المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تفسير صورة الفاتحة (( لبن كثير,,,ابو الفداء )) [ 5 ]


ولد مجري
18-Mar-2003, 03:06 PM
بسم الله الرحمن الرحيم


( الرحمن الرحيم ) اسمان مشتقان من الرحمة على وجه المبالغة، و‏{‏رحمن‏}‏ أشد مبالغة من ‏{‏رحيم‏}‏ وزعم بعضهم أنه غير مشتق، قال القرطبي‏:‏ والدليل على أنه مشتق ما روي في الحديث القدسي‏:‏ ‏(‏أنا الرحمن خلقتُ الرحم وشققت لها اسماً من اسمي، فمن وصلها وصلته، ومن قطعها قطعته‏)‏ ‏"‏أخرجه الترمذي وصححه عن عبد الرحمن بن عوف عن النبي صلى الله عليه وسلم‏"‏قال القرطبي‏:‏ وهذا نصٌ في الإشتقاق فلا معنى للمخالفة والشقاق، وإنكار العرب لاسم ‏{‏الرحمن‏}‏ لجهلهم باللّه وبما وجب له، وبناء فعلان ليس كفعيل، فإن فعلان لا يقع إلاّ على مبالغة الفعل نحو قولك رجلٌ غضبان للممتلىْ غضباً، و فعيل قد يكون بمعنى الفاعل والمفعول‏.‏ قال ابن جرير‏:‏ ‏{‏الرحمن‏}‏ لجميع الخلق، ‏{‏الرحيم‏}‏ بالمؤمنين، ولهذا قال تعالى ‏{‏الرحمن على العرش استوى‏}‏ فذكر الاستواء باسمه الرحمن ليعمّ جميع خلقه برحمته، وقال‏:‏ ‏{‏وكان بالمؤمنين رحيما‏}‏ فخصهم باسمه الرحيم‏.‏ فدلّ على أن ‏{‏الرحمن‏}‏ أشد مبالغة في الرحمة لعمومها في الدارين لجميع خلقه، و ‏{‏الرحيم‏}‏ خاصة بالمؤمنين، واسمه تعالى ‏{‏الرحمن‏}‏ خاص لم يسم به غيره، قال تعالى‏:‏ ‏{‏قل ادعوا اللّه أو ادعوا الرحمن‏}‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏أجعلنا من دون الرحمن آلهة يُعبدون‏}‏‏؟‏ ولما تجرأ مسيلمة الكذاب وتسمى برحمن اليمامة كساه اللّه جلباب الكذب وشهر به، فلا يقال إلا مسيلمة الكذّاب فصار يضرب به المثل في الكذب بين أهل الحضر والمدر‏.‏

وقد زعم بعضهم أن الرحيم أشد مبالغة من الرحمن لأنه أكّد به، والمؤكِّدُ لا يكون إلا أقوى من المؤَكَّد،

والجواب أن هذا ليس من باب التأكيد وإنما هو من باب النعت ولا يلزم ما ذكروه، فإن قيل‏:‏ فإذا كان الرحمن أشد مبالغة فهلا اكتفى به عن الرحيم‏؟‏ فقد قيل‏:‏ إنه لمّا تسمّى غيره بالرحمن جيء بلفظ الرحيم ليقطع الوهم بذلك، فإنه لا يوصف ب ‏{‏الرحمن الرحيم‏}‏ إلا اللّه تعالى، كذا رواه ابن جرير عن عطاء ووجّهه بذلك واللّه أعلم‏.‏

والحاصل أن من أسمائه تعالى ما يسمى به غيره، ومنها ما لا يسمى به غيره كاسم اللّه و الرحمن و الخالق و الرازق ونحو ذلك، وأما الرحيم فإن اللّه وصف به غيره حيث قال في حق النبي‏:‏ ‏{‏بالمؤمنين رءوفٌ رحيم‏}‏، كما وصف غيره ببعض أسمائه فقال في حق الإنسان‏:‏ ‏{‏فجعلناه سميعا بصيرا‏}‏‏.‏

الآية رقم ‏(‏2‏)‏

‏{‏ الحمد لله رب العالمين ‏}‏

قال ابن جرير‏:‏ معنى ‏{‏الحمد للّه‏}‏ الشكر للّه خالصاً دون سائر ما يعبد من دونه، ودون كل ما برأ من خلقه، بما أنعم على عباده من النعم التي لا يحصيها العدد، ولا يحيط بعددها غيره أحد، في تصحيح الآلات لطاعته، وتمكين جوارح المكلفين لأداء فرائضه، مع ما بسط لهم في دنياهم من الرزق، وغذاهم به من نعيم العيش، فلربنا الحمد على ذلك كله أولاً وآخراً، ‏{‏الحمد للّه‏}‏ ثناءٌ أثنى به على نفسه، وفي ضمنه أمر عباده أن يثنوا عليه فكأنه قال‏:‏ قولوا الحمد للّه، ثم قال‏:‏ وأهل المعرفة بلسان العرب يوقعون كلاً من الحمد والشكر مكان الآخر‏.‏

قال ابن كثير‏:‏ وهذا الذي ادعاه ابن جرير فيه نظر، لأنه اشتهر عند كثير من المتأخرين أن الحمد هو الثناء بالقول على المحمود بصفاته اللازمة والمتعديه، والشكرُ لا يكون إلا على المتعديه، ويكون بالجَنَان، واللسان، والأركان كما قال الشاعر‏:‏

أفادتكم النعماء مني ثلاثة * يدي ولساني والضمير المحجّبا

وقال الجوهري‏:‏ الحمد نقيض الذم تقول‏:‏ حمدت الرجل أحمده حمداً فهو حميد ومحمود، والتحميد أبلغ من الحمد، والحمد أعمّ من الشكر، والشكرُ هو الثناء على المحسن بما أولاه من المعروف، يقال، شكرته وشكرتُ له وباللام أفصح، وأما المدح فهو أعمّ من الحمد لأنه يكون للحي، وللميت، وللجماد، كما يمدح الطعام والمكان ونحو ذلك، ويكون قبل الإحسان وبعده على الصفات المتعديه واللازمة أيضاً فهو أعم‏.‏

وفي الحديث الشريف عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال‏:‏ أفضلُ الذكر لا إله إلا اللّه، وأفضل الدعاء الحمدُ للّه ‏"‏رواه الترمذي عن جابر بن عبد اللّه وقال‏:‏ حسن غريب‏"‏وعنه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏ما أنعم اللّه على عبدٍ نعمة فقال‏:‏ الحمد للّه، إلاّ كان الذي أعطَى أفضل مما أخذ ‏)‏ ‏"‏رواه ابن ماجة عن أنس بن مالك‏"‏

وعن ابن عمر أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حدَّثهم ‏(‏أن عبداً من عباد اللّه قال‏:‏ يا رب لك الحمدُ كما ينبغي لجلال وجهك، وعظيم سلطانك، فعضلت بالملكين فلم يدريا كيف يكتبانها فصعدا إلى اللّه فقالا‏:‏ يا ربنا إن عبداً قد قال مقالة لا ندري كيف نكتبها، قال اللّه - وهو أعلم بما قال عبده - ماذا قال عبدي‏؟‏ قالا‏:‏ يا رب إنه قال‏:‏ لك الحمد يا رب كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، فقال اللّه لهما‏:‏ اكتباها كما قال عبدي حتى يلقاني فأجزيه بها ‏)‏ ‏"‏رواه ابن ماجة عن ابن عمر‏"‏

والألف واللاّم في الحمد لاستغراق جميع أجناس الحمد وصنوفه للّه تعالى كما جاء في الحديث‏:‏ ‏(‏اللهم لك الحمد كُلُّه، ولك الملك كلُّه، وبيدك الخير كلُّه، وإليك يرجع الأمر كلُّه‏)‏ الحديث‏.‏

‏{‏رب العالمين‏}‏ الربُّ هو المالك المتصرف، ويطلق في اللغة على السيد، وعلى المتصرف للإصلاح، وكلُّ ذلك صحيح في حق اللّه تعالى، ولا يستعمل الرب لغير اللّه إلا بالإضافة، تقول ربُّ الدار، وأما الرب فلا يقال إلا للّه عزّ وجلّ‏.‏ و‏{‏العالمين‏}‏ جمع عالم وهو كل موجود سوى اللّه عزّ وجلّ، وهو جمعٌ لا واحد له من لفظه، والعوالم أصناف المخلوقات في السماوات، وفي البر، والبحر‏.‏

وقال الفراء وأبو عبيد، العالم عبارة عمّا يعقل وهم الإنس والجن والملائكة والشياطين، ولا يقال للبهائم عالم‏.‏ وقال الزجاج‏:‏ العالم كلٌّ ما خلق اللّه في الدنيا والآخرة، قال القرطبي‏:‏ وهذا هو الصحيح أنه شامل لكل العالمين

قال تعالى‏:‏ ‏{‏قال فرعون وما ربُّ العالمين‏؟‏ قال ربُّ السموات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين‏}‏ والعالم مشتقٌ من العلامة، لأنه دال على وجود خالقه وصانعه وعلى وحدانيته جلَّ وعلا كما قال ابن المعتز‏:‏

فيا عجباً كيف يعصى الإل * ه أم كيف يجحده الجاحد

وفي كل شيء له آية * تدل على أنه واحد

الآية رقم ‏(‏3‏)‏

‏{‏ الرحمن الرحيم ‏}‏

وقوله تعالى ‏{‏الرحمن الرحيم‏}‏ قال القرطبي‏:‏ إنما وصف نفسه بالحمن الرحيم بعد قوله ‏{‏رب العالمين‏}‏ ليكون من باب قرن الترغيب بالترهيب كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏نبىء عبادي أني أنا الغفور الرحيم، وأنَّ عذابي هو العذاب الأليم‏}‏ وقوله‏:‏ ‏{‏إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم‏}‏ فالرب فيه ترهيب، والرحمن الرحيم ترغيب، وفي الحديث‏:‏ ‏(‏لو يعلم المؤمن ما عند اللّه من العقوبه ما طمع في جنته أحد، ولو يعلم الكافر ما عند اللّه من الرحمة ما قنط من رحمته أحد ‏)‏ ‏"‏رواه مسلم عن أبي هريرة مرفوعاً‏"‏

الآية رقم ‏(‏4‏)‏

‏{‏ مالك يوم الدين ‏}‏

قرأ بعض القراء مَلِك وقرأ آخرون مالك وكلاهما صحيح متواتر، و مالك مأخوذ من المِلْك كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏إنا نحن نرثُ الأرض ومن عليها وإلينا يُرجعون‏}‏، و ملك مخوذ من المُلك كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏لمن الملك اليوم‏}‏‏؟‏ وقال‏:‏ ‏{‏الملك يومئذ الحق للرحمن‏}‏ وتخصيص الملك بيوم الدين لا ينفيه عما عداه لأنه قد تقدم الإخبار بأنه رب العالمين وذلك عام في الدنيا والآخرة، وإنما أضيف إلى يوم الدين لأنه لا يدعي أحد هناك كل شيئاً، ولا يتكلم أحد إلا بإذنه كما قال تعالى ‏{‏لا يتكلمون إلاّ من أذن له الرحمن وقال صوابا‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏يوم يأتي لا تكَلَّمُ نفسٌ إلا بإذنه‏}‏، وعن ابن عباس قال‏:‏ يوم الدين يوم الحساب للخلائق، يدينهم بأعمالهم إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، إلا من عفا عنه‏.‏

والمِلْكُ في الحقيقة هو اللّه عز وجل، فأما تسمية غيره في الدنيا بملك فعلى سبيل المجاز، وفي الصحيحين عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال‏:‏ يقبض اللّه الأرض ويطوي السماء بيمينه، ثم يقول‏:‏ أنا الملك أين ملوك الأرض‏؟‏ أين الجبارون‏؟‏ أين المتكبرون ‏"‏رواه الشيخان عن أبي هريرة مرفوعاً‏"‏

و الدين ‏:‏ الجزاء والحساب كما قال تعالى ‏{‏إئنا لمدينون‏}‏ أي مجزيون محاسبون، وفي الحديث‏:‏ ‏(‏الكيّسُ من دان نفسه وعمل لما بعد الموت‏)‏ ‏"‏رواه أحمد والترمذي وابن ماجة من حديث شداد بن أوس مرفوعاً‏"‏أي حاسب نفسه، وعن عمر رضي اللّه عنه‏:‏ ‏(‏حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا‏)‏‏.‏

الآية رقم ‏(‏5‏)‏

‏{‏ إياك نعبد وإياك نستعين ‏}‏

العبادةُ في اللغة‏:‏ مأخوذة من الذلة، يقال‏:‏ طريقٌ معبّد، وبعيرٌ معبَّد أي مذلّل‏.‏

وفي الشرع‏:‏ هي ما يجمع كمال المحبة والخضوع والخوف، وفدّم المفعول وكرّر للإهتمام والحصر، أي لا نعبد إلا إياك ولا نتوكل إلا عليك، وهذا هو كمال الطاعة، والدين يرجع كله إلى هذين المعنيين، فالأول تبرؤ من الشرك والثاني تبرؤٌ من الحول والقوة والتفويض إلى اللّه عزّ وجلّ، وهذا المعنى في غير آيةٍ من القرآن‏:‏ ‏{‏فاعبده وتوكل عليه‏}‏، ‏{‏قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا‏}‏ وتحول الكلام من الغيبة إلى الماجهة، لأنه لما أثنى على اللّه فكأنه اقترب وحضرر بين يدي اللّه تعالى فلهذا قال‏:‏ ‏{‏إياك نعبد وإياك نستعين‏}‏ بكاف الخطاب، وفي هذا دليلٌ على أن أول السورة خبرٌ من الله تعالى بالثناء على نفسه بجميل صفاته الحسنى، وإرشادٌ لعباده بأن يثنوا عليه بذلك‏.‏

وإنما قدّم ‏{‏إياك نعبد‏}‏ على ‏{‏وإياك نستعين‏}‏ لإن العبادة له هي المقصودة، والاستعانة وسيلة إليها، والأصل أني يقدم ما هو الأهم فالأهم، فإن قيل‏:‏ فما معنى النون في نعبد و نستعين فإن كانت للجمع فالداعي واحد، وإن كانت للتعظيم فلا يناسب هذا المقام‏؟‏ وقد أجيب‏:‏ بأن المراد من بذلك الإخبار عن جنس العباد، والمصلي فردٌ منهم ولا يسما إن كان في جماعة أو إمامهم، فأخبر عن نفسه وعن إخوانه المؤمنين بالعبادة التي خُلقوا لأجلها وتوسَّط لهم بخير، وإياك نبعد ألطفُ في التواضع من إياك عبدنا لما في الثاني من تعظيم نفسه من جعل نفسه وحده أهلاً لعبادة اللّه تعالى الذي لا يستطيع أحد أن يعبده حق عبادته، ولا يثني عليه كما يليق به، والعبادة مقام عظيم يَشْرُف به العبد لانتسابه إلى جناب اللّه تعالى كما قال بعضهم‏:‏

لا تدعني إلا بيا عبدها * فإنه أشرف أسمائي

وقد سمّى رسوله صلى اللّه عليه وسلم بعبده في اشرف مقاماته فقال‏:‏ ‏{‏الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب‏}‏ وقال‏:‏ ‏{‏وأنه لما قام عبد اللّه يدعوه‏}‏، وقال‏:‏ ‏{‏سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً‏}‏ فسماه عبداً عند إنزاله عليه، وعند قيامه للدعوة، وإسرائه به‏.‏

الآية رقم ‏(‏6‏)‏

‏{‏ اهدنا الصراط المستقيم ‏}‏

لما تقدم الثناء على المسؤول تبارك وتعالى ناسب أن يعقب بالسؤال، وهذا أكمل أحوال السائل أن يمدح مسؤوله ثم يسأل حاجته، لأنه أنجح للحاجة، وأنجع للإجابة ولهذا أرشد اللّه إليه لأنه الأكمل‏.‏

والهداية ههنا‏:‏ الإرشاد والتوفيق وقد تُعدَّى بنفسها ‏{‏اهدنا الصراط‏}‏ وقد تعدى بإلى ‏{‏فاهدوهم إلى صراط الجحيم‏}‏ وقد تُعدى باللام ‏{‏الحمد للّه الذي هدانا لهذا‏}‏ أي وفقنا وجعلنا له أهلاً، وأمّا ‏{‏الصراط المستقيم‏}‏ فهو في لغة العرب‏:‏ الطريق الواضح الذي لا اعوجاج فيه، ثم تستعير العرب الصراط في كل قول وعمل وصف باستقامة أو اعوجاج، واختلفت عبارات المفسرين من السلف الخلف في تفسير ‏{‏الصراط‏}‏، وإن كان يرجع حاصلها إلى شيء واحد وهو المتابعة للّه وللرسول فروي أنه كتاب اللّه، وقيل‏:‏ إنه الإسلام، قال ابن عباس‏:‏ هو دين اللّه الذي لا اعوجاج فيه، وقال ابن الحنفية‏:‏ هو دين اللّه الذي لا يقبل من العباد غيره، وقد فسّر الصراط بالإسلام في حديث ‏"‏النوالس بن سمعان‏"‏عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏ضرب اللّه مثلاً صراطاً مستقيماً، وعلى جنبتي الصراط سوران فيهما أبوابٌ مفتَّحة، وعلى الأبواب ستور مرخاة، وعلى باب الصراط داعٍ يقول‏:‏ يا أيها الناس ادخلوا الصراط جميعاً ولا تعوجوا، وداعٍ يدعوا من فوق الصراط، فإذا أراد الإنسان أن يفتح شيئاً من تلك الأبواب قال‏:‏ ويْحك لا تفتحه، فإنك إن تفتحه تلجْه، فالصراط الإسلام، والسوران حدود اللّه، والأبواب المفتحة محارم اللّه وذلك الداعي على رأس لاصراط كتاب اللّه، والداعي من فوق الصراط واعظ اللّه في قلب كل مسلم ‏"‏رواه أحمد في مسنده عن النواس بن سمعان وأخرجه الترمذي والنسائي‏"‏وقال مجاهد‏:‏ الصراط المستقيم‏:‏ الحق، وهذا أشمل ولا منافاة بينه وبين ما تقدم، قال ابن جرير رحمه اللّه والذي هو أولى بتأويل هذه الآية عندي أن يكون معنياً به وفقنا للثبات على ما ارتضيته ووفقت له من أنعمت عليه من عبادك من قول وعمل، وذلك هو الصراط المستقيم لأن من وُفِّق لما وفِّق له من أنعم عليهم من النبيّين والصدّيقين والشهداء والصالحين فد وفّق للإسلام‏.‏

فإن قيل ‏:‏ فكيف يسال المؤمن الهداية في كل وقت من صلاة وهو متصف بذلك‏؟‏

فالجواب‏:‏ أن العبد مفتقر في كل ساعةٍ وحالة إلى اللّه تعالى في تثبيته على الهداية ورسوخه فيها واستمراه عليها، فارشده تعالى إلى أن يسأله في كل وقت أن يمده بالمعونه ولاثبات والتوفيق، فقد أمر تعالى الذين آمنوا بالإيمان‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا أمنوا بالله ورسوله‏}‏، والمراد الثباتُ والمداومةُ على الأعمال المعينة على ذلك والله أعلم‏.‏

الآية رقم ‏(‏7‏)‏

‏{‏ صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ‏}‏

قوله تعالى ‏{‏صراط الذين أنعمت عليهم‏}‏ مفسّر للصراط المستقيم، والذين أنعم اللّه عليهم هم المذكورون في سورة النساء‏:‏ ‏{‏ومن يطع اللّه والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن ألوئك رفيقا‏}‏، وعن ابن عباس‏:‏ صراط الذين أنعمتَ عليهم بطاعتك وعبادتك من ملائكتك وأنبيائك والصدّيقين والشهداء والصالحين، وذلك نظير الآية السابقة، وقال الربيع بن أنَس‏:‏ هم النبيّون، وقال ابن جريج ومجاهد‏:‏ هم المؤمنون، والتفسير المتقدم عن ابن عباس أعم وأشمل‏.‏

وقوله تعالى ‏{‏غير المغضوب عليهم ولا الضالين‏}‏ بالجر على النعب، والمعنى‏:‏ اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم ممن تقدم وصفهم ونعتهم، وهم أهل الهداية والاستقامة، غير صراط المغضوب عليهم وهم الذين علموا الحق وعدلوا عنه، ولا صراط الضالين وهم الذين فقدوا العلم، فهم هائمون في الضلالة لا يهتدون إلى الحق، وأكد الكلام ب لا ليدل على أن ثَمَّ مسلكين فاسدين وهما‏:‏ طريقة اليهود، وطريقة النصارى، فجيء ب لا لتأكيد النفي وللفرق بين الطريقتين ليجتنب كل واحدٍ منهما، فإن طريقة أهل الإيمان مشتملة على العلم بالحق والعمل به، واليهودُ فقدوا العمل، والنصارى فقدوا العلم، ولهذا كان الغضب لليهود، والضلال للنصارى، لكنْ أخصُّ أوصاف اليهود الغضب كما قال تعالى عنهم‏:‏ ‏{‏من لعنه الله وغضب عليه‏}‏ وأخص أوصاف النصارى الضلال كما قال تعالى عنهم‏:‏ ‏{‏قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وأضلوا عن سواء السبيل‏}‏ وبهذا وردت الأحاديث والآثار، فقد روي عن عدي بن حاتم أنه قال‏:‏ سألت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن قوله تعالى‏:‏ ‏{‏غير المغضوب عليهم‏}‏ قال‏:‏ هم اليهود ‏{‏ولا الضالين‏}‏ قال‏:‏ النصارى ‏)‏ ‏"‏رواه أحمد والترمذي من طرق وله ألفاظ كثيرة‏"‏ويستحب لمن يقرأ الفاتحة أن يقول بعدها‏:‏ آمين ومعناه‏:‏ اللهم استبج، لما روي عن أبي هريرة أنه قال‏:‏ ‏(‏كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا تلا ‏{‏غير المغضوب عليهم ولا الضالين‏}‏ قال‏:‏ آمين حتى يسمع من يليه من الصف الأول‏)‏ ‏"‏رواه أبو داود وابن ماجة وزاد فيه ‏"‏فيرتج بها المسجد‏"‏

فصل فيما اشتملت هذه السورة الكريمة - وهي سبع آيات - على حمد اللّه وتمجيده والثناء عليه بذكر أسمائه الحسنى المستلزمة لصفاته العليا، وعلى ذكر المعاد وهو يوم الدين وعلى إرشاده عبيده إلى سؤاله، والتضرع إليه، والتبرىء من حولهم وقوّتهم، إلى إخلاص العبادة له وتوحيده بالألوهية تبارك وتعالى، وتنزيهه أن يكون له شريك أو نظير أو مماثل، وإلى سؤالهم إياه الهداية إلى الصراط المستقيم وهو الدين القويم وتثبيتهم عليه حتى يقضي لهم بذلك إلى جواز الصراط يوم القيامة، المفضي بهم إلى جنّات النَّعيم، في جوار النبيين والصدّيقين والشهداء والصالحين‏.‏

واشتملت على الترغيب في الأعمال الصالحة ليكونوامع أهلها يوم القيامة، والتحذير من مسالك الباطل لئلا يحشروا مع سالكيها يوم القيامة وهم المغضوب عليهم والضّالّون‏.‏

وما أحسن ما جاء إسناد الإنعام إليه في قوله‏:‏ ‏{‏أنعمت عليهم‏}‏ وحذف الفاعل في الغضب في قوله‏:‏ ‏{‏غير المغضوب عليهم‏}‏ وإن كان هو الفاعل لذلك في الحقيقة، وكذلك إسناد الضلال إلى من قام به وإن كان هو الذي أضلهم بقدره كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏من يضلل الله فلا هادي له‏}‏ إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أنه سبحانه هو المنفرد بالهداية والإضلال‏.‏

لا كما تقول القدرية من أن العباد هم الذين يختارون ذلك ويفعلون، ويحتجون على بدعتهم بمتشابه من القرآن ويتركون ما يكون فيه صريحاً في الرد عليهم وهذا حال أهل الضلال والغي‏.‏

وقد ورد في الحديث الصحيح‏:‏ ‏(‏إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم ‏)‏ فليس - بحمد اللّه - لمبتدع في القرآن حجةٌ صحيحة لأن القرآن جاء ليفصل الحق من الباطل، مفرقاً بين الهدى والضلال، وليس فيه تناقضٌ ولا اختلاف، لأنه من عند اللّه‏:‏ ‏{‏تنزيل من حكيم حميد‏}‏‏.‏


ملا حظة كل مانقلت هو من موقع بن كثير ............وجزاكم الله خير


مع تحيات اخوكم / ولد مجري


@@@@@@@@@@@@@@@@@@

ابن ريحان
09-Jul-2007, 02:38 PM
مشكوووووووووووووور أخوي ولد مجري

ابوبجاد الرويس
09-Jul-2007, 05:48 PM
مشكور اخوي ولد مجري

والله يجزاك خير

والله يعطيك العافيه