النافذ
28-Mar-2006, 11:13 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة وبعد
ثلاث سنوات مرت حتى الآن على تلك الحرب الغاشمة والعدوان الظالم على أرض الرافدين، وفي ظل حالة من اليأس تبعت السقوط المريب والمزرى لبغداد، اندلعت المقاومة العراقية وبدأت كوليد صغير سرعان ما شب وكبر وأصبح فارسًا مغوارًا.
بعد ثلاث سنوات من العدوان، كيف اندلعت المقاومة العراقية وكيف تطورت، هذا ما نحاول عرضه في تلك الأسطر التالية.
المقاومة العراقية.. البداية:
منذ أقل من ثلاث سنوات وبعد سقوط بغداد، لم يكن يحلو لوسائل الإعلام وصف المقاومة العراقية الناشئة إلا بفلول صدام ترديدًا للوهم الأمريكي الذي ظن للحظة أن سقوط بغداد هو الخطوة الأخيرة في المشروع الأمريكي لإعادة تقسيم العالم من جديد، غير أن المقاومة الصامدة نجحت في تبديد الوهم ومع الأيام تحولت إلى قوة فاعلة، وصارت العبوات الناسفة محلية الصنع التي سخر منها الكثيرون، صارت أكبر تحد يواجه القوات الأمريكية الأمر الذي أقر به الرئيس الأمريكي جورج بوش في الخطاب الإذاعي الأسبوعي له، بل وجدنا الرئيس الأمريكي يصف رجال المقاومة بقوله 'إنهم أقوياء الإرادة' مدللاً بذلك على أن المقاومة لن تنتهى في القريب العاجل، وهذه شهادة تندرج تحت باب 'وشهد شاهد من أهلها'.
قد يكون من الصعب في هذا المقال الإلمام بالمراحل التي مرت بها المقاومة العراقية حتى وصلت إلى هذه الدرجة من الفعالية والقوة، غير أننا نورد هنا بعضا من شهادات المحللين الغربيين التي ترصد هذا المشهد، والتي نستطيع أن نجملها في النقاط التالي:
1- التدرج في القوة:
كانت بداية المقاومة بداية بسيطة، بضعة أفراد هنا وهناك، غير أنه مع النجاحات التي حققتها عناصر المقاومة تزايد أعداد المشاركين في المقاومة وبدأ ظهور المجموعات والتشكيلات القتالية التي اختفت أغلبها بعد أن توحدت في مجموعات أكبر، وكانت الخطوة التي تلك هذه المرحلة 'مرحلة المجموعات الكبيرة' هي مرحلة التنسيق بين مجموعات المقاومة وهو ما وضح جليًا في العديد من البيانات المشتركة التي أصدرتها مجموعات المقاومة.
إذًا، فقد تحولت هجمات المقاومة من مجموعات صغيرة من الرجال تطلق النار من بنادق كلاشينكوف إلى القنابل والعبوات الناسفة على الطرقات وهجمات مخططة بشكل جيد.
2- ممارسة حرب العصابات بكفاءة:
من أهم معالم المقاومة العراقية، أنها نجحت في ممارسة حرب العصابات مع قوات الاحتلال بشكل لا مثيل، حيث اعتمدت أساليب الكر والفر بشكل أرهق قوات الاحتلال وجعل أية عملية عسكرية أمريكية موعودة بالفشل حتى قبل أن تبدأ، يقول جيفري وايت، وهو محلل سابق في وكالة استخبارات الدفاع في مركز واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: 'نستطيع فقط أن نسيطر على الأرض التي نقف عليها وعندما نغادر تسقط'.
لقد شنت القوات الأمريكية الكثير من العمليات العسكرية ضد مدن المثلث السني، غير أن هذه العمليات رغم ضراوتها لم تغير الواقع كثيرًا حيث بقيت المقاومة تمارس حرب العصابات بذكاء.
3- التطور النوعي:
من مزايا المقاومة العراقية، التطور النوعي الواضح، حيث لم تكتف المقاومة بالأساليب التي تعلمتها من حركات المقاومة السابقة في أفغانستان وفلسطين والشيشان، ولكنها زادت عليها وأضافت عليها خبرة زادتها قوة، يقول 'أنتوني كوردسمان' الخبير الاستراتيجي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن: 'لقد تعلم 'المتمردون' طرقاً وتكتيكات خاصة بالحرب السياسية والنفسية وحرب المعلومات'.
سر قوة المقاومة:
أما سر قوة المقاومة فتكمن في الاستراتيجية التي اتبعتها والتي تعتمد على التدرج وعدم الاستعجال مع الثقة بالنصر الموعود، يقول تقرير أمريكي أعده محللون عسكريون نشر على موقع مجلة 'نايت ريدر': من الصعوبة بمكان إلحاق الهزيمة بالمقاومة العراقية لأن هدف المقاومة ليس كسب حرب بالمعنى التقليدي، ولكن مجرد الاستمرار حتى يتم قهر إرادة قوات الاحتلال، ويشير التقرير إلى أنه ما لم تحدث تغيرات دراماتيكية -مثل تحول مفاجئ جديد من العراقيين برفض المقاومة أو مثلا تصعيد ضخم وكبير في حجم القوات الأمريكية-، فإن الولايات المتحدة لن تكسب الحرب الدائرة في العراق مطلقا.
لقد كانت استراتيجية المقاومة العراقية وواضحة وسهلة هي قهر قوات الاحتلال، مع هذا الوضوح تميزت تلك الاستراتيجية بالثبات مع قدر كبير من المرونة في التكتيكات والعمليات اليومية وهو أمر مكنها من مواجهة قوات الاحتلال، وصار القادة الأمريكيون يشتكون من التطور الدائم لأساليب المقاومة العراقية، على العكس من ذلك فإن قوات الاحتلال لم تمتلك استراتيجية محددة لمواجهة المقاومة، وليس ذلك غريبًا فالاحتلال الأمريكي استبعد في بادئ الأمر أن تكون هناك مقاومة، فما كان منه إلا أن فوجئ بقدرات المقاومة الباهرة.
قراءة في أدبيات المقاومة:
أجرت مجموعة الأزمات الدولية دراسة عن المقاومة العراقية اعتمدت فيها على قراءة بيانات وخطابات جماعات المقاومة، حيث لاحظت المجموعة أن مواقع الإنترنت 'الجهادية' تقدم الكثير من الأدلة والمعلومات، لا يهتم بها الأمريكيون أو لا يستخدمونها ألبتة، وهي معلومات تقدم صورة عن شكل واتجاهات المقاتلين العراقيين.
وخلصت المجموعة في دراستها التي نشرت في فبراير الماضي إلى النقاط التالية:
1- واشنطن لا تزال تقاتل عدوا في العراق لا تعرف الكثير عنه، ولا تزال واشنطن تعيد تكرار تقديراتها عن قوة وقدرة المقاتلين أو المقاومة، مستخدمة الرموز العامة، مثل وصف المقاتلين بالصداميين، الإسلاميين الفاشيين، وهي الأوصاف تؤكد المجموعة أنه لا أساس لها من الصحة ولا تشير إلي واقع المقاتلين وجماعاتهم.
2- هناك نوع من الثقة بالنفس يدور داخل هذه الجماعات وهو الحس الواثق بالانتصار وهزيمة أمريكا على أرض العراق، وهذا الموقف لم يكن موجودا في البداية عندما أعلن المقاتلون جهادا مفتوحا على عدو جاء إلى العراق ليبقى، غير أن حرب الاستنزاف التي يخوضها المقاتلون ضد القوات الامريكية تحقق نجاحات، ويعتقد الباحثون الذين أعدوا هذا التقرير أن الفشل في قراءة المقاومة العراقية فهم ما تقدمه هذه الجماعات من خطاب يؤدي إلي ردود فعل سلبية.
3- توصل التقرير الى ان جماعات المقاومة العراقية تتسيدها مجموعة قليلة ولكنها قوية، ذات نظام اتصالات مقنع وتقني، ولهذا لم تعد مجموعات متفرقة، متشوشة، وفوضوية، بل منظمة تنظيما مركزيا قويا.
4- تقوم هذه الجماعات بالإضافة للعمليات العسكرية، بإصدار البيانات الإعلامية، وترد على الاوضاع السياسية، وتبدو المقاومة تابعة لجهاز مركزي قوي.
5- لاحظت الدراسة، حدوث نقلة أو تحول تجاه الممارسات الموحدة والخطاب الواحد الذي يدور في سياق الهوية السنية والمذهب السني، فقبل عام كانت المقاومة مختلفة حول خيار الممارسات والإيديولوجية، ولكن النقاش تم حسمه لصالح التفسيرات السنية، ومن هنا فالمقاومة العراقية الان تتبنى الخط السلفي المتساوق مع الوطنية العراقية، مما أدى إلى اختفاء الفروق بين المقاتلين العرب والأجانب والعراقيين.
6- الجماعات المقاتلة واعية لدور الرأي العام، ولهذا تهتم كثيرا بصورتها لدى هذا الرأي، ولأنهم واعون بخطر الردود السلبية من الرأي العام فأنهم في ادبياتهم يقومون دائما برفض اتهامات حول العنف الأعمي، ويرفضون الاتهامات التي تساق بأنهم يسعون لإشعال حرب طائفية، ويؤكدون خلافا لهذا صورتهم الساعية لحماية المدنيين، بل يحاولون أن يردوا علي الأمريكيين من خلال التأكيد علي وحشيتهم، بالتعاون مع ميليشيات طائفية لشن حرب قذرة، وانتهاكات السجون العراقية، ومحاولة الأمريكيين تعزيز الانقسام داخل المجتمع العراقي.
7- مع أن الخطاب الجهادي للجماعات قد يكون حماسيا، إلا إن الجماعات استطاعت الحفاظ على وحدة نوعية داخل قطاعاتها، في وقت ظهرت فيه تقارير تتحدث عن خلافات داخلية بين فصائلها.
هذه أهم النقاط التي خلصت إليها تلك الدراسة، وهي تعد معالم توضح طبيعة المقاومة والمراحل التي مرت بها، أما النجاحات التي حققتها المقاومة فتتمثل فيما يلي:
نجاحات المقاومة العراقية:
1- تدمير المشروع الأمريكي:
يوم أن جاءت واشنطن إلى العراق، كانت بذلك ترسم خطًا أوليًا في المشروع الأمريكي للعالم الجديد، غير أن المقاومة أفشلت هذا المشروع، فوفقًا لشهادة الجنرال [[دافيد ماكيرنان]] [قائد القوات البرية الأمريكية فيما بعد فى العراق] ـ فقد حدث فى اجتماع بين [[دونالد رامسفيلد]] وبين هيئة أركان الحرب المشتركة، وبحضور قائد المنطقة المركزية ال?نرال [[تومى فرانكس]] وعدد من معاونيه ـ أن أشار وزير الدفاع إلى خريطة تملأ جدارا كاملا لقاعة الاجتماعات السرية، عارضا ما مؤداه: ' إن نظرة على الخريطة تؤكد أن الولايات المتحدة محيطة من كل ناحية بالعراق، فهى تملك قواعد على تواصل دائرة كاملة تبدأ من الخليج ـ إلى باكستان ـ إلى أفغانستان ـ إلى أوزبكستان ـ إلى قيرغيزستان ـ إلى تركيا ـ إلى إسرائيل ـ إلى الأردن ـ إلى مصر ـ إلى السعودية، وبجانب ذلك فإنها تملك محطات وتسهيلات مفتوحة لها دون قيود فى مياه الخليج والبحر الأبيض والبحر الأحمر، ومعنى ذلك أن العراق بالضبط نقطة في مركز دائرة واسعة، وهذه فرصة تاريخية :أولا ـ للسيطرة على مركز الدائرة في بغداد ليكون النقطة الثابتة فى الدائرة الأوسع المحيطة به. ثانيا ـ لتصفية ما تبقى من مواقع المقاومة ـ دون حاجة لاستعمال السلاح ـ لأن وجود قوات أمريكية في العراق يعنى حصار إيران من ناحيتين: ناحية أفغانستان التى تحتلها بالفعل قوات أمريكية، وناحية العراق إذا وقع احتلاله بقوات أمريكية ـ كما أن سوريا فى وضع أصعب، لأنها بعد احتلال العراق مفتوحة من الشرق بوجود أمريكي في الجوار المتصل بها إلى درجة الالتحام، ومُحاصرة من الشمال بتركيا والوجود الأمريكي القائم فعلا على أرضها، وبمناطق الأكراد شمال العراق والولايات المتحدة هناك معهم ـ إلى جانب إسرائيل من الجنوب ـ إلى جانب أن النظام فى الأردن ليس صديقا مغرما بالنظام فى دمشق ـ إلى جانب أن هناك عناصر فى لبنان لا يرضيها تحكم سوريا فى القرار اللبنانى.
وإذن فهذه وبضربة واحدة خريطة جديدة مثالية تماما للشرق الأوسط، تقوم الولايات المتحدة بتشكيلها ورسمها وأيضا تنظيفها من جيوب كارهة لأمريكا مازالت تجادل وتعاند'.
هكذا كان المشروع الأمريكي يتخذ من العراق نقطة انطلاق له ليمتد عبر أنحاء الأرض، غير أن المقاومة العراقية أحبطت هذا المشروع وأحيت الأمل في قلوب الأمة.
2- إرباك الإدارة الأمريكية:
من النجاحات التي حققتها المقاومة العراقية هذا الإرباك وتلك الفوضى التي أصابت الحسابات الأمريكية، ولا أدل على ذلك مما تشهده المقالات والتحليلات الأمريكية من اضطراب لافت وواضح في الرأى، فبينما يؤكد البعض أن الحل كل الحل في الانسحاب الأمريكي السريع من العراق، يرى آخرون أن هذا الانسحاب من شأنه أن يجلب الويل والدمار للقوات الأمريكية، وبعيدًا عن الحجج والبراهين التي يتبناها كل رأى، إلا إن الحقيقة الكامنة وراء هذين الرأيين هي الرغبة الأمريكية المحمومة في الهروب من العراق بأقل الخسائر السياسية الممكنة، وهي المعضلة التي لا تجد لها واشنطن حتى اليوم حلاً، ويبدو أنها لن تجد لها حلاً يناسب المشروع الأمريكي لا في المنظور القريب ولا في المنظور البعيد.
3- عرقلة المشروع الصفوي:
ومن أعظم النجاحات التي حققتها المقاومة العراقية، عرقلة المشروع الصفوي الفارسي الذي كان متربصًا بالعراق وأبنائه، ورغم أن المشهد الحالي قد يوحى للبعض بأن المشروع الصفوى في ابتلاع العراق أوشك على التحقق، إلا إن النظرة المتأملة تثبت عدم صحة ذلك، لقد كان الشيعة الصفويون يحلمون بابتلاع العراق كله قطعة واحدة، فصار الآن قصارى أملهم الخروج بالجنوب العراقي، وكان الشيعة الصفويون يحلمون بتثبيت أقدامهم في العراق دون الحاجة إلى عون خارجي، غير أن المقاومة أثبتت أنه لا بقاء للمشروع الصفوي إلا ببقاء الاحتلال، وأن خروج الاحتلال إيذان بنهاية المشروع الفارسي.
ثلاث سنوات مرت حتى الآن على تلك الحرب الغاشمة والعدوان الظالم على أرض الرافدين، وفي ظل حالة من اليأس تبعت السقوط المريب والمزرى لبغداد، اندلعت المقاومة العراقية وبدأت كوليد صغير سرعان ما شب وكبر وأصبح فارسًا مغوارًا.
بعد ثلاث سنوات من العدوان، كيف اندلعت المقاومة العراقية وكيف تطورت، هذا ما نحاول عرضه في تلك الأسطر التالية.
المقاومة العراقية.. البداية:
منذ أقل من ثلاث سنوات وبعد سقوط بغداد، لم يكن يحلو لوسائل الإعلام وصف المقاومة العراقية الناشئة إلا بفلول صدام ترديدًا للوهم الأمريكي الذي ظن للحظة أن سقوط بغداد هو الخطوة الأخيرة في المشروع الأمريكي لإعادة تقسيم العالم من جديد، غير أن المقاومة الصامدة نجحت في تبديد الوهم ومع الأيام تحولت إلى قوة فاعلة، وصارت العبوات الناسفة محلية الصنع التي سخر منها الكثيرون، صارت أكبر تحد يواجه القوات الأمريكية الأمر الذي أقر به الرئيس الأمريكي جورج بوش في الخطاب الإذاعي الأسبوعي له، بل وجدنا الرئيس الأمريكي يصف رجال المقاومة بقوله 'إنهم أقوياء الإرادة' مدللاً بذلك على أن المقاومة لن تنتهى في القريب العاجل، وهذه شهادة تندرج تحت باب 'وشهد شاهد من أهلها'.
قد يكون من الصعب في هذا المقال الإلمام بالمراحل التي مرت بها المقاومة العراقية حتى وصلت إلى هذه الدرجة من الفعالية والقوة، غير أننا نورد هنا بعضا من شهادات المحللين الغربيين التي ترصد هذا المشهد، والتي نستطيع أن نجملها في النقاط التالي:
1- التدرج في القوة:
كانت بداية المقاومة بداية بسيطة، بضعة أفراد هنا وهناك، غير أنه مع النجاحات التي حققتها عناصر المقاومة تزايد أعداد المشاركين في المقاومة وبدأ ظهور المجموعات والتشكيلات القتالية التي اختفت أغلبها بعد أن توحدت في مجموعات أكبر، وكانت الخطوة التي تلك هذه المرحلة 'مرحلة المجموعات الكبيرة' هي مرحلة التنسيق بين مجموعات المقاومة وهو ما وضح جليًا في العديد من البيانات المشتركة التي أصدرتها مجموعات المقاومة.
إذًا، فقد تحولت هجمات المقاومة من مجموعات صغيرة من الرجال تطلق النار من بنادق كلاشينكوف إلى القنابل والعبوات الناسفة على الطرقات وهجمات مخططة بشكل جيد.
2- ممارسة حرب العصابات بكفاءة:
من أهم معالم المقاومة العراقية، أنها نجحت في ممارسة حرب العصابات مع قوات الاحتلال بشكل لا مثيل، حيث اعتمدت أساليب الكر والفر بشكل أرهق قوات الاحتلال وجعل أية عملية عسكرية أمريكية موعودة بالفشل حتى قبل أن تبدأ، يقول جيفري وايت، وهو محلل سابق في وكالة استخبارات الدفاع في مركز واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: 'نستطيع فقط أن نسيطر على الأرض التي نقف عليها وعندما نغادر تسقط'.
لقد شنت القوات الأمريكية الكثير من العمليات العسكرية ضد مدن المثلث السني، غير أن هذه العمليات رغم ضراوتها لم تغير الواقع كثيرًا حيث بقيت المقاومة تمارس حرب العصابات بذكاء.
3- التطور النوعي:
من مزايا المقاومة العراقية، التطور النوعي الواضح، حيث لم تكتف المقاومة بالأساليب التي تعلمتها من حركات المقاومة السابقة في أفغانستان وفلسطين والشيشان، ولكنها زادت عليها وأضافت عليها خبرة زادتها قوة، يقول 'أنتوني كوردسمان' الخبير الاستراتيجي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن: 'لقد تعلم 'المتمردون' طرقاً وتكتيكات خاصة بالحرب السياسية والنفسية وحرب المعلومات'.
سر قوة المقاومة:
أما سر قوة المقاومة فتكمن في الاستراتيجية التي اتبعتها والتي تعتمد على التدرج وعدم الاستعجال مع الثقة بالنصر الموعود، يقول تقرير أمريكي أعده محللون عسكريون نشر على موقع مجلة 'نايت ريدر': من الصعوبة بمكان إلحاق الهزيمة بالمقاومة العراقية لأن هدف المقاومة ليس كسب حرب بالمعنى التقليدي، ولكن مجرد الاستمرار حتى يتم قهر إرادة قوات الاحتلال، ويشير التقرير إلى أنه ما لم تحدث تغيرات دراماتيكية -مثل تحول مفاجئ جديد من العراقيين برفض المقاومة أو مثلا تصعيد ضخم وكبير في حجم القوات الأمريكية-، فإن الولايات المتحدة لن تكسب الحرب الدائرة في العراق مطلقا.
لقد كانت استراتيجية المقاومة العراقية وواضحة وسهلة هي قهر قوات الاحتلال، مع هذا الوضوح تميزت تلك الاستراتيجية بالثبات مع قدر كبير من المرونة في التكتيكات والعمليات اليومية وهو أمر مكنها من مواجهة قوات الاحتلال، وصار القادة الأمريكيون يشتكون من التطور الدائم لأساليب المقاومة العراقية، على العكس من ذلك فإن قوات الاحتلال لم تمتلك استراتيجية محددة لمواجهة المقاومة، وليس ذلك غريبًا فالاحتلال الأمريكي استبعد في بادئ الأمر أن تكون هناك مقاومة، فما كان منه إلا أن فوجئ بقدرات المقاومة الباهرة.
قراءة في أدبيات المقاومة:
أجرت مجموعة الأزمات الدولية دراسة عن المقاومة العراقية اعتمدت فيها على قراءة بيانات وخطابات جماعات المقاومة، حيث لاحظت المجموعة أن مواقع الإنترنت 'الجهادية' تقدم الكثير من الأدلة والمعلومات، لا يهتم بها الأمريكيون أو لا يستخدمونها ألبتة، وهي معلومات تقدم صورة عن شكل واتجاهات المقاتلين العراقيين.
وخلصت المجموعة في دراستها التي نشرت في فبراير الماضي إلى النقاط التالية:
1- واشنطن لا تزال تقاتل عدوا في العراق لا تعرف الكثير عنه، ولا تزال واشنطن تعيد تكرار تقديراتها عن قوة وقدرة المقاتلين أو المقاومة، مستخدمة الرموز العامة، مثل وصف المقاتلين بالصداميين، الإسلاميين الفاشيين، وهي الأوصاف تؤكد المجموعة أنه لا أساس لها من الصحة ولا تشير إلي واقع المقاتلين وجماعاتهم.
2- هناك نوع من الثقة بالنفس يدور داخل هذه الجماعات وهو الحس الواثق بالانتصار وهزيمة أمريكا على أرض العراق، وهذا الموقف لم يكن موجودا في البداية عندما أعلن المقاتلون جهادا مفتوحا على عدو جاء إلى العراق ليبقى، غير أن حرب الاستنزاف التي يخوضها المقاتلون ضد القوات الامريكية تحقق نجاحات، ويعتقد الباحثون الذين أعدوا هذا التقرير أن الفشل في قراءة المقاومة العراقية فهم ما تقدمه هذه الجماعات من خطاب يؤدي إلي ردود فعل سلبية.
3- توصل التقرير الى ان جماعات المقاومة العراقية تتسيدها مجموعة قليلة ولكنها قوية، ذات نظام اتصالات مقنع وتقني، ولهذا لم تعد مجموعات متفرقة، متشوشة، وفوضوية، بل منظمة تنظيما مركزيا قويا.
4- تقوم هذه الجماعات بالإضافة للعمليات العسكرية، بإصدار البيانات الإعلامية، وترد على الاوضاع السياسية، وتبدو المقاومة تابعة لجهاز مركزي قوي.
5- لاحظت الدراسة، حدوث نقلة أو تحول تجاه الممارسات الموحدة والخطاب الواحد الذي يدور في سياق الهوية السنية والمذهب السني، فقبل عام كانت المقاومة مختلفة حول خيار الممارسات والإيديولوجية، ولكن النقاش تم حسمه لصالح التفسيرات السنية، ومن هنا فالمقاومة العراقية الان تتبنى الخط السلفي المتساوق مع الوطنية العراقية، مما أدى إلى اختفاء الفروق بين المقاتلين العرب والأجانب والعراقيين.
6- الجماعات المقاتلة واعية لدور الرأي العام، ولهذا تهتم كثيرا بصورتها لدى هذا الرأي، ولأنهم واعون بخطر الردود السلبية من الرأي العام فأنهم في ادبياتهم يقومون دائما برفض اتهامات حول العنف الأعمي، ويرفضون الاتهامات التي تساق بأنهم يسعون لإشعال حرب طائفية، ويؤكدون خلافا لهذا صورتهم الساعية لحماية المدنيين، بل يحاولون أن يردوا علي الأمريكيين من خلال التأكيد علي وحشيتهم، بالتعاون مع ميليشيات طائفية لشن حرب قذرة، وانتهاكات السجون العراقية، ومحاولة الأمريكيين تعزيز الانقسام داخل المجتمع العراقي.
7- مع أن الخطاب الجهادي للجماعات قد يكون حماسيا، إلا إن الجماعات استطاعت الحفاظ على وحدة نوعية داخل قطاعاتها، في وقت ظهرت فيه تقارير تتحدث عن خلافات داخلية بين فصائلها.
هذه أهم النقاط التي خلصت إليها تلك الدراسة، وهي تعد معالم توضح طبيعة المقاومة والمراحل التي مرت بها، أما النجاحات التي حققتها المقاومة فتتمثل فيما يلي:
نجاحات المقاومة العراقية:
1- تدمير المشروع الأمريكي:
يوم أن جاءت واشنطن إلى العراق، كانت بذلك ترسم خطًا أوليًا في المشروع الأمريكي للعالم الجديد، غير أن المقاومة أفشلت هذا المشروع، فوفقًا لشهادة الجنرال [[دافيد ماكيرنان]] [قائد القوات البرية الأمريكية فيما بعد فى العراق] ـ فقد حدث فى اجتماع بين [[دونالد رامسفيلد]] وبين هيئة أركان الحرب المشتركة، وبحضور قائد المنطقة المركزية ال?نرال [[تومى فرانكس]] وعدد من معاونيه ـ أن أشار وزير الدفاع إلى خريطة تملأ جدارا كاملا لقاعة الاجتماعات السرية، عارضا ما مؤداه: ' إن نظرة على الخريطة تؤكد أن الولايات المتحدة محيطة من كل ناحية بالعراق، فهى تملك قواعد على تواصل دائرة كاملة تبدأ من الخليج ـ إلى باكستان ـ إلى أفغانستان ـ إلى أوزبكستان ـ إلى قيرغيزستان ـ إلى تركيا ـ إلى إسرائيل ـ إلى الأردن ـ إلى مصر ـ إلى السعودية، وبجانب ذلك فإنها تملك محطات وتسهيلات مفتوحة لها دون قيود فى مياه الخليج والبحر الأبيض والبحر الأحمر، ومعنى ذلك أن العراق بالضبط نقطة في مركز دائرة واسعة، وهذه فرصة تاريخية :أولا ـ للسيطرة على مركز الدائرة في بغداد ليكون النقطة الثابتة فى الدائرة الأوسع المحيطة به. ثانيا ـ لتصفية ما تبقى من مواقع المقاومة ـ دون حاجة لاستعمال السلاح ـ لأن وجود قوات أمريكية في العراق يعنى حصار إيران من ناحيتين: ناحية أفغانستان التى تحتلها بالفعل قوات أمريكية، وناحية العراق إذا وقع احتلاله بقوات أمريكية ـ كما أن سوريا فى وضع أصعب، لأنها بعد احتلال العراق مفتوحة من الشرق بوجود أمريكي في الجوار المتصل بها إلى درجة الالتحام، ومُحاصرة من الشمال بتركيا والوجود الأمريكي القائم فعلا على أرضها، وبمناطق الأكراد شمال العراق والولايات المتحدة هناك معهم ـ إلى جانب إسرائيل من الجنوب ـ إلى جانب أن النظام فى الأردن ليس صديقا مغرما بالنظام فى دمشق ـ إلى جانب أن هناك عناصر فى لبنان لا يرضيها تحكم سوريا فى القرار اللبنانى.
وإذن فهذه وبضربة واحدة خريطة جديدة مثالية تماما للشرق الأوسط، تقوم الولايات المتحدة بتشكيلها ورسمها وأيضا تنظيفها من جيوب كارهة لأمريكا مازالت تجادل وتعاند'.
هكذا كان المشروع الأمريكي يتخذ من العراق نقطة انطلاق له ليمتد عبر أنحاء الأرض، غير أن المقاومة العراقية أحبطت هذا المشروع وأحيت الأمل في قلوب الأمة.
2- إرباك الإدارة الأمريكية:
من النجاحات التي حققتها المقاومة العراقية هذا الإرباك وتلك الفوضى التي أصابت الحسابات الأمريكية، ولا أدل على ذلك مما تشهده المقالات والتحليلات الأمريكية من اضطراب لافت وواضح في الرأى، فبينما يؤكد البعض أن الحل كل الحل في الانسحاب الأمريكي السريع من العراق، يرى آخرون أن هذا الانسحاب من شأنه أن يجلب الويل والدمار للقوات الأمريكية، وبعيدًا عن الحجج والبراهين التي يتبناها كل رأى، إلا إن الحقيقة الكامنة وراء هذين الرأيين هي الرغبة الأمريكية المحمومة في الهروب من العراق بأقل الخسائر السياسية الممكنة، وهي المعضلة التي لا تجد لها واشنطن حتى اليوم حلاً، ويبدو أنها لن تجد لها حلاً يناسب المشروع الأمريكي لا في المنظور القريب ولا في المنظور البعيد.
3- عرقلة المشروع الصفوي:
ومن أعظم النجاحات التي حققتها المقاومة العراقية، عرقلة المشروع الصفوي الفارسي الذي كان متربصًا بالعراق وأبنائه، ورغم أن المشهد الحالي قد يوحى للبعض بأن المشروع الصفوى في ابتلاع العراق أوشك على التحقق، إلا إن النظرة المتأملة تثبت عدم صحة ذلك، لقد كان الشيعة الصفويون يحلمون بابتلاع العراق كله قطعة واحدة، فصار الآن قصارى أملهم الخروج بالجنوب العراقي، وكان الشيعة الصفويون يحلمون بتثبيت أقدامهم في العراق دون الحاجة إلى عون خارجي، غير أن المقاومة أثبتت أنه لا بقاء للمشروع الصفوي إلا ببقاء الاحتلال، وأن خروج الاحتلال إيذان بنهاية المشروع الفارسي.