رقاد
06-Nov-2012, 12:34 PM
البرلمان الكويتي .. مخاض الحرية العسير
السيد أبو داود
04/11/2012 - 5:21pm
تمرّ الكويت، صاحبة التجربة الديمقراطية الوحيدة في دول الخليج، بأزمةٍ سياسية عنيفة، اعتبرها المحللون أكبر أزمة تواجه البلاد بعد أزمة احتلال العراق لها في 2 أغسطس عام 1990م، حيث تَمَّ حل البرلمان بعد أربعة أشهر من انتخابه، في ظلّ وجود حالةٍ من الصراع السياسي بين الحكومة التي تسيطر عليها الأسرة الحاكمة وبين الاتجاهات السياسية المعارضة، بعد إصدار أمير البلاد مرسومًا يقضي بتقليص عدد أصوات الناخب الكويتي من أربعة أصوات إلى صوت واحد، مع تحديد الأول من ديسمبر المقبل موعدًا للاقتراع لاختيار 50 نائبًا يمثل كل عشرة منهم دائرةً انتخابيةً.
والمعروف أنَّ القانون الانتخابي الصادر في 2006م، يقسّم الكويت إلى خمس دوائر انتخابية تنتخب كل منها 10 نواب، وينصّ القانون على أنَّه يحق لكل ناخب التصويت لأربعة نواب كحدٍّ أقصى، ويتجه التعديل الجزئي المزمع إدخاله إلى تقليص عدد النواب الذين ينتخبهم كل ناخب إلى نائب واحد. ويؤكّد بعض المراقبين أنَّ الخفض الذي ينصّ عليه القانون سيجعل شراء الأصوات وإمكانية فساد النواب في البرلمان المقبل أسهل.
وقد بدأت الأزمة السياسية في الكويت في صيف عام 2011م، عندما بدأت مجموعات من الشباب الدعوة إلى استقالة الشيخ ناصر المحمد الصباح، رئيس الوزراء وابن شقيق الأمير. وتزايدت حدة الأزمة في نوفمبر عام 2011م، بعد أن أحبطت المحكمة الدستورية مساعي البرلمان لاستجواب رئيس الوزراء على خلفية فضيحة، حيث اقتحم نحو مائة محتجّ -بما في ذلك نواب في البرلمان- مبنى مجلس الأمة، واحتلوه لفترة وجيزة.
وخرجت مظاهرة حاشدة في التاسع والعشرين من نوفمبر عام 2011م، ضمت ما يزيد على 50 ألف شخص وشكلت ضغوطًا كبيرة على أمير الكويت وعلى الأسرة الحاكمة. وعلى إثر ذلك حلّ الشيخ جابر المبارك الصباح، نائب رئيس الوزراء وأحد الأعضاء البارزين في الأسرة الحاكمة، محل رئيس الوزراء في تولِّي مهام منصبه، إلى جانب صدور قرار بحل البرلمان حتى إجراء انتخابات جديدة في فبراير 2012م، والتي أسفرت عن انتصار ساحق للمعارضة وأصبح المرشحون الإسلاميون والمنتمون إلى القبائل البارزة يستحوذون على 34 مقعدًا من مقاعد البرلمان الخمسين.
واستمر برلمان عام 2012 يمارس نشاطه طوال أربعة أشهر اتّسمت بالاضطراب، حتى أعلن بطلانه في العشرين من يونيو الماضي، وحدثت اشتباكات متكررة بين نواب البرلمان مع وزراء الحكومة، أجبرت وزيري المالية والشئون الاجتماعية والعمل على الاستقالة.
وفي مظاهرة حاشدة في الخامس عشر من أكتوبر الأول الحالي، وجّه السياسي المعارض مسلم البراك، أبرز رموز المعارضة وصاحب أكبر عدد من الأصوات خلال عدة دورات متتالية في الانتخابات البرلمانية، خطابًا إلى الأمير بلهجة غير مسبوقة، قال فيه: "لن نسمح لك، يا صاحب السمو، أن تسحب الكويت إلى جحيم الأوتوقراطية (حكم الفرد)، لم نعد نخاف سجونك وهرّاواتك"! وأخذ المتظاهرون يرددون هتافات تقول: "لن نسمح لك، لن نسمح لك".
أذْكَت تصريحات البراك الملهبة للمشاعر موجات صادمة في شتَّى أرجاء البلاد التي يعدّ انتقاد الأمير بها بمنزلة إهانة وفقًا للدستور، وتحركت شرطة مكافحة الشغب لفضّ التجمعات واعتقال عدد من المحتجين من بينهم الابن الأكبر للنائب المعارض المخضرم ورئيس البرلمان السابق أحمد السعدون، كما دعا النائب العام إلى مقاضاة البراك، واعتقال ثلاثة سياسيين آخرين في المعارضة شاركوا في مسيرات سابقة في العاشر من أكتوبر الحالي.
وبعد ذلك، اعتقلت قوات الأمن الكويتية، النائب السابق مسلم البراك، على خلفية اتهامه بالمساس بالذات الأميرية وباشتراكه في محاولة لقلب نظام الحكم بقيادة أحد التيارات السياسية، في إشارة ضمنية لـ"الإخوان المسلمين". تأتي هذه الخطوة من قبل وزارة الداخلية لتزيد المشهد الكويتي تعقيدًا في وقت تستعد فيه المعارضة لمسيرة "الكرامة 2" التي أعلنت تنظيمها في 4 نوفمبر اليوم؛ لرفض مرسوم الصوت الواحد الذي تجرى على أساسه الانتخابات المقبلة.
وقد أدَّى قرار تعديل قانون الانتخابات إلى ردّ فعل غاضب من قبل مجموعات المعارضة ونواب سابقين، أكَّدوا أنهم سيقاطعون الانتخابات المقبلة ودعوا الكويتيين أن يحذوا حذوهم. وقال النائب الإسلامي السابق وليد الطبطبائي: "إنَّه إعلان حرب من النظام ضد غالبية الشعب الكويتي"، بينما قال القيادي المعارض أحمد السعدون، رئيس مجلس الأمة السابق: "بعد الإعلان الذي يشكّل انتهاكًا للدستور أؤكِّد أنني سأقاطع الانتخابات".
بينما برَّر الأمير قرار التعديل بقوله: "وجهت الحكومة بحتمية صدور مرسوم بقانون لإجراء تعديل جزئي في النظام الانتخابي القائم يستهدف معالجة آلية التصويت فيه لحماية الوحدة الوطنية، بما أنَّ القانون بشكله الحالي يؤدِّي إلى انقسامات قبلية وطائفية في الكويت".
والمدقق في النظام السياسي الكويتي يجد أنَّه نصف ديمقراطي؛ ولذلك تكثر فيه الأزمات والنزاعات، وصحيح أنَّ هناك انتخابات، لكن ممنوع العمل الحزبي! وصحيح أنَّ هناك أغلبية برلمانية، لكن لا يحقّ للأغلبية تشكيل حكومة! وصحيح أنَّ للبرلمان سلطة تشريعية ورقابية على الحكومة، وثلث وزراء الحكومة منتخبون، وبالتالي لا يمكن وصفها بالديمقراطية المزورة التي عُرفت بها المنطقة، لكن في المقابل يتعدّد حل البرلمان؛ مما يدخل البلاد في أزمات لا تنتهي، فقد أجريت خمسة انتخابات برلمانية في ست سنوات، والعجيب أنَّ البرلمان يتم حله بناء على طلب المعارضة.
أزمة النظام السياسي الكويتي تعود إلى الستينيات عندما نالت الكويت استقلالها عن بريطانيا، حيث يسمح النظام بانتخاب برلمان، لكنَّه يُبقي القوة السياسة والاقتصادية في يد العائلة الحاكمة. وبموجب الدستور الكويتي يقر البرلمان تعيين الحكومات والقوانين المقدمة من مجلس الوزراء ويشرف على أداء الوزارات، كما أنَّ لأعضاء البرلمان الحقّ في استدعاء الوزراء لاستجوابهم بشأن السياسات، لكن كانت هناك مقاومة لذلك خاصة من أفراد العائلة الحاكمة، غير أنَّ سلطات البرلمان تقيدها سلطة الأمير الذي يعين رئيس الوزراء ويحل البرلمان وله القول الفصل في شئون الدولة.
والجديد في الأزمة هذه المرة أنَّ سقف النقد من قبل المعارضة للمسئولين ارتفع بشكل غير مسبوق، كما تَمَّ توجيه الخطاب للأمير مباشرة وهو أمر غير معتاد في البلاد، حيث ينصّ الدستور على أنَّ الأمير "رئيس الدولة وذاته مصونة لا تمس".
وإذا كان نظام الرعاية الاجتماعية السخي قد جنّب الكويت حتى الآن الاحتجاجات العنيفة والواسعة، إلا أنَّ وصول المعارضة السياسية إلى هذا المستوى غير المسبوق في ظلّ عدم وجود رغبة سياسية من الأسرة الحاكمة لتوسيع قواعد اللعبة السياسية والوصول إلى ملكية دستورية حقيقية، من شأنه الإسراع بتأزيم الحياة السياسية في البلاد بصورة أكبر، خاصة وأنَّ الكويتيين ازدادوا جرأة بعد الاحتجاجات التي شهدتها دول عربية من تونس في شمال إفريقيا إلى سوريا في الشام والبحرين في الخليج على مدى العامين الماضيين، وهي احتجاجات حركتها دوافع سياسية واقتصادية.
ولم تَعُد منطقة الخليج بمنأى عن الاضطرابات التي شهدتها المنطقة العربية مؤخرًا، فقد شهدت سلطنة عمان احتجاجات لكن تَمّت السيطرة عليها من خلال وعود بتوفير وظائف، في حين استعانت البحرين بقوات من الخارج خاصة من السعودية لقمع الاحتجاجات التي ما زالت تشهدها البلاد حتى الآن.
ورغم السبق الذي حققته الكويت في منطقة الخليج في الممارسة الديمقراطية التي أسّس لها دستور عام 1962م، إلا أنَّها احتلت المركز 122 وصنفت ضمن النظم الاستبدادية، وفقًا لتقرير مجلة "الإيكونوميست" لعام 2011م الخاص بـ"مَعامل الديمقراطية" في دول العالم المختلفة، الذي يقيسها على أساس التعددية، والعملية الانتخابية، وأداء الحكومة، والمشاركة السياسية، وثقافة الديمقراطية والحريات المدنية.
ويحدد بعض الخبراء الكويتيين عاملين رئيسيين لتقويض العمل الديمقراطي وتكريس التأزيم السياسي، الأول داخلي، وهو متمثل في أمرين؛ الأمر الأول: صراعات بيت الأسرة الحاكمة الذي ترفض بعض أقطابه الديمقراطية منذ قيامها، وبالتالي عمدت للعمل على تقويضها. والأمر الثاني صراع سلطة ونفوذ استُخدمت فيه الديمقراطية كأداة في تحقيق نتائج متقدمة في هذا الصراع.
أمَّا العامل الثاني فخارجي، ومتمثل بانزعاج دول الجوار الكويتي من الممارسة الديمقراطية في الكويت، وخاصة تلك المتعلقة بالاستجوابات المتكررة، التي وصلت حد استجواب رئيس الوزراء وهو موقع متقدم في تركيبة الدولة إضافة لكونه من العائلة الحاكمة، حيث تعتبر سابقة مهمة في الممارسة الديمقراطية محرجة للمحيط، الذي لجأ إلى تأزيم متكرر للعملية السياسية من خلال القبائل التي لها امتدادات في الجوار الكويتي ومصالح وعلاقات نسب، ومن خلال الفصائل الإسلامية السياسية متمثلة في التيار السلفي، ومن خلال بعض النواب والتجار الذين لهم تطلعات للوصول إلى السلطة وتحقيق مزيد من النفوذ.
وما يقلق النظام السياسي الكويتي وبقية دول الخليج هو أن تكون هذه الاحتجاجات السياسية مستوحاة من روح الثورتين التونسية والمصرية اللتين بدأتا الربيع العربي، ومن روح الجماعات الإسلامية الصاعدة؛ إخوانية كانت أم سلفية، التي انتصرت في تونس ومصر، وتعتقد أن هذا زمنها وفرصتها في الكويت وغيرها.
لقد تحولت المعارضة السياسية في الكويت من لقاءات الديوانيات إلى مظاهرات الشارع، وباتت تتحدى النظام، وليس فقط الحكومة، الذي قرر من طرف واحد تغيير القواعد الانتخابية؛ مما دفع بالأمور إلى المواجهة.
يتخوف النظام السياسي الكويتي وبقية الأنظمة السياسية في الخليج من أن تكون الأحداث الأخيرة ترتيب سياسي خارجي، وبصفة خاصة من التنظيم الدولي لـ"الإخوان المسلمون"، بعد أن أوحت انتصاراته في تونس ومصر، لإسلاميي الخليج بالتحرك وتغيير الأمر الواقع. ولذا تتهم الحكومة الكويتية المعارضة بأن عناوين الإصلاح التي ترفعها مجرد وسيلة للسيطرة على الحكم، وليس من أجل بناء ديمقراطي حقيقي.
السيد أبو داود
04/11/2012 - 5:21pm
تمرّ الكويت، صاحبة التجربة الديمقراطية الوحيدة في دول الخليج، بأزمةٍ سياسية عنيفة، اعتبرها المحللون أكبر أزمة تواجه البلاد بعد أزمة احتلال العراق لها في 2 أغسطس عام 1990م، حيث تَمَّ حل البرلمان بعد أربعة أشهر من انتخابه، في ظلّ وجود حالةٍ من الصراع السياسي بين الحكومة التي تسيطر عليها الأسرة الحاكمة وبين الاتجاهات السياسية المعارضة، بعد إصدار أمير البلاد مرسومًا يقضي بتقليص عدد أصوات الناخب الكويتي من أربعة أصوات إلى صوت واحد، مع تحديد الأول من ديسمبر المقبل موعدًا للاقتراع لاختيار 50 نائبًا يمثل كل عشرة منهم دائرةً انتخابيةً.
والمعروف أنَّ القانون الانتخابي الصادر في 2006م، يقسّم الكويت إلى خمس دوائر انتخابية تنتخب كل منها 10 نواب، وينصّ القانون على أنَّه يحق لكل ناخب التصويت لأربعة نواب كحدٍّ أقصى، ويتجه التعديل الجزئي المزمع إدخاله إلى تقليص عدد النواب الذين ينتخبهم كل ناخب إلى نائب واحد. ويؤكّد بعض المراقبين أنَّ الخفض الذي ينصّ عليه القانون سيجعل شراء الأصوات وإمكانية فساد النواب في البرلمان المقبل أسهل.
وقد بدأت الأزمة السياسية في الكويت في صيف عام 2011م، عندما بدأت مجموعات من الشباب الدعوة إلى استقالة الشيخ ناصر المحمد الصباح، رئيس الوزراء وابن شقيق الأمير. وتزايدت حدة الأزمة في نوفمبر عام 2011م، بعد أن أحبطت المحكمة الدستورية مساعي البرلمان لاستجواب رئيس الوزراء على خلفية فضيحة، حيث اقتحم نحو مائة محتجّ -بما في ذلك نواب في البرلمان- مبنى مجلس الأمة، واحتلوه لفترة وجيزة.
وخرجت مظاهرة حاشدة في التاسع والعشرين من نوفمبر عام 2011م، ضمت ما يزيد على 50 ألف شخص وشكلت ضغوطًا كبيرة على أمير الكويت وعلى الأسرة الحاكمة. وعلى إثر ذلك حلّ الشيخ جابر المبارك الصباح، نائب رئيس الوزراء وأحد الأعضاء البارزين في الأسرة الحاكمة، محل رئيس الوزراء في تولِّي مهام منصبه، إلى جانب صدور قرار بحل البرلمان حتى إجراء انتخابات جديدة في فبراير 2012م، والتي أسفرت عن انتصار ساحق للمعارضة وأصبح المرشحون الإسلاميون والمنتمون إلى القبائل البارزة يستحوذون على 34 مقعدًا من مقاعد البرلمان الخمسين.
واستمر برلمان عام 2012 يمارس نشاطه طوال أربعة أشهر اتّسمت بالاضطراب، حتى أعلن بطلانه في العشرين من يونيو الماضي، وحدثت اشتباكات متكررة بين نواب البرلمان مع وزراء الحكومة، أجبرت وزيري المالية والشئون الاجتماعية والعمل على الاستقالة.
وفي مظاهرة حاشدة في الخامس عشر من أكتوبر الأول الحالي، وجّه السياسي المعارض مسلم البراك، أبرز رموز المعارضة وصاحب أكبر عدد من الأصوات خلال عدة دورات متتالية في الانتخابات البرلمانية، خطابًا إلى الأمير بلهجة غير مسبوقة، قال فيه: "لن نسمح لك، يا صاحب السمو، أن تسحب الكويت إلى جحيم الأوتوقراطية (حكم الفرد)، لم نعد نخاف سجونك وهرّاواتك"! وأخذ المتظاهرون يرددون هتافات تقول: "لن نسمح لك، لن نسمح لك".
أذْكَت تصريحات البراك الملهبة للمشاعر موجات صادمة في شتَّى أرجاء البلاد التي يعدّ انتقاد الأمير بها بمنزلة إهانة وفقًا للدستور، وتحركت شرطة مكافحة الشغب لفضّ التجمعات واعتقال عدد من المحتجين من بينهم الابن الأكبر للنائب المعارض المخضرم ورئيس البرلمان السابق أحمد السعدون، كما دعا النائب العام إلى مقاضاة البراك، واعتقال ثلاثة سياسيين آخرين في المعارضة شاركوا في مسيرات سابقة في العاشر من أكتوبر الحالي.
وبعد ذلك، اعتقلت قوات الأمن الكويتية، النائب السابق مسلم البراك، على خلفية اتهامه بالمساس بالذات الأميرية وباشتراكه في محاولة لقلب نظام الحكم بقيادة أحد التيارات السياسية، في إشارة ضمنية لـ"الإخوان المسلمين". تأتي هذه الخطوة من قبل وزارة الداخلية لتزيد المشهد الكويتي تعقيدًا في وقت تستعد فيه المعارضة لمسيرة "الكرامة 2" التي أعلنت تنظيمها في 4 نوفمبر اليوم؛ لرفض مرسوم الصوت الواحد الذي تجرى على أساسه الانتخابات المقبلة.
وقد أدَّى قرار تعديل قانون الانتخابات إلى ردّ فعل غاضب من قبل مجموعات المعارضة ونواب سابقين، أكَّدوا أنهم سيقاطعون الانتخابات المقبلة ودعوا الكويتيين أن يحذوا حذوهم. وقال النائب الإسلامي السابق وليد الطبطبائي: "إنَّه إعلان حرب من النظام ضد غالبية الشعب الكويتي"، بينما قال القيادي المعارض أحمد السعدون، رئيس مجلس الأمة السابق: "بعد الإعلان الذي يشكّل انتهاكًا للدستور أؤكِّد أنني سأقاطع الانتخابات".
بينما برَّر الأمير قرار التعديل بقوله: "وجهت الحكومة بحتمية صدور مرسوم بقانون لإجراء تعديل جزئي في النظام الانتخابي القائم يستهدف معالجة آلية التصويت فيه لحماية الوحدة الوطنية، بما أنَّ القانون بشكله الحالي يؤدِّي إلى انقسامات قبلية وطائفية في الكويت".
والمدقق في النظام السياسي الكويتي يجد أنَّه نصف ديمقراطي؛ ولذلك تكثر فيه الأزمات والنزاعات، وصحيح أنَّ هناك انتخابات، لكن ممنوع العمل الحزبي! وصحيح أنَّ هناك أغلبية برلمانية، لكن لا يحقّ للأغلبية تشكيل حكومة! وصحيح أنَّ للبرلمان سلطة تشريعية ورقابية على الحكومة، وثلث وزراء الحكومة منتخبون، وبالتالي لا يمكن وصفها بالديمقراطية المزورة التي عُرفت بها المنطقة، لكن في المقابل يتعدّد حل البرلمان؛ مما يدخل البلاد في أزمات لا تنتهي، فقد أجريت خمسة انتخابات برلمانية في ست سنوات، والعجيب أنَّ البرلمان يتم حله بناء على طلب المعارضة.
أزمة النظام السياسي الكويتي تعود إلى الستينيات عندما نالت الكويت استقلالها عن بريطانيا، حيث يسمح النظام بانتخاب برلمان، لكنَّه يُبقي القوة السياسة والاقتصادية في يد العائلة الحاكمة. وبموجب الدستور الكويتي يقر البرلمان تعيين الحكومات والقوانين المقدمة من مجلس الوزراء ويشرف على أداء الوزارات، كما أنَّ لأعضاء البرلمان الحقّ في استدعاء الوزراء لاستجوابهم بشأن السياسات، لكن كانت هناك مقاومة لذلك خاصة من أفراد العائلة الحاكمة، غير أنَّ سلطات البرلمان تقيدها سلطة الأمير الذي يعين رئيس الوزراء ويحل البرلمان وله القول الفصل في شئون الدولة.
والجديد في الأزمة هذه المرة أنَّ سقف النقد من قبل المعارضة للمسئولين ارتفع بشكل غير مسبوق، كما تَمَّ توجيه الخطاب للأمير مباشرة وهو أمر غير معتاد في البلاد، حيث ينصّ الدستور على أنَّ الأمير "رئيس الدولة وذاته مصونة لا تمس".
وإذا كان نظام الرعاية الاجتماعية السخي قد جنّب الكويت حتى الآن الاحتجاجات العنيفة والواسعة، إلا أنَّ وصول المعارضة السياسية إلى هذا المستوى غير المسبوق في ظلّ عدم وجود رغبة سياسية من الأسرة الحاكمة لتوسيع قواعد اللعبة السياسية والوصول إلى ملكية دستورية حقيقية، من شأنه الإسراع بتأزيم الحياة السياسية في البلاد بصورة أكبر، خاصة وأنَّ الكويتيين ازدادوا جرأة بعد الاحتجاجات التي شهدتها دول عربية من تونس في شمال إفريقيا إلى سوريا في الشام والبحرين في الخليج على مدى العامين الماضيين، وهي احتجاجات حركتها دوافع سياسية واقتصادية.
ولم تَعُد منطقة الخليج بمنأى عن الاضطرابات التي شهدتها المنطقة العربية مؤخرًا، فقد شهدت سلطنة عمان احتجاجات لكن تَمّت السيطرة عليها من خلال وعود بتوفير وظائف، في حين استعانت البحرين بقوات من الخارج خاصة من السعودية لقمع الاحتجاجات التي ما زالت تشهدها البلاد حتى الآن.
ورغم السبق الذي حققته الكويت في منطقة الخليج في الممارسة الديمقراطية التي أسّس لها دستور عام 1962م، إلا أنَّها احتلت المركز 122 وصنفت ضمن النظم الاستبدادية، وفقًا لتقرير مجلة "الإيكونوميست" لعام 2011م الخاص بـ"مَعامل الديمقراطية" في دول العالم المختلفة، الذي يقيسها على أساس التعددية، والعملية الانتخابية، وأداء الحكومة، والمشاركة السياسية، وثقافة الديمقراطية والحريات المدنية.
ويحدد بعض الخبراء الكويتيين عاملين رئيسيين لتقويض العمل الديمقراطي وتكريس التأزيم السياسي، الأول داخلي، وهو متمثل في أمرين؛ الأمر الأول: صراعات بيت الأسرة الحاكمة الذي ترفض بعض أقطابه الديمقراطية منذ قيامها، وبالتالي عمدت للعمل على تقويضها. والأمر الثاني صراع سلطة ونفوذ استُخدمت فيه الديمقراطية كأداة في تحقيق نتائج متقدمة في هذا الصراع.
أمَّا العامل الثاني فخارجي، ومتمثل بانزعاج دول الجوار الكويتي من الممارسة الديمقراطية في الكويت، وخاصة تلك المتعلقة بالاستجوابات المتكررة، التي وصلت حد استجواب رئيس الوزراء وهو موقع متقدم في تركيبة الدولة إضافة لكونه من العائلة الحاكمة، حيث تعتبر سابقة مهمة في الممارسة الديمقراطية محرجة للمحيط، الذي لجأ إلى تأزيم متكرر للعملية السياسية من خلال القبائل التي لها امتدادات في الجوار الكويتي ومصالح وعلاقات نسب، ومن خلال الفصائل الإسلامية السياسية متمثلة في التيار السلفي، ومن خلال بعض النواب والتجار الذين لهم تطلعات للوصول إلى السلطة وتحقيق مزيد من النفوذ.
وما يقلق النظام السياسي الكويتي وبقية دول الخليج هو أن تكون هذه الاحتجاجات السياسية مستوحاة من روح الثورتين التونسية والمصرية اللتين بدأتا الربيع العربي، ومن روح الجماعات الإسلامية الصاعدة؛ إخوانية كانت أم سلفية، التي انتصرت في تونس ومصر، وتعتقد أن هذا زمنها وفرصتها في الكويت وغيرها.
لقد تحولت المعارضة السياسية في الكويت من لقاءات الديوانيات إلى مظاهرات الشارع، وباتت تتحدى النظام، وليس فقط الحكومة، الذي قرر من طرف واحد تغيير القواعد الانتخابية؛ مما دفع بالأمور إلى المواجهة.
يتخوف النظام السياسي الكويتي وبقية الأنظمة السياسية في الخليج من أن تكون الأحداث الأخيرة ترتيب سياسي خارجي، وبصفة خاصة من التنظيم الدولي لـ"الإخوان المسلمون"، بعد أن أوحت انتصاراته في تونس ومصر، لإسلاميي الخليج بالتحرك وتغيير الأمر الواقع. ولذا تتهم الحكومة الكويتية المعارضة بأن عناوين الإصلاح التي ترفعها مجرد وسيلة للسيطرة على الحكم، وليس من أجل بناء ديمقراطي حقيقي.