النافذ
11-Apr-2006, 04:36 PM
عصام زيدان
: الاستراتيجية الأمنية الأمريكية التي أفرزتها تداعيات أحداث الحادي عشر من سبتمبر, والتي تجسدت في ركنها الأساس في 'الحرب الوقائية' وإحباط رغبة 'الأنظمة المارقة' في تهديد أمن الولايات المتحدة من خلال دعمها لما يسمى بأركان الإرهاب العالمي كانت بحاجة, من وجهة نظر 'المحافظون الجدد', إلى نموذج تطبيقي يجسد النظرية ويسحبها من طيات التنظير إلى حيز الواقع والمشاهدة.
وكان العراق هو الأقرب, لإنجاح التجربة وتأكيد مصداقيتها في الواقع الدولي, فقد سارع وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفلد صباح اليوم التالي لهجمات 11 سبتمبر، ليحسم الخيار الأمريكي ويدعو لأن يكون العراق هو الهدف الأول في الحرب الأمريكية على 'الإرهاب'.
ومن هنا روجت الولايات المتحدة لعراق يطفو على بحر من الأسلحة الكيمائية والجرثومية, وأنها دولة مارقة تقف على مشارف ـ إن لم تكن قد وصلت بالفعل ـ التقنية اللازمة لصنع الأسلحة النووية التي تهدد منظومة الأمن الأمريكية.. ووقف كولن بول وزير الخارجية في الأمم المتحدة حينذاك يشير لمواقع تخزين تلك الأسلحة ورصدها بالأقمار الاصطناعية, والخطر الكامن من ورائها على الأمن العالمي.
وفيما يبدو أن القصة كانت بحاجة إلى مزيد من الإثارة, فاتت الحبكة الثانية عن علاقة وطيدة تربط بين النظام العراقي وأركان 'الإرهاب العالمي'..وأن الأصابع العراقية بادية وظاهرة في هجمات الحادي عشر من سبتمبر تمويلاً وتدريبًا وتخطيطًا.
اكتملت الحلقة حول العراق ونسجت الأحاديث والقصص حول خطورته على منظومة الأمن العالمية وعلى الولايات المتحدة على وجه الخصوص, فقادت الولايات المتحدة جيشها للحرب في العشرين من شهر مارس عام 2003, وعقب الغزو بأسابيع وفي التاسع من شهر أبريل كان دخول تلك القوات بغداد, ليقف بوش مزهوًا مفتخرًا بأن الحرب انتهت, وانتصر 'تحالف الراغبين' في الأمن على 'قوى الشر' الصاعدة, وانتصرت تبعًا لذلك الاستراتيجية الأمنية الأمريكية, وهلل 'المحافظون الجدد', سدنة النظرية, لقرب تحقق أحلامهم وآمالهم انطلاقًا من بغداد العاصمة.
وبعد مرور ثلاث سنوات من الغزو كانت الوثيقة الثانية للأمن القومي الأمريكي والتي أكدت مجددًا على ضرورة الحرب الوقائية والضربة الاستباقية في حفظ أمن الولايات المتحدة, حيث جاء في الوثيقة المعلنة في 16 مارس 2003 'أن إستراتيجية الأمن القومي ترتكز على أن 'الحرب على الإرهاب' هي كفاح مطول، وأن هذا الكفاح يتضمن على المدى القصير استخدام القوة العسكرية وغيرها من وسائل القوة الوطنية لقتل الإرهابيين أو اعتقالهم، وحرمانهم من الحصول على الملجأ الآمن أو السيطرة على أية دولة، ومنعهم من الوصول إلى أسلحة الدمار الشامل، وقطع مصادر دعمهم, أما على المدى الطويل فالانتصار في الحرب على الإرهاب يعني الفوز في معركة الأفكار، لأن الأفكار هي التي تستطيع أن تحول الأشخاص المحبطين إلى قتلة يريدون قتل الضحايا الأبرياء'.
وستيفن هادلي، مستشار الرئيس للأمن القومي علق على الوثيقة بقوله: 'إن العقيدة الاستباقية لازالت صحيحة، ويجب أن تظل جزءًا لا يتجزأ من إستراتيجيتنا للأمن القومي'.
وقد يكون صحيحًا أن الولايات المتحدة تمكنت من إزاحة الرئيس العراقي صدام حسين وأركان نظامه وجاءت بعصبة موالية زرعتها في أحشاء العراق ومفاصله.. ولكن سيظل السؤال الأبرز بعد سنوات ثلاث من الغزو مع هذا العزم الأمريكي على المضي في الحرب الاستباقية والوقائية ومداهمة الدول المارقة عن فلك القطب الواحد, كما يروج تيار 'المحافظون الجدد', هل تمكنت الولايات المتحدة من تحقيق أمنها كما أراد واضعو النظرية؟ وهل بات الأمريكي والغربي أمنًا في بيته كما أرادت الاستراتيجية الأمنية؟
بداية نقول إن ثمة أغلوطة كبرى روجتها الولايات المتحدة ومن ورائها القوى الغربية المتحالفة وربما تكون قد انجلت على البعض, تمثلت في توهيم العالم أن بغداد قد سقطت في أيديهم, وأن مقاليد الأمور لم تخرج عن قبضتهم.
وعسكريًا واستراتيجيًا هذه كذبة كبرى, فلم تسقط بغداد عسكريًا لأن الولايات المتحدة بقوتها العسكرية لم تستطع حتى الآن فرض سيطرتها على أركان العاصمة, ولا تملك إلا بروجها التي شيدتها والتي تقع تحت طائلة صواريخ المقاومة.
واستراتيجيًا لا يمكن للولايات المتحدة أن تبقي هذا الحجم من القوات في أرض العراق, وقد تستطيع فقط الاحتفاظ بعدة قواعد عسكرية, والقوات التي تقوم بتدريبها لا تستطيع أن تحافظ على أمنها فضلاً عن حفظ أمن بلد بكاملة.
ويقول الصحفي باتريك كاكبيرن معلقًا في صحيفة إندبندنت: إن بوش وبلير دأبا خلال السنوات الثلاث الماضية على محاولة التقليل من خطورة الوضع وجسامة ما يحدث على أرض العراق, مشيرًا إلى أنه محبط كصحفي لسماعه لهما وهما يزعمان أن أغلب العراق آمن الآن, وهو لا يستطيع إثبات كذبهما دون أن يفقد حياته أو يختطف.
وختم بتحذير الناس من تصديق ما يقوله بلير وبوش بشأن العراق الذي وعداه بحياة أفضل وحولاه بدلاً من ذلك إلى أخطر مكان في العالم.
ونقلت صحيفة الفاينانشيال تايمز وجهة نظر عسكرية أمريكية تدعى 'هيثي كيون' عادت مؤخرًا لبلادها بعد أن كانت من القلائل الذين مكثوا في الخدمة العسكرية في العراق منذ غزوه.
وهذه ترى حدودًا لقدرة الولايات المتحدة حيث إنها 'غير قادرة على منع حرب طائفية واسعة النطاق، كما أنها عاجزة عن نزع سلاح المليشيا، وهي غير قادرة على صياغة شكل الحكومة العراقية بشكل مباشر، وهي عاجزة عن ولا يجب أن تكون في وضع من يشرف على تأمين الخدمات الأساسية كالماء والكهرباء.
إنه سقوط حقيقي للولايات المتحدة في براثن بغداد, وليس سقوطًا لبغداد في القبضة الأمريكية الغربية ولو تصدع الرأس بحكايات وأماني عسكري الولايات المتحدة وساستها.
الأغلوطة الأكبر والتوهم الأعظم تلك المزاعم التي أطلقتها الولايات المتحدة, وربما تكون قد صدقتها, أن حربها الاستباقية والوقائية ومداهمة الدول المارقة عن فلكها ستعزز منظومة أمنها.
فقد أكد فرانسيس فوكاياما, وهو أحد مؤيدي تيار'المحافظون الجدد', أن تحدي الإرهاب صراع سياسي بطبعه، ولا يمكن حله بالوسائل العسكرية.
وصرح بأنه كان من الواضح بالنسبة له، قبل سنة من الحرب، 'أن حربًا مع العراق يمكن أن تكون، في الحد الأدنى، تشويشًا يصرف الأنظار عن القضايا الماثلة.. وبالفعل فقد انتهى الأمر إلى أن يكون الوضع أسوأ، مما جعل الإرهاب بالتالي يتفاقم.....,إن معالجة الإرهاب لن تكون عبر غزو بلدان، وإنما عبر أمور تمتد من عمليات شرطة واستخبارات إلى التعامل مع القضايا المثيرة للجدل مثل الرسوم الكاريكاتورية للنبي محمد...'.
وقال: 'نحن نحتاج إلى استراتيجية سياسية أكثر في مقابل استراتيجية عسكرية أقل، ومن هنا يحتاج الأمريكيون إلى محاولة صياغة العالم، ليس بالاستخدام الواسع للقوة العسكرية، وإنما بإقامة طائفة من المؤسسات المتعددة الجوانب التي يمكن عندئذ أن تصوغ مبادرات بعيدة الأمد للاستقرار والنمو والتعاون، من أجل صياغة العالم بدون اللجوء إلى القوة العسكرية..., إن فكرة أن أمريكا يمكن أن تستخدم وببساطة، قوتها المهيمنة لصياغة العالم بصورة كاملة، هي وهم'.
السقوط الحقيقي إذن كان سقوط النظرية الأمريكية التي تزعم أن حفظ الأمن يمر عبر غزو البلدان وإسقاط الأنظمة والتمادي في الضربات العسكرية الوقائية.
فما نشأ تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين إلا بعد غزو العراق, وما ازداد الحنق الشعبي على الولايات المتحدة وحلفائها إلا بعد غزو العراق, حتى أن تحقيق وزارة الداخلية البريطانية اعترف أن السياسة الخارجية لبريطانيا - وخاصة قرار غزو العراق - هي ما حفزت المفجرين الأربعة، على القيام بهجومهم.
وكانت مدريد بعيدة عن مرمى العمليات المسلحة, ولكن جرتها حرب العراق إلى أن تكون هدفًا لإحدى تلك الهجمات.
ويقول جيفري كيمب العضو السابق في مجلس الأمن القومي الأمريكي: إن المبادئ التي استند إليها بوش في شن الحرب على العراق بدا واضحًا جليًا فشلها، ويبقى فقط هدف تحويل العراق إلى نظام ديمقراطي في علم الغيب، فيما يزداد تفاقم مشكلة 'الإرهاب' في العالم.
وحتى هذا الهدف وصفه الخبير الاستراتيجي الأمريكي الدكتور أنتوني كوردسمان خبير الشئون الاستراتيجية بمركز الدراسات الدولية والاستراتيجية في واشنطن، بأنه وهم كبير, وحث إدارة بوش على التخلي عن الوهم الخاص بأنه سيكون بوسع الولايات المتحدة أن تحول العراق إلى دولة ديمقراطية تكون نموذجًا تحتذي به دول الشرق الأوسط.
وصرح كوردسمان في تقرير أعده عن فشل الاستراتيجية الأمنية التي تبناها 'المحافظون الجدد' بقوله: 'لقد آن الأوان لمواجهة حقيقة أنه لم يسبق للولايات المتحدة أن شهدت أوهامًا خطيرة في سياستها الخارجية مثل تلك التي روج لها المحافظون الجدد فيما يتعلق بالشرق الأوسط، ..فقد أدت تلك الأوهام إلى مصرع وإصابة الآلاف من الأمريكيين وقوات التحالف في العراق، وأصبحت تهدد الآن بهزيمة استراتيجية خطيرة للولايات المتحدة.. ولهذا، يجب أن يتم الاستغناء عن المحافظين الجدد في مكتب وزير الدفاع رامسفيلد، ونائب الرئيس ديك تشيني، وكذلك في وكالة الأمن القومي حتى يمكن الوقوف على أرض الواقع بعيدًا عن تلك الأوهام...'. سويس إنفو24/5/2004
والذي قاد الاتحاد السوفيتي نحو مصيره المحتوم نصح الولايات المتحدة بالحذر من سياستها الأمنية المفرطة في القوة وتنبأ بمصير مهلك لها.
وأكد ميخائيل جورباتشوف أن الولايات المتحدة باتت مسمومة بقوتها، وقال مع تصريح لمجلة تايم: 'هذا الحديث عن الضربات الوقائية، وتجاهل مجلس الأمن الدولي، والالتزامات الشرعية العالمية، يقود نحو مستقبل حالك'.
فما سقطت بغداد ولو زعموا وقالوا, بل سقطت أمريكا في بغداد, وسقطت منظومتها الأمنية على أبوابها..وانتهت أحلام 'المحافظون الجدد' وآمالهم.
يتبع
: الاستراتيجية الأمنية الأمريكية التي أفرزتها تداعيات أحداث الحادي عشر من سبتمبر, والتي تجسدت في ركنها الأساس في 'الحرب الوقائية' وإحباط رغبة 'الأنظمة المارقة' في تهديد أمن الولايات المتحدة من خلال دعمها لما يسمى بأركان الإرهاب العالمي كانت بحاجة, من وجهة نظر 'المحافظون الجدد', إلى نموذج تطبيقي يجسد النظرية ويسحبها من طيات التنظير إلى حيز الواقع والمشاهدة.
وكان العراق هو الأقرب, لإنجاح التجربة وتأكيد مصداقيتها في الواقع الدولي, فقد سارع وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفلد صباح اليوم التالي لهجمات 11 سبتمبر، ليحسم الخيار الأمريكي ويدعو لأن يكون العراق هو الهدف الأول في الحرب الأمريكية على 'الإرهاب'.
ومن هنا روجت الولايات المتحدة لعراق يطفو على بحر من الأسلحة الكيمائية والجرثومية, وأنها دولة مارقة تقف على مشارف ـ إن لم تكن قد وصلت بالفعل ـ التقنية اللازمة لصنع الأسلحة النووية التي تهدد منظومة الأمن الأمريكية.. ووقف كولن بول وزير الخارجية في الأمم المتحدة حينذاك يشير لمواقع تخزين تلك الأسلحة ورصدها بالأقمار الاصطناعية, والخطر الكامن من ورائها على الأمن العالمي.
وفيما يبدو أن القصة كانت بحاجة إلى مزيد من الإثارة, فاتت الحبكة الثانية عن علاقة وطيدة تربط بين النظام العراقي وأركان 'الإرهاب العالمي'..وأن الأصابع العراقية بادية وظاهرة في هجمات الحادي عشر من سبتمبر تمويلاً وتدريبًا وتخطيطًا.
اكتملت الحلقة حول العراق ونسجت الأحاديث والقصص حول خطورته على منظومة الأمن العالمية وعلى الولايات المتحدة على وجه الخصوص, فقادت الولايات المتحدة جيشها للحرب في العشرين من شهر مارس عام 2003, وعقب الغزو بأسابيع وفي التاسع من شهر أبريل كان دخول تلك القوات بغداد, ليقف بوش مزهوًا مفتخرًا بأن الحرب انتهت, وانتصر 'تحالف الراغبين' في الأمن على 'قوى الشر' الصاعدة, وانتصرت تبعًا لذلك الاستراتيجية الأمنية الأمريكية, وهلل 'المحافظون الجدد', سدنة النظرية, لقرب تحقق أحلامهم وآمالهم انطلاقًا من بغداد العاصمة.
وبعد مرور ثلاث سنوات من الغزو كانت الوثيقة الثانية للأمن القومي الأمريكي والتي أكدت مجددًا على ضرورة الحرب الوقائية والضربة الاستباقية في حفظ أمن الولايات المتحدة, حيث جاء في الوثيقة المعلنة في 16 مارس 2003 'أن إستراتيجية الأمن القومي ترتكز على أن 'الحرب على الإرهاب' هي كفاح مطول، وأن هذا الكفاح يتضمن على المدى القصير استخدام القوة العسكرية وغيرها من وسائل القوة الوطنية لقتل الإرهابيين أو اعتقالهم، وحرمانهم من الحصول على الملجأ الآمن أو السيطرة على أية دولة، ومنعهم من الوصول إلى أسلحة الدمار الشامل، وقطع مصادر دعمهم, أما على المدى الطويل فالانتصار في الحرب على الإرهاب يعني الفوز في معركة الأفكار، لأن الأفكار هي التي تستطيع أن تحول الأشخاص المحبطين إلى قتلة يريدون قتل الضحايا الأبرياء'.
وستيفن هادلي، مستشار الرئيس للأمن القومي علق على الوثيقة بقوله: 'إن العقيدة الاستباقية لازالت صحيحة، ويجب أن تظل جزءًا لا يتجزأ من إستراتيجيتنا للأمن القومي'.
وقد يكون صحيحًا أن الولايات المتحدة تمكنت من إزاحة الرئيس العراقي صدام حسين وأركان نظامه وجاءت بعصبة موالية زرعتها في أحشاء العراق ومفاصله.. ولكن سيظل السؤال الأبرز بعد سنوات ثلاث من الغزو مع هذا العزم الأمريكي على المضي في الحرب الاستباقية والوقائية ومداهمة الدول المارقة عن فلك القطب الواحد, كما يروج تيار 'المحافظون الجدد', هل تمكنت الولايات المتحدة من تحقيق أمنها كما أراد واضعو النظرية؟ وهل بات الأمريكي والغربي أمنًا في بيته كما أرادت الاستراتيجية الأمنية؟
بداية نقول إن ثمة أغلوطة كبرى روجتها الولايات المتحدة ومن ورائها القوى الغربية المتحالفة وربما تكون قد انجلت على البعض, تمثلت في توهيم العالم أن بغداد قد سقطت في أيديهم, وأن مقاليد الأمور لم تخرج عن قبضتهم.
وعسكريًا واستراتيجيًا هذه كذبة كبرى, فلم تسقط بغداد عسكريًا لأن الولايات المتحدة بقوتها العسكرية لم تستطع حتى الآن فرض سيطرتها على أركان العاصمة, ولا تملك إلا بروجها التي شيدتها والتي تقع تحت طائلة صواريخ المقاومة.
واستراتيجيًا لا يمكن للولايات المتحدة أن تبقي هذا الحجم من القوات في أرض العراق, وقد تستطيع فقط الاحتفاظ بعدة قواعد عسكرية, والقوات التي تقوم بتدريبها لا تستطيع أن تحافظ على أمنها فضلاً عن حفظ أمن بلد بكاملة.
ويقول الصحفي باتريك كاكبيرن معلقًا في صحيفة إندبندنت: إن بوش وبلير دأبا خلال السنوات الثلاث الماضية على محاولة التقليل من خطورة الوضع وجسامة ما يحدث على أرض العراق, مشيرًا إلى أنه محبط كصحفي لسماعه لهما وهما يزعمان أن أغلب العراق آمن الآن, وهو لا يستطيع إثبات كذبهما دون أن يفقد حياته أو يختطف.
وختم بتحذير الناس من تصديق ما يقوله بلير وبوش بشأن العراق الذي وعداه بحياة أفضل وحولاه بدلاً من ذلك إلى أخطر مكان في العالم.
ونقلت صحيفة الفاينانشيال تايمز وجهة نظر عسكرية أمريكية تدعى 'هيثي كيون' عادت مؤخرًا لبلادها بعد أن كانت من القلائل الذين مكثوا في الخدمة العسكرية في العراق منذ غزوه.
وهذه ترى حدودًا لقدرة الولايات المتحدة حيث إنها 'غير قادرة على منع حرب طائفية واسعة النطاق، كما أنها عاجزة عن نزع سلاح المليشيا، وهي غير قادرة على صياغة شكل الحكومة العراقية بشكل مباشر، وهي عاجزة عن ولا يجب أن تكون في وضع من يشرف على تأمين الخدمات الأساسية كالماء والكهرباء.
إنه سقوط حقيقي للولايات المتحدة في براثن بغداد, وليس سقوطًا لبغداد في القبضة الأمريكية الغربية ولو تصدع الرأس بحكايات وأماني عسكري الولايات المتحدة وساستها.
الأغلوطة الأكبر والتوهم الأعظم تلك المزاعم التي أطلقتها الولايات المتحدة, وربما تكون قد صدقتها, أن حربها الاستباقية والوقائية ومداهمة الدول المارقة عن فلكها ستعزز منظومة أمنها.
فقد أكد فرانسيس فوكاياما, وهو أحد مؤيدي تيار'المحافظون الجدد', أن تحدي الإرهاب صراع سياسي بطبعه، ولا يمكن حله بالوسائل العسكرية.
وصرح بأنه كان من الواضح بالنسبة له، قبل سنة من الحرب، 'أن حربًا مع العراق يمكن أن تكون، في الحد الأدنى، تشويشًا يصرف الأنظار عن القضايا الماثلة.. وبالفعل فقد انتهى الأمر إلى أن يكون الوضع أسوأ، مما جعل الإرهاب بالتالي يتفاقم.....,إن معالجة الإرهاب لن تكون عبر غزو بلدان، وإنما عبر أمور تمتد من عمليات شرطة واستخبارات إلى التعامل مع القضايا المثيرة للجدل مثل الرسوم الكاريكاتورية للنبي محمد...'.
وقال: 'نحن نحتاج إلى استراتيجية سياسية أكثر في مقابل استراتيجية عسكرية أقل، ومن هنا يحتاج الأمريكيون إلى محاولة صياغة العالم، ليس بالاستخدام الواسع للقوة العسكرية، وإنما بإقامة طائفة من المؤسسات المتعددة الجوانب التي يمكن عندئذ أن تصوغ مبادرات بعيدة الأمد للاستقرار والنمو والتعاون، من أجل صياغة العالم بدون اللجوء إلى القوة العسكرية..., إن فكرة أن أمريكا يمكن أن تستخدم وببساطة، قوتها المهيمنة لصياغة العالم بصورة كاملة، هي وهم'.
السقوط الحقيقي إذن كان سقوط النظرية الأمريكية التي تزعم أن حفظ الأمن يمر عبر غزو البلدان وإسقاط الأنظمة والتمادي في الضربات العسكرية الوقائية.
فما نشأ تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين إلا بعد غزو العراق, وما ازداد الحنق الشعبي على الولايات المتحدة وحلفائها إلا بعد غزو العراق, حتى أن تحقيق وزارة الداخلية البريطانية اعترف أن السياسة الخارجية لبريطانيا - وخاصة قرار غزو العراق - هي ما حفزت المفجرين الأربعة، على القيام بهجومهم.
وكانت مدريد بعيدة عن مرمى العمليات المسلحة, ولكن جرتها حرب العراق إلى أن تكون هدفًا لإحدى تلك الهجمات.
ويقول جيفري كيمب العضو السابق في مجلس الأمن القومي الأمريكي: إن المبادئ التي استند إليها بوش في شن الحرب على العراق بدا واضحًا جليًا فشلها، ويبقى فقط هدف تحويل العراق إلى نظام ديمقراطي في علم الغيب، فيما يزداد تفاقم مشكلة 'الإرهاب' في العالم.
وحتى هذا الهدف وصفه الخبير الاستراتيجي الأمريكي الدكتور أنتوني كوردسمان خبير الشئون الاستراتيجية بمركز الدراسات الدولية والاستراتيجية في واشنطن، بأنه وهم كبير, وحث إدارة بوش على التخلي عن الوهم الخاص بأنه سيكون بوسع الولايات المتحدة أن تحول العراق إلى دولة ديمقراطية تكون نموذجًا تحتذي به دول الشرق الأوسط.
وصرح كوردسمان في تقرير أعده عن فشل الاستراتيجية الأمنية التي تبناها 'المحافظون الجدد' بقوله: 'لقد آن الأوان لمواجهة حقيقة أنه لم يسبق للولايات المتحدة أن شهدت أوهامًا خطيرة في سياستها الخارجية مثل تلك التي روج لها المحافظون الجدد فيما يتعلق بالشرق الأوسط، ..فقد أدت تلك الأوهام إلى مصرع وإصابة الآلاف من الأمريكيين وقوات التحالف في العراق، وأصبحت تهدد الآن بهزيمة استراتيجية خطيرة للولايات المتحدة.. ولهذا، يجب أن يتم الاستغناء عن المحافظين الجدد في مكتب وزير الدفاع رامسفيلد، ونائب الرئيس ديك تشيني، وكذلك في وكالة الأمن القومي حتى يمكن الوقوف على أرض الواقع بعيدًا عن تلك الأوهام...'. سويس إنفو24/5/2004
والذي قاد الاتحاد السوفيتي نحو مصيره المحتوم نصح الولايات المتحدة بالحذر من سياستها الأمنية المفرطة في القوة وتنبأ بمصير مهلك لها.
وأكد ميخائيل جورباتشوف أن الولايات المتحدة باتت مسمومة بقوتها، وقال مع تصريح لمجلة تايم: 'هذا الحديث عن الضربات الوقائية، وتجاهل مجلس الأمن الدولي، والالتزامات الشرعية العالمية، يقود نحو مستقبل حالك'.
فما سقطت بغداد ولو زعموا وقالوا, بل سقطت أمريكا في بغداد, وسقطت منظومتها الأمنية على أبوابها..وانتهت أحلام 'المحافظون الجدد' وآمالهم.
يتبع