المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تحقيق في قصة موت الصحابي عمرو بن العاص رضي الله


ابو ضيف الله
17-Nov-2006, 02:22 AM
أولاً: متن القصة:

قال عمرو بن العاص: عجبًا لمن نزل به الموت وعقله معه، كيف لا يصفه؟ فلما نزل به الموت، قال له ابنه عبد الله بن عمرو: يا أبتِ، إنك كنت تقول: عجبًا لمن نزل به الموت وعقله معه كيف لا يصفه فصف لنا الموت وعقلك معك، فقال: يا بني، الموت أجلّ من أن يوصف، ولكني سأصف لك منه شيئًا؛ أجدني كأن على عنقي جبال رضْوَى وأجدني كأن في جوفي شوك السُّلاءِ، وأجدني كأن نفسي يخرج من ثقب إبرةٍ. اه.


ثانياً التخريج

1- القصة أخرجها ابن سعد في "الطبقات الكبرى" (4-448): "الصحابة الذين أسلموا قبل فتح مكة" رقم (443) حيث قال: أخبرنا هشام بن محمد بن السائب الكلبي عن عوانة بن الحكم قال: عمرو بن العاص يقول: "عجبًا لمن نزل به الموت وعقله معه كيف لا يصفه". فذكر القصة.



ثالثاً التحقيق

القصة واهية: والخبر الذي جاءت به القصة "موضوع" فهو كذب مختلق مصنوع وهو مسلسل بالعلل:
1- العلة الأولى: هشام بن محمد بن السائب الكلبي.
أ- قال الإمام الحافظ ابن حبان في "المجروحين" (3-91): "هشام بن محمد بن السائب أبو المنذر الكلبي من أهل الكوفة يروي عن العراقيين العجائب والأخبار التي لا أصول لها، وكان غاليًا في التشيع، أخباره في الأغلوطات أشهر من أن يحتاج إلى الإغراق في وصفها". اه.
قلت: انظر كيف وصل به الغلو إلى أن يأتي بخبر لا أصل له يجعل حالة احتضار الصحابي عمرو بن العاص كحالة احتضار الكفار والفجار.
ب- قال الإمام الحافظ أبو جعفر العقيلي في "الضعفاء الكبير" (4-339-1945): "حدثنا عبدالله بن أحمد، قال: سمعت أبي يقول: هشام بن محمد بن السائب الكلبي مَن يحدث عنه؟ إنما هو صاحب سمر ونسب وما ظننت أن أحدًا يحدث عنه". اه.
ج- قال الإمام الحافظ ابن عدي في "الكامل" (7-110- 9-2026): سمعت ابن حماد يقول: حدثني عبد الله سمعت أبي يقول: هشام بن الكلبي فذكر ما أخرجه العقيلي.
د- أورده الدارقطني في كتابه "الضعفاء والمتروكين" برقم (563) مما يدل على أن هشام بن الكلبي اتفق الأئمة البرقاني، وابن حبان والدارقطني على تركه.
ه- أورده الذهبي في "الميزان" (4-304-9237): حيث أقر قول الإمام أحمد بن حنبل، ونقل عن الدارقطني وغيره: أنه متروك. وقال ابن عساكر: رافضي ليس بثقة.
و- وأقر الحافظ ابن حجر في "اللسان" (6-237- 81-8937) قول أحمد في هشام بن الكلبي: "ما ظننت أن أحدًا يحدث عنه". وقول الدارقطني وغيره: إنه متروك وقول ابن عساكر: "إنه رافضي، ليس بثقة".
الرافضة وأثرهم السيئ في الحديث

قلت: بهذا يتبين أسباب وضع هذه القصة من هذه العلة التي كشفت عن هشام بن محمد بن السائب الكلبي، حيث تبين أنه كان غاليًا في التشيع، حتى قال ابن عساكر: إنه رافضي، فنجد الإمام ابن الجوزي في "الموضوعات" (1-38) وهو يبين دواعي الوضع وأصناف الوضاعين قال: "القسم الثالث: قوم كانوا يقصدون وضع الحديث نصرة لمذهبهم".

قلت: بيَّن ذلك السخاوي في "فتح المغيث" (1-300)، ثم ذكر الرافضة، ثم قال: "الرافضة فرق متنوعة من الشيعة وانتسبوا كذلك لأنهم بايعوا زيد بن علي، ثم قالوا له: تبرأ من الشيخين، فأبى، وقال: كانا وزيري جدي صلى الله عليه وسلم ، فتركوه ورفضوه". اه.

العلة الأخرى: عوانة بن الحكم
وهو عوانة بن الحكم بن عوانة بن عياض الإخباري الكوفي الذي نقل عنه هشام بن الكلبي هذه القصة.
أ- أورده ابن عراق في "تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة" من بين أسماء الوضاعين والكذابين في الفصل الأول الذي ابتدأ به كتابه هذا مرتبًا على حروف المعجم تحت حرف العين المهملة رقم (370)، ثم قال: "عوانة بن الحكم قيل: كان عثمانيًّا وكان يضع الأخبار لبني أمية".
قلت: وقدّم لهذا الفصل في "تنزيه الشريعة" (1-17) فقال: "فصل في سرد أسماء الوضاعين والكذابين ومن كان يسرق الأحاديث ويقلب الأخبار ومن اتهم بالكذب والوضع من رواة الأخبار ملخصًا من الميزان والمغني وذيله للحافظ الذهبي ولسان الميزان للحافظ ابن حجر مع زوائد من موضوعات ابن الجوزي مرتبًا على حروف المعجم". اه.

قلت: بالرجوع إلى "لسان الميزان" (4-446- 2024-6375).
قال الحافظ ابن حجر: "عوانة بن الحكم كان أبوه عبدًا خياطًا وأمه أمة وهو كثير الرواية عن التابعين، قلّ أن روى حديثًا مسندًا، كان عثمانيًا فكان يضع الأخبار لبني أمية، مات سنة ثمان وخمسين ومائة". اه.
من هذا التحقيق يتبين أن سند هذا الخبر تالف.
علة ثالثة: وهي السقط في السند. تظهر من قول هشام بن الكلبي عن عوانة بن الحكم قال: "عمرو بن العاص يقول...".

قلت: فصيغة الأداء تدل على السقط في الإسناد، فلم يقل عوانة بن الحكم: "سمعت عَمْرًا"، وهي طريقة التحمل للسماع ولم يقل: "أخبرني" للقراءة ولم يقل: "أنبأني" للإجازة، وأنى له أن يشهد احتضار عمرو رضي الله عنه، بل وقد لا يدرك ذلك، حيث قال الحافظ ابن كثير في "البداية والنهاية" (8-392): "ثم دخلت سنة ثلاث وأربعين.. وممن توفي فيها عمرو بن العاص... على المشهور".

قلت: ثم انظر إلى قول الحافظ ابن حجر أن عوانة بن الحكم مات سنة ثمان وخمسين ومائة بفارق بين الوفاتين (115) سنة، فكيف يحدث عنه هذا الوضاع إلا إذا كان عمره أكبر من ذلك الفارق بكثير.
"وكانت وفاته ليلة عيد الفطر سنة ثلاث وأربعين للهجرة، فدفن بجوار المقطم".
انظر "تاريخ مصر" لابن عبد الحكم (ص310)، فأين عوانة الكوفي الوضاع وقد بَعُد الزمان والمكان فسقط الإسناد، فالخبر تالف، والمتن مصنوع، وهذا ما صنعته الفتنة في وضع الأخبار. وفي وسط هذه الفتن التي كقطع الليل المظلم ظهر علم الإسناد الذي محى الله به ظلمات الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وصار خصيصة لهذه الأمة.

فقد أخرج مسلم في "مقدمة الصحيح" باب "بيان أن الإسناد من الدين" (1-8) حيث قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن الصباح، حدثنا إسماعيل بن زكريا عن عاصم الأحول عن ابن سيرين قال: "لم يكونوا يسألون عن الإسناد فلما وقعت الفتنة قالوا: سموا لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم". اه.




القصة الصحيحة لموت عمرو بن العاص رضي الله عنه

فقد ثبت في "صحيح مسلم" (ح192)- كتاب الإيمان- باب "الإسلام يهدم ما قبله وكذا الحج والهجرة" من حديث ابن شماسة المَهْري قال: "حضرنا عمرو بن العاص وهو في سياقة الموت، فبكى طويلاً وحول وجهه إلى الجدار فجعل ابنُه يقول: يا أبتاه، أما بشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا، أما بشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا؟ قال: فأقبل بوجهه فقال: إن أفضل ما نُعِد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، إني قد كنت على أطباق ثلاثٍ: لقد رأيتني وما أحدٌ أشدّ بغضًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم مني، ولا أحب إليّ أن أكون قد استمكنت منه فقتلته فلو مُت على تلك الحال لكنت من أهل النار.
فلما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: ابسط يمينك فلأبايعك، فبسط يمينه قال: فقبضت يدي، قال: "ما لك يا عمرو؟" قال: قلت: أردتُ أن أشترط. قال: "تشترط بماذا؟" قلت: أن يُغْفَر لي. قال: "أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله". وما كان أحد أحبّ إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أجلَّ في عيني منه، وما كنت أُطيق أن أملأَ عيني منه إجلالاً له، ولو سُئلت أن أصفه ما أطَقْتُ لأني لم أكن أملأ عيني منه، ولو مُت على تلك الحال لرجوت أن أكون من أهل الجنة، ثم وَلِينَا أشياءَ ما أدري ما حالي فيها، فإذا أنا مُت فلا تَصْحَبْني نائحةٌ، ولا نارٌ، فإذا دفنتموني فشنوا عليَّ التراب شنًا، ثم أقيموا حول قبري قدر ما تُنحر جزور ويُقسم لَحْمُها حتى أسْتَأْنِسَ بكم، وأنظر ماذا أراجع رسلَ ربي". اه.

قلت: هذا ما صح في قصة احتضار الصحابي عمرو بن العاص رضي الله عنه والذي شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه مؤمن.

المصـدر (باختصار)
http://www.altawhed.com/Detail.asp?InNewsItemID=98962