المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أسماء العـرب بين الماضي والحـاضر


ابو ضيف الله
09-Sep-2006, 12:43 AM
ابتسام مرهون الصفار




إن من يتابع أسماء الأشخاص عند العرب قديمها وحديثها، يقف على طرائف ماتعة، وأخبار منوعة، ودلالات فكرية مختلفة، ويمكننا القول: إن الكثير من الإسماء تدل على العصر الذي ينتمي إليه الشخص غالباً، أو ربما المدينة التي ينتسب إليها.

وقد حفلت كتب التراث بأسماء أشخاص كان فيها الكثير من دلالات الخشونة مثل حجر، وصخر، أو صفا، أو مروة، أو أسماء في الأصل مسميات لحيوانات سمي بها بشر، مثل أسد، وليث، وضرغام، وذيب، وقد اندثرت بعض هذه الاسماء، واستمر الكثير منها، وفق انتشارها في البيئات العربية أو شيوعها في البيئات الحضرية بعد أن صار الاسم مستساغاً عند الحضريين مثل ليث، وأسامة، وفهد، ونمر.


تعليل بعض المسميات

لقد علل الجاحظ أسباب هذه التسميات فقال:

والعرب إنما تسمي بكلب، وحمار، وحجر، وحنظلة، على التفاؤل بذلك. وكان الرجل إذا ولد له ذكر خرج خارج داره، فإن سمع إنساناً يقول حجراً، أو رأى حجراً يسمي ابنه به، وتفاءل فيه الشدة والصلابة والبقاء، والصبر، وأنه يحطم ما يلقى، وكذلك إن سمع إنساناً يقول: ذئباً، أو رأى ذئباً تأول الفطنة والمكر، والكسب، وإن رأى حماراً تأول فيه طول العمر والوقاحة والقوة والجلد. وإن رأى كلباً تأول فيه الحراسة واليقظة أو غير ذلك(1).

وذكر الآلوسي بعد متابعته لاسماء العرب بأن غالب اسمائهم منقولة عما يدور في خزانة خيالهم مما يخالطونه ويجاورونه(2).

وقد حاول أحد الباحثين أن يجد تفسيراً لاسماء العرب هذه، فرأى أنها ليست أسماءً، بل هي ألقاب، لوحظ في أصحابها التشابه بينهم وبين الحيوان(3).

ولم نجد لهذا الرأي أساساً من الصحة في مصادرنا القديمة، ثم إن المقارنة بين المولود الجديد، وغيره من الحيوانات تكاد أن تكون مستحيلة، لأن هذا الشبه لا يمكن أن يميز إلا بعد أن يشب الطفل، ويكبر، وتستقر بعض ملامحه.

وحين أشرق الإسلام بنوره، شهد العرب نقلة جديـدة في حياتهم، وكـان نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- خير موجه للمسلمين في عقيدتهم وسلوكهم، وفي ما يخص الأسماء، وجدناه -عليه الصلاة والسلام- المثل الأعلى للذوق الراقي، وحسن الخلق، والتعامل الرائع مع النفس الإنسانية، لأن الأسماء تترك أثرها الكبير في نفوس أصحابها إذا سموا بأسماء يخجلون منها، أو قد تنفر الناس منهم إن كانت قبيحة، لذلك دعا الرسول -صلى الله عليه وسلم- المسلمين إلى اختيار الاسماء الحسنة لأبنائهم، وكان -صلى الله عليه وسلم- نفسه يتفاءل إذا سمع الاسم الجميل.

لقد روي عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يحب الفأل الصالح، والاسم الصالح»(4).

وذكـــر أنه حين نــزل المدينة سمع من ينادي غــلامين لــه: يا بشار، يا ســالم، فقـــال لأبـــي بكر-رضي الله عنه- أبشـــر يا أبا بكر، فقد سلمت لنا الدار(5).

وذكر أيضاً أنه -عليه الصلاة والسلام- كان إذا بعث عاملاً سأل عن اسمه، فإذا أعجبه اسمه، فرح به، ورُئي بشر ذلك في وجهه. وإن كره اسمه رُئي كراهية ذلك في وجهه(6).

والملاحظ أن نبينا محمداً -صلى الله عليه وسلم- لم يتشاءم في حال كراهيته لاسم العامل أو القرية، ولم يغير موقفه أو قراره، وإنما هو مجرد انطباع وشعور بالراحة أو عدم الارتياح. وهذا دليل شفافية روحه، وذوقه العالي -صلى الله عليه وسلم- في تذوق الألفاظ والمسميات.

من هنا أيضاً وجدنا الرسول -صلى الله عليه وسلم- يعمد إلى تغيير بعض الأسماء إن لم تكن جميلة، أو إذا وجدها غير لائقة برجل مسلم أو امرأة مسلمة. فقد روي أن مريم بنت جحش، أو زينب بنت أم سلمة ربيبة النبي -صلى الله عليه وسلم كان اسمها برَة، فقيل: تزكي نفسها! لأن لفظ برَه مشتق من البرَ وهو الخير والصلاح، فسماها الرسول صلى الله عليه وسلم زينب.

وقد وقع مثل هذا لجويرية بنت الحارث -رضي الله عنها-، وكان اسمها برَه أيضاً(7).

وحدثوا عن زينب بنت أبي سلمة نفسها تأكيداً لهذا الخبر، أنها سألت محمد بن عمرو بن عطاء: ما سميت ابنتك: قال برَة. قالت: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن هذا الاسم. قال: «لا تزكوا أنفسكم، الله أعلم بأهل البر منكم».

وروي أنه -صلى الله عليه وسلم- سأل رجلاً من حنين عن اسمه فقال: غراب، فقال له: أنت مسلم(8).

وقد علق ابن قتيبة على هذا الخير بأنه -عليه الصلاة والسلام- كره أن يكون اسم مسلم غراباً، لفسق الغراب، ومعصيته، فسمّاه مسلماً(9).

ولعل تعليل ذلك أنه عليه الصلاة والسلام أراد أن يوجه المسلمين في كل مظهر من مظاهر حياتهم وجهة إسلامية، ويبعدهم عن كل ما يتعلق بالجاهلية خلقاً، وسلوكاً.

ومن ذلك ما روته أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- من أن عجوزاً قدمت على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال لها: من أنت؟ قالت: أنا جشامة المدينة. فقال -صلى الله عليه وسلم-: بل أنت حسّانة المدينة، كيف حالكم؟ كيف كنتم بعدنا؟ فقالت: بخير. بأبي أنت وأمي يا رسول الله.

هذه الرواية لا تدل على تغيير الرسول -صلى الله عليه وسلم- اسم المرأة قدر ما تدل على ملاطفته لها، لأنها كانت - كما يقول- (تأتينا أيام خديجة وأن حسن العهد من الإيمان).

وروى عن سعيد بن المسيب أن جده قدم إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال له: ما اسمك؟ قال: حَزْن. قال: بل أنت سهل. قال: ما أنا مغيّر اسماً سمّانيه أبي. قال ابن المسيب: فما زالت فينا الحزونة(10).

وهذا يعني أن التغيير لم يكن على وجه المنع من التسمي بالقبيح، بل على وجه الاختيار، فيجوز تسمية القبيح بحسن، والفاسق بالصالح، لأنه -صلى الله عليه وسلم- لم يلزم حزناً أن يغير اسمه. ولو كان الأمر ملزماً لما امتنع الرجل عن تغيير اسمه.

وهناك توجيهات صريحة لاختيار الاسماء، فقد ذكر أنه -عليه الصلاة والسلام- قال: خير الاسماء: عبدالله، وعبدالرحمن، وأصدق الأسماء: همام، والحارث، وشر الأسماء: حرب، ومرة(11). وبذلك شاع تعبير: «خير الأسماء ما حمّد وعبّد».

وورد في سلسلة الأحاديث الصحيحة مثل هذا(12)، وبفضـل توجيهـات الرسول -صلى الله عليه وسلم- والتطور الحضاري الذي شهده المجتمع، تغير كثير من الأسماء، وقل استعمالها، وشاعت مكانها أسماء تدل على دلالات فكرية وعقدية، فكانت أكثر الأسماء شيوعاً محمد وأحمد ومحمود، وتلتها أسماء وأعلام لها مكانتها الدينية والفكرية، كعلي، وحسين ، وعثمان وعمر وخالد.

وفهم المسلمون أن اختيار اسم صالح للولد هو أولى مهمات وواجبات الوالد تجاه أولاده، فقد ورد عن الإمام علي بن أبي طالب قوله: إن للولد على الوالد حقاً، وإن للوالد على الولد حقاً. فحق الوالد على الولد أن يطيعه في كل شيء إلا في معصية الله سبحانه وتعالى، وحق الولد على الوالد أن يُحسَن اسمه، ويحسن أدبه، ويعلمه القرآن(13).

وروي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أيضاً قوله: من حق الولد على الوالد أن يحسَن اسمه، ويحسَن أدبه.

وروي أيضاً عن الخليفة عمر نفسه -رضي الله عنه-، أنه أراد أن يستعين برجل على أمر فسأله عن اسمه، واسم أبيه فقال: ظالم بن سراق، فقال: عمر: تظلم أنت ويسرق أبوك؟ ولم يستعن به(14).

وقد ردَ القاضي شريح الكندي شهادة رجل حين علم أنه يدعى أبَا الكويفر، قائلاً: لو كنت عدلاً لم ترض بهذا.

ووفق هذا التوجه نفهم شيوع اسم محمد، وأسماء الأنبياء بين العرب والمسلمين حتى شاعت تسمية الابن البكر محمداً، تيمناً بالرسول -صلى الله عليه وسلم- وقد روي عن علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم: إذا سميتم الولد محمداً، فأكرموه، ووسَعوا له في المجلس ولا تقبَحوا له وجهاً(15).

الحذر من الأسماء ذات المعاني القبيحة

أما الأسماء التي تحمل دلالاتها معاني قبيحة، فإننا نجد عند الشعراء طرائف في توجيه ما تحمله هذه الاسماء من مفارقاتها. فقد قيل إن رجلاً كان اسمه كلباً، وكان له كلب سماه عمراً، فقال أحد الشعراء يجمع في هذه المفارقة الطريفة:


لو هيّا له الله =من التوفيق أسبابا

لسمّى نفسه عمراً =وسمّى الكلب وثابا

وعلى هذا الأساس كانت الأسماء القبيحة منطلقاً ينطلق منه الشعراء لهجاء أصحابها. يقول أبو نواس ذاكراً قبح أسماء قوم دون أن يذكرها مكتفياً بوصفها بالقبح والشناعة:


شُنع الأسامي مسبلي أزر =حمر تمشْي الأرض بالهدب

****


اختيار اسماء البنات

أما أسماء البنات فقد اعتاد العرب اختيار أجمل الأسماء لهن، لأن البنات لأهلهن ولأزواجهن فيما بعد. وأما الرجال فللأعداء. هكذا كانوا يفكرون، ويختارون. كما أن اختيار الاسم الرقيق للبنت ينسجم مع طبيعتها، ومهماتها، وكذا رأوا وجوب اختيار الاسم الذي ينسجم مع الذكر ومهماته.

لقد بقيت دلالة أسماء البنات جميلة ورقيقة في المجتمعات العربية الإسلامية، ففاطمة وسعاد وسلمى، وهند، ودعد، ولبنى، وهالة مسميات عاشت عبر العصور، وتغزل بها الشعراء، وذكروهن في أشعارهم حتى إذا ذكر الشاعر اسم فتاة ثقيل عابوا عليه ذلك.

لقد عابوا على جرير الشاعر الأموي ذكر اسم امرأة سماها (بوزع)، لأنه ثقيل وغير محبب، ولا يليق ذكره في الشعر. ذكروا أن جريراً لما أنشد سليمان بن عبدالملك قصيدته:


ظعن الخليط برامتين فودعوا =أو كلما ظعنوا لبين تجزع

أطربه عذوبة النسب وأقبل عليه حتى قال:


وتقول بوزع قد دببت على العصا =هلا هزأت بغيرنا يا بوزع

فانكسر نشاط الخليفة. وقال: أفسدت شعرك بهذا الاسم.

ونقول لو قرأنا البيت في سياقه العام عرفنا اختيار جرير اسم بوزع للمرأة، وأنه تقصد ذلك. لقد كانت هذه المرأة فعلاً ثقيلة الظل، فحق لجرير أن يختار لها هذا الاسم الثقيل، أنها تهزأ منه، لأنه كبر وتقدمت به السن، حتى اضطر أن يستعين في مسيره بالعصا، يتوكأ عليها، لقد هزأت من سيره وشكله، فحقّ له أن يختار لها هذا الاسم الثقيل، ليتساوق مع ثقل تصرفها، وحديثها الموجع معه.


تأثير الغرب على أسمائنا

وفي منتصف القرن الماضي التفت كثير من العوائل إلى الأسماء الأوروبية خاصة أسماء البنات تأثراً بالقصص المترجمة أو الأفلام المشاهدة أو الاختلاط بالدول الأوروبية دراسة ورحلة وسياحة. فشاعت أسماء مثل لارا، وريتا، وليزا، وديانا، وجون، ودكسون وغيرها من الأسماء. لكن عودة الوعي الديني أعادت المسميات القديمة إلى ألقها، أو جعلت الآباء يعودون إلى التراث اللغوي يستقون منه أسماءً جديدة عربية جميلة لم تكن شائعة من قبل، وعادت إلى صحيفة الأسماء أسماء عربية لها دلالاتها التاريخية... اختفت سنوات وعادت -كما قلنا- إلى ألقها المعروف لتصبح ظاهرة واضحة في مسميات الأجيال المتأخرة من البنات مع مسميات الأبناء المتداولة الخفيفة المحببة.

هناك أسماء متداولة لها دلالات مرحلية، أو تاريخية، أو ربما فنية مثل تسمية البنات بأسماء ملكات، أو أميرات، أو ممثلات مثل عالية، ثريا، وماجدة، وفاتن. وشاعت في سنوات المقاومة ضد الاحتلال والقوى الاستعمارية أسماء مجاهد، ومناضل، وجهاد وكفاح والأخير أطلق على الفتيات أيضاً، فضلاً عن أسماء مثل غزوة، ونضال، وإصلاح، وعربية، وعروبة، وإسلام... إلخ.

وتستمر مسؤولية الأهل في اختيار اسماء الأبناء والبنات في أولى المسؤوليات لأنها تدل على ثقافتهم، وأذواقهم وتترك أثرها الكبير في نفسية الأبناء والبنات، حتى يشبون ويكبرون، أو ربما يتوارون حياءً وخجلاً من أسمائهم، إذا كانت ثقيلة أو بشعة ونودوا بها على ملأ من الناس.



الهوامش:

(1) الحيوان/ الجاحظ، أبو عثمان عمرو بن بحر، تحقيق عبدالسلام هارون، مطبعة مصطفى البابي الحلبي 1945م، 1/324.
(2) بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب للألوسي 2/124.
(3) المستطرف 2/399.
(4) معجم الأدباء 6/112.
(5) شرح نهج البلاغة 1/37.
(6) تاريخ الطبري 3/45.
(7) غريب الحديث لابن قتيبة 107.
(8) ربيع الأبرار 2/452.
(9) سلسلة الأحاديث الصحيحة 3/33، 34.
(10) سلسلة الأحاديث الصحيحة.
(11) شرح نهج البلاغة تحقيق محمد عبده 770 - 771.
(12) عيون الأخبار 1/184.
(13) الشعر والشعراء 17.
(14) ربيع الأبرار 2/452.
(15) ربيع الأبرار 2/454.


المصــدر
http://www.arabicmagazine.com/inner2.asp?order=3&num=5357

الأمــير
09-Sep-2006, 02:21 AM
لاهنت على الموضوع المميز

متعب العصيمي
09-Sep-2006, 03:36 AM
يعطيك العافيه على الطرح المفيد والجميل
ولاهنت وبيض الله وجهك ;;;
تحياااااااااتي

ذيب السبايا
09-Sep-2006, 05:03 PM
ماتقصر ونبي منك المزيد

اخوكم مشعل
09-Sep-2006, 09:45 PM
لاهنت على الموضوع الرااااائع