!! . مــآجـد . !!
06-May-2011, 07:58 AM
حرب الأفكار" مقولة غربية قديمة أعاد انتاجها الأمريكيون، جاءت في سياق المواجهة مع قوى المناهضة في العالم الإسلامي، وذلك بعد أن أدرك الغربيون استحالة انتصارهم في ساحات المعارك العسكرية. إذ لعبت الأفكار دورًا كبيرًا في التجييش الحاصل من قبل الغرب في إطار الحرب على كل ما هو إسلامي أو ما عرف إعلاميا بـ "الحرب على الإرهاب"، إذ كانت "حرب الأفكار" ـ كما سماها المنظرون الغربيون ـ "من أجل كسب القلوب والعقول"، بمثابة الجناح الآخر المساند للحملات العسكرية على العالم الإسلامي، وذلك خلال حقب تاريخية عديدة، حتى أمتدت إلى ما يمكن أن نطلق عليه عصر الحرب على ما يسمى (الإرهاب).
جاءت الدعوة لأهمية أن يدير الغرب حربا فكرية على العالم الإسلامي، على لسان أكثر من جهة وشخصية، وكان للأمريكيين الدور الأكبر فيها… وممن أطلق هذا المصطلح ووضع أسسه في بداية السبعينيات من القرن الماضي، القاضي الأمريكي (لويس باول) الذي كان يهدف من نشره وتفعيله، مواجهة الأيديولوجيات المناهضة للرأسمالية. ومن بين من نادى به (دنيس روس) المبعوث الأمريكي السابق للشرق الأوسط ، وبول وولفويتز، نائب وزير الدفاع وأحد مهندسي غزو العراق، وكوندوليزا رايس، وتوماس فريدمان، وتوني بلير، وجورج بوش وغيرهم الكثير.
المنظرون الأمريكيون
يقول بول وولفويتز: "إن معركتنا هي معركة الأفكار ومعركة العقول، ولكي نكسب الحرب على الإرهاب لا بد من الانتصار في ساحة الحرب على الأفكار"، أما توني بلير فيقول: "إذا كنتم تريدون أن تنقلوا الحرب إلى أرض الأعداء، فعليكم أن تهزموا أفكارهم ودعايتهم"، وفي خطابه في أعقاب هجوم الـ 11 من سبتمبر، صرح جورج بوش، بالقول: "نحن نحارب في جبهات مختلفة عسكرية واقتصادية وسياسية وفكرية".
وقد اضطلعت كونداليزا رايس بدورها في تحديد الملامح الرئيسية لتلك الحرب، وذلك عندما كانت مستشارة للأمن القومي الأمريكي؛ إذ قالت في كلمة ألقتها بمعهد السلام الأمريكي عام 2002م: "لا بد من اتباع أساليب الحرب الباردة نفسها ضد الشيوعية لمواجهة أفكار الكراهية والموت في الشرق الأوسط". ثم صرحت في مناسبة أُخرى: "إن المهمة الأساسية في حرب الأفكار، تتعلق بالترويج للقيم الأمريكية المتمثلة في الحرية والديمقراطية ونظام السوق الحر".
في حين كان وزير الدفاع الأمريكي السابق (دونالد رامسفيلد) أول من أطلق شرارة هذه الحرب عام 2003م حينما دعا إلى شنها مؤسساً بذلك لحملةٍ صليبيةٍ فكرية، موازية للحملة الصليبية العسكرية، حيث قال: "نخوض حرب أفكار، مثلما نخوض حرباً عسكرية، ونؤمن إيماناً قوياً بأن أفكارنا لا مثيل لها"، ثم أردف: "إن تلك الحرب تستهدف تغيير المدارك، وإن من المحتم الفوز فيها وعدم الاعتماد على القوة العسكرية وحدها".
وقد نصت الورقة الرئيسية لاستراتيجية الأمن القومي الأمريكي على أن أحد أهم أدوات أمريكا في نشر مبادئها في الشرق الأوسط هو "شن حرب أفكار" مع اللجوء للخيار العسكري عند الحاجة إليه. كما لم تهدأ مراكز الأبحاث ومعاهد التفكير التي يهيمن عليها اليمين المتطرف في إصدار التقارير والدراسات التي تصب كلها في كيفية إدارة تلك الحرب، وتحديد أهدافها والوسائل الخاصة بها.
صراع العقائد واستهداف الثوابت
يعد الصراع على العقائد جوهر حرب الأفكار، ذلك لارتباط تلك الحرب بمعايير رضى الغرب عن المسلمين ومبادئهم وأفكارهم وأسلوب حياتهم، مع ضمان عدم معارضتهم لما يُطرح عليهم من قبله ثقافيا واجتماعيا واقتصاديا وأمنيا، يقول رامسفيلد: "نريد لشعوب الشرق الأوسط أن يكون إسلامها كإسلام الشعوب المسلمة في شرق أوروبا"، يقصد مسلمي البوسنة وألبانيا، الذين ذاب غالبيتهم في قاع الحياة الغربية، حتى صار الدين بالنسبة لأكثرهم مجرد انتماء تاريخي. فهي حرب لتغيير المرفوض وفق المعايير الغربية، وهو ما يحتم التطرق إلى مناطق تتعلق بجوهر الدين الإسلامي ذاته، مثل: كيفية فهم الإسلام، وتفسير القرآن والفـقه والتاريخ والتشريع، والأحوال الشـخصية، والعقيدة. فهي معركة الجانب الأكبر منها على الثوابت، تهدف إلى تغيير الإسلام في فهم واعتقاد متبعيه. ولا يُخفي عدد من المفكرين والكتاب الغربيين أن هذا بالفعل هو مفهومهم يقول (روبرت سبنسر) مدير موقع مراقبة الجهاد (jihad watch): "يجب على النهضة الإسلامية أو الإصلاح أن تكون إلغاء واضحاً للحرفية القرآنية".
وبمجرد وقوع أحداث 11 سبتمبر 2001 أنطلقت الأصوات الأمريكية، رسمية وغير رسمية، تتهم المملكة العربية السعودية بالوقوف وراء الإرهاب، وتزعم أن المناهج التعليمية السعودية تعلم كره اليهود والغرب، وكان التقرير الذي أعدته مؤسسة (راند) من أبرز خطابات الاتهام الموجهة للسعودية حيث وصف الدولة التي تطبق الشريعة الإسلامية رسميا وتحتضن الحرمين الشريفين بأنها "دولة عدو تدعم الإرهاب" وأنه لا عدول عن هذا الوصف إلا بتغيير المناهج التعليمية المستمدة من الإسلام هناك.
وفي عام 2006 نشرت مجلة "يو إس نيوز" الأمريكية تقريرًا تحت عنوان "قلوب وعقول ودولارات"، جاء فيه أن "أمريكا لها مصالح متصلة بأمنها القومي ليس فيما يحدث داخل العالم الإسلامي وإنما داخل الإسلام ذاته كدين"، وهو ما يعني أن التوجه سيكون مباشرة صوب الإسلام نفسه باعتباره ساحة المواجهة. وذلك بهدف وضعه على أسس جديدة أو بمعنى آخر "تحديث الإسلام" من أجل تقديم خطاب مقبول ـ وفق المعايير الغربية ـ يركز على المشترك بين الإسلام وبين الغرب؛ خطاب يخلو من أفكار الجهاد والقتال والولاء والبراء، ويخلو من العداء للكيان الصهيوني. يقول (فوكوياما): "لا أرى هناك سبباً يمنع من وجود شكل حديث للإسلام، فالتوفيق ـ برأيه ـ ممكن بين الإسلام كدين وبين الحداثة".
تحالف المعتدلين في العالم الإسلامي
أحد وسائل الغرب في هذه الحرب هي دعم التيارات المعتدلة التي بينها وبين العالم الغربي قيم مشتركة، وقد وضع تقرير (راند) المعايير التي تحدد الفرق بين المعتدلين والمتطرفين في العالم الإسلامي، وكانت أهم معايير الاعتدال في نظر التقرير: "القبول بالديمقراطية" الغربية و"المصادر غير المتعصبة في تشريع القوانين"، بما يعني إلغــاء مرجعــية الشــريعة، و"نبذ العنف" أي التخلي عن الجهاد والمقاومة، و"احترام حقوق النساء والأقليات" وهو ما يستدعي إحلال المفاهيم الغربية محل الإسلامية فيما يتعلق بالنساء وغير المسلمين.
التـيارات التي سوف يستهدفها الدعم في العالم الإسلامي هي في حقيقتها تيارات مستنسخة من الغرب وجدت لتعمل على إيجاد إسلام متوافق مع القيم الغربية تكون مرجعيته الواقع المتغير وضغوطاته. ففي إطار دعمه لحرب الأفكار، طالب (توماس فريدمان) بأن تكثف أمريكا سياسة تغيير الأفكار بين شعوب الشرق الأوسط ، واقترح عليها أن تمنح خمسين ألف تأشيرة دراسية لطلاب عرب للقدوم إليها، ليكونوا هدفاً للتأثير الفكري المباشر!!. وفي عام 2004 أصدر المفكر الفرنسي جيل كبيل كتابا بعنوان "فتنة الحرب في قلب الإسلام"، اعتبر فيه أن العالم الإسلامي يعاني ما سماه "فتنة الإسلامية" وأن مسلمي أوروبا مصابون بهذه العدوى، وأنه لا خلاص من "فتنة الإسلامية" إلا عن طريق مسلمين جدد تربوا في أحضان الثقافة الأوروبية.
ومن الجدير بالاستغراب هنا التشكك الذي يبديه بعض المثقفين الغربيين في من يسمونهم المعتدلين، ففي مقال له بعنوان «كيف نحدد المسلمين المعتدلين؟» نشرته صحيفة (نيويورك صن)، يقول (دانيال بايبس) وهو واحد من أبرز الناقمين على الإسلام: "هـناك المزيـد مـن المعتـدلين المزيـفين الذيـن يصـعب الكشف عـن تطـرفهم، حتـى وإن كان المراقب هو مثلي ويكرس الكثير من الوقت والانتباه إلى هذه القضية". ويقدم بايبس توضيحاً أكثر لمراده، حيث يقول: "الإسلامويون يعون الحاجة إلى المسـلمين المعـتدلين وهـم يتـعلمون كيـف يتظاهرون بالاعتدال، ولا شك أن هذا التمويه سيتحسن مع الوقت".
وكان تقرير (راند) السابق ذكره قد صدر عام 2004 تحت عنوان (الإسلام المدني الديموقراطي، الشركاء والموارد والإستراتيجيات)، تحدث عن شركاء أمريـكا من "الإسلاميين الليبراليين" في فهـم الإسلام العصري أو الحداثي، وفي مقدمة التقرير رأت (شيريل برنارد) ـ وهي زوجة زلماي خليل زاده ـ أنه لا بد من التدخل لضبط أوضاع العالم الإسلامي لصالح التماهي مع الديموقراطية الغربية والتناسق مـع بقـية المنظـومة أي بناء إسلامي علماني حداثي، ومن ثم فمجال العمل هو "علمنة الإسلام" نفسه عبر إعادة تشكيله من جديد وفق المصالح والقيم الأمريكية والغربية.
دور الدولار في حرب الأفكار
والوصول إلى ذلك لا يكون إلا عبر تحركات تكتيكية يكون (الدولار) فيها هو الوقود المحرك، وهذا ما ذهب إليه تقرير راند (قلوب وعقول ودولارات) الذي نص على أهمية مزاحمة "العدو" على عقول الناس وقلوبهم، عن طريق تسخير الدولار، في تغيير الأفكار، باتجاه العلمنة والأمركة واللبرلة. ولذلك دارت الرحى على أكثر من صعيد وبوسائل متعددة، فجرى توظيف علماء، وأجهزة مخابرات، ومراكز أبحاث، إلى جانب وسائل إعلام مقروءة ومسموعة. وفي إطار (حرب الأفكار) كان مدير الاتصالات في البيت الأبيض (تاكر إسكيو) قد وضع خطة نشر المفاهيم والقيم الأمريكية، كُللت وقتها بتأسيس قناة (الحرة) الأمريكية وراديو (سوا) من أجل مخاطبة المسلمين بألسنةٍ أمريكية ناطقة بالعربية. وقد قال (تاكر) عند تأسيسه لهذه الوسائل الحربية الفكرية: (إننا نملك المال، ونملك الخبرة، ونملك الأفكار، ولن يستطيع أحد أن يقف أمامنا).
لكن وبالرغم من هذا التوظيف يبدو أن الحرب الغربية على الأفكار تجد تعثرًا كبيرًا جعل بعض قادتهم يقر بذلك، ففي عام 2006 اعترف رامسفيلد نفسه ـ وهو مُشعل حرب الأفكار ـ بأن أمريكا تخسر حربها الدعائية والفكرية ضد من وصفهم (المتشددين) الإسلاميين، مؤكدا على أهمية: "إيجاد وسائل أخرى بديلة لكسب قلوب وعقول الناس في العالم الإسلامي، حيث نجح المتشددون في تسميم الأفكار عن أمريكا"، إلا أن هذا لا يعني إطلاقا أن الغرب يتراجع عن حربه الفكرية، لا بل على العكس التفكير لا ينتهي لديه أبدا في البحث عن وسائل أنجع في تحقيق المقصود.
حرب طويلة الأمد
ففي أدبياته يتحدث الغرب كثيرًا عن "الحرب طويلة المدى" مع الإسلاميين، كان آخر مما صدر في هذا الشأن تقرير مؤسسة (راند) 2009 الذي جاء تحت عنوان (استكشاف مستقبل الحرب طويلة المدى: الدوافع والاهتمامات والدلالات) وهو يرى أن أمريكا باتت متورطة في حرب ذات مدى بعيد، يعتبرها البعض صراعا تاريخيا ضد أعداء الولايات المتحدة الساعين إلى توحيد العالم الإسلامي لإيجاد أمة إسلامية قادرة على أن تضع حدًّا لسيادة وزعامة الغرب. وفي تقرير دوري تصدره وزارة الدفاع الأمريكية كل أربع سنوات، رأى (البنتاجون) أن الحرب ضد الإرهاب ـ بشِقَّيْها الفكري والعسكري ـ يمكن أن تستمر لثلاثين عامًا أخرى، لأنها تمثل المرتكز الأكبر في استراتيجية الأمن القومي الأمريكي لسنوات عديدة قادمة، ويذهب التقرير إلى أن "العالم كله هو ساحة تلك الحرب، وليس بلداً واحداً، أو قارةً بعينها".
وهو ما يدركه الإسلاميون ـ بكونهم مستهدف رئيسي من حرب الأفكار ـ جيدا، ومن ثم تأكد أدبياتهم دوما وانتاجهم الفكري على أن لا سبيل أمامهم إلا استمرار المجابهة أمام القوى الغربية، سواء كانت (عسكرية، أو دعوية، أو فكرية، أو اقتصادية) حتى يرفع الغرب يده عن العالم الإسلامي، فتُحرر البلاد والعباد، وتُسترجع الحقوق، وتستمر الدعوة الإسلامية في طريقها دون أن يعوقها عائق. في مقال له يتحدث أحد الإسلاميين المصريين وكان قد أمضى جزء من حياته في دول أوروبا، قائلا: "المطلوب منا في بلاد الغرب - كما في بلاد الإسلام-: تحصين الناشئة بالتركيز على العقيدة التي يراد مسخها اليوم تحت دعاوى التجديد, لأننا بإزاء حرب عالمية ممنهجة، ومخططة ضد الإسلام؛ فينبغي الحذر من محاولات تمييع عقيدة الولاء والبراء، أو التهاون في تتبع الشبهات وأهلها".
ومن ثم، فليس هناك دليلا على بشائر توافق تلوح في الأفق بين الطرفين، بل على العكس الشواهد كثيرة على استمرار حالة التجييش والاستعداء، بل وربما تتجه هذه الحالة إلى التصاعد خاصة في ظل ممارسات الاستفزاز التي تصدر عن الغرب من قبيل (الرسومات المسيئة، قضية مآذن سويسرا، الحرب على الحجاب ومطاردة المنتقبات، انتشار ثقافة كراهية المسلمين في الغرب والاعتداء عليهم) فقد أصبح الكثير من زعماء اليمين المتطرف الأوروبي اليوم يستعملون مصطلح (معركة أوروبا) للإشارة لوقوفهم في مواجهة تزايد أعداد المسلمين ومساجدهم هناك، ويكفي أن نلقي نظرة صغيرة على أدبيات حركة (أوقفوا الأسلمة)، التي برزت بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر في العديد من البلدان الأوروبية لكي نتعرف على كم الكراهية التي يجري تسويقها، حيث يراهن دعاة الكراهية على تجييش العواطف تحت دعاوى عديدة.
فالجهود في إطار تحسين العلاقة أو على الأقل تلطيفها تساوي لا شيء، حتى الآن، إن كان ثمة جهود تستحق أن تُذكر، ففي كتابه (صراع الحضارات) حاول صموئيل هنتجتون أن يثبت انه لا يمكن خلق أرضية مشتركة تمهد الطريق أمام حوار الحضارات أو ايجاد تواصل ايجابي وبناء بين الأمم والشرائع المختلفة حيث يقول: "إن الصراع على خطوط الصدع بين الحضارتين الغربية والإسلامية قد بدأ منذ أكثر من ألف وثلاثمائة عام، وعلى مدى القرون كان الاحتكاك المسلح بين الغرب والإسلام، ولم يهدأ أبداً، ومن غير المتوقع أن يؤول ذلك التفاعل إلى الزوال بل يمكن أن يصبح أكثر ضراوة .. إن الإسلام يمتلك حدوداً دموية"، هكذا يزعم. وقد نص تقرير لجنة التحقيق في أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م على ذلك التوجه، حيث جاء فيه: "إن العدو الرئيسي لأمريكا هو تيار إسلامي راديكالي متطرف، تعود مرجعيته إلى أفكار ابن تيمية وسيد قطب… ولا يوجد مجال للتصالح مع هذا التيار، ولا بد من عزله وتصفيته تماماً، لكن لا بد أولاً من منازلته في ميدان حرب الأفكار من أجل كسب الغالبية المحايدة التي يمكن أن تتحول إلى متعاطفة معه".
علي عبدالعال
جاءت الدعوة لأهمية أن يدير الغرب حربا فكرية على العالم الإسلامي، على لسان أكثر من جهة وشخصية، وكان للأمريكيين الدور الأكبر فيها… وممن أطلق هذا المصطلح ووضع أسسه في بداية السبعينيات من القرن الماضي، القاضي الأمريكي (لويس باول) الذي كان يهدف من نشره وتفعيله، مواجهة الأيديولوجيات المناهضة للرأسمالية. ومن بين من نادى به (دنيس روس) المبعوث الأمريكي السابق للشرق الأوسط ، وبول وولفويتز، نائب وزير الدفاع وأحد مهندسي غزو العراق، وكوندوليزا رايس، وتوماس فريدمان، وتوني بلير، وجورج بوش وغيرهم الكثير.
المنظرون الأمريكيون
يقول بول وولفويتز: "إن معركتنا هي معركة الأفكار ومعركة العقول، ولكي نكسب الحرب على الإرهاب لا بد من الانتصار في ساحة الحرب على الأفكار"، أما توني بلير فيقول: "إذا كنتم تريدون أن تنقلوا الحرب إلى أرض الأعداء، فعليكم أن تهزموا أفكارهم ودعايتهم"، وفي خطابه في أعقاب هجوم الـ 11 من سبتمبر، صرح جورج بوش، بالقول: "نحن نحارب في جبهات مختلفة عسكرية واقتصادية وسياسية وفكرية".
وقد اضطلعت كونداليزا رايس بدورها في تحديد الملامح الرئيسية لتلك الحرب، وذلك عندما كانت مستشارة للأمن القومي الأمريكي؛ إذ قالت في كلمة ألقتها بمعهد السلام الأمريكي عام 2002م: "لا بد من اتباع أساليب الحرب الباردة نفسها ضد الشيوعية لمواجهة أفكار الكراهية والموت في الشرق الأوسط". ثم صرحت في مناسبة أُخرى: "إن المهمة الأساسية في حرب الأفكار، تتعلق بالترويج للقيم الأمريكية المتمثلة في الحرية والديمقراطية ونظام السوق الحر".
في حين كان وزير الدفاع الأمريكي السابق (دونالد رامسفيلد) أول من أطلق شرارة هذه الحرب عام 2003م حينما دعا إلى شنها مؤسساً بذلك لحملةٍ صليبيةٍ فكرية، موازية للحملة الصليبية العسكرية، حيث قال: "نخوض حرب أفكار، مثلما نخوض حرباً عسكرية، ونؤمن إيماناً قوياً بأن أفكارنا لا مثيل لها"، ثم أردف: "إن تلك الحرب تستهدف تغيير المدارك، وإن من المحتم الفوز فيها وعدم الاعتماد على القوة العسكرية وحدها".
وقد نصت الورقة الرئيسية لاستراتيجية الأمن القومي الأمريكي على أن أحد أهم أدوات أمريكا في نشر مبادئها في الشرق الأوسط هو "شن حرب أفكار" مع اللجوء للخيار العسكري عند الحاجة إليه. كما لم تهدأ مراكز الأبحاث ومعاهد التفكير التي يهيمن عليها اليمين المتطرف في إصدار التقارير والدراسات التي تصب كلها في كيفية إدارة تلك الحرب، وتحديد أهدافها والوسائل الخاصة بها.
صراع العقائد واستهداف الثوابت
يعد الصراع على العقائد جوهر حرب الأفكار، ذلك لارتباط تلك الحرب بمعايير رضى الغرب عن المسلمين ومبادئهم وأفكارهم وأسلوب حياتهم، مع ضمان عدم معارضتهم لما يُطرح عليهم من قبله ثقافيا واجتماعيا واقتصاديا وأمنيا، يقول رامسفيلد: "نريد لشعوب الشرق الأوسط أن يكون إسلامها كإسلام الشعوب المسلمة في شرق أوروبا"، يقصد مسلمي البوسنة وألبانيا، الذين ذاب غالبيتهم في قاع الحياة الغربية، حتى صار الدين بالنسبة لأكثرهم مجرد انتماء تاريخي. فهي حرب لتغيير المرفوض وفق المعايير الغربية، وهو ما يحتم التطرق إلى مناطق تتعلق بجوهر الدين الإسلامي ذاته، مثل: كيفية فهم الإسلام، وتفسير القرآن والفـقه والتاريخ والتشريع، والأحوال الشـخصية، والعقيدة. فهي معركة الجانب الأكبر منها على الثوابت، تهدف إلى تغيير الإسلام في فهم واعتقاد متبعيه. ولا يُخفي عدد من المفكرين والكتاب الغربيين أن هذا بالفعل هو مفهومهم يقول (روبرت سبنسر) مدير موقع مراقبة الجهاد (jihad watch): "يجب على النهضة الإسلامية أو الإصلاح أن تكون إلغاء واضحاً للحرفية القرآنية".
وبمجرد وقوع أحداث 11 سبتمبر 2001 أنطلقت الأصوات الأمريكية، رسمية وغير رسمية، تتهم المملكة العربية السعودية بالوقوف وراء الإرهاب، وتزعم أن المناهج التعليمية السعودية تعلم كره اليهود والغرب، وكان التقرير الذي أعدته مؤسسة (راند) من أبرز خطابات الاتهام الموجهة للسعودية حيث وصف الدولة التي تطبق الشريعة الإسلامية رسميا وتحتضن الحرمين الشريفين بأنها "دولة عدو تدعم الإرهاب" وأنه لا عدول عن هذا الوصف إلا بتغيير المناهج التعليمية المستمدة من الإسلام هناك.
وفي عام 2006 نشرت مجلة "يو إس نيوز" الأمريكية تقريرًا تحت عنوان "قلوب وعقول ودولارات"، جاء فيه أن "أمريكا لها مصالح متصلة بأمنها القومي ليس فيما يحدث داخل العالم الإسلامي وإنما داخل الإسلام ذاته كدين"، وهو ما يعني أن التوجه سيكون مباشرة صوب الإسلام نفسه باعتباره ساحة المواجهة. وذلك بهدف وضعه على أسس جديدة أو بمعنى آخر "تحديث الإسلام" من أجل تقديم خطاب مقبول ـ وفق المعايير الغربية ـ يركز على المشترك بين الإسلام وبين الغرب؛ خطاب يخلو من أفكار الجهاد والقتال والولاء والبراء، ويخلو من العداء للكيان الصهيوني. يقول (فوكوياما): "لا أرى هناك سبباً يمنع من وجود شكل حديث للإسلام، فالتوفيق ـ برأيه ـ ممكن بين الإسلام كدين وبين الحداثة".
تحالف المعتدلين في العالم الإسلامي
أحد وسائل الغرب في هذه الحرب هي دعم التيارات المعتدلة التي بينها وبين العالم الغربي قيم مشتركة، وقد وضع تقرير (راند) المعايير التي تحدد الفرق بين المعتدلين والمتطرفين في العالم الإسلامي، وكانت أهم معايير الاعتدال في نظر التقرير: "القبول بالديمقراطية" الغربية و"المصادر غير المتعصبة في تشريع القوانين"، بما يعني إلغــاء مرجعــية الشــريعة، و"نبذ العنف" أي التخلي عن الجهاد والمقاومة، و"احترام حقوق النساء والأقليات" وهو ما يستدعي إحلال المفاهيم الغربية محل الإسلامية فيما يتعلق بالنساء وغير المسلمين.
التـيارات التي سوف يستهدفها الدعم في العالم الإسلامي هي في حقيقتها تيارات مستنسخة من الغرب وجدت لتعمل على إيجاد إسلام متوافق مع القيم الغربية تكون مرجعيته الواقع المتغير وضغوطاته. ففي إطار دعمه لحرب الأفكار، طالب (توماس فريدمان) بأن تكثف أمريكا سياسة تغيير الأفكار بين شعوب الشرق الأوسط ، واقترح عليها أن تمنح خمسين ألف تأشيرة دراسية لطلاب عرب للقدوم إليها، ليكونوا هدفاً للتأثير الفكري المباشر!!. وفي عام 2004 أصدر المفكر الفرنسي جيل كبيل كتابا بعنوان "فتنة الحرب في قلب الإسلام"، اعتبر فيه أن العالم الإسلامي يعاني ما سماه "فتنة الإسلامية" وأن مسلمي أوروبا مصابون بهذه العدوى، وأنه لا خلاص من "فتنة الإسلامية" إلا عن طريق مسلمين جدد تربوا في أحضان الثقافة الأوروبية.
ومن الجدير بالاستغراب هنا التشكك الذي يبديه بعض المثقفين الغربيين في من يسمونهم المعتدلين، ففي مقال له بعنوان «كيف نحدد المسلمين المعتدلين؟» نشرته صحيفة (نيويورك صن)، يقول (دانيال بايبس) وهو واحد من أبرز الناقمين على الإسلام: "هـناك المزيـد مـن المعتـدلين المزيـفين الذيـن يصـعب الكشف عـن تطـرفهم، حتـى وإن كان المراقب هو مثلي ويكرس الكثير من الوقت والانتباه إلى هذه القضية". ويقدم بايبس توضيحاً أكثر لمراده، حيث يقول: "الإسلامويون يعون الحاجة إلى المسـلمين المعـتدلين وهـم يتـعلمون كيـف يتظاهرون بالاعتدال، ولا شك أن هذا التمويه سيتحسن مع الوقت".
وكان تقرير (راند) السابق ذكره قد صدر عام 2004 تحت عنوان (الإسلام المدني الديموقراطي، الشركاء والموارد والإستراتيجيات)، تحدث عن شركاء أمريـكا من "الإسلاميين الليبراليين" في فهـم الإسلام العصري أو الحداثي، وفي مقدمة التقرير رأت (شيريل برنارد) ـ وهي زوجة زلماي خليل زاده ـ أنه لا بد من التدخل لضبط أوضاع العالم الإسلامي لصالح التماهي مع الديموقراطية الغربية والتناسق مـع بقـية المنظـومة أي بناء إسلامي علماني حداثي، ومن ثم فمجال العمل هو "علمنة الإسلام" نفسه عبر إعادة تشكيله من جديد وفق المصالح والقيم الأمريكية والغربية.
دور الدولار في حرب الأفكار
والوصول إلى ذلك لا يكون إلا عبر تحركات تكتيكية يكون (الدولار) فيها هو الوقود المحرك، وهذا ما ذهب إليه تقرير راند (قلوب وعقول ودولارات) الذي نص على أهمية مزاحمة "العدو" على عقول الناس وقلوبهم، عن طريق تسخير الدولار، في تغيير الأفكار، باتجاه العلمنة والأمركة واللبرلة. ولذلك دارت الرحى على أكثر من صعيد وبوسائل متعددة، فجرى توظيف علماء، وأجهزة مخابرات، ومراكز أبحاث، إلى جانب وسائل إعلام مقروءة ومسموعة. وفي إطار (حرب الأفكار) كان مدير الاتصالات في البيت الأبيض (تاكر إسكيو) قد وضع خطة نشر المفاهيم والقيم الأمريكية، كُللت وقتها بتأسيس قناة (الحرة) الأمريكية وراديو (سوا) من أجل مخاطبة المسلمين بألسنةٍ أمريكية ناطقة بالعربية. وقد قال (تاكر) عند تأسيسه لهذه الوسائل الحربية الفكرية: (إننا نملك المال، ونملك الخبرة، ونملك الأفكار، ولن يستطيع أحد أن يقف أمامنا).
لكن وبالرغم من هذا التوظيف يبدو أن الحرب الغربية على الأفكار تجد تعثرًا كبيرًا جعل بعض قادتهم يقر بذلك، ففي عام 2006 اعترف رامسفيلد نفسه ـ وهو مُشعل حرب الأفكار ـ بأن أمريكا تخسر حربها الدعائية والفكرية ضد من وصفهم (المتشددين) الإسلاميين، مؤكدا على أهمية: "إيجاد وسائل أخرى بديلة لكسب قلوب وعقول الناس في العالم الإسلامي، حيث نجح المتشددون في تسميم الأفكار عن أمريكا"، إلا أن هذا لا يعني إطلاقا أن الغرب يتراجع عن حربه الفكرية، لا بل على العكس التفكير لا ينتهي لديه أبدا في البحث عن وسائل أنجع في تحقيق المقصود.
حرب طويلة الأمد
ففي أدبياته يتحدث الغرب كثيرًا عن "الحرب طويلة المدى" مع الإسلاميين، كان آخر مما صدر في هذا الشأن تقرير مؤسسة (راند) 2009 الذي جاء تحت عنوان (استكشاف مستقبل الحرب طويلة المدى: الدوافع والاهتمامات والدلالات) وهو يرى أن أمريكا باتت متورطة في حرب ذات مدى بعيد، يعتبرها البعض صراعا تاريخيا ضد أعداء الولايات المتحدة الساعين إلى توحيد العالم الإسلامي لإيجاد أمة إسلامية قادرة على أن تضع حدًّا لسيادة وزعامة الغرب. وفي تقرير دوري تصدره وزارة الدفاع الأمريكية كل أربع سنوات، رأى (البنتاجون) أن الحرب ضد الإرهاب ـ بشِقَّيْها الفكري والعسكري ـ يمكن أن تستمر لثلاثين عامًا أخرى، لأنها تمثل المرتكز الأكبر في استراتيجية الأمن القومي الأمريكي لسنوات عديدة قادمة، ويذهب التقرير إلى أن "العالم كله هو ساحة تلك الحرب، وليس بلداً واحداً، أو قارةً بعينها".
وهو ما يدركه الإسلاميون ـ بكونهم مستهدف رئيسي من حرب الأفكار ـ جيدا، ومن ثم تأكد أدبياتهم دوما وانتاجهم الفكري على أن لا سبيل أمامهم إلا استمرار المجابهة أمام القوى الغربية، سواء كانت (عسكرية، أو دعوية، أو فكرية، أو اقتصادية) حتى يرفع الغرب يده عن العالم الإسلامي، فتُحرر البلاد والعباد، وتُسترجع الحقوق، وتستمر الدعوة الإسلامية في طريقها دون أن يعوقها عائق. في مقال له يتحدث أحد الإسلاميين المصريين وكان قد أمضى جزء من حياته في دول أوروبا، قائلا: "المطلوب منا في بلاد الغرب - كما في بلاد الإسلام-: تحصين الناشئة بالتركيز على العقيدة التي يراد مسخها اليوم تحت دعاوى التجديد, لأننا بإزاء حرب عالمية ممنهجة، ومخططة ضد الإسلام؛ فينبغي الحذر من محاولات تمييع عقيدة الولاء والبراء، أو التهاون في تتبع الشبهات وأهلها".
ومن ثم، فليس هناك دليلا على بشائر توافق تلوح في الأفق بين الطرفين، بل على العكس الشواهد كثيرة على استمرار حالة التجييش والاستعداء، بل وربما تتجه هذه الحالة إلى التصاعد خاصة في ظل ممارسات الاستفزاز التي تصدر عن الغرب من قبيل (الرسومات المسيئة، قضية مآذن سويسرا، الحرب على الحجاب ومطاردة المنتقبات، انتشار ثقافة كراهية المسلمين في الغرب والاعتداء عليهم) فقد أصبح الكثير من زعماء اليمين المتطرف الأوروبي اليوم يستعملون مصطلح (معركة أوروبا) للإشارة لوقوفهم في مواجهة تزايد أعداد المسلمين ومساجدهم هناك، ويكفي أن نلقي نظرة صغيرة على أدبيات حركة (أوقفوا الأسلمة)، التي برزت بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر في العديد من البلدان الأوروبية لكي نتعرف على كم الكراهية التي يجري تسويقها، حيث يراهن دعاة الكراهية على تجييش العواطف تحت دعاوى عديدة.
فالجهود في إطار تحسين العلاقة أو على الأقل تلطيفها تساوي لا شيء، حتى الآن، إن كان ثمة جهود تستحق أن تُذكر، ففي كتابه (صراع الحضارات) حاول صموئيل هنتجتون أن يثبت انه لا يمكن خلق أرضية مشتركة تمهد الطريق أمام حوار الحضارات أو ايجاد تواصل ايجابي وبناء بين الأمم والشرائع المختلفة حيث يقول: "إن الصراع على خطوط الصدع بين الحضارتين الغربية والإسلامية قد بدأ منذ أكثر من ألف وثلاثمائة عام، وعلى مدى القرون كان الاحتكاك المسلح بين الغرب والإسلام، ولم يهدأ أبداً، ومن غير المتوقع أن يؤول ذلك التفاعل إلى الزوال بل يمكن أن يصبح أكثر ضراوة .. إن الإسلام يمتلك حدوداً دموية"، هكذا يزعم. وقد نص تقرير لجنة التحقيق في أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م على ذلك التوجه، حيث جاء فيه: "إن العدو الرئيسي لأمريكا هو تيار إسلامي راديكالي متطرف، تعود مرجعيته إلى أفكار ابن تيمية وسيد قطب… ولا يوجد مجال للتصالح مع هذا التيار، ولا بد من عزله وتصفيته تماماً، لكن لا بد أولاً من منازلته في ميدان حرب الأفكار من أجل كسب الغالبية المحايدة التي يمكن أن تتحول إلى متعاطفة معه".
علي عبدالعال