احمد العـتيبي
31-Mar-2013, 11:49 AM
الفتح الإسلامي الثاني لمدينة الإنتاج الإعلامي
سليم عزوز*
2013-03-29
عندما دعا الداعي إلى القيام بغزوة جديدة على مدينة الإنتاج الإعلامي في مصر، قلت إن القوم اعدوا للأمر عدته هذه المرة، فعلى الرغم من الحشود الغفيرة في المرة الأولى، على نحو ظننت معه أننا في 'قريش'، فان القوم لم يكونوا جاهزين لعملية الفتح، فغادروا بحجة المشاركة في تأمين عملية الاستفتاء على الدستور، ووعدوا بالعودة وإطلاق اسم مدينة الإنتاج الإسلامي عليها، وقد يطلقون على رئيس المدينة الحالي لقب 'حنظلة'!
في المرة الأولى كان الشيخ حازم أبو إسماعيل هو قائد الجنود، والشيخ حازم كان قد سبق له أن تحدث في مؤتمر عن دوره التاريخي في معارضة حكم حسني مبارك، وقال إن موقفه منه بدأ في سنة 1987 ولم يتغير، وهو موقف لم أسمع به شخصياً، اللهم إلا إذا كانت روح الوالد قد حلت في جسد الابن، ففي هذا العام سمعت صوت الشيخ صلاح أبو إسماعيل مجلجلاً وهو يقول انه يحجب ثقته عن حسني مبارك لخمسة أسباب، لا تتسع المساحة لسردها، وفي قضية 'الناجون من النار' التي كانت في نفس العام تقريباً أفتى في شهادته أن حسني مبارك كافر، 'خبط لزق'، وبعد هذا بأيام كنت في زيارته بمنزله بالدقي، وقد شاهدت قوات أمن تسد عين الشمس فلما سألت الشيخ عن سبب وجودها، قال بروح فكاهية كان يتمتع بها: 'لقد كفّرت مبارك في المحكمة، فجاء ليكفِّرني في الدقي'.
وقد وقفت على أن سبب الزيارة راجع إلى أن المخلوع جاء ليفتتح 'سنترال الدقي' قبل موضة فتح 'الكباري'، وآخر عمل له، هو افتتاحه لامتدادات 'كوبري' صفط اللبن، وبعد هذا قامت الثورة، مما يؤكد على أن هذا 'الكوبري' مبارك، يجب على 'العوانس' أن يتطوفن به، ليأتي ابن الحلال على حصان أبيض، ولا بأس فالانجاز التاريخي الذي قام به الرئيس محمد مرسي في زيارته الأخيرة لمحافظة سوهاج، مسقط رأسي، أنه افتتح مصنعاً للمكرونة، قيل أن مبارك قام بافتتاحه عندما زار سوهاج من قبل، ويبدو أن هناك أهمية كبرى لأكلة المكرونة ونحن لا ندري، ومن قبل كان الأخ العقيد معمر القذافي يتحدث عن ضرورة أن يأكل الليبيون مما ينتجون، فهتف احدهم مطالباً بأن يزرعوا المكرونة في الأراضي الليبية، وصرخ فيه القذافي: 'قعمز'.. أي اجلس!
للتاريخ، فالموقف المعارض وبشجاعة في سنة 1987، كان للشيخ أبو إسماعيل الأب، وربما يكون للابن موقفاً يومها لم يتغير إلى الآن، لكن عذري أن العتب على السمع، وربما كان الشيخ الابن يجلس عن يميني وقتها هو يعلن موقفه ضد مبارك، ودرجات السمع في أذني اليمنى في ادنى المعدلات، فصفعة واحدة وأخيرة من يد الوالد وأنا صغير أطاحت بحاسة السمع بها، لذا فان من يرى طلعتي البهية عبر الفضائيات سيفاجأ بأن السماعة في كل مرة تكون موضوعة في أذني اليسرى.
الشيخ حازم ظهر على قناة 'الرحمة'، وهي قناة سلفية مملوكة للشيخ محمد حسان، وقد ظهرت فيها ضيفاً في برنامج سياسي يقدمه زميلنا إيهاب نافع، فكان قرار الإدارة في اليوم التالي هو وقف البرامج السياسية، ليس احتجاجاً على ما قلت ولكن لأن لي قدما مباركة، ما أن تحط في قناة تلفزيونية حتى يصبح عاليها سافلها، وفي أول زيارة لقناة 'الناس' قبل الثورة، أغلقت كل المحطات التلفزيونية السلفية بقرار من مباحث امن الدولة.. فأنا مبارك يا شباب، وفي هذه الأيام أبذل جهداً خارقاً بالتركيز على التلفزيون الرسمي.
من الداعي؟
حازم 'الألقاب محفوظة كما المقامات' خرج علينا عبر قناة 'الرحمة' وفي برنامج 'مع الشباب'، وقال إنه لا يعرف من الداعي إلى غزوة مدينة الإنتاج الإعلامي في المرة الثانية، وهو تساؤل جاء متأخراً، وفي لحظة كان فيها الغزاة يلملمون أشياءهم استعداداً للرحيل، وأعلم أن الشيخ لم يدع هذه المرة، فالدعوة بدأت على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن مثل هذا البيان كان المفروض أن يذيعه وقتها، واعتقد أن من شدوا الرحال إلى هناك، كانوا يظنون أنه الداعي، لاسيما وأنه عندما غادر في المرة الأولى، وعد بالعودة لاستكمال الفتح الإسلامي لمدينة الإنتاج الإعلامي، لكن يبدو أنه سيختفي لنكون في انتظاره، على قاعدة: عودة الإمام الغائب، ليكن لكل مذهب إمامه الغائب، للشيعة إمامهم وللسنة الشيخ حازم أبو إسماعيل، فيأتي فاتحاً لما استعصى على الفتح.
تابعت الدعوة للفتح الثاني عبر 'الفيس بوك'، وقد كان هذا بعد ما جرى يوم الجمعة قبل الماضي أمام المقر العام لجماعة الإخوان المسلمين، من قتل، وسحل، وأسر، كان يتم على الهوية، عندما اختلطت أصوات الثورة، بالثورة المضادة، فما جرى هناك ليس إلا واحدة من تجليات هذه الثورة المضادة، وقد مثل وجود المنتمين للقوى المدنية المعارضة، غطاءً ثورياً، لهذه الأعمال التي لا علاقة لها من قريب أو من بعيد بالثورة المصرية، التي أفرطت في سلميتها، حتى أصبحت السلمية عنوانها.. فمن هؤلاء القتلة الذين أشهروا أسلحتهم تحت راية الثورة؟!
لقد عشنا كابوساً، كان سبباً في سيطرة الإحباط علينا، ونحن نشاهد حالة السعادة بادية على الوجوه بما جرى، فلم تؤثر مشاهد السحل والقتل في الجميع، وكان أن قرأت لناشطة سياسية على 'تويتر' تلفت الانتباه إلى المكان الذي توجد فيه الحافلات التي نقلت الإخوان إلى مقرهم، وقد تم إضرام النيران في كثير منها، ويبدو أن هناك جهات خارجية تقيم أهمية الناشط أو الناشطة من هؤلاء بقدر مساهمته في الفوضى الخلاقة التي بشرت بها كونداليزا رايس.
الذين اظهروا السعادة لكل ما جرى من إجرام، استنكروا العنف الذي يقوم به هؤلاء الإسلاميون الداعون إلى حصار مدينة الإنتاج الإعلامي، وفي مصر تعد المواقف المبدئية شبيهة بالغول، والعنقاء، والخل الوفي، فمن يرفض العنف هو من يؤيده، ومن يدافع عن الديمقراطية هو من لديه استعداد فطري للكفر بها. ومن لم يدن عنف موقعة المقطم ليس له أن يدين حصار مدينة الإنتاج، وأنا - والعياذ بالله من قولة أنا - أدنت هؤلاء وهؤلاء، ومنذ الغزوة الأولى، ومعلوم أن المدينة استعصت على الفتح الإسلامي حينئذ.
الاتهام بالتواطؤ
القوم الذين دعوا لحصار مدينة الإنتاج الإعلامي، ونفروا إليها خماصاً وبطاناً، كان قرارهم بعد الذي جرى في المقطم، وهم يتهمون الفضائيات التي تبث من هناك بالتواطؤ، لأنها لم تنقل للمشاهد صور القتل، والسحل، والحرق، وقد شاهدنا صورة الشاب الإخواني الذي يتم إشعال النيران فيه، فلم يستنفر هذا ذرات الإنسانية المتناثرة في قلوب كثير من المنتمين إلى القوى المدنية، فقد قست قلوبهم حتى أصبحت كالحجارة بل أشد قسوة.
في الواقع أن القوم لا يقصدون كل الفضائيات، فهم يقصدون فضائيات بعينها، كان لنا فيها رأي منذ الثورة، وكنت أعتبرها جزءا من أداء الثورة المضادة، وتقوم على عملية شيطنة الثوار، لكنها الآن تصب كل هجومها على الرئيس مرسي، وعلى أهله وعشيرته، ومرسي لم يخرج بعد من حكم الأهل والعشيرة، ويقف على أنه يحكم جمهورية مصر العربية، والله نسأل أن يكتشف هذا في يوم ما، لأنه سيكون اكتشافاً مذهلاً وأكثر أهمية من اكتشاف الأخ صاحب: 'وجدتها.. وجدتها'، على وزن ما جاء في أغنية أم كلثوم أبوس القدم: 'أبو الوفا.. أبو الوفا'.
هناك نصيحة توجه لي من أصدقاء الميدان بأنه عندما يتفق كائن من كان مع موقفك، فلابد أن تستقبل وقوفه معك بترحاب، وتنسى ما سبق، بل وتتجاهل دوافعه، والمعنى أنه ما دامت الثورة المضادة تقف على ذات الأرضية التي أقف عليها من الخصومة مع الإخوان فلابد أن تتشابك الأيدي، وهي صيغة ليست مقبولة عندي، فهم يريدون أن يؤذون قولوني العصبي، بتقبل لميس الحديدي، والتجاوز عن أنها كانت مسؤولة الدعاية بحملة المخلوع ابن المخلوعة، لمجرد أنها تهاجم الإخوان، وأقبل بالتالي حملة تدشينها زعيمة للثورة، وقد سمعتها وهي تصرخ: إنها ثورة قمنا بها بدمنا.. 'دم من يا طنط'؟!.
أنا، وقد أسرفت اليوم في ترديد كلمة أنا يبدو أنني بوفاة شبيهي شافيز شعرت ان الطريق أمامي للزعامة صار ممهدا؛ فأنا بمقدوري أن ارفض الإخوان، ولميس الحديدي وأخواتها، في نفَس واحد، فأرض الله واسعة، وما الذي يحشرني في 'حجرة الفئران'، لكي أقف مع الثورة المضادة في مواجهة أهل الحكم، ما دام بإمكاني أن ارفض القوم، وأنا أقف في ميدان فسيح؟!
التركيز الإعلامي
الذين ذهبوا إلى مدينة الإنتاج الإعلامي في الغزوة الأخيرة لم يتجاوز عددهم المئة والخمسين فرداً، كان يمكن أن يذوبوا في مساحة المدينة الشاسعة، لأنها بنيت في الصحراء، لكن التركيز الإعلامي جعل من يقرأ عنهم يظن أنهم بالآلاف، وان كانوا في هذه المرة قاموا بالتصدي للإعلاميين وضيوفهم ومنعوا بعضهم من دخول المدينة، وقيل أنهم حاولوا الاعتداء على ريهام السهلي مذيعة قناة 'المحور'، واجزم أنهم لا يعرفونها، فقط هم رأوا امرأة بيضاء، شعرها أصفر، وترتدي ملابس الفرنجة، فهبوا هبة رجل واحدة: إلى الجهاد.. إلى الجهاد، لأنهم وجدوا واحدة هي بحكم الشكل لابد وان تكون ضد المشروع الإسلامي.
'المحور' من بابها لا تعادي القوم، وصاحبها انتقل انتقالاً آمناً من حجر النظام البائد إلى حجر النظام الحالي، وكان في السابق يفخر بأنه قريب من الحزب الحاكم في عهد مبارك، الآن إذا رأيته يتحدث ظننت انه شيخ الإسلام ابن تيمية، لكن إخواننا الذين ذهبوا للفتح الإسلامي لمدينة الإنتاج الإعلامي، ظنوا أنه ما دامت ريهام السهلي شعرها اصفر اللون، ولميس الحديدي شعر رأسها بنفس اللون ونفس الدرجة فهي إذن أختها بالرضاعة.
الإسلاميون، والإخوان في المقدمة منهم، لديهم مشكلة نفسية مع الإعلام، لها ظلال موضوعية، فهم يتهمون كثير من وسائل الإعلام بأنها تعاديهم وتسعى إلى تشويههم، وهذا صحيح، لكن الصحيح أيضاً أن جانباً من الأزمة النفسية التي تنتج مثل هذه التحرشات، يرجع إلى عجز القوم عن أن يكون عندهم إعلامهم الخاص القادر على الرد والتصدي، ليس على طريقة خناقات الشوارع التي يقوم بها أبو إسلام احمد عبد الله، في قناة 'الأمة'، ولكن بتقديم الحقيقة بشكل مهني، وهم لديهم فضائيات بعدد نجوم السماء، وإعلام الدولة قبضتهم، لكن تنقصهم الكوادر المدربة، والفشل في المهام أمر طبيعي لأن الإعلام لا ينجح في إطار الشرنقة الحزبية، ولأن الإعلام لم يكن يوما ضمن أولويات الإخوان.. دعك من الجماعات الدينية الأخرى التي ربما تسأل الآن: ماذا تعني كلمة إعلام؟!
ما علينا فقد فشلت الغزوة الثانية، ونحن في انتظار الغزوة الثالثة، فقد تسقط مدينة الإنتاج الإعلامي وتصبح مقراً للخلافة.
* صحافي من مصر
سليم عزوز*
2013-03-29
عندما دعا الداعي إلى القيام بغزوة جديدة على مدينة الإنتاج الإعلامي في مصر، قلت إن القوم اعدوا للأمر عدته هذه المرة، فعلى الرغم من الحشود الغفيرة في المرة الأولى، على نحو ظننت معه أننا في 'قريش'، فان القوم لم يكونوا جاهزين لعملية الفتح، فغادروا بحجة المشاركة في تأمين عملية الاستفتاء على الدستور، ووعدوا بالعودة وإطلاق اسم مدينة الإنتاج الإسلامي عليها، وقد يطلقون على رئيس المدينة الحالي لقب 'حنظلة'!
في المرة الأولى كان الشيخ حازم أبو إسماعيل هو قائد الجنود، والشيخ حازم كان قد سبق له أن تحدث في مؤتمر عن دوره التاريخي في معارضة حكم حسني مبارك، وقال إن موقفه منه بدأ في سنة 1987 ولم يتغير، وهو موقف لم أسمع به شخصياً، اللهم إلا إذا كانت روح الوالد قد حلت في جسد الابن، ففي هذا العام سمعت صوت الشيخ صلاح أبو إسماعيل مجلجلاً وهو يقول انه يحجب ثقته عن حسني مبارك لخمسة أسباب، لا تتسع المساحة لسردها، وفي قضية 'الناجون من النار' التي كانت في نفس العام تقريباً أفتى في شهادته أن حسني مبارك كافر، 'خبط لزق'، وبعد هذا بأيام كنت في زيارته بمنزله بالدقي، وقد شاهدت قوات أمن تسد عين الشمس فلما سألت الشيخ عن سبب وجودها، قال بروح فكاهية كان يتمتع بها: 'لقد كفّرت مبارك في المحكمة، فجاء ليكفِّرني في الدقي'.
وقد وقفت على أن سبب الزيارة راجع إلى أن المخلوع جاء ليفتتح 'سنترال الدقي' قبل موضة فتح 'الكباري'، وآخر عمل له، هو افتتاحه لامتدادات 'كوبري' صفط اللبن، وبعد هذا قامت الثورة، مما يؤكد على أن هذا 'الكوبري' مبارك، يجب على 'العوانس' أن يتطوفن به، ليأتي ابن الحلال على حصان أبيض، ولا بأس فالانجاز التاريخي الذي قام به الرئيس محمد مرسي في زيارته الأخيرة لمحافظة سوهاج، مسقط رأسي، أنه افتتح مصنعاً للمكرونة، قيل أن مبارك قام بافتتاحه عندما زار سوهاج من قبل، ويبدو أن هناك أهمية كبرى لأكلة المكرونة ونحن لا ندري، ومن قبل كان الأخ العقيد معمر القذافي يتحدث عن ضرورة أن يأكل الليبيون مما ينتجون، فهتف احدهم مطالباً بأن يزرعوا المكرونة في الأراضي الليبية، وصرخ فيه القذافي: 'قعمز'.. أي اجلس!
للتاريخ، فالموقف المعارض وبشجاعة في سنة 1987، كان للشيخ أبو إسماعيل الأب، وربما يكون للابن موقفاً يومها لم يتغير إلى الآن، لكن عذري أن العتب على السمع، وربما كان الشيخ الابن يجلس عن يميني وقتها هو يعلن موقفه ضد مبارك، ودرجات السمع في أذني اليمنى في ادنى المعدلات، فصفعة واحدة وأخيرة من يد الوالد وأنا صغير أطاحت بحاسة السمع بها، لذا فان من يرى طلعتي البهية عبر الفضائيات سيفاجأ بأن السماعة في كل مرة تكون موضوعة في أذني اليسرى.
الشيخ حازم ظهر على قناة 'الرحمة'، وهي قناة سلفية مملوكة للشيخ محمد حسان، وقد ظهرت فيها ضيفاً في برنامج سياسي يقدمه زميلنا إيهاب نافع، فكان قرار الإدارة في اليوم التالي هو وقف البرامج السياسية، ليس احتجاجاً على ما قلت ولكن لأن لي قدما مباركة، ما أن تحط في قناة تلفزيونية حتى يصبح عاليها سافلها، وفي أول زيارة لقناة 'الناس' قبل الثورة، أغلقت كل المحطات التلفزيونية السلفية بقرار من مباحث امن الدولة.. فأنا مبارك يا شباب، وفي هذه الأيام أبذل جهداً خارقاً بالتركيز على التلفزيون الرسمي.
من الداعي؟
حازم 'الألقاب محفوظة كما المقامات' خرج علينا عبر قناة 'الرحمة' وفي برنامج 'مع الشباب'، وقال إنه لا يعرف من الداعي إلى غزوة مدينة الإنتاج الإعلامي في المرة الثانية، وهو تساؤل جاء متأخراً، وفي لحظة كان فيها الغزاة يلملمون أشياءهم استعداداً للرحيل، وأعلم أن الشيخ لم يدع هذه المرة، فالدعوة بدأت على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن مثل هذا البيان كان المفروض أن يذيعه وقتها، واعتقد أن من شدوا الرحال إلى هناك، كانوا يظنون أنه الداعي، لاسيما وأنه عندما غادر في المرة الأولى، وعد بالعودة لاستكمال الفتح الإسلامي لمدينة الإنتاج الإعلامي، لكن يبدو أنه سيختفي لنكون في انتظاره، على قاعدة: عودة الإمام الغائب، ليكن لكل مذهب إمامه الغائب، للشيعة إمامهم وللسنة الشيخ حازم أبو إسماعيل، فيأتي فاتحاً لما استعصى على الفتح.
تابعت الدعوة للفتح الثاني عبر 'الفيس بوك'، وقد كان هذا بعد ما جرى يوم الجمعة قبل الماضي أمام المقر العام لجماعة الإخوان المسلمين، من قتل، وسحل، وأسر، كان يتم على الهوية، عندما اختلطت أصوات الثورة، بالثورة المضادة، فما جرى هناك ليس إلا واحدة من تجليات هذه الثورة المضادة، وقد مثل وجود المنتمين للقوى المدنية المعارضة، غطاءً ثورياً، لهذه الأعمال التي لا علاقة لها من قريب أو من بعيد بالثورة المصرية، التي أفرطت في سلميتها، حتى أصبحت السلمية عنوانها.. فمن هؤلاء القتلة الذين أشهروا أسلحتهم تحت راية الثورة؟!
لقد عشنا كابوساً، كان سبباً في سيطرة الإحباط علينا، ونحن نشاهد حالة السعادة بادية على الوجوه بما جرى، فلم تؤثر مشاهد السحل والقتل في الجميع، وكان أن قرأت لناشطة سياسية على 'تويتر' تلفت الانتباه إلى المكان الذي توجد فيه الحافلات التي نقلت الإخوان إلى مقرهم، وقد تم إضرام النيران في كثير منها، ويبدو أن هناك جهات خارجية تقيم أهمية الناشط أو الناشطة من هؤلاء بقدر مساهمته في الفوضى الخلاقة التي بشرت بها كونداليزا رايس.
الذين اظهروا السعادة لكل ما جرى من إجرام، استنكروا العنف الذي يقوم به هؤلاء الإسلاميون الداعون إلى حصار مدينة الإنتاج الإعلامي، وفي مصر تعد المواقف المبدئية شبيهة بالغول، والعنقاء، والخل الوفي، فمن يرفض العنف هو من يؤيده، ومن يدافع عن الديمقراطية هو من لديه استعداد فطري للكفر بها. ومن لم يدن عنف موقعة المقطم ليس له أن يدين حصار مدينة الإنتاج، وأنا - والعياذ بالله من قولة أنا - أدنت هؤلاء وهؤلاء، ومنذ الغزوة الأولى، ومعلوم أن المدينة استعصت على الفتح الإسلامي حينئذ.
الاتهام بالتواطؤ
القوم الذين دعوا لحصار مدينة الإنتاج الإعلامي، ونفروا إليها خماصاً وبطاناً، كان قرارهم بعد الذي جرى في المقطم، وهم يتهمون الفضائيات التي تبث من هناك بالتواطؤ، لأنها لم تنقل للمشاهد صور القتل، والسحل، والحرق، وقد شاهدنا صورة الشاب الإخواني الذي يتم إشعال النيران فيه، فلم يستنفر هذا ذرات الإنسانية المتناثرة في قلوب كثير من المنتمين إلى القوى المدنية، فقد قست قلوبهم حتى أصبحت كالحجارة بل أشد قسوة.
في الواقع أن القوم لا يقصدون كل الفضائيات، فهم يقصدون فضائيات بعينها، كان لنا فيها رأي منذ الثورة، وكنت أعتبرها جزءا من أداء الثورة المضادة، وتقوم على عملية شيطنة الثوار، لكنها الآن تصب كل هجومها على الرئيس مرسي، وعلى أهله وعشيرته، ومرسي لم يخرج بعد من حكم الأهل والعشيرة، ويقف على أنه يحكم جمهورية مصر العربية، والله نسأل أن يكتشف هذا في يوم ما، لأنه سيكون اكتشافاً مذهلاً وأكثر أهمية من اكتشاف الأخ صاحب: 'وجدتها.. وجدتها'، على وزن ما جاء في أغنية أم كلثوم أبوس القدم: 'أبو الوفا.. أبو الوفا'.
هناك نصيحة توجه لي من أصدقاء الميدان بأنه عندما يتفق كائن من كان مع موقفك، فلابد أن تستقبل وقوفه معك بترحاب، وتنسى ما سبق، بل وتتجاهل دوافعه، والمعنى أنه ما دامت الثورة المضادة تقف على ذات الأرضية التي أقف عليها من الخصومة مع الإخوان فلابد أن تتشابك الأيدي، وهي صيغة ليست مقبولة عندي، فهم يريدون أن يؤذون قولوني العصبي، بتقبل لميس الحديدي، والتجاوز عن أنها كانت مسؤولة الدعاية بحملة المخلوع ابن المخلوعة، لمجرد أنها تهاجم الإخوان، وأقبل بالتالي حملة تدشينها زعيمة للثورة، وقد سمعتها وهي تصرخ: إنها ثورة قمنا بها بدمنا.. 'دم من يا طنط'؟!.
أنا، وقد أسرفت اليوم في ترديد كلمة أنا يبدو أنني بوفاة شبيهي شافيز شعرت ان الطريق أمامي للزعامة صار ممهدا؛ فأنا بمقدوري أن ارفض الإخوان، ولميس الحديدي وأخواتها، في نفَس واحد، فأرض الله واسعة، وما الذي يحشرني في 'حجرة الفئران'، لكي أقف مع الثورة المضادة في مواجهة أهل الحكم، ما دام بإمكاني أن ارفض القوم، وأنا أقف في ميدان فسيح؟!
التركيز الإعلامي
الذين ذهبوا إلى مدينة الإنتاج الإعلامي في الغزوة الأخيرة لم يتجاوز عددهم المئة والخمسين فرداً، كان يمكن أن يذوبوا في مساحة المدينة الشاسعة، لأنها بنيت في الصحراء، لكن التركيز الإعلامي جعل من يقرأ عنهم يظن أنهم بالآلاف، وان كانوا في هذه المرة قاموا بالتصدي للإعلاميين وضيوفهم ومنعوا بعضهم من دخول المدينة، وقيل أنهم حاولوا الاعتداء على ريهام السهلي مذيعة قناة 'المحور'، واجزم أنهم لا يعرفونها، فقط هم رأوا امرأة بيضاء، شعرها أصفر، وترتدي ملابس الفرنجة، فهبوا هبة رجل واحدة: إلى الجهاد.. إلى الجهاد، لأنهم وجدوا واحدة هي بحكم الشكل لابد وان تكون ضد المشروع الإسلامي.
'المحور' من بابها لا تعادي القوم، وصاحبها انتقل انتقالاً آمناً من حجر النظام البائد إلى حجر النظام الحالي، وكان في السابق يفخر بأنه قريب من الحزب الحاكم في عهد مبارك، الآن إذا رأيته يتحدث ظننت انه شيخ الإسلام ابن تيمية، لكن إخواننا الذين ذهبوا للفتح الإسلامي لمدينة الإنتاج الإعلامي، ظنوا أنه ما دامت ريهام السهلي شعرها اصفر اللون، ولميس الحديدي شعر رأسها بنفس اللون ونفس الدرجة فهي إذن أختها بالرضاعة.
الإسلاميون، والإخوان في المقدمة منهم، لديهم مشكلة نفسية مع الإعلام، لها ظلال موضوعية، فهم يتهمون كثير من وسائل الإعلام بأنها تعاديهم وتسعى إلى تشويههم، وهذا صحيح، لكن الصحيح أيضاً أن جانباً من الأزمة النفسية التي تنتج مثل هذه التحرشات، يرجع إلى عجز القوم عن أن يكون عندهم إعلامهم الخاص القادر على الرد والتصدي، ليس على طريقة خناقات الشوارع التي يقوم بها أبو إسلام احمد عبد الله، في قناة 'الأمة'، ولكن بتقديم الحقيقة بشكل مهني، وهم لديهم فضائيات بعدد نجوم السماء، وإعلام الدولة قبضتهم، لكن تنقصهم الكوادر المدربة، والفشل في المهام أمر طبيعي لأن الإعلام لا ينجح في إطار الشرنقة الحزبية، ولأن الإعلام لم يكن يوما ضمن أولويات الإخوان.. دعك من الجماعات الدينية الأخرى التي ربما تسأل الآن: ماذا تعني كلمة إعلام؟!
ما علينا فقد فشلت الغزوة الثانية، ونحن في انتظار الغزوة الثالثة، فقد تسقط مدينة الإنتاج الإعلامي وتصبح مقراً للخلافة.
* صحافي من مصر