المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المزاح آداب وضوابط (( شغل متعوب عليه ))


فارس المورقي
26-Nov-2002, 05:09 PM
المزاح آدابه وضوابطه وممنوعه
بسم الله الرحمن الرحيم......والصلاة والسلام على أفضل وخاتم النبيين محمد بن عبدالله ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين الحمدلله الذي هدانا للإسلام وما كنا لنهتدي لو لا أن هدانا الله وبعد:

يكثر الحديث عن المزاح بين الناس وهذا حديث لا يمل ولا ينقطع، وسبب ذلك أن كثيراً من الناس قد اكتوى بنار المزح الثقيل ( الدفش ) فسبب له موقفاً لا يحسد عليه، أو ضيع عليه أمراً كان يريد نيله، فهذا رجل قد أغلق بيته وسجن بسبب مزاح من رجل لم يكن ليقصد، وآخر قد آخراً بالقتل بسبب مزاح إلى غيرها من المواقف

وقد تكلم العلماء والسابقون جميعاً عن المزاح وأفردوا له أبواباً وفصولاً بل وكتباً، حتى يوضحوا للأمة الآداب والمنح المرعية في المزاح.

وهنا في هذه العجالة قد حاولت إيضاح أسباب كثرة المزاح، وصوراً لمزاح المعتدلين وصوراً لمزاح المبالغين، وقد اعتمد بصورة كبيرة على كتاب الأستاذ العبدالعالي، وأنا هنا لا أزعم أني أتيت بما لم تأت به الأوائل لكن هي إطلالة وتطفل ومن كان عنده موقف أو زيادة أو تعليق أو تغيير أو انتقاد فنحن على أتم الاستعداد للتغيير والتقبل.


1- أسباب كثرة المزاح
 الفهم الخاطئ لترويح النفس
وهو فهم الناس أنه لا راحة للنفس إلا في المزاح، وهذا خطأ فمن نظر إلى سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وجد أن مفهوم ترويح النفس ليس في المزاح بل (( أرحنا بالصلاة يا بلال )) وتأويل قوله صلى الله عليه وسلم (( ساعة وساعة )) أن المسلم حين يشقى ويتعب في طلب الرزق والخلافة في الأرض فلابد من محطة استراحة.

 جلب الأنظار وحب الظهور
بعض الناس يستغل المزاح لإظهار ذكائه وفطنته حتى يجلب الأنظار إليه وهذا أسلوب فاشل من نواحي كثيرة

 الوقت الثروة المهدرة
زهد الناس في أوقاتهم وقلة الغيرة على الوقت، فإنه يضيعه بالتعامل بالأمور السطحية وتتبع الأخبار التافهة والغرق مع الهازلين بنكتهم وضحكهم.

 الصحبة والتربية
ولا شك أن الأبناء يتربون على أخلاق آبائهم فهو يعكس صورة حياته الداخلية بمزاحه. وكذلك الصحبة الهازلة التي تجر الصاحب الجاد إلى مراتع المزاح والهزل.

 قلة العلم والفقه
من فرغ قلبه من فائدة ولسانه من ذكر وقلبه من تدبر فأين المفر؟؟!
الجواب/ حتما إلى المزاح بالضحكات والتعليقات المستهزئة ولذلك المجالس التي ليس فيها ذكر لله تعالى نجد أن الكلمات الجادة تغرق في سيل جارف من النكت والطرائف.


3- المصالح والمفاسد الناتجة عن المزاح

أ- المصالح
 إيناس المصاحبين ولا يكون هذا إلا بالقول الجميل والبسيط المستحسن يقول سعيد بن العاص لابنه: (( إن التقصير في المزاح يغض عنك المؤانسين ويوحش منك المصلحين)). ويقول أبو حاتم: (( الواجب على العاقل أن يستميل قلوب الناس إليه بالمزاح وترك التعبس )) وذلك بضابط المزاح المعتدل ويقول الشاعر عن هذا الضابط /
ولكن إذا أعطيته المزح فليكن بمقدار ما تعطي الطعام من الملح.
 إزالة الخوف والغضب وطرد الهم
ومن ذلك قصة النبي الكاذب .
ووصف رجل من النساك عند عبيدالله بن عائشة هو جد كله فقال: (( لقد أضاق على نفسه المرعى وقصر لها طول النهى ولو فككها بالانتقال من حال إلى حال لتنفس عنه ضيق العقدة وراجع الجد بنشاط وجدة)).

ب- مفاسد المزاح
• تعدي حدود الله عز وجل وحدود رسوله صلى الله عليه وسلم فإنه من باب المزاح صار الكذب جائزاً عند الناس وكذلك الغيبة والسخرية بالدين بدعوى أنها نكتة أي مزحة عن بهز بن حكيم حدثني أبي عن جدي قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((ويل للذي يحدث بالحديث ليضحك به القوم فيكذب ويل له ويل له )) رواه الترمذي وقال: حديث حسن. قال الألباني : حسن.
• موت القلب: والقلب له حياة يجب على المسلم أن يبذل كل غال ونفيس لحياة قلبه، ولكن من أكثر المزاح فإنما يبني قصراً ويهدم مصراً عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( من يأخذ عني هؤلاء الكلمات فيعمل بهن أو يعلم من يعمل بهن فقال أبو هريرة فقلت أنا يا رسول الله فأخذ بيدي فعد خمسا وقال اتق المحارم تكن أعبد الناس وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس وأحسن إلى جارك تكن مؤمنا وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلما ولا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب)) رواه الترمذي وقال: حديث غريب. قال الألباني : حسن.
• زوال الهيبة والاستخفاف بالمازح: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (( من كثر ضحكه قلت هيبته، ومن مزح استخف به، ومن أكثر من شيء عرف به)).
وقال الماوردي: (( فوصمة المزاح أن يذهب عنه الهيبة والبهاء ويجري عليه الغوغاء والسفهاء ويقول أحدهم:
فإياك إياك المزاح فإنه ويذهب ماء الوجه بعد بهائه
يجري عليك الطفل والدنس النذلا ويورثه من بعد عزته ذلا

• الضغينة: الإكثار من المزاح أو وضعه في غير موضعه يسبب العداوة والبغضاء يقول عمر بن عبدالعزيز: (( اتقوا المزاح فإنه حمقة تورث الضغينة)).
ويقول ربيعة الرأي: (( إياكم والمزاح فإنه يفسد المودة ويغل الصدر)) وأشدها المقلب أو الركبة قال الشاعر:

أكرم جليسك لا تمازح بالأذى إن المزاح ترى به الأضغان
كم من مزاح جد حبل قرينه فتجذمت من أجله الأقران

4- هديه صلى الله عليه وسلم في المزاح
عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رجلا من أهل البادية يقال له زاهر بن حرام كان يهدي إلى النبي صلى الله عليه وسلم الهدية فيجهزه رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن زاهر بادينا ونحن حاضروه قال فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبيع متاعه فاحتضنه من خلفه والرجل لا يبصره فقال أرسلني من هذا فالتفت إليه فلما عرف انه النبي صلى الله عليه وسلم جعل يلزق ظهره بصدره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يشتري هذا العبد فقال زاهر تجدني يا رسول الله كاسدا قال لكنك عند الله لست بكاسد أو قال صلى الله عليه وسلم بل أنت عند الله غال. رواه ابن حبان.
ويتميز مزاح النبي صلى الله عليه وسلم بالتالي:
أنه لا يكذب فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قالوا: يا رسول الله إنك تداعبنا. قال: إني لا أقول إلا حقا. رواه الترمذي، وقال الألباني: صحيح.
لا يخرج عن الوقار فعن عبد الله بن الحارث بن جزء قال:ما كان ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا تبسماً. رواه الترمذي، وقال الألباني: صحيح.
أنه قليل معتدل فليس يعتبر سمة يوسم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن كان يلطف الجو بمزاحه عليه الصلاة والسلام.



5- ضوابط المزح
وهنا تكمن خلاصة الموضوع فلابد للمسلم أن ينضبط بضوابط الإسلام حتى يصح عليه لفظ مسلم وإليك أخي المبارك هذه الضوابط:
أن لا يتضمن ذكر الله ولا آياته ولا رسوله صلى الله عليه وسلم ولا شعائر الإسلام ويدل على ذلك ماروي في تفسير قوله تعالى: ((ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب )).
أن لا يتضمن الأذى بأحد من الناس عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أن لا ضرر ولا ضرار. رواه ابن ماجه وصححه الألباني.
أن لا يتضمن كذباً ولا فحشاً ولا غيبة ويل للذي يحدث بالحديث ليضحك به القوم فيكذب ويل له ويل له)). سبق تخريجه. و عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه)) رواه أبو داوود وقال الألباني حسن.
أن لا يفرط في المزاح عن الحد المعقول فالإسلام دين الوسطية، وكذلك الإسلام ليس بحاجة إلى الهازلين والمهرجين بل إلى الأيادي التي تعمل وتشمر وتبذل وتضع كل شيء في نصابه وموضعه الصحيح، ويكفينا من ذلك أن أبا هريرة يقول: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على رهط من أصحابه وهم يضحكون فقال: (( لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا فأتاه جبريل فقال: إن الله يقول لك: لم تقنط عبادي قال فرجع إليهم فقال سددوا وقاربوا وأبشروا)) قال أبو حاتم رضي الله عنه سددوا يريد به كونوا مسددين والتسديد لزوم طريقة النبي صلى الله عليه وسلم واتباع سنته وقوله وقاربوا يريد به لا تحملوا على الأنفس من التشديد ما لا تطيقون وأبشروا فإن لكم الجنة إذا لزمتم طريقتي في التسديد وقاربتم في الأعمال * رواه ابن حبان قال الشيخ شعيب الأرناؤوط : إسناده صحيح على شرط مسلم.

6- صور من المزح المحمود
o قال الربيع: دخلت على الشافعي وهو مريض فقلت: قوى الله ضعفك. فقال: لو قوى ضعفي قتلني. قلت: والله ما أردت إلا الخير. قال: أعلم أنك لو شتمتني لم ترد إلا الخير.
o كان الصحابة رضوان الله تعالى عليهم يتحاذفون بالبطيخ فيما بينهم ولكن إذا جاء الأمر كانوا الرجال.
o خرج عبدالله بن عمر وعبدالله بن عياش بن أبي ربيعة من المسجد، فلما كانا على بابه كشف كل واحد منهما عن ثيابه حتى بدت ساقه، وقال لصاحبه: ما عندك خير هل لك أن أسابقك؟ .
o جاء رجل إلى الشعبي رحمه الله تعالى وهو واقف مع زوجته فقال لهما الرجل: أيكم الشعبي؟ فأشار الشعبي إلى زوجته وقال: هذا.

7- صور من مزح المبالغين
 عن أبي الحسن المدني قال: سرق لأبي الجهم بن عطية حمار، فقال: لا والله يا رب ما أخذ حماري غيرك وأنت تعرف موضعه فاردده علي.
 أحد الشباب وهو يلعب الكرة ينظر إلى الكرة دعوها فإنها مأمورة.

8- العلاج
 معرفة حكم الله عز وجل وهدي نبيه صلى الله عليه وسلم في المزاح المذموم.
 إشغال النفس بالأمور الجادة بحضور مجالس الجنة والمحاضرات والأذكار وعمل بحوث وموضوعات وفوائد للشباب.
 الصحبة الصالحة الجادة التي تلتزم بالسنة والمرء على دين خليله.
 التفكر في الآخرة بالتدبر وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أكثروا من ذكر هادم اللذات)) وقوله عليه الصلاة والسلام (( لو علمتم ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم قليلاً)).
 الدعاء
 مجاهدة النفس
 التفكر في النتائج والتأمل في مفاسده.

خاتمة الموضوع
قال ابن عباس رضي الله عنهما: المزاح بما حسن مباح، وقد مزح رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وجاء رجل إلى سفيان بن عيينة وقال: المزاح هجنة. فأجابه قائلاً: بل هو سنة لكن لمن يحسنه ويضعه في مواضعه.
وتفصيل هذا الكلام أنه: مندوب إليه بين الإخوان والأصدقاء والخلان لما فيه ترويح للقلوب والاستئناس المطلوب بشرط أن لا يكون فيه قذف ولا غيبة ولا انهماك فيه يسقط الحشمة ويقلل الهيبة لا فحش يورث الضغينة ويحرك الحقود الكامنة.

:eek::cool:

فيصل محمد
06-Jul-2003, 11:30 PM
هذا الأمر يكثر وقوعه بين الناس فترى من يغلب عليه كثرة مزاحه وإسفافه وتماديه فيه وهذا الأمر مظهر من مظاهر دنوا الهمة فالمزاح يسقط الهيبة ويخل بالمروءة ويجـــــريء السفهاء والأنذال.. قال بعض الحكماء: (من كثر مزاحه قلت هيبته ).
وقال ابن عبد البر رحمه الله: وقد كره جماعة من العلماء الخوض في المزاح لما فيه من ذميم العاقبة ومن التوصل إلى الأغراض واستجلاب الضغائن وإفساد الإخاء.
وكان يقال: (لكل شيء بدء وبدء العداوة المزاح).. وقال سعيد بن العاص: (لا تـــمــــــازح الشريف فيحقد عليك ولا الدنيء فيجتريء عليك).. وقال ميمون بن مهران: (إذا كـــــــان المزاح أمام الكلام فآخره الشتم واللطام).
والمقصود أن المزاح لا ينبغي الإكثار منه ولا الإسفاف فيه أما ماعدا ذلك فيحسن لــمـا فيه من إيناس الجليس وإزالة الوحشة ونفي الملل والسآمة وإنما المزاح في الكـــــلام كالملح في الطعام إن عدم أو زاد على الحد فهو مذموم.

الفتى الطيب
07-Jul-2003, 07:38 PM
** فارس العتبان**
يعطيك العافية على هذا الموضوع الطيب وماقصرت..........

أخوكم............ الفتى الشرير