المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : غير المغضوب عليهم ولا الضالين


فارس المورقي
22-Nov-2002, 10:45 PM
لقد تأملت في روعة مشهد هذا الشهر الكريم أعني شهر القرآن وفي هذه العبادة الجليلة أعني عبادة الصيام، واستوقفني قوله تعالى:" يأيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون"(البقرة 183)، إذ من المعلوم أن الصيام قد فُرض على من قبلنا وفُرض من ثمَّ علينا، وجعلت له غاية هي تحقيق مرتبة التقوى، تلك المرتبة التي تخلف عنها من كان قبلنا ممن طال عليهم الأمد معاندين مبدلين محرفين فامتنعت لذلك قلوبهم عن أن تكون محلاً قابلاً لتحقيق تلك المرتبة، قال تعالى:" ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون"(الحديد 16)، وكأن الله تعالى ينبهنا إلى أن هذه العبادة – عبادة الصيام – قد فرضت من ذي قبل على أهل الكتاب ففشلوا في تحقيق الغاية منها، وها هي تُفرض عليكم أيها المؤمنون لعلكم تفلحون في تحقيقها وتحقيق الغاية منها، فحذار من أن تفشلوا كما فشل من قبلكم، وحذار من أن تسلكوا في العبادة مسلكهم فإن مآلهم لم يكن إلى خيرٍ البتة.

ولما أعرض أهل الكتاب عن دعوة الحق دعوة خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم، ولم تستجب قلوبهم القاسية لجهوده صلى الله عليه وسلم في تأليف قلوبهم على الحق، وكفر هؤلاء بما عرفوا من الحق كما قال تعالى :" ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين"(البقرة 89)، قلت:لما استقر الأمر على إعراضهم وكفرهم وعنادهم للحق استقر أمر الشريعة حينذاك على ترسيخ منهج الحق بمخالفتهم، بل أصبح سلوك الصراط المستقيم مقتضياً لمخالفة هؤلاء بلا ريب. ولما كان الصيام واحداً من معالم الفشل العقدي والنسكي عند أهل الكتاب كان لا بد من تحقيق منهج المخالفة لهم في صيام أهل القبلة وأصحاب الصراط المستقيم، ولسوف أتناول في عجالة بعض خصائص الصيام عند المسلمين لنستحضر هذا المنهج في سياق التزامنا بهذه العبادة العظيمة، حتى نحترز من الوقوع فيما وقعوا فيه من زلل من جهة، ونرسخ منهج المخالفة لهم من جهة أخرى:

وأولى معالم مخالفة المغضوب عليهم والضالين في عبادة الصيام هي تحريم صوم يوم الشك، كما صح في الحديث عن صلة عن عمار قال: من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم (البخاري معلقاً تعليقاً جازماً). قلت: ووجه المخالفة لأهل الغضب والضلال في هذا هو النأي عن التنطع في الدين، فإن الشريعة قائمة على الوقوف عند ما أوقفنا الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم عنده، ومن تجاوز متنطعاً فقد أتى بنقيض المقصود من العبادة وأصبح عابداً لهواه، ولعمر الحق إن أحداً لم يتنطع كتنطع أهل الغضب والضلال، فكان في وقوفنا عند حدود ما أمرنا الله ورسوله به التزاماً بالصراط المستقيم ومخالفةً لصراط أصحاب الجحيم.

وقريب من هذا المعنى يأتي المعلم الثاني من معالم مخالفة هؤلاء، وهو تعجيل الفطر، ففي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" لا يزال الدين ظاهراً ما عجل الناس الفطر لأن اليهود والنصارى يؤخرون"(رواه أبو داود وأحمد واللفظ لأبي داود)، والعلة في ظهور الدين واضحة هنا في مخالفة أهل الغضب والضلال وذلك راجع في الحقيقة إلى تجريد المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم والوقوف عند ذلك عن الابتداع في الدين كما ابتدع أهل الكتاب من قبل فزادوا في العبادة فضلوا وأضلوا ،قال تعالى:" ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم"(الحديد – 27). ثم يأتينا معلمٌ آخر هو في الحقيقة مظهر من مظاهر اليسر والرحمة في شريعتنا الغراء، ألا وهو أكلة السحر، ومعلوم أن الصيام أول ما شرع في الإسلام كان الرجل إذا أفطر عند المغرب ثم نام حرم عليه الطعام والشراب وإتيان أهله إلى وقت الفطر من اليوم التالي، وقد شق ذلك على المؤمنين، فخفف الله تعالى عنا ذلك ونسخ الحكم بقوله تعالى:" وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر"(البقرة -178)، فأباح لنا المفطرات سائر الليل إلى وقت الفجر، بل وشرعت أكلة السحر لتكون علماً مميزاً لهذا اليسر ، فقال صلى الله عليه وسلم :" فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر" ( رواه مسلم)، ومعلوم أن هذه التشديدات والآصار ما كانت على أهل الكتاب إلا لتعنتهم وتشديدهم هم، فكان هذا التيسير إشارة إلى خيرية أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وتنبيهاً إلى ضرورة مخالفة أهل الغضب والضلال في تعنتهم ومكابرتهم حتى لا يصيبنا من العنت والآصار والأغلال مثلما أصابهم.

وبعد، فهذه جولة سريعة في بستان الصيام، رأينا فيها جلياً كيف أن مخالفة أهل الغضب والضلال قد أصبح أمراً مقصوداً ومعلماً بارزاً من معالم منهج الحق، وبضدها تتميز الأشياء، وإذا كانت المخالفة بهذا الوضوح في النسك والعبادة بل وفي الملبس والمظهر فإنها لا بد من أن تكون أشد تميُّزاً ووضوحاً في العقيدة حتى تتحرر ولاءاتنا لله تعالى كما تحررت عباداتنا له سبحانه، فليكن شهر الصيام إذاً مناسبةً لتحرير العقيدة وتمييز معالم منهج أهل الإيمان والتزامه، وتمييز معالم منهح أهل الجحيم واجتنابه، فما أحوجنا لذلك كله في معترك الساحة اليوم، فإنهم والله ليقنعون بجوعنا وعطشنا واعتزال نسائنا إن كان مدار صيامنا على ذلك، ولكنهم يتقطعون غيظاً عندما يدور صيامنا على تحرير العقيدة والولاء والبراء ، ألا فليموتوا بغيظهم، فإن الله مخرجٌ ما يكتمون.


__________________

:cool:

الـرويـس
24-Nov-2002, 03:11 PM
جزاك لله الف خير

ابن ريحان
11-Jul-2007, 04:37 AM
مشكووووور أخوي

بارك الله فيك