(( المقاطي ))
27-May-2006, 02:40 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخوة الأعزاء تحية طيبة ...... وبعد:
لا يخفى كليكم معشر القراء الكرام ما يوجد في أدبنا العربي القديم من درر نفيسة ,
وقصص غاية في الجمال , وروعة في الأسلوب , تحث على مكارم الأخلاق , وتنهي عن سيئها ,
لأكنها وللأسف مبثوثة في ثنايا الكتب والمطولات , والتي يعجزنا الصبر على طولها ,
ولاننا الآن في زمن السرعة , وعصر الانتر نت , وزمن تسلط فيه الأعلام الهابط على الساحة الفكرية ,
فلم نعد نسمع عن مثل هذه الروائع من أدبنا العربي القديم في عصر السرعة والأعلام الساقط .
وقد وقع في يدي كتاب جميل اسمه (( المختار من نوادر الأخبار )) للمقري المتوفى سنة:1041هـ
وسوف انتخب لكم منه بعض القصص التي فيها من العبر والدروس ما يطرب له الناظر, ويتلذذ له القارئ ,
واختصارها قدر الإمكان , مع عدم المساس بمحتواها الأدبي ,
وستكون بأذن الله تعالى على حلقات منفصلة ترى النور تباعاً ,
ارجوا أن تنال إعجاب الجميع , وان لا تكون ثقيلة على نفس القارئ الكريم .
اخوكم: (( المقاطي ))
( 2 )
(((.... جابر عثرات الكرام ....)))
كان في زمن خلافة سليمان بن عبد الملك رجل يقال له (( خزيمة بن بشر الأسدي ))
وكان مقيماً في الرقة , وكان له مروءة ظاهرة , وبرّ كثير بالإخوان, وكرم مشهور ,
لم يزل على تلك الحالة حتى قعد به دهره , وألحّ عليه الفقر ,فواساه إخوانه قليلاَ ثم ملّوه ,
فلمّا لاح له تغيّرهم أختار لزوم بيته , وأغلق بابه .
فجرى ذكره يوماً في مجلس عكرمة بن ربيعي الفياض ( وكان من الشجعان الأجواد )
فقال: أو ما كان لخزيمة من يكافئه على مروءته , ويسد خلته, فأمسك عن الحديث ,
فلمّا خلا المجلس , ومضى من الليل جانب , قام عكرمة إلى كيس فجعل فيه أربعة آلاف دينار ,
ثم أمر بدابته فأسرجت , وخرج سرّاً من أهله , ثم سار حتى أتى قريب من بيت خزيمة ,
فنزل عن دابته وأخذ الكيس , وتقدم إلى باب خزيمة وقرع الباب , فلما فتح خزيمة الباب ,
ناوله الكيس وهمّ بالانصراف ,
امسكه خزيمة وقال : من أنت ؟
فقل : ما جئتك في هذا الوقت وأريد أن يعرفني احدّ .
فقل خزيمة : لا بدّ من ذلك فعرّفني بنفسك .
فقل : أنا (((.... جابر عثرات الكرام ....))) ثم تركه ومضى .
أخذ خزيمة الكيس , ودخل بيته , فلما رجع عكرمة إلى منزله وجد زوجته في أسوأ حال ,
لأنها ظنّت أنه جرى إلى زوجةٍ غيرها , أو إلى جارية اشتراها , فقل لها يا هذه قري عيناً ,
فو الله ما خرجت إلى شيءٍ من ذلك , وإنما أردت فعل شيئاً لا يعلمه إلا الله ,
فما زالت به حتى اعلمها بالخبر .
ثم إن خزيمة بن بشر أصلح شأنه , واشترى له ثياباً فاخرة , ومركوباً حسناً ,
وتجهز وسار إلى سليمان بن عبد الملك , وكان يومئذ في فلسطين وكان به عارفاً ,
فلما دخل عليه قال له : ما أبطأك عنّا يا خزيمة ؟
فقال : سوء الحال , يا أمير المؤمنين .
قال : فما منعك من النهوض إلينا ؟
فقال : قلة ذات اليد .
قال : فما أراك إلا بخير وفي أحسن حال وأجمل هيئة !!!
فقال : إن صورة حالي عجيبة يا أمير المؤمنين , ثم قصّ عليه خبره , من أوله إلى آخره .
فاهتزّ سليمان لذلك , وقال من هو (((.... جابر عثرات الكرام ....))) ؟؟!
وجعل يكرّرها , ثم قال : والله اشتقت إلى صاحب هذا الاسم , ولو عرفته لكافأته على مروءته
وفعله هذا الجميل معك , فلله درّه ما أحسن فعله وما أوفر عقله .
ثم دعا سليمان بالكتاب وعقد لخزيمة الولاية على مدينة الرقة والحيرة ,
وهو العمل الذي كان بيد عكرمة , وأمره أن يقبض على ماله ويحتاط عليه ويحاسبه.
فخرج خزيمة يريد الرقة فلمّا قرب إليها خرج إليه عكرمة يتلقّاه ومعه وجوه الناس , فتلقاه ,
واحسن استقباله , دخل خزيمة الرقة , وأتى إلى دار الإمارة ,
فلمّا أراد عكرمة الانصراف منعه خزيمة ووكّل به من يحتفظ عليه ,
وأمر بإحضار المال الذي تحت يده بكامله , وعمل الحساب .
فلمّا حوسب فضل عليه شيء كثير , فبعث به إلى السجن . وثقّله بالحديد ,
فأقام ثلاثة أيام في أسوأ حال .
فلمّا مضّه ذلك أرسل إلى زوجته وهي ابنة عمه , وقال لها : امضي إلى خزيمة وعرفيه بأمري .
فتوجّهت إليه وقالت له بئس ما جازيت به (((.... جابر عثرات الكرام ....))) يا خزيمة !!
فلمّا سمع منها هذا الكلام دهش عقله , وطار لبه ,
وجعل يصيح ويقول : وسوأتاه , وخجلتاه , وفضيحتاه
من الله تعلى ثم من (((.... جابر عثرات الكرام ....))) ومن أمير المؤمنين .
ثم قام من وقته ما شياً , ودخل إليه في سجنه , ورمى بنفسه عليه , وجعل يقبّل يديه ,
ويعتذر له , وأقسم بالله إنه ما عرفه , ثم أخرجه , ودخل به الحمّام
وأمر بإحضار جميع ما يحتاج إليه من ثياب وطيب ودواب , فألبسه واركبه ,
وخرج به من يومه متوجّهاً به إلى سليمان بن عبد الملك فوصل إليه فلمّا استأذن عليه الحاجب ,
فأمر بدخوله عليه فلمّا رآه قال : له ما أقدمك علينا سريعاً بغير إذن ؟
قال: يا أمير المؤمنين , ظفرت (((.... جابر عثرات الكرام ....))) .
قال : أو عرفته ؟
قال : نعم .
قال : من هو ؟؟
قال : إنه عكرمة الفياض الذي وليتني عليه .
فقال : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم , بئس ما جازيناه عن فعله ومروءته !
ثم أذن لعكرمة فدخل
فقال له سليمان : بئس ما جازيناك به عن كرمك وجودك يا عكرمة , وبئس ما فعل خزيمة .
فقال عكرمة : يا أمير المؤمنين معذور ونصيحة أمير المؤمنين أحب إليه .
فقل له سليمان : إن اصطناع المعروف لا يكاد يخفى ولا يضيع .
ثم أمر لعكرمة بمال جزيل وسامحه بما كان وجب عليه من المال ,
وعقد لهما الولاية على الرقة والحيرة وأضاف إليهما من الأعمال إقليماً كبيراً.
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أنتهى من كتاب المختار من نوادر الأخبار (بتصرف )
لشمس الدين محمد بن أحمد المقرّي المتوفى عام1041هـ
لقراءة الجزاء الأول اضغط هنـــــــــــــــــــأ (http://www.alhaila.net/m/showthread.php?t=26182)
أخوكم: (( المقاطي ))
للمراسلة: storm_sos@hotmail.com
الأخوة الأعزاء تحية طيبة ...... وبعد:
لا يخفى كليكم معشر القراء الكرام ما يوجد في أدبنا العربي القديم من درر نفيسة ,
وقصص غاية في الجمال , وروعة في الأسلوب , تحث على مكارم الأخلاق , وتنهي عن سيئها ,
لأكنها وللأسف مبثوثة في ثنايا الكتب والمطولات , والتي يعجزنا الصبر على طولها ,
ولاننا الآن في زمن السرعة , وعصر الانتر نت , وزمن تسلط فيه الأعلام الهابط على الساحة الفكرية ,
فلم نعد نسمع عن مثل هذه الروائع من أدبنا العربي القديم في عصر السرعة والأعلام الساقط .
وقد وقع في يدي كتاب جميل اسمه (( المختار من نوادر الأخبار )) للمقري المتوفى سنة:1041هـ
وسوف انتخب لكم منه بعض القصص التي فيها من العبر والدروس ما يطرب له الناظر, ويتلذذ له القارئ ,
واختصارها قدر الإمكان , مع عدم المساس بمحتواها الأدبي ,
وستكون بأذن الله تعالى على حلقات منفصلة ترى النور تباعاً ,
ارجوا أن تنال إعجاب الجميع , وان لا تكون ثقيلة على نفس القارئ الكريم .
اخوكم: (( المقاطي ))
( 2 )
(((.... جابر عثرات الكرام ....)))
كان في زمن خلافة سليمان بن عبد الملك رجل يقال له (( خزيمة بن بشر الأسدي ))
وكان مقيماً في الرقة , وكان له مروءة ظاهرة , وبرّ كثير بالإخوان, وكرم مشهور ,
لم يزل على تلك الحالة حتى قعد به دهره , وألحّ عليه الفقر ,فواساه إخوانه قليلاَ ثم ملّوه ,
فلمّا لاح له تغيّرهم أختار لزوم بيته , وأغلق بابه .
فجرى ذكره يوماً في مجلس عكرمة بن ربيعي الفياض ( وكان من الشجعان الأجواد )
فقال: أو ما كان لخزيمة من يكافئه على مروءته , ويسد خلته, فأمسك عن الحديث ,
فلمّا خلا المجلس , ومضى من الليل جانب , قام عكرمة إلى كيس فجعل فيه أربعة آلاف دينار ,
ثم أمر بدابته فأسرجت , وخرج سرّاً من أهله , ثم سار حتى أتى قريب من بيت خزيمة ,
فنزل عن دابته وأخذ الكيس , وتقدم إلى باب خزيمة وقرع الباب , فلما فتح خزيمة الباب ,
ناوله الكيس وهمّ بالانصراف ,
امسكه خزيمة وقال : من أنت ؟
فقل : ما جئتك في هذا الوقت وأريد أن يعرفني احدّ .
فقل خزيمة : لا بدّ من ذلك فعرّفني بنفسك .
فقل : أنا (((.... جابر عثرات الكرام ....))) ثم تركه ومضى .
أخذ خزيمة الكيس , ودخل بيته , فلما رجع عكرمة إلى منزله وجد زوجته في أسوأ حال ,
لأنها ظنّت أنه جرى إلى زوجةٍ غيرها , أو إلى جارية اشتراها , فقل لها يا هذه قري عيناً ,
فو الله ما خرجت إلى شيءٍ من ذلك , وإنما أردت فعل شيئاً لا يعلمه إلا الله ,
فما زالت به حتى اعلمها بالخبر .
ثم إن خزيمة بن بشر أصلح شأنه , واشترى له ثياباً فاخرة , ومركوباً حسناً ,
وتجهز وسار إلى سليمان بن عبد الملك , وكان يومئذ في فلسطين وكان به عارفاً ,
فلما دخل عليه قال له : ما أبطأك عنّا يا خزيمة ؟
فقال : سوء الحال , يا أمير المؤمنين .
قال : فما منعك من النهوض إلينا ؟
فقال : قلة ذات اليد .
قال : فما أراك إلا بخير وفي أحسن حال وأجمل هيئة !!!
فقال : إن صورة حالي عجيبة يا أمير المؤمنين , ثم قصّ عليه خبره , من أوله إلى آخره .
فاهتزّ سليمان لذلك , وقال من هو (((.... جابر عثرات الكرام ....))) ؟؟!
وجعل يكرّرها , ثم قال : والله اشتقت إلى صاحب هذا الاسم , ولو عرفته لكافأته على مروءته
وفعله هذا الجميل معك , فلله درّه ما أحسن فعله وما أوفر عقله .
ثم دعا سليمان بالكتاب وعقد لخزيمة الولاية على مدينة الرقة والحيرة ,
وهو العمل الذي كان بيد عكرمة , وأمره أن يقبض على ماله ويحتاط عليه ويحاسبه.
فخرج خزيمة يريد الرقة فلمّا قرب إليها خرج إليه عكرمة يتلقّاه ومعه وجوه الناس , فتلقاه ,
واحسن استقباله , دخل خزيمة الرقة , وأتى إلى دار الإمارة ,
فلمّا أراد عكرمة الانصراف منعه خزيمة ووكّل به من يحتفظ عليه ,
وأمر بإحضار المال الذي تحت يده بكامله , وعمل الحساب .
فلمّا حوسب فضل عليه شيء كثير , فبعث به إلى السجن . وثقّله بالحديد ,
فأقام ثلاثة أيام في أسوأ حال .
فلمّا مضّه ذلك أرسل إلى زوجته وهي ابنة عمه , وقال لها : امضي إلى خزيمة وعرفيه بأمري .
فتوجّهت إليه وقالت له بئس ما جازيت به (((.... جابر عثرات الكرام ....))) يا خزيمة !!
فلمّا سمع منها هذا الكلام دهش عقله , وطار لبه ,
وجعل يصيح ويقول : وسوأتاه , وخجلتاه , وفضيحتاه
من الله تعلى ثم من (((.... جابر عثرات الكرام ....))) ومن أمير المؤمنين .
ثم قام من وقته ما شياً , ودخل إليه في سجنه , ورمى بنفسه عليه , وجعل يقبّل يديه ,
ويعتذر له , وأقسم بالله إنه ما عرفه , ثم أخرجه , ودخل به الحمّام
وأمر بإحضار جميع ما يحتاج إليه من ثياب وطيب ودواب , فألبسه واركبه ,
وخرج به من يومه متوجّهاً به إلى سليمان بن عبد الملك فوصل إليه فلمّا استأذن عليه الحاجب ,
فأمر بدخوله عليه فلمّا رآه قال : له ما أقدمك علينا سريعاً بغير إذن ؟
قال: يا أمير المؤمنين , ظفرت (((.... جابر عثرات الكرام ....))) .
قال : أو عرفته ؟
قال : نعم .
قال : من هو ؟؟
قال : إنه عكرمة الفياض الذي وليتني عليه .
فقال : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم , بئس ما جازيناه عن فعله ومروءته !
ثم أذن لعكرمة فدخل
فقال له سليمان : بئس ما جازيناك به عن كرمك وجودك يا عكرمة , وبئس ما فعل خزيمة .
فقال عكرمة : يا أمير المؤمنين معذور ونصيحة أمير المؤمنين أحب إليه .
فقل له سليمان : إن اصطناع المعروف لا يكاد يخفى ولا يضيع .
ثم أمر لعكرمة بمال جزيل وسامحه بما كان وجب عليه من المال ,
وعقد لهما الولاية على الرقة والحيرة وأضاف إليهما من الأعمال إقليماً كبيراً.
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أنتهى من كتاب المختار من نوادر الأخبار (بتصرف )
لشمس الدين محمد بن أحمد المقرّي المتوفى عام1041هـ
لقراءة الجزاء الأول اضغط هنـــــــــــــــــــأ (http://www.alhaila.net/m/showthread.php?t=26182)
أخوكم: (( المقاطي ))
للمراسلة: storm_sos@hotmail.com