المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : دعوات أم مواعظ


فارس المورقي
26-Nov-2002, 04:47 PM
.عبدالوهاب بن ناصر الطريري*

16/9/1423
21/11/2002


الموقف في دعاء القنوت مظنة إجابة الدعاء حيث تبسط الأيدي في دبر قيام الليل ويؤمن الجميع على الدعاء وفيهم العباد والصلحاء والضعفاء ومن لو أقسم على الله لأبره، وهم في حال من الخشوع والاخبات ورقة القلب، وكل ذلك من أسباب اجابة الدعاء، ولذا فإن اغتنام هذا الموقف باختيار جوامع الأدعية ومأثورها، الجامعة لخيري الدنيا والآخرة، وهو ما نلاحظه في كثير من المساجد حيث الأئمة من الحفاظ وطلبة العلم، ولكن ثمة ملاحظات قليلة تصدر بحسن نية من البعض نذكرها من باب التذاكر والتواصي بالحق فمن ذلك:
(1) الإطالة المملة في الدعاء والتي تشق على الناس وتثقل عليهم العبادة، فيؤمنون وقلوبهم قد كلت وسئمت، وهذا من فتنة الناس عن العبادة وتثقيلها عليهم، وإذا كان النبي – صلى الله عليه وسلم – قد أنكر على معاذ إطالته قراءة القرآن في الصلاة، فكيف بإطالة الدعاء.
(2) ترتيل الدعاء كما ترتل آيات الكتاب، مع أن الأصل في الدعاء الانكسار والإخبات، والخضوع بلا تكلف ولا تقصد لنغمة معينة أو أداء معين، ولم ينقل إلينا أداء الدعاء مرتلاً كما نقلت آيات الكتاب العزيز؛ فإثقال الدعاء بالمد اللازم والإدغام بغنة والقلقلة، تكلف يبعد عن لب الدعاء وهو الخشوع فيه.
(3) التفصيل عند الدعاء بأحوال البرزخ ويوم القيامة بطريقة تحول الدعاء إلى موعظة؛ فربما سمعت من يدعو بالثبات عند الممات إذا بردت القدمان وشخصت العينان، ويبس اللسان في وصف طويل لحالة الاحتضار وهذا من الوعظ وليس من المسألة في شيء ومثله من يسأل أن يجيرنا الله من النار إذا جئ بها يوم القيامة تقاد بسبعين ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك، فأين هذا كله من الدعاء القرآني الجامع (وقنا عذاب النار)؛ ومثل ذلك التفصيل في ذكر نعيم الجنة والذي هو لازم دخولها ولذا أنكر سعد ابن أبي وقاص – رضي الله عنه – على ابنه لما سمعه يسأل الله الجنة ونعيمها واستبرقها ويستعيد من النار وأغلالها وكذا وكذا وقال له: إني سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: "إنه سيكون قوم يعتدون في الدعاء" وإن بحسبك أن تقول: اللهم أسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل".
وهذا التفصيل يخرج بالدعاء عن مقصودة وهو المسألة إلى باب آخر وهو الوعظ والتذكير والترقيق وهو مطلوب ولكن في غير هذا الموقف.
إن الاسترسال بهذه الطريقة يشعرك بأنك تستمع إلى خطيب قد ولاك ظهره وليس إلى قانت يسأل لك ربه.
(4) التفصيل في الدعاء على الكفار، بتجميد الدماء في عروقهم، وحبسهم في جلودهم، وأن يتمنوا الموت فلا يجدوا إليه سبيلاً وأن ترمل نساؤهم وييتم أطفالهم في طائفة من هذا النوع طويلة فإين هذا مما ورد "اللهم اهزمهم وزلزلهم" " اللهم أشدد وطأتك عليهم " "اللهم اكفناهم بما شئت" ونحوه.
بل انك تعجب غاية العجب عندما تسمع تعميم العقوبة على كل كافر من اليهود والنصارى والشيوعيين والدعاء عليهم بالفناء والهلاك وهذا فيما أحسب من الاعتداء في الدعاء لأمور منها:
أ. أننا نعلم بخبر نبينا أن ذلك مخالف لقدر الله – عز وجل – الذي قدره وخبر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الذي أخبر، فالروم في آخر الزمان أكثر الناس، وستجرى الملاحم الكبرى في أخر الزمان مع الكفار، وستقوم الساعة على شرار الناس، "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ" [هود:118].
ب. أننا على يقين أن من الكفار من لهم نفوس سوية، وفطر مستقيمة وأنهم مهيؤون لقبول الدعوة ولتلقي الهداية، ولو أيقنا أن كل الكفار قد شد على قلوبهم لما كان لرواية حديث (لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم" كبير معنى، ولم يكن لكل جهد نبذله في الدعوة مبرر ولا جدوى.
ومثل ذلك الدعاء على الكفار أن يقطع الله نسلهم، ونحن نتذكر أن النبي – صلى الله عليه وسلم – استأنى بقومه وهو يقول "لعل الله يخرج من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئاً.
نعم إن من أسباب هذا كله الشعور بحرارة الظلم والبغي الدولي من الدول الكبرى والذي أمض القلوب، وأقض المضاجع، وعقد المرارات في أفواه المسلمين، ولكن المسلم يصدر في دعائه وسائر عباداته من الأدلة الشرعية وليس المشاعر النفسية.
(5) النواح والصياح في البكاء بطريقة مجيشة، وانفعال وتفاعل ربما تجاوز إلى الصراخ والعويل المزعج. وتقارنه بما ورد عن النبي – صلى الله عليه وسلم – تجد البون واسعاً، فأين هذا وحديث ابن مسعود عندما قرأ على النبي – صلى الله عليه وسلم – صدر سورة النساء حتى قال له: حسبك، قال: فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان، وهذا مشعر أن ابن مسعود ما شعر ببكائه إلا حين التفت إليه.
إن في جوامع الأدعية المأثورة غنى عن كثير من التفصيل المطنب، وفي الخشوع المخبت إقتفاء للهدي النبوي، وعصمة من الأحوال التي يكون لرؤية الناس حضور فيها، ومرادات النفوس غلابة، ومساربها خفية، والموفق من استعصم بما ورد، ومن اقتدى فقد اهتدى.


:cool:

ابن ريحان
09-Jul-2007, 02:12 PM
مشكوووووووووووووور أخوي فارس العتبان