تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : من لم تبلغه دعوة الإسلام ولم تقم عليه الحجة


ابو ضيف الله
03-Mar-2006, 09:57 PM
الســؤال:
أرجو إفادتي حول هذه المسألة -حفظكم الله- : يخرج علينا بين الحين والآخر أناس يقولون : إن كل من لم تقم الحجة عليه، وتصله رسالة الإسلام فليس بكافر، وإنما جاهل، فلا تجوز معاملته معاملة الكفار حتى يبلغه الإسلام، وتقام الحجة عليه، وأن ذلك القول ينسحب حتى على بعض اليهود والنصارى والوثنيين، من السيخ، والهندوس، والبوذيين، وغيرهم، ممن لم تصلهم رسالة الإسلام، فإذا وصلتهم فجحدوها كانوا كفاراً، ويذهبون إلى أن القرآن الكريم لم ينعت أحداً بالكفر، إلا من وصلته رسالة التوحيد فأعرض عنها، فقامت عليه الحجة. ما مدى صحة ذلك القول؟ وهل قيام الحجة يعني أن يفهم غير المسلم الحجة ويقتنع بها فيعرض عنها، أم أن مجرد عرض الإسلام على غير المسلم كاف لقيام الحجة عليه وإن لم يفهمها ويقتنع بها؟


الجواب
الناس في شريعة الإسلام ثلاثة أصناف:الأول: المسلمون، وهم الذين بلغتهم رسالة الإسلام، فآمنوا بها ظاهراً وباطناً. الثاني: المنافقون، وهم الذين بلغتهم رسالة الإسلام، فآمنوا بها ظاهراً، وكفروا بها باطناً. الثالث: الكفار، وهم من سوى هؤلاء، وهؤلاء، والمنافقون كفار في الحقيقة، لكنهم يعاملون ظاهراً معاملة المسلمين. وهذه القسمة واضحة في مواضع، منها في سورة البقرة، حيث بدأ الله –تعالى- بالثناء على المؤمنين الذين يؤمنون بالغيب، ويقيمون الصلاة … الآيات. [ البقرة : 2- 5]ثم ثنى بذكر الكفار، وذَمَّهم، فقال: "إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم" [البقرة : 6-7]ثم ثلّث بذكر المنافقين: "ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين" الآيات [البقرة : 8]،

وقد أطال في ذكر المنافقين لخطورتهم، وكونهم في داخل الصف المسلم، ومتلبسين باسم الإسلام، فيحتاجون إلى الكشف والتعرية والتمييز، وقد يطوي الله ذكر المنافقين، ويقتصر على الصنفين فحسب: المسلمين، والكافرين، فالمنافقون حينئذٍ مندرجون في اسم الكفار؛ لأنهم كفار في الحقيقة، وهذا هو الغالب في القرآن الكريم، كما في سورة الكهف: "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" الآية [الكهف :29] وآل عمران [28]: "لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين" والنساء [141]: "ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً" في مواضع لا يسهل حصرها.

وبهذا يتبين أن القسمة ثنائية، فكل من ليس بمؤمن فهو كافر، والإسلام له شروط، لا يستحق اسمه إلا من تحقق بها، منها: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر، ومنها: التزام الأركان العملية التي أمر الله بها، من الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، ومن فرّط في شيء من ذلك فأمره إلى الله، إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له، فمن لم يؤمن برسالة محمد -صلى الله عليه وسلم-، أو لم يؤمن بالقرآن الكريم، وأنه من عند الله فهو من الكافرين، سواء كان هذا عن جحد، أو عن جهل، أو عن إعراض، فإن الكفر أنواع:الأول: كفر الجحد والتكذيب، كما في قوله –تعالى-: "وجحدوا بها" الآية،[ النمل : 14] وقال: "ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون" [الأنعام : 33]، وقال: "كذبت قوم نوح المرسلين" [ الشعراء : 105]ونظائرها كثير.الثاني: كفر الإباء والاستكبار، بمعنى أنه لا يعلن التكذيب، ولكنه يرفض الانقياد والاستسلام لأمر الله، استعلاءً وتكبراً، قال –تعالى-: "قال الذين استكبروا" الآية، [سبأ : 32] [ غافر : 48] وقال: "ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعاً" [النساء : 172]وقال: "إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين" [ غافر : 60] وقال: "مستكبرين به سامراً تهجرون" [ المؤمنون : 67]في آيات كثيرة.الثالث: كفر الإعراض، وهو مجانبة الدين، لا يتعلمه، ولا يبحث عنه، ولا يستمع لداعيه، منهمك في شهواته، غارق في لذاته، راكض في دنياه، غافل عن أخراه، يقول –تعالى-: "والذين كفروا عما أنذروا معرضون" [ الأحقاف : 3]. ويقول –سبحانه-: "وهم في غفلة معرضون. ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون. لاهية قلوبهم" [ الأنبياء : 1-3] ويقول -عز وجل-: "إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون. أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون" [ يونس : 7-8]، وقال: "ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون" [ السجدة : 22]، وقال: "ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسي ما قدمت يداه إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقراً وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذن أبدا"…[ الكهف : 57] في آيات كثيرة.

وكل هؤلاء يسمون كفاراً، يستوي في ذلك من عرف قلبه، وأنكر لسانه، أو أنكر قلبه ولسانه، أو أقر، ولكن أبى واستكبر كإبليس، أو أعرض عن الأمر بالكلية، وكأن الأمر لا يعنيه، ولا يكون مسلماً إلا من أقر بالشهادتين، والتزم بمقتضياتها العملية. هذا في أحكام الدنيا، وهو منصوص القرآن الكريم في مواضع كثيرة، حتى إن الله –تعالى- سمى اليهود والنصارى مشركين وكفاراً في مواضع كثيرة، كما في سورة المائدة، والبقرة، والبينة، … وغيرها، وهو من قطعيات الدين وضرورياته، وقد حكى الإجماع عليه طوائف كثيرة من علماء المسلمين: كابن حزم، والبغدادي، وابن تيمية، وابن القيم.أما في الآخرة،

فقد تكلم أهل العلم فيمن لم تبلغه الدعوة من الكافرين، وذكروا فيهم أقوالاً، وممن فصل في هذه المسألة ابن القيم في طريق الهجرتين وأحكام أهل الذمة، وإن كان بحثه في الأصل في أولاد المشركين. (انظره: 2/619-656).وقد ذكر -رحمه الله- في المسألة عشرة أقوال، آخرها: أنهم يمتحنون في الآخرة، ويرسل الله –تعالى- إليهم رسولاً، وإلى كل من لم تبلغه الدعوة، فمن أطاع الرسول دخل الجنة، ومن عصاه دخل النار، وعلى هذا فيكون بعضهم في الجنة، وبعضهم في النار، وهذا قول جميع أهل السنة، والحديث حكاه الأشعري عنهم في كتاب (الإبانة)، وذكره ابن فورك، وأبو القاسم ابن عساكر في تصانيفه، وحكاه محمد بن نصر المروزي في الرد على ابن قتيبة، وذكر حججه، وقد سردها الإمام ابن القيم، ومال إلى تقويتها، وعززها بنحو من عشرين وجهاً، قال في الوجه الثامن عشر بعد كلام هؤلاء لا يحكم لهم بكفر ولا إيمان؛ فإن الكفر هو جحود ما جاء به الرسول، فشرط تحققه بلوغ الرسالة، والإيمان هو تصديق الرسول فيما أخبر، وطاعته فيما أمر، وهذا أيضاً مشروط ببلوغ الرسالة، ولا يلزم من انتفاء أحدهما وجود الآخر إلا بعد قيام سببه، فلما لم يكن هؤلاء في الدنيا كفاراً ولا مؤمنين، كان لهم في الآخرة حكم آخر غير حكم الفريقين.

فإن قيل: فأنتم تحكمون لهم في الدنيا بأحكام الكفار، من التوارث، والولاية، والمناكحة، قيل: إنما نحكم لهم بذلك في أحكام الدنيا، لا في الثواب والعقاب.ثم قال: الوجه الثاني: سلمنا أنهم كفار، لكن انتفاء العذاب عنهم لانتفاء شرطه، وهو قيام الحجة عليهم، فإن الله – تعالى- لا يعذب إلا من قامت عليه الحجة.. إلى آخر كلامه -رحمه الله-.أما معنى قيام الحجة، فهو أن تبلغه رسالة الإسلام كما أنزلها الله، باللغة التي يفهمها، ويدرك معناها، ولا معنى لبلوغ حجة لم يفهمها، فإنّ ما لم يفهم لا ينتفع به، كما لو تكلم بلغة غير لغته، أو تكلم مع ضعيف الفهم قليل الإدراك بلغة راقية لا يستوعبها،أو لم يحسن عرض حجته، والله –تعالى- أعلم بالصواب.

ويا ليتنا بدلاً من الجدل المحتدم حول دقائق بعض المسائل نجتهد في دعوة غير المسلمين إلى الإسلام، وتشجيعهم على اكتشاف الحق الذي جاء به، ورفع الشبهات والأباطيل التي ألصقها به الشانئون المغرضون، والجهالات التي ألحقها به الضالون والمبتدعون، حتى يُجلى لهم دين الله –تعالى- واضحاً كالشمس ليس دونها سحاب، إذن لانجفلوا إليه مسرعين، وأقبلوا نحوه مهطعين، وتشربوا هدايته تشرّب الظمآن للماء البارد..فكم من أسير رمته الحياة رأى أنهـا قيـده فانتـحريريد السعادة فـي مدته ولـم يدر مـاذا وراء القدرعلينا إذن إخوتي ذنبـهم سنسأل عنهم.. فهل نعتذر؟

إن الإسلام اليوم محجوب بمساوئ أهله وشعوبه صارت أمثولة يتسلَّى بها الإعلام في كل مكان، فإن أرادوا التمثيل على قلة الاهتمام، أو التبذير، أو الدموية، أو الشهوانية، أو التخلف، فأقرب وسيلة لذلك السحنة العربية الإسلامية، واللباس العربي، واللسان العربي.إن الإعلام الغربي – ربما - لا يبالغ أكثر وأكثر في هذه الصورة؛ حتى لا يسبب الفزع أو القلق للأطفال، أو لعله يعرض ذلك في الأوقات التي ينصرفون فيها عن التلفاز.فنسأل الله أن يعيد المسلمين إلى دينهم الحق، وأن يرزقهم صدق الاستمساك به، وأن يجعلهم لسان صدق يعبر عنه، وأن يلهمهم تحقيقه في واقع حياتهم الفردية والاجتماعية، حتى يكون ذلك خير رد على الصورة القاتمة التي يتلقاها الناس عنهم في كل مكان، والله المستعان.

أجـاب عليه الشيخ سلمان العودة حفظه الله