النافذ
30-Jul-2005, 05:16 PM
وجوب التضامن والتكاتف ضد أعداء المسلمين
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين والصلاة والسلام على عبده ورسوله وخليله وأمينه على وحيه نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله إمام المجاهدين خير الدعاة أجمعين ، وقائد الغر المحجلين صلى الله عليه وسلم ، وبارك عليه وعلى آله وأصحابه جميعا وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد :
فإني أشكر الله جل وعلا على ما من به من هذا اللقاء بأخوة في الله من علماء المسلمين وقادتهم أعضاء المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي في دورته الحادية والثلاثين وفي رحاب بيت الله العتيق لتدارس شئون المسلمين وقضاياهم ، وبذل المستطاع من الجهود في كل ما ينفع المسلمين ويعينهم على حل مشكلاتهم ، وعلى إقامة دينهم وعلى تمسكهم بما جاء به نبيهم عليه الصلاة والسلام دين الهدى ودين الحق.
وقد سمعنا جميعا كلمة خادم الحرمين الشريفين الطيبة المباركة ، التي شرح فيها - وفقه الله - أحوال المسلمين بعد حادث الخليج من النظام العراقي وما ترتب على ذلك وما حصل بسبب ذلك ، وما
حصل بسبب انحسار الشيوعية وتنفس المسلمين الصعداء بعد ذلك ولا شك أن ما جرى من النظام العراقي من العدوان على دولة الكويت يعتبر جريمة عظيمة ومنكرا عظيما ترتب عليه فساد كبير ، ولكن الله جل وعلا برحمته وإحسانه ردّ كيده في نحره وأذله وقضى على عدوانه وصار بذلك عبرة للمسلمين ورحمة للمؤمنين بأن رد كيد العدو في نحره وهزم جنده ورد المظلومين إلى بلادهم ويسر أمورهم ، فالحمد لله على ذلك ولقد أشار خادم الحرمين في كلمته إلى أمر عظيم وهو أن الواجب على المسلمين التضامن الإسلامي والتكاتف ضد أعدائهم والتمسك بكتاب ربهم وسنة نبيهم عليه الصلاة والسلام..
ولا شك أن هذا هو الطريق لاستعادة مجدهم وإقامة دينهم ونصرهم على أعدائهم فهم إخوة كما وصفهم الله في قوله عز وجل : إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فيجب عليهم أن يتعاونوا على البر والتقوى ، وأن يتناصحوا ، وأن يتواصوا بالحق والصبر عليه ، وأن يبذلوا جهودهم في إقامة شعائر ربهم ونصر دينهم ودحض كيد أعدائهم بكل طريق شرعها الله لإقامة الدين ورد كيد الكائدين.
ولا ريب أن اعتصامهم بحبل الله جميعا وتضامنهم في نصر دينهم أينما كانوا من أعظم الأسباب في نصرهم على عدوهم واستعادة مجدهم الغابر.
فالواجب علينا جميعا في هذا المجلس وعلى جميع علماء المسلمين أينما كانوا التعاون على البر والتقوى والتواصي بالحق والصبر عليه ،
والتضامن الإسلامي الذي يوجبه الله علينا في قوله سبحانه وتعالى : وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وفي قوله عز وجل : وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خَسِرَ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم : الدين النصيحة الدين النصيحة الدين النصيحة قيل لمن يا رسول الله؟ قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم
فالواجب على المسلمين أينما كانوا التعاون على البر والتقوى والتواصي بالحق ، والتمسك بدين الله الذي جاء به نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم وذلك بالتمسك بالقرآن العظيم والسنة الصحيحة المطهرة وتحكيمهما في كل شيء والرجوع إليهما في كل شيء فهما الطريق للسعادة والسيادة ، وهما الطريق للسلامة في الدنيا والآخرة .
فالواجب على جميع الدول الإسلامية وعلى علماء المسلمين التناصح والتكاتف في هذا الأمر ، وأن يتواصوا به ، وأن يحكموا شريعة الله في عباد الله كما دل على ذلك كتاب الله وسنة محمد صلى الله عليه وسلم .
كلمة لسماحته في افتتاح الدورة الحادية والثلاثين لرابطة العالم السلامي في مكة المكرمة بتاريخ
21 / 7 / 1412 هـ .
=========================================
والواجب على الدول الإسلامية أيضا تشجيع المجاهدين والداعين إلى الله حتى يحققوا ما جاهدوا من أجله في أفغانستان وفي الفلبين وفي كل مكان ، يجب على المسلمين حكومات وشعوبا أن يتعاونوا على البر والتقوى ، وأن يتناصحوا ويهتموا بإخوانهم في حفظ دينهم والاستقامة عليه بكل وسيلة من الوسائل التي شرعها الله لعباده.
والواجب على رؤساء المسلمين وحكوماتهم أن يتقوا الله ويستقيموا على دين الله ، وأن يحكموا شرع الله أينما كانوا في شعوبهم لقول الله عز وجل في كتابه العظيم : فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا
فالواجب على جميع الدول الإسلامية أن يهتموا بهذا الأمر وأن يقوموا به خير قيام.. لأن في ذلك عزهم ونصرهم على عدوهم وسعادتهم في العاجل والآجل ، وعليهم أن ينشئوا المعاهد والجامعات الإسلامية لتخريج العلماء والقضاة الذين يعلمون الناس دينهم ويحكمون بينهم بشرع الله ، وأن يشجعوا الحكام ويعينوهم ويرشدوهم إلى ما فيه سعادتهم ونجاتهم في الدنيا والآخرة ، وأن يرشدوا الناس ويعلموهم شريعة ربهم وأحكام دينهم بكل صبر وإخلاص.. وأن يعينوهم على ذلك حسب الطاقة ، يرجون بذلك ثواب الله ويخشون عقابه سبحانه وتعالى. ولا شك أن في ذلك عزهم وسعادتهم ونجاتهم في الدنيا والآخرة.
والواجب على علماء الإسلام أيضا أينما كانوا أن يدرسوا طلابهم ويفقهوا المسلمين في بلادهم في دين الله ، وأن يعلموهم شريعة الله في المساجد والمدارس وفي جميع الأماكن حسب الطاقة وفي المجالس العامة ، والاحتفالات العامة ، وفي دور العلم حسب الطاقة والإمكان كل واحد يتحرى الفرصة المناسبة والمكان المناسب لتعليم شرع الله وإرشاد الناس إلى دين الله ، وحثهم على القيام بأمر
الله والتمسك بشرع الله والتواصي بالحق والصبر عليه أينما كان.
هذا هو واجب العلماء وهذا هو واجب رؤساء بلاد المسلمين أن يتقوا الله ، وأن يتعاونوا مع علمائهم في تحكيم شرع الله والقيام بأمر الله في كل شيء ، والعامة في ذمة الدول وفي ذمة الرؤساء والعلماء فيجب عليهم أن يتعاونوا في تفقيه الناس وتعليمهم وإرشادهم وحل مشاكلهم على ضوء كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
فلا بد من التواصي بذلك والتعاون فيه حتى يحكم شرع الله وحتى يستقيم المسلمون عليه ، وحتى يدخل الناس في دين الله أفواجا بعد ما خرج منه من خرج جهلا وضلالا ، أو بسبب دعاة الباطل وأعوانهم حتى استجاب له من استجاب عن جهل وقلة بصيرة ، فإذا رجع المسلمون إلى دينهم واستقاموا عليه حصل لهم كل خير وسلموا من كل شر ونصرهم الله على أعدائهم وصارت لهم العاقبة الحميدة في الدنيا والآخرة.
وإني لأرجو من هذه المجالس المجلس التأسيسي للرابطة ، والمجلس الأعلى العالمي للمساجد ، والمجمع الفقهي أن ينفع الله بها المسلمين ، وأن يجعلها سببا لكل خير في جميع الدول الإسلامية وفي جميع مواطن المسلمين في كل مكان ، وتعلمون بحمد الله باليقظة الإسلامية والصحوة الإسلامية في سائر أرجاء الدنيا في أوروبا وأمريكا وآسيا وأفريقيا ، وفي كل مكان نشاط إسلامي وصحوة إسلامية ورغبة في الدين وهذا يبشر بالخير ويحتاج إلى تكاتف وتعاون من رؤساء الدول الإسلامية وعلماء المسلمين ، ومن أغنياء المسلمين حتى يكون الجميع متعاونين على البر والتقوى.
وهكذا يجب على المسلمين في كل مكان : في مصر ، وفي ليبيا ، وفي تونس ، وفي الجزائر ، وفي المغرب ، وفي أمريكا ، وفي أوروبا وفي كل مكان يجب أن يتعاونوا على البر والتقوى وأن يتواصوا بالحق والصبر عليه ، ويجب أن يتفقهوا في الإسلام ويحرصوا على الاستفادة من علمائهم في كل وقت حتى يكونوا على بصيرة في دينهم ، وحتى يؤدوا أعمالهم على الوجه المطلوب الذي يرضيه سبحانه ، وحتى يستقيم أمر الله بينهم ، وحتى يحكموا شرع الله في شئونهم الدينية والدنيوية.
نسأل الله للجميع التوفيق والهداية ونسأله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان ، وأن يفقههم في الدين ، وأن يصلح ولاة أمرهم وقادتهم ، وأن يعينهم على تحكيم شرع الله في بلاد الله والرفق بعباد الله ، وأن يوجهوهم إلى كل خير ، وأن يمنحهم الله الهدى والثبات ، وأن يوفق أغنياء المسلمين لإعانة القائمين بالدعوة إلى الله ومعلمي الناس الخير والبذل في سبيل الله.. ولما في ذلك من إعانتهم على هذه المهمة العظيمة ، كما نسأله سبحانه أن يعين دولنا الإسلامية وأغنياءنا جميعا على مواساة الفقير والإحسان إليه ، والأخذ بيده وتعليمه دينه وإرشاده إلى كل خير إنه جل وعلا جواد كريم ، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان.
رئيس المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي والرئيس العام
لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
========================================
حكمة الداعي وأدب المدعو
الحمد لله رب العالمين ، والعاقبة للمتقين ، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وخليله وأمينه على وحيه نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله ، وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين أما بعد :
فإن التذكير بالله والدعوة إلى سبيله من سنة المرسلين عليهم الصلاة والسلام ، فقد بعثهم الله دعاة للحق وهداة للخلق ، يبشرون وينذرون لإقامة الحجة وقطع المعذرة كما قال جل وعلا : رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وقال جل وعلا : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا وهكذا خلفاؤهم من أهل العلم وورثتهم هذا طريقهم وسبيلهم ، الدعوة إلى الله والتذكير بالله والتبشير للمتقين والإنذار لغيرهم ، فالله سبحانه خلق الخلق لعبادته ، وأرسل الرسل ليبينوا ذلك ويدعوا إليه ، قال تعالى : وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ فالثقلان :
الجن والإنس خلقوا ليعبدوا الله ، وهذه العبادة هي حق الله على عباده المكلفين من جن وإنس ، وقد بعث الله الرسل عليهم الصلاة والسلام ليبينوا هذه العبادة ويدعوا إليها ويشرحوها للناس ، وأنزل الكتب لهذا الأمر ، وأعظمها وأفضلها وأكملها وخاتمها القرآن العظيم ، فيه بيان الهدى وطريق السعادة ، فيه بيان ما يرضي الله ويقرب إليه من أقوال وأعمال ومقاصد ، وبيان ما يغضب الله ويباعد من رحمته كما قال سبحانه : وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ وقال سبحانه : كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ
وقال سبحانه في أول سورة إبراهيم : الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وقال سبحانه في سورة النحل : وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ وقال عز وجل في سورة الحديد : لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ الآية ، والآيات في هذا المعنى كثيرة.
فجدير بكل مؤمن ومؤمنة التدبر لكتاب الله والتعقل لما ذكره الله فيه ، والإكثار من تلاوته لمعرفة ما فيه ، وللعمل بما دل عليه كما قال عز وجل : إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ
وقال سبحانه : قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وقال عز وجل : كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ وقال سبحانه : وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ
فجدير بنا جميعا من الرجال والنساء ، جدير بالعلماء وغير العلماء التدبر لكتاب الله والتعقل له والعناية به لمعرفة الحق وأتباعه ولمعرفة ما يرضي الله ويقرب إليه من قول وعمل حتى نعمل به ، ولمعرفة ما يغضب الله ويباعد من رحمته حتى نتجنبه ، وحتى نقوم بالدعوة إلى الخير وإلى ترك الشر على بصيرة وعلى علم ، والرسل عليهم الصلاة والسلام بعثوا لهذا الأمر كما تقدم قال تعالى : وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ وهكذا الكتب أنزلت لهذا الأمر كما سبق قال سبحانه : كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ وقال جل وعلا : هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ فالكتب المنزلة من السماء كلها تدعوا إلى طاعة الله ورسوله والإيمان به والوقوف عند حدوده ، وهكذا الرسل عليهم الصلاة والسلام كلهم بعثوا لبيان حق الله وإرشاد الناس إلى ذلك من قول وعمل وعقيدة.
فالواجب على أهل الإسلام التفقه في العبادة التي خلقوا
لها وهي توحيد الله ، وطاعة أوامره ، وترك نواهيه ، هذه هي العبادة التي خلقنا لها جميعا ، توحيد الله عز وجل بأفعالنا وبجميع عباداتنا من قول وعمل واعتقاد وطاعة الأوامر وترك النواهي ، أما معنى قوله سبحانه : وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ فالمعنى : يطيعوني بإخلاص العبادة له وحده ، وبفعل الأوامر وترك النواهي والوقوف عند الحدود.
والدعاة إلى الله وعلماء الحق هم خلفاء الرسل ، وهم الورثة للرسل في الدعوة إلى الخير ، وبيان طريق السعادة ليُسلك ، وبيان طريق الشقاء والهلاك ليُجتنب ويُحذر ، وعنوان كلمتي هذه كما سبق هو : (حكمة الداعي وأدب المدعو) وهذا العنوان اختارته التوعية ووافقت عليه ، لأن الحكمة من الداعي إلى الله لها شأن عظيم ، فالداعي يتحرى في دعوته الكلمات المناسبة والأوقات المناسبة ، والأسلوب المناسب ، حتى يكون ذلك أقرب إلى النجاح ، ومن أسماء الله جل وعلا الحكيم العليم لأنه سبحانه يضع الأمور مواضعها عن علم : إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا وهو يعلم الأشياء على ما هي عليه ويضع أفعاله وأحكامه على ما هو اللائق به سبحانه والمناسب لمنفعة العباد وصلاحهم ، فهو الحكيم العليم في قوله وعمله في أمره ونهيه في كل ما يقول ويفعل سبحانه وتعالى.
فالحكيم هو الذي يعلم الأشياء ويضع الأعمال والأقوال مواضعها ، وهذا الوصف على الكمال إنما يصدق على الله عز وجل ، لأنه العالم بكل شيء والحكيم في كل شيء سبحانه وتعالى ، ومن حكمة الداعي أن يكون عنده العلم بما يدعو إليه وما ينهى عنه ، كما قال عز وجل : ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ يعني : بالعلم قال الله وقال رسوله.
ومن حكمة الداعي أن يأتي بالأسلوب المناسب والبيان المناسب ويخاطب كل قوم بما يعقلون ويفهمون ، قال تعالى : قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ يعني على علم ، وقال تعالى : ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ أي بالعلم وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ أي الترغيب والترهيب التي تلين القلوب وتقربها من قبول الحق ، وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ أي بالأسلوب الحسن لا بالعنف والشدة لكن بالتي هي أحسن حتى يقبلوا الحق وحتى ينقادوا له ، وقال تعالى في أهل الكتاب : وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ وهم اليهود والنصارى ، فلا يجوز جدالهم إلا بالتي هي أحسن ، إلا الذين ظلموا منهم فمن ظلم له شأن آخر.
وإذا كان هذا التوجيه من المولى سبحانه في جدال أهل الكتاب فالمسلمون من باب أولى ، وقال عز وجل : فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ
يخاطب النبي عليه الصلاة والسلام بقوله : فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ يعني المدعوين من قريش وغيرهم ، وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ وقال لموسى وهارون عليهما الصلاة والسلام لما بعثهما إلى فرعون : فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى وهذا توجيه من الله سبحانه لرسوليه موسى وهارون لما بعثهما إلى فرعون ، ليتأسى بذلك الدعاة ويتخلقوا به في دعوتهم إلى الله لا سيما مع الرؤساء والعظماء ، ولا سيما في عصرنا هذا ، فإن الحكمة والأسلوب الحسن والرفق من أهم المهمات في كل وقت وفي هذا الوقت بوجه أخص ، لكثرة الجهل وغلبة الهوى على أكثر الخلق ، وبالشدة ينفر منك الناس ويبتعدون عنك ولا يقبل الحق إلا من رحم الله .
وقد ذكر بعض المؤرخين أن أحد الدعاة قابل بعض الحكام من بني العباس فقال له : إني قائل لك ومشدد عليك ، فقال له الخليفة : لا يا أخي ارفق بي فلستُ بشرٍ من فرعون ولستَ خيرًا من موسى ، وقد قال الله لموسى وهارون : فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى والمقصود أن تحري الألفاظ المناسبة للمدعو والمنصوح أولى مع الرفق ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : من يحرم الرفق يحرم الخير كله ويقول عليه الصلاة والسلام : إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه
ثم إن لكل مقام مقالا فالداعي ينظر حاجة المجتمع الذي يتكلم فيه وما فشا فيه من منكرات فيعالج تلك الأمور بالأدلة الشرعية وهي : قال الله وقال رسوله بالأدلة ، ويرفق بمن سأل أو طرح شبهة حتى يوضح له الحق ويجادله بالتي هي أحسن وحتى تزول الشبهة ، إذ المقصود هداية الخلق وإخراجهم من الظلمات إلى النور ، وليس المقصود إظهار علمك ولا توبيخهم وإظهار جهلهم ، وإنما المقصود دعوتهم إلى الخير وهدايتهم إلى الحق وإخراجهم من الظلمات إلى النور.
فالواجب سلوك الطرق والأخذ بالوسائل التي تؤدي إلى هذا الأمر ويرجى منها المنفعة ،
وهكذا المدعو له آداب : منها الإنصات والإقبال على ما يسمع من الدعوة والتذكير ليستفيد ويفهم ، ومنها إخلاص النية ، وأن يكون قاصدا للفائدة وللعلم والمعرفة والعمل ، ومنها حسن السؤال إذا سأل ، هذا كله من أدب المدعو : الإنصات ، والإقبال على الناصح ، والإخلاص في ذلك ، وحسن الرغبة ، وطلب الحق ، والعزم على فعل الخير ، والأخذ بالنصيحة ، قال تعالى : فَبَشِّرْ عِبَادِي الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ وقال سبحانه : وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا وقال سبحانه : وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا
يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ
فالمدعو مشروع له أن يقبل بقلبه وقالبه على الدعوة ، وأن يريد وجه الله والدار الآخرة ، وأن يؤسس بقلبه ونيته قبول الحق والعمل بالحق متى عرفه ومحاربة الهوى والشيطان ، وإن أهم الأمور التي يجب التنبيه عليها دائما هو إخلاص العبادة لله وحده ، وأن يحاسب العبد نفسه حتى تكون أعماله وأقواله لله وحده في جميع تصرفاته في صلاته وفي صومه ودعوته إلى الله وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر إلى غير ذلك فيخلص لله في جميع أعماله ، وأن يكون هدفه طاعة الله ورسوله وإرضاءه سبحانه ، والفوز بكرامته ، وأداء الحق الذي على العبد.
والدعاة إلى الله وعلماء الحق هم خلفاء الرسل ، وهم الورثة للرسل في الدعوة إلى الخير ، وبيان طريق السعادة ليُسلك ، وبيان طريق الشقاء والهلاك ليُجتنب ويُحذر ، وعنوان كلمتي هذه كما سبق هو : (حكمة الداعي وأدب المدعو) وهذا العنوان اختارته التوعية ووافقت عليه ، لأن الحكمة من الداعي إلى الله لها شأن عظيم ، فالداعي يتحرى في دعوته الكلمات المناسبة والأوقات المناسبة ، والأسلوب المناسب ، حتى يكون ذلك أقرب إلى النجاح ، ومن أسماء الله جل وعلا الحكيم العليم لأنه سبحانه يضع الأمور مواضعها عن علم : إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا وهو يعلم الأشياء على ما هي عليه ويضع أفعاله وأحكامه على ما هو اللائق به سبحانه والمناسب لمنفعة العباد وصلاحهم ، فهو الحكيم العليم في قوله وعمله في أمره ونهيه في كل ما يقول ويفعل سبحانه وتعالى.
فالحكيم هو الذي يعلم الأشياء ويضع الأعمال والأقوال مواضعها ، وهذا الوصف على الكمال إنما يصدق على الله عز وجل ، لأنه العالم بكل شيء والحكيم في كل شيء سبحانه وتعالى ، ومن حكمة الداعي أن يكون عنده العلم بما يدعو إليه وما ينهى عنه ، كما قال عز وجل : ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ يعني : بالعلم قال الله وقال رسوله.
ومن حكمة الداعي أن يأتي بالأسلوب المناسب والبيان المناسب ويخاطب كل قوم بما يعقلون ويفهمون ، قال تعالى : قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ يعني على علم ، وقال تعالى : ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ أي بالعلم وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ أي الترغيب والترهيب التي تلين القلوب وتقربها من قبول الحق ، وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ أي بالأسلوب الحسن لا بالعنف والشدة لكن بالتي هي أحسن حتى يقبلوا الحق وحتى ينقادوا له ، وقال تعالى في أهل الكتاب : وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ وهم اليهود والنصارى ، فلا يجوز جدالهم إلا بالتي هي أحسن ، إلا الذين ظلموا منهم فمن ظلم له شأن آخر.
وإذا كان هذا التوجيه من المولى سبحانه في جدال أهل الكتاب فالمسلمون من باب أولى ، وقال عز وجل : فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ
يخاطب النبي عليه الصلاة والسلام بقوله : فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ يعني المدعوين من قريش وغيرهم ، وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ وقال لموسى وهارون عليهما الصلاة والسلام لما بعثهما إلى فرعون : فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى وهذا توجيه من الله سبحانه لرسوليه موسى وهارون لما بعثهما إلى فرعون ، ليتأسى بذلك الدعاة ويتخلقوا به في دعوتهم إلى الله لا سيما مع الرؤساء والعظماء ، ولا سيما في عصرنا هذا ، فإن الحكمة والأسلوب الحسن والرفق من أهم المهمات في كل وقت وفي هذا الوقت بوجه أخص ، لكثرة الجهل وغلبة الهوى على أكثر الخلق ، وبالشدة ينفر منك الناس ويبتعدون عنك ولا يقبل الحق إلا من رحم الله .
وقد ذكر بعض المؤرخين أن أحد الدعاة قابل بعض الحكام من بني العباس فقال له : إني قائل لك ومشدد عليك ، فقال له الخليفة : لا يا أخي ارفق بي فلستُ بشرٍ من فرعون ولستَ خيرًا من موسى ، وقد قال الله لموسى وهارون : فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى والمقصود أن تحري الألفاظ المناسبة للمدعو والمنصوح أولى مع الرفق ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : من يحرم الرفق يحرم الخير كله ويقول عليه الصلاة والسلام : إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه
ثم إن لكل مقام مقالا فالداعي ينظر حاجة المجتمع الذي يتكلم فيه وما فشا فيه من منكرات فيعالج تلك الأمور بالأدلة الشرعية وهي : قال الله وقال رسوله بالأدلة ، ويرفق بمن سأل أو طرح شبهة حتى يوضح له الحق ويجادله بالتي هي أحسن وحتى تزول الشبهة ، إذ المقصود هداية الخلق وإخراجهم من الظلمات إلى النور ، وليس المقصود إظهار علمك ولا توبيخهم وإظهار جهلهم ، وإنما المقصود دعوتهم إلى الخير وهدايتهم إلى الحق وإخراجهم من الظلمات إلى النور.
فالواجب سلوك الطرق والأخذ بالوسائل التي تؤدي إلى هذا الأمر ويرجى منها المنفعة ،
وهكذا المدعو له آداب : منها الإنصات والإقبال على ما يسمع من الدعوة والتذكير ليستفيد ويفهم ، ومنها إخلاص النية ، وأن يكون قاصدا للفائدة وللعلم والمعرفة والعمل ، ومنها حسن السؤال إذا سأل ، هذا كله من أدب المدعو : الإنصات ، والإقبال على الناصح ، والإخلاص في ذلك ، وحسن الرغبة ، وطلب الحق ، والعزم على فعل الخير ، والأخذ بالنصيحة ، قال تعالى : فَبَشِّرْ عِبَادِي الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ وقال سبحانه : وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا وقال سبحانه : وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا
يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ
فالمدعو مشروع له أن يقبل بقلبه وقالبه على الدعوة ، وأن يريد وجه الله والدار الآخرة ، وأن يؤسس بقلبه ونيته قبول الحق والعمل بالحق متى عرفه ومحاربة الهوى والشيطان ، وإن أهم الأمور التي يجب التنبيه عليها دائما هو إخلاص العبادة لله وحده ، وأن يحاسب العبد نفسه حتى تكون أعماله وأقواله لله وحده في جميع تصرفاته في صلاته وفي صومه ودعوته إلى الله وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر إلى غير ذلك فيخلص لله في جميع أعماله ، وأن يكون هدفه طاعة الله ورسوله وإرضاءه سبحانه ، والفوز بكرامته ، وأداء الحق الذي على العبد.
وأساس الدين وأصله توحيد الله والإخلاص له سبحانه كما قال تعالى : وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وقال تعالى : وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وقال سبحانه : فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ والنبي صلى الله عليه وسلم مكث عشر سنين في مكة يدعو الناس إلى توحيد الله والإخلاص له ، وينهاهم عن الشرك بالله ويبين لهم بطلان دعوة الأصنام ودعوة الأنبياء والصالحين ، وأن الواجب إخلاص العبادة لله وحده وهو الذي يدعى ويرجى ، وهو الذي يتقرب إليه بالذبائح
والنذور والصلاة والصوم وغير هذا من أنواع العبادة ، كما قال سبحانه : فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وقال عز وجل : فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ وفي الأحاديث الصحيحة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله يعني حتى يشهدوا بها قولا وعملا واعتقادا فيعتقدون معناهما ويعملون به وذلك بتوحيد الله والإخلاص له وترك الإشراك به سبحانه وتعالى ، ثم يؤدون ما أمروا به من صلاة وصوم وزكاة وغير ذلك ويجتنبون ما نهوا عنه ،
وفي الصحيح من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله
فجميع المكلفين من جن وإنس مأمورون بتوحيد الله والإخلاص له في العبادة ، وأن يصدقوا رسوله عليه الصلاة والسلام ويؤمنوا بما جاء به من الهدى ، وأن يعتقدوا أنه عبد الله ورسوله أرسله الله إلى الناس كافة من الجن والإنس وجعله خاتم الأنبياء ، وأوجب على جميع المكلفين الإيمان به وتصديقه واتباع شريعته عليه الصلاة والسلام.
ثم على كل فرد أن يؤدي الحقوق التي عليه بعد توحيد الله ، والإخلاص له ، وترك الإشراك به ، والإيمان برسوله محمد عليه الصلاة والسلام وبكل ما أخبر به الله ورسوله ، يجب أن تؤدي الحقوق
التي أوجب الله عليك من صلاة وزكاة وصوم وحج وبر الوالدين وصلة الرحم وصدق الحديث وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر والدعوة إلى الله والجهاد في سبيله إلى غير ذلك مع الحذر من كل ما نهى الله عنه ، وأعظم ذلك الشرك بالله فإنه أعظم الذنوب ، وهكذا جميع المعاصي عليك أن تحذرها من العقوق والزنا وشرب المسكر وقطيعة الرحم وأكل الربا إلى غير ذلك مما حرم الله ، فالمؤمن والمؤمنة عليهما الجهاد للنفس حتى يستقيم المؤمن على طاعة الله ورسوله ، وحتى تستقيم المؤمنة على طاعة الله ورسوله في جميع الأحوال في الشدة والرخاء في الليل والنهار في السفر والإقامة وفي كل وقت وفي كل مكان ، كل واحد يجاهد نفسه حتى يستقيم على أمر الله ، وحتى يدع ما حرم الله ، وحتى يقف عند حدود الله.
أصل الكلمة محاضرة ألقاها سماحته في مسجد الفقيه بمكة المكرمة في رجب عام 1412 هـ .
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين والصلاة والسلام على عبده ورسوله وخليله وأمينه على وحيه نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله إمام المجاهدين خير الدعاة أجمعين ، وقائد الغر المحجلين صلى الله عليه وسلم ، وبارك عليه وعلى آله وأصحابه جميعا وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد :
فإني أشكر الله جل وعلا على ما من به من هذا اللقاء بأخوة في الله من علماء المسلمين وقادتهم أعضاء المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي في دورته الحادية والثلاثين وفي رحاب بيت الله العتيق لتدارس شئون المسلمين وقضاياهم ، وبذل المستطاع من الجهود في كل ما ينفع المسلمين ويعينهم على حل مشكلاتهم ، وعلى إقامة دينهم وعلى تمسكهم بما جاء به نبيهم عليه الصلاة والسلام دين الهدى ودين الحق.
وقد سمعنا جميعا كلمة خادم الحرمين الشريفين الطيبة المباركة ، التي شرح فيها - وفقه الله - أحوال المسلمين بعد حادث الخليج من النظام العراقي وما ترتب على ذلك وما حصل بسبب ذلك ، وما
حصل بسبب انحسار الشيوعية وتنفس المسلمين الصعداء بعد ذلك ولا شك أن ما جرى من النظام العراقي من العدوان على دولة الكويت يعتبر جريمة عظيمة ومنكرا عظيما ترتب عليه فساد كبير ، ولكن الله جل وعلا برحمته وإحسانه ردّ كيده في نحره وأذله وقضى على عدوانه وصار بذلك عبرة للمسلمين ورحمة للمؤمنين بأن رد كيد العدو في نحره وهزم جنده ورد المظلومين إلى بلادهم ويسر أمورهم ، فالحمد لله على ذلك ولقد أشار خادم الحرمين في كلمته إلى أمر عظيم وهو أن الواجب على المسلمين التضامن الإسلامي والتكاتف ضد أعدائهم والتمسك بكتاب ربهم وسنة نبيهم عليه الصلاة والسلام..
ولا شك أن هذا هو الطريق لاستعادة مجدهم وإقامة دينهم ونصرهم على أعدائهم فهم إخوة كما وصفهم الله في قوله عز وجل : إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فيجب عليهم أن يتعاونوا على البر والتقوى ، وأن يتناصحوا ، وأن يتواصوا بالحق والصبر عليه ، وأن يبذلوا جهودهم في إقامة شعائر ربهم ونصر دينهم ودحض كيد أعدائهم بكل طريق شرعها الله لإقامة الدين ورد كيد الكائدين.
ولا ريب أن اعتصامهم بحبل الله جميعا وتضامنهم في نصر دينهم أينما كانوا من أعظم الأسباب في نصرهم على عدوهم واستعادة مجدهم الغابر.
فالواجب علينا جميعا في هذا المجلس وعلى جميع علماء المسلمين أينما كانوا التعاون على البر والتقوى والتواصي بالحق والصبر عليه ،
والتضامن الإسلامي الذي يوجبه الله علينا في قوله سبحانه وتعالى : وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وفي قوله عز وجل : وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خَسِرَ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم : الدين النصيحة الدين النصيحة الدين النصيحة قيل لمن يا رسول الله؟ قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم
فالواجب على المسلمين أينما كانوا التعاون على البر والتقوى والتواصي بالحق ، والتمسك بدين الله الذي جاء به نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم وذلك بالتمسك بالقرآن العظيم والسنة الصحيحة المطهرة وتحكيمهما في كل شيء والرجوع إليهما في كل شيء فهما الطريق للسعادة والسيادة ، وهما الطريق للسلامة في الدنيا والآخرة .
فالواجب على جميع الدول الإسلامية وعلى علماء المسلمين التناصح والتكاتف في هذا الأمر ، وأن يتواصوا به ، وأن يحكموا شريعة الله في عباد الله كما دل على ذلك كتاب الله وسنة محمد صلى الله عليه وسلم .
كلمة لسماحته في افتتاح الدورة الحادية والثلاثين لرابطة العالم السلامي في مكة المكرمة بتاريخ
21 / 7 / 1412 هـ .
=========================================
والواجب على الدول الإسلامية أيضا تشجيع المجاهدين والداعين إلى الله حتى يحققوا ما جاهدوا من أجله في أفغانستان وفي الفلبين وفي كل مكان ، يجب على المسلمين حكومات وشعوبا أن يتعاونوا على البر والتقوى ، وأن يتناصحوا ويهتموا بإخوانهم في حفظ دينهم والاستقامة عليه بكل وسيلة من الوسائل التي شرعها الله لعباده.
والواجب على رؤساء المسلمين وحكوماتهم أن يتقوا الله ويستقيموا على دين الله ، وأن يحكموا شرع الله أينما كانوا في شعوبهم لقول الله عز وجل في كتابه العظيم : فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا
فالواجب على جميع الدول الإسلامية أن يهتموا بهذا الأمر وأن يقوموا به خير قيام.. لأن في ذلك عزهم ونصرهم على عدوهم وسعادتهم في العاجل والآجل ، وعليهم أن ينشئوا المعاهد والجامعات الإسلامية لتخريج العلماء والقضاة الذين يعلمون الناس دينهم ويحكمون بينهم بشرع الله ، وأن يشجعوا الحكام ويعينوهم ويرشدوهم إلى ما فيه سعادتهم ونجاتهم في الدنيا والآخرة ، وأن يرشدوا الناس ويعلموهم شريعة ربهم وأحكام دينهم بكل صبر وإخلاص.. وأن يعينوهم على ذلك حسب الطاقة ، يرجون بذلك ثواب الله ويخشون عقابه سبحانه وتعالى. ولا شك أن في ذلك عزهم وسعادتهم ونجاتهم في الدنيا والآخرة.
والواجب على علماء الإسلام أيضا أينما كانوا أن يدرسوا طلابهم ويفقهوا المسلمين في بلادهم في دين الله ، وأن يعلموهم شريعة الله في المساجد والمدارس وفي جميع الأماكن حسب الطاقة وفي المجالس العامة ، والاحتفالات العامة ، وفي دور العلم حسب الطاقة والإمكان كل واحد يتحرى الفرصة المناسبة والمكان المناسب لتعليم شرع الله وإرشاد الناس إلى دين الله ، وحثهم على القيام بأمر
الله والتمسك بشرع الله والتواصي بالحق والصبر عليه أينما كان.
هذا هو واجب العلماء وهذا هو واجب رؤساء بلاد المسلمين أن يتقوا الله ، وأن يتعاونوا مع علمائهم في تحكيم شرع الله والقيام بأمر الله في كل شيء ، والعامة في ذمة الدول وفي ذمة الرؤساء والعلماء فيجب عليهم أن يتعاونوا في تفقيه الناس وتعليمهم وإرشادهم وحل مشاكلهم على ضوء كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
فلا بد من التواصي بذلك والتعاون فيه حتى يحكم شرع الله وحتى يستقيم المسلمون عليه ، وحتى يدخل الناس في دين الله أفواجا بعد ما خرج منه من خرج جهلا وضلالا ، أو بسبب دعاة الباطل وأعوانهم حتى استجاب له من استجاب عن جهل وقلة بصيرة ، فإذا رجع المسلمون إلى دينهم واستقاموا عليه حصل لهم كل خير وسلموا من كل شر ونصرهم الله على أعدائهم وصارت لهم العاقبة الحميدة في الدنيا والآخرة.
وإني لأرجو من هذه المجالس المجلس التأسيسي للرابطة ، والمجلس الأعلى العالمي للمساجد ، والمجمع الفقهي أن ينفع الله بها المسلمين ، وأن يجعلها سببا لكل خير في جميع الدول الإسلامية وفي جميع مواطن المسلمين في كل مكان ، وتعلمون بحمد الله باليقظة الإسلامية والصحوة الإسلامية في سائر أرجاء الدنيا في أوروبا وأمريكا وآسيا وأفريقيا ، وفي كل مكان نشاط إسلامي وصحوة إسلامية ورغبة في الدين وهذا يبشر بالخير ويحتاج إلى تكاتف وتعاون من رؤساء الدول الإسلامية وعلماء المسلمين ، ومن أغنياء المسلمين حتى يكون الجميع متعاونين على البر والتقوى.
وهكذا يجب على المسلمين في كل مكان : في مصر ، وفي ليبيا ، وفي تونس ، وفي الجزائر ، وفي المغرب ، وفي أمريكا ، وفي أوروبا وفي كل مكان يجب أن يتعاونوا على البر والتقوى وأن يتواصوا بالحق والصبر عليه ، ويجب أن يتفقهوا في الإسلام ويحرصوا على الاستفادة من علمائهم في كل وقت حتى يكونوا على بصيرة في دينهم ، وحتى يؤدوا أعمالهم على الوجه المطلوب الذي يرضيه سبحانه ، وحتى يستقيم أمر الله بينهم ، وحتى يحكموا شرع الله في شئونهم الدينية والدنيوية.
نسأل الله للجميع التوفيق والهداية ونسأله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان ، وأن يفقههم في الدين ، وأن يصلح ولاة أمرهم وقادتهم ، وأن يعينهم على تحكيم شرع الله في بلاد الله والرفق بعباد الله ، وأن يوجهوهم إلى كل خير ، وأن يمنحهم الله الهدى والثبات ، وأن يوفق أغنياء المسلمين لإعانة القائمين بالدعوة إلى الله ومعلمي الناس الخير والبذل في سبيل الله.. ولما في ذلك من إعانتهم على هذه المهمة العظيمة ، كما نسأله سبحانه أن يعين دولنا الإسلامية وأغنياءنا جميعا على مواساة الفقير والإحسان إليه ، والأخذ بيده وتعليمه دينه وإرشاده إلى كل خير إنه جل وعلا جواد كريم ، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان.
رئيس المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي والرئيس العام
لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
========================================
حكمة الداعي وأدب المدعو
الحمد لله رب العالمين ، والعاقبة للمتقين ، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وخليله وأمينه على وحيه نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله ، وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين أما بعد :
فإن التذكير بالله والدعوة إلى سبيله من سنة المرسلين عليهم الصلاة والسلام ، فقد بعثهم الله دعاة للحق وهداة للخلق ، يبشرون وينذرون لإقامة الحجة وقطع المعذرة كما قال جل وعلا : رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وقال جل وعلا : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا وهكذا خلفاؤهم من أهل العلم وورثتهم هذا طريقهم وسبيلهم ، الدعوة إلى الله والتذكير بالله والتبشير للمتقين والإنذار لغيرهم ، فالله سبحانه خلق الخلق لعبادته ، وأرسل الرسل ليبينوا ذلك ويدعوا إليه ، قال تعالى : وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ فالثقلان :
الجن والإنس خلقوا ليعبدوا الله ، وهذه العبادة هي حق الله على عباده المكلفين من جن وإنس ، وقد بعث الله الرسل عليهم الصلاة والسلام ليبينوا هذه العبادة ويدعوا إليها ويشرحوها للناس ، وأنزل الكتب لهذا الأمر ، وأعظمها وأفضلها وأكملها وخاتمها القرآن العظيم ، فيه بيان الهدى وطريق السعادة ، فيه بيان ما يرضي الله ويقرب إليه من أقوال وأعمال ومقاصد ، وبيان ما يغضب الله ويباعد من رحمته كما قال سبحانه : وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ وقال سبحانه : كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ
وقال سبحانه في أول سورة إبراهيم : الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وقال سبحانه في سورة النحل : وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ وقال عز وجل في سورة الحديد : لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ الآية ، والآيات في هذا المعنى كثيرة.
فجدير بكل مؤمن ومؤمنة التدبر لكتاب الله والتعقل لما ذكره الله فيه ، والإكثار من تلاوته لمعرفة ما فيه ، وللعمل بما دل عليه كما قال عز وجل : إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ
وقال سبحانه : قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وقال عز وجل : كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ وقال سبحانه : وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ
فجدير بنا جميعا من الرجال والنساء ، جدير بالعلماء وغير العلماء التدبر لكتاب الله والتعقل له والعناية به لمعرفة الحق وأتباعه ولمعرفة ما يرضي الله ويقرب إليه من قول وعمل حتى نعمل به ، ولمعرفة ما يغضب الله ويباعد من رحمته حتى نتجنبه ، وحتى نقوم بالدعوة إلى الخير وإلى ترك الشر على بصيرة وعلى علم ، والرسل عليهم الصلاة والسلام بعثوا لهذا الأمر كما تقدم قال تعالى : وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ وهكذا الكتب أنزلت لهذا الأمر كما سبق قال سبحانه : كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ وقال جل وعلا : هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ فالكتب المنزلة من السماء كلها تدعوا إلى طاعة الله ورسوله والإيمان به والوقوف عند حدوده ، وهكذا الرسل عليهم الصلاة والسلام كلهم بعثوا لبيان حق الله وإرشاد الناس إلى ذلك من قول وعمل وعقيدة.
فالواجب على أهل الإسلام التفقه في العبادة التي خلقوا
لها وهي توحيد الله ، وطاعة أوامره ، وترك نواهيه ، هذه هي العبادة التي خلقنا لها جميعا ، توحيد الله عز وجل بأفعالنا وبجميع عباداتنا من قول وعمل واعتقاد وطاعة الأوامر وترك النواهي ، أما معنى قوله سبحانه : وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ فالمعنى : يطيعوني بإخلاص العبادة له وحده ، وبفعل الأوامر وترك النواهي والوقوف عند الحدود.
والدعاة إلى الله وعلماء الحق هم خلفاء الرسل ، وهم الورثة للرسل في الدعوة إلى الخير ، وبيان طريق السعادة ليُسلك ، وبيان طريق الشقاء والهلاك ليُجتنب ويُحذر ، وعنوان كلمتي هذه كما سبق هو : (حكمة الداعي وأدب المدعو) وهذا العنوان اختارته التوعية ووافقت عليه ، لأن الحكمة من الداعي إلى الله لها شأن عظيم ، فالداعي يتحرى في دعوته الكلمات المناسبة والأوقات المناسبة ، والأسلوب المناسب ، حتى يكون ذلك أقرب إلى النجاح ، ومن أسماء الله جل وعلا الحكيم العليم لأنه سبحانه يضع الأمور مواضعها عن علم : إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا وهو يعلم الأشياء على ما هي عليه ويضع أفعاله وأحكامه على ما هو اللائق به سبحانه والمناسب لمنفعة العباد وصلاحهم ، فهو الحكيم العليم في قوله وعمله في أمره ونهيه في كل ما يقول ويفعل سبحانه وتعالى.
فالحكيم هو الذي يعلم الأشياء ويضع الأعمال والأقوال مواضعها ، وهذا الوصف على الكمال إنما يصدق على الله عز وجل ، لأنه العالم بكل شيء والحكيم في كل شيء سبحانه وتعالى ، ومن حكمة الداعي أن يكون عنده العلم بما يدعو إليه وما ينهى عنه ، كما قال عز وجل : ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ يعني : بالعلم قال الله وقال رسوله.
ومن حكمة الداعي أن يأتي بالأسلوب المناسب والبيان المناسب ويخاطب كل قوم بما يعقلون ويفهمون ، قال تعالى : قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ يعني على علم ، وقال تعالى : ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ أي بالعلم وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ أي الترغيب والترهيب التي تلين القلوب وتقربها من قبول الحق ، وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ أي بالأسلوب الحسن لا بالعنف والشدة لكن بالتي هي أحسن حتى يقبلوا الحق وحتى ينقادوا له ، وقال تعالى في أهل الكتاب : وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ وهم اليهود والنصارى ، فلا يجوز جدالهم إلا بالتي هي أحسن ، إلا الذين ظلموا منهم فمن ظلم له شأن آخر.
وإذا كان هذا التوجيه من المولى سبحانه في جدال أهل الكتاب فالمسلمون من باب أولى ، وقال عز وجل : فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ
يخاطب النبي عليه الصلاة والسلام بقوله : فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ يعني المدعوين من قريش وغيرهم ، وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ وقال لموسى وهارون عليهما الصلاة والسلام لما بعثهما إلى فرعون : فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى وهذا توجيه من الله سبحانه لرسوليه موسى وهارون لما بعثهما إلى فرعون ، ليتأسى بذلك الدعاة ويتخلقوا به في دعوتهم إلى الله لا سيما مع الرؤساء والعظماء ، ولا سيما في عصرنا هذا ، فإن الحكمة والأسلوب الحسن والرفق من أهم المهمات في كل وقت وفي هذا الوقت بوجه أخص ، لكثرة الجهل وغلبة الهوى على أكثر الخلق ، وبالشدة ينفر منك الناس ويبتعدون عنك ولا يقبل الحق إلا من رحم الله .
وقد ذكر بعض المؤرخين أن أحد الدعاة قابل بعض الحكام من بني العباس فقال له : إني قائل لك ومشدد عليك ، فقال له الخليفة : لا يا أخي ارفق بي فلستُ بشرٍ من فرعون ولستَ خيرًا من موسى ، وقد قال الله لموسى وهارون : فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى والمقصود أن تحري الألفاظ المناسبة للمدعو والمنصوح أولى مع الرفق ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : من يحرم الرفق يحرم الخير كله ويقول عليه الصلاة والسلام : إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه
ثم إن لكل مقام مقالا فالداعي ينظر حاجة المجتمع الذي يتكلم فيه وما فشا فيه من منكرات فيعالج تلك الأمور بالأدلة الشرعية وهي : قال الله وقال رسوله بالأدلة ، ويرفق بمن سأل أو طرح شبهة حتى يوضح له الحق ويجادله بالتي هي أحسن وحتى تزول الشبهة ، إذ المقصود هداية الخلق وإخراجهم من الظلمات إلى النور ، وليس المقصود إظهار علمك ولا توبيخهم وإظهار جهلهم ، وإنما المقصود دعوتهم إلى الخير وهدايتهم إلى الحق وإخراجهم من الظلمات إلى النور.
فالواجب سلوك الطرق والأخذ بالوسائل التي تؤدي إلى هذا الأمر ويرجى منها المنفعة ،
وهكذا المدعو له آداب : منها الإنصات والإقبال على ما يسمع من الدعوة والتذكير ليستفيد ويفهم ، ومنها إخلاص النية ، وأن يكون قاصدا للفائدة وللعلم والمعرفة والعمل ، ومنها حسن السؤال إذا سأل ، هذا كله من أدب المدعو : الإنصات ، والإقبال على الناصح ، والإخلاص في ذلك ، وحسن الرغبة ، وطلب الحق ، والعزم على فعل الخير ، والأخذ بالنصيحة ، قال تعالى : فَبَشِّرْ عِبَادِي الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ وقال سبحانه : وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا وقال سبحانه : وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا
يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ
فالمدعو مشروع له أن يقبل بقلبه وقالبه على الدعوة ، وأن يريد وجه الله والدار الآخرة ، وأن يؤسس بقلبه ونيته قبول الحق والعمل بالحق متى عرفه ومحاربة الهوى والشيطان ، وإن أهم الأمور التي يجب التنبيه عليها دائما هو إخلاص العبادة لله وحده ، وأن يحاسب العبد نفسه حتى تكون أعماله وأقواله لله وحده في جميع تصرفاته في صلاته وفي صومه ودعوته إلى الله وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر إلى غير ذلك فيخلص لله في جميع أعماله ، وأن يكون هدفه طاعة الله ورسوله وإرضاءه سبحانه ، والفوز بكرامته ، وأداء الحق الذي على العبد.
والدعاة إلى الله وعلماء الحق هم خلفاء الرسل ، وهم الورثة للرسل في الدعوة إلى الخير ، وبيان طريق السعادة ليُسلك ، وبيان طريق الشقاء والهلاك ليُجتنب ويُحذر ، وعنوان كلمتي هذه كما سبق هو : (حكمة الداعي وأدب المدعو) وهذا العنوان اختارته التوعية ووافقت عليه ، لأن الحكمة من الداعي إلى الله لها شأن عظيم ، فالداعي يتحرى في دعوته الكلمات المناسبة والأوقات المناسبة ، والأسلوب المناسب ، حتى يكون ذلك أقرب إلى النجاح ، ومن أسماء الله جل وعلا الحكيم العليم لأنه سبحانه يضع الأمور مواضعها عن علم : إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا وهو يعلم الأشياء على ما هي عليه ويضع أفعاله وأحكامه على ما هو اللائق به سبحانه والمناسب لمنفعة العباد وصلاحهم ، فهو الحكيم العليم في قوله وعمله في أمره ونهيه في كل ما يقول ويفعل سبحانه وتعالى.
فالحكيم هو الذي يعلم الأشياء ويضع الأعمال والأقوال مواضعها ، وهذا الوصف على الكمال إنما يصدق على الله عز وجل ، لأنه العالم بكل شيء والحكيم في كل شيء سبحانه وتعالى ، ومن حكمة الداعي أن يكون عنده العلم بما يدعو إليه وما ينهى عنه ، كما قال عز وجل : ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ يعني : بالعلم قال الله وقال رسوله.
ومن حكمة الداعي أن يأتي بالأسلوب المناسب والبيان المناسب ويخاطب كل قوم بما يعقلون ويفهمون ، قال تعالى : قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ يعني على علم ، وقال تعالى : ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ أي بالعلم وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ أي الترغيب والترهيب التي تلين القلوب وتقربها من قبول الحق ، وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ أي بالأسلوب الحسن لا بالعنف والشدة لكن بالتي هي أحسن حتى يقبلوا الحق وحتى ينقادوا له ، وقال تعالى في أهل الكتاب : وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ وهم اليهود والنصارى ، فلا يجوز جدالهم إلا بالتي هي أحسن ، إلا الذين ظلموا منهم فمن ظلم له شأن آخر.
وإذا كان هذا التوجيه من المولى سبحانه في جدال أهل الكتاب فالمسلمون من باب أولى ، وقال عز وجل : فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ
يخاطب النبي عليه الصلاة والسلام بقوله : فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ يعني المدعوين من قريش وغيرهم ، وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ وقال لموسى وهارون عليهما الصلاة والسلام لما بعثهما إلى فرعون : فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى وهذا توجيه من الله سبحانه لرسوليه موسى وهارون لما بعثهما إلى فرعون ، ليتأسى بذلك الدعاة ويتخلقوا به في دعوتهم إلى الله لا سيما مع الرؤساء والعظماء ، ولا سيما في عصرنا هذا ، فإن الحكمة والأسلوب الحسن والرفق من أهم المهمات في كل وقت وفي هذا الوقت بوجه أخص ، لكثرة الجهل وغلبة الهوى على أكثر الخلق ، وبالشدة ينفر منك الناس ويبتعدون عنك ولا يقبل الحق إلا من رحم الله .
وقد ذكر بعض المؤرخين أن أحد الدعاة قابل بعض الحكام من بني العباس فقال له : إني قائل لك ومشدد عليك ، فقال له الخليفة : لا يا أخي ارفق بي فلستُ بشرٍ من فرعون ولستَ خيرًا من موسى ، وقد قال الله لموسى وهارون : فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى والمقصود أن تحري الألفاظ المناسبة للمدعو والمنصوح أولى مع الرفق ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : من يحرم الرفق يحرم الخير كله ويقول عليه الصلاة والسلام : إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه
ثم إن لكل مقام مقالا فالداعي ينظر حاجة المجتمع الذي يتكلم فيه وما فشا فيه من منكرات فيعالج تلك الأمور بالأدلة الشرعية وهي : قال الله وقال رسوله بالأدلة ، ويرفق بمن سأل أو طرح شبهة حتى يوضح له الحق ويجادله بالتي هي أحسن وحتى تزول الشبهة ، إذ المقصود هداية الخلق وإخراجهم من الظلمات إلى النور ، وليس المقصود إظهار علمك ولا توبيخهم وإظهار جهلهم ، وإنما المقصود دعوتهم إلى الخير وهدايتهم إلى الحق وإخراجهم من الظلمات إلى النور.
فالواجب سلوك الطرق والأخذ بالوسائل التي تؤدي إلى هذا الأمر ويرجى منها المنفعة ،
وهكذا المدعو له آداب : منها الإنصات والإقبال على ما يسمع من الدعوة والتذكير ليستفيد ويفهم ، ومنها إخلاص النية ، وأن يكون قاصدا للفائدة وللعلم والمعرفة والعمل ، ومنها حسن السؤال إذا سأل ، هذا كله من أدب المدعو : الإنصات ، والإقبال على الناصح ، والإخلاص في ذلك ، وحسن الرغبة ، وطلب الحق ، والعزم على فعل الخير ، والأخذ بالنصيحة ، قال تعالى : فَبَشِّرْ عِبَادِي الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ وقال سبحانه : وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا وقال سبحانه : وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا
يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ
فالمدعو مشروع له أن يقبل بقلبه وقالبه على الدعوة ، وأن يريد وجه الله والدار الآخرة ، وأن يؤسس بقلبه ونيته قبول الحق والعمل بالحق متى عرفه ومحاربة الهوى والشيطان ، وإن أهم الأمور التي يجب التنبيه عليها دائما هو إخلاص العبادة لله وحده ، وأن يحاسب العبد نفسه حتى تكون أعماله وأقواله لله وحده في جميع تصرفاته في صلاته وفي صومه ودعوته إلى الله وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر إلى غير ذلك فيخلص لله في جميع أعماله ، وأن يكون هدفه طاعة الله ورسوله وإرضاءه سبحانه ، والفوز بكرامته ، وأداء الحق الذي على العبد.
وأساس الدين وأصله توحيد الله والإخلاص له سبحانه كما قال تعالى : وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وقال تعالى : وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وقال سبحانه : فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ والنبي صلى الله عليه وسلم مكث عشر سنين في مكة يدعو الناس إلى توحيد الله والإخلاص له ، وينهاهم عن الشرك بالله ويبين لهم بطلان دعوة الأصنام ودعوة الأنبياء والصالحين ، وأن الواجب إخلاص العبادة لله وحده وهو الذي يدعى ويرجى ، وهو الذي يتقرب إليه بالذبائح
والنذور والصلاة والصوم وغير هذا من أنواع العبادة ، كما قال سبحانه : فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وقال عز وجل : فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ وفي الأحاديث الصحيحة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله يعني حتى يشهدوا بها قولا وعملا واعتقادا فيعتقدون معناهما ويعملون به وذلك بتوحيد الله والإخلاص له وترك الإشراك به سبحانه وتعالى ، ثم يؤدون ما أمروا به من صلاة وصوم وزكاة وغير ذلك ويجتنبون ما نهوا عنه ،
وفي الصحيح من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله
فجميع المكلفين من جن وإنس مأمورون بتوحيد الله والإخلاص له في العبادة ، وأن يصدقوا رسوله عليه الصلاة والسلام ويؤمنوا بما جاء به من الهدى ، وأن يعتقدوا أنه عبد الله ورسوله أرسله الله إلى الناس كافة من الجن والإنس وجعله خاتم الأنبياء ، وأوجب على جميع المكلفين الإيمان به وتصديقه واتباع شريعته عليه الصلاة والسلام.
ثم على كل فرد أن يؤدي الحقوق التي عليه بعد توحيد الله ، والإخلاص له ، وترك الإشراك به ، والإيمان برسوله محمد عليه الصلاة والسلام وبكل ما أخبر به الله ورسوله ، يجب أن تؤدي الحقوق
التي أوجب الله عليك من صلاة وزكاة وصوم وحج وبر الوالدين وصلة الرحم وصدق الحديث وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر والدعوة إلى الله والجهاد في سبيله إلى غير ذلك مع الحذر من كل ما نهى الله عنه ، وأعظم ذلك الشرك بالله فإنه أعظم الذنوب ، وهكذا جميع المعاصي عليك أن تحذرها من العقوق والزنا وشرب المسكر وقطيعة الرحم وأكل الربا إلى غير ذلك مما حرم الله ، فالمؤمن والمؤمنة عليهما الجهاد للنفس حتى يستقيم المؤمن على طاعة الله ورسوله ، وحتى تستقيم المؤمنة على طاعة الله ورسوله في جميع الأحوال في الشدة والرخاء في الليل والنهار في السفر والإقامة وفي كل وقت وفي كل مكان ، كل واحد يجاهد نفسه حتى يستقيم على أمر الله ، وحتى يدع ما حرم الله ، وحتى يقف عند حدود الله.
أصل الكلمة محاضرة ألقاها سماحته في مسجد الفقيه بمكة المكرمة في رجب عام 1412 هـ .