المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : صـفـة الاسـراء والمـعـراج للشيخ صالح الفوزان


ابو ضيف الله
05-Aug-2007, 09:31 PM
قال سبحانه وتعالى‏:‏ ‏{‏سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ‏}‏ ‏.‏

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية الكريمة‏:‏ يمجد الله تعالى نفسه، ويعظم شأنه؛ لقدرته على ما لا يقدر عليه أحد سواه؛ فلا إله غيره ولا رب سواه، ‏{‏الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ‏}‏ يعني‏:‏ محمدا صلى الله عليه وسلم‏.‏ ‏(‏ليلا‏)‏؛ أي‏:‏ في جنح الليل‏.‏ ‏{‏من المسجد الحرام‏}‏ ‏:‏ وهو مسجد مكة‏.‏ ‏{‏إلى المسجد الأقصى‏}‏ ‏:‏ وهو بيت المقدس الذي بإيليا، معدن الأنبياء من لدن إبراهيم الخليل عليه السلام، ولهذا جُمِعوا له هناك كلهم، فأمهم في محلتهم ودارهم، فدل على أنه هو الإمام الأعظم والرئيس المقدم صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين‏.‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ‏}‏ ؛ أي‏:‏ في الزروع والثمار‏.‏ ‏(‏لنريه‏)‏؛ أي‏:‏ محمدا‏.‏ ‏{‏من آياتنا‏}‏ ؛ أي‏:‏ العِظام؛ كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى‏}‏ ، ‏{‏إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ‏}‏ ؛ أي‏:‏ السميع لأقوال عباده؛ مؤمنهم وكافرهم مصدقهم ومكذبهم، البصير بهم فيعطي كلا منهم ما يستحقه في الدنيا والآخرة‏"‏اهـ‏.‏

والمعراج‏:‏ مفعال من العروج؛ أي‏:‏ الآلة التي يعرج فيها؛ أي‏:‏ يصعد، وهو بمنزلة السلم، لكن لا يعدم كيف هو إلا الله، وحكمه كحكم غيره من المغيبات؛ نؤمن به ولا نشتغل بكيفيته‏.‏

والذي عليه أئمة النقل‏:‏ أن الإسراء كان مرة واحدة بمكة بعد البعثة وقبل الهجرة بسنة، وقيل بسنة وشهرين، ذكره ابن عبد البر‏.‏

صفة الإسراء والمعراج المستفادة من النصوص
قال الحافظ ابن كثير في ‏"‏تفسيره‏"‏‏:‏ ‏"‏والحق أنه عليه السلام أسري به يقظة لا مناما، من مكة إلى بيت المقدس، راكبا البراق، فلما انتهى إلى باب المسجد؛ ربط الدابة عند الباب، ودخله، فصلى في قبلته تحية المسجد ركعتين، ثم أتي بالمعراج، وهو كالسلم ذو درج يرقى فيه، فصعد فيه إلى السماء الدنيا، ثم إلى بقية السماوات السبع، فتلقاه من كل سماء مقربوها، وسلم على الأنبياء الذين في السماوات بحسب منازلهم ودرجاتهم، حتى مر بموسى الكليم في السادسة، وإبراهيم الخليل في السابعة، ثم جاوز منزلتهما- صلى الله وسلم عليه وعليهما وعلى سائر الأنبياء- حتى انتهى إلى مستوى يسمع فيه صريف الأقلام؛ أي‏:‏ أقلام القدر بما هو كائن، ورأى سدرة المنتهى، وغشيها من أمر الله تعالى عظمة عظيمة من فراش من ذهب وألوان متعددة، وغشيتها الملائكة، ورأى هناك جبريل على صورته، وله ست مائة جناح، ورأى رفرفا أخضر قد سد الأفق، ورأى البيت المعمور، وإبراهيم الخليل باني الكعبة الأرضية مسند ظهره إليه؛ لأنه الكعبة السماوية، يدخله كل يوم سبعون ألفا من الملائكة، ثم يتعبدون فيه، ثم لا يعودون إليه إلى يوم القيامة، ورأى الجنة والنار، وفرض عليه هنالك الصلوات خمسين، ثم خففها إلى خمس رحمة منه ولطفا بعباده، وفي هذا اعتناء عظيم بشرف الصلاة وعظمتها، ثم هبط إلى بيت المقدس، وهبط معه الأنبياء، فصلى بهم لما حانت الصلاة، ويحتمل أنها الصبح من يومئذ، ومن الناس من يزعم أنه أمهم في السماء، والذي تظاهرت به الروايات أنه أمهم ببيت المقدس، ولكن في بعضها أنه كان أول دخوله إليه، والظاهر أنه بعد رجوعه إليه؛ لأنه لما مر بهم في منازلهم؛ جعل يسأل عنهم جبريل واحدا واحدا، وهو يخبر بهم، وهذا هو اللائق؛ لأنه كان أولا مطلوبا إلى الجناب العلوي؛ ليفرض عليه وعلى أمته ما يشاء الله تعالى، ثم لما فرغ من الذي أريد به؛ اجتمع فيه- أي‏:‏ بيت المقدس- هو وإخوانه من النبيين، ثم ظهر شرفه وفضله عليهم بتقديمه في الإمامة، وذلك عن إشارة جبريل عليه السلام في ذلك، ثم خرج من بيت المقدس، فركب البراق، وعاد إلى مكة بغلس‏.‏ والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏

هل كان الإسراء ببدنه عليه السلام وروحه أو بروحه فقط‏؟‏
اختلف الناس‏:‏ هل كان الإسراء ببدنه عليه السلام وروحه أو بروحه فقط‏؟‏ على قولين‏:‏
فالأكثرون من العلماء على أنه أسري ببدنه وروحه يقظة لا مناما، والدليل على ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ‏}‏ ؛ فالتسبيح إنما يكون عند الأمور العظام؛ فلو كان مناما؛ لم يكن فيه شيء كبير، ولم يكن مستعظما، ولما بادرت كفار قريش إلى تكذيبه، ولما ارتدت جماعة ممن كان قد أسلم،
وأيضا؛ فإن العبد عبارة عن مجموع الروح والبدن، وقد قال تعالى‏:‏ ‏{‏أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا‏}‏ ، وأيضا قال سبحانه‏:‏ ‏{‏وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ‏}‏ ؛ قال ابن عباس‏:‏ ‏"‏هي رؤيا عين أريها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به‏"‏‏.‏ رواه البخاري‏.‏ وأيضا قال سبحانه‏:‏ ‏{‏مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى‏}‏ ، والبصر من آلات الذات لا الروح، وأيضا فإنه حمل على البراق، وهو دابة بيضاء براقة لها لمعان، وإنما يكون هذا للبدن لا للروح؛ لأنها لا تحتاج في حركتها إلى مركب تركب عليه‏.‏

وقال آخرون‏:‏ بل أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم بروحه لا بجسده، نقل هذا القول ابن إسحاق عن عائشة ومعاوية رضي الله عنهما، ونقل عن الحسن البصري نحوه، وليس المراد بهذا القول أن الإسراء كان مناما، بل إن الروح ذاتها أسري بها، ففارقت الجسد، ثم عادت إليه‏.‏‏.‏‏.‏ وهذا من خصائصه؛ فإن غيره لا تنال ذات روحه الصعود الكامل إلى السماء إلا بعد الموت‏.‏

والمراد بالمنام أن ما يراه النائم قد يكون أمثالا مضروبة للمعلوم في الصورة المحسوسة، فيرى كأنه قد عرج به إلى السماء وذهب به إلى مكة، وروحه لم تصعد ولم تذهب، وإنما ملك الرؤيا ضرب له المثال، والفرق بين الأمرين واضح‏.‏

واستدل من قال‏:‏ إن الإسراء كان بروحه لا بجسده؛ بما جاء في رواية شريك بن أبي نمر، عن أنس‏:‏ ‏"‏ثم استيقظت؛ فإذا أنا في الحجر‏"‏‏.‏

وقد أجيب عنه بجوابين‏:‏
أحدهما‏:‏ أن هذا معدود من غلطات شريك؛ فقد غلط الحفاظ شريكا في ألفاظ من حديث الإسراء‏.‏
الثاني‏:‏ أن الاستيقاظ محمول على الانتقال من حال إلى حال‏.‏
قال ابن كثير‏:‏ ‏"‏وهذا الحمل أحسن من التغليط‏.‏ والله أعلم‏"‏‏.‏
إلى أن قال‏:‏ ‏"‏ونحن لا ننكر وقوع منام قبل الإسراء طبق ما وقع بعد ذلك؛ فإنه صلى الله عليه وسلم كان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، وقد تقدم مثل ذلك في حديث بدء الوحي أنه رأى مثل ما وقع له يقظة مناما قبله ليكون ذلك من باب الإرهاص والتوطئة والتثبيت والإيناس‏.‏‏.‏‏.‏‏"‏والله أعلم‏.‏

هل تكرر المعراج‏؟‏
قال الحافظ ابن كثير بعد أن ساق الأحاديث الواردة في هذا الموضوع‏:‏ ‏"‏وإذا حصل الوقوف على مجموع هذه الأحاديث صحيحها وحسنها وضعيفها؛ فحصل مضمون ما اتفقت عليه من إسراء رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى بيت المقدس وأنه مرة واحدة، وإن اختلفت عبارات الرواة في أدائه، أو زاد بعضهم فيه أو نقص منه؛ فإن الخطأ جائز على من عدا الأنبياء عليهم السلام‏.‏

ومن جعل من الناس كل رواية خالفت الأخرى مرة على حدة، فأثبت إسراءات متعددة؛ فقد أبعد وأغرب وهرب إلى غير مهرب ولم يتحصل على مطلب‏.‏

وقد صرح بعض المتأخرين بأنه عليه السلام أسري به مرة من مكة إلى بيت المقدس فقط، ومرة من مكة إلى السماء فقط، ومرة إلى بيت المقدس ومنه إلى السماء، وفرح بهذا المسلك، وأنه قد ظفر بشيء يخلص به من الإشكالات، وهذا بعيد جدا، ولم ينقل هذا عن أحد من السلف، ولو تعدد هذا التعدد؛ لأخبر النبي صلى الله عليه وسلم به أمته، ولنقله الناس على التعدد والتكرار‏.‏

وزعم بعض الصوفية أن المعراج وقع له صلى الله عليه وسلم ثلاثين مرة‏!‏ وقال بعضهم‏:‏ أربعا وثلاثين مرة‏!‏‏!‏ واحدة منها بجسمه الشريف والباقي بروحه‏!‏‏!‏ وقيل‏:‏ كان الإسراء مرتين؛ مرة يقظة، ومرة مناما‏!‏‏!‏ وأصحاب هذا القول كأنهم أرادوا الجمع بين حديث شريك وقوله ‏"‏ثم استيقظت‏"‏وبين سائر الروايات‏!‏‏!‏ وكذلك منهم من قال‏:‏ بل كان مرتين؛ مرة قبل الوحي ومرة بعده‏!‏‏!‏ ومنهم من قال‏:‏ بل ثلاث مرات؛ مرة قبل الوحي ومرتين بعده‏!‏‏!‏ وكلما اشتبه عليهم لفظة؛ زادوا مرة للتوفيق‏.‏

قال ابن القيم‏:‏ ‏"‏يا عجبا لهؤلاء الذين زعموا أنه كان مرارا؛ كيف ساغ لهم أن يظنوا أنه في كل مرة يفرض عليهم الصلوات خمسين، ثم يتردد بين ربه وبين موسى حتى تصير خمسا، فيقول‏:‏ أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي‏.‏‏.‏‏.‏ ثم يعيدها في المرة الثانية خمسين، ثم يحطها إلى خمس‏.‏‏.‏‏.‏ ‏"‏‏!‏‏!‏
وقال ابن كثير‏:‏ ‏"‏وكان بعض الرواة يحذف بعض الخبر للعلم به، أو ينساه، أو يذكر ما هو الأهم عنده، أو يبسط تارة فيسوقه كله، وتارة يحذف عن مخاطبه بما هو الأنفع عنده‏.‏‏.‏‏.‏ ومن جعل كل رواية إسراء على حدة كما تقدم عن بعضهم؛ فقد أبعد جدا، وذلك أن كل السياقات فيها السلام على الأنبياء، وفي كل منها يعرفه بهم، وفي كلها يفرض عليه الصلوات؛ فكيف يمكن أن يدعى تعدد ذلك‏؟‏‏!‏ هذا في غاية البعد والاستحالة‏.‏ والله أعلم‏"‏اهـ‏.‏


المصـدر كتاب (الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد)
لسماحة الشيخ صالح بن فوازن الفوزان

ابووليد
05-Aug-2007, 09:43 PM
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته


اخوي ابوضيف الله


بارك الله فيك والله يعطيك العافيه

متعب العصيمي
06-Aug-2007, 03:27 AM
اللهم صلي عليه وسلم ...

بارك الله فيك يابوضيف الله على الموضوع وجعله موازين حسناتك ..

ولك فائق الاحترام..

ابوبجاد الرويس
06-Aug-2007, 08:41 AM
بارك الله فيك

والله يجزاك خير ابوضيف الله

,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,

فهد النفيعي
10-Aug-2007, 12:32 AM
سلم نقلك ابا ضيف الله وحفظ الله علمائنا من كل مكروه