تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : بغداد نهاية حلم 'المحافظون الجدد' أم بدايته؟!


النافذ
11-Apr-2006, 04:36 PM
عصام زيدان





: الاستراتيجية الأمنية الأمريكية التي أفرزتها تداعيات أحداث الحادي عشر من سبتمبر, والتي تجسدت في ركنها الأساس في 'الحرب الوقائية' وإحباط رغبة 'الأنظمة المارقة' في تهديد أمن الولايات المتحدة من خلال دعمها لما يسمى بأركان الإرهاب العالمي كانت بحاجة, من وجهة نظر 'المحافظون الجدد', إلى نموذج تطبيقي يجسد النظرية ويسحبها من طيات التنظير إلى حيز الواقع والمشاهدة.

وكان العراق هو الأقرب, لإنجاح التجربة وتأكيد مصداقيتها في الواقع الدولي, فقد سارع وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفلد صباح اليوم التالي لهجمات 11 سبتمبر، ليحسم الخيار الأمريكي ويدعو لأن يكون العراق هو الهدف الأول في الحرب الأمريكية على 'الإرهاب'.

ومن هنا روجت الولايات المتحدة لعراق يطفو على بحر من الأسلحة الكيمائية والجرثومية, وأنها دولة مارقة تقف على مشارف ـ إن لم تكن قد وصلت بالفعل ـ التقنية اللازمة لصنع الأسلحة النووية التي تهدد منظومة الأمن الأمريكية.. ووقف كولن بول وزير الخارجية في الأمم المتحدة حينذاك يشير لمواقع تخزين تلك الأسلحة ورصدها بالأقمار الاصطناعية, والخطر الكامن من ورائها على الأمن العالمي.

وفيما يبدو أن القصة كانت بحاجة إلى مزيد من الإثارة, فاتت الحبكة الثانية عن علاقة وطيدة تربط بين النظام العراقي وأركان 'الإرهاب العالمي'..وأن الأصابع العراقية بادية وظاهرة في هجمات الحادي عشر من سبتمبر تمويلاً وتدريبًا وتخطيطًا.

اكتملت الحلقة حول العراق ونسجت الأحاديث والقصص حول خطورته على منظومة الأمن العالمية وعلى الولايات المتحدة على وجه الخصوص, فقادت الولايات المتحدة جيشها للحرب في العشرين من شهر مارس عام 2003, وعقب الغزو بأسابيع وفي التاسع من شهر أبريل كان دخول تلك القوات بغداد, ليقف بوش مزهوًا مفتخرًا بأن الحرب انتهت, وانتصر 'تحالف الراغبين' في الأمن على 'قوى الشر' الصاعدة, وانتصرت تبعًا لذلك الاستراتيجية الأمنية الأمريكية, وهلل 'المحافظون الجدد', سدنة النظرية, لقرب تحقق أحلامهم وآمالهم انطلاقًا من بغداد العاصمة.

وبعد مرور ثلاث سنوات من الغزو كانت الوثيقة الثانية للأمن القومي الأمريكي والتي أكدت مجددًا على ضرورة الحرب الوقائية والضربة الاستباقية في حفظ أمن الولايات المتحدة, حيث جاء في الوثيقة المعلنة في 16 مارس 2003 'أن إستراتيجية الأمن القومي ترتكز على أن 'الحرب على الإرهاب' هي كفاح مطول، وأن هذا الكفاح يتضمن على المدى القصير استخدام القوة العسكرية وغيرها من وسائل القوة الوطنية لقتل الإرهابيين أو اعتقالهم، وحرمانهم من الحصول على الملجأ الآمن أو السيطرة على أية دولة، ومنعهم من الوصول إلى أسلحة الدمار الشامل، وقطع مصادر دعمهم, أما على المدى الطويل فالانتصار في الحرب على الإرهاب يعني الفوز في معركة الأفكار، لأن الأفكار هي التي تستطيع أن تحول الأشخاص المحبطين إلى قتلة يريدون قتل الضحايا الأبرياء'.

وستيفن هادلي، مستشار الرئيس للأمن القومي علق على الوثيقة بقوله: 'إن العقيدة الاستباقية لازالت صحيحة، ويجب أن تظل جزءًا لا يتجزأ من إستراتيجيتنا للأمن القومي'.

وقد يكون صحيحًا أن الولايات المتحدة تمكنت من إزاحة الرئيس العراقي صدام حسين وأركان نظامه وجاءت بعصبة موالية زرعتها في أحشاء العراق ومفاصله.. ولكن سيظل السؤال الأبرز بعد سنوات ثلاث من الغزو مع هذا العزم الأمريكي على المضي في الحرب الاستباقية والوقائية ومداهمة الدول المارقة عن فلك القطب الواحد, كما يروج تيار 'المحافظون الجدد', هل تمكنت الولايات المتحدة من تحقيق أمنها كما أراد واضعو النظرية؟ وهل بات الأمريكي والغربي أمنًا في بيته كما أرادت الاستراتيجية الأمنية؟

بداية نقول إن ثمة أغلوطة كبرى روجتها الولايات المتحدة ومن ورائها القوى الغربية المتحالفة وربما تكون قد انجلت على البعض, تمثلت في توهيم العالم أن بغداد قد سقطت في أيديهم, وأن مقاليد الأمور لم تخرج عن قبضتهم.

وعسكريًا واستراتيجيًا هذه كذبة كبرى, فلم تسقط بغداد عسكريًا لأن الولايات المتحدة بقوتها العسكرية لم تستطع حتى الآن فرض سيطرتها على أركان العاصمة, ولا تملك إلا بروجها التي شيدتها والتي تقع تحت طائلة صواريخ المقاومة.

واستراتيجيًا لا يمكن للولايات المتحدة أن تبقي هذا الحجم من القوات في أرض العراق, وقد تستطيع فقط الاحتفاظ بعدة قواعد عسكرية, والقوات التي تقوم بتدريبها لا تستطيع أن تحافظ على أمنها فضلاً عن حفظ أمن بلد بكاملة.

ويقول الصحفي باتريك كاكبيرن معلقًا في صحيفة إندبندنت: إن بوش وبلير دأبا خلال السنوات الثلاث الماضية على محاولة التقليل من خطورة الوضع وجسامة ما يحدث على أرض العراق, مشيرًا إلى أنه محبط كصحفي لسماعه لهما وهما يزعمان أن أغلب العراق آمن الآن, وهو لا يستطيع إثبات كذبهما دون أن يفقد حياته أو يختطف.

وختم بتحذير الناس من تصديق ما يقوله بلير وبوش بشأن العراق الذي وعداه بحياة أفضل وحولاه بدلاً من ذلك إلى أخطر مكان في العالم.

ونقلت صحيفة الفاينانشيال تايمز وجهة نظر عسكرية أمريكية تدعى 'هيثي كيون' عادت مؤخرًا لبلادها بعد أن كانت من القلائل الذين مكثوا في الخدمة العسكرية في العراق منذ غزوه.

وهذه ترى حدودًا لقدرة الولايات المتحدة حيث إنها 'غير قادرة على منع حرب طائفية واسعة النطاق، كما أنها عاجزة عن نزع سلاح المليشيا، وهي غير قادرة على صياغة شكل الحكومة العراقية بشكل مباشر، وهي عاجزة عن ولا يجب أن تكون في وضع من يشرف على تأمين الخدمات الأساسية كالماء والكهرباء.

إنه سقوط حقيقي للولايات المتحدة في براثن بغداد, وليس سقوطًا لبغداد في القبضة الأمريكية الغربية ولو تصدع الرأس بحكايات وأماني عسكري الولايات المتحدة وساستها.

الأغلوطة الأكبر والتوهم الأعظم تلك المزاعم التي أطلقتها الولايات المتحدة, وربما تكون قد صدقتها, أن حربها الاستباقية والوقائية ومداهمة الدول المارقة عن فلكها ستعزز منظومة أمنها.

فقد أكد فرانسيس فوكاياما, وهو أحد مؤيدي تيار'المحافظون الجدد', أن تحدي الإرهاب صراع سياسي بطبعه، ولا يمكن حله بالوسائل العسكرية.

وصرح بأنه كان من الواضح بالنسبة له، قبل سنة من الحرب، 'أن حربًا مع العراق يمكن أن تكون، في الحد الأدنى، تشويشًا يصرف الأنظار عن القضايا الماثلة.. وبالفعل فقد انتهى الأمر إلى أن يكون الوضع أسوأ، مما جعل الإرهاب بالتالي يتفاقم.....,إن معالجة الإرهاب لن تكون عبر غزو بلدان، وإنما عبر أمور تمتد من عمليات شرطة واستخبارات إلى التعامل مع القضايا المثيرة للجدل مثل الرسوم الكاريكاتورية للنبي محمد...'.

وقال: 'نحن نحتاج إلى استراتيجية سياسية أكثر في مقابل استراتيجية عسكرية أقل، ومن هنا يحتاج الأمريكيون إلى محاولة صياغة العالم، ليس بالاستخدام الواسع للقوة العسكرية، وإنما بإقامة طائفة من المؤسسات المتعددة الجوانب التي يمكن عندئذ أن تصوغ مبادرات بعيدة الأمد للاستقرار والنمو والتعاون، من أجل صياغة العالم بدون اللجوء إلى القوة العسكرية..., إن فكرة أن أمريكا يمكن أن تستخدم وببساطة، قوتها المهيمنة لصياغة العالم بصورة كاملة، هي وهم'.

السقوط الحقيقي إذن كان سقوط النظرية الأمريكية التي تزعم أن حفظ الأمن يمر عبر غزو البلدان وإسقاط الأنظمة والتمادي في الضربات العسكرية الوقائية.

فما نشأ تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين إلا بعد غزو العراق, وما ازداد الحنق الشعبي على الولايات المتحدة وحلفائها إلا بعد غزو العراق, حتى أن تحقيق وزارة الداخلية البريطانية اعترف أن السياسة الخارجية لبريطانيا - وخاصة قرار غزو العراق - هي ما حفزت المفجرين الأربعة، على القيام بهجومهم.
وكانت مدريد بعيدة عن مرمى العمليات المسلحة, ولكن جرتها حرب العراق إلى أن تكون هدفًا لإحدى تلك الهجمات.

ويقول جيفري كيمب العضو السابق في مجلس الأمن القومي الأمريكي: إن المبادئ التي استند إليها بوش في شن الحرب على العراق بدا واضحًا جليًا فشلها، ويبقى فقط هدف تحويل العراق إلى نظام ديمقراطي في علم الغيب، فيما يزداد تفاقم مشكلة 'الإرهاب' في العالم.
وحتى هذا الهدف وصفه الخبير الاستراتيجي الأمريكي الدكتور أنتوني كوردسمان خبير الشئون الاستراتيجية بمركز الدراسات الدولية والاستراتيجية في واشنطن، بأنه وهم كبير, وحث إدارة بوش على التخلي عن الوهم الخاص بأنه سيكون بوسع الولايات المتحدة أن تحول العراق إلى دولة ديمقراطية تكون نموذجًا تحتذي به دول الشرق الأوسط.

وصرح كوردسمان في تقرير أعده عن فشل الاستراتيجية الأمنية التي تبناها 'المحافظون الجدد' بقوله: 'لقد آن الأوان لمواجهة حقيقة أنه لم يسبق للولايات المتحدة أن شهدت أوهامًا خطيرة في سياستها الخارجية مثل تلك التي روج لها المحافظون الجدد فيما يتعلق بالشرق الأوسط، ..فقد أدت تلك الأوهام إلى مصرع وإصابة الآلاف من الأمريكيين وقوات التحالف في العراق، وأصبحت تهدد الآن بهزيمة استراتيجية خطيرة للولايات المتحدة.. ولهذا، يجب أن يتم الاستغناء عن المحافظين الجدد في مكتب وزير الدفاع رامسفيلد، ونائب الرئيس ديك تشيني، وكذلك في وكالة الأمن القومي حتى يمكن الوقوف على أرض الواقع بعيدًا عن تلك الأوهام...'. سويس إنفو24/5/2004

والذي قاد الاتحاد السوفيتي نحو مصيره المحتوم نصح الولايات المتحدة بالحذر من سياستها الأمنية المفرطة في القوة وتنبأ بمصير مهلك لها.

وأكد ميخائيل جورباتشوف أن الولايات المتحدة باتت مسمومة بقوتها، وقال مع تصريح لمجلة تايم: 'هذا الحديث عن الضربات الوقائية، وتجاهل مجلس الأمن الدولي، والالتزامات الشرعية العالمية، يقود نحو مستقبل حالك'.

فما سقطت بغداد ولو زعموا وقالوا, بل سقطت أمريكا في بغداد, وسقطت منظومتها الأمنية على أبوابها..وانتهت أحلام 'المحافظون الجدد' وآمالهم.






يتبع

النافذ
11-Apr-2006, 04:38 PM
http://www.islammemo.cc/news/newsimages/Egypt/11hoshos.jpg

علم مراسل 'مفكرة الإسلام' في مدينة النجف ‏جنوب العاصمة العراقية بغداد أن المجلس الاستشاري لمدينة النجف، وهو ‏المجلس المنبثق عن الانتخابات المحلية في المدينة قرر اليوم بدء حملة شعبية لمقاطعة ‏البضائع المصرية الموجودة في السوق العراقية؛ ردًا على تصريحات الرئيس ‏المصري محمد حسني مبارك بأن ولاء أغلب الشيعة في المنطقة هو 'لإيران، وليس لدولهم'.‏
وكان الرئيس المصري قد قال في حديث متلفز؛ ردًا على سؤال عن التأثير الإيراني في العراق: 'بالقطع إيران لها ضلع في الشيعة.. الشيعة 65 بالمئة من العراقيين - على حد قوله - وهناك شيعة في كل هذه الدول وبنسب كبيرة، والشيعة دائمًا ولاؤهم لإيران. أغلبهم ولاؤهم لإيران، وليس لدولهم'.
ونقل مراسل المفكرة في النجف عن بيان للمجلس الاستشاري للمدينة تلاه هادي السلامي الناطق ‏باسم المجلس أن المجلس بدأ فعليًا حملة مقاطعة للبضائع ‏المصرية وكل ما يمت بصلة إلى تلك الدولة؛ بعد التشويه المتعمد لسمعة شيعة ‏رسول الله، بحسب زعمه.‏
وأضاف السلامي أن ما أسماها المرجعية الرشيدة أيدت القرار.‏
من جهته، أشار مراسل المفكرة إلى أن المنتجات المصرية في السوق العراقية ‏تتمثل في منتجات الألبان والمواد المنزلية، بالإضافة إلى شركة 'عراقنا' للاتصالات ‏المحمولة.‏
الجدير بالذكر أن المرجعية في النجف والمسؤلين الشيعة لم يصدر عنهم أية ردة ‏فعل حول الإساءة للرسول الكريم محمد، صلى الله عليه وسلم، من قِبل ‏الصحف الغربية بل ظلت البضائع الدنماركية والنرويجية تروّج في أسواقهم ‏على خلاف ما شهده العالم الإسلامي من مقاطعة لتلك البضائع.‏

النافذ
11-Apr-2006, 04:40 PM
د. محمد يحيى



تغيرت المواقف كثيرًا في دول الجوار العراقي بعد ثلاث سنوات من الغزو الأمريكي والاحتلال المستمر والتلاعب بالأوضاع السياسية الداخلية هناك.

ولعل أوضح تغير هو عند الجانب الإيراني الذي تحول الوضع العراقي بالنسبة له خلال ثلاث سنوات من سيناريو الحالة الأسوأ إلى سيناريو الحالة الأفضل، وإن كان ليس على درجة المميزات التي تصورتها بعض التحليلات.

ويفترض أن الوضع في العراق هو في مصلحة إيران الآن في صراعها ـ المفترض كذلك ـ مع أمريكا حول الملف النووي. ومن اللافت للنظر أن هذا الملف هو الوحيد الآن الذي يمثل نقطة خلاف بين إيران والغرب وعلى رأسه أمريكا. فلم يعد هناك ذكر للخلافات القديمة حول الثورة الإسلامية وتصديرها أو حول الإرهاب وتشجيعه أو خلق المشاكل لأمريكا في الخليج. وفي إطار الملف النووي الوحيد الآن على ساحة الخلاف والحديث حول ضربة غربية أمريكية وربما إسرائيلية ضد إيران يكون لنفوذ إيران الكبير في العراق أهمية كبرى كورقة رابحة لثني الغرب وأمريكا بالذات عن شن مثل هذه الضربة. ذلك لأن هذا النفوذ المعتمد، دليل على تدخلات إيرانية أمنية وعسكرية بل وسكانية مباشرة وغير مباشرة، يشكل ليس فقط رادعًا للأمريكان والغرب، بل ويمثل كذلك درعًا وخط دفاع أمامي يوقف خصوم إيران عند الساحة العراقية ويشغلهم بها قبل أن يدخلوا على الداخل الإيراني.

كما يمثل هذا النفوذ نقطة انطلاق وقوة لإيران ليس إلى العراق وحده فحسب، بل إلى الغرب نحو إيجاد وصلة بسوريا ولبنان ـ حيث حزب الله والنظام الصديق في دمشق ـ، وجنوبًا نحو الخليج والسعودية. ويفتح هذا الوضع أمام إيران آفاقًا من التوسع والسيطرة الإقليمية على فرض أنها بالفعل تسعى لمثل هذا، وإن كان مستبعدًا في ظل قوة النظام الإسلامي الذي لا يسمح للنزعة القومية بالظهور بمثل هذا الجلاء. لكن على أي حال فإن هذه المزايا الإيرانية جرى الحصول عليها بثمن قد لا يبدو كثيرًا لكنه مكلف ألا وهو المخاطرة بسقوط سمعة إيران الإسلامية والثورية في نظر الكثيرين، مع تحول الوضع في العراق إلى حالة طائفية صريحة يجري فيها ذبح وتصفية السنة. ولن ينعكس هذا الوضع معنويًا فقط ضد إيران لكنه يفتح أبوابًا جديدة أمام خصومها الأمريكان والغربيين للتفاهم مع السنة بعد طول العداء. وقد بدأت إيران نفسها بالفعل تشتكي قيام بريطانيا من خلال قواتها في جنوب العراق بمحاولة إثارة القلاقل في منطقة خوزستان ذات الأغلبية العربية في جنوب غرب إيران. وقد يؤدي هذا إلى أن تكون إيران بنفسها هي المسئولة عن إخراج أمريكا من ورطتها في العراق ولو جزئيًا بفتح باب التفاهم مع السنة وهم الآن الفئة الوحيدة في العراق التي تقاوم الاحتلال الأمريكي. ويوصلنا هذا إلى نوع من التوازن ربما بدأت أثاره في الظهور من خلال ما يقال عن مفاوضات أمريكية إيرانية بعيدًا عن الملف النووي للتوصل إلى تفاهم ما حول الأوضاع في العراق في ظل تعثر تشكيل الحكومة العراقية المنتظرة.

وإذا كان الجار الإيراني الذي يعاني من مشاكل خطيرة مع الغرب يمر على عكس المتوقع بحالة من القوة تمكنه من مقاومة التحدي الغربي بندية وكفاءة، فإن حالة الجار التركي الذي لا يعاني من مشاكل في الظاهر تبدو سيئة فيما يتعلق بالملف العراقي، وأسوأ ما فيها هو عدم الوضوح. فعلى سبيل المثال كانت حسابات القضية الكردية بادية عندما حسب الجانب التركي موقفه إلى جانب الغزو الأمريكي رغم الحديث منذ ثلاث سنوات عن حكومة حزب العدالة والتنمية ذات التوجه الإسلامي المزعوم.

لقد عادت القضية الكردية في ذكرى الغزو الثالثة إلى الاشتعال بخطورة أشد. أما الدولة الكردية فتبدو مكرسة الآن في شمال العراق وتتحكم في اختيار رئيس الوزراء العراقي. ولم تدخل تركيا حتى الآن الاتحاد الأوروبي رغم سلسلة التنازلات المختلفة التي قدمتها منذ الغزو الأمريكي وحتى الآن وآخرها البرود تجاه حكومة حماس والحديث عن بديل إسلامي عصري تقدمه تركيا لما يسمى بالإسلام المتطرف الذي تبشر به الحركات الإسلامية في العالم العربي والبادي بأوضح صورة في العراق عند السنة والشيعة على حد سواء. ولا يبدو لتركيا أي موقف واضح مما يجري في العراق الآن وهو أمر غريب بالنسبة لدولة يفترض أنها تسعى أو يسعى لها البعض لكي تكون قوة إقليمية توازن وتنافس إيران. إن تركيا مثلاً لا تستطيع حتى أن تدعي ولو كذبًا أنها قلقة على ما يحدث في العراق لأن علمانيتها تمنعها من ذلك، إضافة إلى مزاعم الحكومة الحالية بأنها تعمل على إيجاد إسلام معتدل لا يقيم وزنًا للاعتبارات السياسية أو الدينية، فوق أنها تسعى بقوة لدخول الاتحاد الأوروبي، ومن شأن الحديث حول القلق على مصير السنة أو أوضاعهم أن يثير هذا الاتحاد ضدها أكثر مما هو مثار الآن مما قد يقضي على احتمالات دخولها للأبد.

ولم تحاول تركيا كذلك الدخول إلى الوضع العراقي من زوايا قد تبدو مقبولة دوليًا مثل المصالح الاقتصادية المادية وعلى رأسها البترول العراقي الذي يمر عبر أراضيها إلى أوروبا وغيرها.

وهكذا تبدو تركيا كدولة للجوار الباهت الذي لا يظهر تحركًا على المستوى السياسي ولا العسكري ولا حتى الاقتصادي. بل لا يبدو على تركيا أي رد فعل ـ واضح مرة أخرى ـ تجاه تحركات غريمتها التاريخية إيران في العراق. لكن هذه المنافسة التاريخية كانت تقوم على الأساس المذهبي، حيث تركيا السنية العثمانية في مواجهة إيران الشيعية الصفوية، بينما تركيا الآن تستبعد وبصرامة كل الاعتبارات الدينية من سياستها. إذن علمانية تركيا وجمودها كمجرد تابعة للغرب في حلف الأطلنطي فضلاً عن طموحها الجارف للانضمام للاتحاد الأوروبي قد أدت كلها إلى إصابة سياستها بالشلل وعدم الوضوح تجاه العراق، على العكس مما يحدث بالنسبة إلى إيران التي أدت مشكلاتها مع الغرب 'بجانب التوجه الديني العلني للدولة' إلى تقوية موقفها ضد الغرب بشكل لم يكن متوقعًا.

ونجد صدى للموقف التركي في الموقف السعودي من الوضع في العراق حيث كان من المتوقع لو جرت الأمور وفق التصورات.... البحتة أن تقف السعودية متحفزة وقلقة من العلو الشيعي الكبير في العراق والذي يترجم نفسه في الحديث اليومي المضاد لما يسمى بالوهابية والإرهاب السني مثلاً. كان يكفي أن يحدث هذا لو أن السعودية كانت كما هي بصورتها النمطية في الصحافة العربية. هذه الصورة كانت تقول: إن السعودية هي حامية المذهب السني وهو ما وضعها لعدة سنوات في معسكر واحد مع صدام إبان الحرب العراقية ـ الإيرانية وما بعدها بقليل. لكن الواقع الآن أن السياسة السعودية كما يبدو بوضوح في وسائل الإعلام المحلية والعربية التابعة لها أصبحت تشاطر ما يقال حول المذهب الوهابي وخطورته والإرهاب السني وبشاعة التطرف الإسلامي وأضراره مع فارق وحيد هو أنها ـ ومن خلال وسائل الإعلام تلك سواء المباشرة أو غير المباشرة ـ أصبحت تزايد على ما يقال حول هذه الأمور سواء من الجانب الرسمي العراقي والعربي أو من الجانب الغربي عامة. ولذلك لم يحدث تعبير عن القلق عن مصير السنة في العراق أو علو النفوذ الإيراني هناك، دون أن يعني ذلك بالطبع أنه لا توجد مخاوف باطنية خفية من هذا النفوذ الإيراني. لكن الحقيقة الغالبة هي أن الخوف مما يسمى بالإرهاب الإسلامي السني بالذات، أصبح هو الآن وتحت مؤثرات خارجية غربية ومؤثرات داخلية تصنف بالإصلاحية أو الحداثية هو العنصر الحاكم في السياسة الإعلامية والعربية والخارجية السعودية إلى حد جذري لم يكن متوقعًا منذ سنوات أو حتى أشهر قليلة. وانعكس هذا على الوضع في العراق بشكل يضاهي ما حدث من الجانب التركي حيث لا نكاد نلمح موقفًا سعوديًا واضحًا من التطورات على الساحة هناك بل نلمح فقط الآن ومن خلال كل المنابر ذلك العداء والخوف والانقلاب الطارئ ضد كل ما هو إسلامي، وهو تحول غلب على مجريات السياسة السعودية بالذات في النواحي الإعلامية وهي نواح لا يكفي تجاهلها لأنها كما في حالة الموات العربي والإسلامي الرسمي الراهن هي أهم ما يمكن أن يصدر الآن عن أية دولة، بل الشيء الوحيد الذي يمكن أن يصدر. والحق يقال إن موقف الجار السعودي الواضح في العراق يعكس حالة الموقف العربي كله من العراق بل ومن مجمل القضايا الخارجية والداخلية في العالم العربي. فتحت ضغط الطرف الغربي الأقوى وهو أمريكا ومعه الأطراف الغربية الأخرى، ثم الطرف العلماني الداخلي الذي وصل إلى أوضاع سيطرة كبيرة في مؤسسات الحكم تحول شأن مكافحة الإرهاب والتطرف ـ كما يسمى ـ إلى القضية الوحيدة على جدول الأعمال الرسمي في تلك البلاد وأصبح هو المعيار الوحيد الذي تقاس به كل المواقف الخارجية والداخلية وكل التطورات. ومن هنا اختفى أي وجود كان يمكن أن يوصف بموقف مستقل واضح مبني على حسابات مفهومة من أية قضية، وليست قضية العراق وأوضاعه استثناءً من هذه الحالة العامة.

ويبقى موقف الجار السوري الذي ينفرد عن المواقف الأخرى بمحاولة ابتزاز أو مساومة لم تكتمل ـ لسبب ضعفه هو ـ من الجانب الأمريكي حول تأييد مقاومة الاحتلال في العراق. فحسب عادة النظام السوري السابق سرعان ما تحولت قضية العراق إلى فرصة لإيجاد قناة اتصال مع الغرب لمجرد إدخاله في حوار مع سوريا يكون جوهره كف أي ضربة غربية قاضية للنظام من خلال الدخول في علاقة مشتركة وراء ستار المحافظة على أوضاع العراق وسوريا كذلك من طغيان تدخل التطرف والإرهاب الإسلامي. لكن تطور الأوضاع في لبنان والدخول الغربي الفرنسي الأمريكي المشترك بقوة هناك أبعد الاهتمام السوري الحيوي عن لعبة المساومة حول العراق وفرض على سوريا الالتفات إلى الغرب على حساب محاولة الاستفادة من أحداث الشرق.



يتبع

النافذ
11-Apr-2006, 04:43 PM
بقلم طلعت رميح



اليوم أو غدًا النصر النهائي قادم بإذن الله، وما يجري أمامنا الآن على أرض العراق لم يعد صراعًا لإجبار قوات الاحتلال على إعلان الهزيمة، بل هو صراع يجري بالدرجة الأولى حول ترتيبات ما بعد النصر أو حول عراق ما بعد انسحاب قوات الاحتلال ـ أيًا كان مدى انسحاب قوات الاحتلال المقرر حتى الآن ـ وتلك هي الحالة التي نعيش مخاطرها الآن، حيث تشكيل وبناء العراق ما بعد التحرير بدأ، وليس صحيحًا أنه يبدأ بعد الانسحاب.

لقد تمكنت المقاومة العراقية في المرحلة الأولى لانطلاقها من إنهاء كل حديث لأعدائها عن القضاء عليها، إذ هي أفشلت كل حديث عن مواعيد حددت لاقتلاعها والقضاء عليها، كما هي ثبتت وجودها بديمومتها وبصمودها وقوتها المتصاعدة، بما أسقط تلك التصريحات التي كانت رائجة على ألسنة العسكريين والسياسيين الأمريكيين خلال الفترة الأولى لانطلاق المقاومة، ومن ثم لم نعد نسمع الآن أو بالدقة منذ الحديث المزيف عن المفاوضات مع المسلحين ـ المقاومة ـ عن أي دعاوى لإنهاء 'التمرد' و'القضاء على المسلحين'. لم يصدر أي تصريح واحد بهذا المعنى على لسان أي مسئول أمريكي بل بات الحديث والحوار والصراع الدائر هو حول الانسحاب من العراق، قدره وتوقيته وترتيباته.

لقد أثبتت المقاومة العراقية أنها ند قوي وبالغ القدرة على المواجهة مع جيش الاحتلال الأمريكي، منذ بات جنوده يتذمرون من رداءة الأسلحة الأمريكية وضعف قدرتها على المواجهة مع المقاومة ـ وهم بأيديهم أعلى وأخطر والأشد فتكًا من الأسلحة الموجودة في العالم أجمع ـ بما جعل الجميع يدرك أن روح جنود الاحتلال قد انهارت وأنه لم يعد ثمة إمكانية لهذا الجيش في تحقيق النصر على المقاومة.

كما هي باتت تمتلك خبرات متنوعة وأسلحة متعددة جعلت عملياتها نوعية في أماكن اختيارها وفي الأعداد المشاركة من مجاهديها خاصة في ضوء استراتيجية التركيز على الجنود أكثر من المعدات ـ وهو الأسلوب الأنجح في هزيمة الأعداء الغربيين بصفة عامة ـ وكذا بحكم أنها تمكنت من الانتشار على أوسع رقعة في مناطق وسط وشمال شرق العراق بما أنهك قوات الاحتلال، وبما رفع الروح المعنوية لدى كل الخلصاء الداعمين لفكرة وفكر المقاومة في كافة أنحاء العراق وفي الوطن العربي وبين صفوف الأمة الإسلامية.

كان العامل الحاسم في نصر المقاومة العراقية أنها امتلكت بعدًا إيمانيًا لا يملكه عدوها. لقد امتلك عدوها التكنولوجيا وصار يلوذ بها، بينما المقاومة لاذت بالمولى سبحانه وتعالى، ومن ثم أصبح الفارق بين المتقاتلين أن أحدهما يطلب الشهادة، بينما يموت المختفي خلف البروج المشيدة من الخوف قبل السلاح، ينشد الإفلات بحياته، إذ الموت عنده فناء.

لقد تواصلت عمليات المقاومة في العراق طوال ثلاث سنوات حتى وصلنا إلى حالة 'نموذجية' الآن. جيش الاحتلال يتذمر لدى قادته السياسيين أن ينقذوه من الموت ـ الفناء ـ بالانسحاب، وعملاء يرفضون انسحاب قوات الاحتلال مشددين على أن تلك نهايتهم ونهاية مشروع الاحتلال الأمريكي، كما أن كلا الاثنين باتا يستنجدان بكل الحلفاء الآخرين ويدفعونهم إلى صدارة الأحداث ليخفوا فشلهم وراءهم أو ليورطوهم هم ليفلتوا هم بجلدهم كما هو الحال في الاستنجاد بالجامعة العربية ـ التي لا تنجد أحدًا حتى نفسها ـ ثم بإيران ليدفعوها إلى المواجهة الرسمية المباشرة. بينما المقاومة العراقية وحدها من بات هو القوة الفاعلة الصامدة قوية المستقبل والمتمكنة من الانتصار.

وفي ضوء كل ذلك فإن الجديد الدائر حاليًا هو أن محتوى الصراع ومضمونة الآن بات يدور حول طبيعة العراق ما بعد إنهاء الاحتلال حيث هناك مشروعات متضاربة متناقضة لعراق ما بعد انسحاب قوات الاحتلال. فمن ناحية تسعى المقاومة إلى بناء عراق مستقل موحد عربي إسلامي. ومن ناحية أخرى تستهدف قوات الاحتلال وعملاؤها بناء عراق مقسم ضعيف معتل تحت الهيمنة الأمريكية ومن ناحية ثالثة تعمل بعض القوى الطائفية على بناء عراق فيدرالي، بعضها يراه تحت الهيمنة الإيرانية وبعضها يراه تحت الهيمنة الأمريكية ولهذا يجري الاختلاف بينهما الآن، كما يجري لذلك الحوار والتفاوض بين قوات الاحتلال وإيران على مستقبل العراق الآن. ومن ثم فإن السؤال الآن هو كيف ستكون خطط المقاومة في المرحلة القادمة أو كيف ستتوجه أعمالها وتنتظم باتجاه وضع العراق المستقبلي ..العراق الموحد.



الوضع الراهن ..الملامح



يمكن القول بأن ملامح الوضع الراهن، باتت متشكلة وفق نمط معقد من التداخل يتطلب تفكيك عناصره لفهمه. الملمح الأول أن قوات الاحتلال باتت تدرك أن معركتها وصراعها مع المقاومة قد انتهى استراتيجيًا إلى الهزيمة، وأن المقاومة باتت مع مضي الوقت في سباق مع الزمن من أجل تطوير قدراتها العسكرية والسياسية لتصبح هي البديل لقوات الاحتلال، وهو ما يظهره تحليل طبيعة المعارك الجارية في المنطقة بين سامراء والفلوجة وبقية مدن الوسط ـ التي جرت فيها المقاومة قوات الاحتلال بناءً على تسريب معلومات استخبارية مضللة بما مثل تطورًا نوعيًا لعمل المقاومة ـ وكما أظهرته عملية المقدادية التي لم تكن أهميتها ودلالتها فقط أنها جرت بينما قوات الاحتلال تخوض معركة واسعة حول سامراء كان من الطبيعي لو أن المقاومة ضعيفة أن تنكمش لا أن تهاجم، وإنما أيضًا لأن المجاهدين تمكنوا من تجميع نحو 100 مقاتل خلالها ليهاجموا مركزًا للشرطة في معركة أنهوا خلالها على كل من فيه كما حرروا السجناء بما يفيد بقائهم لفترة طويلة في المعركة، هذا بالإضافة إلى أن المقاومة اتبعت ذلك بعملية الموصل التي قتل فيها 40 جنديًا من الجيش الأمريكي وجيش العملاء.

والملمح الثاني في الوضع الراهن هو أن الجيش والشرطة العراقيين باتا يشهدان صراعًا حول أهداف طائفيتها ليس بين المقاومة وبينهما ـ فطائفية تلك القوات أمر واضح مستقر في فهم المقاومة منذ اللحظات الأولى لبدء تشكيل تلك الأجهزة والعميلة ـ ولكن الصراع يجري على تلك الأجهزة الآن بين قوات الاحتلال التي سمحت بتشكيلها على هذا النحو واستخدمتها لإشعال حرب طائفية وبين القيادات السياسية الموالية لإيران التي تحاول السيطرة على العراق كله من خلال تلك الأجهزة والمؤسسات. إذ قوات الاحتلال تحاول تطويع إرادة السياسيين وجهاز الدولة من أجل استخدامهم في الحرب الأهلية وفق ما ترى قوات الاحتلال لا وفق الحدود والرؤى والمصالح التي تحققها للأطراف التي دعمت تشكيلها 'الحكيم وغيره'. وهذا هو وجه الصراع بين إيران وقوات الاحتلال الذي هو يجري حول من يقود جهاز الدولة العميل وأي مصالح يحقق؟ وهو صراع باتت مظاهره واضحة في تعويق قوات الاحتلال تشكيل حكومة الجعفري وفي عمليات كشف الاحتلال للممارسات الإجرامية التي تقوم بها القوات العميلة التي شكلها هو!

ويبدو الملمح الثالث هو أن الحال في داخل الولايات الأمريكية بات أمره مفزعًا للإدارة الأمريكية الحالية والمتصهينين فيها بشكل خاص، حيث الأمر لم تعد خطورته متمثلة في وصول شعبية الرئيس الأمريكي إلى 30 % بين الأمريكيين من المشاركين في استطلاعات الرأي ـ وقد كانت من قبل إلى ما يقارب نسبة الـ70% ـ ولكن مظهره يتمثل في اضطراب موقف الإدارة الأمريكية الذي بات أشد وضوحًا من خلال إعلان كونداليزا رايس عن انسحاب قوات الاحتلال في العراق بين هذا العام والعام القادم، بعد أيام من إعلان الرئيس الأمريكي أن قرار الانسحاب ستأخذه الإدارة الأمريكية القادمة؟!.

والملمح الرابع هو أن القوى السياسية الداعمة للمقاومة سياسيًا باتت أعدادها تتزايد كما بات تأثيرها السياسي يتوسع ويتعمق في داخل العراق وعلى صعيد الوضع العربي والدولي كما هي باتت تكسب أرضًا في الاعتراف بها، وهنا جاءت رسالة المجاهد عزت الدوري لتقع وقع الكارثة على رؤوس الاحتلال وعلى رؤوس كل المتعاونين معه، ليس فقط لأنها أنهت خرافة مقتل أو موت الدوري، ولكن لأن رسالته حملت مطالبة بالاعتراف بالمقاومة العراقية من الرجل الثاني في الحكم الشرعي بالعراق بما وضع الحكام العرب في حرج بالغ وأظهر أن الولايات المتحدة بكل ما فعلت من قتل وتدمير وإجرام ورغم حل الجيش العراقي وأجهزة الدولة لم تستطع القضاء على النظام العراقي الشرعي 'وهنا يبدو أن القذافي يسبق الآخرين في اعترافه أن النظام العراقي بقيادة صدام حسين مازال هو النظام الشرعي في العراق بما شكل أهم اعتراف في هذا المجال'.

ويبدو الملمح الخامس هو أن الولايات المتحدة باتت في حالة تراجع شاملة في المنطقة، وهو ما يفهم من خلال إدراك مغزى التحركات الأخيرة في لبنان وعلى صعيد تطورات قضية رفيق الحريري بالنسبة لسوريا، وعلى صعيد تراجع ضغوط الإدارة الأمريكية على النظم العربية بحجة الديموقراطية المزعومة، إذ هي جميعًا حملت مؤشرات تراجع الولايات المتحدة وميلها للتهدئة في المنطقة. ففي لبنان تراجع جنبلاط إلى الوراء ومعه كل المتعاونين مع المخطط الأمريكي ـ بعد زيارته إلى الولايات المتحدة ـ إذ هو ومن معه رضخوا بعدها لفكرة لبنانية مزارع شبعا بما يعني إبقاء الحال على ما هو عليه الآن كما أن هناك قفزًا حدث في مؤتمر الحوار الوطني إلى موقف مختلف حول العلاقة مع سوريا بالاتفاق على 'عدم جعل سوريا مصدر تهديد لأمن لبنان أو جعل لبنان مصدر تهديد لأمن سوريا وسلامة مواطنيهما في أي حال من الأحوال'. وفيما يتعلق بالتحقيقات الدولية في قضية رفيق الحريري، يجب إدراك المغزى الذي حمله تقرير المحقق الدولي 'الجديد' ـ سيرج ـ في قضية الحريري والذي شدد فيه على أن التحقيق سيستغرق وقتًا طويلاً قبل الوصول إلى نتائج وهو أمر مختلف عن تقارير المحقق الدولي السابق ـ ميليس ـ الذي أطلق اتهامات ضد سوريا وضد كل المتضامنين معها في لبنان منذ أول لحظة. وعلى صعيد الضغوط على الأنظمة فقد كان أصرح المواقف هو ما أعلنه الرئيس المصري من أن الولايات المتحدة تعيد النظر في نظرية 'الفوضى البناءة'.

وفي ضوء كل ذلك فإن النتيجة الكلية هي أن الولايات المتحدة باتت تدرك أنها في مأزق خطير على كافة الأصعدة ـ على الأقل في الوقت الراهن ـ وأن ليس أمامها إلا تهدئة الأجواء في المنطقة وتقديم تنازلات ـ حتى لو كانت مؤقتة ـ لكل الأطراف. وذلك كله كان العامل الرئيس والحاسم فيه ناتجًا عن هزيمة قوات الاحتلال أمام المقاومة العراقية، وهو ما أتاح الفرصة واسعة الآن أمام إنفاذ المقاومة لخطتها الاستراتيجية في بناء العراق القادم.



المقاومة والمستقبل؟


من يتابع ما ينشر حول عمليات المقاومة يلحظ أن ثمة تركيزًا إعلاميًا حول عملية إشعال الحرب الأهلية أو الطائفية في العراق على حساب نشر أخبار المقاومة حتى يكاد المتابع يتصور أن المقاومة هدأت في العراق. ومما يزيد من الشعور بهذا الأمر هو أن قوات الاحتلال ومنذ نهاية أعمالها في مناطق شمال شرق العراق لم تقم بحملات عدوانية واسعة حتى بدأت العملية التي جرت على حدود مدينة سامراء حيث كانت توقفت القوات الأمريكية قبلها لشهرين أو يزيد عن عملياتها البرية الواسعة ضد المقاومة.

لكن المتابع بدقة لما تقوم به المقاومة يلحظ أنها باتت الآن أكثر قدرة على توجيه ضربات منتقاة إلى قوات الاحتلال والجيش العميل، وأنها بعد أن نجحت في إضعاف قدرة قوات الاحتلال على شن عمليات ذات طابع استراتيجي الأهداف ـ كمعارك الفلوجة وتلعفر ـ باتت هي المهاجمة وفق أنماط من العمليات ذات الطابع الاستراتيجي لا الطابع التكتيكي، كما هي تحولت إلى حالة عامة في المجتمع بما أربك أطراف التحالف المستعمر للعراق بما فيه الأطراف الداخلية.



وإذ تدخل المقاومة العراقية عامها الرابع فإن الأهم الآن هو أن المقاومة العراقية باتت تواجه مهمة بناء العراق القادم بعد التحرير، وهو ما يطرح بشأنه ثلاث قضايا رئيسة، أولها كيف تعيد توحيد العراق في ضوء المعطيات التي صنعها الاحتلال ويسعى إلى ترسيخها من خلال الحرب الآلية، وثانيها كيف تعيد بناء جهاز الدولة العراقي على أنقاض جهاز الدولة العميل، وثالثها ماذا ستفعل إزاء النفوذ الإيراني في العراق؟

فواز الشيباني
11-Apr-2006, 07:16 PM
اخي النافذ الله يعطيك العافيه