المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حسين سرحان .. شاعر بَرَعَ في النثر


ابو ضيف الله
22-Jun-2007, 01:31 AM
http://haras.naseej.com/Images/haras/262/p094_1_1.jpg

بقلم : أ.د. محمد بن سعد بن حسين

كثيرون من أدبائنا يعرف الواحد منهم بفن فينسى نصيبه من سواه حتى وإن كان هذا المنسي أوفر نصيباً من المذكور من حيث الإبداع والنشر.
أقول هذا لأننا بصدد الحديث عن كتاب عن رجل برع في النثر الأدبي براعة تفوق نصيبه من الشعر؛ ذلكم هو حسين سرحان الذي أسهم في الإبداع النثري بمقالات كثيرة جداً شغلت نصوصها ما يزيد على 1040 صفحة من القطع الكبير. وذلك في الرسالة التي أعدها الدكتور عبدالله الحيدري عن حسين سرحان ناثراً. وقد أحسن في هذه الأطروحة كإحسانه فيما سلف من أمر أطروحة الماجستير التي أعدها عن السيرة الذاتية في الأدب السعودي.

أما الكتاب الذي نؤم الحديث عنه فهو (شعر حسين سرحان- دراسة نقدية)، ألفه أحمد عبدالله صالح المحسن. وذكر الأستاذ عبدالفتاح أبو مدين أن أصل التسمية (حسين سرحان شاعراً). فتصرّفوا في العنوان حتى لا يوافق عنوانه (العواد شاعراً). وما أحسب هذا مسوغاً لتغيير العنوان، وحتى لو كان مسوغاً فإنه لا يجوز صرف العنوان إلى غير ما وضعه المؤلف إلا بإذنه، والرجل متوفى- رحمه الله-.
نشر نادي جدة الأدبي هذا الكتاب سنة 1411ه- 1991م في 497 صفحة من القطع المتوسط مصدّراً بكلمة للأستاذ عبدالفتاح أبو مدين هي مقالة حسنة وإن لم تشتمل على كل ما يطلب في التقديم.

والأستاذ أبو مدين أديب أصيل، أصيل في ثقافته وفي لغته وفي انتمائه وفي كل ما تطلب فيه الأصالة وإن كان مجاملا حينا لغير روادها. فلعل له في ذلك عذراً. ولو أنا وقفنا مع أبي مدين في كل ما يستحق الوقوف معه فيه لاستبدت كلمته بالوقت الذي ربما لا يوفيها حقها.

لقد أثنى أبو مدين على المؤلِّف ومؤلَّفه معرجاً على قضية ذات أهمية في واقع ثقافتنا وهي موقف إخواننا في البلدان العربية الأخرى من أدبنا فيقول:
"ويُسأل أحد إخواننا من العرب، خاصة النقاد، إذا كان قد قرأ لفلان وفلان.. من أدبائنا البارزين، فيقول لك: لم أر له إنتاجاً، وربما قال بعضهم: لم أسمع به.
"ورغم ما نُتهم به.. من تقصير في إشاعة أدبنا والتعريف به، وإيصاله إلى الآخرين، نجد في المقابل.. أن كثيرين من إخواننا العرب الناقدين لا يهتمون، وبالتحديد لا يكلفون أنفسهم البحث عن مؤلف.. خارج نطاق قطره، ولا بد أن توصل كتابك إليه وتقدمه بثمن بخس أو مجاناً.
"ليست هذه التهمة عامة، ولكنها تنطبق على شريحة كبيرة. لعل في ذلك جانباً إقليمياً عند بعضهم، أو عدم اهتمام كحالة من السلبية".

وأقول: ليت الأمر انتهى عند هذا، ذلك أن من إخواننا من تجنّى في حكمه على الأدب السعودي مثل منير العجلاني وبكري شيخ أمين وعبدالجواد الطاهر:
فمنير العجلاني ينكر وجود أي قيمة للأدب السعودي، والآخران يحكمان على الأدب السعودي بأنه مقلد .ومنطلق أحكامهم أقوال عَدَلََََ عنها أصحابها كمثل مقالة طه حسين في َكتابه (ألوان) تلك التي عدل عن الحكم فيها في مقدمة كتبها لديوان حسن قرشي (الأمس الضائع).
ويعرِّج على موقف الباحثين من أبناء هذه البلاد مشيراً إلى ما غشي كتابات بعضهم من غموض يصل إلى حد التعمية حينا فيقول: "ولعل الدراسات التي تسمى (أكاديمية) هي التي جنحت بالأدب والنقد إلى ذلك البعد الذي يوشك أن يكون ألغازاً أو طلاسم.

"وأنا لا أتهم النتاج الأكاديمي بتلك الاتهامات الرخيصة الباطلة، الموغلة في الوهم والافتراضات الجوفاء، ورمي الناس بالباطل، واتهامهم زوراً بما لم يكن فيهم، غير أن ذلك التركيب المعقد من معطيات شريحة من الأكاديميين، في حاجة إلى شيء من بسط أو تبسيط، وهو الذي يشكو منه الأستاذ عزيز ضياء، ويقول إنه يصاب أحياناً بالدوار، رغم أن أولئك الأعلام، الذين برزوا.. قادرون على أن يكونوا واضحين أكثر، بعيداً عن الغلو التعقيدي الذي يفسد على الأدب جماله وبهاءه، إنشاء ووصفاً".
وحديث الأستاذ أبو مدين عن هؤلاء يأتي من منطلق معايشة معروفة تلطف في الحديث عنها.

ويشكو أديبنا الأصيل أبو مدين من انصراف الباحثين إلى فن الشعر وعدم إعطاء النثر حقه من الدراسات، غير أن في قوله شيئا من التلطف حين وصف الدراسات التي تناولت الشعر بأنها نموذج من النثر. وهذا غير صحيح، إذ المقصود حتى في قوله هو تلك الدراسات التي تناولت النثر الأدبي. وفي ذلك يقول:
"إن 99% من الدراسات فرغت للشعر، وواحد من المئة عني بالنثر وأنا أقول: إن بعض النثر أخذ بعض حظه، لأنه يعبر به، ولكن دراسته كعنصر مواجه أو مواز للشعر، مع اختلاف الدرجات.. لم تنل حظها من عناية الدارسين، وإنما كل الدراسة منصبة على الشعر وحده، وهذه ظاهرة بارزة في أدبنا العربي، لأن الشعر أكثر تأثيراً، وأكثر (كمّاً) وذو سمة متميزة في تركيبه وموسيقاه، ولأنه ينشد ويحفظ، وخصائص كثيرة تميزه عن النثر، لأنه صوت مدوٍّ عبر التاريخ الطويل".

والواقع أن كثيرين من الباحثين قد اتجهوا إلى دراسة فنَّي المقالة والقصة. هذه التي حظيت بكثير من الدراسات ربما نافست دراسات الشعر أو أوشكت.
أما مقدمة المؤلف ففيها اهتمام بما يمكن أن يكون إشادة بهذا البحث في شعر حسين سرحان- رحمه الله- وأحسب ذلك من حق المؤلف وبخاصة أن أيسر ما يقال عن بحثه أنه ممتاز.
ويشتمل هذا الكتاب على ثلاثة أبواب أولها: (حسين سرحان إنساناً) وفيه ثلاثة فصول، تحدث فيها المؤلف عن نشأه حسين سرحان وتعليمه وأعماله، وملامح شخصيته وهذه كلها أحاديث عن سرحان نفسه من بداية حياته وحتى نهايتها مع ما يتصل بذلك من إسهاماته الفكرية ونحوها. وهذا يؤكد ما قلناه في صدر الحديث من أن تغيير عنوان الكتاب من (حسين سرحان شاعراً) إلى (شعر حسين سرحان- دراسة نقدية) غير جائز لأن هذا العنوان الأخير يجعل الباب الأول بفصوله الثلاثة دخيلا على البحث، وهذا ما غفل عنه أديبنا الكبير (أبو مدين).

ونعود إلى الفصل الأول من الباب الأول فنجد الباحث يفتتحه بقوله (نشأته وتعليمه وأعماله) وهذا ما يزيد قولنا تأكيداً.
ثم يقول المؤلف:
"كانت الحياة في الحجاز في الربع الثاني من هذا القرن الهجري (الرابع عشر) تعجّ بالأحداث الكبيرة فقد كان الصراع بين الولاة والحكام الأتراك وبين الأشراف- وبخاصة الشريف حسين بن علي - على أشده، وازداد بعد قيام الحرب العالمية الأولى عام 1332ه- 1914م وإعلان الثورة الكبرى على الخلافة التركية في اليوم التاسع من شعبان عام 1334ه 1916م ثم انتقل الصراع إلى مرحلة جديدة حين ظهر على مسرح التاريخ الملك عبدالعزيز بن سعود الذي انتصر على الشريف حسين علي ودخل مكة عام 1443ه- 1924م".

وفي قوله "حين ظهر على مسرح التاريخ الملك عبدالعزيز بن سعود" ما يوهم بأن الملك عبدالعزيز لم يَظهَر شأنه في البلاد إلا بعد ثورة الشريف حسين على الأتراك، وهذا غير صحيح فالملك عبدالعزيز قد ظهر أمره قبل ثورة الشريف بست عشرة سنة فيها أجلى الأتراك عن المنطقة الشرقية سنة 1331ه وأحداث سيرته- رحمه الله- في تلك الفترة معلومة كان لها خطرها وتأثيرها الكبير.

وفي صدر الفصل الثاني (نشاطه الثقافي) يتحدث المؤلف عن صلة حسين سرحان بالصحافة فبدأ حديثه بقوله:
"صلة الأدب بالصحافة صلة وثيقة منذ تطور الصحافة بشكلها الحاضر، ذلك أن الصحافة في بلادنا هي التي أخذت بيد الأدب ونشرته بين الناس وشجعت الأديب على الاستزادة منه، وساعدت على خصوبة ملكته الشعرية وفنه النثري، فكانت الباب المفتوح الذي يلتقي فيه الأديب مع أبناء وطنه، ويتفاعل وجدانه مع وجدانهم. وكانت الصحافة هي الكتاب المنشور الذي يصب فيه الأديب إنتاجه، يوم كان الأديب لا يستطيع أن ينقل ذلك الإنتاج بين دفتي كتاب لظروف النشر".

وهذا صحيح فالصحافة في أيامها الأولى كانت أدبية ثم أخذت تتخلى عن هذه الخصوصية شيئاً فشيئاً وذلك حين زحمت الأدب فيها مجالات أخرى مثل الخبر والتحقيق الإعلان والرياضة والأدب العامي والشؤون الاجتماعية بوجه عام. وما أحسب الصحافة قادرة على استعادة مجدها الأدبي الذي كان وبان.
وفي الفصل الثالث جعل المؤلف منطلقات التأثر عند حسين سرحان: البيئة والتجارب الشخصية. ثم أخذ في تفصيل ذلك كمثل قوله عن البيئة أنها تنقسم إلى قسمين: بدوية وحضرية. وعندي شك في تضخيم تأثير البيئة البدوية في حياة السرحان لأن تكوُّنه الثقافي إنما كان في الحضر، بل إن مولده كان في مكة المكرمة.

ويبالغ كثيرون -ومنهم المؤلف رحمه الله- في وصف الفقر عند حسين سرحان ومبلغ تحكمه في حياته.
فأما أن يصيبه في بدء حياته من ذلك ما يصيبه فذلك واقع جل الناس في ذلك الزمن. وأما أن تتصل معه سَورة الفقر فمسألة فيها نظر.
وتأتي الدراسة الموضوعية عند المؤلف في الباب الثاني الذي اشتمل على ثلاثة فصول أولها الوجدانيات وثانيها التأملات أما ثالثها فموضوعات متنوعة . ولم يجر المؤلف في تقسيمه موضوعات شعر حسين سرحان على ما ألفه الباحثون، بل نحا في ذلك منحى جديداً كمثل تقسيمه الوجدانيات إلى: أماني، والشاعر والحياة، والشاعر والأحياء (التشاؤم والاغتراب) والشكوى.

وعلى هذا النحو يسير في موضوعات فصول هذا الباب، لينتقل بعد ذلك إلى الدراسة الفنية وهي الباب الثالث من أبواب هذا الكتاب، وفيه فصول أربعة تحدث فيها عن المفرد والمركب اللغوي والصورة والموسيقى.
في المفرد مثلاً كان حديثه عن لغة حسين سرحان في شعره، ويبدو أنه لم ينته في ذلك إلى حقيقة ثابتة تسم معجمه اللغوي، فهو يصفه حيناً بأنه علق بالألفاظ الغريبة في بداية حياته الشعرية، ثم نزع عن ذلك فيما بعد.

وتارة أخرى يقول إن السرحان قد استصحب هذا الواقع اللغوي ولم يستطع التخلّص منه حتى في آخر حياته. ولست أرى في ذلك غرابة. وإنما الغرابة في نفي استصحاب حسين سرحان شيئاً من معجمه اللغوي الأول.
وفي صدر الفصل الثاني (المركب اللغوي) رجع في حديثه عن التركيب عند حسين سرحان إلى حديث الإمام عبدالقاهر الجرجاني عن قضية النظم، ولم تكن له من حاجة إلى ذلك.

ويتحدث في الفصل الثالث عن الصورة عند حسين سرحان بحديث يشعر بالرضى عن كل ما صوَّره السرحان، وهذا الانحياز إلى الموضوع ملحوظ عند المؤلف في مباحث كتابه هذا. ومما استحسنه من صوره قوله:
وإنا على عذب المنى وعذابها
كمثل الحيارى فوق أثباج دأماء
وقوله:
فأما منى نفسي وأما طِماحها
فقد غالها من فاتك الدهر غوله

أما حديثه عن الموسيقى في الفصل الرابع فكان عن ثلاثة أشياء: الوزن والقافية وعناصر صوتية أخرى، ويعني بهذه الأخيرة ما تُحْدثه الألفاظ والتركيب من أثر موسيقي ربما غفل عنه بعض الباحثين. لكن المؤلف وهو يتحدث عن الوزن عند حسين سرحان قال: "وقد زعم حسين سرحان أنه بلا دراية بأبحر الشعر؟ نظم بالسليقة، فحقق ما ذهب إليه ابن رشيق في قوله "والمطبوع مستغن بطبعه عن معرفة الأوزان وأسمائها وعللها" لكن حقائق شعره تنقض هذا الزعم، وثقافته العميقة لا شك تدفعه دفعاً إلى دراسة الأوزان في دراسته لطبيعة الشعر نفسه، وقد عمد إلى تشكيلات موسيقية جديدة فقال:
كأني صائم... في شهر الموعود
وفي الدجى قائم قد أدرك المقصود
في ليلة القدر
وتقطيعه بالترتيب:
متفعلن فاعل ...... مستفعلن فعلان
متفعلن فاعل........ مستفعلن فعلان
مستفعل فاعل
وهذا كالموشح المولد ليس مما وقف عنده الخليل".

فأما قول ابن رشيق الذي أخذ به السرحان فقول ثابت لا يجادل فيه عارف. وأما وصفه قول سرحان بأنه زعم، فهو زعم من عنده هو.
وهناك ناحية أهملها المؤلف في باب الدراسة الفنية وهي المضمون. فلقد وقف أحاديثه على الشكل.
صحيح أنه لا يمكن إلا أن يذكر المضمون أثناء أحاديثه في هذا الباب وسواه، ولكن إنشاء مبحث يقف على المضمون مما ليس منه بد، ولو قلنا بإهماله لورود ذكره فيما سلف، لوجب القول بإهماله الجوانب الفنية الأخرى لورودها عرضاً في مقامات أخرى.

أما الخاتمة فقد عمد فيها إلى عرض مادة الكتاب، مُصْدِراً حكماً على عمله بقوله: "من كل ذلك نرى أن البحث -في جملته- كان تقويماً علمياً محايداً".
وعلى أي حال فالجهد العلمي في هذا الكتاب واضح- رحم الله مؤلفه وأثاب ناشره.
ولكن لو أن المؤلَّف ترك الحكم على مؤلَّفه للآخرين، لكان ذلك أليق في باب الأدب، وإن كان محقاً في قوله..


المصـدر مجلة الحـرس الوطني
http://dorat-7.ibn-jebreen.com/images/jdwal.jpg

ابوبجاد الرويس
22-Jun-2007, 01:35 AM
مشكور اخوي ابوضيف الله

ويعطيك العافيه

ولاهنت على الموضوع الرائع

وتقبل مروري يالغااالي