النافذ
01-Apr-2006, 05:11 PM
الأكاذيب الأمريكية بعد ثلاث سنوات من غزو العراق
بعد مرور ثلاث سنوات من الغزو الأمريكي المشئوم، يجدر بنا أن نقف لنتأمل في الدعاوى الأمريكية التي ساقها اليمين الأمريكي المتطرف بقيادة بوش لتبرير الغزو، ونقلب في أوضاع جنة الفردوس الموعودة التي بشر بها بوش أبناء الشعب العراقي المسكين، ثم ننظر إلى حال المقاومة العراقية ومستقبلها، ثم نختم بتأثيرات ما حدث في العراق على الداخل الأمريكي.
وبداية فقد كانت مبررات الأمريكان من غزو العراق، ومعهم أذنابهم الإنجليز، هي البحث عن أسلحة الدمار الشامل، وعلى مرأى من العالم كله وبحضور الخبراء والجنود والضباط الأمريكان، انهارت هذه الدعوى، وأدرك العالم أجمع كم الكذب والتلفيق والاختلاق والتزوير والتدليس الذي مارسه الأمريكان والانجليز لتحقيق أغراضهم الدنيئة المسبقة.
آخر هذه التأكيدات جاء من داخل الكيان الصهيوني نفسه، فقد أكد تقرير نشره مركز 'جافي' للأبحاث التابع لجامعة تل أبيب أن 'إسرائيل' كانت شريكاً كاملا مع نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير في اختراع صورة استخباراتية كاذبة لأسلحة الدمار الشامل المزعومة في العراق. وقال إن حملة تشويه المعلومات قامت بها الحكومات الثلاث بتنسيق تام لتبرير غزو العراق.
وكانت الدعوى الثانية هي نشر الديمقراطية وبناء مجتمع عراقي جديد على أنقاض المجتمع الديكتاتوري الذي بناه صدام حسين. وكانت النتائج التي تحققت بعد الغزو هي هدم المجتمع العراقي ببنيته الأساسية ومؤسساته، بل وقتل علمائه، ونهب ثرواته، وتدمير تراثه.
والانتخابات التي أجروها كانت انتخابات مزورة تهدف إلى خدمة الأهداف الأمريكية المسبقة، والدليل على ذلك هو أن الدستور الأمريكي تم فرضه فرضاً على نخبة اللصوص الذين يديرون العراق، ثم تزوير الاستفتاء عليه بعد أن رفضته عدة محافظات.
لقد ادعى الأمريكان وأذنابهم أن من أهدافهم إلغاء ذكرى وواقع القبور الجماعية من قاموس العراقيين وذاكرتهم، ولكن الذي حدث هو أن خمسين عراقياً يموتون يومياً، وأن هناك قبوراً جماعية ينفذها الشيعة ضد السنة كل يوم. كما أن الاحتلال ينفذ بين الحين والآخر اعتداءات شرسة ضد مدن السنة، الرمادي والفلوجة والقائم وسامراء وغيرها، ويموت فيها الآلاف الذين يدفنون في مقابر جماعية.
وكانت دعاوى الأمريكان أيضاً حل الجيش العراقي الذي يتسلح بأسلحة الدمار الشامل ويهدد السلام في المنطقة، وكان الحل كارثة، بعد أن تحول الجنود والضباط إلى عاطلين. وعندما تم حل الجيش لم يعد بمقدور أحد السيطرة على الوضع الداخلي، فانفلت العيار وأصبحت فصائل الشعب العراقي تأكل بعضها. وأسس الأمريكان بغباء مليشيات عراقية طائفية حاقدة متعطشة للانتقام موالية للدول الأجنبية، فأخذت ترتكب المذابح وتعيث في الأرض فساداً وتؤجج الحرب الأهلية.
وإذا كان الأمريكان يدعون أنهم جاءوا لتحرير الشعب العراقي من قبضة نظام صدام حسين الديكتاتوري، فإنهم أسسوا سجون التعذيب وفرق الموت، التي تقودها أجهزة الدولة الرسمية، وعلى رأسها وزارة الداخلية، بقيادتها الطائفية.
ادعى الأمريكان أيضاً أنهم سيعيدون ثروة صدام حسين التي تبلغ عشرات المليارات في بنوك سويسرا، وكذلك أبناؤه وبناته وأركان حكمه، لنكتشف أن هؤلاء لا ثروات لهم، بينما حكام العراق الجديد، الذين جاءوا على ظهور الدبابات الأمريكية، يعيشون عيشة الملوك، ولديهم أكبر الأرصدة في البنوك الغربية، وأفخم الشقق والقصور في عواصم أوروبا وأمريكا.
وكان من دعاوى واشنطن لاحتلال العراق ما أسمته باستمرار الجهود في الحرب على الإرهاب، لكن الذي حدث هو أن أصبح العراق مصدّراً له وليس مجرد مستورد، بعد أن توافد إلى العراق الكثير من محبي الجهاد.
إبداع المقاومة العراقية
الذي لم يتخيله بوش وإدارته هو ظهور المقاومة العراقية بهذه الكفاءة وبهذا المستوى الذي فاجأ الجميع وعلى رأسهم قيادات البنتاجون.
المقاومة العراقية لا تشابهها أي من حروب المقاومة الشعبية الأخرى في التاريخ، في سرعة اندلاعها وأساليب عملياتها الخاصة، الأمر الذي أحدث إرباكا واضحا في صفوف قادة ومخططي العدو المحتل، لعدم معرفة حجم وخواص وطبيعة التشكيلات القيادية الميدانية للمقاومة. ففي بداية انطلاقتها وصفها رامسفيلد، بأنها تتكون من حفنة من اليائسين و فلول النظام السابق ثم تراجع وقال بأنهم عدة آلاف من المقاتلين العرب والأجانب وأزلام صدام، إلى أن مرغت المقاومة أنف أقوى جيش في العالم في التراب، عندها اعترفوا بأنهم أكثر عددا من قوات الاحتلال ومرتزقتها وأنهم بحدود 200 ألف مقاتل وأن المقاتلين العرب لا يشكلون سوى 2% من المقاتلين العراقيين.
لقد تطورت المقاومة العراقية، خلال العامين الماضيين تطورا كبيراً، سواءً من جانب العمليات النوعية التي نفذتها أو في حجم الخسائر التي ألحقتها بالقوات الأمريكية أو حالة الإرباك والفوضى التي بثتها بين قوات الاحتلال.
مناهضة الاحتلال تزداد يوماً بعد آخر وذلك يشجع ويزيد الفعل المقاوم ويعطي المقاومة الدعم المستمر الذي تحتاجه لتطورها وزيادة فعالياتها القتالية، وهذا يشبه ما حدث في فيتنام.
الخبراء في شؤون حرب العصابات وحركات المقاومة مقتنعون بأن هذه الحرب لا يمكن للجيش الأمريكي الفوز بها، وأنها مسألة وقت لا أكثر إلى أن تعلن القوات المحتلة انسحابها من العراق.
يريدون الانسحاب ولن ينفذوه
المقاومة العراقية الباسلة جعلت الأمريكان يدرسون جدياً قرار الانسحاب، وما يتردد من تصريحات متضاربة يعلنها المسئولون الأمريكيون عن البرنامج الزمني لسحب القوات الأمريكية من العراق، يعكس الخلافات الشديدة داخل الإدارة الأمريكية بشأن هذه القضية. البنتاجون يرى أن خطة سحب القوات الأمريكية سوف تمضي وفقاً لمدى التقدم المحرز في تأهيل ضباط الأمن العراقي للاضطلاع بالمهام الأمنية في العراق، واستكمال مسيرة الديمقراطية، وحدوث تطور في المجال الاقتصادي وبرامج إعادة البناء والإعمار.
ويرى رامسفيلد ومساعدوه أن القوات العراقية التي يجرى إعدادها لتولي المهام الأمنية لن تكون قادرة على السيطرة على مقاليد الأمور والحفاظ على استقرار البلاد، بسبب عدم كفاية أعدادها وضعف قدراتها القتالية، فضلاً عن أن هذه القوات لا تعبر عن مختلف فئات الشعب العراقي، كما أنها منخرطة في الصراعات الدائرة بين الطوائف العراقية، ومرتبطة بتحالفات مع بعضها ضد البعض الآخر، وهو ما يفقدها المصداقية اللازمة. أما الحديث عن التطور في العملية الديمقراطية وتحسن الأحوال الاقتصادية للشعب العراقي، فإن الأمر يحتاج إلى سنوات وربما إلى عقود حتى يتحقق إنجاز ملموس، وهو ما يعني أن مبررات تأجيل الانسحاب الأمريكي أو تجميده إلى أجل غير مسمى قائمة.
خبرتنا مع بوش وإدارته المتطرفة، تجعلنا لا نتوقع انسحاباً قريباً من العراق، فالجيش الأمريكي يقوم الآن ببناء أكثر من 14 قاعدة رئيسية للقوات الأمريكية تبدأ من الموصل وتنتهي بالبصرة، ويقوم ببنائها آلاف العمال الآسيويون الذين يعملون على الأقل 12 ساعة في اليوم.
إحدى أكثر الحجج القويّة ضد الانسحاب الأميركي المبرمج والمنظم، المخطط له والمرحلي من العراق، تتعلق برغبة الإدارة الأميركية بالبقاء في العراق من أجل الحفاظ على سمعتها الخاصة وعلى المصداقية الأمريكية.
ويعتبر صناع السياسة الأمريكيون، أن الإصرار على عدم الانسحاب من العراق هو الطريق الوحيد لضمان مستوى عال من المصداقية للولايات المتحدة تجاه خصومها في المنطقة. ويجادلون بأن الانسحاب الأمريكي من العراق كما فعلت في فيتنام، أو السماح بهزيمة حلفائها كما حصل مع الشاه في إيران، سيرسل إشارات خاطئة إلى المتمردين وستعتقد القوى الراديكالية أنها قادرة على مهاجمة المصالح الأميركية وتجاهل تهديداتها.
الاحتلال الأمريكي للعراق هو جزء من رؤية إستراتيجية متكاملة لإعادة ترتيب الأوضاع في الشرق الأوسط من منظور المصلحة القومية الأمريكية، وإذا كانت الولايات المتحدة قد تمكنت من إنجاز عدد من أهدافها في العراق، وفي مقدمتها إسقاط نظام صدام حسين، وتدمير البنية العسكرية والجيش العراقي، بدعوى أنه كان يشكل تهديداً لأمن حليفتها إسرائيل، فهي الآن تقوم باستكمال باقي مهمتها، وهي بناء القواعد العسكرية اللازمة لبقائها طويل الأمد في المنطقة، من أجل تنفيذ مخططها الرامي إلى إحكام السيطرة على النفط العراقي، والقضاء على النظم التي تعتقد أنها تشكل تهديداً لمصالحها ولأمن إسرائيل.
هناك عوامل إستراتيجية لا تتصل بهيبة أمريكا مثلاً أو خسارة الحرب ضد الإرهاب؛ فهذه أمور يمكن احتمالها، ولكنها تتصل بمستقبل إسرائيل، ومن المعروف أن اللوبي الصهيوني قام بدور كبير في جر إدارة الرئيس بوش إلى غزو العراق، وهذا اللوبي لا يريد الانسحاب الأمريكي من العراق؛ لأن ذلك معناه انتشار روح عالية من المقاومة داخل فلسطين والعرب والمسلمين ما يشكل أكبر الخطر على وجود إسرائيل ذاته، وكذلك فإن القوى الحاكمة في الغرب عمومًا، وفي أمريكا خصوصًا ترى أن الانسحاب من العراق يعني خسارة الغرب كله وليس أمريكا أمام العرب والمسلمين، الأمر الذي لم يحدث منذ مئات السنين، وربما يؤدي إلى بداية صعود المسلمين ونهاية الغرب.
وفي هذا الصدد فإن رئيس الوزراء البريطاني توني بلير عبّر عن نفس المعنى بقوله: 'إن معركتنا في العراق معركة إستراتيجية يجب أن ننتصر فيها بأي ثمن، ولو قدر لبريطانيا الانسحاب من العراق فإن المتشددين سيطلبون خروج القوات الأجنبية من أفغانستان، ومن ثم الشرق الأوسط كله، إن هزيمة أمريكا في العراق هزيمة للغرب كله'.
جنة الفردوس الموعودة!!
لم ينل العراق خيراً من الأمريكان بعد الغزو المشئوم، فبالإضافة لقتل أكثر من 150 ألف عراقي وجرح وإعاقة مثلهم، فقد أهدى الأمريكان للعراق مجموعة من اللصوص الذين جاءوا بهم كقادة، فعاث هؤلاء اللصوص في أرض الرافدين فساداً، وسرقوا ثرواته، وأشعلوا نيران الفتنة الطائفية في مجتمعه الآمن، وحولوه من دولة مرهوبة الجانب إلى دولة بائسة ممزقة منهوبة.
وباستثناء بعض الأفراد من عصابات الأحزاب الشيعية المرتبطة بإيران وبعض سياسي الأكراد، لا احد من العراقيين يقبل الاحتلال الأمريكي الغاشم للعراق. هؤلاء جميعا دخلوا العراق بالدبابة الأمريكية ولا يهمهم إلا الكسب المالي فقط, وليس لديهم أي وازع وطني أو ديني أو أخلاقي ويعرفون إنهم سيتركون البلد بمجرد انتهاء الحماية الأمريكية لهم.
ماذا كسبت أمريكا من الغزو؟
لم يسبق أن شهدنا إدارة أمريكية تفسر، عن عمد وتدليس وقسوة، المأساة على أنها نجاح والهزيمة على أنها نصر والموت على أنه حياة، بمساعدة صحافة أمريكية متواطئة، كما رأيناها في العراق.
لقد دفعت واشنطن أثماناً كبيرة للصين وروسيا والأوروبيين، من أجل توفير المزيد من الإجماع حول الملف العراقي.
كما أن صورة الولايات المتحدة قد تضررت وازداد العداء لها في أوساط الشعوب العربية والإسلامية.
وندلل على ذلك بأنه نتيجة لهذه السياسة الهوجاء فإن واشنطن الآن أصبحت رهينة لإيران في العراق، وتجد نفسها مرغمة للجلوس معها للتفاوض بشأن الملف العراقي، لأن الجيش الأمريكي في العراق والبالغ تعداده 150 ألف جندي وضابط، هو أسير لإيران، التي يمكنها إصدار أوامرها للشيعة باستهدافه، وهذا ربما يجعل واشنطن تخفف من تعنتها في الملف النووي الإيراني وهي كارهة.
على مستوى الداخل الأمريكي كانت النتيجة بعد مرور 3سنوات على قرار الغزو المشئوم، عشرات الآلاف من القتلى والجرحى في صفوف القوات الأمريكية، واستنزاف متواصل للخزينة الأمريكية ولدافع الضرائب الأمريكي الذي تأثرت حياته اليومية سلباً بفعل سياسات الرئيس بوش وإدارته، بسبب تردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية.
كما أن سمعة أمريكا ومكانتها الدولية تدنت تماماً بفعل قرار الغزو وما أعقبه من تداعيات وممارسات، بعد الكشف عن بعض جوانب ممارسات إدارة بوش في مجال الحريات واحترام حقوق الإنسان، في أبو غريب وغوانتنامو وباجرام .... الخ.
بعد مرور ثلاث سنوات من الغزو الأمريكي المشئوم، يجدر بنا أن نقف لنتأمل في الدعاوى الأمريكية التي ساقها اليمين الأمريكي المتطرف بقيادة بوش لتبرير الغزو، ونقلب في أوضاع جنة الفردوس الموعودة التي بشر بها بوش أبناء الشعب العراقي المسكين، ثم ننظر إلى حال المقاومة العراقية ومستقبلها، ثم نختم بتأثيرات ما حدث في العراق على الداخل الأمريكي.
وبداية فقد كانت مبررات الأمريكان من غزو العراق، ومعهم أذنابهم الإنجليز، هي البحث عن أسلحة الدمار الشامل، وعلى مرأى من العالم كله وبحضور الخبراء والجنود والضباط الأمريكان، انهارت هذه الدعوى، وأدرك العالم أجمع كم الكذب والتلفيق والاختلاق والتزوير والتدليس الذي مارسه الأمريكان والانجليز لتحقيق أغراضهم الدنيئة المسبقة.
آخر هذه التأكيدات جاء من داخل الكيان الصهيوني نفسه، فقد أكد تقرير نشره مركز 'جافي' للأبحاث التابع لجامعة تل أبيب أن 'إسرائيل' كانت شريكاً كاملا مع نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير في اختراع صورة استخباراتية كاذبة لأسلحة الدمار الشامل المزعومة في العراق. وقال إن حملة تشويه المعلومات قامت بها الحكومات الثلاث بتنسيق تام لتبرير غزو العراق.
وكانت الدعوى الثانية هي نشر الديمقراطية وبناء مجتمع عراقي جديد على أنقاض المجتمع الديكتاتوري الذي بناه صدام حسين. وكانت النتائج التي تحققت بعد الغزو هي هدم المجتمع العراقي ببنيته الأساسية ومؤسساته، بل وقتل علمائه، ونهب ثرواته، وتدمير تراثه.
والانتخابات التي أجروها كانت انتخابات مزورة تهدف إلى خدمة الأهداف الأمريكية المسبقة، والدليل على ذلك هو أن الدستور الأمريكي تم فرضه فرضاً على نخبة اللصوص الذين يديرون العراق، ثم تزوير الاستفتاء عليه بعد أن رفضته عدة محافظات.
لقد ادعى الأمريكان وأذنابهم أن من أهدافهم إلغاء ذكرى وواقع القبور الجماعية من قاموس العراقيين وذاكرتهم، ولكن الذي حدث هو أن خمسين عراقياً يموتون يومياً، وأن هناك قبوراً جماعية ينفذها الشيعة ضد السنة كل يوم. كما أن الاحتلال ينفذ بين الحين والآخر اعتداءات شرسة ضد مدن السنة، الرمادي والفلوجة والقائم وسامراء وغيرها، ويموت فيها الآلاف الذين يدفنون في مقابر جماعية.
وكانت دعاوى الأمريكان أيضاً حل الجيش العراقي الذي يتسلح بأسلحة الدمار الشامل ويهدد السلام في المنطقة، وكان الحل كارثة، بعد أن تحول الجنود والضباط إلى عاطلين. وعندما تم حل الجيش لم يعد بمقدور أحد السيطرة على الوضع الداخلي، فانفلت العيار وأصبحت فصائل الشعب العراقي تأكل بعضها. وأسس الأمريكان بغباء مليشيات عراقية طائفية حاقدة متعطشة للانتقام موالية للدول الأجنبية، فأخذت ترتكب المذابح وتعيث في الأرض فساداً وتؤجج الحرب الأهلية.
وإذا كان الأمريكان يدعون أنهم جاءوا لتحرير الشعب العراقي من قبضة نظام صدام حسين الديكتاتوري، فإنهم أسسوا سجون التعذيب وفرق الموت، التي تقودها أجهزة الدولة الرسمية، وعلى رأسها وزارة الداخلية، بقيادتها الطائفية.
ادعى الأمريكان أيضاً أنهم سيعيدون ثروة صدام حسين التي تبلغ عشرات المليارات في بنوك سويسرا، وكذلك أبناؤه وبناته وأركان حكمه، لنكتشف أن هؤلاء لا ثروات لهم، بينما حكام العراق الجديد، الذين جاءوا على ظهور الدبابات الأمريكية، يعيشون عيشة الملوك، ولديهم أكبر الأرصدة في البنوك الغربية، وأفخم الشقق والقصور في عواصم أوروبا وأمريكا.
وكان من دعاوى واشنطن لاحتلال العراق ما أسمته باستمرار الجهود في الحرب على الإرهاب، لكن الذي حدث هو أن أصبح العراق مصدّراً له وليس مجرد مستورد، بعد أن توافد إلى العراق الكثير من محبي الجهاد.
إبداع المقاومة العراقية
الذي لم يتخيله بوش وإدارته هو ظهور المقاومة العراقية بهذه الكفاءة وبهذا المستوى الذي فاجأ الجميع وعلى رأسهم قيادات البنتاجون.
المقاومة العراقية لا تشابهها أي من حروب المقاومة الشعبية الأخرى في التاريخ، في سرعة اندلاعها وأساليب عملياتها الخاصة، الأمر الذي أحدث إرباكا واضحا في صفوف قادة ومخططي العدو المحتل، لعدم معرفة حجم وخواص وطبيعة التشكيلات القيادية الميدانية للمقاومة. ففي بداية انطلاقتها وصفها رامسفيلد، بأنها تتكون من حفنة من اليائسين و فلول النظام السابق ثم تراجع وقال بأنهم عدة آلاف من المقاتلين العرب والأجانب وأزلام صدام، إلى أن مرغت المقاومة أنف أقوى جيش في العالم في التراب، عندها اعترفوا بأنهم أكثر عددا من قوات الاحتلال ومرتزقتها وأنهم بحدود 200 ألف مقاتل وأن المقاتلين العرب لا يشكلون سوى 2% من المقاتلين العراقيين.
لقد تطورت المقاومة العراقية، خلال العامين الماضيين تطورا كبيراً، سواءً من جانب العمليات النوعية التي نفذتها أو في حجم الخسائر التي ألحقتها بالقوات الأمريكية أو حالة الإرباك والفوضى التي بثتها بين قوات الاحتلال.
مناهضة الاحتلال تزداد يوماً بعد آخر وذلك يشجع ويزيد الفعل المقاوم ويعطي المقاومة الدعم المستمر الذي تحتاجه لتطورها وزيادة فعالياتها القتالية، وهذا يشبه ما حدث في فيتنام.
الخبراء في شؤون حرب العصابات وحركات المقاومة مقتنعون بأن هذه الحرب لا يمكن للجيش الأمريكي الفوز بها، وأنها مسألة وقت لا أكثر إلى أن تعلن القوات المحتلة انسحابها من العراق.
يريدون الانسحاب ولن ينفذوه
المقاومة العراقية الباسلة جعلت الأمريكان يدرسون جدياً قرار الانسحاب، وما يتردد من تصريحات متضاربة يعلنها المسئولون الأمريكيون عن البرنامج الزمني لسحب القوات الأمريكية من العراق، يعكس الخلافات الشديدة داخل الإدارة الأمريكية بشأن هذه القضية. البنتاجون يرى أن خطة سحب القوات الأمريكية سوف تمضي وفقاً لمدى التقدم المحرز في تأهيل ضباط الأمن العراقي للاضطلاع بالمهام الأمنية في العراق، واستكمال مسيرة الديمقراطية، وحدوث تطور في المجال الاقتصادي وبرامج إعادة البناء والإعمار.
ويرى رامسفيلد ومساعدوه أن القوات العراقية التي يجرى إعدادها لتولي المهام الأمنية لن تكون قادرة على السيطرة على مقاليد الأمور والحفاظ على استقرار البلاد، بسبب عدم كفاية أعدادها وضعف قدراتها القتالية، فضلاً عن أن هذه القوات لا تعبر عن مختلف فئات الشعب العراقي، كما أنها منخرطة في الصراعات الدائرة بين الطوائف العراقية، ومرتبطة بتحالفات مع بعضها ضد البعض الآخر، وهو ما يفقدها المصداقية اللازمة. أما الحديث عن التطور في العملية الديمقراطية وتحسن الأحوال الاقتصادية للشعب العراقي، فإن الأمر يحتاج إلى سنوات وربما إلى عقود حتى يتحقق إنجاز ملموس، وهو ما يعني أن مبررات تأجيل الانسحاب الأمريكي أو تجميده إلى أجل غير مسمى قائمة.
خبرتنا مع بوش وإدارته المتطرفة، تجعلنا لا نتوقع انسحاباً قريباً من العراق، فالجيش الأمريكي يقوم الآن ببناء أكثر من 14 قاعدة رئيسية للقوات الأمريكية تبدأ من الموصل وتنتهي بالبصرة، ويقوم ببنائها آلاف العمال الآسيويون الذين يعملون على الأقل 12 ساعة في اليوم.
إحدى أكثر الحجج القويّة ضد الانسحاب الأميركي المبرمج والمنظم، المخطط له والمرحلي من العراق، تتعلق برغبة الإدارة الأميركية بالبقاء في العراق من أجل الحفاظ على سمعتها الخاصة وعلى المصداقية الأمريكية.
ويعتبر صناع السياسة الأمريكيون، أن الإصرار على عدم الانسحاب من العراق هو الطريق الوحيد لضمان مستوى عال من المصداقية للولايات المتحدة تجاه خصومها في المنطقة. ويجادلون بأن الانسحاب الأمريكي من العراق كما فعلت في فيتنام، أو السماح بهزيمة حلفائها كما حصل مع الشاه في إيران، سيرسل إشارات خاطئة إلى المتمردين وستعتقد القوى الراديكالية أنها قادرة على مهاجمة المصالح الأميركية وتجاهل تهديداتها.
الاحتلال الأمريكي للعراق هو جزء من رؤية إستراتيجية متكاملة لإعادة ترتيب الأوضاع في الشرق الأوسط من منظور المصلحة القومية الأمريكية، وإذا كانت الولايات المتحدة قد تمكنت من إنجاز عدد من أهدافها في العراق، وفي مقدمتها إسقاط نظام صدام حسين، وتدمير البنية العسكرية والجيش العراقي، بدعوى أنه كان يشكل تهديداً لأمن حليفتها إسرائيل، فهي الآن تقوم باستكمال باقي مهمتها، وهي بناء القواعد العسكرية اللازمة لبقائها طويل الأمد في المنطقة، من أجل تنفيذ مخططها الرامي إلى إحكام السيطرة على النفط العراقي، والقضاء على النظم التي تعتقد أنها تشكل تهديداً لمصالحها ولأمن إسرائيل.
هناك عوامل إستراتيجية لا تتصل بهيبة أمريكا مثلاً أو خسارة الحرب ضد الإرهاب؛ فهذه أمور يمكن احتمالها، ولكنها تتصل بمستقبل إسرائيل، ومن المعروف أن اللوبي الصهيوني قام بدور كبير في جر إدارة الرئيس بوش إلى غزو العراق، وهذا اللوبي لا يريد الانسحاب الأمريكي من العراق؛ لأن ذلك معناه انتشار روح عالية من المقاومة داخل فلسطين والعرب والمسلمين ما يشكل أكبر الخطر على وجود إسرائيل ذاته، وكذلك فإن القوى الحاكمة في الغرب عمومًا، وفي أمريكا خصوصًا ترى أن الانسحاب من العراق يعني خسارة الغرب كله وليس أمريكا أمام العرب والمسلمين، الأمر الذي لم يحدث منذ مئات السنين، وربما يؤدي إلى بداية صعود المسلمين ونهاية الغرب.
وفي هذا الصدد فإن رئيس الوزراء البريطاني توني بلير عبّر عن نفس المعنى بقوله: 'إن معركتنا في العراق معركة إستراتيجية يجب أن ننتصر فيها بأي ثمن، ولو قدر لبريطانيا الانسحاب من العراق فإن المتشددين سيطلبون خروج القوات الأجنبية من أفغانستان، ومن ثم الشرق الأوسط كله، إن هزيمة أمريكا في العراق هزيمة للغرب كله'.
جنة الفردوس الموعودة!!
لم ينل العراق خيراً من الأمريكان بعد الغزو المشئوم، فبالإضافة لقتل أكثر من 150 ألف عراقي وجرح وإعاقة مثلهم، فقد أهدى الأمريكان للعراق مجموعة من اللصوص الذين جاءوا بهم كقادة، فعاث هؤلاء اللصوص في أرض الرافدين فساداً، وسرقوا ثرواته، وأشعلوا نيران الفتنة الطائفية في مجتمعه الآمن، وحولوه من دولة مرهوبة الجانب إلى دولة بائسة ممزقة منهوبة.
وباستثناء بعض الأفراد من عصابات الأحزاب الشيعية المرتبطة بإيران وبعض سياسي الأكراد، لا احد من العراقيين يقبل الاحتلال الأمريكي الغاشم للعراق. هؤلاء جميعا دخلوا العراق بالدبابة الأمريكية ولا يهمهم إلا الكسب المالي فقط, وليس لديهم أي وازع وطني أو ديني أو أخلاقي ويعرفون إنهم سيتركون البلد بمجرد انتهاء الحماية الأمريكية لهم.
ماذا كسبت أمريكا من الغزو؟
لم يسبق أن شهدنا إدارة أمريكية تفسر، عن عمد وتدليس وقسوة، المأساة على أنها نجاح والهزيمة على أنها نصر والموت على أنه حياة، بمساعدة صحافة أمريكية متواطئة، كما رأيناها في العراق.
لقد دفعت واشنطن أثماناً كبيرة للصين وروسيا والأوروبيين، من أجل توفير المزيد من الإجماع حول الملف العراقي.
كما أن صورة الولايات المتحدة قد تضررت وازداد العداء لها في أوساط الشعوب العربية والإسلامية.
وندلل على ذلك بأنه نتيجة لهذه السياسة الهوجاء فإن واشنطن الآن أصبحت رهينة لإيران في العراق، وتجد نفسها مرغمة للجلوس معها للتفاوض بشأن الملف العراقي، لأن الجيش الأمريكي في العراق والبالغ تعداده 150 ألف جندي وضابط، هو أسير لإيران، التي يمكنها إصدار أوامرها للشيعة باستهدافه، وهذا ربما يجعل واشنطن تخفف من تعنتها في الملف النووي الإيراني وهي كارهة.
على مستوى الداخل الأمريكي كانت النتيجة بعد مرور 3سنوات على قرار الغزو المشئوم، عشرات الآلاف من القتلى والجرحى في صفوف القوات الأمريكية، واستنزاف متواصل للخزينة الأمريكية ولدافع الضرائب الأمريكي الذي تأثرت حياته اليومية سلباً بفعل سياسات الرئيس بوش وإدارته، بسبب تردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية.
كما أن سمعة أمريكا ومكانتها الدولية تدنت تماماً بفعل قرار الغزو وما أعقبه من تداعيات وممارسات، بعد الكشف عن بعض جوانب ممارسات إدارة بوش في مجال الحريات واحترام حقوق الإنسان، في أبو غريب وغوانتنامو وباجرام .... الخ.