المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : (( نبــي اللــه سليمـــان عليــه الســـلام )) [ 2 ]


ولد مجري
23-Mar-2003, 04:17 AM
5]]]
بسم الله الرحمن الرحيم

* سليمان (ع) والنملة

لقد كان جنود سليمان(ع) مما لاقبل لأحد بمقاومتهم، وهم من الإنس والجن والطير كما أخبر بذلك القرآن الكريم، ونظراً لكثرتهم وكثافتهم، فإنّ النمل على كثرته كان يخاف منهم كما حكى ذلك القرآن: {قالت نملة: ياأيُّها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنّكم سليمان وجنوده وهم لايشعرون}.

ويحكي القرآن الكريم أنّ سليمان(ع) عندما سمع قول النملة هذا، وكان قد علّمه، تبسّم ضاحكاً من قولها، ثم قال لجنوده: ائتوني بها، فلما أتى بها قال لها: ألم تعلمي أيتها النملة أنني نبي الله، وأنّ الأنبياء لايظلمون؟ قالت: بلى يانبي الله. قال: إذاً لماذا تخافين مني وتحذرين ظلمي، وتأمرين النمل بالإختباء في القرى؟. قالت: خفت أن يفتتن النمل والجنود إذا نظروا إليك، فينسوا عظمة الله، وبذلك يدوس الجنود والنمل بأقدامهم وهم لايشعرون.

* سليمان(ع) وبلقيس

وهل آتاك حديثُ سُليمانَ وبلقيسَ ملكةِ سبأ؟...

ذات يومٍ بينما كان النبي سُليمان يتفقَّدُ قادة جُندِهِ من الجنّ والإنس والحيوان والطّير، الذين اصطفّوا أمامهُ، افتقد الهُدهُد الّذي كان حينذاكَ غائباً، فقال:

- "ماليَ لاأرى الهُدهُدَ؟.. أم كان من الغائبين. قسماً، إذا كان غيابُهُ دون عُذرٍ، فسوف أُعذِّبُهُ شديد العذاب بنتف ريشهِ، أو أذبَحُهُ.

لم يمض وقتٌ طويلٌ حتَّى رجع الهُدهُدُ وفرائصُهُ ترتعِدُ خوفاً، وقال:

- "مليكي وسيدي، لقد أتيتُكَ من سبأٍ بالخبر الصّادق إنّهم قومٌ يعبدون الشَّمس ويسجُدونَ لها من دونِ الله عزّوجلَّ، وتتزَعَّمُهُم امرأةٌ ذاتُ قوَّةٍ ودهاءٍ وعزٍ ومجدٍ، وقد شيَّدت لنفسِها عرشاً عظيماً!".

أُنظُر إلى التَّصويرِ القُرآني لهذا المشهَدِ:

{ وتفقَّدَ الطيرَ ما لي لا أرى الهُدهُدَ أم كانَ من الغائبين. لأعَذِّبَنَّهُ عذاباً شديداً أو لأذبحنّهُ أو ليأتينِّي بسُلطانٍ مُبين (أي: بحجّة واضحةٍ). فمكثَ غيرَ بعيدٍ فقال: أحطتُ بما لم تُحط به وجئتُكَ من سبأٍ بنبأٍ يقينٍ. إني وجدتُ امرأةً تملكُهُم وأوتيت من كلِّ شئٍ ولها عرشٌ عظيمٌ. وجدتُها وقومَها يسجُدُون للشَّمس من دون الله وزيَّنَ لهُمُ الشَّيطانُ أعمالَهُم فصدَّهُم عن السَّبيل فهُم لايهتدون}.

أدرك النَّبيُ سُليمانُ بأنَّ الهُدهُد قد قام بإنجازٍ عظيمٍ، فأخذ يُلاطفُهُ، وحمّلَهُ رسالةً إلى هذه المرأة العظيمة، قائلاً لهُ:

- {اذهب بكتابي هذا فألقِه إليهم، ثُمَّ تولَّ عنهم فانظُر ماذا يرجعون}.

وحمَلَ الرَّسولُ -الطَّائرُ- الرِّسالةَ بمنقاره، وأطلق جناحيه في أجواز الفضاء، متوجِّهاً إلى بلاد اليمن. ولمّا وصل دار حول القصر عدَّةَ مرّاتٍ يُفتِّشُ عن سيّدةِ القصر، ولمّا لمحها طرفُهُ انطلق إليها كالسَّهمِ وهو يُرفرِفُ بجناحيه، فتطلَّعت إليهِ مُستغربةً فألقى الرِّسالةَ بين يديها، وانصرف.

وباندهاشٍ واستغرابٍ شديدين فضَّت الملِكَةُ الرسالةَ وفهِمَت مضمونها، عند ذلك عقدت اجتماعاً ضمَّ قادة قومها وزُعماءهُم، وقالتْ لهُم: يارؤساء عشيرتي وقادة جُندي أنّه لأمرٌ عجيبٌ وخطيرٌ حقاً، سوف أُطلِعُكُم عليه، لتروا فيه رأيكُم:

{لقد أُلقيَ إليَّ كتابٌ كريمٌ، إنَّه من سُليمانَ وإنَّهُ بسمِ الله الرحمن الرحيم. ألاّ تعلَو عليَّ وائتوني مُسلمينَ}.

ووزّعت الملكةُ بلقيسُ نظراتها بين قادة جُندها والزُّعماء لترى وقع (أي: تأثير) الخبر عليهم، وتابعت قائلةً: إنّني كما تعلمُونَ {لستُ قاطعةً أمراً (أي: ممضيةً أمراً) حتى تشهدون} فما الرأيُ لديكُم؟.

وأجابوا بما يُشبهُ الصَّوتَ الواحد: أنت سيّدَتُنا وملكَتُنا والمُطاعةُ عندنا، فالرأيُ رأيُكِ، أمّا نحن، فكما تعهديننا، رجالُ حربٍ ووغى. وعلى أتمِّ الاستعداد لتنفيذ ماتطلُبين. {نحنُ أولو قوةٍ وأولو بأسٍ شديدٍ، والأمرُ إليكِ فانظُري ماذا تأمُرين}.

وتُلفتُ بلقيسُ نظر المجتمعين إلى أنَّ جيش النّبي سُليمان ليس كبقيّةِ الجيُوش وبالتّالي، فلا طاقة لنا على الوُقوفِ في وجهِهِ والتصدي لهُ وأنتُم خيرُ من يعلمُ بما تفعلُهُ القُوى العُظمى في هُجُومِها على منطقة من المناطق، وبما تُحدِثُهُ من تدميرِ فيها لتُحيلها إلى أنقاضٍ ورُكامٍ.

وللتعاطي مع المُلوكِ ومصانعتِهِم أسلوبٌ نُجيدُهُ. اعلَموا:

{إنّ الملوك إذا دخلوا قريةً أفسَدوها وجعلوا أعزَّةَ أهلها أذلةً وكذلك يفعلون} فمن الرأي إذن، أن نُرسل إلى سُليمان بهديةٍ، وبمُناسبةِ ذلك يتقصَّى رُسُلُنا أوضاعَ جيشِهِ عُدَّةً وعدداً، ويكونُ قرارُنا -بالتالي- على ضوء تلك المعلومات.

{وإني مُرسلةٌ إليهم بهديةٍ فناظرةٌ بم يرجعُ المُرسلون}

وشرعت بلقيسُ بعد ذلك بتحضير أفخم الهدايا وأجملها وأروعها لتقديمها إلى ملك المُلوك وسُلطان الأرض دون مُنازعٍ، ثمَّ توجّهت في موكبٍ مهيبٍ يحملُ من الهدايا والنفائس مالا يُدَّرُ، متوجهةً نحو مملكةِ سُليمان.

وعند وُصول هذا الموكب إلى بلاط سُليمانَ انبهَرُوا، وأخذتهُم الدَّهشةُ؛ إنَّ مايحملونَ من هذايا لشئٌ جدُّ تافهٌ بالنسبة إلى عظمة هذا الملك، وجلاله. وساورهُم إحساسٌ بالخجل الشَّديد لهداياهُم البسيطة أمام هذا المُلكِ الباذخِ العريضِ. وقال النبيُ سُليمانَ لهذا الوفدِ:

" كان كلُّ مُرادي أن تُطيعوني وتسلِّموا وتُذعِنوا لأمر الله تعالى وشريعتِهِ، وعوض ذلك، أتيتُم لي بالهدايا. وما قيمتُها؟.. خُذُوها، فأنتُم تفرحُونَ بامتلاكِها وتفتَخِرون" وتابع قائلاً:

- {أتُمدُّونَنِ بمالٍ، فما آتاني الله خيرٌ مما آتاكُم بل أنتُم بهديَّتِكم تفرَحونَ} في العاجل سأوَجِّهُ عليكم جيشاً لجباً لا تستطيعون الوقوف بوجهه حتّى تُسلِّموا لي القياد وتطيعو أمري.

لم تجد بلقيسُ ووفدُها حلاًّ سوى الاذعان والاستسلام لحُك النبي سُليمان وهي المرأةُ العاقلةُ الحكيمةُ ذاتُ القطرة السَّليمةِ. لقد أرادت أن ترى هذا الملكَ- النبيَّ، وتخبِرَهُ، وتتعرَّف إلى شرعِ الله، وما أنزلَ من التوراةِ على أنبياء بني إسرائيلَ.

وكانت بلقيسُ -كجميع النّاس- قد سمعت بأخبار النّبي سُليمان في تلك الأيام، وما شرّع الله على يديه من أحكام. لذا، كانت رغبتُها شديدةً في رؤيةِ النبي سُليمان هذا، والتَّعرُّفِ إلى شخصيَّتِهِ عن كثبٍ (أي: عن قربٍ).

كما كانت تحفظُ- كجميع النّاس كذلك- قصّة النبي موسى وفرعون، رُغم مرور السّنوات الطّوال، إذ ما يزالُ النذاسُ يتناقلُونها مُشافهةً وكتابةً، ذاكرين مُعجزات الله وآياته وما أُنزل في التَّوراة من قصص العديد من الأنبياء والرُّسُل.

وفي ساعةٍ أراد النبيُ سُليمان فيها أن يُظهر قوّةَ سُلطانِهِ وبينما كان مُعتلياً عرشَهُ العظيم، يحُفُّ به كبارُ القادةِ وعُظماءُ الوزراء التفت إليهم قائلاً:

" إنّ لبلقيسَ في بلاد سبأٍ عرشاً عظيماً، فخماً، ومُهيباً، فمن منكُم يستطيع أن يأتيني به قبلَ وُصُولِها مُستسلمةً؟.

ونظر الجنُّ بعضُهُم إلى بعضٍ. فما يطلُبُهُ النبيُّ سُليمانُ لأمرٌ جدُّ عظيمٌ، ومن يستطيعُ ذلك؟.. وانبرى عفريتٌ من الجنِّ ذو قوَّةٍ وعزمٍ، قائلاً: سيدي {أنا آتيكَ بهِ قبلَ أن تقومَ من مُقامِكَ}.

فَصَمتَ النبيُ سُليمانُ، مُفسحاً المجال أمام غيرِهِ من عُتاة الجنِّ (أي: الجبارين منهم) والعلماء الرّاسخين في العلم. وتقدَّمَ إليه كبيرُ وُزرائِهِ "آصفُ" -وكان عندهُ علمٌ من الكتاب- (أي: يعلم اسم الله الأعظم) قائلاً: سيِّدي، بل، {أنا آتيك به قبل أن يرتدَّ إليكَ طرْفُكَ!..} وبلحظةٍ، كطرفةِ عينٍ، كان العرشُ أمام النبيِّ سُليمانَ مُسْتَقرّاً.

عند ذلك تملّكَت الدَّهشةُ والاستغرابُ الحاضرين جميعاً، وتساءلوا عن كيفيَّة إحضار هذا العرش العظيم بهذه السُّرعة الفائقة، ومن أين؟.. من أقاصي بلاد اليمن، إلى القدس!..

وسجد النبيُ سُليمانُ لربِهِ شاكراً لهُ هذه النَّعماء، قائلاً أمام الجميع:

- {هذا من فضلِ ربي ليبلُوَني أأشكُر أم أكفُرُ. ومن شكرَ فإنّما يشكُرُ لِنفسهِ، ومن كفر فإنّ ربي غنيٌ كريمٌ.}.

وأمرَ النبيُ سُليمانُ بإجراء تغيير طفيفٍ على العرش لمعرفة ما إذا كانت بلقيسُ تُنكِرُ عرشها أم تتعرَّفُ عليه. فقال (عليه السلام): -{نكِّروا لها عرشَها ننظُرْ أتهتدي أم تكونَ من الذين لايهتدون}.

وعندما دخلت بلقيسُ، فاجأها النبيُ سليمانُ بقولِهِ: -{أهكَذا عرشُكِ؟..}

{قالت: - كأنّهُ هُوَ وأوتينا العلمَ من قبلِها وكُنّا مُسلمينَ}.

وطلب إلى الملكةِ - وهي تعيشُ ساعاتٍ مفاجآتٍ- أنْ تدخُلَ القصرَ فلمّا همّت بالدُّخول، تراءَتْ لها أرضُ القصر، وكانت من صافي البِّلَّور النقيِّ، كَلُجَّةِ ماءٍ. وخُيلَ إليها أنّها تخُوضُ ماءً. فرفعَت عن ساقيها خشيةَ البلل، فقيل لها: مهلاً، ليس ما ترينَهُ ماءً. {ولكِنَّهُ صرحٌ مُمرَّدٌ من قواريرَ}. (أي: مسوَّى).

فقالت بلقيسُ عندئِذٍ، وقد امتلأ قلبُها رهبةً وفاض خُشوعاً:

- {رَبي، إني ظلمتُ نفسي، وأسلمتُ مع سُليمانَ لله ربِّ العالمين!..}

تباركت اللّهمَّ ربّنا، وتعاليتَ، يامن أعطى سليمانَ كُلَّ هذه العظمةِ والسُّلطان!..

وهكذا اتّجَهَت حُكومَةُ سُليمانَ- وهي تتعاظَمُ يوماً بعد يومٍ-، نحو مزيدٍ من عُلُوِّ الشَّأنِ والسُّلطانِ. وعاش شعبُ يعقوب. الذي أخلصَ لله عبادتَهُ، حياةً ملؤُها الرَّفاهيَّةُ والسَّعادةُ، ينعمُ بالأمنِ والاستقرارِ بعد أن عاشَ نموذجاً حياً من الحكم الإلهي.

حقاً، إذا عمل النّاسُ بِحُكم الله، أفاضَ عليهم الخيراتِ والنِّعمِ الوافرةَ واضعاً في تصرُّفهم قُدُراتٍ عجيبةً، وبين أيدهم مفاتيح العلم، فيعيشون حياةً رغيدةً وآمنةً ومُباركةً.

لقد كانت سُلطةُ سُليمان على الريح {تجري بأمره رُخاءً حيثُ أصاب}، (أي: ريح مطيعة حيث أراد) وعلى الشَّياطين {كلَّ بنّاءٍ وغوّاصٍ} وعلى الأنس والجن جميعاً في بر وفي بحرٍ يأمرهم بيطيعون، وهذا نموذجٌ رائعٌ لنعمٍ إلهيَّةٍ وقُدُراتٍ غيبيَّةٍ سماويَّةٍ. {وإن تعُدوا نعمة الله لاتُحصوها!..}.

كان النّاسُ في ذلك الزّمن السّحيق يستخدمون السُّفن لسفرهم بحراً وكذلك الدّوابَّ لقطع البراري.

ولكنّ الله تبارك وتعالى سخَّرَ لسُليمانَ الرّيحَ، لتحملَهُ ومن يشاءُ على بساطِها إلى البُقعةِ التي يُريدُ. فكان باستطاعتِهِ أن يقطع عليها في يومٍ واحدٍ مسافة تستلزمُ شهرين لاجتيازها، ذهاباً وإياباً. {غُدُوُّها شهرٌ ورواحُها شهرٌ}.

وكان النبيُّ سُليمانُ يملِكُ آداةً خاصَّةً كان بواسطتها يُقلعُ بسُرعةٍ من على وجه الأرضِ، ويستقرُّ بهُدوءٍ في الفضاء، ثُمّ يتوجّهُ أنّى شاء. ألا ترى أنّهُ بواسطة هذه الريح نفسِها الّتي سخّرها الله لنا، كانت هذه المناطيدُ والطائراتُ والصّواريخُ التي تعبُرُ أرجاءَ الفضاء؟

إنّ الله عزّوجلّ الذي بيّن للناس جميعاً آياته وأظهر لهُم آثارهُ، إنَّما ابتغى من وراء ذلك إنقاذهُم من ظُلمةِ الجَّهلِ إلى نورِ العلمِ، ومن ذُلِّ الفقر وعبادة الأصنام إلى عزِّ التَّوحيد وعبادة الله الواحد القهّار. ويُذكِّرُ الله تعالى نبيّهُ سُليمان بذلك جميعاً وقد وضع في تصرُّفه هذه القُدُرات، فهُو حرُّ التصرُّف بها، ويُخاطبُهُ بقولهِ عزّوجلّ: ياسُليمانُ- {هذا عطاؤنا فامنُن أو أمسِك بغيرِ حسابٍ}.

ونحنُ، إذ نُفكِرُ بهذا الكونِ الرَّحيبِ ألا نراهُ أعمقَ وأرحبَ من أن يطولُه فكرٌ أو يُحيط به خيالٌ؟.. وهكذا ارتقى النَّبيُّ سُليمانُ(ع)، أعلى درجات المجد والعظمة، ومُنتهى مايطمحُ إليه إنسانٌ.

ورُغمَ هذا السُّلطان الواسعُ الذي كان يمتلِكُهُ، بما فيه من دورٍ وقُصورٍ، وحشمٍ وخدم، وجُندٍ هائلٍ، فإنّهُ (ع) ذكر الله وعبادتَهُ وشكرهُ أبداً، لقد كان حقاً كأبيه داود {عبداً شكوراً}.

أمّا الصَّلاةُ فكان لها الأفضليّةُ عندهُ- وقصَّهُ استعراضِهِ للخيل، في يومٍ مضى، تُظهرُ ذلك- فالصَّلاةُ تفُوقُ كُلَّ ماعداها. هي الكبيرةُ وما دونها صغيرٌ. إنّها أكبرُ من كلِّ شئٍ.

{ولذكرُ الله أكبرُ!..}

ورُغم عظمتِهِ ومهابتِهِ وجلاله فإنّهُ كان يتدبَّرُ أمر معيشتهِ بنفسه، ويأكُلُ من جني يديه. فكان يعملُ ويأخذُ على ذلك أجراً. دون أن يُفكّر بمدِّ يدهِ إلى الأموال العامّة، وكُلِّها تحت يده.

المجدُ والخُلودُ لمثال العبد الصّالح، الذي امتلأ قلبُه من حبِّ الله وخوفه فكان يدعوهُ دائماً، ويسغفرهُ أبداً، ويشكُرُهُ على عظيم نعمائه وجزيل آلائه {إنّهُ نعم العبدُ إنّهُ أوَّابٌ!...} (أي: يعود إلى الله في كل أموره).

*سليمان(ع) يبني الهيكل

كان داود والد سليمان(ع) قد شرع ببناء بيت المقدس، ولكن الأجل وافاه قبل أن يتم بناءها. فأراد سليمان(ع) إكمال ما كان قد بدأه والده، فجمع العمال من الجن والشياطين، وأمرهم بجمع الحجارة من الرخام، والصفائح وأن يبنوا المدينة ويقسموها اثني عشر قسماً حتى ينزل كل سبط من أسباط بني إسرائيل الإثني عشر في قسم منها.

وهكذا كان، فلما تمَّ له ما أراد، وبنيت المدينة، سعى لبناء هيكل للعبادة (المسجد الأقصا) حتى يكون مقراً يُعبد فيه الله. فبعث فرقة من الشياطين يأتون بالذهب والياقوت والأحجار الكريمة، وأمر فرقة أخرى أن تُزيِّن الأحجار والياقوت بالذهب، ثم أمر جماعة أن يجلبوا المسك والعنر والأطياب، وآخرين يأتون بالدر واللآلئ من البحار. ولما اجتمع له من هذه الأشياء الكثير أمر الصنّاع والمهرة أن يرصّعوا الأحجار بالمعادن الثمينة والجواهر والدرر، وأن يعلقوا تلك الأحجار في أماكن حددها لهم.

وتمّ بناء الهيكل بالرخام الملون: الأبيض والأصفر والأخضر، ونصبت أعمدته وأسطواناته، وكلها من اللؤلؤ الأبيض، وركب سقفه وطلي بالفضة، ونقش بالجواهر واللآلئ واليواقيت، ثمّ فرضت أرضه بالفيروزج، حتى صار وليس على وجه الأرض يومها بيت أبهى منه ولاأحسن، يضئ في الظلام كما البدر في ليلة تمه.

وبقي هذا الهيكل بيتاً للعبادة، يؤمه المؤمنون بالله، حتى غزا بخت نصّر العراقي، مدينة القدس فخرّبها، وهدّم الهيكل، وحمل مافيه من الدرّ والياقوت والمعادن الثمنية إلى بلاده.

ويذكر أنّ نبي الله سليمان(ع) كان يجول على الناس من أهل مملكته يتصفح وجوههم، حتى يصل إلى المساكين، فيقعد معهم ويقول: مسكين مع المساكين.

ومع ماله من الملك والجاه، فقد كان سلام الله عليه يلبس من الشعر، وإذا حلّ عليه الضلام، ظلّ قائماً وقد عقد يديه على عنقه حتى يصبح باكياً حزيناً من حشية الله تعالى.

وكان طعامه من سفائف الخوص، وهو نبات بري، يصنعه بيديه، ولم يسأل الله الملك للعلو في الأرض والفساد، وإنما سأل ربه أن يعطيه ذلك الملك، ليكون مؤمناً عابداً داعياً إلى عبادة الله الواحد الأحد، وليقهر ملوك الكفر والطغيان، فاستجاب له ربه لعلمه سبحانه بعاقبة الأمور.

*وفاة سليمان(ع)

ويلتفتُ النبيُ سُليمانُ ذات يومٍ إلى بعض أعوانه، وقد ظهرت عليه علاماتُ الإعياء والإرهاق، ويقولُ لهُم بصوتٍ خافتٍ: "منذُ زمنٍ طويلٍ، وأنا أقضي جُلَّ أيّامي في خدمة النَّاسِ وقضاء حوائجهِم، بكُلِّ ما يتطلّبُهُ ذلك من جُهدٍ وعزيمةٍ لذلك، فقد عزمتُ اليوم على الإخلاد للرّاحة والسّكينةِ والهُدوء فلا تدعوا كائناً من كان بالدخول عليَّ.

وإنّ أمرَهُ لَمُطاعُ!.. فأوصدت الأبوابُ ووقفَ الحُجّابُ في أماكنيهم حرساً، وتوجّه النبيُ سليمانُ إلى مُرتفعٍ صغيرٍ لمُراقبة العُمّال الذين كانوا من الجنِّ في خدمتِهِ.

وإن كان هذا الأمرُ في عُرفنا لايكادُ يُصدِّقُ لخُرُوجهِ عن المألوف وغرابته، وصُعوبة تحقيقه، ولكنّه معجزةٌ حقاً. إذ لكلِّ نبيٍّ معجزةٌ أو معجزاتٌ، وهذه إحدى معجزات النبي سُليمان(ع).

لم يكُن قد مضى وقتٌ طويلٌ على أمر سُليمانُ بمنع الدُّخول عليه، حتى شعر بشخصٍ يقتربُ منهُ، تُرى من أينَ أتى؟ هل انشَقَّت عنهُ الأرضُ؟.. أم هبَطَ من السَّماءِ؟.. كيف دخل دون إذنه، غير مُتحسبِ لهيبتهِ وعظمتِهِ ورهبتِهِ؟..

- إنَّهُ ملاكُ الموتِ الّذي لايَخشى أحداً، ولايقفُ حاجزٌ دُونهُ، ورويداً رويداً يقتربُ الملاكُ من النّبي- الملك، الذي مازال متَّكئاً على عصاهُ، دون حراكٍ. وبارتعاشٍ لطيفٍ تُغادِرُ روحُ سليمانَ الطاهرةُ جسدَهُ الشَّريف، إلى عالم الأرواح، لتلتحق بالملأ الأعلى، ويبقى الجسدُ متَّكئاً على العصا، دون اهتزازٍ، يُراقبُ، ومجموعات الجنِّ جادَّةٌ في عملها، منهمكةٌ في مهمّاتها، ومن منهم يستطيعُ النَّظر إلى وجه النبيِّ سُليمانَ العظيم؟..

وظلّ الأمرُ على هذا الحال شُهوراً طوالا،كان السُّوسُ خلالها قد أخذ بنخر العصا من الدّاخل، وفجأةً، تنكسرُ العصا، ويخرُّ الجسدُ الشّريفُ إلى الأرض.

عند ذلك أدرك الجِنُّ الذين تحقَّقوا من موته، ولكن بشكلٍ جدُّ متأخرٍ، أنهم لو كانوا يعلمُون الغيب حقاً، لعلِمُوا بموت سيّدهم النبيِّ سُليمان مُنذُ مات، ولما بقُوا، بالتَّالي، طوال هذه المدَّةِ بعد موته، وهُم على عملهم دائبون، يكدحون في عناءٍ وفي شقاءٍ.

{فلمّا قضينا عليه الموت مادلّهم على موته إلاّ دابّةُ الأرضِ تأكُلُ منسأتهُ، (أي: عصاه) فلمّا خرَّ تبيّنت الجنُّ أن لو كانوا يعلمون الغيب مالبثوا في العذاب المُهين}.

(صدق الله العلي العظيم)


مع تحيات اخوكم / ولد مجري


@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@[/SIZE][/SIZE][/SIZE][/SIZE]

ابن ريحان
09-Jul-2007, 02:45 PM
مشكوووووووووووووور أخوي ولد مجري

ابوبجاد الرويس
09-Jul-2007, 05:40 PM
مشكور اخوي ولد مجري

والله يجزاك خير

والله يعطيك العافيه