ابو عقاب الحربي
17-Nov-2005, 12:25 PM
عوض أبو راسين من بني عمرو من حرب، كان شابا يافعا لكنه كان شجاعا جريئا، وقد عاش هذا الشاب في أول القرن الرابع عشر الهجري حيث أدرك الشيخ ناهس الذويبـي المتوفى في حدود سنة 1335هـ، يبدو أن عوض أبو راسين قتل قبل وفاة ناهس بسنوات.
وقد ظهرت بوادر الشجاعة على هذا الفارس في وقت مبكر، ومن ذلك أنه في احدى المرات طلب من صانع بني عمرو أن يعمل له حربة جيدة، ولما أخذها من الصانع قال مفتخرا بها ومهددا أعداءه، وهذا الشعر من نوع الحداء الذي يستعمله الفرسان:
لي حربةٍ صناعهـا حَمْـلانما تشرب الاَّ من غزير الجوف
ميعادها الصندوق يا الجذعـانواللي مكذبني يزيـد يشـوف
وقد أخذ عليه بعض أقرانه هذا الاعتداد الزائد، فأراد أن يثبت لهم صدق ما يقول.
وحدث ذات يوم أن بني عمرو برئاسة الشيخ ناهس الذويبي ارتحلوا من موضع يقال له القحصية ونزلوا قرب جبل دبي، وكلا الموضعين في عالية نجد الشمالية. وحال نزول العرب في ذلك الموضع تركوا إبلهم في المرعى وتسابقوا على منهل الثمامية، وخاصة أصحاب الخيل ليسقوا خيلهم ويجلبوا الماء لأهلهم. وقد حذرهم الشيخ ناهس من الورود جميعا وترك الإبل دون حراسة، لكن حاجة القوم للماء وشدة عطشهم غلبت عليهم، وهنا برز الفتى عوض الذي كان يتحين الفرص لاثبات شجاعته والرد على خصومه، فضرب صدره وقال: \"أنا سأبقى عند الابل وسأحميها باذن الله!\"
وعاد الفتى إلى الحي وجمع من الماء ما يسقي فرسه ثم لحق بالإبل.
وعندما وصل الابل بعد أن ارتفع النهار نزل عن فرسه ونشر عباءته على شجرة واستظل بها ليرتاح قليلا، لكنه لم يكد يغمض عينه إلا وأحد رعاة الابل يصيح فوق رأسه مستنجدا، فنهض بسرعة وإذا فرسان الأعداء قد التفوا على الابل، فوثب على ظهر فرسه ولكزها باتجاه الابل، وكان أول من لاقى من أهل الخيل المغيرة الفارس عبيد بن سفر المرشدي من أشجع فرسان الروقة من عتيبة، وكان الخيال العتيبي مظهرا يده اليمنى مع صدر ثوبه، وذلك شيء متبع في المعارك حيث ينزع الفارس أحيانا ثيابه أو يخرج يديه من أكمامه ليعطي نفسه مزيدا من الحرية في الحركة أثناء الكر والفر. رُوي عن عوض ابو راسين أنه قال: (والله ما إن رأيت بياض صدره وحربتي في يدي حتى تذكرت قصتي مع البيتين السابقين، فقلت هذه فرصتي، فاستجمعت قواي ثم وجهت الحربة إلى صدره المكشوف، وأهويت بها بكل قوتي وإذا هو يخر صريعا، وإذا بخيـَّال آخر على فرس حمراء قد أقبل علي، فبادرته بالرمح فإذا هو بالفرس فتعثرت بصاحبها، فوقع على الأرض لكنه لم يصب بسوء، ثم انحرفت إلى خيـَّال ثالث ورميته بالرمح فأصاب الفرس إصابة قاتلة دون صاحبه. ولما رأى المهاجمون وقوع ثلاث من خيلهم بالإضافة إلى واحد من خيرة فرسانهم فضلوا السلامة على الكسب وتركوا الإبل خوفا على خيلهم ــ لأن الفرس الواحدة تعدل قطيعا من الابل ـ إلا أنهم أرادوا الافلات بناقة كانت قد انفردت عن الإبل فأخبرتهم أني لن أتركهم يأخذونها ما دمت قادرا على القتال، وأخيرا تخلوا عنها فعدت بها إلى الإبل قبل أن يصل فرسان حرب).
ولما عاد فرسان حرب في المساء وأخبروا الشيخ ضيف الله الذويبي، وكان قد طعن بالسن وجعل له متكأ يلتف حوله كبار القوم طلب الفتى عوض وأجلسه إلى جانبه ثم داعبه قائلا: ما أخبار الحربة اليوم؟
فرد الفتى ما كذبت اللعيبة يا طويل العمر!
واللعيبة تصغير لعبة يقصد بها البيتين السابقين الذين قالهما في مدح حربته.
وبعد أن عاد هذا الفارس إلى بيته بعدما هجع القوم أو كادوا تناول ربابته وغنى معها أبياتاً منها:
وَسْط النهار وُكِن غاشيني الليـليومٍ على القطعان جا له كـرارة
ركِبْت فوق اللي تشع اشهب الذيلورَدَّيت عنها لابسيـن الغيـارة
ونطَّحته اللي ضـاريٍ للمفاعيـليبي إلـى عَـوَّد تـرَدّد خبَـاره
ونطَّحْته اللي كل راسه شلاشيـليا سِرْع دم الجوف فاح انتثـاره
وذبَحْت حَمْرا، وصفها نقوة الخيلسهلة مقاد، وسابقة كـل غـارة
ومصوّب غوجٍ كما طلعة سْهَيْـلما قاد مع راعيـه تالـي نهـاره
كلّه لعين اللـي تـرود المخاليـلمن ذود ابن حرموص زينة بْكَارِه
ويقصد في البيت الأخير قتاله دون الناقة الأخيرة وهي من إبل ابن حرموص الربيقي من بني عمرو.
وكعادة الفرسان الشجعان فلم يـعـَمـّـر هذا الفارس طويلا حيث قتل في إحدى الوقائع بالشمال، ويقول رواة حرب إن فرسه بقيت عنده أياماً وهي تطوف حوله تحمي جثته من السباع والطيور الجارحة إلى أن ماتت عنده عطشا وجوعا، وهذا من وفاء الخيل الذي يتناقله العرب.
وهذه القصة ثابتة عند بني عمرو رواها لي كثير من الرواة الثقاة منهم الشيخ سعد المويعزي والشيخ صنهات بن بدر الشطير الذي يقول:
(سمعت والدي يحدث بها فكان مما قال: بعد مدة من الوقعة التي قتل فيها عوض كنا مارين بمكان المعركة، ووقفنا ننظر جثته فوجدنا أثر فرسه عنده وإذا هي قد حفرت الأرض بحوافرها على شكل دائرة عندما كانت تطوف حوله وتطرد عنه السباع).
ويبدو أن هذا الفارس لم يقتل في ميدان القتال وإلاَّ لأخذت فرسه لكنه أصيب في إحدى غاراته أثناء الطراد، فعاد مصابا وضل الطريق فوافته منيته في غيبة من رفاقه.
أما فرسه هذه فهي مشهورة عند بني عمرو في أصالتها وطيب مربطها وقد اشتراها له والده بثمن كبير، حتى إن بعض شباب قومه كانوا يتمنون مثلها وفي ذلك يقول أحدهم حاديا:
يـشـري لـي الـقـبـَّـا الـجـمـوح يـا ليت ابـُـويـَة مـثـل ابو راسـيـن
وهكذا أسـْدِل الستار على فصل من فصول البطولة بموت هذا الفارس في عنفوان شبابه.
تحياتي اخوكم ابو عقاب الحربي
منقوووول للافائدة
وقد ظهرت بوادر الشجاعة على هذا الفارس في وقت مبكر، ومن ذلك أنه في احدى المرات طلب من صانع بني عمرو أن يعمل له حربة جيدة، ولما أخذها من الصانع قال مفتخرا بها ومهددا أعداءه، وهذا الشعر من نوع الحداء الذي يستعمله الفرسان:
لي حربةٍ صناعهـا حَمْـلانما تشرب الاَّ من غزير الجوف
ميعادها الصندوق يا الجذعـانواللي مكذبني يزيـد يشـوف
وقد أخذ عليه بعض أقرانه هذا الاعتداد الزائد، فأراد أن يثبت لهم صدق ما يقول.
وحدث ذات يوم أن بني عمرو برئاسة الشيخ ناهس الذويبي ارتحلوا من موضع يقال له القحصية ونزلوا قرب جبل دبي، وكلا الموضعين في عالية نجد الشمالية. وحال نزول العرب في ذلك الموضع تركوا إبلهم في المرعى وتسابقوا على منهل الثمامية، وخاصة أصحاب الخيل ليسقوا خيلهم ويجلبوا الماء لأهلهم. وقد حذرهم الشيخ ناهس من الورود جميعا وترك الإبل دون حراسة، لكن حاجة القوم للماء وشدة عطشهم غلبت عليهم، وهنا برز الفتى عوض الذي كان يتحين الفرص لاثبات شجاعته والرد على خصومه، فضرب صدره وقال: \"أنا سأبقى عند الابل وسأحميها باذن الله!\"
وعاد الفتى إلى الحي وجمع من الماء ما يسقي فرسه ثم لحق بالإبل.
وعندما وصل الابل بعد أن ارتفع النهار نزل عن فرسه ونشر عباءته على شجرة واستظل بها ليرتاح قليلا، لكنه لم يكد يغمض عينه إلا وأحد رعاة الابل يصيح فوق رأسه مستنجدا، فنهض بسرعة وإذا فرسان الأعداء قد التفوا على الابل، فوثب على ظهر فرسه ولكزها باتجاه الابل، وكان أول من لاقى من أهل الخيل المغيرة الفارس عبيد بن سفر المرشدي من أشجع فرسان الروقة من عتيبة، وكان الخيال العتيبي مظهرا يده اليمنى مع صدر ثوبه، وذلك شيء متبع في المعارك حيث ينزع الفارس أحيانا ثيابه أو يخرج يديه من أكمامه ليعطي نفسه مزيدا من الحرية في الحركة أثناء الكر والفر. رُوي عن عوض ابو راسين أنه قال: (والله ما إن رأيت بياض صدره وحربتي في يدي حتى تذكرت قصتي مع البيتين السابقين، فقلت هذه فرصتي، فاستجمعت قواي ثم وجهت الحربة إلى صدره المكشوف، وأهويت بها بكل قوتي وإذا هو يخر صريعا، وإذا بخيـَّال آخر على فرس حمراء قد أقبل علي، فبادرته بالرمح فإذا هو بالفرس فتعثرت بصاحبها، فوقع على الأرض لكنه لم يصب بسوء، ثم انحرفت إلى خيـَّال ثالث ورميته بالرمح فأصاب الفرس إصابة قاتلة دون صاحبه. ولما رأى المهاجمون وقوع ثلاث من خيلهم بالإضافة إلى واحد من خيرة فرسانهم فضلوا السلامة على الكسب وتركوا الإبل خوفا على خيلهم ــ لأن الفرس الواحدة تعدل قطيعا من الابل ـ إلا أنهم أرادوا الافلات بناقة كانت قد انفردت عن الإبل فأخبرتهم أني لن أتركهم يأخذونها ما دمت قادرا على القتال، وأخيرا تخلوا عنها فعدت بها إلى الإبل قبل أن يصل فرسان حرب).
ولما عاد فرسان حرب في المساء وأخبروا الشيخ ضيف الله الذويبي، وكان قد طعن بالسن وجعل له متكأ يلتف حوله كبار القوم طلب الفتى عوض وأجلسه إلى جانبه ثم داعبه قائلا: ما أخبار الحربة اليوم؟
فرد الفتى ما كذبت اللعيبة يا طويل العمر!
واللعيبة تصغير لعبة يقصد بها البيتين السابقين الذين قالهما في مدح حربته.
وبعد أن عاد هذا الفارس إلى بيته بعدما هجع القوم أو كادوا تناول ربابته وغنى معها أبياتاً منها:
وَسْط النهار وُكِن غاشيني الليـليومٍ على القطعان جا له كـرارة
ركِبْت فوق اللي تشع اشهب الذيلورَدَّيت عنها لابسيـن الغيـارة
ونطَّحته اللي ضـاريٍ للمفاعيـليبي إلـى عَـوَّد تـرَدّد خبَـاره
ونطَّحْته اللي كل راسه شلاشيـليا سِرْع دم الجوف فاح انتثـاره
وذبَحْت حَمْرا، وصفها نقوة الخيلسهلة مقاد، وسابقة كـل غـارة
ومصوّب غوجٍ كما طلعة سْهَيْـلما قاد مع راعيـه تالـي نهـاره
كلّه لعين اللـي تـرود المخاليـلمن ذود ابن حرموص زينة بْكَارِه
ويقصد في البيت الأخير قتاله دون الناقة الأخيرة وهي من إبل ابن حرموص الربيقي من بني عمرو.
وكعادة الفرسان الشجعان فلم يـعـَمـّـر هذا الفارس طويلا حيث قتل في إحدى الوقائع بالشمال، ويقول رواة حرب إن فرسه بقيت عنده أياماً وهي تطوف حوله تحمي جثته من السباع والطيور الجارحة إلى أن ماتت عنده عطشا وجوعا، وهذا من وفاء الخيل الذي يتناقله العرب.
وهذه القصة ثابتة عند بني عمرو رواها لي كثير من الرواة الثقاة منهم الشيخ سعد المويعزي والشيخ صنهات بن بدر الشطير الذي يقول:
(سمعت والدي يحدث بها فكان مما قال: بعد مدة من الوقعة التي قتل فيها عوض كنا مارين بمكان المعركة، ووقفنا ننظر جثته فوجدنا أثر فرسه عنده وإذا هي قد حفرت الأرض بحوافرها على شكل دائرة عندما كانت تطوف حوله وتطرد عنه السباع).
ويبدو أن هذا الفارس لم يقتل في ميدان القتال وإلاَّ لأخذت فرسه لكنه أصيب في إحدى غاراته أثناء الطراد، فعاد مصابا وضل الطريق فوافته منيته في غيبة من رفاقه.
أما فرسه هذه فهي مشهورة عند بني عمرو في أصالتها وطيب مربطها وقد اشتراها له والده بثمن كبير، حتى إن بعض شباب قومه كانوا يتمنون مثلها وفي ذلك يقول أحدهم حاديا:
يـشـري لـي الـقـبـَّـا الـجـمـوح يـا ليت ابـُـويـَة مـثـل ابو راسـيـن
وهكذا أسـْدِل الستار على فصل من فصول البطولة بموت هذا الفارس في عنفوان شبابه.
تحياتي اخوكم ابو عقاب الحربي
منقوووول للافائدة