محمد الذيابـــي
20-Jun-2011, 06:46 PM
نبذه عن الشاعر الكبير عبدالله المسعودي
عبدالله بن مستور بن قنيع المسعودي ... ولد في ديار بني مسعود في منطقة الفوارة سنة 1364هـ وقبيلته هي احدى قبائل هذيل تتكون من ثلاث عشرة عشيرة لكل عشيرة رئيس وينتمي الشاعر الى عشيرة (المزايده )وعم الشاعر مطلق عبيدان المسعودي وهو رئيسهم ومن اشهر رؤساء هذه القبيلة ... وليسى الشاعر عبدالله المسعودي بأقل شاناً في قبيلته فهو رجل اضافة الى نبوغه في الشعر من أعيان القبيله وأصحاب الراي فيها على الرغم من صغر سنه فلا يتصرف عمه رئيس عشيرته الا بمشورته وغالباً يستدعيه شيخ القبيلة العام اذا عرضت مشكله بين افرادها واقتضى الامر حلها عرفاً . لمشاورته واخذ رأية والاستعانه به .
خاله الشاعر سايف المسعودي وخال ابيه الشاعر منيع الله البعشوم المسعودي ،
نشأ في بداية حياته في ديار بني مسعود الواقعه شمال شرقي مكه المكرمه ، وترعرع فيها بدوياً يرعى الاغنام الى ان بلغ العاشره من عمره ثم انتقل الى المزارع هناك الى جانب أبيه الى ان بلغ السادسه عشر من عمره وقال معبراً عن حياة أهل البادية وأمانيهم :
يالله مـن نـوٍ خيـالـه يـقـوده=يمطر على ذيك الديـار عصيـر
يسقي شيرها ثـم يخضـر عـوده=ويعـود فـوق الباديـة بالخـيـر
ياطيب مطلاع الجبل يـوم اروده=مبدأ الجبل طيـب وغيـر وغيـر
مواشـي للبـدو ترعـى حيـوده=وان وردوهـا فـووض وبـيـر
وبيت الصخا اللي كل ضيف يروده=وادلال صفـر مبهـره تبهـيـر
وسوالف تجلي عن القلـب كـوده=وشيمة وقيمـة والجـوار يجيـر
لاحت لاقربائه اشاره قويه تدل على قدوم موهبه شعريه سيكون لها مكانه كبيره في تاريخ شعر المحاروه من خلا ل هذه القصه ... كان عمه الشاعر مطلق بن عبيدان المسعودي يجلس وحيداً تحت ظل شجره ساهما حزيناً على زوجته التي فقدها منذ ايام عدة ... فاراد ان يروّح عن نفسه ويسلي خاطره ببيت من الشعر فنادى على ابن اخيه (( عبدالله )) الذي كان يلهوا مع اقرانه وقال اسمع ياعبدالله :
العشيه ماجد الدخان مصلف يابناخي=ماجده وانا على الدخان صايبني قليه
فترك عبدالله مابيده وقال اسمع ياعم
الصلف مانعرفه ياعم مير نقول صاخي=والله اعلم (بالحوال ) اللي عليها المشهويه
ثم بعد ذلك انتقل الى مكه المكرمه التي أحبها ولازمها وقال فيها معبراً عن مشاعره نحوها
كانت سنة غيث شتاهـا وصيفهـا=مكة سقاك الله وأرضك سعة بـال
مكة ليا مطـرت وسالـت شعابهـا=ماكف بحـر وادي نحوهـا سـال
ان كان في غيرك تزيـن الليالـي=حيناً وحين اتشين في بعض الاحوال
انتـي لياليـك الجميـلات كلـهـا=وأيامك اجمل كامل الحسـن كمـال
اماني الانفـس وسحـراً للافئـدة=الك الرحال اتشد ماعنـك رحـال
حطت امانه فـي اليديـن الامينـه=ابـي انـا امـي انـا ام الابطـال
منهـا انـا فيهـا ومفتـون فيهـا=حسناء لآلي خدها تشعـل اشعـال
هي التـي مامـال قلبـي لغيرهـا=مهما حكوا فيها هل القيـل والقـال
مدري هي اللي زايدة فـي جمالهـا=والا هو المربي كمـا قيـل قتـال
في مكه المكرمه عمل الشاعر بالشركه العربية للسيارات فترة من الزمن ثم التحق بالدفاع المدني فيها وعمل سائقاً به الى انتقل الى البيع والشراء في السيارات فاستقال من وظيفته تك ولم يلبث ان استخرج سجلاً تجارياً وافتتح مؤسسة للمقاولات المعماريه ، واستمر في هذه المهنه الى اخر ايام حياته
اخلاقه وصفاته
كان رحمه الله محمود الخصال مستقيم الاخلاق لا يعرف اصدقاءه لكثرتهم ، مرحاً يحب الفكاه وياتي بها لاتمل مجلسه ولاتكره ان تجالسه ، ياتي بالشعر اثناء كلامه ، وذكي لاتفوته اشاره وتخفى عليه عباره وقد حفظ كثيراً من سور القران الكريم عن طريق السماع من الامام الذي يصلي خلفه اثناء تادية الصلوات .. محباً لوالده يتمنى الموت اذا خالفه واحس بغضبه فهو القائل
يارب وفقنـي رضـا والديـه=اموت رضي ولا اعيش غضيب
فيه انفة العروبه وخصائص لارجوله ، يحب الصدق ويكره الغيبه والنميمه والكذب فيقول :
يامستغيب الناس مانـي غيوبـي=ماني لغيري لا اباودي ولا اجيب
عن عيب غيري شاغلتني عيوب=من يشغله عيبه ماشاهد لاحد عيب
الصدق مثل الريس من الدروبـي=والكذب ظلمه فوق وجه الكذوبـي
اللي ماتغني عنه كـل المجانيـب=ظلام ليـل ولاظـلام الاكاذيـب
وهو القائل
يالساني احـذر عـن فمـي لاتعـدى=قدام لاعضك على الضرس والنـاب
واحـذر تـودي هرجـةْ مـاتـودي=واليا بدت قالوا لـك النـاس كـذاب
اللـي تعشـى بالـكـذب ماتـغـدى=والي تعالج به مـن السقـم ماطـاب
واذر ثـم احـذر بالـردي لاتجـدي=حاجتك ماتقضي وسرك مـع البـاب
من يـوم مايفهـم حقيقتـك صـدي=واصبح يسولف بك مع الناس الاجناب
عـز الله انـي تبـت وابـا اتعـدي=توبة نصوحٍ عن دروب الخطا تـاب
واحدي عن اصحاب الردي وأتحـدي=خله يقولون العرب مالـه اصحـاب
المسعودي من الثقافه الشعبيه الى شعبية الثقافه
شعره هو شعر الباديه الذي يلائم بيئتهم ويخاطب مشاعرهم ويلتفون حوله في محافلهم ويطرق مختلف الاغراض وكل الاشكال التي يعرفونها في الشعر . بالاضافه الى التجديد الذي يرشد اليه الشعر من حين لآخر في اوزان الشعر وقوافيه . فمنهم من يجاريه تقليداًُ ومنهم من يقف موقف المعجب الذي يشهد له بالجوده والشاعريه التي لاتجاري وسلاسل الذهب التي رسمتها الموهبه وصقلها المران . ومنهم من يتوراى
ابراز مكوناته الشعريه مايأتي :
01 الموهبه الشعريه التي اكتسبها بالوراثه ، فابوه ( مستور بن قنيع المسعودي ) شاعر ، وجده لآبيه شاعر ، وخال أبيه ( منيع الله البعشوم ) شاعر ، وعمه مطلق عبيدان المسعودي شاعر فهو من بيت كل رجاله شعراء نسمع بهم من رواة شعرهم ونشاهد بعضهم في المناسبات لانهم على قيد الحياه .
02 حدة الذكاء التي يتمتع بها المسعودي من خلال مواقفه فالمحاورات وقصائده النظميه وخصوصاً المحاورات التي يدس فيها الشعراء مقاصدهم ، فهو لاتفوته شاردة ولايخفي عليه معنى شعري ، بل يحير الشعراء ويشغل السامعين أحياناً ، فيضطرون الى سؤاله عن نسج خياله في بعض الآبيات فهو القائل في احدى الحفلات التي وفدوا اليها كبار الشعراء للمبارزه في الشعر :
انشدك عن بنتٍ ليامنك دخلـت بنصّهـا=تحماك من تسعين متسلح وتسعين اعزلي
تثنت الارماح عنها والمقـص يقصهـا=أكبر من الناقه وأقل شوي من راس الطلي
وموقف اخر مع الشاعر محمد الجبرتي رحمه الله حينما كان بينهما اختلاف مرير فالتقيا في احد المحافل
فاستهل المحاورة محمد الجبرتي بقولة :
سلام الله برديه لها بين الرجال ارجال=وانا ماني مسمي والرجال تعرف اساميها
قاصداً عدم السلام عليه فأجابه حالاً
هلا يامرحبا بيه وباللي يوفي المكيال=ومن لايوفي المكيال يبقى لين يوفيها
قاصداً عدم الترحيب به لانه لم يشمل بسلامه الجميع .
وايضاً مع مطلق الثبيتي رحمه الله
ياليل بض العـرب ميقاعهـا فالصفـا=وأحد مضاريب سيفه ملحمه وانت ليـل
لين جيت ابا اقفي عميلي وش يكون القفا=وان مات شاعر عتيبه مات شاعر هذيل
فمن أين لشاعر غير مطلق الثبيتي _ بعد طول تأمل _ ان يجاريه ويفكك تلك الاكبال الحديديه عن معناه .
03 تربية الباديه اكسبته صفاء الروح وصفاء العقل وسلامه الكلمة وأطلقت لخياله العنان في كل اتجاه ، منذ طفولته المبكره الى ان قال الشعر واستمر في قوله .
04 السماع والممارسه ، فهو رفيق لوالده منذ الصغر ومعين له على الشعراء في كل المواقف ، وقد ذكروا انه قال الشعر وهو ابن الثانية عشر من عمره وفي حشد كبير من الشعراء .
05 ثقافته التي اكتسبها بالسماع من جلسائه لآنه كان مولعاً بالمثقفين لما يجنيه منهم مثل اقواله عن المتنبي والجاحظ بالرغم من عدم معرفته بالقراءه والكتابه .
من انواع الشعر الشعبي في الباديه ونماذج للشاعر منها
قال ابن رشيق القيرواني عن المتنبي : ثم جاء المتنبي فملأ الدنيا وشغل الناس . ولذلك نقارن بين المتنبي والشاعر الشعبي عبدالله المسعودي ونجد وجوهاً للشبه عجيبه ... فالمتنبي كانت حياته مليئة بالاسرار وكذلك كان المسعودي ، المتنبي كانت وفاته محيره ومختلف في سببها وكذلك المسعودي ، والمتنبي كان ذائع الشهره وشغل الناس بشعره كما قال ابن رئيق وكذلك كان المسعودي ، وحول المتنبي نسجت حكايات وأساطير وكذلك المسعودي ، ومحبة الناس وشغفهم بشعر المتنبي ، كان لابد ان وراءه أسباباً كثيره وهذا مادفع الباحثين والنقاد لفحص حياة المتنبي وشعره فحصاً دقيقاً فتنوعت حوله البحوث وكثرت في شعره الدراسات فكان كما قال عن نفسه :
انام ملء جفوني عن شواردها = ويسهر الخلق جراها ويختصم
ونحن نؤمن بأن محبي المسعودي وشعره لابد لها من أسباب وحقائق ولن نكون ممن يرضى بما يردده العامه (( الشعر راح مع عبدالله )) دون ان نعرف سر هذه الشاعريه وحقيقة هذه القوة التي يعترف بها كل جمهور الشعر الشعبي .... نعم ان النقد لايؤمن بالاحكام الانطباعيه السريعه التي لايمحصها تمحيصاً لغوياً ، ذلك لان الشعر لغه واللغه كائن فكري له وجود ونمط خاص ، ولك شاعر لغة حمل نفس الشاعر ونفسه وتكشف حقيقته ومن خلال اللغه فقط نعرف جوهر النص ونكشف ملابسات الانطباع المبدأي حوله ...
ونقارن الفلسفة بين المتنبي … والمسعودي
المتنبي … ذلك الشاعر العباسي الحكيم ، المعتد بنفسه المتباهي بذاته ، لا أظنّ أحدا ً لا يعرفه ، أو لم يسمعْ عنه .
ولو لم يصلنا من شعره إلا قوله : ـ
الخيل والليل والبيداء تعرفني
والسيف والرمح والقرطاس والقلمُ
لكفى وشفى !! من يقرأ شعره يجد الحكم الرائعة ، والأمثال البديعة والصور الجميلة .
فإنْ تفق الأنام وأنت منهم
فإنّ المسك بعض دم الغزالِ
والمتتبع لشعر المحاورة وشعرائه يجد أنّ الشاعر ( عبد الله المسعودي ) قد سار على نفس الخط تقريباً ، فشعره حكم وأمثال ، وصور وخيالات ، وثقة بالنفس والذات .
استمع إلى هذا البيت وقارنه بالبيت الأول للمتنبي ، وستجد التوافق وتوارد الخواطر واضحاً جلياً : ـ
إيعرفني الخيل والليل والسيف الرهيف
والإذاعة والصحافة وروس اقلامها
أمّا في مجال الحكمة فحدث ولا حرج … فأبيات شاعرنا حكيم زمانه يرددها الكبير والصغير ، المتعلم والجاهل ، لما فيها من نضج التجربة وصدورها عن رجل شرّق وغرّب ، وعرف أحوال الناس ، وطبائعها وعاداتها .
وكأن ( المسعودي ) يقول : ـ لكل شيء أوانه الذي لا يتقدم أو يتأخر عنه ، وكلٌ مسؤولٌ عن رعيته .
المخاطر نمشـّيها على كل ملّة
مير للعيد ليلة تنعرف من عصاري
نعم … ونحن نقول : ـ المكتوب يُعرَف من عنوانه ، وكل شيء تدلّ عليه مقدماته .
ما تطول المراجل في يدين العصابة =والفراشة ما تقطع جوع من يشتويها
انظر ـ إلى الحكمة في الشطر الثاني ، أليستْ من قول العرب : " الماء القليل لا يدفع الظمأ "
ليا طاح للأرض المطر يفرح الزرّاع =ويزرع محل الحمض خوخ ورمّاني
إذا نزل المطر فرح به المزارعون ، وزرعوا الفواكه بدلاً من تلك الأشجار والحشائش التي تزدحم بها الأرض المهملة .
ألا واحلى والذوب راس اللسان يذوب =ومن لا يعرْف المرّ ما يعرف الحالي
مَنْ لم يخوض الشدائد ، ويركب الأهوال لا يعرف قيمة العيش الرغد الهانئ ، وقبل كل فرج شدة .
مستور له حكمةٍ من تحت كوعه =من لا يعرْف الصقور ايتشوّاها
منْ وقع في يده شئ ثمينٌ ولم يعرف قيمته وقدره ؛ أصبح الثمين رخيصاً والغالي هيناً كمن أمسك صقراً ولم يعرفه فشواه .
لو عرفنا الدوا ما مات ميّت بعلّه =كمّ عودٍ عوَج فيه الورق والثماري
لو أننا نعرف جميع أدوية الأمراض لما مات أحد بمرض ، وكم من أشياء توضع في غير مواضعها .
إن الشئ الجميل في هذه الحكم والأمثال الرائعة أنها تخدم المعنى ، ولكل ٍ منها توظيفه الصحيح ، فشاعرنا لا يأتي بأمثاله وحكمه إلا وهي تحمل في طياتها من المعاني ما قد يعجز عنه المحللون والنقاد .
ولقد أحسن المسعودي أيما إحسان وأجاد أيما إجادة حين قال : ـ
المرّ في القلب والحلو بلساني =والبغض بالعين والحب بفوادي
أبيات خالدة في أذهان الناس
لا تخلو المحاورة من أبيات تبقى عالقة في الذهن ، ويرددها المتابعون لهذا الفن بمختلف مستوياتهم ؛ والسبب في ذلك يعود إلى قوة هذه الأبيات ، أو لما تحويه من حكمة ، أو لما تتضمنه من تناسب الألفاظ وتلاؤمها .
والأبيات في هذا المجال لا يمكن حصرها ، وما قد أراه أنا جميلاً قد يراه غيري اعتيادياً لا جمال فيه ؛ وما هذا إلا لاختلاف أذواق الناس وتنوع ملكاتهم الفكرية .... ولسوف أعرض اليوم بعضاً من تلك الأبيات التي خلّدها تاريخ المحاورة من قديم الزمن لعلم من أعلام هذا الفن ... يعرفه أو على الأقل يسمع به الكثيرون .. إنه شاعر هذيل ( عبد الله المسعودي ) .
إن الناس لا زالت تردد إلى اليوم بيته المشهور الذي يقول فيه : ـ
أنا ما همّني فالوقت لا مطلق ولا مستور =مركّبها على قمة جبل واتهزّ رجليها
ولكن ما الذي جعل هذا البيت يخلد من أن قيل إلى يومنا هذا ؟؟؟
إن الأسباب التي خلّدت هذا البيت كثيرة ومنها : ـ
أولاً : ـ نبرة الفخر والتحدي الواضحة والتي أتت من بداية القاف حيث إن هذا البيت كان البيت الثاني في المحاورة .
ثانياً : ـ هذا التحدي لم يوجهه الشاعر لشاعر بعينه بل ترك المجال مفتوحاً ، ولكن بطريقة ذكية ، فإذا كان القائل لا يهمه ( مطلق الثبيتي أو مستور العصيمي ) وهما من عمالقة المحاورة آنذاك فمن يهمه إذن ... ؟؟
ثالثاً : ـ الغموض الفني الغريب لمقصود الشاعر في الشطر الثاني . (( مركبها على قمة جبل واتهز رجليها )) وهو الغموض الذي لا زال إلى اليوم حيث لم أجد أو أسمع أنه استطاع فك شفرة هذا الشطر .. وكل منْ تسأله عن المعنى يقول في بطن الشاعر ... فما هي أو من هي التي ركبها ( المسعودي ) على قمة الجبل ؟؟ ولماذا تهز رجليها ؟؟ وكيف يكون هز الرجلين ؟؟ وكيف تستطيع هز رجليها على قمة جبل ؟؟ وما مدى ارتفاع هذه القمة ؟؟ وأين يوجد هذا الجبل ؟؟ الله أعلم .ومن الأبيات المشهورة والتي يرددها الناس لهذا الشاعر قوله : ـ
هلا يا مرحبا ترحيب وافي من صليب الراس=يسير اللعب وإلا ما يسير الهيل فالدلّة
وهو بيت رد به على رفيق دربه ( السواط ) حين قال له : ـ
سلام الله على الأشراف واللي حاضر من الناس=نبي صفين والا عذرونا يا هل الحلّة
وأسباب روعة وخلود بيت ( المسعودي ) كثيرة ومنها : ـ تناسب الألفاظ وتلاؤمها مع بعضها ، فلا تكاد تجد صعوبة في نطق البيت أو ترديده ، ومنها أيضاً : أنه لا زال يعتمد أسلوب التحدي والقوة من البداية فترحيبه ترحيبٌ من رأس قوي صلب يمتليء شعراً . وكذلك أنه في الشطر الثاني لا يهتم بوجود الصفوف ؛ لأنه إن وجد الصف أو لم يجده فدرره الشعرية موجودة . وإن كان الكثير يرى أن تفسير الشطر الثاني يعني أن الشاعر لا يهمه وجود الصفوف مادام قد قبض مقابل أتعابه في تلك الحفلة إلا أنني لا أرى ذلك حيث لم تكن المادة هي المطلب الوحيد لشعراء تلك الفترة .
ومن الأبيات الخالدة لهذا العلم : ـ
أنته توصّيني نسيت انّي هذيلي من هذيل =الناس عارفها واخاطبها بقدّ اعقولها
فهذا البيت قد حوى سؤال تعجب من الشاعر لخصمه الذي يبدو أنه تجاهل مَنْ يكون ( المسعودي ) ؟ وبعد السؤال أخبر الشاعر خصمه بمن يكون ؟ ثمّ افتخر الشاعر بنفسه وأنه على دراية بأحوال الناس وطبائعها وعاداتها وتقاليدها وتلك المعرفة جعلته يستطيع مخاطبة كل منهم بما يتناسب معه . (( خاطبوا الناس بما يعلمون)) .
ومن ذلك قوله أيضاً : ـ
المطية ما تقدّم رجلها قدّام يدها =لوّ راعيها يخليها عشا حصني وذيبي
ما أجمل الحكمة في هذا البيت ، حيث إن كل شيء في هذه الحياة يسير على طبيعته ولا يستطيع التغيير ـ غالبا ـ مثل ( الدابة ) التي لا يمكن أن تقدم رجلها قبل يدها . ثم الحكمة الأخرى والمأخوذة من قوله عليه الصلاة والسلام : ( كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته … )) فـ ( الدابة ) حينما يتركها صاحبها ولا يهتم بها تذهب فريسة كل ذي ناب ، وذلك مأخوذ من قوله عليه الصلاة والسلام أيضاً (( … لك أو لأخيك أو للذئب ))
وكذلك ابيات التحدي
عندما عاد المسعودي الى منزله ذات يوم فوجد (كرت دعوه) مكتوب عليها ( الدرب شام ) وهي جملة معناها اعلان التحدي وتذكير الخصم بما سيلاقيه من صعوبات فذهب الى الحفل ووجد امامه مطلق الثبيتي ومستور العصيمي وجار الله السواط ومحمد بن تويم الثبيتي وهلال السيالي . فانشد كنوع من التعجيز والتباهي بموهبته رداً على الدرب شام
حيث يقول
سلام رديه عجل وابطي عليه لين اشوف =بين الصفوف لكل الحاضرين اثني سلام
الشام مالي فيه اهل وانالياجيت معروف =ياهل الظروف اللي عليها كاتبين الدرب شام
ومنذ تلك الليله وحتى تاريخه لم يسمع بشاعر استطاع الرد عليه
رحم الله الشاعر الكبير عبدالله المسعودي
عبدالله بن مستور بن قنيع المسعودي ... ولد في ديار بني مسعود في منطقة الفوارة سنة 1364هـ وقبيلته هي احدى قبائل هذيل تتكون من ثلاث عشرة عشيرة لكل عشيرة رئيس وينتمي الشاعر الى عشيرة (المزايده )وعم الشاعر مطلق عبيدان المسعودي وهو رئيسهم ومن اشهر رؤساء هذه القبيلة ... وليسى الشاعر عبدالله المسعودي بأقل شاناً في قبيلته فهو رجل اضافة الى نبوغه في الشعر من أعيان القبيله وأصحاب الراي فيها على الرغم من صغر سنه فلا يتصرف عمه رئيس عشيرته الا بمشورته وغالباً يستدعيه شيخ القبيلة العام اذا عرضت مشكله بين افرادها واقتضى الامر حلها عرفاً . لمشاورته واخذ رأية والاستعانه به .
خاله الشاعر سايف المسعودي وخال ابيه الشاعر منيع الله البعشوم المسعودي ،
نشأ في بداية حياته في ديار بني مسعود الواقعه شمال شرقي مكه المكرمه ، وترعرع فيها بدوياً يرعى الاغنام الى ان بلغ العاشره من عمره ثم انتقل الى المزارع هناك الى جانب أبيه الى ان بلغ السادسه عشر من عمره وقال معبراً عن حياة أهل البادية وأمانيهم :
يالله مـن نـوٍ خيـالـه يـقـوده=يمطر على ذيك الديـار عصيـر
يسقي شيرها ثـم يخضـر عـوده=ويعـود فـوق الباديـة بالخـيـر
ياطيب مطلاع الجبل يـوم اروده=مبدأ الجبل طيـب وغيـر وغيـر
مواشـي للبـدو ترعـى حيـوده=وان وردوهـا فـووض وبـيـر
وبيت الصخا اللي كل ضيف يروده=وادلال صفـر مبهـره تبهـيـر
وسوالف تجلي عن القلـب كـوده=وشيمة وقيمـة والجـوار يجيـر
لاحت لاقربائه اشاره قويه تدل على قدوم موهبه شعريه سيكون لها مكانه كبيره في تاريخ شعر المحاروه من خلا ل هذه القصه ... كان عمه الشاعر مطلق بن عبيدان المسعودي يجلس وحيداً تحت ظل شجره ساهما حزيناً على زوجته التي فقدها منذ ايام عدة ... فاراد ان يروّح عن نفسه ويسلي خاطره ببيت من الشعر فنادى على ابن اخيه (( عبدالله )) الذي كان يلهوا مع اقرانه وقال اسمع ياعبدالله :
العشيه ماجد الدخان مصلف يابناخي=ماجده وانا على الدخان صايبني قليه
فترك عبدالله مابيده وقال اسمع ياعم
الصلف مانعرفه ياعم مير نقول صاخي=والله اعلم (بالحوال ) اللي عليها المشهويه
ثم بعد ذلك انتقل الى مكه المكرمه التي أحبها ولازمها وقال فيها معبراً عن مشاعره نحوها
كانت سنة غيث شتاهـا وصيفهـا=مكة سقاك الله وأرضك سعة بـال
مكة ليا مطـرت وسالـت شعابهـا=ماكف بحـر وادي نحوهـا سـال
ان كان في غيرك تزيـن الليالـي=حيناً وحين اتشين في بعض الاحوال
انتـي لياليـك الجميـلات كلـهـا=وأيامك اجمل كامل الحسـن كمـال
اماني الانفـس وسحـراً للافئـدة=الك الرحال اتشد ماعنـك رحـال
حطت امانه فـي اليديـن الامينـه=ابـي انـا امـي انـا ام الابطـال
منهـا انـا فيهـا ومفتـون فيهـا=حسناء لآلي خدها تشعـل اشعـال
هي التـي مامـال قلبـي لغيرهـا=مهما حكوا فيها هل القيـل والقـال
مدري هي اللي زايدة فـي جمالهـا=والا هو المربي كمـا قيـل قتـال
في مكه المكرمه عمل الشاعر بالشركه العربية للسيارات فترة من الزمن ثم التحق بالدفاع المدني فيها وعمل سائقاً به الى انتقل الى البيع والشراء في السيارات فاستقال من وظيفته تك ولم يلبث ان استخرج سجلاً تجارياً وافتتح مؤسسة للمقاولات المعماريه ، واستمر في هذه المهنه الى اخر ايام حياته
اخلاقه وصفاته
كان رحمه الله محمود الخصال مستقيم الاخلاق لا يعرف اصدقاءه لكثرتهم ، مرحاً يحب الفكاه وياتي بها لاتمل مجلسه ولاتكره ان تجالسه ، ياتي بالشعر اثناء كلامه ، وذكي لاتفوته اشاره وتخفى عليه عباره وقد حفظ كثيراً من سور القران الكريم عن طريق السماع من الامام الذي يصلي خلفه اثناء تادية الصلوات .. محباً لوالده يتمنى الموت اذا خالفه واحس بغضبه فهو القائل
يارب وفقنـي رضـا والديـه=اموت رضي ولا اعيش غضيب
فيه انفة العروبه وخصائص لارجوله ، يحب الصدق ويكره الغيبه والنميمه والكذب فيقول :
يامستغيب الناس مانـي غيوبـي=ماني لغيري لا اباودي ولا اجيب
عن عيب غيري شاغلتني عيوب=من يشغله عيبه ماشاهد لاحد عيب
الصدق مثل الريس من الدروبـي=والكذب ظلمه فوق وجه الكذوبـي
اللي ماتغني عنه كـل المجانيـب=ظلام ليـل ولاظـلام الاكاذيـب
وهو القائل
يالساني احـذر عـن فمـي لاتعـدى=قدام لاعضك على الضرس والنـاب
واحـذر تـودي هرجـةْ مـاتـودي=واليا بدت قالوا لـك النـاس كـذاب
اللـي تعشـى بالـكـذب ماتـغـدى=والي تعالج به مـن السقـم ماطـاب
واذر ثـم احـذر بالـردي لاتجـدي=حاجتك ماتقضي وسرك مـع البـاب
من يـوم مايفهـم حقيقتـك صـدي=واصبح يسولف بك مع الناس الاجناب
عـز الله انـي تبـت وابـا اتعـدي=توبة نصوحٍ عن دروب الخطا تـاب
واحدي عن اصحاب الردي وأتحـدي=خله يقولون العرب مالـه اصحـاب
المسعودي من الثقافه الشعبيه الى شعبية الثقافه
شعره هو شعر الباديه الذي يلائم بيئتهم ويخاطب مشاعرهم ويلتفون حوله في محافلهم ويطرق مختلف الاغراض وكل الاشكال التي يعرفونها في الشعر . بالاضافه الى التجديد الذي يرشد اليه الشعر من حين لآخر في اوزان الشعر وقوافيه . فمنهم من يجاريه تقليداًُ ومنهم من يقف موقف المعجب الذي يشهد له بالجوده والشاعريه التي لاتجاري وسلاسل الذهب التي رسمتها الموهبه وصقلها المران . ومنهم من يتوراى
ابراز مكوناته الشعريه مايأتي :
01 الموهبه الشعريه التي اكتسبها بالوراثه ، فابوه ( مستور بن قنيع المسعودي ) شاعر ، وجده لآبيه شاعر ، وخال أبيه ( منيع الله البعشوم ) شاعر ، وعمه مطلق عبيدان المسعودي شاعر فهو من بيت كل رجاله شعراء نسمع بهم من رواة شعرهم ونشاهد بعضهم في المناسبات لانهم على قيد الحياه .
02 حدة الذكاء التي يتمتع بها المسعودي من خلال مواقفه فالمحاورات وقصائده النظميه وخصوصاً المحاورات التي يدس فيها الشعراء مقاصدهم ، فهو لاتفوته شاردة ولايخفي عليه معنى شعري ، بل يحير الشعراء ويشغل السامعين أحياناً ، فيضطرون الى سؤاله عن نسج خياله في بعض الآبيات فهو القائل في احدى الحفلات التي وفدوا اليها كبار الشعراء للمبارزه في الشعر :
انشدك عن بنتٍ ليامنك دخلـت بنصّهـا=تحماك من تسعين متسلح وتسعين اعزلي
تثنت الارماح عنها والمقـص يقصهـا=أكبر من الناقه وأقل شوي من راس الطلي
وموقف اخر مع الشاعر محمد الجبرتي رحمه الله حينما كان بينهما اختلاف مرير فالتقيا في احد المحافل
فاستهل المحاورة محمد الجبرتي بقولة :
سلام الله برديه لها بين الرجال ارجال=وانا ماني مسمي والرجال تعرف اساميها
قاصداً عدم السلام عليه فأجابه حالاً
هلا يامرحبا بيه وباللي يوفي المكيال=ومن لايوفي المكيال يبقى لين يوفيها
قاصداً عدم الترحيب به لانه لم يشمل بسلامه الجميع .
وايضاً مع مطلق الثبيتي رحمه الله
ياليل بض العـرب ميقاعهـا فالصفـا=وأحد مضاريب سيفه ملحمه وانت ليـل
لين جيت ابا اقفي عميلي وش يكون القفا=وان مات شاعر عتيبه مات شاعر هذيل
فمن أين لشاعر غير مطلق الثبيتي _ بعد طول تأمل _ ان يجاريه ويفكك تلك الاكبال الحديديه عن معناه .
03 تربية الباديه اكسبته صفاء الروح وصفاء العقل وسلامه الكلمة وأطلقت لخياله العنان في كل اتجاه ، منذ طفولته المبكره الى ان قال الشعر واستمر في قوله .
04 السماع والممارسه ، فهو رفيق لوالده منذ الصغر ومعين له على الشعراء في كل المواقف ، وقد ذكروا انه قال الشعر وهو ابن الثانية عشر من عمره وفي حشد كبير من الشعراء .
05 ثقافته التي اكتسبها بالسماع من جلسائه لآنه كان مولعاً بالمثقفين لما يجنيه منهم مثل اقواله عن المتنبي والجاحظ بالرغم من عدم معرفته بالقراءه والكتابه .
من انواع الشعر الشعبي في الباديه ونماذج للشاعر منها
قال ابن رشيق القيرواني عن المتنبي : ثم جاء المتنبي فملأ الدنيا وشغل الناس . ولذلك نقارن بين المتنبي والشاعر الشعبي عبدالله المسعودي ونجد وجوهاً للشبه عجيبه ... فالمتنبي كانت حياته مليئة بالاسرار وكذلك كان المسعودي ، المتنبي كانت وفاته محيره ومختلف في سببها وكذلك المسعودي ، والمتنبي كان ذائع الشهره وشغل الناس بشعره كما قال ابن رئيق وكذلك كان المسعودي ، وحول المتنبي نسجت حكايات وأساطير وكذلك المسعودي ، ومحبة الناس وشغفهم بشعر المتنبي ، كان لابد ان وراءه أسباباً كثيره وهذا مادفع الباحثين والنقاد لفحص حياة المتنبي وشعره فحصاً دقيقاً فتنوعت حوله البحوث وكثرت في شعره الدراسات فكان كما قال عن نفسه :
انام ملء جفوني عن شواردها = ويسهر الخلق جراها ويختصم
ونحن نؤمن بأن محبي المسعودي وشعره لابد لها من أسباب وحقائق ولن نكون ممن يرضى بما يردده العامه (( الشعر راح مع عبدالله )) دون ان نعرف سر هذه الشاعريه وحقيقة هذه القوة التي يعترف بها كل جمهور الشعر الشعبي .... نعم ان النقد لايؤمن بالاحكام الانطباعيه السريعه التي لايمحصها تمحيصاً لغوياً ، ذلك لان الشعر لغه واللغه كائن فكري له وجود ونمط خاص ، ولك شاعر لغة حمل نفس الشاعر ونفسه وتكشف حقيقته ومن خلال اللغه فقط نعرف جوهر النص ونكشف ملابسات الانطباع المبدأي حوله ...
ونقارن الفلسفة بين المتنبي … والمسعودي
المتنبي … ذلك الشاعر العباسي الحكيم ، المعتد بنفسه المتباهي بذاته ، لا أظنّ أحدا ً لا يعرفه ، أو لم يسمعْ عنه .
ولو لم يصلنا من شعره إلا قوله : ـ
الخيل والليل والبيداء تعرفني
والسيف والرمح والقرطاس والقلمُ
لكفى وشفى !! من يقرأ شعره يجد الحكم الرائعة ، والأمثال البديعة والصور الجميلة .
فإنْ تفق الأنام وأنت منهم
فإنّ المسك بعض دم الغزالِ
والمتتبع لشعر المحاورة وشعرائه يجد أنّ الشاعر ( عبد الله المسعودي ) قد سار على نفس الخط تقريباً ، فشعره حكم وأمثال ، وصور وخيالات ، وثقة بالنفس والذات .
استمع إلى هذا البيت وقارنه بالبيت الأول للمتنبي ، وستجد التوافق وتوارد الخواطر واضحاً جلياً : ـ
إيعرفني الخيل والليل والسيف الرهيف
والإذاعة والصحافة وروس اقلامها
أمّا في مجال الحكمة فحدث ولا حرج … فأبيات شاعرنا حكيم زمانه يرددها الكبير والصغير ، المتعلم والجاهل ، لما فيها من نضج التجربة وصدورها عن رجل شرّق وغرّب ، وعرف أحوال الناس ، وطبائعها وعاداتها .
وكأن ( المسعودي ) يقول : ـ لكل شيء أوانه الذي لا يتقدم أو يتأخر عنه ، وكلٌ مسؤولٌ عن رعيته .
المخاطر نمشـّيها على كل ملّة
مير للعيد ليلة تنعرف من عصاري
نعم … ونحن نقول : ـ المكتوب يُعرَف من عنوانه ، وكل شيء تدلّ عليه مقدماته .
ما تطول المراجل في يدين العصابة =والفراشة ما تقطع جوع من يشتويها
انظر ـ إلى الحكمة في الشطر الثاني ، أليستْ من قول العرب : " الماء القليل لا يدفع الظمأ "
ليا طاح للأرض المطر يفرح الزرّاع =ويزرع محل الحمض خوخ ورمّاني
إذا نزل المطر فرح به المزارعون ، وزرعوا الفواكه بدلاً من تلك الأشجار والحشائش التي تزدحم بها الأرض المهملة .
ألا واحلى والذوب راس اللسان يذوب =ومن لا يعرْف المرّ ما يعرف الحالي
مَنْ لم يخوض الشدائد ، ويركب الأهوال لا يعرف قيمة العيش الرغد الهانئ ، وقبل كل فرج شدة .
مستور له حكمةٍ من تحت كوعه =من لا يعرْف الصقور ايتشوّاها
منْ وقع في يده شئ ثمينٌ ولم يعرف قيمته وقدره ؛ أصبح الثمين رخيصاً والغالي هيناً كمن أمسك صقراً ولم يعرفه فشواه .
لو عرفنا الدوا ما مات ميّت بعلّه =كمّ عودٍ عوَج فيه الورق والثماري
لو أننا نعرف جميع أدوية الأمراض لما مات أحد بمرض ، وكم من أشياء توضع في غير مواضعها .
إن الشئ الجميل في هذه الحكم والأمثال الرائعة أنها تخدم المعنى ، ولكل ٍ منها توظيفه الصحيح ، فشاعرنا لا يأتي بأمثاله وحكمه إلا وهي تحمل في طياتها من المعاني ما قد يعجز عنه المحللون والنقاد .
ولقد أحسن المسعودي أيما إحسان وأجاد أيما إجادة حين قال : ـ
المرّ في القلب والحلو بلساني =والبغض بالعين والحب بفوادي
أبيات خالدة في أذهان الناس
لا تخلو المحاورة من أبيات تبقى عالقة في الذهن ، ويرددها المتابعون لهذا الفن بمختلف مستوياتهم ؛ والسبب في ذلك يعود إلى قوة هذه الأبيات ، أو لما تحويه من حكمة ، أو لما تتضمنه من تناسب الألفاظ وتلاؤمها .
والأبيات في هذا المجال لا يمكن حصرها ، وما قد أراه أنا جميلاً قد يراه غيري اعتيادياً لا جمال فيه ؛ وما هذا إلا لاختلاف أذواق الناس وتنوع ملكاتهم الفكرية .... ولسوف أعرض اليوم بعضاً من تلك الأبيات التي خلّدها تاريخ المحاورة من قديم الزمن لعلم من أعلام هذا الفن ... يعرفه أو على الأقل يسمع به الكثيرون .. إنه شاعر هذيل ( عبد الله المسعودي ) .
إن الناس لا زالت تردد إلى اليوم بيته المشهور الذي يقول فيه : ـ
أنا ما همّني فالوقت لا مطلق ولا مستور =مركّبها على قمة جبل واتهزّ رجليها
ولكن ما الذي جعل هذا البيت يخلد من أن قيل إلى يومنا هذا ؟؟؟
إن الأسباب التي خلّدت هذا البيت كثيرة ومنها : ـ
أولاً : ـ نبرة الفخر والتحدي الواضحة والتي أتت من بداية القاف حيث إن هذا البيت كان البيت الثاني في المحاورة .
ثانياً : ـ هذا التحدي لم يوجهه الشاعر لشاعر بعينه بل ترك المجال مفتوحاً ، ولكن بطريقة ذكية ، فإذا كان القائل لا يهمه ( مطلق الثبيتي أو مستور العصيمي ) وهما من عمالقة المحاورة آنذاك فمن يهمه إذن ... ؟؟
ثالثاً : ـ الغموض الفني الغريب لمقصود الشاعر في الشطر الثاني . (( مركبها على قمة جبل واتهز رجليها )) وهو الغموض الذي لا زال إلى اليوم حيث لم أجد أو أسمع أنه استطاع فك شفرة هذا الشطر .. وكل منْ تسأله عن المعنى يقول في بطن الشاعر ... فما هي أو من هي التي ركبها ( المسعودي ) على قمة الجبل ؟؟ ولماذا تهز رجليها ؟؟ وكيف يكون هز الرجلين ؟؟ وكيف تستطيع هز رجليها على قمة جبل ؟؟ وما مدى ارتفاع هذه القمة ؟؟ وأين يوجد هذا الجبل ؟؟ الله أعلم .ومن الأبيات المشهورة والتي يرددها الناس لهذا الشاعر قوله : ـ
هلا يا مرحبا ترحيب وافي من صليب الراس=يسير اللعب وإلا ما يسير الهيل فالدلّة
وهو بيت رد به على رفيق دربه ( السواط ) حين قال له : ـ
سلام الله على الأشراف واللي حاضر من الناس=نبي صفين والا عذرونا يا هل الحلّة
وأسباب روعة وخلود بيت ( المسعودي ) كثيرة ومنها : ـ تناسب الألفاظ وتلاؤمها مع بعضها ، فلا تكاد تجد صعوبة في نطق البيت أو ترديده ، ومنها أيضاً : أنه لا زال يعتمد أسلوب التحدي والقوة من البداية فترحيبه ترحيبٌ من رأس قوي صلب يمتليء شعراً . وكذلك أنه في الشطر الثاني لا يهتم بوجود الصفوف ؛ لأنه إن وجد الصف أو لم يجده فدرره الشعرية موجودة . وإن كان الكثير يرى أن تفسير الشطر الثاني يعني أن الشاعر لا يهمه وجود الصفوف مادام قد قبض مقابل أتعابه في تلك الحفلة إلا أنني لا أرى ذلك حيث لم تكن المادة هي المطلب الوحيد لشعراء تلك الفترة .
ومن الأبيات الخالدة لهذا العلم : ـ
أنته توصّيني نسيت انّي هذيلي من هذيل =الناس عارفها واخاطبها بقدّ اعقولها
فهذا البيت قد حوى سؤال تعجب من الشاعر لخصمه الذي يبدو أنه تجاهل مَنْ يكون ( المسعودي ) ؟ وبعد السؤال أخبر الشاعر خصمه بمن يكون ؟ ثمّ افتخر الشاعر بنفسه وأنه على دراية بأحوال الناس وطبائعها وعاداتها وتقاليدها وتلك المعرفة جعلته يستطيع مخاطبة كل منهم بما يتناسب معه . (( خاطبوا الناس بما يعلمون)) .
ومن ذلك قوله أيضاً : ـ
المطية ما تقدّم رجلها قدّام يدها =لوّ راعيها يخليها عشا حصني وذيبي
ما أجمل الحكمة في هذا البيت ، حيث إن كل شيء في هذه الحياة يسير على طبيعته ولا يستطيع التغيير ـ غالبا ـ مثل ( الدابة ) التي لا يمكن أن تقدم رجلها قبل يدها . ثم الحكمة الأخرى والمأخوذة من قوله عليه الصلاة والسلام : ( كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته … )) فـ ( الدابة ) حينما يتركها صاحبها ولا يهتم بها تذهب فريسة كل ذي ناب ، وذلك مأخوذ من قوله عليه الصلاة والسلام أيضاً (( … لك أو لأخيك أو للذئب ))
وكذلك ابيات التحدي
عندما عاد المسعودي الى منزله ذات يوم فوجد (كرت دعوه) مكتوب عليها ( الدرب شام ) وهي جملة معناها اعلان التحدي وتذكير الخصم بما سيلاقيه من صعوبات فذهب الى الحفل ووجد امامه مطلق الثبيتي ومستور العصيمي وجار الله السواط ومحمد بن تويم الثبيتي وهلال السيالي . فانشد كنوع من التعجيز والتباهي بموهبته رداً على الدرب شام
حيث يقول
سلام رديه عجل وابطي عليه لين اشوف =بين الصفوف لكل الحاضرين اثني سلام
الشام مالي فيه اهل وانالياجيت معروف =ياهل الظروف اللي عليها كاتبين الدرب شام
ومنذ تلك الليله وحتى تاريخه لم يسمع بشاعر استطاع الرد عليه
رحم الله الشاعر الكبير عبدالله المسعودي