مصدر مسئول
04-Sep-2005, 11:47 AM
تعقيب هادي ونير لراشد الاحيوي على بحث القداح "تحقيق بلاد ونسب بني شبابة
حول مقال "تحقيق بلاد ونسب بني شبابة"
ورد إلى "العرب" من الأستاذ راشد بن حمدان الأحيوي المسعودي* ما يلي:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وتحية طيبة، وبعد:
طالعت بحث الأخ الكريم الأستاذ تركي بن مطلق القداح العتيبي: "تحقيق بلاد ونسب بني شبابة من القرن الأول وحتى القرن العاشر الهجري" المنشور في العرب ج7 و8 س40، محرم وصفر 1426هـ شباط-أذار/فبراير-مارس 2005م، ص453-471، وج9و10، سنة 40، الربيعان 1426هـ، نيسان-أيار/أبريل-مايو 2005م، ص643-658.
والحق أنّ هذا البحث محاولة جادّة لتحقيق نسب هذه القبيلة العربية العريقة التي تمثّلها اليوم قبيلة عتيبة، حيث بذل الباحث جهده في عرض الأدلة وبيان النصوص، ولم يألُ جهدًا في دعم طرحه حول كنانية عتيبة عبر شبابة أصل عتيبة وعزوتها، إلاّ أنّ البحث لم يسلم من بعض الهنات، وهذا شأن كل عمل، فالكمال لله تعالى وحده؛ ومن هنا فقد رأيت لزوم بيان بعض الملاحظات على بحث الأخ القداح فأقول والله تعالى وليّ التوفيق:
1- أشار الأستاذ الكريم إلى أنّ الأستاذ الصيخان زوّده بصورة عن نص القلقشندي عن شبابة (العرب، سنة 40، ص470) وأشار إلى أنّ الأستاذ محمد بن فهد الحربي زوّده بصورة من ترجمة بديوي الوقداني الواردة في كتاب "نزهة الفكر فيما مضى من الحوادث والعِبر" (مخطوط) (العرب، سنة 40، ص658)، وهذا من باب الأمانة العلمية التي يجب أن يتحلى بها الباحث، وفي ذكر هذا البحث قال الأستاذ تركي القداح: "سعيت جادًّا منذ سنوات في جمع النصوص من بطون المصادر والمراجع القديمة والبحث عن كل ما يخص هذه القبيلة الكريمة" (العرب، سنة 40، ص453-454). وللأسف الشديد أنّ الباحث الفاضل تجاهل عن عمد أنني قد شرعت في بحثي الطويل عن هذه القبيلة وتجاهل التعاون فيما بيننا والحوارات الطويلة التي أدّت في النهاية إلى اقتناعه بكنانية شبابة (أصل عتيبة)، وقد حضر جانبًا من هذه الحوارات الأستاذ الباحث فايز بن أحمد بن سالم أبو فردة الذي سبق لشيخنا حمد الجاسر، رحمه الله تعالى، أن نشر له بعض الأبحاث عن بعض قبائل بلاد الشام، وكان ذلك في أحد فنادق العاصمة الأردنية عمّان، حيث أقمنا هناك لبعض الوقت وأطلعت الأستاذ القداح على أوراقي حول شبابة، وكان قاب قوسين أو أدنى من الاقتناع بطرحي حول كنانية شبابة وأنّ عتيبة هم بقيتها، ولما عاد الأستاذ القداح إلى الرياض واطلع على ما كتبه الرحالة الفرنسي تاميزيه في رحلته سنة 1239هـ الموافقة لعام 1833م عن انتساب قبيلة عتيبة إلى قريش (رحلة في بلاد العرب "الحجاز" ج1، ص261)، اتصل بي مهاتفًا أنه وجد قرينة قوية تدعم ما ذهبت إليه حول كنانية عتيبة، وحينها تشجع على السير في هذا الاتجاه فكان أن نشر مقالة بعنوان: (هل قبيلة عتيبة مع قريش من كنانة؟) نشرها في جريدة "الندوة" في ملحقها الأدبي الصادر يوم الخميس 14 محرم 1423هـ/28 مارس 2002م، عدد 13205، وقد زوّدني بنسخة مصوّرة لهذا المقال، الذي رجح فيه أنّ عتيبة من شبابة من بني مالك بن كنانة. ثم كان أن نشرت مقالات مطوّلة في منتديات عتيبية على شبكة الإنترنت حاورت فيها بعض الإخوان، وقد اطلع الأخ القداح -على الأغلب- على ما نشر منها في منتدى الهيلا؛ ورغم هذا كله لم يشر القداح إلى أيّ شيء له علاقة بذلك رغم أنّ منهج أهل العلم أن يذكروا جهود الآخرين عند بحثهم لمسألة طرقوها، ولا أعلم حتى الساعة الأسباب الخفية وراء ما فعله الأخ الكريم الأستاذ القداح!!!
ويبقى أن أشير إلى أمرين هما:
(1) أنني سبق أن ذهبت إلى أنّ عتيبة هم سلالة عتيبة بن غزية (العرب ج9 و10، س35، الربيعان 1421هـ: تموز-آب/يوليه-أغسطس، سنة 2000م، ص452-461)، وقد اعتمد القداح هذا الرأي وطلب مني كتابة مقالة حول هذا لنشرها في كتابه فكان له ذلك، وقد نشرها في كتابه "من قبائل عتيبة: النفعة" ص51-56، وقد كانت بدايات قولي بنسبة بني سعد إلى شبابة من كنانة في تعقيب بعنوان (حول غزية وعتيبة وبني سعد) أرسلته إلى الأستاذ معن بن حمد الجاسر بتاريخ السبت الموافق 22 ذي الحجة 1421هـ/17 مارس 2001م ردًّا على تعقيبين حول بحثي عن غزية نشر في العرب سنة 36، ص276-280، وللأسف الشديد فإنّ هذا التعقيب لم ينشر، وقد استشهدت فيه بقول الجاسر، رحمه الله تعالى، (العرب، س24، ص67) وأوردت قوله بعدم الجزم أنّ بني سعد هم بنو سعد بن بكر بن هوازن (العرب، س30، ص425)؛ ومما قلته: "وبما أنّ بني سعد ينتسبون إلى شبابة فإنّ هذا يعني أنهم ليسوا من هوازن البتة، وما ذهب إليه شخنا الجاسر، رحمه الله تعالى، بنظرته الثاقبة يشهد له ما أورده الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن البسام حول نسب النفعة نقلاً عن وثيقة مؤرخة بعام 1005هـ...إلخ" أ.هـ ثم أوردت النص الذي أورده القداح في كتابه "النفعة" عن سياق نسب النفعة ("النفعة"، ص76 و78-79)، ثم بينت أنّ شبابة من كنانة، واستشهدت بنصوص البلاذري وابن منظور، وبيّنت أنّ انتساب بني سعد إلى شبابة يعني أنهم من كنانة، وبيّنت أنّ بني سعد من فروع كنانة، واستشهدت على ذلك بنصوص الهمداني عن بني سعد في غور سراة بجيلة وسراة عروان والزيمة في نخلة اليمانية، وأوردت نص عرام بن الأصبغ عن بني سعد في خيف ذي القبر في نخلة الشامية وأنهم من كنانة كما ورد في "معجم البلدان" في رسم خيف، وخلصت إلى أنّ بني سعد من شبابة من كنانة، وكان ذلك التعقيب بداية دراسة معمّقة حول تحقيق نسب عتيبة بعد اتضاح عدم صحة قولي السابق بأنهم سلالة عتيبة بن غزية، والله أعلم.
(2) أنني فصّلت القول في تحقيق نسب شبابة في بحثي المخطوط "الإصابة في تحقيق نسب شبابة" وقد بيّنت فيه الأقوال في نسب شبابة وحققت القول في نسبها، وعرّفت بديارها وبقيتها ثم فصّلت القول في نسب عتيبة وبيّنت صلتها بشبابة يسّر الله تعالى نشره.
2- قال القداح: "وقد وَهَم الزركلي عندما فرّق بين عتيبة وبني سعد وهم قبيلة واحدة" (العرب سنة 40، ص455). وكان الزركلي قد قال في حديثة عن شبابة: "فإذا رجعنا إلى هذين الأصلين: شبابة وخندف، أضفنا إلى عتيبة القبائل الآتية لتكون منها جميعًا شبابة: بني الحارث، بني سعد (وهم رؤوس شبابة)..." (ما رأيت وسمعت، خير الدين الزركلي، تقديم وتعليق: عبدالرزاق كمال، مكتبة المعارف، الطائف، ص152). قلت: القول بتوهّم الزركلي غير صحيح، فالرجل ناقل عن عرب الطائف ولم يأت بشيء من عنده ولا ضير في ذلك، بل له مثيل قديمًا وحديثًا، فقد كان العرب يقولون: قريش وكنانة، وقريش فرع من كنانة وقولهم هذا -وهم أهل العلم بأنساب العرب- ليس تفريقًا بينهما ولم يفهمه أحد هذا الفهم، بل إنّ الأمر لا يعدو اشتهار قبيلة قريش من كنانة حتى صار اسمهم يذكر إلى جانب اسم قريش؛ ومن الأمثلة الحديثة قولهم: لحيان وهذيل رغم أنّ لحيان فرع من هذيل، وقد ذكرت المصادر الحجازية وغيرها بني سعد وعتيبة جنبًا إلى جنب، ومن ذلك ما ورد في "سمط النجوم العوالي"، ج4 ص515، وفي النص قال العصامي من خبر عن النفعة: "...فأتاهم بنو سعد وعتيبة" أ.هـ والشواهد كثيرة وليس في هذا تفريق بين سعد وعتيبة.
3- قال القداح: "قال العلاّمة أبو الطيب محمد شمس الحق (ت275هـ): "حدثنا أحمد بن عبده الضبي..." وقال: "العلاّمة أبي الطيب المتوفى سنة 275هـ" (العرب، سنة 40، ص456، 464).
قلت: وهذا الذي قاله القداح غير صحيح، ذلك أنّ راوي الحديث عن أحمد بن عبده الضبي هو الإمام الحافظ أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني (ت275هـ) "سنن أبي داود" حديث رقم 1601، ويلاحظ أنّ الكاتب خلط بين صاحب السنن أبي داود وبين الشارح الشيخ محمد شمس الحق العظيم أبادي المتوفى سنة 1329هـ.
4- وقال: "شبابة بن مالك بن كنانة" (العرب، سنة 40، ص464).
قلت: وهذا غير صحيح، بل هم من بني فهم ثم من بني مالك بن كنانة وهو ما ذكره الكاتب في مواضع أخرى؛ فقد قال: "إنّ شبابة من بني فهم بن مالك بن كنانة" (العرب، سنة 40، ص464).
5- وقال وقد أورد أسماء العلاّمة أبي الطيب وابن الجارود (لا الجارودي) وابن ماكولا والفيروزآبادي والذهبي والسيوطي: "نصوا على أنّ شبابة الطائف والسراة هم من بني فهم الكنانية" (العرب، سنة 40، ص464-465).
قلت: نصوص هؤلاء تنص على أنّ شبابة من فهم دون أدنى ذِكر لكنانة فمن أين جاء الكاتب بنسبة فهم الكنانية؟؟
6- وقال: "شبابة بن فهم بن مالك بن كنانة" (العرب، سنة 40، ص466).
قلت: لم يذكر الكاتب دليلاً واحدًا على أنّ شبابة هم بنو شبابة بن فهم.
7- وقال: "ذكر بعض مؤرخي مكة خبرين أكّدا فيهما أنّ بني سعد هي عتيبة" وأورد الخبر الأول سنة 874هـ، وفيه أنّ الشريف محمد بن بركات غزا بعض عرب عتيبة من عرب الشرق سنة 874هـ، وأورد الخبر الثاني وفيه أنّ الشريف: "... نيته أن يصالح بني سعد وغاب ببلاد الشرق..." وقال: "وفي النصين دلالة واضحة على أنّ بني سعد وعتيبة هما قبيلة واحدة" (العرب، سنة 40، ص466).
قلت: وهذا الذي ذكره الكاتب غير صحيح فسكنى القبيلتين في بلاد الشرق لا تدل على أنّ بني سعد وعتيبة قبيلة واحدة، مع صحة القول بأنّ بني سعد وعتيبة قبيلة واحدة، ومما يدل عليه ما يلي:
1- قال المرجاني وكان في الطائف سنة 754هـ في ذكر وادي نخب: "وهو الآن قرية يسكنها جماعة من عتيبة يقال لهم وقدان" (إهداء اللطائف، ص90 و91).
2- قال الشريف محمد بن منصور: "رأيت أنا بنفسي عند بعض وقدان وثيقة قديمة لمزرعة من مزارع الزيابقة بوادي المعدن يعود تاريخها على ما أتذكر إلى القرن العاشر الهجري ينعت المالك بها بعد ذِكر اسمه بالوقداني السعدي، وهذا يؤيد نسبهم في بني سعد" (قبائل الطائف وأشراف الحجاز، ص98).
قلت: وقد بيّن القداح أنّ هذه الوثيقة مؤرخة بسنة 913هـ (العرب، سنة 40، ص658).
3- في ترجمته للشاعر بديوي الوقداني ذكر الحضراوي (ت1327هـ): أنه وقدانيّ سعديّ نسبة إلى بني سعد العتيبي (الطائف حاشية ص194).
قلت: هذه أدلة قاطعة تدل على أنّ بني سعد من عتيبة، فالوقدانيّ سعديّ من بني سعد العتيبي من قبيلة عتيبة، وقد قطعت وثائق النفعة والطفحة قول كل خطيب في بيان نسب بني سعد إلى عتيبة ثم إلى شبابة.
قال القداح: "وثيقة مهمة مؤرخة في 10/3/1005هـ حيث ورد فيها انتساب أحد بطون بني سعد وهم النفعة إلى سعد، جدّ بني سعد، ثم إلى عتيب، جدّ قبيلة عتيبة، ثم إلى شباب، جدّ قبيلة شبابة" قال: "وهذا نص النسب الوارد في الوثيقة وهو: صرار ومجنون أولاد صالح بن نافع (جدّ النفعة) ابن نفيع وبركوت ومزروع أولاد علي بن طويفح بن نفيع بن رائق بن فلاح بن شملان (شملي) بن زياد بن علي بن كتيم بن كعب بن بطيان بن سعد (جدّ بني سعد) بن حجاج مسعود بن أكوع بن عتيب (جدّ عتيبة) بن كعب بن هوازم بن صالح بن شباب (جدّ شبابة) والله أعلم" (العرب، سنة 40، ص657-658). ولكي لا يقول البعض: لا دليل على أنّ سعدًا في هذه الوثيقة هو جدّ بني سعد وأنّ عتيبًا هو جدّ عتيبة وأنّ شبابًا هو جدّ شبابة نقول:
قال العصامي في ذِكر حوادث عام 1081هـ في ذِكر خبر مقتل عمير النفيعي من قبيلة النفعة: "ثم إنّ أولاد عمير المذكور صاحوا في عشيرتهم وذويهم واستثاروهم على قتلة أبيهم فأتاهم بنو سعد وعتيبة وجمع من العربان" (سمط النجوم العوالي 4/515). وهذا النص يحوي فوائد غاية في الأهمية وهي:
1- بنو سعد وعتيبة عشيرة أولاد عمير النفيعي وذويهم، وذويهم تعني أنهم أهلهم وقبيلتهم.
2- النفعة فرع من سعد وعتيبة، فعندما حدث مقتل عمير التجأ أولاد عمير النفيعي إلى عشيرتهم وذويهم وهم سعد وشبابة.
وإذا تأملنا سياق النسب في الوثيقة آنفة الذكر وجدنا ما يلي:
3- النفعة: نسبة إلى نفيع، مثل الحمدة نسبة إلى حميد، وفي الوثيقة نفيع ابن رائق.
4- بنو سعد: وسعد هو جدّ بني سعد الذي ينحدر منه النفعة هو: سعد ابن حجاج كما جاء في الوثيقة.
5- عتيبة: وعتيبة هو جدّ عتيبة الذي ينحدر منه بنو سعد أصل النفعة هو: عتيب بن كعب كما جاء في الوثيقة.
6- شبابة: وشبابة هو جدّ شبابة الذي ينحدر منه بنو شبابة (أصل عتيبة) هو: بنو شباب كما جاء في الوثيقة. وهذا يعني:
أنّ النفعة من بني سعد من عتيبة: نسبة إلى نفيع بن رائق بن فلاح بن شملان بن زياد بن علي بن كتيم بن كعب بن بطيان بن سعد بن حجاج مسعود بن أكوع بن عتيب.
7- أنّ بني سعد (أصل النفعة) من عتيبة نسبة إلى سعد بن حجاج مسعود بن أكوع بن عتيب.
8- أنّ عتيبة (أصل بني سعد) من شبابة نسبة إلى عتيب بن كعب بن هوازم بن صالح بن شباب، أي أنّ النفعة فرع من بني سعد من عتيبة من شبابة نسبة إلى نفيع بن رائق بن فلاح بن شملان بن زياد بن علي بن كتيم بن كعب بن بطيان بن سعد بن حجاج مسعود بن أكوع بن عتيب بن كعب بن هوازم بن صالح بن شباب، والله أعلم. فإذا ما علمنا أنّ الهجري قد ذكر وقدان في القرن الثالث للهجرة فقال: "الوقداني من أحلاف ثقيف" (التعليقات والنوادر، قسم 1، ص64، قسم 2، ص915، قسم 4، ص1898). وقد نص شيخنا الجاسر على أنهم وقدان عتيبة فقال: "وقدان قبيلة لا تزال مجاورة لثقيف في منازلها، إلاّ أنها تنتمي الآن إلى قبيلة عتيبة. يقول شاعرهم بديوي الوقداني: "أنا عتيبي عريب الجد والخال" وقال: "قبيلة لا تزال معروفة مختلطة مع ثقيف في بلادها" (التعليقات والنوادر، قسم 2، حاشية ص915، قسم 4، حاشية ص1898)، إذا ما علمنا ذلك اتضح لنا عند ربط وقدان (الفرع المعروف في القرن الثالث) بسياق نسب سعد، جدّ بني سعد في الوثيق آنفة الذكر، اتضح لنا قِدم وجود بني سعد ومن ثم قِدم وجود عتيبة ومن ثم قِدم وجود شبابة. ولإيضاح هذا نقول:
إنّ وجود قبيلة وقدان في القرن الثالث للهجرة يعني أنّ أصلها ضارب أطنابه في الجاهلية، فلو افترضنا أنّ وقدان كانوا آنذاك يعدون إلى الجدّ العاشر فإنّ هذا يعني ما يلي:
إنّ الوقداني المعاصر للهجري في منتصف القرن الثالث للهجرة، أي نحو سنة 250هـ، إذا ما قدّرنا أنه ولد في سنة 200هـ (أي أنّ عمره آنذاك كان خمسين عامًا) فإنّ هذا يعني:
1- أنّ أباه الأول ولد عام 170هـ على قاعدة أنّ بين كل جيلين 30 عامًا كما قرره بعض أهل العلم.
2- وأنّ أباه الثاني ولد عام 140هـ.
3- وأنّ أباه الثالث ولد عام 110هـ.
4- وأنّ أباه الرابع ولد عام 80هـ.
5- وأنّ أباه الخامس ولد عام 50هـ.
6- وأنّ أباه السادس ولد عام 20هـ.
7- وأنّ أباه السابع ولد عام 10 قبل الهجرة.
8- وأنّ أباه الثامن ولد عام 40 قبل الهجرة.
9- وأنّ أباه التاسع ولد عام 70 قبل الهجرة.
10-وأنّ أباه العاشر، أي وقدان، ولد عام 100 قبل الهجرة.
ولو اكتفينا بالقول إنهم كانوا في العدّ الخامس (أي الرجال المعاصرين للهجري في سنة 250هـ) فإنّ هذا يعني أنّ وقدان ولد عام 50هـ وهذا القياس وإن كان غير دقيق تمامًا إلاّ أنه يفيدنا أنّ وقدان التي أصبحت قبيلة ينسب إليها وتفارق قومها لتحالف قبيلة ثقيف لن يقلّ عدها إلى وقدان في أسوأ التقديرات عن خمسة جدود؛ مما يعني ولادة جدّهم وقدان عام 50هـ، ومن سعد الذي تنحدر منه وقدان إلى شبابة تسعة أسماء كما في الوثيقة، فإلى أين يقودنا هذا السياق؟؟؟ إنه يقودنا إلى عهد قديم جدًّا يكاد يقترب من عهد هوازن نفسه مما يبطل ويدحض الزعم بانحدار شبابة من هوازن؛ فهذه الأسماء تسعة ويضاف لها اسم ثابت الذي ينحدر منه بنو وقدان، وبهذا تصبح الأسماء عشرة وهي تعادل نحو 300 عام؛ مما يعيد زمن شبابة إلى سنة 250 قبل الهجرة، وهو العام الذي ولد قريبًا منه هلال بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن. ولإيضاح هذا نقول إنّ زوجتَيْ النبي كانتا كلتاهما في العد السابع من هلال وهما أمّ المؤمنين زينب بنت خزيمة بن الحارب بن عبدالله بن عمرو بن عبدالله بن عبد مناف بن هلال، وأمّ المؤمنين ميمونة بنت الحارث بن حزن بن بجير بن هزم بن رؤيبة بن عبدالله ابن هلال، ومن أصحاب رسول الله من بني عامر: قبيصة بن المخارق بن عبدالله بن شداد بن معاوية بن أبي ربيعة بن نهيك بن هلال وهو في العد السابع من بني هلال بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن؛ فلو افترضنا أنّ كلاّ منهم ولد سنة 30 قبل الهجرة فإنّ جدّهم هلال بن عامر بن صعصعة يكون ولد عام 240 قبل الهجرة، وهذا يعني استحالة أن يكون شبابة من هوازن التي جعل كثير من الباحثين نسب بني سعد وعتيبة يعود إليها.
9- وقال: "إنّ المتتبع لبعض النصوص ليرى أنّ ديار بني سعد كنانة قد امتدت حتى شملت ديار بني هلال وهذيل" (العرب، سنة 40، ص648).
قلت: هذا قول باطل لا يصح على إطلاقه، والصواب أنها شملت بعض بلاد هذيل وبني هلال.
10- ذكر العلماء وهم "الإصطخري وابن حوقل والإدريسي الذين أتوا بعد زمن الهمداني" (العرب، سنة 40، ص649).
قلت: وهذا قول باطل أيضًا، فلم يأت بعد زمن الهمداني إلاّ الإدريسي (463-560هـ) فالهمداني عاش إلى ما بعد سنة 360هـ (الإكليل، الهمداني، تحقيق محمد بن علي الأكوع، ط3، ص324) وقد عاصره كل من الإصطخري (ت346هـ) وابن حوقل (ت367هـ).
11- وقال: "وقد ذكر الهمداني وعرام بن الأصبغ السلمي بني سعد في جنوب الطائف" وقال: "وقبيلة بني سعد هذه من قبائل جنوب الطائف وبلاد السراة من بلاد الحجاز، ومن أقدم من ذكرها في هذه الديار هما عرام السلمي والهمداني" (العرب، سنة 40، ص652).
قلت: لم يشر عرام بن الأصبغ من قريب أو من بعيد إلى وجود بني سعد في جنوب الطائف، فكل ما ذكره عن بني سعد أنهم موجودون في رهاط في شمال شرقي مكة المكرمة والحديبية غرب مكة المكرمة وخيف ذي القبر في شمال مكة المكرمة (نوادر المخطوطات، ج2، ص409-410 و414). فمن أين للكاتب بدعواه أنّ عرامًا ذكر بني سعد في جنوب الطائف؟
12- ذكر الباحث أنّ من فروع بني سعد فرعين هما:
1- وقدان. 2- الثبيتات (العرب، سنة 40، ص654-655).
قلت: أمّا وقدان فقد ورد نص على نسبتهم إلى بني سعد من عتيبة كما تقدم، وأمّا النص المتعلق بالتبيتات الذي أورده نقلاً عن الفاسي فليس فيه ما يدل على أنّ التبيتات (كما في الأصل) يقصد بهم الثبيتات (الثبتة) من بني سعد من عتيبة لا سيما وأنّ الفاسي لم ينص على نسبهم، ولم يشر إلى موضع ديارهم.
وقد أغفل الباحث ذكر بعض الفروع من بني سعد ورد لها ذكر قديم ومنها:
1- يمن: غزاهم الشريف بركات بن حسن في البوباة عام 848هـ (غاية المرام، ج2، ص428)، وهذا الفرع وإن لم يكن معروفًا الآن فلعل له ذِكرًا في بعض وثائق عتيبة تبيّن أعقابه في قبيلة عتيبة.
2- النفعة. 3- الطفحة. 4- الحلسة وغيرهم.
فقد جاء في وثيقة النفعة التي تعود لعام 1005هـ ذِكر للنفعة وفي وثيقة الطفحة التي تعود لعام 995هـ ذكر للطفحة والنفعة، وفيها ذكر سلمان الحليس (النفعة ص73 و76 و77) وسلمان الحليس من الحلسة أحد فروع الطفحة. ولا ريب أنّ في الوثيقتين أسماء بعض رجالات النفعة والطفحة من فروعهما المختلفة.
هذا ما رأيت بيانه، وفوق كلّ ذي علم عليم.
* العقبة، الأردن.
رابط الموضوع
http://www.hamadaljasser.com/article/article_detail.asp?articleid=213
حول مقال "تحقيق بلاد ونسب بني شبابة"
ورد إلى "العرب" من الأستاذ راشد بن حمدان الأحيوي المسعودي* ما يلي:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وتحية طيبة، وبعد:
طالعت بحث الأخ الكريم الأستاذ تركي بن مطلق القداح العتيبي: "تحقيق بلاد ونسب بني شبابة من القرن الأول وحتى القرن العاشر الهجري" المنشور في العرب ج7 و8 س40، محرم وصفر 1426هـ شباط-أذار/فبراير-مارس 2005م، ص453-471، وج9و10، سنة 40، الربيعان 1426هـ، نيسان-أيار/أبريل-مايو 2005م، ص643-658.
والحق أنّ هذا البحث محاولة جادّة لتحقيق نسب هذه القبيلة العربية العريقة التي تمثّلها اليوم قبيلة عتيبة، حيث بذل الباحث جهده في عرض الأدلة وبيان النصوص، ولم يألُ جهدًا في دعم طرحه حول كنانية عتيبة عبر شبابة أصل عتيبة وعزوتها، إلاّ أنّ البحث لم يسلم من بعض الهنات، وهذا شأن كل عمل، فالكمال لله تعالى وحده؛ ومن هنا فقد رأيت لزوم بيان بعض الملاحظات على بحث الأخ القداح فأقول والله تعالى وليّ التوفيق:
1- أشار الأستاذ الكريم إلى أنّ الأستاذ الصيخان زوّده بصورة عن نص القلقشندي عن شبابة (العرب، سنة 40، ص470) وأشار إلى أنّ الأستاذ محمد بن فهد الحربي زوّده بصورة من ترجمة بديوي الوقداني الواردة في كتاب "نزهة الفكر فيما مضى من الحوادث والعِبر" (مخطوط) (العرب، سنة 40، ص658)، وهذا من باب الأمانة العلمية التي يجب أن يتحلى بها الباحث، وفي ذكر هذا البحث قال الأستاذ تركي القداح: "سعيت جادًّا منذ سنوات في جمع النصوص من بطون المصادر والمراجع القديمة والبحث عن كل ما يخص هذه القبيلة الكريمة" (العرب، سنة 40، ص453-454). وللأسف الشديد أنّ الباحث الفاضل تجاهل عن عمد أنني قد شرعت في بحثي الطويل عن هذه القبيلة وتجاهل التعاون فيما بيننا والحوارات الطويلة التي أدّت في النهاية إلى اقتناعه بكنانية شبابة (أصل عتيبة)، وقد حضر جانبًا من هذه الحوارات الأستاذ الباحث فايز بن أحمد بن سالم أبو فردة الذي سبق لشيخنا حمد الجاسر، رحمه الله تعالى، أن نشر له بعض الأبحاث عن بعض قبائل بلاد الشام، وكان ذلك في أحد فنادق العاصمة الأردنية عمّان، حيث أقمنا هناك لبعض الوقت وأطلعت الأستاذ القداح على أوراقي حول شبابة، وكان قاب قوسين أو أدنى من الاقتناع بطرحي حول كنانية شبابة وأنّ عتيبة هم بقيتها، ولما عاد الأستاذ القداح إلى الرياض واطلع على ما كتبه الرحالة الفرنسي تاميزيه في رحلته سنة 1239هـ الموافقة لعام 1833م عن انتساب قبيلة عتيبة إلى قريش (رحلة في بلاد العرب "الحجاز" ج1، ص261)، اتصل بي مهاتفًا أنه وجد قرينة قوية تدعم ما ذهبت إليه حول كنانية عتيبة، وحينها تشجع على السير في هذا الاتجاه فكان أن نشر مقالة بعنوان: (هل قبيلة عتيبة مع قريش من كنانة؟) نشرها في جريدة "الندوة" في ملحقها الأدبي الصادر يوم الخميس 14 محرم 1423هـ/28 مارس 2002م، عدد 13205، وقد زوّدني بنسخة مصوّرة لهذا المقال، الذي رجح فيه أنّ عتيبة من شبابة من بني مالك بن كنانة. ثم كان أن نشرت مقالات مطوّلة في منتديات عتيبية على شبكة الإنترنت حاورت فيها بعض الإخوان، وقد اطلع الأخ القداح -على الأغلب- على ما نشر منها في منتدى الهيلا؛ ورغم هذا كله لم يشر القداح إلى أيّ شيء له علاقة بذلك رغم أنّ منهج أهل العلم أن يذكروا جهود الآخرين عند بحثهم لمسألة طرقوها، ولا أعلم حتى الساعة الأسباب الخفية وراء ما فعله الأخ الكريم الأستاذ القداح!!!
ويبقى أن أشير إلى أمرين هما:
(1) أنني سبق أن ذهبت إلى أنّ عتيبة هم سلالة عتيبة بن غزية (العرب ج9 و10، س35، الربيعان 1421هـ: تموز-آب/يوليه-أغسطس، سنة 2000م، ص452-461)، وقد اعتمد القداح هذا الرأي وطلب مني كتابة مقالة حول هذا لنشرها في كتابه فكان له ذلك، وقد نشرها في كتابه "من قبائل عتيبة: النفعة" ص51-56، وقد كانت بدايات قولي بنسبة بني سعد إلى شبابة من كنانة في تعقيب بعنوان (حول غزية وعتيبة وبني سعد) أرسلته إلى الأستاذ معن بن حمد الجاسر بتاريخ السبت الموافق 22 ذي الحجة 1421هـ/17 مارس 2001م ردًّا على تعقيبين حول بحثي عن غزية نشر في العرب سنة 36، ص276-280، وللأسف الشديد فإنّ هذا التعقيب لم ينشر، وقد استشهدت فيه بقول الجاسر، رحمه الله تعالى، (العرب، س24، ص67) وأوردت قوله بعدم الجزم أنّ بني سعد هم بنو سعد بن بكر بن هوازن (العرب، س30، ص425)؛ ومما قلته: "وبما أنّ بني سعد ينتسبون إلى شبابة فإنّ هذا يعني أنهم ليسوا من هوازن البتة، وما ذهب إليه شخنا الجاسر، رحمه الله تعالى، بنظرته الثاقبة يشهد له ما أورده الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن البسام حول نسب النفعة نقلاً عن وثيقة مؤرخة بعام 1005هـ...إلخ" أ.هـ ثم أوردت النص الذي أورده القداح في كتابه "النفعة" عن سياق نسب النفعة ("النفعة"، ص76 و78-79)، ثم بينت أنّ شبابة من كنانة، واستشهدت بنصوص البلاذري وابن منظور، وبيّنت أنّ انتساب بني سعد إلى شبابة يعني أنهم من كنانة، وبيّنت أنّ بني سعد من فروع كنانة، واستشهدت على ذلك بنصوص الهمداني عن بني سعد في غور سراة بجيلة وسراة عروان والزيمة في نخلة اليمانية، وأوردت نص عرام بن الأصبغ عن بني سعد في خيف ذي القبر في نخلة الشامية وأنهم من كنانة كما ورد في "معجم البلدان" في رسم خيف، وخلصت إلى أنّ بني سعد من شبابة من كنانة، وكان ذلك التعقيب بداية دراسة معمّقة حول تحقيق نسب عتيبة بعد اتضاح عدم صحة قولي السابق بأنهم سلالة عتيبة بن غزية، والله أعلم.
(2) أنني فصّلت القول في تحقيق نسب شبابة في بحثي المخطوط "الإصابة في تحقيق نسب شبابة" وقد بيّنت فيه الأقوال في نسب شبابة وحققت القول في نسبها، وعرّفت بديارها وبقيتها ثم فصّلت القول في نسب عتيبة وبيّنت صلتها بشبابة يسّر الله تعالى نشره.
2- قال القداح: "وقد وَهَم الزركلي عندما فرّق بين عتيبة وبني سعد وهم قبيلة واحدة" (العرب سنة 40، ص455). وكان الزركلي قد قال في حديثة عن شبابة: "فإذا رجعنا إلى هذين الأصلين: شبابة وخندف، أضفنا إلى عتيبة القبائل الآتية لتكون منها جميعًا شبابة: بني الحارث، بني سعد (وهم رؤوس شبابة)..." (ما رأيت وسمعت، خير الدين الزركلي، تقديم وتعليق: عبدالرزاق كمال، مكتبة المعارف، الطائف، ص152). قلت: القول بتوهّم الزركلي غير صحيح، فالرجل ناقل عن عرب الطائف ولم يأت بشيء من عنده ولا ضير في ذلك، بل له مثيل قديمًا وحديثًا، فقد كان العرب يقولون: قريش وكنانة، وقريش فرع من كنانة وقولهم هذا -وهم أهل العلم بأنساب العرب- ليس تفريقًا بينهما ولم يفهمه أحد هذا الفهم، بل إنّ الأمر لا يعدو اشتهار قبيلة قريش من كنانة حتى صار اسمهم يذكر إلى جانب اسم قريش؛ ومن الأمثلة الحديثة قولهم: لحيان وهذيل رغم أنّ لحيان فرع من هذيل، وقد ذكرت المصادر الحجازية وغيرها بني سعد وعتيبة جنبًا إلى جنب، ومن ذلك ما ورد في "سمط النجوم العوالي"، ج4 ص515، وفي النص قال العصامي من خبر عن النفعة: "...فأتاهم بنو سعد وعتيبة" أ.هـ والشواهد كثيرة وليس في هذا تفريق بين سعد وعتيبة.
3- قال القداح: "قال العلاّمة أبو الطيب محمد شمس الحق (ت275هـ): "حدثنا أحمد بن عبده الضبي..." وقال: "العلاّمة أبي الطيب المتوفى سنة 275هـ" (العرب، سنة 40، ص456، 464).
قلت: وهذا الذي قاله القداح غير صحيح، ذلك أنّ راوي الحديث عن أحمد بن عبده الضبي هو الإمام الحافظ أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني (ت275هـ) "سنن أبي داود" حديث رقم 1601، ويلاحظ أنّ الكاتب خلط بين صاحب السنن أبي داود وبين الشارح الشيخ محمد شمس الحق العظيم أبادي المتوفى سنة 1329هـ.
4- وقال: "شبابة بن مالك بن كنانة" (العرب، سنة 40، ص464).
قلت: وهذا غير صحيح، بل هم من بني فهم ثم من بني مالك بن كنانة وهو ما ذكره الكاتب في مواضع أخرى؛ فقد قال: "إنّ شبابة من بني فهم بن مالك بن كنانة" (العرب، سنة 40، ص464).
5- وقال وقد أورد أسماء العلاّمة أبي الطيب وابن الجارود (لا الجارودي) وابن ماكولا والفيروزآبادي والذهبي والسيوطي: "نصوا على أنّ شبابة الطائف والسراة هم من بني فهم الكنانية" (العرب، سنة 40، ص464-465).
قلت: نصوص هؤلاء تنص على أنّ شبابة من فهم دون أدنى ذِكر لكنانة فمن أين جاء الكاتب بنسبة فهم الكنانية؟؟
6- وقال: "شبابة بن فهم بن مالك بن كنانة" (العرب، سنة 40، ص466).
قلت: لم يذكر الكاتب دليلاً واحدًا على أنّ شبابة هم بنو شبابة بن فهم.
7- وقال: "ذكر بعض مؤرخي مكة خبرين أكّدا فيهما أنّ بني سعد هي عتيبة" وأورد الخبر الأول سنة 874هـ، وفيه أنّ الشريف محمد بن بركات غزا بعض عرب عتيبة من عرب الشرق سنة 874هـ، وأورد الخبر الثاني وفيه أنّ الشريف: "... نيته أن يصالح بني سعد وغاب ببلاد الشرق..." وقال: "وفي النصين دلالة واضحة على أنّ بني سعد وعتيبة هما قبيلة واحدة" (العرب، سنة 40، ص466).
قلت: وهذا الذي ذكره الكاتب غير صحيح فسكنى القبيلتين في بلاد الشرق لا تدل على أنّ بني سعد وعتيبة قبيلة واحدة، مع صحة القول بأنّ بني سعد وعتيبة قبيلة واحدة، ومما يدل عليه ما يلي:
1- قال المرجاني وكان في الطائف سنة 754هـ في ذكر وادي نخب: "وهو الآن قرية يسكنها جماعة من عتيبة يقال لهم وقدان" (إهداء اللطائف، ص90 و91).
2- قال الشريف محمد بن منصور: "رأيت أنا بنفسي عند بعض وقدان وثيقة قديمة لمزرعة من مزارع الزيابقة بوادي المعدن يعود تاريخها على ما أتذكر إلى القرن العاشر الهجري ينعت المالك بها بعد ذِكر اسمه بالوقداني السعدي، وهذا يؤيد نسبهم في بني سعد" (قبائل الطائف وأشراف الحجاز، ص98).
قلت: وقد بيّن القداح أنّ هذه الوثيقة مؤرخة بسنة 913هـ (العرب، سنة 40، ص658).
3- في ترجمته للشاعر بديوي الوقداني ذكر الحضراوي (ت1327هـ): أنه وقدانيّ سعديّ نسبة إلى بني سعد العتيبي (الطائف حاشية ص194).
قلت: هذه أدلة قاطعة تدل على أنّ بني سعد من عتيبة، فالوقدانيّ سعديّ من بني سعد العتيبي من قبيلة عتيبة، وقد قطعت وثائق النفعة والطفحة قول كل خطيب في بيان نسب بني سعد إلى عتيبة ثم إلى شبابة.
قال القداح: "وثيقة مهمة مؤرخة في 10/3/1005هـ حيث ورد فيها انتساب أحد بطون بني سعد وهم النفعة إلى سعد، جدّ بني سعد، ثم إلى عتيب، جدّ قبيلة عتيبة، ثم إلى شباب، جدّ قبيلة شبابة" قال: "وهذا نص النسب الوارد في الوثيقة وهو: صرار ومجنون أولاد صالح بن نافع (جدّ النفعة) ابن نفيع وبركوت ومزروع أولاد علي بن طويفح بن نفيع بن رائق بن فلاح بن شملان (شملي) بن زياد بن علي بن كتيم بن كعب بن بطيان بن سعد (جدّ بني سعد) بن حجاج مسعود بن أكوع بن عتيب (جدّ عتيبة) بن كعب بن هوازم بن صالح بن شباب (جدّ شبابة) والله أعلم" (العرب، سنة 40، ص657-658). ولكي لا يقول البعض: لا دليل على أنّ سعدًا في هذه الوثيقة هو جدّ بني سعد وأنّ عتيبًا هو جدّ عتيبة وأنّ شبابًا هو جدّ شبابة نقول:
قال العصامي في ذِكر حوادث عام 1081هـ في ذِكر خبر مقتل عمير النفيعي من قبيلة النفعة: "ثم إنّ أولاد عمير المذكور صاحوا في عشيرتهم وذويهم واستثاروهم على قتلة أبيهم فأتاهم بنو سعد وعتيبة وجمع من العربان" (سمط النجوم العوالي 4/515). وهذا النص يحوي فوائد غاية في الأهمية وهي:
1- بنو سعد وعتيبة عشيرة أولاد عمير النفيعي وذويهم، وذويهم تعني أنهم أهلهم وقبيلتهم.
2- النفعة فرع من سعد وعتيبة، فعندما حدث مقتل عمير التجأ أولاد عمير النفيعي إلى عشيرتهم وذويهم وهم سعد وشبابة.
وإذا تأملنا سياق النسب في الوثيقة آنفة الذكر وجدنا ما يلي:
3- النفعة: نسبة إلى نفيع، مثل الحمدة نسبة إلى حميد، وفي الوثيقة نفيع ابن رائق.
4- بنو سعد: وسعد هو جدّ بني سعد الذي ينحدر منه النفعة هو: سعد ابن حجاج كما جاء في الوثيقة.
5- عتيبة: وعتيبة هو جدّ عتيبة الذي ينحدر منه بنو سعد أصل النفعة هو: عتيب بن كعب كما جاء في الوثيقة.
6- شبابة: وشبابة هو جدّ شبابة الذي ينحدر منه بنو شبابة (أصل عتيبة) هو: بنو شباب كما جاء في الوثيقة. وهذا يعني:
أنّ النفعة من بني سعد من عتيبة: نسبة إلى نفيع بن رائق بن فلاح بن شملان بن زياد بن علي بن كتيم بن كعب بن بطيان بن سعد بن حجاج مسعود بن أكوع بن عتيب.
7- أنّ بني سعد (أصل النفعة) من عتيبة نسبة إلى سعد بن حجاج مسعود بن أكوع بن عتيب.
8- أنّ عتيبة (أصل بني سعد) من شبابة نسبة إلى عتيب بن كعب بن هوازم بن صالح بن شباب، أي أنّ النفعة فرع من بني سعد من عتيبة من شبابة نسبة إلى نفيع بن رائق بن فلاح بن شملان بن زياد بن علي بن كتيم بن كعب بن بطيان بن سعد بن حجاج مسعود بن أكوع بن عتيب بن كعب بن هوازم بن صالح بن شباب، والله أعلم. فإذا ما علمنا أنّ الهجري قد ذكر وقدان في القرن الثالث للهجرة فقال: "الوقداني من أحلاف ثقيف" (التعليقات والنوادر، قسم 1، ص64، قسم 2، ص915، قسم 4، ص1898). وقد نص شيخنا الجاسر على أنهم وقدان عتيبة فقال: "وقدان قبيلة لا تزال مجاورة لثقيف في منازلها، إلاّ أنها تنتمي الآن إلى قبيلة عتيبة. يقول شاعرهم بديوي الوقداني: "أنا عتيبي عريب الجد والخال" وقال: "قبيلة لا تزال معروفة مختلطة مع ثقيف في بلادها" (التعليقات والنوادر، قسم 2، حاشية ص915، قسم 4، حاشية ص1898)، إذا ما علمنا ذلك اتضح لنا عند ربط وقدان (الفرع المعروف في القرن الثالث) بسياق نسب سعد، جدّ بني سعد في الوثيق آنفة الذكر، اتضح لنا قِدم وجود بني سعد ومن ثم قِدم وجود عتيبة ومن ثم قِدم وجود شبابة. ولإيضاح هذا نقول:
إنّ وجود قبيلة وقدان في القرن الثالث للهجرة يعني أنّ أصلها ضارب أطنابه في الجاهلية، فلو افترضنا أنّ وقدان كانوا آنذاك يعدون إلى الجدّ العاشر فإنّ هذا يعني ما يلي:
إنّ الوقداني المعاصر للهجري في منتصف القرن الثالث للهجرة، أي نحو سنة 250هـ، إذا ما قدّرنا أنه ولد في سنة 200هـ (أي أنّ عمره آنذاك كان خمسين عامًا) فإنّ هذا يعني:
1- أنّ أباه الأول ولد عام 170هـ على قاعدة أنّ بين كل جيلين 30 عامًا كما قرره بعض أهل العلم.
2- وأنّ أباه الثاني ولد عام 140هـ.
3- وأنّ أباه الثالث ولد عام 110هـ.
4- وأنّ أباه الرابع ولد عام 80هـ.
5- وأنّ أباه الخامس ولد عام 50هـ.
6- وأنّ أباه السادس ولد عام 20هـ.
7- وأنّ أباه السابع ولد عام 10 قبل الهجرة.
8- وأنّ أباه الثامن ولد عام 40 قبل الهجرة.
9- وأنّ أباه التاسع ولد عام 70 قبل الهجرة.
10-وأنّ أباه العاشر، أي وقدان، ولد عام 100 قبل الهجرة.
ولو اكتفينا بالقول إنهم كانوا في العدّ الخامس (أي الرجال المعاصرين للهجري في سنة 250هـ) فإنّ هذا يعني أنّ وقدان ولد عام 50هـ وهذا القياس وإن كان غير دقيق تمامًا إلاّ أنه يفيدنا أنّ وقدان التي أصبحت قبيلة ينسب إليها وتفارق قومها لتحالف قبيلة ثقيف لن يقلّ عدها إلى وقدان في أسوأ التقديرات عن خمسة جدود؛ مما يعني ولادة جدّهم وقدان عام 50هـ، ومن سعد الذي تنحدر منه وقدان إلى شبابة تسعة أسماء كما في الوثيقة، فإلى أين يقودنا هذا السياق؟؟؟ إنه يقودنا إلى عهد قديم جدًّا يكاد يقترب من عهد هوازن نفسه مما يبطل ويدحض الزعم بانحدار شبابة من هوازن؛ فهذه الأسماء تسعة ويضاف لها اسم ثابت الذي ينحدر منه بنو وقدان، وبهذا تصبح الأسماء عشرة وهي تعادل نحو 300 عام؛ مما يعيد زمن شبابة إلى سنة 250 قبل الهجرة، وهو العام الذي ولد قريبًا منه هلال بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن. ولإيضاح هذا نقول إنّ زوجتَيْ النبي كانتا كلتاهما في العد السابع من هلال وهما أمّ المؤمنين زينب بنت خزيمة بن الحارب بن عبدالله بن عمرو بن عبدالله بن عبد مناف بن هلال، وأمّ المؤمنين ميمونة بنت الحارث بن حزن بن بجير بن هزم بن رؤيبة بن عبدالله ابن هلال، ومن أصحاب رسول الله من بني عامر: قبيصة بن المخارق بن عبدالله بن شداد بن معاوية بن أبي ربيعة بن نهيك بن هلال وهو في العد السابع من بني هلال بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن؛ فلو افترضنا أنّ كلاّ منهم ولد سنة 30 قبل الهجرة فإنّ جدّهم هلال بن عامر بن صعصعة يكون ولد عام 240 قبل الهجرة، وهذا يعني استحالة أن يكون شبابة من هوازن التي جعل كثير من الباحثين نسب بني سعد وعتيبة يعود إليها.
9- وقال: "إنّ المتتبع لبعض النصوص ليرى أنّ ديار بني سعد كنانة قد امتدت حتى شملت ديار بني هلال وهذيل" (العرب، سنة 40، ص648).
قلت: هذا قول باطل لا يصح على إطلاقه، والصواب أنها شملت بعض بلاد هذيل وبني هلال.
10- ذكر العلماء وهم "الإصطخري وابن حوقل والإدريسي الذين أتوا بعد زمن الهمداني" (العرب، سنة 40، ص649).
قلت: وهذا قول باطل أيضًا، فلم يأت بعد زمن الهمداني إلاّ الإدريسي (463-560هـ) فالهمداني عاش إلى ما بعد سنة 360هـ (الإكليل، الهمداني، تحقيق محمد بن علي الأكوع، ط3، ص324) وقد عاصره كل من الإصطخري (ت346هـ) وابن حوقل (ت367هـ).
11- وقال: "وقد ذكر الهمداني وعرام بن الأصبغ السلمي بني سعد في جنوب الطائف" وقال: "وقبيلة بني سعد هذه من قبائل جنوب الطائف وبلاد السراة من بلاد الحجاز، ومن أقدم من ذكرها في هذه الديار هما عرام السلمي والهمداني" (العرب، سنة 40، ص652).
قلت: لم يشر عرام بن الأصبغ من قريب أو من بعيد إلى وجود بني سعد في جنوب الطائف، فكل ما ذكره عن بني سعد أنهم موجودون في رهاط في شمال شرقي مكة المكرمة والحديبية غرب مكة المكرمة وخيف ذي القبر في شمال مكة المكرمة (نوادر المخطوطات، ج2، ص409-410 و414). فمن أين للكاتب بدعواه أنّ عرامًا ذكر بني سعد في جنوب الطائف؟
12- ذكر الباحث أنّ من فروع بني سعد فرعين هما:
1- وقدان. 2- الثبيتات (العرب، سنة 40، ص654-655).
قلت: أمّا وقدان فقد ورد نص على نسبتهم إلى بني سعد من عتيبة كما تقدم، وأمّا النص المتعلق بالتبيتات الذي أورده نقلاً عن الفاسي فليس فيه ما يدل على أنّ التبيتات (كما في الأصل) يقصد بهم الثبيتات (الثبتة) من بني سعد من عتيبة لا سيما وأنّ الفاسي لم ينص على نسبهم، ولم يشر إلى موضع ديارهم.
وقد أغفل الباحث ذكر بعض الفروع من بني سعد ورد لها ذكر قديم ومنها:
1- يمن: غزاهم الشريف بركات بن حسن في البوباة عام 848هـ (غاية المرام، ج2، ص428)، وهذا الفرع وإن لم يكن معروفًا الآن فلعل له ذِكرًا في بعض وثائق عتيبة تبيّن أعقابه في قبيلة عتيبة.
2- النفعة. 3- الطفحة. 4- الحلسة وغيرهم.
فقد جاء في وثيقة النفعة التي تعود لعام 1005هـ ذِكر للنفعة وفي وثيقة الطفحة التي تعود لعام 995هـ ذكر للطفحة والنفعة، وفيها ذكر سلمان الحليس (النفعة ص73 و76 و77) وسلمان الحليس من الحلسة أحد فروع الطفحة. ولا ريب أنّ في الوثيقتين أسماء بعض رجالات النفعة والطفحة من فروعهما المختلفة.
هذا ما رأيت بيانه، وفوق كلّ ذي علم عليم.
* العقبة، الأردن.
رابط الموضوع
http://www.hamadaljasser.com/article/article_detail.asp?articleid=213