المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المعالجات الشرعية والحقوقية والتربوية للمشاكل الأسرية


احمد العـتيبي
28-Jan-2013, 11:45 PM
العلاقات الأسرية

مقدم إلى اليوم الدراسي بعنوان:
(المعالجات الشرعية والحقوقية والتربوية للمشاكل الأسرية)
الذي تعقده كلية الشريعة والقانون
إعداد
أ.د. ماهر حامد الحولي
عميد كلية الشريعة والقانون

الثلاثاء 09 ربيع الثاني 1429هـ 15 إبريل 2008م

· مقدمة:
لقد وضع الإسلام منهجاً قويماً لبناء الأسرة المسلمة وأقام سياجاً منيعاً لحماية تلك الأسرة من عوامل الضعف والتفكك، واليوم الأسرة المسلمة في عصرنا الحاضر تعاني من كثير من عوامل تفكك الترابط الأسري وكثير من الأخطار التي تهددها وقد تعصف بكثير من الأسر، فما هي الأسس التي وضعها الإسلام لبناء علاقات أسرية سليمة صحيحة وكيف نحمي الأسرة المسلمة المعاصرة اليوم من تلك الأخطار، هذا ما سنحاول إلقاء الضوء في هذا البحث إن شاء الله.

ذلك أن الأسرة هي النواة الأولى واللبنة الأولى في بناء المجتمع الإسلامي وبناء الحياة الإسلامية، الأسرة هي أساس المجتمع وفي ظلال الأسرة يتربى الفرد الصالح وتنمو المشاعر الصالحة، مشاعر الأبوة والأمومة والبنوة والأخوة ويتعلم الناس التعاون على الخير وعلى البر في ظل الأسرة، ولذلك أول أساس بنى عليه الإسلام الأسرة يبدأ بحسن الاختيار، كيف يختار الرجل الزوجة الصالحة وكيف تختار المرأة وأولياؤها معها الزوج الصالح، أول أساس هو هذا، الناس يخطئون حين يسيئون الاختيار، فالرجل حينما يريد أن يتزوج يبحث مثلاً عن المال أو عن النسب أو عن الحسب، لا مانع أن يبحث عن هذا، إنما ينبغي أن يكون نصب عينيه الدين والصلاح، ولذلك جاء في الحديث الصحيح "الدنيا متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة"(1) وجاء "تُنكح المرأة لأربع لحسبها ولمالها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك"(2) صحيح أن الواحد ممكن أن يبحث عن الجمال وعن المال والحسب والنسب، إنما اظفر بذات الدين هذه هي الكنـز العظيم، هذا أول ما ينبغي للمرء أن يبحث عنه المرأة الصالحة، وخصوصاً أن هذه المرأة ستورِّث أبناءها منها، بحكم الوراثة وبحكم البيئة والتربية، ولذلك جاء في الحديث الآخر "تخيروا لنطفكم فإن العرق دسَّاس"(3) أو إن "العرق نزَّاع" وفي الشعر العربي يقول الأب لأولاده:


لماجدة الأعراق بادٍ عفافها=وأول إحساني إليكم تخيُّري

فهو يقول لهم أنني أول شيء أحسنت إليكم به أنني اخترت لكم أماً صالحة، هذا عمل عظيم، أول ما يمن به الإنسان على أولاده أنا اخترت لكم الأم، فهذه من ناحية الرجل كيف يختار الزوجة الصالحة التي تسره إذا نظر وتطيعه إذا أمر وتحفظه إذا غاب {فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله}(4) فهناك امرأة تكون نعمة وأخرى تكون مصيبة ونقمة، إذا دخلت عليها سبَّتك، وإذا غبت عنها خانتك والعياذ بالله فهذا أول شيء، ومن ناحية المرأة يجب أن تختار أيضاً الرجل الصالح والزوج الصالح وكذلك أوليائها معها يشاركونها في هذا الأمر، النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض"(5) زوِّجوا الرجل ذا الدين، وكما قال بعض السلف "إذا زوَّجت ابنتك فزوجها ذا دين، إن أحبها أكرمها وإن كرهها لم يظلمها" حتى في حالة البغض لا يظلمها لأنه يخاف الله، والذي يخاف الله لا تخشى منه، فزوِّجها ذا دين، ولذلك قال الشعبي وهو من أئمة التابعين: "من زوَّج ابنته من فاسق فقد قطع رحمها". فهذا أول أساس من الأسس التي تقوم عليها الأسرة المسلمة، أن يحسن الإنسان الاختيار وبعد ذلك ينبغي أن تبدأ الحياة الأسرية بالتيسير لا بالتعسير، الناس يعسِّرون ما يسَّر الله عز وجل، ويصعِّبون ما سهَّله الشرع، ويعقِّدون الأمر البسيط، الرسول صلى الله عليه وسلم يقول "خير نساء أمتي أصبحهن وجهاً وأقلهن مهراً"(6) ونحن نغالي في المهور ونغالي في الولائم ونغالي في التأثيث، ونعسِّر على أنفسنا، فيترتب على ذلك أن يصبح الزواج عبئاً لا يقدر عليه إلا أصحاب الأموال، والشاب العادي الذي يبدأ سلم الحياة من جديد لا يقدر على هذا، مَن الذي ألزم الناس بهذا؟ الناس ألزموا أنفسهم ما لا يلزمهم الله به، كان الزواج في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفي عهد الصحابة وفي عهد السلف أمراً سهلاً، الآن لم يعد أمراً سهلاً، النبي عليه الصلاة والسلام زوَّج فاطمة رضي الله عنها أحب بناته إليه زوَّجها من عليّ بن أبي طالب ماذا أمهرها عليّ؟ ماذا دفع مهراً لها؟، دفع لها درعاً، درعه وكان اسمه درع الحطمية، بالله عليك ماذا تفعل المرأة بالدرع هل تحارب به؟ إنما هي شيء رمزي، وماذا كان جهاز فاطمة وأثاثها كان أشياء بسيطة، رحى وأشياء أخرى بسيطة، وزوجات النبي صلى الله عليه وسلم كذلك، فالمهر يجب أن يكون سهلاً، والوليمة تكون على حسب قدرة الشخص، الرسول صلى الله عليه وسلم قال لعبد الرحمن بن عوف: "أولم لو بشاة"(7) لأن عبد الرحمن بن عوف تاجر وربنا فتح عليه، إنما لو واحد لا يستطيع أن يذبح شاة فليذبح بطة أو دجاجة أو يشتري كم رطل لحمة، فنحن الآن نبدأ الحياة الزوجية بأن الإنسان لا يقدر على هذه الأشياء فيستدين، فيدخل الحياة الزوجية وهو مدين والدين هم بالليل ومذلة بالنهار، لماذا نرهق أنفسنا والنبي صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ بالله من غلبة الدين وقهر الرجال، ثم من ناحية أخرى ينبغي أن تبدأ الحياة الزوجية بتبادل الحقوق والواجبات، الحياة الزوجية حقوق متبادلة وواجبات متبادلة على كل من الزوج والزوجة.

حماية الإسلام للأسرة:

1. اهتم الإسلام بحماية الأسرة من آفات الفساد والهدم، وأقام سداً يعصمها من البوار والتلف، وحماية الأسرة في الأصل من واجبات راعيها، الذي عليه أن يدفع عنها السوء، وأن يقيها المهالك والشرور.عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ :سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ : وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ )(8)

على الرجل أن يستيقظ لأعبائه، فيحد بصره ويرهف سمعه ولا يغفل، ويتلمح عواقب الأمور، فلا يتهاون ولا يعبث، ولا يدع بيته تجتاحه الرياح اللوافح والعواصف المدمرة.

عليه أن يرعى زوجته، فلا يذرها تنحرف وهو شاهد، ولا تعبث وهو لاهٍ ساهٍ ولا يملي لها حتى تلج ميادين الشر وساحات الهدم، بل لا بد من وعي الرقابة وحسن القيادة وتأمين الطريق، والمبادرة قبل استفحال الخطر واستمكان الداء.

وعليه أن يحسن قيادة ذريته، وأن يتحرى في تنشئتهم مناهج الاستقامة وخصائص الفطرة، وأن يحميهم من مفاسد البيئة وأمراضها، وأن يزودهم بطاقات التحمل والكفاح ويجهزهم بأسلحة النضال والفوز وأن يكون قدوة لهم في السلوك والاتجاه.

ثم راعى الإسلام حماية الأسرة من خارج ...

حمايتها من جراثيم البيئة وعدواها، وحجب أفرادها من التعرض للإغراء والاختطاف، حتى لا تتصدع الأسرة وتنهار.

فالزوجة يمنع الإسلام عنها تيار الفتنة والاجتناب، فينهى عن إفسادها، وتحريضها على زوجها، وتأميلها بحياةٍ أرغد وعيش أهنأ. فإن فاعل ذلك شرير ملعون.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا ) (9) أي أفسدها عليه.

وهذا إيصاد لباب واسع يجلب للأسرة الشقاء والتعاسة والخراب، حيث تتعرض الزوجة لدعوات الإغراء وتتطلع إلى إلحاح الفتنة، فتندفع لهدم بيتها وتنخدع بالأماني والأحلام الكاذبة.

وفي سبيل ذلك يمنع عنها أسباب الغواية، ويطفئ مبادئ الشرور(10) .

الأسرة الصالحة المؤسسة الأولى للإنسانية(11)

وجوب تنظيم الأسرة وضبطها من البداية حتى النهاية:

حرص التشريع الإسلامي على تنظيم مؤسسة الأسرة؛ وضبط الأمور فيها، وتوزيع الاختصاصات، وتحديد الواجبات، وبيان الإجراءات التي تتخذ لضبط أمور هذه المؤسسة؛ والمحافظة عليها من زعازع الأهواء والخلافات؛ واتقاء عناصر التهديم فيها والتدمير، جهد المستطاع: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ}(12) وهنا نبين بيان مجمل لنظرة الإسلام إلى مؤسسة الأسرة، ومنهجه في بنائها والمحافظة عليها، وأهدافه منها ... بيان مجمل بقدر الإمكان: إن الذي خلق هذا الإنسان جعل من فطرته "الزوجية" شأنه شأن كل شيء في هذا الوجود: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}(13) ثم شاء أن يجعل الزوجين في الإنسان شطرين للنفس الواحدة: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا}(14) وأراد بالتقاء شطري النفس الواحدة –بعد ذلك- فيما أراد، أن يكون هذا اللقاء سكناً للنفس، وهدوءاً للعصب، وطمأنينة للروح، وراحة للجسد ... ثم ستراً وإحصاناً وصيانةً ... ثم مزرعة للنسل وامتداد الحياة مع ترقيها المستمر، في رعاية المحضن الساكن الهادئ المطمئن المستور المصون: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً}(15) ، {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ(16){ ، {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ}(17)، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}(18)،{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ}(19).

ومن تساوي شطري النفس الواحدة في موقفهما من الله، ومن تكريمه للإنسان، كان ذلك التكريم للمرأة، وتلك المساواة في حقوق الأجر والثواب عند الله، وفي حقوق التملك والإرث، وفي استقلال الشخصية المدنية.

ومن أهمية التقاء شطري النفس الواحدة، لإنشاء مؤسسة الأسرة ومن ضخامة تبعة هذه المؤسسة أولاً: في توفير السكن والطمأنينة والستر والإحصان للنفس بشطريها. وثانياً: في إمداد المجتمع الإنساني بعوامل الامتداد والترقي ... كانت تلك التنظيمات الدقيقة المحكمة التي تتناول كل جزئية من شؤون هذه المؤسسة وقد احتوت سورة النساء جانباً من هذه التنظيمات، كما احتوت سورة البقرة جانباً آخر.

واحتوت سور أخرى من القرآن، وعلى الأخص سورة النور في الجزء الثامن عشر وسورة الأحزاب في الجزئين الحادي والعشرين والثاني والعشرين وسورة الطلاق وسورة التحريم في الجزء الثامن والعشرين ... ومواضع أخرى متفرقة في السور، جوانب أخرى تؤلف دستوراً كاملاً شاملاً دقيقاً لنظام هذه المؤسسة الإنسانية؛ وتدل بكثرتها وتنوعها ودقتها وشمولها، على مدى الأهمية التي يعقدها المنهج الإسلامي للحياة الإنسانية على مؤسسة الأسرة الخطيرة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)أخرجه مسلم , كتاب الرضاع , باب خير متاع الدنيا (2/1090)
(2) صحيح الترغيب والترهيب , كتاب النكاح وما يتعلق به , باب الترغيب في غض البصر والترهيب من إطلاقه ومن الخلوة بالأجنبية ولمسهل (2/193)
(3)تخريج أحاديث الإحياء , كتاب آداب النكاح , باب ما يراعي حالة العقد (2/42)
(4)سورة النساء , الآية (34)
(5)نيل الأوطار , كتاب النكاح , باب ما جاء في الكفاءة في النكاح (6/188)
(6)كنز العمال , الباب الثالث , في آداب النكاح (16/320)
(7)أخرجه مسلم , كتاب النكاح , باب الصداق وجواز كونه تعليم قرآن وخاتم حديد وغير ذلك من قليل (2/1042)
(8)أخرجه البخاري كتاب النكاح / بَاب{ قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا } (9/291) حديث رقم (5188) مع الفتح لابن حجر، ومسلم كتاب الإمارة باب فَضِيلَةِ الْإِمَامِ الْعَادِلِ وَعُقُوبَةِ الْجَائِرِ وَالْحَثِّ عَلَى الرِّفْقِ بِالرَّعِيَّةِ وَالنَّهْيِ عَنْ إِدْخَالِ الْمَشَقَّةِ عَلَيْهِمْ (6/452) حديث رقم (1829) مع شرح للنووي .
(9)أخرجه أبو داود كِتَاب الطَّلَاقِ / بَاب فِيمَنْ خَبَّبَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا (330) حديث رقم (2175)
(10)
(11)
(12)سورة النساء , الآية (35)
(13)سورة الذاريات , الآية (49)
(14)سورة النساء , الآية (1)
(15)سورة الروم , الآية (21)
(16)سورة البقرة , الآية (187)
(17)سورة البقرة , الآية (243)
(18)سورة التحريم , الآية (6)
(19)سورة الطور , الآية (21)

يتبع/2

احمد العـتيبي
28-Jan-2013, 11:46 PM
2/تابع


حقوق الزوجة على زوجها:

لقد كفلت الشريعة الإسلامية للزوجة حقوقاً يجب على الرجل أن يؤديها إليها، وأن يمنحها لها، واعتبرته ظالماً إن قصر في إعطائها هذه الحقوق، وضمنت له الحياة الآمنة إن أداها كما أمر الله سبحانه.

وأول هذه الحقوق وأهمها:

حسن المعاشرة:

فالرجل بحكم القرآن الكريم قوام على زوجته، ورب لأهل بيته، فعليه أن يحسن القوامة، وأن يسوس رعيته بلين في غير ضعف، وبحزم في غير عنف، وأن يتأدب في كل هذا بأدب دينه القويم، وبمنهج قرآنه المستقيم فقد قال سبحانه: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}(20).

النفقة الكافية:

ومن الحقوق الواجبة على الزوج لزوجته أن ينفق عليها ويكسوها. فقد تظاهرت أدلة الكتاب والسنة، وإجماع الأمة على وجوب النفقة للزوجة، فقد قال سبحانه: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ}(21).

لقد ورد في السنة من الأحاديث ما يوجب النفقة على الرجل.
عَنْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْقُشَيْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ :قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ ؟ قَالَ : (أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَـسَيْتَ أَوْ اكْتَسَبْتَ وَلَا تَضْرِبْ الْوَجْـهَ وَلَا تُقَبِّحْ وَلَا تَـهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ(22)

تعليمها أمور دينها:

ومن الحقوق الواجبة على الزوج أن يعلمها أمور دينها، وقد كان المطلوب أن يكون التعلم من أيام طفولتها عند أبيها، ومع ذلك فقد أوجب الإسلام على الزوج أن يستكمل هذه المهمة أو يقوم بها.

قال الإمام الغزالي في الإحياء: على الرجل أن يعلم زوجته أحكام الصلاة وما يقضى منها في الحيض وما لا يقضى. فإنه أُمِرَ بأن يقيها النار بقوله تعالى: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً}(23)، فعليه أن يلقنها اعتقاد أهل السنة، ويزيل عن قلبها كل بدعة إن استمعت إليها، ويخوفها في الله إن تساهلت في أمر الدين، ويعلمها من أحكام الحيض والاستحاضة وما تحتاج إليه.

وإذا كان الزوج جاهلاً وجب عليه أن يسأل أهل الذكر ثم يعود بالإجابة الشافية إلى أهله معلماً ومرشداً.

ولذا يقول الحق سبحانه: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا}(24).

قال ابن كثير في تفسير الآية: أي استنقذهم من عذاب الله بإقـام الصـلاة واصـبر أنت على فعلها(25).

العدل بين الزوجات:

فإذا كان الرجل متزوجاً بأكثر من امرأة فمن الحق والواجب أن يعدل بينهن في حقوقهن، وذلك بالتسوية بينهن في القسم إذا قسم في المبيت، والنفقة والكسوة، والسكنى.

قال تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا}(26).

2. وقدوة الزوج المسلم في ذلك، رسوله صلوات الله وسلامه عليه، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَقْسِمُ فَيَعْدِلُ وَيَقُولُ اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا أَمْلِكُ )(27) قَالَ أَبُو دَاوُد يَعْنِي الْقَلْبَ.

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللَّهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا )(28)

حقوق أخرى:

وهناك حقوق أخرى كفلتها شريعة الإسلام للمرأة، ويجب على الزوج القيام بها حق القيام ومن هذه الحقوق أن يناديها بأحب الأسماء إليها، وأن يكرمها في أهلها بالثناء عليهم أمامها، وبمبادلتهم الزيارات، وبدعوتهم في المناسبات، وأن يحلم عليها إذا غضبت، ويستمع إلى حديثها إذا تكلمت، ويحترم رأيها، ويأخذ بمشورتها، وأن ينبسط لها في البيت، فيمزح معها، وعن عمر قال: "ينبغي للرجل أن يكون في بيته كالصبي فإذا كان في القوم وُجِدَ رجلاً!!".

من حقوق الزوجة على زوجها تحمل أخطائها والرأفة بها:
قال الله تبارك وتعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً}(29).

عن جابر بن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته بعرفات: (اتقوا الله في النساء، فإنهن عوان عندكم، اتخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله )(30).

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ )(31).

وهذه الوصية من الله تعالى بالزوجة ومن رسوله، تعني تحمل الأخطاء الواقعة منها، والغض عن هفواتها، بل واحتمال الأذى منها، وأن يتغافل عن كثير مما يصدر منها: "مما لا يخالف شرع الله تعالى" ترحماً بها وشفقة عليها، وأن يقدم لها النصح مع التصبر ما استطاع إليه سبيلاً،عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ:"إِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلاقًا، الْمُوَطَّئُونَ أَكْنَافًا، الَّذِينَ يَأْلَفُونَ وَيُؤْلَفُونَ)(32)

____________________________________________

(20)سورة النساء , الآية (19)
(21)سورة النساء , الآية (34)
(22)أخرجه أبوداود كِتَاب النِّكَاحِ / بَاب فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا ( 325 ) حديث رقم ( 2143 )
(23)سورة التحريم , الآية (6)
(24)سورة طه , الآية (131)
(25)تفسير ابن كثير 5/39
(26)سورة النساء , الآية (3)
(27)أخرجه أبودواد كِتَاب النِّكَاحِ بَاب فِي الْقَسْمِ بَيْنَ النِّسَاءِ ( 323 ) حديث رقم ( 2133)
(28)أخرجه مسلم كِتَاب الْإِمَارَةِ / بَاب فَضِيلَةِ الْإِمَامِ الْعَادِلِ وَعُقُوبَةِ الْجَائِرِ وَالْحَثِّ عَلَى الرِّفْقِ بِالرَّعِيَّةِ وَالنَّهْيِ عَنْ إِدْخَالِ الْمَشَقَّةِ عَلَيْهِمْ (6 / 451) حديث رقم (1827)
(29)سورة النساء , الآية (19)
(30)أخرجه االبيهقي في شعب الإيمان ، في الخامس والثلاثون من شعب الإيمان وهو باب في الأمانات وما يجب من أدائها إلى أهلها (11/248) حديث رقم (5032) هذا لفظه وأخرجه غيره بألفاظ متقاربة
(31) أخرجه البخاري كِتَاب أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ / باب خَلْقِ آدَمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَذُرِّيَّتِهِ (6/412) حديث رقم (3331) ، ومسلم كِتَاب الرِّضَاعِ / بَاب الْوَصِيَّةِ بِالنِّسَاءِ (5/313) حديث رقم (1468) واللفظ للبخاري
(32) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (19/ 398 ) حديث رقم (964)


يتبع/3

احمد العـتيبي
29-Jan-2013, 12:07 AM
3/تابع

حقوق الزوج على زوجته:

من عظمة الإسلام، أنه لم يظلم الناس شيئاً ولكن الناس أنفسهم يظلمون. فعدالته الفذة الفريدة أبت أن يكون على الزوج كل هذه الحقوق، ثم يتركه بعد ذلك بلا حقوق. ولكنه قرر في أحكامه العادلة!!.

أنه كما جعل للزوجة حقوقاً على زوجها، وطالبه بالقيام بها، فقد جعل له حقوقاً عليها.

وأنه كما اعتنى بها وحافظ عليها فقد اعتنى به هو أيضاً وصدق الله العظيم الذي قضى أن {بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ}(33)، وبتوفيق الله تعالى. وهنا نجمل أهم الحقوق التي فرضها الإسلام على المرأة تجاه زوجها، وشريك حياتها، فنقول:

الطاعة في المعروف:

فللزوج على زوجته حق الطاعة في كل أمر ونهي شريطة ألا يكون في هذا الأمر أو النهي معصية الخالق تبارك اسمه، وأما إذا أمرها بأمر فيه مخالفة لما أمر الله به، فلا يجوز لها أن تطيعه، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

والدليل على أن طاعة المرأة لزوجها واجبة قوله تبارك اسمه: {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً}(34).
قال العلامة ابن كثير تعليقاً على هذه الآية: "إذا أطاعت المرأة زوجها في جميع ما يريده منها مما أباحه الله له منها فلا سبيل له عليها بعد ذلك، وليس له ضربها، ولا هجرانها، وقوله سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً}(35) تهديدٌ للرجال إذا بغوا على النساء من غير سبب، فإن الله العلي الكبير وليهن، وهو منتقم ممن ظلمهن وبغي عليهن".

الاستجابة له عند ندائه لها:

فعلى المرأة أن تستجيب لزوجها إذا دعاها إلى فراشه، ولا يجوز لها أن تمتنع عن طلبه، فإن فعلت وامتنعت كانت آثمة عاصية، واستحقت لعنة الملائكة والعياذ بالله كما بين ذلك رسول الله: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ)(36)

ألا تخرج إلا بإذنه:

ومن الطاعة كذلك: ألا تخرج المرأة من المسكن الذي أسكنه إياها إلا بإذنه، وخروجها من مسكنها لابد أن يكون على الهيئة المطلوبة في شرع الله تعالى، فعليها أن تستر من جسمها ما لا يحل للأجنبي أن يراه، وللزوج أن يمنعها من الخروج حتى ولو كان خروجها إلى المسجد، إن خشي الفتنة، وما في معناها.
عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم : أن امرأة أتته فقالت :ما حق الزوج على امرأته ؟ .. _ ومنه _ قوله :ولا تخرج من بيته إلا بإذنه فان فعلت لعنتها الملائكة ملائكة الغضب وملائكة الرحمة حتى تتوب أو تراجع) (37).

رعاية المال والعيال:

ومن حق الزوج على زوجته أن تتقي الله في ماله وعياله، وأن تنظر إليه نظرة الحكمة والتبصر، فلا تكلفه ما لا يستطيع ولا تتصرف في شيء من ماله أثناء غيبته إلا بإذن منه، أو فيما جرت به العادة والعرف، كإكرام زائر، أو إطعام جائع، وعليها أن تقوم على تدبير بيته وخدمته بالمعروف، وأن تكون محافظة على شعوره وماله وعرضه في غيبته {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ}(38).

عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْأَحْوَصِ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ شَهِدَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَذَكَّرَ وَوَعَظَ فَذَكَرَ فِي الْحَدِيثِ قِصَّةً فَقَالَ: ( .. أَلَا إِنَّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقًّا وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ فَلَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ وَلَا يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ)(39).

لا تصوم إلا بأمره في النفل:

ثم إن على المرأة كذلك ألا تصوم تطوعاً إلا بإذنه، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ :عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (لَا تَصُومُ الْمَرْأَةُ وَبَعْلُهَا شَاهِدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ)(40)

علاج قرآني للعصيان والنشوز:

هذه هي أهم حقوق الزوج على زوجته، يجب عليها أن تؤديها إليه كاملة غير منقوصة، فإذا حدث خروج منها عن طاعة الزوج كأن منعته من التمتع بها، أو خرجت بغير إذنه إلى مكان لا يجوز لها أن تذهب إليه، أو تركت حقوق الله بأن كانت لا تتطهر، أو لا تصلي أو لا تصوم، أو أغلقت بابها دونه، فقد أعطى الشرع الحكيم للزوج حق تأديبها، وبين له ثلاث وسائل في قوله تعالى: {وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً}(41).

فهذه وسائل ثلاث بينتها الآية الكريمة وهي: الوعظ، والهجر، والضرب.

أما الموعظة: فهي أن يخوفها مثلاً من عدم رضاء الله عليها، مبيناً حقه عليها، وما أوجبه الله من الطاعة عليها للزوج إلى غير ذلك من المواعظ الحكيمة والنصائح النافعة، فإذا لم تجد وسيلة الوعظ واستمرت على ما هي عليه ينتقل إلى الوسيلة الثانية، وهي الهجر في المضجع، وهي نوع وأسلوب من أساليب التأديب، لمن تحب زوجها ويشق عليها هجره إياها.

واعلم أيها الزوج أن الهجر هو عبارة عن عدم التفاتك إلى امرأتك، وعدم استمتاعك بها، وعدم تقبيلها ونحو ذلك. وليس معناه ترك الفراش والحجرة فهذا فهم خاطئ بعيد كل البعد عن مراد الآية القرآنية. إذا الهجر في المضجع معناه أن ينام الزوج مع زوجته في الفراش ولكن يوليها ظهره ولا يلتفت إليها، ولا يتصل بها اتصالاً جنسياً، لعل ذلك يكون مؤثراً عليها في رجوعها عن نشوزها ولزومها طاعة زوجها وبره والإحسان إليه.

وأما الهجر بالكلام فلا يجوز له أن يهجرها فوق ثلاثة أيام للنهي عنه.

فإذا لم تصلح هذه الوسيلة فله أن يضربها ضرباً غير مبرح أي غير شاق ولا مؤذٍ، فلا يكسر لها عظماً. فالضرب المبرح لا يجوز حتى ولو علم أنها لن ترجع عما هي عليه إلا بهذا النوع من الضرب، والأولى الأخذ بما هو أقل من هذا. فضرب الزوجة في الشريعة الإسلامية ليس بعزيمة بل هو رخصة، ولا يحل استعمال هذه الرخصة إلا مع زوجة لم تصلح الموعظة ولم يفلح معها الهجر بل إنه لا يحل استعمال الضرب مع المرأة إذا عرف أنه لا ينفع في تهذيبها وزجرها عما عليه من العصيان.

وأكرر القول بأن الضرب المرخص فيه ليس ضرب وحشية ولا قسوة، ولا يكون بالسوط والعصا، بل يكون بيد لينة أو بالسواك ونحوهما على شرط ألا يترك أثراً على مواضع الجمال كالوجه وغيره.

هذا هو الضرب المرخص فيه شرعاً، وتركه أولى وأفضل، وهو علاج هين يغتفر في حال الغيظ والغضب، فهو وسيلة لإظهار الغضب أكثر منه وسيلة للعقاب. هذه هي حقيقة الضرب في شريعة الإسلام، وتلك الحقيقة التي لم يفهمها بعض المسلمين فهماً صحيحاً، فأساؤوا استعمالها إساءة لا تقرها إنسانيتهم ولا دينهم، وكم سمعنا من أناس يضربون زوجاتهم بالعصي والأحذية في غير رحمة ورأفة، ولو أنصفوا لآمنوا بأن التشريع الإسلامي لن يعيبه أن يتجاوز حدوده الظالمون!؟.

وبهذا نكون قد أجملنا حقوق كل من الزوجين على الآخر، وأوضحنا علاج القرآن الكريم لمشكلة النشوز عندما ترفض الزوجة طاعة زوجها.

تنظيم العلاقات الأبوية الأسرية:

هذا التنظيم يأتي في الأهمية الثانية بعد تنظيم العلاقات بين الزوجين، ذلك أنه إذا كان التنظيم الأول يعتبر تنظيم أساس البيت، فإن هذا التنظيم يعتبر تنظيم بناء البيت.
ولهذا كما يجب الاعتناء بالأول يجب الاعتناء بالثاني، ولربما كانت صلة هذا الأخير بالمجتمع وبحياة المجتمع أكثر من صلة الأول به؛ لأن هنا أولاداً ينمون ويكبرون ويخرجون إلى الحياة العامة، الحياة الاجتماعية، فإذا لم يلقوا العناية التامة ولم يأخذوا نصيبهم من التربية المتكاملة فهذا بلا شك سوف يؤثر في حياتهم الخاصة وحياة المجتمع عامة. والعلاقة بين الآباء والأبناء هي عبارة عن تبادل الواجبات، فلكل واجبات نحو الآخر، فهناك واجبات الآباء نحو الأبناء، وهناك واجبات الأبناء نحو الآباء، ولنبدأ الآن بالطرف الأول لأهميته الكبرى.

______________________________________________

(33)سورة النساء , الآية (25)
(34)سورة النساء , الآية (34)
(35)سورة النساء , الآية (34)
(36)ومسلم كِتَاب النِّكَاحِ / باب تَحْرِيمِ امْتِنَاعِهَا مِنْ فِرَاشِ زَوْجِهَا (5/260) حديث رقم (1436)
(37)أخرجه البيهقي في السنن الكبرى كتاب القسم والنشوز /باب ما جاء في بيان حقه عليها ()
(38)سورة النساء , الآية (34)
(39)أخرجه الترمذي كِتَاب الرَّضَاعِ / بَاب مَا جَاءَ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا (276) حديث رقم (1163) ، وابن ماجة كِتَاب النِّكَاحِ/ بَاب حَقِّ الْمَرْأَةِ عَلَى الزَّوْجِ (322) حديث رقم (1851)
(40)أخرجه البخاري كِتَاب النِّكَاحِ/ بَاب صَوْمِ الْمَرْأَةِ بِإِذْنِ زَوْجِهَا تَطَوُّعًا (10/336) حديث رقم (5192)، ومسلم كتاب الزكاة/ بَاب مَا أَنْفَقَ الْعَبْدُ مِنْ مَالِ مَوْلَاهُ (4/124) حديث رقم (1026) واللفظ للبخاري
(41)سورة النساء , الآية (34)

يتبع/4

احمد العـتيبي
29-Jan-2013, 12:24 AM
4/تابع

واجبات الآباء نحو الأبناء:


هناك واجبات هامة على الآباء نحو الأبناء، أهم هذه الواجبات هي النفقة. ولوضوحها أقتصر على ذكرها فقط، والتسوية بينهم في المعاملة، وأخيراً التربية والتعليم. وبيان هذين الموضوعين الأخيرين على النحو التالي:

1- التسوية بين الأولاد في المعاملة:

إن تسوية الأبناء في المعاملة من واجب الآباء، وهذه نقطة مهمة، ذلك أن التفرقة في المعاملة تولد الحقد والحسد فيما بينهم وتزيل المحبة والتعاطف فيما بينهم من جهة، وفيما بينهم وبين الآباء من جهة أخرى، إلى جانب هذا وذاك تكون هذه التفرقة سبباً لنشأة بعض الأمراض السيكولوجية أو النفسية في حالات كثيرة. ولهذا قال الرسول r : .. ( اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا فِي أَوْلَادِكُمْ )(42).

2- التربية والتعليم:

إن التربية والتعليم في غاية الأهمية في البيت، لعل الإحساس بهذه الأهمية يجعلنا نعالجها بشيء من التفصيل، لكي يكون الآباء والأمهات على بينة. فمن أهم مبادئها على أقل تقدير وليعرفوا مغازيها وأسرارها والنقط الهامة التي يؤدي الخطأ فيها إلى أخطار قد لا يمكن علاجها فيما بعد.

ولهذا فقد أعطى الإسلام العناية الكبرى لتربية البيت وشجع الآباء على تربية أبنائهم وخاصة التربية الخلقية ففي الأثر: عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ :عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( أَكْرِمُوا أَوْلَادَكُمْ وَأَحْسِنُوا أَدَبَهُمْ) (43) ولما نزل قوله تعالى: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً}(44) قال مجاهد: "قوا أنفسكم وأوصوا أهليكم وأدبوهم" وعن أَيُّوبُ بْنُ مُوسَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (مَا نَحَلَ وَالِدٌ وَلَدًا مِنْ نَحْلٍ أَفْضَلَ مِنْ أَدَبٍ حَسَنٍ ) (45)، لأن التربية الأخلاقية أهم من تعليم العلوم في المرحلة الأولى من حياة الطفل.

حقوق الأبوين على الأولاد(46)


لم ينس الإسلام أن يبين حقوق الوالدين، وأن يشرع منهاج معاملتهم، فهما أصل الأسرة اللذان تحملا العبء وواجها المصاعب في سبيل رعاية الأبناء وتوفير الأمن والسعادة لهم.
فجعل لهما حق البر واللطف والرعاية والرحمة، وأكد هذا الحق حيث قرنه بحق الله، له ما له من الإجلال والوفاء: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا أَلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً}(47).

وخص حال الشيخوخة بمزيد من الحنو والترفق والإكرام والتوقير فهي المرحلة التي يجنيان فيها ثمار الكدح، ويتوجان بتاج الكفاح ويجزيان جزاء الجهاد والدأب: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً# وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً}(48).

وتلك مشاعر الفطرة نحو من لم يشب إحسانهما غرض ولم يبغها بجهادهما أجراً، بل بذلا الرعاية الموصولة والحنان الغامر قربة وفطرة. فلا أقل من التقدير والعرفان، حفظاً على الوفاء، وصيانة للإنسانية من آفات الجحود والنكران.

لقد كان حق الوالدين من العهود الخالدة التي أخذ الله بها الميثاق وكرر بها الوصاة، ولعن من أجلها الناكثين الغادرين.

{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً}(49) وهذا يعظم حرمة الأبوين ويهول إزعاجهما والعدوان عليهما. ولذا كان عقوق الوالدين وجحد إحسانهما من كبائر الذنوب التي لا تنبغي لمسلم، إذ هو قرين الشرك بالله.

قال النبي: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ الشرك بالله، وعقوق الوالدين ...".(50)

والفشل في الظفر برضا الوالدين من دلائل الخسران والبوار، إذ أن رضا الوالدين من رضا الله، وسخطهما من سخطه، وحسبك بهذا قدسية وجلالاً.

وفي الحديث: "رغم أنف من أدرك والديه عند الكبر أو أحدهما ثم لم يدخـل الجـنة" (51)، ما أجل ذلك!.

إن رضاهما طريق للجنة، فإذا حازه الولد فقد بلغ، فليعرف الأبناء الطريق إلى رضوان الله.

وقد اختص الإسلام الأم بتأكيد الوصاة، حتى لا يستهان بحقها وهي ذات الفضل والتحمل، التي لا يقابل جهدها بشكر ولا يقدر بجزاء: {وَوَصَّيْنَا الأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ}(52).

إن الولد جزء من الأم، حملته في الأحشاء وغذته من الغذاء، فلما خرج إلى الدنيا حضنته وسهرت عليه وربطت حياتها به، تتحمل الأثقال وتنهض بالأحمال عن رضا وفرحة.

فهل يسوغ أن يذهل الإنسان عن تلك المضحية من أجله المنهكة في سبيله، وهل يهون عليه كفاحها وضناها..؟!، لذا نبه القرآن على تلك المرحلة التي لا يعيها الإنسان، وإن كانت أهم مراحل عمره وأخطرها، ولفته إلى ما فيها من بذل وفداء، حتى يضـع ذلك أمـام عينيه وينـظر إلى أمـه من خلاله.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَال: (أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ ثُمَّ أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ ثُمَّ أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ ثُمَّ أَبُوكَ (53). ذلك لأن الإنسان يرى جهد أبيه في سبيله ورعايته له وإنفاقه عليه، ولكنه لا يرى حمل أمه له وقيامها عليه في مهده، فاحتاجت الأم إلى تأكيد الوصية وتثبيت الحق لها في الحب والتوقير والإكرام.

كما جعل الإسلام إرضاء الأم وإيناسها ورحمتها طريقاً إلى الجنة .. " فَعنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ جَاهِمَةَ السَّلَمِيِّ :أَنَّ جَاهِمَةَ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَدْتُ أَنْ أَغْزُوَ وَقَدْ جِئْتُ أَسْتَشِيرُكَ ؟ فَقَالَ: هَلْ لَكَ مِنْ أُمٍّ ؟ قَالَ: نَعَمْ . قَالَ: ( فَالْزَمْهَا فَإِنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ رِجْلَيْهَا)(54)

والناس بخير ما عرفوا حق الأمهات، فإن ربهم يكره أن تنطمس بصائرهم وتجحد قلوبهم .. وذلك لا يستقيم مع الإيمان ولا يتفق مع عهده.

عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ :قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ الْأُمَّهَاتِ)(55). والزمن الذي يفشو فيه عقوق الأمهات والقسوة عليهن والغفلة عن حقوقهن هو زمن الفناء، الذي يجف فيه الخير ويغيض الإيمان.

فقد ذكر الرسول من علامات الساعة: "أن تلد الأمة ربتها" فعن عمر ابن الخطاب : فيما ذكر في حديث جبريل الطويل عند ذكر علامات الساعة قَالَ(أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا)(56) أي تلد المرأة من يعاملها معاملة السيد لجاريته!. وهذا تحذير من الاستطالة وإرهاب من العدوان. لقد بلغ الإسلام في تقرير حق الوالدين قدراً رفيعاً من الرحمة والكرامة والوفاء.

ومن ذلك إيجاب الإحسان إليهما ولو مشركين، بل ولو بلغا مرحلة الدعوة إلى الكـفر وحمل الابن عليه.

فلا يمنع كفرهما من الإحسان إليهما، ولا يحمل على مضارتهما وجحد حقهما، يقول الله تعالى: }وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً{(57).
وسألت الرسول r أسماء بنت أبي بكر: إن أمي زارتني وهي راغبة، أفأصلها؟! "وكانت أمها مشركة"، فقال: "صلي أمك"(58).

وهذا هدي رائع، يدل على مدى رعاية الإسلام للأبوة والأمومة، وحرصه على برهما وشكرهما، وهو أيضاً دليل على إنسانية هذا الدين وتأكيده لعلائق البر والوفاء والخير والعطاء.

___________________________________________

(42)أخرجه مسلم كتاب الهبات باب كَرَاهَةِ تَفْضِيلِ بَعْضِ الْأَوْلَادِ فِي الْهِبَةِ (6/75) حدبث رقم (1623)
(43)أخرجه ابن ماجة كتاب الأدب بَاب بِرِّ الْوَالِدِ وَالْإِحْسَانِ إِلَى الْبَنَاتِ (609) حديث رقم (3671)
(44)سورة التحريم , الآية (6)
(45)أخرجه الترمذي كِتَاب الْبِرِّ وَالصِّلَةِ بَاب مَا جَاءَ فِي أَدَبِ الْوَلَدِ (444) حديث رقم (1952)
(46)
(47)سورة الإسراء , الآية (23)
(48)سورة الإسراء , الآية (23-24)
(49)سورة البقرة , الآية (83)
(50)أخرجه البخاري , كتاب الشهادات , باب ما قيل في شهادة الزور (2/938)
(51)أخرجه مسلم , كتاب البر والصلة والآداب , باب رغم أنف من أدرك أبويه أو أحدهما فلم يدخل الجنة (4/1976)
(52)سورة لقمان , الآية (14)
(53) أخرجه البخاري كِتَاب الْأَدَبِ بَاب مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ(10/452) حديث رقم (5971) ، ومسلمكِتَاب الْبِرِّ وَالصِّلَةِ وَالْآدَابِ بَاب بِرِّ الْوَالِدَيْنِ وَأَنَّهُمَا أَحَقُّ بِهِ (8/343) حديث رقم (2548)
(54)أخرجه النسائي كِتَاب الْجِهَادِ الرُّخْصَةُ فِي التَّخَلُّفِ لِمَنْ لَهُ وَالِدَةٌ (478) حديث رقم (3104)
(55)أخرجه البخاري كِتَاب فِي الِاسْتِقْرَاضِ وَأَدَاءِ الدُّيُونِ وَالْحَجْرِ وَالتَّفْلِيسِ بَاب مَا يُنْهَى عَنْ إِضَاعَةِ الْمَالِ(5/79) حديث رقم (2408) ، ومسلم كِتَاب الْأَقْضِيَةِ / بَاب النَّهْيِ عَنْ كَثْرَةِ الْمَسَائِلِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ وَالنَّهْيِ عَنْ مَنْعٍ وَهَاتِ وَهُوَ الِامْتِنَاعُ مِنْ أَدَاءِ حَقٍّ لَزِمَهُ أَوْ طَلَبِ مَا لَا يَسْتَحِقُّهُ (6/251) حديث رقم (1715)
(56) أخرجه مسلم كِتَاب الْإِيمَانِ بَاب بَيَانِ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ وَالْإِحْسَانِ (1/177) حديث رقم (8) وغيره
(57)سورة لقمان , الآية (15)
(58)أخرجه البخاري , كتاب الهبة وفضلها , باب الهدية للمشركين (2/924)


يتبع/5

احمد العـتيبي
29-Jan-2013, 12:40 AM
5/تابع

تنظيم العلاقة الأسرية مع الجيران:

إن الإسلام ربط الفرد بالأسرة وربط الأسرة بالمجتمع لتكوين وحدة اجتماعية، وقد نعلم كيف ربط الفرد بالبيت، ونذكر هنا كيف ربط البيت بالمجتمع عن طريق إقامة الترابط والعلاقات بين البيوت المتجاورة. وقد ربط الإسلام بين البيوت كما ربط بين الأفراد، وكانت الأسس التي أقام عليها هذه العلاقة هي الأسس التي أقام عليها علاقة كل مسلم بأخيه المسلم. وأهم هذه الأسس هي:

أولاً: عدم التجسس على البيوت المجاورة والبعيدة:

هذه النقطة مهمة، ذلك أن هناك جيراناً يحاولون أن يعرفوا كل شيء حتى خصوصيات الأشياء السرية لدى الجيران، ثم إذا اكتشفوا شيئاً من ذلك يعلنونه فيما بين الناس، وكأنهم كشفوا شيئاً هاماً يكافأون عليه، أو كأنهم اخترعوا شيئاً يفتخرون به؟!.

هذه الأمور تثير البغضاء والفتن والخصومات بين الجيران، ولهذا منع الله التجسس فقال تعالى: {وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ}(59).

كذلك منع الإسلام الإطلاع على عورات الجيران، والنظر إلى البيوت ليطلعوا على ما حرم الله الإطلاع عليه، وهذا من الخصال الخبيثة، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ اطَّلَعَ فِي بَيْتِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ فَقَدْ حَلَّ لَهُمْ أَنْ يَفْقَئُوا عَيْنَهُ )(60)

ثانياً: عدم إيذاء الجيران بأي شيء، كسد طرقهم أو إلقاء القمامة أمام دورهم، أو فتح المذياع بصوت مرتفع:

لقد منع الإسلام إيذاء الجيران حتى بريح القدر أو بألوان الأكلات الشهية. فعليه أن يسترها عن أعينهم، وإلا فالواجب أن يعطيهم منها، ولهذا ينبغي على المسلم ألا يترك أولاده يأكلون طعامهم خارج البيت، حتى لا تقع عيون جيرانهم على طعامهم، فتتوق نفوسهم إليه، ثم لا يقدرون الحصول عليه، فيشعرون بالحرمان ويحسدونهم على ما آتاهم الله من فضله. لذا قال الرسول الكريم r : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَـالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيـَوْمِ الْآخِـرِ فَلَا يُؤْذِ جَارَهُ .. )(61)

ثالثاً: مشاركة الجيران مشاعرهم في السراء والضراء:

إن مثل هذه المشاركة هي التي تضفي على العلاقات المودة والمحبة والمشاعر الإنسانية النبيلة ولهذا فعليهم أن يشاركوهم في أفراحهم وأتراحهم. فعليهم أن يهنئوهم إذا أصابهم الخير، وأن يعزوهم إذا ألمت بهم الملمات، وأن يعودوهم إذا مرضوا، وأن يطعموهم إذا جاعوا، ولهذا كله كان يوصي الرسول r بالجار دائماً، وكان يقول: عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ )(62)، وقال أيضاً: "ليس المؤمن بالذي يشبع وجاره جائع إلى جانبه" (63).

رابعاً: التهادي والتزاور واستقبالهم بالبشاشة والترحيب:

فالتهادي يورث المحبة، عن عائشة ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (تهادوا تحابوا) (64)، ولهذا دعا إلى عدم ازدراء الهدية مهما كانت صغيرة، لأن ازدراء الهدية يورث النقمة ويفسد العلاقات، لهذا وذاك كان الرسول r يقول: "لو أُهْدِيَ لي فَرْسنُ شاة لقبلت" (65).

والتزاور سنة لأنهم قد يرون حاجة يقضونها، أو عجزاً عن شي يساعدون فيه. وكذلك استقبالهم بالبشاشة والترحيب له تأثير في الألفة وإدخال السرور في نفوسهم، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ :قَالَ : رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ )(66)

خامساً: التعاون على البر وإزالة المنكر:

يجب أن يعاون الجار جاره إذا طلب منه العون، لأن ذلك من حقه، كذلك يجب أن يتعاون المتجاورون على الأمر بالمعروف وتحقيق البر والتقوى، وذلك وفقاً لقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}(67). هذا التعاون يجب أن يتم أولاً في إطار أفراد الأسرة، ثم في إطار الجيران وأخيراً في إطار المجتمع كله.

من هذا كله نرى مدى اهتمام الإسلام في تنظيم المجتمع الأسري من جميع النواحي لأنه أساس المجتمع الكبير. ومن هنا نرى الشرع الشريف يشير إلى تلك الأمور مجتمعة في هذا الأثر عن حقوق الجار عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( أتدرون ما حق الجار ؟ إن استعان بك أعنته ، وإن استقرضك أقرضته ، وإن افتقر عدت عليه ، وإن مرض عدته ، وإن مات اتبعت جنازته ، وإن أصابه خير هنأته ، وإن أصابته مصيبة عزيته ، ولا تستطل عليه بالبناء ، فتحجب عنه الريح إلا بإذنه ، وإذا اشتريت فاكهة فأهد له ، فإن لم تفعل فأدخلها سرا ، ولا يخرج بها ولدك ليغيظ به ولده ، ولا تؤذه بقتـار قـِدرك إلا أن تغـرف له منها ) (68)
بل أكثر من هذا فالإسلام قد ربط إكرام الجار بالإيمان بالله تعالى فعَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْعَدَوِيِّ قَالَ : سَمِعَتْ أُذُنَايَ وَأَبْصَرَتْ عَيْنَايَ حِينَ تَكَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ )(69)

ولننظر إلى هذه المبادئ الإسلامية المتعلقة بالجيران لو أنها طبقت في الحياة العملية هل يبقى إنسان جائع بين الناس، وهل توجد هناك المشكلات والخصومات التي نراها كل يوم فيما بين الجيران؟ وهل يبقى عاجز عن الشيء؟ بالإضافة إلى هذا، كم تكون هناك محبة ومودة أو ألفة متبادلة بينهم وبالتالي بين أفراد المجتمع كله. ثم كم يكون هناك هناء ووئام بين الأسر؟ إن بهجة الحياة لا تكتمل ما لم تكن هناك معاشرة جميلة بين الناس الذين يربطهم جميعاً المكان والزمان بصفة مستمرة. وكل ذلك من وسائل سعادة بناء البيت الإسلامي السعيد، وهل يمكن أن يشعر بالبهجة والسرور إذا بنى علاقته مع جيرانه على العداوة والبغضاء والنفور والكراهية؟ ولا يأمنون شره ولا يأمن هو الآخر شر جيرانه، ولذا فقد حذر الرسول r من عاقبة مثل هذه المعاملة السيئة فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ )(70).

________________________________________________

(59)سورة الحجرات , الآية (12) (60) أخرجه مسلم كِتَاب الْآدَابِ /بَاب تَحْرِيمِ النَّظَرِ فِي بَيْتِ غَيْرِهِ (7/391) حديث رقم (2158) وغيره
(61)أخرجه البخاري كِتَاب الْأَدَبِ بَاب مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُؤْذِ جَارَهُ (10/502) حديث رقم (6018) وغيره
(62) أخرجه البخاري كتاب الأدب بَاب الْوَصَاةِ بِالْجَارِ(10/497) حديث رقم (6014) ، ومسلم كِتَاب الْبِرِّ وَالصِّلَةِ وَالْآدَابِ بَاب الْوَصِيَّةِ بِالْجَارِ وَالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ (8/424) حديث رقم (2624)
(63)
(64)أخرجه الطبراني المعجم الأوسط (16/24) حديث رقم (7448)
(65)
(66)أخرجه الترمذي كِتَاب الْبِرِّ وَالصِّلَةِ بَاب مَا جَاءَ فِي صَنَائِعِ الْمَعْرُوفِ (445) حديث رقم (1956)
(67)
(68)أخرجه الخرائطي في مكارم الأخلاق (1/236 ) حديث رقم (227)
(69)أخرجه البخاري ِكتَاب الْأَدَبِ بَاب مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُؤْذِ جَارَهُ(10/503) حديث رقم (6019) ، ومسلم كِتَاب الْإِيمَانِ بَاب الْحَثِّ عَلَى إِكْرَامِ الْجَارِ وَالضَّيْفِ وَلُزُومِ الصَّمْتِ إِلَّا عَنْ الْخَيْرِ وَكَوْنِ ذَلِكَ كُلِّهِ مِنْ الْإِيمَانِ (1/293) حديث رقم (47)
(70)أخرجه مسلم كتاب الإيمان باب بَيَانِ تَحْرِيمِ إِيذَاءِ الْجَار(1/293) حديث رقم (47) وغيره


يتبع/6

احمد العـتيبي
29-Jan-2013, 12:57 AM
6/تابع

وجوب الأدب الحسن بين الزوجين:

إن الأدب الحسن والخلق الحسن واجب بين الزوجين -وهو ما يقال عنه: الاحترام المتبادل- وهذا هو المصباح الذي يشع في جو الحياة الزوجية بأنوارها وضيائها، فالزوج يحب أن يشعر باحترام زوجته إياه، وأنها تسعى إلى إيجاد التفاهم معه بالفطرة السليمة، فيجب على الزوجة أن تذكره ذكراً حسناً، وأن تفخر به أمام أهلها وأمام أهله، فالزوج الذي تقدره زوجته يزيد من تقديره لها، والزوجة التي يقدرها زوجها يزيدها تقديراً له.

وأما تلك التي تبخس من قدر زوجها، فلا تعترف بفضله، ولا تعتز به، فهي تفوت على نفسها حق تقدير زوجها لها، وكذلك الزوج الذي لا يعترف بفضل زوجته ولا يعتز بها، فهو يجر على نفسه سخط زوجته عليه.

وما أجمل أن يكون الاحترام المتبادل بين الزوجين قائماً على الدوام، وأن يكون عن طيب خاطر وراحة نفس، لأنه يصبح مع الزمن أمراً طبيعياً، حيث يكون كل منهما حريصاً على حفظه لشعور الآخر.

وما عسى أن يكون هذا التبادل الإيجابي بين الزوجين إلا أن يعكس على حياتهما المودة والألفة والمحبة.

إن الكلمة الطيبة بين الزوجين لتعمل عملها الفاعل في تحقيق التفاهم، حتى يشعر كل من الزوجين أنه بحاجة إلى الآخر، لاستكمال سعادته، وكلنا يود أن يقدر وأن يذكر بخير، وأكثرنا لا يألو جهداً في إتقان عمله إذا سمع كلمة حمدٍ، أو عبارة تقديرٍ، فالطريق إلى قلب الزوجة أن تدعها تدرك أنك تعرف قيمتها ولا تنكرها.

آداب الزوجة وأخلاقها في بيت الزوجية:

إن آداب الزوجة في بيت الزوجية لها آثارها الطيبة في الحياة وهذا تفصيلها: إن الزوجة الكريمة في أعين الرجال هي التي لا تنسى أنها أنثى، فكلمة امرأة عند معظمهم تعني "الأنوثة"، والأنوثة تعني بدورها الرقة والجاذبية والدلال.

إن كل امرأة تعنى بمظهرها الخارجي، وتسلك سلوك الأنثى، فتحرص على إبراز رقتها، وإظهار جاذبيتها، وتتحلى بدلالها، مثل هذه المرأة تعطى الدليل على تقديرها لأنوثتها، وتبرهن على رغبتها المشروعة في أن تجذب وترضي زوجها.

ومن أدبها: أن تراعي الأولويات:

تعمل الزوجة الكريمة غالباً وفق لنظام الأولويات، وفي هذا النظام تحتل العلاقة بين الزوجين –العاطفية والجسدية- المقام الأول.
فلا تهتم المرأة بشيء مثل اهتمامها بزوجها، لأنها تعلم أن هذا هو أحد مقومات السعادة الزوجية. يقول أحد كبار علماء النفس: "إن المؤسسات الزوجية الناجحة هي التي تقوم على (نظام الأولويات) المدروس دراسة وافية". وهذا يعني أنه لا ينبغي للمرأة أن تترك حبها لأولادها واهتمامها بهم يطغى على حبها واهتمامها بزوجها.

ومن أدبها: أن تكون منطقية في متطلباتها:

وفي المثل الطريف: "إن المرأة لا تريد إلا الزوج، فإذا حصلت عليه أرادت كل شيء!".

بعض النساء يدفعن أزواجهن في سبل شائكة وملتوية لا قبل لهم بها، ثم يثرن ويتذمرن إذا أعلن الزوج عدم قدرته على تحقيق شيء من تلك المتطلبات.

وهذا يؤدي وفقاً لطبيعة الأمور بالحياة الزوجية إلى طريق مسدود بالعقبات المصحوبة بالمشاحنات؛ مما يعني نزاعاً في صميم تلك الحياة قد يترتب عليه انهيارها.

وقد اعتبر معاذ بن جبل المرأة التي من هذا القبيل من الفتن وعلى الخصوص فتن السراء، التي يخشى على المؤمنين منها.. فعن رجاء بن حيوة، عن معاذ بن جبل قال: "إنكم ابتليتم بفتنة الضراء فصبرتم، وإني أخاف عليكم من فتنة السراء: وهي النساء، إذا تحلين بالذهب، ولبسن ريط الشام، وعصب اليمن، فأتعبن الغني، وكلفن الفقير ما لا يطاق"(71) .

ومن أدبها: أن لا تختلق النكد:

إن سعادة الرجل في حياته تتوقف على مزاج زوجته أكثر من أي شيء آخر.

وقد تتمتع المرأة بكل فضيلة أخرى تحت الشمس، ولكن هذه الفضائل كلها تصبح لا وزن لها ولا قيمة إذا كانت المرأة ذات "مزاج نكدي".

فالمزاج النكدي للمرأة يسبب من التعاسة للرجل ما يسببه السفه.
وتدل الاستقراءات العديدة لكثير من الزيجات على أن النكد الذي تختلقه المرأة هو من أكبر العوامل التي تقوض صرح السعادة الزوجية.

وقد قال كثير من الرجـال: إن أسوأ صفة من الممكن أن تتصف بها المـرأة هي: "اختـلاق النكد".

ومن أدبها: أن تحافظ على صورتها الحلوة:

لعل أول ما يجعل الرجل يتعلق بالمرأة هو صورتها الحلوة التي رآها عليها أول مرة. ولكن للأسف بعض النساء ينسين هذه الحقيقة بعد الزواج؛ فيهملن أنفسهن شيئاً فشيئاً؛ فتراها في المنزل منكوشة الشعر، أو تعصبه بإهمال، ورائحة المطبخ تستقبلك منها، وتظل مرتدية الملابس التي كانت تؤدي بها سائر أعمال المنزل، متجاهلة الذوق العام والآداب المرعية والجوانب النفسية والجمالية، ولا تزال مصرة على هذا الإهمال لاسيما بعدما يجيء العدد الكافي من الأولاد؛ فها هي قد كبلت الرجل. فلا يستطيع فراراً!!.

ولذلك لا نندهش عندما نجد زوجة يهملها زوجها، ويتطلع إلى غيرها، بينما نجد زوجة أخرى قليلة الجمال ولكنها تمتلك قلب زوجها وعواطفه بحفاظها على أناقتها، وحرصها على نظافتها وبهاء زينتها وملبسها.

ومن أدبها: أن تتحلى بـ "اللباقة":

تضع الزوجة الكريمة في حسبانها دائماً أنه ليس هناك أجدى من "اللباقة" في تحقيق الانسجام مع الرجل، فهي السحر الذي يسمح لها أن تنفذ إلى أعماق قلبه ووجدانه في أغلب الأحيان.

واللباقة تعني بكل بساطة: الكلمة المناسبة، الفعل الدائم، ورد الفعل الذكي.

أو بعبارة أخرى: إن المرأة اللبقة هي التي تلبس لكل حالٍ لبوسها، وتستطيع أن تحول الموقف المضاد بذكاء الكلمة والفعل إلى صالحها.

وأيضاً مما يرويه المؤرخون في الدلالة على لباقة بعض النساء: أن خالد بن يزيد بن معاوية وقع يوماً في عبد الله بن الزبير منافس بني أمية اللدود، وأقبل يصفه بالبخل، وكانت زوجته رملة بنت الزبير أخت عبد الله جالسة، فأطرقت ولم تتكلم بكلمة، فقال لها خالد: مالك لا تتكلمين؟! أرضىً بما قلته أم تنزهاً عن جوابي؟! فقالت: لا هذا ولا ذاك! ولكن المرأة لم تخلق للدخول بين الرجال، إنما نحن رياحين للشم والضم! فما لنا وللدخول بينكم؟! فأعجبه قولها ورجاحة عقلها.

ومن أدبها: أن تحرص على تحصيل خبرات جديدة:

تتميز بعض النساء عن غيرهن بقدرتهن المتواصلة على تعلم كل جديد، والاستفادة المتوالية من خبرات الآخرين وتجاربهم؛ انطلاقاً من الإيمان القوي بأن أفضل وسيلة "للتجدد" هي التعلم المستمر وإضافة خبرات جديدة إلى خبراتها السابقة.

ومن أدبها: أن تكون مستقلة الشخصية عن أمها:

أحياناً بعض الزوجات تحتم عليها الظروف أن تظل بعد الزواج طفلة تعتمد في كل شيء على أمها، ولا تستطيع أن تتصرف في شؤونها وشؤون زوجها إلا على ضوء ما تمليه عليها والدتها؛ مما قد يضيق به صدر الرجل الذي يريد لزوجته أن تكون شخصية مستقلة تصدر في أفعالها عن وعي ناضج وتفكير شخصي واعٍ.

ومن أدبها: أن تجيد معاملة أهل الزوج:

كثيراً ما تحدث مصادمات بسبب عدم القدرة على التعامل مع أهل الزوج، فقد يكون أحدهم لا يحسن اختيار ألفاظه، أو سيء التصرف، ولاسيما الحموات.

والمرأة العاقلة هي التي تستطيع كظم غيظها، وتلتمس الأعذار لمن تتعامل معهم، ولا تعتبر زوجها مسؤولاً عن تصرفات أهله، فلا تزر وازرة وزر أخرى.

ومن أفضل الأساليب التي تلجأ إليها الزوجة الحكيمة أنها تضع نفسها موضع حماتها، وتعاملها بالشكل الذي تحب أن تعامل هي به عندما تصبح حماة. وعندما تشعر الزوجة هذا الشعور، وتعمل من ذلك المنطلق فسيهون عليها كثيرٌ من المنغصات التي تعكر عليها صفو علاقاتها بزوجها.

ومن أدبها: أن تعلم أن النظافة أبقى لها من الجمال:

والزوجة الكريمة تعمل دائماً على أن يأنس منها زوجها التجمل والزينة، وتحرص على أن تبدو نظيفة في نفسها وفي بيتها وكل متعلقاتها؛ لأنها تعلم أن النظافة أبقى لها من الجمال، وأن الزوجة المهملة لنظافتها تصبح منفرة لزوجها ومن أعجب الأعاجيب أن هناك من النساء من تصر على أن ترتدي أجمل الثياب وتتحلى بأنواع الحلى حين تخرج من المنزل أما في البيت فلا جمال ولا زينة ولا .........

ومن أدبها: أن لا تفرط في الزينة ومجاراة خطوط الموضة:

فهي واثقة بنفسها، وليس لديها شعور بالنقص يدفعها إلى خوض مجالات غريبة تحاول بها تعويض هذا النقص، في حين أن المرأة التي تشك في نفسها، وينتابها شعور بالنقص تجاه الأخريات من أترابها، تحاول أن تؤكد شخصيتها في دائرة الأنوثة بالاستزادة من الزينة وبإتباع أحدث الموضات، معتقدة أن في هذا تعويضاً للشعور بالنقص، وأنها بذلك سيمكنها أن تفوز باهتمام الرجل.

ولكن .. هيهات! .. فليس بالإسراف في الزينة والموضة تستطيع المرأة أن تفوز بالرجل، وإنما يمكنها ذلك بأشياء أخرى كثيرة.

ومن أدبها: أن تكون أمينة عليه مخلصة له:

والزوجة الكريمة مخلصة لزوجها حتى لو كانت لا تحبه، فطالما ارتبطت به بعلاقة الزوجية التي تعد من أرقى العلاقات الإنسانية فإنها تحترم تلك العلاقة أبداً.

ولن تدوم علاقة قامت على الخيانة والخداع، فكما أن للظلم نهاية، فإن للخداع أيضاً نهاية، لكنها غالباً ما تكون مؤلمة، والخاسرة طبعاً هي المرأة.

ومن أدبها: أن تكون غير مسرفة في الاختلاط مع الجيران:

ولا تُدْخِل أحداً دارها إلا بإذن زوجها. فكثر الاختلاط بالجيران، والتداخل المستمر معهم، من الأسباب التي تجلب كثيراً من المتاعب، ويتمخض عنها غالباً احتكاكات غير لطيفة.

ومن هنا فإن مـعظم الرجال ينظـرون بعين التقدير للمرأة التي تدرك تلك المسـألة وتعمل وفقاً لها.

ومن أدبها: أن تعيش الحاضر فقط:

كثير من النساء يلححن في سؤال أزواجهن عن نزواته السابقة، وما هي أوصاف من تعلق قلبه بها.. والواحدة منهن عندما تسأل زوجها مثل تلك الأسئلة تؤكد له أنها لن تغضب ولن يؤثر ذلك فيها.

وإذا استجاب الرجل لهذا الإلحاح، فإنه يكون قد وقع في أكبر الأخطاء التي تؤثر تأثيراً مباشراً على علاقة المرأة به؛ لأنها مهما أقسمت له بأغلظ الأيمان أن صراحته لن تؤرقها، فهي تخدعه وتخدع نفسها.. فأي اعتراف من الرجل بعلاقاته السابقة أو بشعوره تجاه بعض النساء، يكون أشبه بفتيلة مشتعلة يضعها في حياته الزوجية من الممكن أن تشـعلها ناراً في أي لحظـةٍ؛ فالمـرأة لا تنسى.

ومن أدبها: أن لا تعتبر المال أصدق دليل على الحب:

من النساء من يعتقدن أن إنفاق الرجل المال عليهن أصدق دليل على الحب، فكلما أنفق الرجل أكثر اعتقدن أنه يحبهن أكثر، وكلما قصر في الإنفاق أو عجز عنه، اعتقدن أنه قد كف عن حبهن.

وهذا الاعتقاد ليس له مكان في عقل المرأة الصالحة، لأنها تدرك تماماً أن مظاهر الحب متعددة، منها الكلمة الطيبة، والسلوك المعبر، والعاطفة الجياشة، وقد يكون المال إحدى الوسائل التي يلجأ إليها بعض الرجال للتعبير عن حبهن.. أقول إحدى الوسائل، وليس كل شيء.. فهو ليس المقياس الأوحد التي تقيس به المرأة الصالحة الكريمة حب الرجل، وفي أحيان كثيرة لا يعتبر مؤشراً –على الإطلاق- على أن الرجل يحب، بل قد يكون إحدى وسائل الإغراء والغواية.

ومن أدبها: أن لا تكون مسرفة في طعامها وشرابها:

والزوجة الكريمة امرأة معتدلة في كل شأنها، لا تُفْرِط ولا تُفَرِّط. فهذا دأبها وديدنها دائماً وأبداً ... ومن مظاهر ذلك أنها لا تسرف في طعامها وشرابها استجابة لمقتضيات العقل وتنفيذاً لأوامر الله تعالى عندما قال: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}(72).

ومن أدبها: أن لا تكون مهملة:

والزوجة الكريمة امرأة حريصة غير متهاونة أو مهملة؛ فعندما تفتح باباً لا تنسى أن تغلقه، وإذا أخفت شيئاً لا تنسى موضعه، وإذا اعتبرت بحادثٍ لا تنسى عبرته، ولو ائتمنها أحد على سر لا تنسى أن تكتمه.

ومن أدبها: أن تقدر الأمور بقدرها؛ فلا تقلب الميزة عيباً:

عندما تحكم الزوجة الكريمة على الأمور؛ فإنها تقدر كل شيء بقدر، فتقييمها مثلاً لصفات الرجل يظل ثابتاً سواء أحبته أم كرهته، لأنها تملك الحد الأدنى من الموضوعية التي تعصمها عن بخس الناس أشياءهم.

ومن أدبها: أن لا تحمل في عقلها سجلاً أسود عن الماضي:

والزوجة الكريمة ذات قلب أبيض، لا تحمل في عقلها سجلاً أسود ضخماً تدون فيه كل نقائص زوجها، صغيرة وكبيرة.

ومن أدبها: أن تتخذ موقفاً إيجابياً تجاه عيوبها وعيوب زوجها:

لاشك أن الزواج يعتبر بمثابة الضوء الساطع الذي يسلط على الشخصية، فيكشف عن عيوبها ونقائصها في وضح النهار، والزوجة الكريمة هي التي تتخذ موقفاً إيجابياً من تلك العيوب، سواء كانت عيوب الرجل أم عيوبها هي.

أما موقفها من عيوب الرجل فينبغي عليها ألا تحاول دائماً أن تنتقد تصـرفاته، كأنها مكـلفة بذلك.

ومن أدبها: أن تتنزه عن الشجار والجدال:

الشكوى ... التعبير ... التحقير ... الزراية ... الاستخفاف ... ألوان منوعة من التعذيب النفسي التي تختص الزوجة في إحداها أو فيها جميعاً.

وأسوأ ما في "النقار" أنه قد يبدأ عفواً، ولكنه سرعان ما يتحول إلى عادة راسخة؟!.

فالزوجة التي تبدأ وهي في سن العشرين تتساءل متى يتسنى لزوجها أن يشيد لنفسه بيتاً كما فعل صديقه "فلان" تستحيل في سن الأربعين إلى زوجة مصابة بداء "النقار المزمن"!.

ومن أسوأ مظاهر "النقار" أن تعير المرأة زوجها بغيره من الناس.

ومن أدبها: أن لا تدفع زوجها إلى التهور:

عندما يحدث تصادم ما مع الأهل أو الأصدقاء أو الجيران، في غياب الرجل.. فإن ردود أفعال النساء تتباين من واحدة إلى أخرى عند حضوره.

فالحمقاء تجد لذة خبيثة في تجسيم النزاع، وتحويره وتهويله! زاعمةً أنها قد أهينت في صميم كرامتها، وأنها ليس لها رجل يعرف كيف يدافع عنها، ويلزم خصومها المعتدين حد الاحترام والأدب!.

ولذلك فقد قال سليمان بن داود في حكمته: "المرأة العاقلة تبني بيتها، والسفيهة تهدمه".

نعم!؟ إن المرأة العاقلة تبني بيتها لأنها تعمل على أن يضبط زوجها نفسه، وتحرص على هدوء أعصابه، ولا توغر صدره؛ فلا تحرف الأحداث، ولا تهول ما حدث من سوء فهم أثناء غيابه؛ لأنها تعلم أن تهاويل المرأة أفعل من النفس والقلب لدى الرجل من السموم، وأفعل من نفسه من وقع الإهانة المباشرة، مما قد يسوقه إلى ارتكاب فعل يترتب عليه أسوأ النتائج.

ومن أدبها: أن لا تضع نفسها مواضع التهم:

من العادات السيئة التي يتحلى بها كثير من الناس سرعة الظن السيئ بالآخرين لأتفه سبب أو لأقل اشتباه.. وإن كان المرء لا يملك أن يغير من عادات هؤلاء شيئاً فإنه يمكنه ألاً يعطيهم أي فرصة أو أدنى مبرر لكي يظنوا به ظن السوء؛ فيتجنب مواضع التهم، ويبعد عن مواطن الاشتباه. وهذا أوجب ما يجب على المرأة الصالحة؛ فهي لا شك أنها عفيفة طاهرة قانتة حافظة للغيب بما حفظ الله، ولكن مع ذلك قد تفعل فعلاً أو يصدر عنها قول –وهي حسنة النية- فيظن بها الظانون ظناً هي أبعد ما تكون عنه، ولذا فقد قال تعالى: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ}(73).



___________________________________

(70)أخرجه مسلم كتاب الإيمان باب بَيَانِ تَحْرِيمِ إِيذَاءِ الْجَار(1/293) حديث رقم (47) وغيره
(71)
(72)سورة الأعراف , الآية (31)
(73)سورة الأحزاب , الآية (32)


يتبع/7

احمد العـتيبي
29-Jan-2013, 01:28 AM
7/تابع

ومن أدبها: أن لا تفشي سراً لزوجها وأهلها:

يفضل دائماً الرجل الذكي المرأة الكتومة التي يصعب عليها، بل يستحيل أن تفشي سراً أو تنقل كلاماً سمعته من أحد المتحدثين.
ولقد بلغ من كره بعض الرجال للمرأة المتساهلة الطائشة التي تتحدث بأخبار الناس وتفشي أسرارهم، أن هجا أحدهم أمه لأنها تسلك هذا المسلك، يقول الحطيئة لأمه، ولم يسلم من لسانه أحد:


تنحـي فـاجلسي منـي بعيـداً=أراح الله منـك العالمينـا
أغربــالاً إذا استودعت سـراً=وكانوناً علـى المتحدثينا؟
حياتك، ما علمت، حياة سوء=وموتك قد يسر الصالحينا

ومن أخطر الأسرار التي تنشرها بعض الحمقاوات من النساء – أسرار اللقاء الجنسي ... دون أن تدري إحداهن عاقبة ذلك، ولو علمت ما فعلت.

ومن أدبها: أن تتفهم زوجها وتحاول التكيف معه:

وهي تتمتع بتصور واقعي منذ بدء حياتها الزوجية، فلا تتوقع أن يتحقق التوافق والاتحاد بينها وبين الرجل فور ارتباطهما دفعة واحدة، بل تضع في ذهنها أن التوافق العاطف والعقلي يستلزم اجتياز مرحلة –طالت أم قصرت- من "المحاولة والخطأ". وليست العبرة هنا بأن تتحاشى كل تجربة، أو تنأى بنفسها عن كل ما قد يعرضها للخطأ، بل العبرة بخوض التجارب والاستفادة منها وعدم تكرار الأخطاء ذاتها.

ومن أدبها: أن لا تضيع حق زوجها بحجة أداء حق الله:

فهناك من النساء من تظن أن الإكثار في عبادة الله تعالى ولو على حساب زوجها أو أهلها، قد يزيدها قرباً من الله سبحانه.. وهذا ظن يجدر بكل امرأة متفهمة أن تتنزه عنه؛ لأن الذي أمرها بعبادة الله هو ذاته الذي أمرها بأداء حق الزوج.. وذلك هو الله سبحانه. وفي هذا المعنى يقول الأصمعي: "رأيت في البادية امرأة عليها قميص أحمر، وهي مختضبة وبيدها سُبْحَةٌ!! فقلت: ما أبعد هذا من هذا!؟ فقالت:


ولله مني جانب لا أضيعه=وللهو مني والبطالة جانب

فعلمت أنها امرأة صالحة لها زوج تتزين له".
فهذه الرواية التي يذكرها الأصمعي تضرب لنا مثلاً رائعاً لامرأة صالحة تملك القدرة على الموازنة بين حقوق الله وحقوق الزوج.

ومن أدبها: أن تشارك زوجها حلو الحياة ومرها:

المرأة المخلصة هي التي لا تتخلى عن زوجها في الأزمات، فكما تعيش معه أيام الرخاء تعيش معه أيضاً أيام الشدائد دون تذمر أو سخط. فليست الحياة تسير على وتيرةٍ واحدة دائماً.. وتلك سنة الله في عباده.

ومن الطرائف التي تروى في هذا الصدد، ما يذكره الأصمعي عندما قال: أصابت الأعراب مجاعة، فمررت برجلٍ منهم قاعد مع زوجته بقارعة الطريق، وهو يقول:


يا رب إني قـاعد كما ترى=وزوجتي قـاعدة كما ترى
والبطن مني جائع كما ترى=فما ترى يا ربنا فيما ترى؟!

ومن أدبها: أن توافق رغبات زوجها ولا تخالفه إلى ما يكره:

لكل رجل أشياء يحبها، وأخرى يكرهها ولا يستسيغها .. والمرأة الصالحة هي التي توافق مع زوجها في عاداته غير السيئة، وتحـرص على تحقيق رغباته المشـروعـة، ثم تتجنب الأمـور التي يكرهها.

ومن أدبها: أن تجيد فن الحديث مع زوجها:

المحادثة الودية ضرورية لخلق علاقة عاطفية مع من نحب. وحتى تستمر المحادثة ممتعة لسنوات عديدة يحتاج الزوجان إلى مواضيع جديدة ليتحدثا بشأنها. وفي ضوء هذا، فإن المرأة الصالحة تجيد فن الحديث الودي، ويكون لديها القدرة على إثارة موضوعات جديدة تتحدث فيها مع الزوج .. طبعاً ليست هذه الموضوعات مما قد يؤدي إلى النكد، أو إلى تعميق هوة الخلاف.

ومن أدبها: أن تعبر عن مشاعرها وتعطي لزوجها فرصة التعبير عن مشاعره:

والمحادثة الودية لا تعني فقط المشاركة بالمعلومات ووجهات النظر، بل التعبير عن العواطف والمشاعر أيضاً، فإذا شاركت المرأة مثلاً في نشاط اجتماعي أو أي عمل آخر، فلا تقصر حديثها عنه في مجرد ما جرى خلال اليوم، بل تتجاوز ذلك إلى الحديث عن مشاعرها تجاه ذلك وتجاه الذين شاركوها أو شاركتهم فيه.

ومن أدبها: أن ترضى بما قسم الله لها من الرزق:

والمرأة الصالحة هي التي ترضى بما قسم الله تعالى لها، فلا تسخط على زوجها إن كان أدنى منها في الجمال، ولا تتفاخر عليه.

كما أنها ترضى بإمكانات الزوج سواء في الرخـاء أو الشـدة، فليست الأيـام كلها على حال واحدة.

ومن أدبها: أن تكون غير مفرطة في الغيرة:

المرأة التي لا هم لها سوى تعقب حركات زوجها، وتتبع أخباره، والتشكك في كل تصرفاته، والغير من معارفه وأصدقائه – لا ريب أنها حمقاء تنفصم بأفعالها تلك عرى المحبة والثقة بينها وبين زوجها.

ومن ثم فإن الرجال الخبراء بفن العلاقات الزوجية كثيراً ما يحذرون المرأة من الإفراط في الغيرة، فيقول أحدهم وهو أبو الأسود لابنته قبل زواجها: "إياك والغيرة، فإنها مفتاح الطلاق".

ومن أدبها: أن لا تكون متكبرة:

فالرجال أشد ما يكرهون المرأة المتكبرة، بل وينفرون منها .. وكم من النساء قد قتلهن الكبرياء، فعشن ومتن بلا زواج يحقق لهن الاستقرار الأسري نتيجة لغطرستهن وغرورهن.
أما المرأة المتواضعة المتبسطة في غير تساهل، فإن الرجال يتطلعون إليها ويحبونها.

ومن آدابها: أن تتحدث بنعمة ربها، أو على الأقل لا تنكرها:

هناك من النساء ممن أنعم الله تعالى عليهن برجال أغنياء كرماء، يعشن معهم في رفاهية ورخاء، ولكن رغم ذلك لا تنفك إحداهن تشكو من قلة ذات اليد ومن شظف الحياة، لا لشيء إلا لتبعد عين الحسد عنها، وتتمتع في الوقت نفسه بلذة اهتمام الناس بها وإشفاقهم عليها!.

في حين أن المرأة الصالحة لا ينتابها مثل ذلك النقص الجاهل، حيث تتحدث بنعمة ربها عليها، وإن لم تتحدث فهي على الأقل لا تنكر تلك النعمة.

ومن أدبها: أن لا تكون زوجة لعوباً:

شتان بين الزوجة الكريمة والمرأة اللعوب، فالأولى في وادٍ، والثانية في وادٍ آخر. الأولى أجمل ما في الحياة، والثانية أخطر ما في الحياة، وكل صفة تتصف بها المرأة اللعوب ليس للمرأة الصالحة أدنى علاقة بها ... فهي على النقيض.

ومن أدبها: أن تتجنب التوافه من الأمور:

كثيرات أولئك النساء اللاتي يولعن بالتوافه من الأمور ولكن أيضاً يوجد كثير من النساء اللواتي عودتهن ظروف الحياة تجنب تلك التوافه؛ فالتجربة تشير إلى أن معظم الخلافات الكبيرة كانت في مبتدأ أمرها خلافات حول أشياء تافهة، ثم تصبح بمرور الزمن عقدة نفسية لدى أحد الطرفين، ثم تتطور إلى الطلاق.

والمرأة الصالحة هي التي تدرك ببصيرتها هذه الحقيقة فلا تثير جدلاً مع زوجها حول أي أمر لا يؤدي وجوده أو عدمه إلى تأثير محوري في مجرى حياتها، فلا تتنازع معه على نوعية طعام، أو على تسمية الأولاد، أو على شراء ثوب.

ومن أدبها: أن لا تكون لوامة لزوجها:

والمرأة الصالحة ليست امرأة لوامة، فلا تعتاد لوم زوجها إذا أخطأ في شيء أو قصر أو فشل، بل هي تقدم له العون اللازم والكلمة الطيبة عندما يفوته الحظ أو يحالفه الفشل.

ومن أدبها: أن تكون وفية بعهدها:

يرى بعض الرجال أن الوفاء والأمان ليسا من طبع المرأة عموماً، فمن عهدها –كما يقول المتنبي- ألا يدوم لها عهد!.

تلك وجهة نظر بعض الرجال في النساء، ولا شك أن هناك كثيرين يتابعونهم فيما يذهبون إليه في النظرة إليهن.

ولكن إذا حاول المرء أن يكون أكثر موضوعية فسيجد أن تلك الوجهة من النظر صحيحة من جهة، وخاطئة من جهة أخرى، أما خطؤها فيكمن في التعميم، أي تعميم الحكم على جميع النساء، فبطبيعة الحال هناك كثيرات يؤتمن ويتمتعن بالوفاء والإخلاص.

ومن أدبها: أن تحترم رغبات زوجها وذوقه:

لا تتوطد علاقة بين زوج وامرأته حتى يحترم كل منهما رغبات الآخر وأذواقه.

ومن آدابها: أن لا تترك أولادها للخدم أو للشارع:

وهي تربي أولادها بنفسها، ولا تتركهم للخدم أو للشارع أو ليد غير يدها، لأنها تعلم أن هذا جزء من مهمتها في بناء المجتمع، فالرسول r يقول: "المرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها" (74)، ورحم الله شاعر النيل إذ يقول:


الأم مدرسـة إذا أعددتها=أعددت شعباً طيب الأعراق

فالأم الصالحة هي القادرة دون غيرها على تربية أبنائها تربية جسدية وعقلية ونفسية مستقيمة، وهي التي تستطيع أن تفي بحاجاتها الوجدانية التي لا يمكن إشباعها إلا في جو تحيطه هي بحنانها وعطفها.

ومن أدبها: أن لا تكون نزاعة للسيطرة:

قِوَامةُ الرجل أمر تقره طبيعة الأشياء وتوجيهات الشريعة، ولذلك فإن المرأة الصالحة تدرك تلك الحقيقة وترضى عنها داخلياً، فهكذا سنة الله في مخلوقاته.

_______________________________________________
(74) أخرجه البخاري , كتاب الجمعة , باب الجمعة في القرى والمدن (1/304)