نسيب امطير
23-Feb-2007, 03:17 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الانتحار الأصولي.. سلاح لم يحصل على «ختانه» الشرعي بعد
أول من قام به العلمانيون.. وأصنافه .. نكاية بالخصم أو خوفا من الأسر
الرياض : ابن ملافخ ((نسيب امطير))
اصبح الاسلوب الانتحاري في تنفيذ العمليات لدى التيارات الاصولية العسكرية، أسلوبا متبعا وجزءا من الثقافة الاصولية الحالية. واذا اردنا الحديث عن العصر الحالي فإن العناصر غير الاصولية هي الاسبق الى هذا الاسلوب، خصوصا مع عمليات الحزب الشيوعي والحزب القومي السوري في لبنان سواء ضد الاسرائيليين او القوات الاجنبية الاخرى، واشهر عملية في هذا الاطار هي عملية انتحارية بسيارة مفخخة كانت من نصيب سناء محيدلي، الفتاة اللبنانية، الشيعية طائفة، القومية السورية حزبا، في جنوب لبنان عام 1985.
ويشير بعض المراقبين الى ان حزب الدعوة الشيعي العراقي اثناء قيامه بعمليات عسكرية ضد نظام صدام حسين كان يقوم بأعمال تصنف كأعمال انتحارية، واشهرها عملية الجامعة المستنصرية في بغداد سنة 1981 والتي القى فيها عضو من الحزب بنفسه وسط مؤتمر للوزير طارق عزيز ومعه قنبلة بنية اغتياله. لكن العمل الانتحاري من خلال الاحزمة المفخخة او السيارات المفخخة، يعتبر امرا حديثا، ولعل شهرته تعود اكثر الى العمليات التي كان يقوم بها، ولا يزال، عناصر «حماس» و«الجهاد» ثم انضم اليهم عناصر «فتح»، في فلسطين. وقد شهدت هذه العلميات جدلا كبيرا بين الفقهاء المسلمين بين مجيز ومشجع وبين مانع ومحرم.
منطلق الخلاف الفقهي كان نابعا من اعتبار قتل النفس (الانتحار) عملا محرما بل وشديد التحريم في الاسلام. فقد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (ص) «الذي يخنق نفسه يخنقها في النار، والذي يطعن نفسه يطعنها في النار». لكن صدرت فتوى لمجموعة من العلماء في الأردن بمشروعية العمليات الانتحارية (الاستشهادية) وفتوى جبهة علماء الأزهر في نفس الاتجاه. يقول الدكتور يوسف القرضاوي في مشروعية هذه العمليات «إن هذه العمليات تعد من أعظم أنواع الجهاد في سبيل الله، وهي من الإرهاب المشروع». ويبين القرضاوي أن تسمية العمليات بـ«الانتحارية» تسمية خاطئة ومضللة، فهي «عمليات فدائية بطولية استشهادية».
وأكد محمد سعيد رمضان البوطي، من فقهاء سورية، مشروعية تلك العمليات بالقول «هذه العمليات مشروعة مائة بالمائة». وكان لشيخ الازهر مواقف مختلفة في هذا الخصوص، فقد ابدى تحفظا شرعيا على هذه العمليات، ثم عاد وايدها في رده على طلب رجال الدين اليهود تدخله لمنع العمليات الانتحارية التي ينفذها الفلسطينيون.
اما في السعودية فقد ذهب بعض أشهر الفقهاء الى عدم مشروعية العمليات الانتحارية. قال الشيخ محمد بن عثيمين، احد ابرز الفقهاء السعوديين، والمتوفى قبلَ أحداث 11 سبتمبر (ايلول) 2001، في إجابة له على سؤال حولَ رأيه في العمليات الانتحارية «رأيي في هذا أنه قاتل لنفسه، وأنه سيعذب في جهنم بما قتل به نفسه (...) ومن العجب أن هؤلاء يقتلون أنفسهم مع أن الله نهى عن ذلك وقال (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما). وكثير منهم لا يريدون إلا الانتقام من العدو على أي وجه سواء كان حلالا أو حراما، فهو يريد ان يشفي غليله فقط». (مجلة الدعوة: العدد ـ 1598 ـ 28 صفر 1418 هـ). وكان هذا رأي مفتي السعودية ايضا عبد العزيز آل الشيخ. أما عن أشهر العمليات الانتحارية فيبرز هنا، عملية تفجير السفارة المصرية في اسلام اباد بباكستان بواسطة انتحاري نسب لجماعة الجهاد المصرية يقود سيارة مفخخة في نوفمبر (تشرين الثاني) 1995.
لكن أهم وأضخم عملية انتحارية معاصرة هي عملية 11 سبتمبر (ايلول) التي اقدم فيها 19 انتحاريا على اختطاف طائرات والاصطدام ببرجي التجارة العالمي في نيويورك، وكذلك مبنى البنتاغون في واشنطن وطائرة اخرى في بنسلفانيا. وهناك عدة عمليات انتحارية وقعت في السعودية منها عملية تفجير مجمع الحمراء وغرناطة في الرياض في مايو (ايار) 2003، وكذلك عملية مجمع المحيا في نوفمبر 2003، والتي قام بها انتحاريان سعوديان بواسطة سيارة مفخخة. وكذلك عملية مبنى الأمن العام في حي الوشم وسط العاصمة الرياض والتي قام بها شباب سعودي حديث التدين في ابريل (نيسان) 2004. ويعتبر العمل الانتحاري في السعودية عملا حديثا في مسلسل الارهاب، حيث ان اول عملية ارهابية حديثة كانت في نوفمبر 1995 استهدفت مبنى للحرس الوطني لكن بواسطة وضع سيارات مفخخة دون وجود عنصر بشري داخلها.
وأكثر العمليات الانتحارية اخفاقا في السعودية لجهة عدم تسجيل ضحايا لها، واقتصار الضرر والقتل فيها على منفذيها، كانت عملية استهداف وزارة الداخلية ومبان للتدريب تابعة لها في مستهل سنة 2005 قتل منفذوها الخمسة بواسطة سياراتهم المفخخة.
لكن هذا العمل لم يقتصر على السعودية فقد قام انتحاريون بتنفيذ تفجيرات في ميدان التحرير وخان الخليلي ومتحف التحرير وميادين اخرى في القاهرة، خلال شهري ابريل (نيسان) ومايو (ايار) من هذه السنة، وكان اغرب ما في هذه العمليات اشتراك عناصر نسائية فيها، هما خطيبة الانتحاري رأفت بشندي وشقيقته، واللتان قتلتا بعضهما البعض بعدما حاصرتهما قوات الأمن. وهذا يقود الى مسألة الانتحار عبر قتل النفس دون قصد ايقاع قتلى في صفوف الخصم، وذلك خوفا من الوقوع في قبضة الاعتقال.
واشهر عملية من هذا النوع هي عملية مسجد الصوير في الجوف شمال السعودية يوليو (تموز) 2003 والتي قتل فيها مطلوبون ابرزهم تركي الدندني انفسهم بعدما اشتد الحصار عليهم. ومصدر الغرابة فيها انها كانت عملية انتحارية صرفة لا يوجد فيها مفهوم «النكاية في العدو». لكن اتضح ان هناك ايضا تسويغا وتبريرا دينيا لمثل هذه الاعمال، فقد كان احد المنظرين للارهاب في السعودية (معتقل حاليا منذ اشتداد احداث الارهاب في السعودية) اصدر فتوى تجيز مثل هذا العمل بالاستناد الى سوابق فقهية يعتقد أنها تتطابق مع حالاته الجديدة. فمثلا هناك فتوى بجواز قتل الأسير نفسه لعدم إفشاء الأسرار تحت التعذيب للشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، مفتي السعودية السابق ورئيس القضاة فيها، توفي عام 1969، وكانت جوابا على سؤال من بعض المجاهدين الجزائريين إبان حرب التحرير ضد فرنسا عن مسألة قتل الأسير لنفسه لمنع إفشاء الأسرار للأعداء. قال فيها «جاءنا جزائريون ينتسبون إلى الإسلام يقولون هل يجوز للإنسان أن ينتحر مخافة أن يضربوه بالشرنقة، ويقول أموت أنا وأنا شهيد، مع أنهم يعذبونه بأنواع العذاب؟ فقلنا لهم: إذا كان كما تذكرون فيجوز، ومن دليله (أمنا برب الغلام). وقول بعض أهل العلم (إن السفينة... الخ)». الا ان ابن ابراهيم يبقي شيئا من التحفظ على هذا العمل فيقول «إلا أن فيه التوقف، من جهة قتل الإنسان نفسه، ومفسدة ذلك أعظم من مفسدة هذا فالقاعدة محكمة، وهو مقتول لا محالة». (فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف ال الشيخ، الطبعة الأولى 1399هـ، جمع وترتيب وتحقيق محمد بن عبد الرحمن بن قاسم / فتوى رقم 1479، صفحة 208).
جاء هذا في كتاب هذا المؤلف بعنوان (المختار في حكم الانتحار خوف إفشاء الأسرار) وهو منشور على المواقع الاصولية في الشبكة العنكبوتية، ويبدو أن مؤلف الكتاب لم يجد صورة مطابقة في كتب الفقهاء تعطيه حكما في من يقتل نفسه خشية الوقوع في اسر السلطان فقال «وفي هذا الموضع أقول ليس لنا أن نطالب علماء السلف بتصور جميع المسائل التي قد تحدث أو تجد، سواء في عصرهم أو بعد عصرهم، لكي يضعوا لها أحكاماً شرعية مستنبطة من الكتاب والسنة».
لكنه يواصل ويفصل في أحوال المأسورين ويبين ان الذي يحمل سرا من المأسورين على نوعين فإما أن يكون سرا لا قيمة له ولا يضر بالعمل ولا تستباح بسببه (بيضة) الإسلام فهذا يتحمل ويجوز ان يقع في الاسر كما لا يجوز له قتل نفسه وأما الذي يحمل سرا مهما، كقادة التنظيم، فلا يجوز له تسليم نفسه إذا غلب عليه الظن انه سيفشي هذا السر، بل ينتحر ويعتبر شهيدا عند الله، حسب شرحه. كما استدل بفتوى للاخواني المصري حسن أيوب في كتابه (الجهاد والفدائية في الإسلام. ص 247 ـ 248) من جواز هذا الفعل، حيث قالها فيما يبدو قاصدا الحالة الفلسطينية التي زادت على نصف قرن من الزمان. اذن فالعمل الانتحاري الذي اصبح دمغة اصولية خاصة بالمتشددين الاسلاميين في هذا الوقت يجد له غطاء فقهيا ونماذج واقعية، تزيدها كل عملية انتحارية جديدة، خصوصا مع هذا الانهمار الانتحاري شبه اليومي في العراق.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الانتحار الأصولي.. سلاح لم يحصل على «ختانه» الشرعي بعد
أول من قام به العلمانيون.. وأصنافه .. نكاية بالخصم أو خوفا من الأسر
الرياض : ابن ملافخ ((نسيب امطير))
اصبح الاسلوب الانتحاري في تنفيذ العمليات لدى التيارات الاصولية العسكرية، أسلوبا متبعا وجزءا من الثقافة الاصولية الحالية. واذا اردنا الحديث عن العصر الحالي فإن العناصر غير الاصولية هي الاسبق الى هذا الاسلوب، خصوصا مع عمليات الحزب الشيوعي والحزب القومي السوري في لبنان سواء ضد الاسرائيليين او القوات الاجنبية الاخرى، واشهر عملية في هذا الاطار هي عملية انتحارية بسيارة مفخخة كانت من نصيب سناء محيدلي، الفتاة اللبنانية، الشيعية طائفة، القومية السورية حزبا، في جنوب لبنان عام 1985.
ويشير بعض المراقبين الى ان حزب الدعوة الشيعي العراقي اثناء قيامه بعمليات عسكرية ضد نظام صدام حسين كان يقوم بأعمال تصنف كأعمال انتحارية، واشهرها عملية الجامعة المستنصرية في بغداد سنة 1981 والتي القى فيها عضو من الحزب بنفسه وسط مؤتمر للوزير طارق عزيز ومعه قنبلة بنية اغتياله. لكن العمل الانتحاري من خلال الاحزمة المفخخة او السيارات المفخخة، يعتبر امرا حديثا، ولعل شهرته تعود اكثر الى العمليات التي كان يقوم بها، ولا يزال، عناصر «حماس» و«الجهاد» ثم انضم اليهم عناصر «فتح»، في فلسطين. وقد شهدت هذه العلميات جدلا كبيرا بين الفقهاء المسلمين بين مجيز ومشجع وبين مانع ومحرم.
منطلق الخلاف الفقهي كان نابعا من اعتبار قتل النفس (الانتحار) عملا محرما بل وشديد التحريم في الاسلام. فقد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (ص) «الذي يخنق نفسه يخنقها في النار، والذي يطعن نفسه يطعنها في النار». لكن صدرت فتوى لمجموعة من العلماء في الأردن بمشروعية العمليات الانتحارية (الاستشهادية) وفتوى جبهة علماء الأزهر في نفس الاتجاه. يقول الدكتور يوسف القرضاوي في مشروعية هذه العمليات «إن هذه العمليات تعد من أعظم أنواع الجهاد في سبيل الله، وهي من الإرهاب المشروع». ويبين القرضاوي أن تسمية العمليات بـ«الانتحارية» تسمية خاطئة ومضللة، فهي «عمليات فدائية بطولية استشهادية».
وأكد محمد سعيد رمضان البوطي، من فقهاء سورية، مشروعية تلك العمليات بالقول «هذه العمليات مشروعة مائة بالمائة». وكان لشيخ الازهر مواقف مختلفة في هذا الخصوص، فقد ابدى تحفظا شرعيا على هذه العمليات، ثم عاد وايدها في رده على طلب رجال الدين اليهود تدخله لمنع العمليات الانتحارية التي ينفذها الفلسطينيون.
اما في السعودية فقد ذهب بعض أشهر الفقهاء الى عدم مشروعية العمليات الانتحارية. قال الشيخ محمد بن عثيمين، احد ابرز الفقهاء السعوديين، والمتوفى قبلَ أحداث 11 سبتمبر (ايلول) 2001، في إجابة له على سؤال حولَ رأيه في العمليات الانتحارية «رأيي في هذا أنه قاتل لنفسه، وأنه سيعذب في جهنم بما قتل به نفسه (...) ومن العجب أن هؤلاء يقتلون أنفسهم مع أن الله نهى عن ذلك وقال (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما). وكثير منهم لا يريدون إلا الانتقام من العدو على أي وجه سواء كان حلالا أو حراما، فهو يريد ان يشفي غليله فقط». (مجلة الدعوة: العدد ـ 1598 ـ 28 صفر 1418 هـ). وكان هذا رأي مفتي السعودية ايضا عبد العزيز آل الشيخ. أما عن أشهر العمليات الانتحارية فيبرز هنا، عملية تفجير السفارة المصرية في اسلام اباد بباكستان بواسطة انتحاري نسب لجماعة الجهاد المصرية يقود سيارة مفخخة في نوفمبر (تشرين الثاني) 1995.
لكن أهم وأضخم عملية انتحارية معاصرة هي عملية 11 سبتمبر (ايلول) التي اقدم فيها 19 انتحاريا على اختطاف طائرات والاصطدام ببرجي التجارة العالمي في نيويورك، وكذلك مبنى البنتاغون في واشنطن وطائرة اخرى في بنسلفانيا. وهناك عدة عمليات انتحارية وقعت في السعودية منها عملية تفجير مجمع الحمراء وغرناطة في الرياض في مايو (ايار) 2003، وكذلك عملية مجمع المحيا في نوفمبر 2003، والتي قام بها انتحاريان سعوديان بواسطة سيارة مفخخة. وكذلك عملية مبنى الأمن العام في حي الوشم وسط العاصمة الرياض والتي قام بها شباب سعودي حديث التدين في ابريل (نيسان) 2004. ويعتبر العمل الانتحاري في السعودية عملا حديثا في مسلسل الارهاب، حيث ان اول عملية ارهابية حديثة كانت في نوفمبر 1995 استهدفت مبنى للحرس الوطني لكن بواسطة وضع سيارات مفخخة دون وجود عنصر بشري داخلها.
وأكثر العمليات الانتحارية اخفاقا في السعودية لجهة عدم تسجيل ضحايا لها، واقتصار الضرر والقتل فيها على منفذيها، كانت عملية استهداف وزارة الداخلية ومبان للتدريب تابعة لها في مستهل سنة 2005 قتل منفذوها الخمسة بواسطة سياراتهم المفخخة.
لكن هذا العمل لم يقتصر على السعودية فقد قام انتحاريون بتنفيذ تفجيرات في ميدان التحرير وخان الخليلي ومتحف التحرير وميادين اخرى في القاهرة، خلال شهري ابريل (نيسان) ومايو (ايار) من هذه السنة، وكان اغرب ما في هذه العمليات اشتراك عناصر نسائية فيها، هما خطيبة الانتحاري رأفت بشندي وشقيقته، واللتان قتلتا بعضهما البعض بعدما حاصرتهما قوات الأمن. وهذا يقود الى مسألة الانتحار عبر قتل النفس دون قصد ايقاع قتلى في صفوف الخصم، وذلك خوفا من الوقوع في قبضة الاعتقال.
واشهر عملية من هذا النوع هي عملية مسجد الصوير في الجوف شمال السعودية يوليو (تموز) 2003 والتي قتل فيها مطلوبون ابرزهم تركي الدندني انفسهم بعدما اشتد الحصار عليهم. ومصدر الغرابة فيها انها كانت عملية انتحارية صرفة لا يوجد فيها مفهوم «النكاية في العدو». لكن اتضح ان هناك ايضا تسويغا وتبريرا دينيا لمثل هذه الاعمال، فقد كان احد المنظرين للارهاب في السعودية (معتقل حاليا منذ اشتداد احداث الارهاب في السعودية) اصدر فتوى تجيز مثل هذا العمل بالاستناد الى سوابق فقهية يعتقد أنها تتطابق مع حالاته الجديدة. فمثلا هناك فتوى بجواز قتل الأسير نفسه لعدم إفشاء الأسرار تحت التعذيب للشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، مفتي السعودية السابق ورئيس القضاة فيها، توفي عام 1969، وكانت جوابا على سؤال من بعض المجاهدين الجزائريين إبان حرب التحرير ضد فرنسا عن مسألة قتل الأسير لنفسه لمنع إفشاء الأسرار للأعداء. قال فيها «جاءنا جزائريون ينتسبون إلى الإسلام يقولون هل يجوز للإنسان أن ينتحر مخافة أن يضربوه بالشرنقة، ويقول أموت أنا وأنا شهيد، مع أنهم يعذبونه بأنواع العذاب؟ فقلنا لهم: إذا كان كما تذكرون فيجوز، ومن دليله (أمنا برب الغلام). وقول بعض أهل العلم (إن السفينة... الخ)». الا ان ابن ابراهيم يبقي شيئا من التحفظ على هذا العمل فيقول «إلا أن فيه التوقف، من جهة قتل الإنسان نفسه، ومفسدة ذلك أعظم من مفسدة هذا فالقاعدة محكمة، وهو مقتول لا محالة». (فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف ال الشيخ، الطبعة الأولى 1399هـ، جمع وترتيب وتحقيق محمد بن عبد الرحمن بن قاسم / فتوى رقم 1479، صفحة 208).
جاء هذا في كتاب هذا المؤلف بعنوان (المختار في حكم الانتحار خوف إفشاء الأسرار) وهو منشور على المواقع الاصولية في الشبكة العنكبوتية، ويبدو أن مؤلف الكتاب لم يجد صورة مطابقة في كتب الفقهاء تعطيه حكما في من يقتل نفسه خشية الوقوع في اسر السلطان فقال «وفي هذا الموضع أقول ليس لنا أن نطالب علماء السلف بتصور جميع المسائل التي قد تحدث أو تجد، سواء في عصرهم أو بعد عصرهم، لكي يضعوا لها أحكاماً شرعية مستنبطة من الكتاب والسنة».
لكنه يواصل ويفصل في أحوال المأسورين ويبين ان الذي يحمل سرا من المأسورين على نوعين فإما أن يكون سرا لا قيمة له ولا يضر بالعمل ولا تستباح بسببه (بيضة) الإسلام فهذا يتحمل ويجوز ان يقع في الاسر كما لا يجوز له قتل نفسه وأما الذي يحمل سرا مهما، كقادة التنظيم، فلا يجوز له تسليم نفسه إذا غلب عليه الظن انه سيفشي هذا السر، بل ينتحر ويعتبر شهيدا عند الله، حسب شرحه. كما استدل بفتوى للاخواني المصري حسن أيوب في كتابه (الجهاد والفدائية في الإسلام. ص 247 ـ 248) من جواز هذا الفعل، حيث قالها فيما يبدو قاصدا الحالة الفلسطينية التي زادت على نصف قرن من الزمان. اذن فالعمل الانتحاري الذي اصبح دمغة اصولية خاصة بالمتشددين الاسلاميين في هذا الوقت يجد له غطاء فقهيا ونماذج واقعية، تزيدها كل عملية انتحارية جديدة، خصوصا مع هذا الانهمار الانتحاري شبه اليومي في العراق.