مشاهدة النسخة كاملة : وفاة العلامة الشيخ عبدالله بن قعود
العنيد
11-Oct-2005, 05:06 PM
فقد العالمان العربي والإسلامي اليوم علماً من أعلام الدعوة ورمزاً من رموزها وهو الشيخ عبد الله بن قعود عضو اللجنة الدائمة للإفتاء ـ سابقا ـ وأحد أبرز علماء السعودية, الذي توفى اليوم وستصلى عليه صلاة الجنازة بعد صلاة العصر في جامع الإمام تركي بن عبدالله ـ الجامع الكبير- ومن المنتظر أن يحضرها عدد كبير من المسؤولين والعلماء.
والشيخ عبد الله بن حسن بن محمد بن حسن بن عبد الله القعود ولد في ليلة 17 رمضان عام 1343 هـ ببلدة الحريق الواقعة بوادي نعام أحد أودية اليمامة التي قال فيها عمرو بن كلثوم:
تعرضت اليمامة واشمخرت *** كأسياف بأيدي مصلتينا
وقد نشأ بها بين أبوين كريمين ببيت ثراء, فوالده أثناء نشأته أحد أثرياء البلد, وتعلم مبادئ الكتابة والقراءة من المصحف لدى محمد بن سعد آل سليمان, وذلك في آخر العقد الأول من عمره وأول الثاني, وقرأ القرآن بعد ذلك عن ظهر قلب، وبعض مختصرات شيخ الإسلام ابن تيمية والإمام محمد بن عبد الوهاب ـ رحمهما الله ـ على قاضي بلدته آنذاك الشيخ عبد العزيز بن إبراهيم آل عبد اللطيف رحمه الله, بعد هذا قويت رغبته في تحصيل العلم فرحل في 27 صفر 1367 هـ مفارقاً ذلك البيت الغني بأنواع الأموال إلى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز في الخرج, ولازمه أربع سنوات ما عدا فترات الإجازات ونحوها, فكان يعود فيها إلى والديه اللذين يتعاهدانه أثناء تلك الفترة بما يحتاجه من مال- جزاهما الله عنه وعن العلم خيراً.
وقد سمع على شيخه المذكور أشياء كثيرة من أمهات الكتب وغيرها من كتب الحديث والفقه وعلوم الأدلة, وحفظ أثناء وجوده لديه مختصرات كثيرة منها بلوغ المرام, وكان ميالاً كثيراً للأخذ بالدليل ـ أي: لمسلك أهل الحديث- ولما فتح المعهد العلمي في الرياض في مطلع عام 1371 هـ الذي هو نواة جامعة الإمام التحق به وتخرج في كلية الشريعة في عام 1377 هـ, وكان من مشائخه في الدراسة النظامية المذكورة الشيخ عبد العزيز بن باز- ختم الله له بالصالحات-, والشيخ عبد الرزاق عفيفي, والشيخ محمد الأمين الشنقيطي, والشيخ عبد الرحمن الإفريقي- رحمهم الله.
وقد بدأ الشيخ بن قعود حياته العملية في 4 / 5 / 1375 هـ عندما عين مدرساً بالمعاهد, وفي 9 / 5 / 1379 هـ انتقل إلى وزارة المعارف وعمل بها مفتشاً للمواد الدينية بالمرحلة الثانوية, وفي 8 / 11 / 1385 هـ انتقل إلى ديوان المظالم, وعمل به عضواً قضائياً شرعياً, وفي 1 / 4 / 1397 هـ انتقل إلى رئاسة البحوث العلمية والإفتاء وعمل بها عضواً في اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء المنبثقة من هيئة كبار العلماء, بجانب عضويته في هيئة كبار العلماء, وفي 1 / 1 / 1406 هـ خرج للتقاعد, وله الآن مشاركات في لقاءات ونشاطات ثقافية وفتاوى شخصية وتعاون مع جامعة الملك سعود ـ رحمه الله ـ بإلقاء محاضرات لطلاب الدراسات العليا بقسم الثقافة الإسلامية, وفي 20 / 8 / 1378 هـ عين إماماً وخطيباً بجامع المشيقيق بالرياض, وفي 1 / 1 / 1391 هـ عين خطيباً لجامع الملك عبد العزيز (المربع), وله من المؤلفات مجموعة خطب صدرت في أربعة أجزاء في أزمان متفاوتة باسم (أحاديث الجمعة), وله تعليق على بعض مقررات الحديث والفقه في المرحلة الثانوية والمتوسطة بالمعارف آنذاك بالاشتراك مع بعض المفتشين, ولديه كلمات ومحاضرات ونصائح سبق أن كتبها.
ابو فهد الحافي
11-Oct-2005, 07:02 PM
""""""""""""""""""""""""""""
انا لله وانا اليه راجعون ....
لله ماأخذ وله ماأعطى وكل شيء عنده بحسبان ,,,
اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعفوا عنه واكرم نزله, وغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الخطايا كما ينقا الثوب الأبيض من الدنس , وابدله دار خيرا من داره , وادخله الجنه واعذه من فتنة القبر وعذاب النار ياأرحم الراحمين ,.,.,
مرزوق حمدان العتيبي
11-Oct-2005, 10:12 PM
...
.
ان لله وان اليه راجعون ...
رحم الله الشيخ واسكنه فسيح جناته ...
وجزاك الله خير اخي الفاضل...
ابو ضيف الله
11-Oct-2005, 10:33 PM
لا حـول ولا قـوة إلا بالله وانا لله وانا اليه لاراجـعون
رحـم الله الشيخ عبد الله بن قعـود رحمة واسعة وادخله فسيح جناته
وهذه يا اخوان مقالة كتباها احد تلاميذ الشيخ بن قعود قبل ثلاثة اشهر تقريباً عن شيخه
ولعله احس باقتراب اجله فجـزاه الله كل خير
من علمائنا الربانيين
أحمد بن عبد الرحمن الصويان
عرفه منبر الجمعة خطيباً قوياً صادعاً بالحق، آمراً بالمعروف، ناهياً عن المنكر، لا يخشى في الله لومة لائم. كان يعتني بخطبة الجمعة عناية فائقة، ويعد لها إعداداً حسناً، جمع بين الأصالة العلمية والرسوخ الفقهي واستحضار الأدلة والشواهد القرآنية، مع معايشة حيّة لقضايا الأمة وهمومها.
أحيا للمنبر هيبته ومكانته في قلوب الناس، وكانت عبراته الندية، وصوته المتخشع، وبكاؤه المتكرر، يؤثر في المصلين تأثيراً عجيباً، فقد كان يربيهم بدموعه قبل كلماته.
إنَّه العلاَّمة الفقيه الشيخ عبد الله بن حسن بن قعود ـ ختم الله له بالصالحات ـ.
كان مثالاً للعالم الورع المتثبت، ومن تواضعه أنه عند الفتوى كان ينسب الاجتهاد الفقهي إلى سـماحة الشيخ عبـد العزيـز بن باز ـ رحمه الله ـ أو إلى اللجنة الدائمة للإفتاء، وخاصة في المسائل الخلافية، تورعاً وطلباً للسلامة، وأحياناً يحيل بعض المستفتين إلى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، أو سماحة الشيخ عبد الرزاق عفيفي، رحمهما الله. وتعجب منه عندما تراه يستشير بعض طلابه، أو يذاكرهم في بعض مسائل العلم، وكأنه من أقرانهم.
عرفه الناس زاهداً عفيفاً طاهر اليدين، حرّ الجبين، منصرفاً عن الدنيا وزينتها، ولا يخوض فيما يخوض فيه الناس من الزخارف والأهواء؛ فازدادت محبتهم له، وثقتهم بفتاويه، وخاصة في النوازل التي تتطلب صدقاً وتجرداً.
من محامده العجيبة أنه كان قريباً من الشباب حريصاً على مجالستهم ومناصحتهم، وعلى الرغم من كثرة التزاماته إلا أنه كان يحب زيارتهم ومجالستهم في مكتباتهم وحِلَقهم ومحاضنهم، حتى بعد أن ضعف جسمه وصعبت حركته.
وعندما تجرأ بعض الناس على الوقيعة في أعراض بعض الدعاة والمصلحين، واستطار شررهم في كل ميدان، سكت الكثيرون، لكن شيخنا الجليل انتصر لإخوانه، واجتهد في الذب عن أعراضهم، مع حرص شديد على عفة اللسان والإنصاف، وتربية الشباب على البعد عن القيل والقال.
ومن حكمة الله ـ عز وجل ـ أنه ابتلاه بمرض أقعده منذ عدة سنوات فعزله عن الناس، وعزل الناس عنــه، لكــن ذكـره الحـسن لا يزال يعمر قلوب الدعاة وطلبة العلم؛ فإذا تذاكروا الورع ورقَّة القلب والقوة في الحق، تذكروا الشيخ عبد الله بن قعود واستشهدوا بسيرته. وأحسب أن مرضه من فضل الله عليه؛ فقد ثبت في الصحيح أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - قال: «من يرد الله به خيراً يُصِبْ منه»(1)، وقال: «ما من مسلم يصيبه أذى مـن مـرض فمـا ســواه، إلا حطّ الله سيئاته كما تحط الشجرة ورقها»(2). وقال: «ما يصيب المســلم مـن نصب ولا وصب، ولا همّ ولا حزن، ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفَّر الله بها من خطاياه»(3).
إنَّ الأمة أحوج ما تكون ـ خاصة في هذه المرحلة الحرجة ـ إلى العلماء الربانيين الذين يبصرون الحق ويستشرفون مآلات الأمور؛ فهم النور المبارك الذي يبدد الفتنة، ويضيء للناس الطريق بعيداً عن عثرات الشبهات، ومضلات الأهواء. وهم القلب الحي النابض الذي تسنَّم الذروة في ريادة الأمة وتوجيه مسيرتها.
إن العناية بتراجم العلماء ليست مجرد وفاء صادق لهم، وإن كان الوفاء مطلباً نبيلاً، لكنها مع ذلك دعوة للاقتداء وتجديد الثقة، وهذا يجعلني أذكِّر بضرورة الالتفاف حول العلماء الربانيين، وتقوية الصلة بهم، والعمل الجاد على رعاية طلاب العلم وبنائهم. وأحسب أن المناخ العلمي المتكامل الذي يتحرك فيه الدعاة، ويتربى فيه المصلحون، هو المنطلق الصحيح لسلامة المسيرة. وإن مما يؤسف له كثيراً تقصيرَ بعض الحركات الإسلامية في البناء العلمي لأبنائها، وجَعْلَ ذلك في آخر الاهتمامات، بل ازدراءه في بعض الأحيان، والتهوين من شأنه.
وإذا أردت أن تدرك منزلة أية حركة؛ فانظر إلى منزلة العلماء فيها؛ فما حصل الخلل والاضطـراب فـي مواقـف بعـض المصلحـين إلا حينما حصل الانفصام بين العلم والقيادة الدعوية.
قال الله ـ تعالى ـ: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْـمُشْرِكِينَ} [يوسف: 108].
--------------------------------------------------------------------------------
(1) أخرجه: البخاري في كتاب المرضى، باب ما جاء في كفارة المرض (10/103) رقم (5645).
(2) أخرجه: البخاري في كتاب المرضى، باب أشد الناس بلاء (10/111) رقم (5648) ومسلم في كتاب البر والصلة، باب ثواب المؤمن فيما يصيبه (4/1990) رقم (2570).
(3) أخرجه: البخاري في كتاب المرضى، باب ما جاء في زكاة المرض (10/103) رقم (5641 ـ 5642) ومسلم في كتاب البر والصلة، باب ثواب المؤمن فيما يصيبه (4/1992 ـ 1993) رقم (2573).
النـــاصح
12-Oct-2005, 01:29 AM
لاحول ولاقوة إلابالله
إنا لله وإنا إليه راجعون
اللهــــم إغفر له وأرحمـــه وأسكنه الجنة وباعد بينه
وبين النـــار كما باعدت بين المشرق والمغرب
اللهم نقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس
اللهـــــــــم اميـــــــــن
فيصل المسعودي
12-Oct-2005, 01:50 AM
الله يرحمه
ويسكنه الجنه
سيلقى كل خير بأذن الله يوم اللقاء
جزاك الله خير اخي الكريم
تحياتي
منصور الحمادي
13-Oct-2005, 01:54 PM
لا حـول ولا قـوة إلا بالله وانا لله وانا اليه لاراجـعون
ابو ضيف الله
13-Oct-2005, 10:50 PM
العلامة بن قعود .. العالم الداعية المحتسب / د. سعد بن مطر العتيبي
المختصر/
"...كان يلجأ بعد الله إلى العلماء الكبار كالشيخ الكبير عبدالرزاق عفيفي .. فكان يشكو إليه بعض ما يعتب عليه أقرانه مما لم يدركوه من أمور الواقع ، فيجد من الشيخ عبد الرزاق رحمه الله عوناً له على الثبات ..."
القلم / الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله ومن والاه .. أما بعد ..
فكم في حياة الكبار من خَفِيَّات مفيدة ، من حقِّنا أن نعرفها ، ومن الإحسان إلينا أن يدونوها لنا إن استطاعوا ، أو يحدثونا بها لندونها عنهم إن استطعنا ، فكتابة المذكرات من مثلهم ، تورِّث علماً وتجربة يُنيرها العلم الذي يحملون .. فهي ليست ( ماركة تجارية ) تظهر في تخبطات قومية ، أو تهورات ناصرية ، أو إيديولوجية حرباوية في قوالب انحنائية ، تتنازعها شيوعية بائدة ولبرالية خادعة ، ولا حتى في تعجلات شبابية ، أو تعالمات تكفيرية ، أو تلبيس شيطاني يتخذ من قَدْح أهل العلم قُربة ! .. كلا ..
إنَّ حياة الكبار لها طعم آخر ، إنَّها لون أصيل ثابت ، وتلك ألوان صناعية متقلبة باهتة .. إنَّها الدروس العملية النافعة .. فكم في سير أعلام النبلاء من حكاية واقعة عملت في قلوب القارئين ما لم تعمله أسفار العلم التي حوتها مكتباتهم ، ومرت عليها أعينهم .. وكم في المذكرات من تاريخ لم يؤرّخ في سواها ، كما في مذكرات العلامة الأديب الأريب الشيخ / علي الطنطاوي رحمه الله تعالى .. فكم فيها من نزهة للقلوب وراحة للنفوس وعبرة للمتعظ ، مع ما حوته من الفوائد المشار إليها .
نقول إنا لله وإنّا إليه راجعون ، رحم الله شيخنا العلامة الجليل / عبد الله بن حسن بن محمد بن حسن بن عبد الله بن قعود .. العالم الفقيه الداعية المحتسب ، هكذا نحسبه ولا نزكي على ربنا أحدا .. وهنا أُبيِّن : لا أريد أن أتحدث عن حياة شيخنا العلمية والعملية العامرة ، ولا عن جهوده في الاحتساب ، كلا ، فذاك شيء يطول الحديث عنه ، فلا يناسب مثل هذا المقام .. وإنَّما أريد أن أسجل شيئاً من وفاء تلميذٍ لشيخه ، بذكر بعض الدروس المستفادة من حياته - مما يخطر الآن على البال - على سبيل الإيجاز الشديد .. لعلّ درساً منها يعلق بنفس أبيّة طاهرة ، فترث عن الشيخ شيئاً من الإرث العملي المنحوت من منهاج النبوّة .. فهكذا ينبغي أن تكون مراثي العلماء ..
لعل بعض شبابنا لم يتيسر له الجلوس بين يدي هذا الشيخ الجليل ، ومهما قلت لأقرِّب لهم صورةً من حياته ومعنى للجلوس بين يديه ، فسيقصر الوصف عن حقيقة مذاق جلسة من تلك الجلسات التي كنّا نستكثر الزمن بينها وبين تاليتها - وإن لم يفصل سوى ساعات في بعض الأحايين - ونحن نُقَبِّل جبينه تقربا إلى الله عز وجل بتوقير ورثة الأنبياء - وهو يشيعنا عند باب داره ، وحتى يصل إلى باب سيارة أحدنا رغما عنّا ، أو وهو يتقهقر إلى مظلة باب الدار ويلوح لنا بيديه ، ووجه إلينا حتى ننصرف ! إذْ لم تُجْد محاولاتنا في إقناعه بالاكتفاء بالتوديع عند الباب حتى صرنا نقرِّب له حذاءه - دون علمه - لعلمنا بعزمه على السير معنا - ولو حافياً - حتى ننصرف !
كانت بداية صلتي بالشيخ رحمه الله في حضور خُطَبه وصلاة الجمعة خلفه في جامع الملك عبد العزيز رحمه الله الواقع بحي المربع من مدينة الرياض ، إذْ كنت أحضر في معية والدي - رحمه الله وجعل قبره روضة من رياض الجنة و أسكنه فسيح جنته - وكنا نخرج من خطبه بموعظة ممزوجة بالفقه والتأصيل والتربية مزجا عجيبا ترسِّخه نغمة الصوت الصادقة ، والعبرة الخاشعة ، والبكاء الذي لا تجدي محاولات الشيخ في كبته ! ومن يقرأ كتابه ( أحاديث الجمعة ) يجد فيها شيئا مما ذكرت ، ومن يستمع بعض تسجيلات خطبه يدرك كثيراً مما وصفت ، ومن حضر تلك الجُمع تذكّر أكثر مما أحاول استذكاره .. كان روّاد خُطبه نُخَبٌ مُتميِّزة من العلماء ، وأذكر منهم العلامة الجليل شيخ الحنابلة الشيخ / عبد الله بن عقيل ، والشيخ الجليل العلامة / عبد الرحمن البراك حفظهما الله ، وأمَّا من يحضرها من طلبة العلم فقد لا أكون مبالغاً لو قلت : إنَّهم جلّ المصلين خلفه !
ثم شاء الله عز وجل أن نقترب من الشيخ أكثر ، إذ كنت أتصل به كثيراً لأعرض عليه بعض ما يشكل عليَّ من المسائل أثناء الدراسة ، ولا سيما فيما يتعلق بالتخصص ( السياسة الشرعية ) ، والشيخ على علم بهذا الفنّ ، بل قد مارس بعض مجالاته عملياً أثناء عمله في ديوان المظالم ، وكنت أجد أجوبة تدلّ على عمق علمي ، يستند فيها الشيخ إلى النصّ ويرعى فيها المقصد ..
ولمّا رأيت من الشيخ انشراحاً ، عزمت وبعض زملائي على أنّ نتقدم إلى الشيخ بطلب دروس خاصّة في فنّ السياسة الشرعية ، فوجدنا منه ترحيباً عجيباً ، ولم نلبث أن حدّدنا الوقت والكتب ، وبدأنا القراءة على الشيخ .. فأنهينا عليه - بحمد الله — كتاب السياسة الشرعية ، للإمام أبي العبّاس ابن تيمية ، وكتاب : مختصر الفتاوى المصرية لابن تيمية ، لأبي عبد الله البعلي ، والاختيارات الفقهية من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ، لأبي الحسن البعلي ، وكتاب : الطرق الحكمية ، للعلامة ابن قيم الجوزية ، وكتباً أخرى موسمية ، وبعض البحوث العلمية ، إضافة إلى بعض الكتب التي بدأناها ولم ننهها ، بسبب اشتداد المرض عليه رحمه الله ، ورفع الله درجته وأجزل الله مثوبته ..
كان هذا الدرس خاصّاً ، فلم يكن يحضره سوى بعض الزملاء - ومنهم الآن القضاة والأساتذة الأكاديميون ، و والله لقد كنّا نجد الشيخ - أحياناً - واقفاً الباب ينتظرنا ! ويصرح لنا بمدى اهتمامه وحبه لهذا الدرس !
ومع ما يستفاد منه من التواضع والسمت الحسن ، كان مما يميز درس الشيخ - رحمه الله ورفع درجته وأجزل الله مثوبته - استحضاره السوابقَ القضائية والتاريخية ، مما له صلة بموضوع كثير من الدروس .. وهذا في حد ذاته ، مطلب أندر من الكبريت الأحمر كما يقال .. وفي ظلال هذه الجلسات العلمية التي تعقد في مكتبة الشيخ المنزلية ، كان المجال خصباً للتعرّف على منهج الشيخ في البحث والترجيح ، والتطبيق الفقهي على الوقائع ..
فكان مما استفدناه منه في هذه الجلسات : أنَّ الشيخ - رحمه الله - لا يأبه بأي قول ليس له مستند من الكتاب والسنّة ، مهما كان قائله ، وهذا من آثار تتلمذه على الشيخ ابن باز رحمه الله ! و كان يرى أنَّ ابن باز رحمه الله هو مجدِّد فقه الحديث في الجزيرة العربية .. وحكى لنا - رحمه الله - بدايات اعتماده للأخذ بفقه أهل الحديث ، قائلاً : كنت أتردد على ورّاق بحي البطحاء بالرياض ، فوقع نظري ذات مرّة على كتاب : نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار ، للعلامة الشوكاني ، فلمّا تصفحته ، أُعجبت به كثيراً ، فاشتريته واقتنيته ، ومن ثمّ تأثرت بمنهجه في الاستدلال .
وكان رحمه الله يحتفظ بنسخة من ( بلوغ المرام ، للحافظ ابن حجر رحمه الله ) عليها تعليقات الشيخ ابن باز رحمه الله ، وتصحيحاته وتعقيباته ، وبعضها بخط الشيخ ابن باز رحمه الله ، وكان يخرجه لنا إذا ما عرض لنا حديث للشيخ ابن باز تعقيب عليه .. فقد كان يستذكر تلك الأحاديث من بين بقية الأحاديث .. ومما استفدناه منه رحمه الله : أنَّ على طالب العلم أنّ لا يكون متذبذبا ، تتجاذبه الأقوال والآراء ، بل عليه أن لا يقبل قولاً إلا بحجة ، وإذا ثبت لديه القول بالحجة ، فلا ينتقل عنه إلا أن يتيقن حجة أقوى من حجته السابقة .. وكم في هذه الفائدة من فقه وعلم ..
ومما استفدناه من سيرته العطرة ، أنَّ على طالب العلم أن يلزم غرز العلماء الكبار ، ليعرف ما يأتي وما يذر ، فيحيى عن بيِّنة ، ولا يقع فريسة لكاتب فارغ ، أو متعالم جاهل .. لقد كان الشيخ على صلة قوية بمشايخه ، وكان يلجأ بعد الله عز وجل إليهم .. ومنهم على سبيل المثال ، العلامة الجليل الفقيه الأصولي الكبير الشيخ : عبد الرزاق عفيفي رحمه الله .. فكان يشكو إليه بعض ما يعتب عليه أقرانه مما لم يدركوه من أمور الواقع ، فيجد من الشيخ عبد الرزاق رحمه الله عوناً له على الثبات وردّ الشبهات .. فهذه وسيلة من وسائل التبصّر في الدين ، والثبات على الحق ..
ومما يزيدك حباً للشيخ ، اهتمامه بالعلم الأصيل ، دون التعلق بالتوابع والاستكثار من الإجازات ، وما إليها ، وهي قاعدة قديمة عنده ، بل إنَّ من تطبيقاتها القديمة لديه - وقد ناقشته فيها لعدم تسليمي له بها - : أنَّه ختم القرآن على أحد القراء في المسجد النبوي ، فلما انتهى طلب منه المقريء أنّ يتبعه لداره ، ليكتب له الإجازة في قراءة حفص عن عاصم ، فأبى شيخنا ذلك ، وقد دُهش المقريء لمَّا قال له الشيخ : ما جئت للإجازة ، إنَّما جئتك لأضبط القراءة ! وإنَّما لم أسلِّم لشيخي بالامتناع عن الإجازة ، لأنَّ إجازات القرآن والقراءات ، لا زالت بعافية ولله الحمد ، فلا تُعطى إلا لمن يستحقها ، بخلاف غيرها ، وكتاب الله عز وجل ، لا يُتقنه من لم يأخذه من أفواه القراء المتقنين ..
قلت : وأمَّا ما وافقت شيخي فيه بهذا الشأن ، فهو مقْته على اللهث وراء الإجازات التجمُّلية، والانشغال بها عن العلم ، حتى رأيت من بعض الطلبة من لا همّ له إلا هي ، يرحل ويضعن من أجلها ، ورأيت من يحضر بعض مجالس العرض في آخر جلسة فقط ، ليسمع حديثاً واحداً أو لا يسمع شيئاً ؛ ليدوَّن اسمه فيمن حضر ! والله المستعان !
وأمَّا سعة أفق الشيخ وعنايته بشؤون الأمّة ، وحبِّه لجمع الشمل ، وتوحيد الكلمة ، وقدراته الدبلوماسية في هذا الشأن ، فشيء قد لا يخطر على البال ! ولو تركت لقلمي المجال ، لربما طال المقام وفاتت المناسبة دون أقدم لمحبيه عنه شيئاً .. ولكن أكتفي بذكر طرفٍ - حرّج علينا الشيخ نشره في حياته - ليكشف لنا شيئاً من جهوده العملية في متابعة شؤون الأمّة التي لا تحدّها الأقاليم ..
مرّة كان الحديث في الدرس عن الشفاعة - فيما أظن - وأثناء القراءة ، ضحك الشيخ فلفت انتباهنا ، ثم سكت مبتسماً برهة ، ونحن نبادله الابتسامة نتحيّن ما بعدها ، وحينها أدرك الشيخ مبتغانا ، وكاد يعود بنا حيث وقفنا ، ولكن النّفوس قد تهيئت لأمر تردّد فيه الشيخ ، فلم ندعه حتى نطق ، فقصَّ علينا القصّة التالية ( أسوقها كما أتذكرها قدر المستطاع ) قال : ذات مرّة اتصل بي الشيخ عبد العزيز ( يعني ابن باز - رحمه الله - وكان ابن باز حياً حين إخبارنا بالقصة ) بعد صلاة العصر ، وقال : يا شيخ عبد الله ! أريد أن تأتيني الآن ! فاتجهت إليه وأنا أُفكِّر : ماذا يريد الشيخ في هذا الوقت الذي هو وقت راحته في العادة .. ولما وصلت داره ، وجدته في انتظاري ، يترقب مجيئي إليه وبيده ظرف مغلق .. فرحب بي ثم سارَّني قائلاً : يا شيخ عبد الله ، تذْكِرتُك إلى باكستان جاهزة ، وأريد أن تسلِّم هذا الخطاب لأخينا ضياء الحق بنفسك ! .. وحكى لي قصة الظرف باختصار .. فحاولت أن أعتذر لبعض الأشغال الخاصة ، فلم يترك لي الشيخ مجالا ، وقال : استعن بالله ، وستجد الإخوة في انتظارك هناك ! .. قال : فجهزت نفسي وسافرت إلى هناك ، ولما وصلت مطار إسلام آباد ، وجدت جمعاً من الإخوة في استقبالي ، وسرنا إلى حيث كان الرئيس ضياء الحق رحمه الله ، ووجدنا ضياء الحق عند مدخل المبنى ، فاستقبلنا ورحب بنا ترحيبا قوياً ، ثم جلسنا وسلمته الخطاب ، فنظر فيه ، ثم قال : إن شاء الله .. إن شاء الله .. ولمَّا هممنا بالانصراف ، قال : بلّغ سلامنا للشيخ ابن باز .. وإن شاء الله يسمع ما يسره ( أو كلاماً نحو هذا ) . قال : وكان الشيخ قد قال لي : هذا الخطاب فيه شفاعة خاصّة في أخينا نجم الدين أربكان ، لعلّ الله ييسر له الخروج من السجن .. وكان نجم الدين أربكان - وفقه الله - قد سُجن حينها بأمر من الرئيس التركي الجنرال الهالك كنعان إيفرين - عليه من الله ما يستحق .. قلنا : يا شيخ عبد الله ! وما علاقة ضياء الحق بالموضوع ؟ لماذا اختاره الشيخ ووجه له الرسالة ؟! قال : سألت الشيخ - يعني ابن باز - فقال : له به علاقة صداقة قديمة ! لعلّ الله ينفع به .. لعلّ الله ينفع به .. ثم سألنا الشيخ جميعاً بصوت متقارب : هل كان لهذه الشفاعة أثر ؟ قال الشيخ : نعم لم نلبث حتى سمعنا خبر إطلاق سراح نجم الدين أربكان ، وما إن خرج حتى بدأ في تأسيس حزبه الإسلامي باسم جديد .
قلت : وأمَّا ما لم يذكره شيخنا عبد الله ابن قعود - رحمه الله - لنا أثناء سرده لهذه القصّة ، فهو : لماذا اختار شيخنا ابن باز شيخَنا ابن قعود لهذه المهمّة ؟ بل لماذا كان يختاره ممثلاً عنه في عدد من المهام الدقيقة ، والاستجابة للدعوات الخارجية الموجهة إليه من عدد من المؤتمرات الإسلامية ! بل لماذا أرسله لمناقشة مدعي النبوة في الولايات المتحدة الأمريكية ، وهي قصة أخرى عجيبة ! ولعلَّ مما يمكن اندراجه في الجواب : أنَّ شيخنا ابن قعود - رحمه الله ورفع درجته وأجزل الله مثوبته - سلفي حقيقة ، بكل ما تعنيه الكلمة من معنى ، علم ، وفهم ، ومرونة شرعية على نهج المرسلين ، ذلَّة على المؤمنين وعزّة على الكافرين ..
لقد كان له عناية بالحركة الإسلامية في تركيا ، ذكر بعضها في محاضرة ألقاها في جامعة الملك سعود في حشد كبير من الأساتذة والطلاب والمهتمين تحت عنوان : ( الدعوات الإصلاحية وأثرها في المجتمع ) ، وله رحلات أجنبية عديدة حضر خلالها مؤتمرات دولية ولقاءات عامّة ، ووقف فيها على كثير من المواقف التي تتطلب مرونة شرعية يتقنها أيَّما إتقان ، مع ما وهبه الله عز وجل من خلق و معرفة بذوقيات التعامل الخارجي ورسمياته . حتى في طريقة أداء العبادة في بعض الأحوال : ومن ذلك أنَّه كان بصحبة أحد المبتعثين في الولايات المتحدة الأمريكية ، فحان وقت صلاة العصر ، وكانوا في أحد المطارات الأمريكية الدولية ، فسارّه الطالب المبتعث : يا شيخ حان وقت الصلاة ، وأريد أن أرفع صوتي بالأذان ؟ فردًَّ الشيخ : لا .. ثم بدأ الشيخ مباشرة يؤذن بصوت عادي - كأنما يحدثني - ونحن نسير ، نحو الصالة الأخرى لنطير منها إلى المطار المحلي ، ثم قال لي : لا ضرورة لرفع الصوت .. الحمد لله الدين يسر .. هذا قد يضرّ ، ونحن اثنان .. أو كلاماً نحو هذا ..
أتذكر هذه القصّة ، ونحوها من قصص علمائنا الذين نشأوا في طاعة الله بالعبادة وطلب العلم ، و ابيضّت لحاهم في ذلك غير محرِّفين ولا منْحرفين ولا مغَيِّرين .. وأتذاكرها أحياناً مع الزملاء الذين أشرت إليهم ، فلا ينتهي عجبُنا من الشيخ ، ومعرفته بدقائق من الواقع العالمي ، لا يعرفها كثيرون من أصحاب الشأن ، وقد سألت عددا من الأكاديميين العسكريين عن علاقة ضياء الحق بكنعان إيفرين من الناحية التاريخية ، فقال لي بعضهم : كان الضبّاط الباكستانيون يَتَخَرَّجون في الكليات العسكرية التركية ! .. ولكن ضياء الحق سبق هذه المرحلة ، وأمَّا هل في هذا جواب يُفسِّر الواقعة ، أو أنَّ جوابها في غيره ؟! فالله تعالى أعلم ..
كما لا ينتهي عجبُنا من نابتة لا تعرف قدر علمائنا الكبار ، وتظنّ أنَّهم لا يدركون من أمر الواقع إلا دون ما هم يدركون .. ولا ينتهي عجبنا كذلك من فئة تظنّ أنَّ علماء الأمة لا حقَّ لهم في الاهتمام بأمر المسلمين ، فما شأن أهل الآخرة بأهل الدنيا ، وكأنَّ علماءنا لم يبطلوا العلمانية من جذورها ، ويُفنَّدوا مقالات دعاتها من أساسها ..
ثم عجبنا ممن يزعمون الثقافة ويتزعمونها - رغماً عنها - ثم هم يحاولون التنقّص من كبار العلماء مباشرة أو من خلال النيل من المؤسسات الشرعية التي ولاَّهم عليها ولاة أمرنا - وفقهم الله لما يرضيه - وكأنَّهم أوصياء حتى على الشريعة التي لم يتخصصوا فيها ! فتجدهم ينقدون الفتاوى ، ويسيؤون فهم النصوص ، بل إنَّهم لا يحسنون قراءة بيانات أهل العلم في الأمور العامة التي يرون وجوب بيانها للنّاس ، نصحاً للأمَّة ، وحذراً من كتم العلم ، ودرءاً لما يُتَوَقَّع من الفتن .
وترد على خاطري خواطر من المشهد الإعلامي - الذي يفتقد الشرعية النظامية بمخالفة كثير من مواد السياسة الإعلامية - حول هذا المعنى ، منها : هل هذا التحصيل العلمي ، والفقه الشرعي ، والوعي الدعوي ، ووقار المشيخة ، وتجربة السنين ، هل هذا كلّه هو الألم الذي يستنطق الأعداء بالخوف والتخوف والتنادي لحصار الخير الذي بلغ الآفاق ؟ وهل جيل الصحوة الذي ينقاد للعلماء - امتثالاً لأمر الله عز وجل - أشدّ رهبة في صدورهم من الله ؟ وهل هؤلاء قوم يفقهون ! لنجد أي سندٍ لما يتقوّلون ؟ ..
وأنا في خضم هذه الأفكار .. أتذكر بعض آي الكتاب ، فأجدني أردَّد قول الله عز وجل : {لأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ } (الحشر 13) .
vBulletin® v3.8.2, Copyright ©2000-2025 Arabization iraq chooses life