السيف والقلم
21-Aug-2005, 04:28 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كيف أنسى تلك الأيام؟ عندما زارنا بعض أقربائنا من دولة مجاورة لكي يقضوا معنا أسبوعين من الإجازة الصيفية، كانت حقاً من أجمل الإجازات التي قضيناها، فكم أسعدتنا الصحبة، وكم غمرنا إحساس بلم الشمل، فالمنزل على غير عادته، لقد دبت فيه الحياة وأصبح لكل زاوية فيه شأن وذكرى خاصة، كانت إجازة موفقة من جميع النواحي، ناهيك عما أحدثته في معدتي..!
.. كنا على علم مسبق بأن هذا الفرع من العائلة بالذات يحب شرب نوع خاص من المشروبات الغازية داكنة اللون، فقام والدي بشراء صندوقين منه قبل وصولهم، بالنسبة لي كان هذا النوع هو الأحب إلي، ولو أنني لم أكن أداوم على شربه، فقط كان الأفضل من بين أبناء جنسه، ولم يكن يعنيني عدم وجوده في المنزل..
أما بالنسبة لأقربائنا فقد اكتشفت فيما بعد أنه كان الماء والهواء والرفيق الدائم لهم، فقد فوجئنا في اليوم التالي لوصولهم بأنهم كانوا يذهبون بأنفسهم ليبتاعوه من البقالة المجاورة، الأمر الذي أُصابنا بالدهشة بادئ الأمر، فقد أحضر والدي ما يكفي لثلاثة أو أربعة أيام على الأقل، ولكن الكمية نفدت في اليوم الثاني لوصولهم!
إجازة من الألف إلى الياء
يشربونه بشكل غير عادي، بل إنه لا يغادر جلساتهم وأحاديثهم، يخيل إلي أني أرى الآن تلك الزجاجات الفارغة على الطاولات، وأخرى على سفرة الطعام، لا يتناولون الطعام إلا بصحبة هذا المشروب، وإذا حان وقت التجمع حول التلفاز ترى تلك الزجاجات بلونها البني الداكن تشاركنا الجلسة، فبالطبع لم تكن تحلو السهرات إلا والصديق العدو جليسهم، يطالعنا أينما ذهبنا وأينما جلسنا..
ويا لها من كارثة إذا فرغت الكمية، تراهم سارعوا إلى أمهم كباراً وصغاراً يطلبون المال ليرسلوا من يبتاعه لهم من جديد، أو يذهبوا بأنفسهم لكي يعيدوا تموين المنزل، وبدون شك تمنى صاحب البقالة المجاورة أن لا يفارق الضيوف المنطقة أبداً.
.. تشعر وكأنهم لا يرون معنى لعطلتهم دون (أخينا) هذا، هم في إجازة من الألف إلى الياء، فزجاجة هنا، وأخرى هناك، هذه تشرب، وذاك يطلب المزيد، وأخرى تشتكي إذا ما كان سهمها من الزجاجات أقل من سهم الآخرين، وصغير يطلب أن يُملأ له الكوب مما يشربه أخيه.. فتود في قرارة نفسك أن تصرخ فيهم: كفى جنوناً!
البقــالة أولاً..
وإذا ما خرجنا في نزهة، نفاجأ بأننا يجب أن نتوقف عند البقالة أولاً، فكيف نجرؤ على الخروج دون تقديم فروض الولاء والطاعة لصاحب البقالة؟ وكيف نذهب في نزهة لا يصحبنا فيها هذا المتطفل البني؟
وفي الطريق، أتراهم يستطيعون الانتظار حتى نصل إلى المكان المعني؟ يأتيك صوت من الخلف ينادي: "ناولوني وحدة" فتصاب الصغيرة الجالسة إلى جانبي بالغيرة، وتتململ في جلستها ثم يفيض بها الكيل فتصرخ: "أنا.. أنا بعد".
ثم تأخذ الأيدي بتناقل الزجاجات في السيارة حتى نصل، لتبدأ جولة أخرى من تبادل المشروب بصحبة السندويتشات وباقي الطعام,
وما العيب في الماء، والعصير الطازج، واللبن، أو حتى الشاي، والقهوة العربية، أو الحليب الساخن بطعم الزنجبيل والزعفران؟ ألا يلذ الطعام بصحبتهم أيضاً؟
ردة فعــــل
.. أشعر به يلسع معدتي وأمعائي، بل أحشائي رغم أنني لا أشاركهم هذا الهوس، بل إنني أقلعت عن شربه منذ تلك اللحظات دون أن أدري، إنها لم تكن سوى ردة فعل أصابتني حيال ما رأيته من ممارسة غريبة أشبه بالإدمان على شرب المخدر..
أذكر أني كنت أحب تناوله في القليل القليل من المناسبات وبصحبة بعض الأكلات التي اعتدت أن أجدها أشهى مع هذا المشروب البني، بالرغم من أني كنت على علم بأن مضاره أكثر من نفعه، أما بعد تلك العطلة الصيفية، فأصبحت أصاب بشيء كالدوار لمجرد ذكر اسم هذا الـ.. "الهاضم".
مع هذا، فقد أسدوا لي خدمة عظيمة، الحمد لله أني أصبحت أصاب بالدوار فقط، ماذا لو كنت قد أدمنته مثلهم؟ كيف سوف أستغني عنه إذا لزم الأمر؟ فما أراه في يدي اليوم قد أفقده غداً، ومن اعتقدته رفيقاً قد ينقلب في يوم من الأيام إلى عدو، ويكون سبباً في أن ألقى على يديه حتفي..
كيف أنسى تلك الأيام؟ عندما زارنا بعض أقربائنا من دولة مجاورة لكي يقضوا معنا أسبوعين من الإجازة الصيفية، كانت حقاً من أجمل الإجازات التي قضيناها، فكم أسعدتنا الصحبة، وكم غمرنا إحساس بلم الشمل، فالمنزل على غير عادته، لقد دبت فيه الحياة وأصبح لكل زاوية فيه شأن وذكرى خاصة، كانت إجازة موفقة من جميع النواحي، ناهيك عما أحدثته في معدتي..!
.. كنا على علم مسبق بأن هذا الفرع من العائلة بالذات يحب شرب نوع خاص من المشروبات الغازية داكنة اللون، فقام والدي بشراء صندوقين منه قبل وصولهم، بالنسبة لي كان هذا النوع هو الأحب إلي، ولو أنني لم أكن أداوم على شربه، فقط كان الأفضل من بين أبناء جنسه، ولم يكن يعنيني عدم وجوده في المنزل..
أما بالنسبة لأقربائنا فقد اكتشفت فيما بعد أنه كان الماء والهواء والرفيق الدائم لهم، فقد فوجئنا في اليوم التالي لوصولهم بأنهم كانوا يذهبون بأنفسهم ليبتاعوه من البقالة المجاورة، الأمر الذي أُصابنا بالدهشة بادئ الأمر، فقد أحضر والدي ما يكفي لثلاثة أو أربعة أيام على الأقل، ولكن الكمية نفدت في اليوم الثاني لوصولهم!
إجازة من الألف إلى الياء
يشربونه بشكل غير عادي، بل إنه لا يغادر جلساتهم وأحاديثهم، يخيل إلي أني أرى الآن تلك الزجاجات الفارغة على الطاولات، وأخرى على سفرة الطعام، لا يتناولون الطعام إلا بصحبة هذا المشروب، وإذا حان وقت التجمع حول التلفاز ترى تلك الزجاجات بلونها البني الداكن تشاركنا الجلسة، فبالطبع لم تكن تحلو السهرات إلا والصديق العدو جليسهم، يطالعنا أينما ذهبنا وأينما جلسنا..
ويا لها من كارثة إذا فرغت الكمية، تراهم سارعوا إلى أمهم كباراً وصغاراً يطلبون المال ليرسلوا من يبتاعه لهم من جديد، أو يذهبوا بأنفسهم لكي يعيدوا تموين المنزل، وبدون شك تمنى صاحب البقالة المجاورة أن لا يفارق الضيوف المنطقة أبداً.
.. تشعر وكأنهم لا يرون معنى لعطلتهم دون (أخينا) هذا، هم في إجازة من الألف إلى الياء، فزجاجة هنا، وأخرى هناك، هذه تشرب، وذاك يطلب المزيد، وأخرى تشتكي إذا ما كان سهمها من الزجاجات أقل من سهم الآخرين، وصغير يطلب أن يُملأ له الكوب مما يشربه أخيه.. فتود في قرارة نفسك أن تصرخ فيهم: كفى جنوناً!
البقــالة أولاً..
وإذا ما خرجنا في نزهة، نفاجأ بأننا يجب أن نتوقف عند البقالة أولاً، فكيف نجرؤ على الخروج دون تقديم فروض الولاء والطاعة لصاحب البقالة؟ وكيف نذهب في نزهة لا يصحبنا فيها هذا المتطفل البني؟
وفي الطريق، أتراهم يستطيعون الانتظار حتى نصل إلى المكان المعني؟ يأتيك صوت من الخلف ينادي: "ناولوني وحدة" فتصاب الصغيرة الجالسة إلى جانبي بالغيرة، وتتململ في جلستها ثم يفيض بها الكيل فتصرخ: "أنا.. أنا بعد".
ثم تأخذ الأيدي بتناقل الزجاجات في السيارة حتى نصل، لتبدأ جولة أخرى من تبادل المشروب بصحبة السندويتشات وباقي الطعام,
وما العيب في الماء، والعصير الطازج، واللبن، أو حتى الشاي، والقهوة العربية، أو الحليب الساخن بطعم الزنجبيل والزعفران؟ ألا يلذ الطعام بصحبتهم أيضاً؟
ردة فعــــل
.. أشعر به يلسع معدتي وأمعائي، بل أحشائي رغم أنني لا أشاركهم هذا الهوس، بل إنني أقلعت عن شربه منذ تلك اللحظات دون أن أدري، إنها لم تكن سوى ردة فعل أصابتني حيال ما رأيته من ممارسة غريبة أشبه بالإدمان على شرب المخدر..
أذكر أني كنت أحب تناوله في القليل القليل من المناسبات وبصحبة بعض الأكلات التي اعتدت أن أجدها أشهى مع هذا المشروب البني، بالرغم من أني كنت على علم بأن مضاره أكثر من نفعه، أما بعد تلك العطلة الصيفية، فأصبحت أصاب بشيء كالدوار لمجرد ذكر اسم هذا الـ.. "الهاضم".
مع هذا، فقد أسدوا لي خدمة عظيمة، الحمد لله أني أصبحت أصاب بالدوار فقط، ماذا لو كنت قد أدمنته مثلهم؟ كيف سوف أستغني عنه إذا لزم الأمر؟ فما أراه في يدي اليوم قد أفقده غداً، ومن اعتقدته رفيقاً قد ينقلب في يوم من الأيام إلى عدو، ويكون سبباً في أن ألقى على يديه حتفي..