ابو ضيف الله
25-Nov-2011, 07:41 PM
الى متى سيحتفظ الغرب برخائه المادي؟
ليون برخو
لا يختلف اثنان على أن الغرب يعيش في بحبوحة من الرخاء الاقتصادي ولأكثر من نصف قرن. وهذا الرخاء المذهل مكن دولا كثيرة، ولا سيما في أوروبا الغربية، من خلق مجتمعات ينعدم الفقر فيها. في هذه الدول هناك مظلة ضمان اجتماعي تحتضن كل أفراد المجتمع.
تحت هذه المظلة يتمكن العاطل عن العمل، والمعوق، واليتيم، والذي بلغ من العمر عتيا، من الحصول على عيش كريم يشمل التعليم المجاني بكافة مراحله والتأمين الصحي والسكن ومدخول شهري مضمون يجب ألا يقل عن الحد الأدنى للأجور في البلد.
وأسس كثير من هذه الدول، ولا سيما الإسكندنافية منها، نظاما ضريبيا قاسيا قلما يفلت منه أي فرد في المجتمع مهما علا شأنه أو مقامه مكنها من أن تأخذ من الأغنياء كي تمنح المجتمع برمته فرصة العيش الكريم.
هذه السياسة الاقتصادية لاقت نجاحا باهرا في العقود الخمسة الأخيرة من القرن الماضي، ولكن ما إن دخلنا في القرن الحالي حتى بدأت مشكلات عويصة تطفو على السطح. فجأة رأت هذه الدول أن مظلتها الاجتماعية مكلفة جدا وأن تكلفتها صارت عبئا اقتصاديا هائلا لا تستطيع تحمله.
في السويد مثلا وصلت الضرائب، ولا سيما على الدخول، مستويات لا يمكن رفعها أكثر، في الوقت نفسه يزداد عدد طالبي الحماية الاجتماعية. لذلك فالحكومة أمام مأزق كبير، فزيادة الضرائب تؤدي إلى هروب الشركات ورؤوس الأموال. خفض مستوى الرعاية الاجتماعية يؤدي إلى زيادة نسبة الجريمة وتحدي كل القيم التي تربى المجتمع عليها في العقود الماضية.
الدول الغربية – دول الرفاه – غاب عنها أنه ليس باستطاعتها من الآن فصاعدا استهلاك ثلاثة أرباع اللحوم والألبان المنتجة في العالم، وثلاثة أرباع النفط المستخرج في العالم، وثلاثة أرباع الخمور والكحول في العالم، وهلم جرا، بقدر تعلق الأمر بمسائل الرفاهية والبحبوحة.
وهناك أمور كثيرة لا نعرفها.. خذ السويد مثلا، هناك أكثر من مليون عائلة لها سيارتان (شخصية) وبيتان (واحد في المدينة وواحد في الريف) وقارب حديث (للرحلات الترفيهية) وسيارة عائلة (سيارة ولكنها بمثابة شقة فارهة) وكلب وقطة وأغلب الظن شقة فارهة في بلد سياحي خارج السويد.
هناك نحو مليون كلب منزلي في السويد وأكثر من مليون ونصف قطة، كل كلب يكلف صاحبه نحو 350 دولارا في الشهر بضمانها الضمان الصحي. وكل قطة تكلف صاحبها نحو 200 دولار في الشهر. هذا بالطبع لا يشمل ما يتطلبه من خدمات البلدية التي يحتاج إليها هذا العدد الهائل من الحيوانات المنزلية.
هذا جزء بسيط من الرفاهية المفرطة التي يتمتع بها الغربيون بمجملهم وليس السويديون فقط. مشكلة الغربيين أنهم قلما يجلسون ويحاسبون أنفسهم. شأنهم شأن الأمم الأخرى، غالبا ما يلومون الآخرين.
وبهذا يكون الغربيون قد قدموا نموذجا سيئا جدا للتطور والنمو الإنساني لأنه يستند في كثير من أوجهه من الناحية الأخلاقية والإنسانية إلى أخذ أشياء هي من استحقاق الآخرين إن أخذنا بعين الاعتبار أننا كلنا كبشر لنا حصة في ما يمكن أن تمنحه لنا هذه الأرض وأن إمكانات كوكبنا محدودة.
ولهذا نرى أن اقتصادات كثير من الدول الغربية بدأت لا تتحمل هذا النمط من الرفاهية، ولا سيما عندما ظهرت دول كبرى مثل الصين والهند وغيرهما وهي تصبو نحو رفاه شبيه بما يتمتع به الغربيون.
فقط تصور ماذا سيحدث لكوكبنا لو أن سكان الصين البالغ عددهم نحو مليار ونصف المليار، وسكان الهند البالغ عددهم نحو مليار و200 مليون شخص – أي نحو ثلث سكان كوكب الأرض بلغوا درجة من الرفاهية تقارب التي لدى سكان السويد التسعة ملايين؟
تخيل عدد السيارات الشخصية والبيوت والقوارب والسيارات العائلية وعدد الكلاب والقطط.. أي أرض ستسعنا!
وختاما.. لا أظن أن الغربيين في كثير من نواحي تطورهم قدموا نموذجا حسنا للبشرية.
وإلى اللقاء.
المصدر صحيفة الاقتصادية
http://www.aleqt.com/2011/11/25/article_601334.html
ليون برخو
لا يختلف اثنان على أن الغرب يعيش في بحبوحة من الرخاء الاقتصادي ولأكثر من نصف قرن. وهذا الرخاء المذهل مكن دولا كثيرة، ولا سيما في أوروبا الغربية، من خلق مجتمعات ينعدم الفقر فيها. في هذه الدول هناك مظلة ضمان اجتماعي تحتضن كل أفراد المجتمع.
تحت هذه المظلة يتمكن العاطل عن العمل، والمعوق، واليتيم، والذي بلغ من العمر عتيا، من الحصول على عيش كريم يشمل التعليم المجاني بكافة مراحله والتأمين الصحي والسكن ومدخول شهري مضمون يجب ألا يقل عن الحد الأدنى للأجور في البلد.
وأسس كثير من هذه الدول، ولا سيما الإسكندنافية منها، نظاما ضريبيا قاسيا قلما يفلت منه أي فرد في المجتمع مهما علا شأنه أو مقامه مكنها من أن تأخذ من الأغنياء كي تمنح المجتمع برمته فرصة العيش الكريم.
هذه السياسة الاقتصادية لاقت نجاحا باهرا في العقود الخمسة الأخيرة من القرن الماضي، ولكن ما إن دخلنا في القرن الحالي حتى بدأت مشكلات عويصة تطفو على السطح. فجأة رأت هذه الدول أن مظلتها الاجتماعية مكلفة جدا وأن تكلفتها صارت عبئا اقتصاديا هائلا لا تستطيع تحمله.
في السويد مثلا وصلت الضرائب، ولا سيما على الدخول، مستويات لا يمكن رفعها أكثر، في الوقت نفسه يزداد عدد طالبي الحماية الاجتماعية. لذلك فالحكومة أمام مأزق كبير، فزيادة الضرائب تؤدي إلى هروب الشركات ورؤوس الأموال. خفض مستوى الرعاية الاجتماعية يؤدي إلى زيادة نسبة الجريمة وتحدي كل القيم التي تربى المجتمع عليها في العقود الماضية.
الدول الغربية – دول الرفاه – غاب عنها أنه ليس باستطاعتها من الآن فصاعدا استهلاك ثلاثة أرباع اللحوم والألبان المنتجة في العالم، وثلاثة أرباع النفط المستخرج في العالم، وثلاثة أرباع الخمور والكحول في العالم، وهلم جرا، بقدر تعلق الأمر بمسائل الرفاهية والبحبوحة.
وهناك أمور كثيرة لا نعرفها.. خذ السويد مثلا، هناك أكثر من مليون عائلة لها سيارتان (شخصية) وبيتان (واحد في المدينة وواحد في الريف) وقارب حديث (للرحلات الترفيهية) وسيارة عائلة (سيارة ولكنها بمثابة شقة فارهة) وكلب وقطة وأغلب الظن شقة فارهة في بلد سياحي خارج السويد.
هناك نحو مليون كلب منزلي في السويد وأكثر من مليون ونصف قطة، كل كلب يكلف صاحبه نحو 350 دولارا في الشهر بضمانها الضمان الصحي. وكل قطة تكلف صاحبها نحو 200 دولار في الشهر. هذا بالطبع لا يشمل ما يتطلبه من خدمات البلدية التي يحتاج إليها هذا العدد الهائل من الحيوانات المنزلية.
هذا جزء بسيط من الرفاهية المفرطة التي يتمتع بها الغربيون بمجملهم وليس السويديون فقط. مشكلة الغربيين أنهم قلما يجلسون ويحاسبون أنفسهم. شأنهم شأن الأمم الأخرى، غالبا ما يلومون الآخرين.
وبهذا يكون الغربيون قد قدموا نموذجا سيئا جدا للتطور والنمو الإنساني لأنه يستند في كثير من أوجهه من الناحية الأخلاقية والإنسانية إلى أخذ أشياء هي من استحقاق الآخرين إن أخذنا بعين الاعتبار أننا كلنا كبشر لنا حصة في ما يمكن أن تمنحه لنا هذه الأرض وأن إمكانات كوكبنا محدودة.
ولهذا نرى أن اقتصادات كثير من الدول الغربية بدأت لا تتحمل هذا النمط من الرفاهية، ولا سيما عندما ظهرت دول كبرى مثل الصين والهند وغيرهما وهي تصبو نحو رفاه شبيه بما يتمتع به الغربيون.
فقط تصور ماذا سيحدث لكوكبنا لو أن سكان الصين البالغ عددهم نحو مليار ونصف المليار، وسكان الهند البالغ عددهم نحو مليار و200 مليون شخص – أي نحو ثلث سكان كوكب الأرض بلغوا درجة من الرفاهية تقارب التي لدى سكان السويد التسعة ملايين؟
تخيل عدد السيارات الشخصية والبيوت والقوارب والسيارات العائلية وعدد الكلاب والقطط.. أي أرض ستسعنا!
وختاما.. لا أظن أن الغربيين في كثير من نواحي تطورهم قدموا نموذجا حسنا للبشرية.
وإلى اللقاء.
المصدر صحيفة الاقتصادية
http://www.aleqt.com/2011/11/25/article_601334.html