ابو ضيف الله
17-Sep-2011, 06:26 PM
محمد النحرواي
في عام سبعين وتسعمائة وألف من الميلاد (1970 م) وبعد أن ألقى خطبة حماسية شديدة في مدينة طوكيو وأمام ألف رجل عسكري ياباني ، حثهم من خلالها على التمسك بالقيم اليابانية ، وعلى العودة إلى روح اليابان الأصيلة ، قام الكاتب الروائي الياباني الشهير "يوكيو ميشيما" بقتل نفسه على طريقة الساموراي في الإنتحار والمسماة (سيبوكو - Seppuku) أو (هارا كيري - Hara Kiri) ، وهي أسلوب إنتحار مقدس لدى محاربي الساموراي القدماء كانوا يستخدمونه لقتل أنفسهم ، وذلك بأن يستخدم المنتحر السيف في شق بطنه أفقياً من اليسار إلى اليمين ثم من أعلى إلى أسفل.
وقد عاش الكاتب الياباني "يوكيو ميشيما" منافحاً عن ثقافة اليابانيين القديمة ، وعن أصالتهم وحضارتهم ، وكان يحذر دوماً من خطورة توجه اليابانيين نحو الفكر الغربي ومن أن يتركوا جذورهم وهويتهم ، لذلك فقد إختار أن يموت بطريقة أراد ان يدلل بها على معتقده الذي كان يدعو إليه ، ولم يكتف بكتاباته وأقواله ، ولكنه أراد أن يرسل رسالة عملية لليابانيين يخبرهم فيها أن الشخصية اليابانية لها مميزاتها الخاصة في كل شيء ، حتى في الموت.
ونحن حين نرى أنموذجا واقعياً لكاتب غير مسلم ضحى بحياته من أجل أن تثبت أمته على هويتها حتى تبرز وتسمو بين الأمم ، رغم أنها أمة في غاية التقدم والرقي المادي أصلاً ، فإن هذا الأنموذج يختلف بشكل كبير حين نتجه نحو البلاد الإسلامية ، فقد أضحى كثير من الكتاب والمفكرين "المسلمين" أو "الإسلاميين" ، ومع العجب الشديد - قبل الأسف - يرون أن نهوض الأمة المسلمة لن يتأتى إلا بتخليها عن هويتها وعن جذورها ، وأنها لن تحقق أي تقدم مادي إلا إذا راجعت مفاهيمها وعقيدتها وفقهها ، وأخضعت كل هذا للفكر العصري الجديد المستنير ، حتى يصبح بمثابة المصفاة التي تخلص الدين من شوائبه التي يزعمونها ويزعمون أنها تعكر صفو الدين والدنيا ، وتمنع نهضة معتنقي هذا الدين المادية وتطورهم.
وأمثلة هؤلاء الكتاب لا تخفى على أي باحث أو غير باحث ، فبمجرد أن تلتفت يميناً أو شمالاً تراهم ظاهرين بارزين ، فحناجرهم وأقلامهم لا تمل عن إظهار الدين على أنه عوار الأمة ومصيبتها وداهيتها الدهماء ، وقد خرج أحدهم منذ وقت قريب ، ناشراً مقالة في إحدى الصحف ذات الإنتشار الواسع في مصر ، وكانت المقالة بعنوان " تقديس فقه الحمامات يطفئ أمل نهوض المسلمين" ، ورغم أن اسم هذا الكاتب هو "إسلام" ، إلا أنه يرى أن تعلم آداب "الإسلام" في دخول الحمامات يطفئ أمل الأمة في التقدم ، وبصدق شديد وبإخلاص وتجرد حاولت جاهداً ، أن أفهم وأعي كيف أن السنة النبوية في دخول الخلاء بالرجل اليسرى أولاً تعيق تقدم الأمة وتقطع الأمل في نهضتها ، إلا أنني لم أستوعب العلاقة ولم أفهمها.
ومن هؤلاء كذلك من تراهم يخبرونك أن الإلتزام بالسنة النبوية وآدابها في الطعام والشراب ، هو معول هدم واضح يجعل الشعوب الإسلامية في مؤخرة الركب ، وذلك لأنهم باتباعهم تلك الآداب "القديمة" ، يكونوا قد تخلوا عن الأساليب الجديدة والراقية ، فالقواعد المدنية الراقية المتقدمة في نظرهم تفرض عليهم أن يمسكوا "بالشوكة" في شمالهم ويأكلوا بها ، لذا فإن الأمر بالأكل باليمين ، ينافي قواعد وآداب الطعام الحديثة والراقية في زعمهم، وأن الذي يمسك "الشوكة" بيمينه ، فإنه في نظر هؤلاء يظهر نفسه بمظهر الجاهل المتخلف.
إن هؤلاء بمزاعمهم تلك ، لا يعدون كونهم أحد صنفين ، فإما هم جاهلون بثقافة الدول شرقها وغربها ، وإما هم يريدون من الناس التخلي عن إسلامهم.
ولدحض مزاعم هؤلاء القوم فإنني أسوق مثالاً واقعياً لإحدى أكثر الدول تقدماً في العالم ، وهي دولة اليابان - مرة أخرى - فالشعب الياباني لديه تمسك شديد بأخلاقه وثقافاته ، حتى تلك الخاصة بالطعام والشراب ، فعصي أو أعواد "التشوبستيكس" الشهيرة ، والتي يستخدمها اليابانيون ، وشعوب شرق آسيا بشكل عام في طعامهم ، تعد من أوضح الأمثلة التي تبين تمسك هؤلاء القوم بعاداتهم القديمة في الطعام ، حتى أنني سمعت أحدهم حينما سئل عن تمسك الإنسان الياباني بالأكل بتلك الأعواد حتى الآن ، فأجاب قائلاً : "إن تلك الأعواد جزء من تراث اليابان الذي يجب أن نحافظ عليه حتى وإن كنا خارج اليابان" ، فهذه هي نظرة الشعب الياباني لتقاليد طعامه القديمة ، فهو يراها أمراً يجب الإلتزام به ، ولا يراها مطلقاً معولاً يهدم أمل أمته في التقدم والنهوض والرقي.
وخلاصة القول ، فإن التمسك بالهوية الإسلامية لن يعيق تقدم الأمة الإسلامية ، ولن يكون حجر عثرة أمام شعوبها ، بل على العكس من ذلك ، فإن تضييع هوية الأمة ، وطمس معالم تراثها وثقافتها هو المسمار الأول في نعش تقدمها ، وهذا ما يدركه أعداء الإسلام ويحرصون على تنفيذه ، حتى تصير - أو تظل - الأمة إلى آخر الركب ، ونرى أن أصحاب الهوية الإسلامية قد أصبحوا وأمسوا خلف أصحاب الهوية البوذية والكنفوشية والتشوبستيكية!
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
في عام سبعين وتسعمائة وألف من الميلاد (1970 م) وبعد أن ألقى خطبة حماسية شديدة في مدينة طوكيو وأمام ألف رجل عسكري ياباني ، حثهم من خلالها على التمسك بالقيم اليابانية ، وعلى العودة إلى روح اليابان الأصيلة ، قام الكاتب الروائي الياباني الشهير "يوكيو ميشيما" بقتل نفسه على طريقة الساموراي في الإنتحار والمسماة (سيبوكو - Seppuku) أو (هارا كيري - Hara Kiri) ، وهي أسلوب إنتحار مقدس لدى محاربي الساموراي القدماء كانوا يستخدمونه لقتل أنفسهم ، وذلك بأن يستخدم المنتحر السيف في شق بطنه أفقياً من اليسار إلى اليمين ثم من أعلى إلى أسفل.
وقد عاش الكاتب الياباني "يوكيو ميشيما" منافحاً عن ثقافة اليابانيين القديمة ، وعن أصالتهم وحضارتهم ، وكان يحذر دوماً من خطورة توجه اليابانيين نحو الفكر الغربي ومن أن يتركوا جذورهم وهويتهم ، لذلك فقد إختار أن يموت بطريقة أراد ان يدلل بها على معتقده الذي كان يدعو إليه ، ولم يكتف بكتاباته وأقواله ، ولكنه أراد أن يرسل رسالة عملية لليابانيين يخبرهم فيها أن الشخصية اليابانية لها مميزاتها الخاصة في كل شيء ، حتى في الموت.
ونحن حين نرى أنموذجا واقعياً لكاتب غير مسلم ضحى بحياته من أجل أن تثبت أمته على هويتها حتى تبرز وتسمو بين الأمم ، رغم أنها أمة في غاية التقدم والرقي المادي أصلاً ، فإن هذا الأنموذج يختلف بشكل كبير حين نتجه نحو البلاد الإسلامية ، فقد أضحى كثير من الكتاب والمفكرين "المسلمين" أو "الإسلاميين" ، ومع العجب الشديد - قبل الأسف - يرون أن نهوض الأمة المسلمة لن يتأتى إلا بتخليها عن هويتها وعن جذورها ، وأنها لن تحقق أي تقدم مادي إلا إذا راجعت مفاهيمها وعقيدتها وفقهها ، وأخضعت كل هذا للفكر العصري الجديد المستنير ، حتى يصبح بمثابة المصفاة التي تخلص الدين من شوائبه التي يزعمونها ويزعمون أنها تعكر صفو الدين والدنيا ، وتمنع نهضة معتنقي هذا الدين المادية وتطورهم.
وأمثلة هؤلاء الكتاب لا تخفى على أي باحث أو غير باحث ، فبمجرد أن تلتفت يميناً أو شمالاً تراهم ظاهرين بارزين ، فحناجرهم وأقلامهم لا تمل عن إظهار الدين على أنه عوار الأمة ومصيبتها وداهيتها الدهماء ، وقد خرج أحدهم منذ وقت قريب ، ناشراً مقالة في إحدى الصحف ذات الإنتشار الواسع في مصر ، وكانت المقالة بعنوان " تقديس فقه الحمامات يطفئ أمل نهوض المسلمين" ، ورغم أن اسم هذا الكاتب هو "إسلام" ، إلا أنه يرى أن تعلم آداب "الإسلام" في دخول الحمامات يطفئ أمل الأمة في التقدم ، وبصدق شديد وبإخلاص وتجرد حاولت جاهداً ، أن أفهم وأعي كيف أن السنة النبوية في دخول الخلاء بالرجل اليسرى أولاً تعيق تقدم الأمة وتقطع الأمل في نهضتها ، إلا أنني لم أستوعب العلاقة ولم أفهمها.
ومن هؤلاء كذلك من تراهم يخبرونك أن الإلتزام بالسنة النبوية وآدابها في الطعام والشراب ، هو معول هدم واضح يجعل الشعوب الإسلامية في مؤخرة الركب ، وذلك لأنهم باتباعهم تلك الآداب "القديمة" ، يكونوا قد تخلوا عن الأساليب الجديدة والراقية ، فالقواعد المدنية الراقية المتقدمة في نظرهم تفرض عليهم أن يمسكوا "بالشوكة" في شمالهم ويأكلوا بها ، لذا فإن الأمر بالأكل باليمين ، ينافي قواعد وآداب الطعام الحديثة والراقية في زعمهم، وأن الذي يمسك "الشوكة" بيمينه ، فإنه في نظر هؤلاء يظهر نفسه بمظهر الجاهل المتخلف.
إن هؤلاء بمزاعمهم تلك ، لا يعدون كونهم أحد صنفين ، فإما هم جاهلون بثقافة الدول شرقها وغربها ، وإما هم يريدون من الناس التخلي عن إسلامهم.
ولدحض مزاعم هؤلاء القوم فإنني أسوق مثالاً واقعياً لإحدى أكثر الدول تقدماً في العالم ، وهي دولة اليابان - مرة أخرى - فالشعب الياباني لديه تمسك شديد بأخلاقه وثقافاته ، حتى تلك الخاصة بالطعام والشراب ، فعصي أو أعواد "التشوبستيكس" الشهيرة ، والتي يستخدمها اليابانيون ، وشعوب شرق آسيا بشكل عام في طعامهم ، تعد من أوضح الأمثلة التي تبين تمسك هؤلاء القوم بعاداتهم القديمة في الطعام ، حتى أنني سمعت أحدهم حينما سئل عن تمسك الإنسان الياباني بالأكل بتلك الأعواد حتى الآن ، فأجاب قائلاً : "إن تلك الأعواد جزء من تراث اليابان الذي يجب أن نحافظ عليه حتى وإن كنا خارج اليابان" ، فهذه هي نظرة الشعب الياباني لتقاليد طعامه القديمة ، فهو يراها أمراً يجب الإلتزام به ، ولا يراها مطلقاً معولاً يهدم أمل أمته في التقدم والنهوض والرقي.
وخلاصة القول ، فإن التمسك بالهوية الإسلامية لن يعيق تقدم الأمة الإسلامية ، ولن يكون حجر عثرة أمام شعوبها ، بل على العكس من ذلك ، فإن تضييع هوية الأمة ، وطمس معالم تراثها وثقافتها هو المسمار الأول في نعش تقدمها ، وهذا ما يدركه أعداء الإسلام ويحرصون على تنفيذه ، حتى تصير - أو تظل - الأمة إلى آخر الركب ، ونرى أن أصحاب الهوية الإسلامية قد أصبحوا وأمسوا خلف أصحاب الهوية البوذية والكنفوشية والتشوبستيكية!
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.