية ، وغابات كثيفة ، وجبال شاهقة ، وكهوف وأخبئة خطيرة . وقد ظلت هذه الأسود إلى وقت قريب ، فقد حدثني من أثق بقوله : بأنه شاهد أحدها قبل فترة من الزمن في أحد فروع وادي ترج وطارده ببندقيته حتى قتله .
وحدثني آخر من كبار السن فقال : كان وادي تبالة متشابك الأشجار كثيف الغابات لا يكون به إلاّ مدخلاً واحداً نخرج معه ، وكان الرجل منا إذا ذهبت إبله في غابات الوادي لا يستطيع اللحاق بها بمفرده خوفاً من الوحوش المفترسة التي تتخذه ملجأ لها .
والقول بأن بيشة مأسدة قول قديم قال به أكثر من كتب عنها . إلاّ أن الهمداني حاول إنكار هذا فقال عند كلامه على مواضع أُسد الجزيرة : (( وأُسد ترج بيشة وأُسد عتود ، فأما أسد تبالة وترج وبيشة فهي من أعراض نجد ولا يكون بها أُسد وإنما تريد العرب أُسد بيش ، ويزيدون فيه الهاء فيقولون بيشة – بفتح الباء وهي مواضع الأُسد ، وبيشة بعطان بكسر الباء وقيل بل أرادوا بيشة نجد وأن رؤوس هذه الأعراض من أعلى السراة ، منها ما ينحدر إلى نجد ومنها ما ينحدر إلى تهامة ، فما إنحدر منها إلى تهامه فالأسد فيه )) .
ولو أن الهمداني كان خبيراً بهذه الديار عارفاً بكهوفها ومخابئها ، وغاباتها المتشابكة لم يقل هذا ، فقد كان في وادي ترج وتبالة وحدهما من الغابات الكثيفة والكهوف المظلمة ، ما يجعلهما مألفاً للوحوش المفترسة ، وأرى أن قول القائل ( أجرى من الماشي بترج ) لم يأتي من فراغ بل من واقع ملموس ففي ترج من الفياض والغابات والأشجار ما يزال مصدر خطر إلى اليوم .
وترج أحد روافد بيشة الكبار ، قال عنه البكري : نقلاً عن حاتم عن الأصمعي : هو موضع ببيشة مأسدة ،
وأنشد لأوس بن حجر :
وما خليج من المروت ذو حدب = يرمي الضرير بخشب الطلح والضال
يوماً بأجود منه حين تســأله = ولا مغب بترج بيـن أشــــبال
وقال عنه ياقوت : أما قول البكري بيشة السماوة مأسدة ، فليس مصيباً بل المأسدة ما نحن بصدد الحديث عنها . وسأحاول استعراض بعض ما ورد من نصوص الشعر في ذكر أُسد بيشة وفروعها ، فقد ذكر أكثر الشعراء من وصف ممدوحيهم بالشجاعة تشبيهاً بأُسد بيشة ومن ذلك :
قول الأحوص في مدح عمر بن عبد العزيز :
وتكون معقلهم إذا لم ينجهم = من شر ما يخشون إلاّ المعقل
حتى كأنك يتقى بك دونهـم = من أُسد بيشة خادر متبسـل
وأراك تفعل ما تقول وبعضهم= مذق الحديث يقول مالا يفعـل
ويقول البحتري يمدح المعتز بالله :
فخم إذا لبس السلاح عجبت من = بدر تألق في سواد غمــام
لباس أثواب الحروب مشــمر = عن ساعدي أسد ببيشة حام
وقول قيس بن الخطيم :
ألفيتهم يوم الهياج كأنهـم = أسد ببيشـة أو بقاب وراف
وقول مزرد بن ضرار الذبياني :
فيرجعها قومٌ كان آباهـم = ببيشـة ضرغام طوال السواعد
وفي غرض الفخر قال حسان بن ثابت في مدح أصحاب رسول لله :
كأنهم في الوغى والموت مقتنع =أُسد ببيشة في أرساغها فدع
وقال خفاف بن عمير :
في فتية بيض الوجوه كأنهـم =أُسد على لحم ببيشـة طلـع
لا ينكلون إذا لقوا أعداءهـم =إن الحمام هو الطريق المهيع
وقل قيس بن الحطيم :
كأنا وقد أجلوا لنا عن نسائهم = أسود لها في عيض بيشة أشبل
أو كما في قول كعب بن مالك :
ورحنا وأخرنا بطاء كأننــا = أُسود على لحم ببيشـة طلـع
وقول شاعر آخر :
كأنا أُسد بيشـة أو ليــوث = بعثَر أو منازلها بــواء
وقول محمد المجتهد :
عـش بالخـداع فأنت فـي = دهره بنـوّه كأُسـد بيشـة
وقول عبد الرحمن الأزدي :
وأكثرهم شباباً في كهـول = كأسـد تبالـة الشهب الوارد
وتبالة أحد روافد بيشة .
أو في غرض الرثاء كقول الخنساء في رثاء أخيها صخر :
سمح الخليقة لا نكس ولا غمـر = بل باسل مثل ليث الغابة العـادي
من أسد بيشة يحمي الخل ذي لبد = من أهله الحاضر الأدنين والبادي
أ وقولها :
حامي الحقيقة تخاله عند الوغى = أسدا ببيشة كاشـر الأنياب
أو كما قال أوس بن حجر في رثاء فضاله :
وما خليج من المروت ذو حدب = يرمي الضرير بخشب الطلح والضال
يوماً بأجود منه حين تسـألـه = ولا مغب بتـرج بيـن أشـــبال
وترج أحد روافد بيشة كما أسلفنا .
ونستنتج مما تقدم شجاعة أهل بيشة وقوتهم لأن أرض بيشة كما مر معنا مأسدة وغابة وحوش مفترسة لا يستطيع العيش فيها إلاّ من كان أشجع وأقوى من هذه الوحوش حتى يستطيع إخضاعها والتكيف مع حياتها الشرسة .
فلله در أهل بيشة ، فقد حولوا هذه الغابة الموحشة إلى جنان خضراء ، يأنس الناظر بقربها وينعم بالراحة فيها .
كاتبه المؤرخ الكبير الأستاذ / محمد بن جرمان العواجي
سميت بيشة بهذا الاسم لأنها كانت في العصر الجاهلي غابة غناء والغابة في اللغة الفارسية تعني ( بيشة ) ، وفي اللغة العربية الموضع كثيف الأشجار0 وقد اتخذت الأسود وحيوانات الغاب المفترسة أرض بيشة عريناً لها ، وقد ساعدها على ذلك الظروف المناخية المناسبة من مياه جارية ، وغابات كثيفة ، وجبال شاهقة ، وكهوف وأخبئة خطيرة . وقد ظلت هذه الأسود إلى وقت قريب ، فقد حدثني من أثق بقوله : بأنه شاهد أحدها قبل فترة من الزمن في أحد فروع وادي ترج وطارده ببندقيته حتى قتله .
وحدثني آخر من كبار السن فقال : كان وادي تبالة متشابك الأشجار كثيف الغابات لا يكون به إلاّ مدخلاً واحداً نخرج معه ، وكان الرجل منا إذا ذهبت إبله في غابات الوادي لا يستطيع اللحاق بها بمفرده خوفاً من الوحوش المفترسة التي تتخذه ملجأ لها .
والقول بأن بيشة مأسدة قول قديم قال به أكثر من كتب عنها . إلاّ أن الهمداني حاول إنكار هذا فقال عند كلامه على مواضع أُسد الجزيرة : (( وأُسد ترج بيشة وأُسد عتود ، فأما أسد تبالة وترج وبيشة فهي من أعراض نجد ولا يكون بها أُسد وإنما تريد العرب أُسد بيش ، ويزيدون فيه الهاء فيقولون بيشة – بفتح الباء وهي مواضع الأُسد ، وبيشة بعطان بكسر الباء وقيل بل أرادوا بيشة نجد وأن رؤوس هذه الأعراض من أعلى السراة ، منها ما ينحدر إلى نجد ومنها ما ينحدر إلى تهامة ، فما إنحدر منها إلى تهامه فالأسد فيه )) .
ولو أن الهمداني كان خبيراً بهذه الديار عارفاً بكهوفها ومخابئها ، وغاباتها المتشابكة لم يقل هذا ، فقد كان في وادي ترج وتبالة وحدهما من الغابات الكثيفة والكهوف المظلمة ، ما يجعلهما مألفاً للوحوش المفترسة ، وأرى أن قول القائل ( أجرى من الماشي بترج ) لم يأتي من فراغ بل من واقع ملموس ففي ترج من الفياض والغابات والأشجار ما يزال مصدر خطر إلى اليوم .
وترج أحد روافد بيشة الكبار ، قال عنه البكري : نقلاً عن حاتم عن الأصمعي : هو موضع ببيشة مأسدة ،
وأنشد لأوس بن حجر :
وما خليج من المروت ذو حدب = يرمي الضرير بخشب الطلح والضال
يوماً بأجود منه حين تســأله = ولا مغب بترج بيـن أشــــبال
وقال عنه ياقوت : أما قول البكري بيشة السماوة مأسدة ، فليس مصيباً بل المأسدة ما نحن بصدد الحديث عنها . وسأحاول استعراض بعض ما ورد من نصوص الشعر في ذكر أُسد بيشة وفروعها ، فقد ذكر أكثر الشعراء من وصف ممدوحيهم بالشجاعة تشبيهاً بأُسد بيشة ومن ذلك :
قول الأحوص في مدح عمر بن عبد العزيز :
وتكون معقلهم إذا لم ينجهم = من شر ما يخشون إلاّ المعقل
حتى كأنك يتقى بك دونهـم = من أُسد بيشة خادر متبسـل
وأراك تفعل ما تقول وبعضهم= مذق الحديث يقول مالا يفعـل
ويقول البحتري يمدح المعتز بالله :
فخم إذا لبس السلاح عجبت من = بدر تألق في سواد غمــام
لباس أثواب الحروب مشــمر = عن ساعدي أسد ببيشة حام
وقول قيس بن الخطيم :
ألفيتهم يوم الهياج كأنهـم = أسد ببيشـة أو بقاب وراف
وقول مزرد بن ضرار الذبياني :
فيرجعها قومٌ كان آباهـم = ببيشـة ضرغام طوال السواعد
وفي غرض الفخر قال حسان بن ثابت في مدح أصحاب رسول لله :
كأنهم في الوغى والموت مقتنع =أُسد ببيشة في أرساغها فدع
وقال خفاف بن عمير :
في فتية بيض الوجوه كأنهـم =أُسد على لحم ببيشـة طلـع
لا ينكلون إذا لقوا أعداءهـم =إن الحمام هو الطريق المهيع
وقل قيس بن الحطيم :
كأنا وقد أجلوا لنا عن نسائهم = أسود لها في عيض بيشة أشبل
أو كما في قول كعب بن مالك :
ورحنا وأخرنا بطاء كأننــا = أُسود على لحم ببيشـة طلـع
وقول شاعر آخر :
كأنا أُسد بيشـة أو ليــوث = بعثَر أو منازلها بــواء
وقول محمد المجتهد :
عـش بالخـداع فأنت فـي = دهره بنـوّه كأُسـد بيشـة
وقول عبد الرحمن الأزدي :
وأكثرهم شباباً في كهـول = كأسـد تبالـة الشهب الوارد
وتبالة أحد روافد بيشة .
أو في غرض الرثاء كقول الخنساء في رثاء أخيها صخر :
سمح الخليقة لا نكس ولا غمـر = بل باسل مثل ليث الغابة العـادي
من أسد بيشة يحمي الخل ذي لبد = من أهله الحاضر الأدنين والبادي
أ وقولها :
حامي الحقيقة تخاله عند الوغى = أسدا ببيشة كاشـر الأنياب
أو كما قال أوس بن حجر في رثاء فضاله :
وما خليج من المروت ذو حدب = يرمي الضرير بخشب الطلح والضال
يوماً بأجود منه حين تسـألـه = ولا مغب بتـرج بيـن أشـــبال
وترج أحد روافد بيشة كما أسلفنا .
ونستنتج مما تقدم شجاعة أهل بيشة وقوتهم لأن أرض بيشة كما مر معنا مأسدة وغابة وحوش مفترسة لا يستطيع العيش فيها إلاّ من كان أشجع وأقوى من هذه الوحوش حتى يستطيع إخضاعها والتكيف مع حياتها الشرسة .
فلله در أهل بيشة ، فقد حولوا هذه الغابة الموحشة إلى جنان خضراء ، يأنس الناظر بقربها وينعم بالراحة فيها .
كاتبه المؤرخ الكبير الأستاذ / محمد بن جرمان العواجي