الطرفاوي
09-Mar-2011, 05:58 AM
إن المخططات الأمريكية هي تنفيذ لأفكار وسياسات وسيناريوهات ومسارات تم بحثها ودرسها ورسمها بعناية في مراكز البحث المتصلة بالإدارة الأمريكية بصورة أو بأخرى، وكذلك في الندوات والدراسات التي مهدت لهذه الاستراتيجيات مثل:ندوة التقييم الاستراتيجي 1995 ودراسة صموئيل هنتنغتون الشهيرة صدام الحضارات وكذلك دراسة فرانسيس فوكوياما نهاية التاريخ. يكفي أن نعقد مقارنة بسيطة بين الأهداف الاستراتيجية الأمريكية التي وضعت قبل أحداث أيلول وبين ما يحدث الآن بعد أحداث أيلول. لقد اقترح بول هينز وإندرز ويمبش من مؤسسة راند سنة 1992 الأهداف الاستراتيجية التالية:
- يجب النظر إلى منطقة الشرق الأوسط من خلال البلدان المحيطة به. (فما مصطلح الشرق الأوسط الكبير إلا تعبير عن هذه النظرة الموسعة للشرق الأوسط. فقد أصبح الشرق الأوسط يمتد من المغرب الأقصى غربا إلى باكستان وأفغانستان شرقا).
- يجب وضع الطاقة وتوسيع المجال التجاري على رأس قائمة الأهداف الاستراتيجية الأمريكية. (ومن هنا جاء احتلال أفغانستان ومن ثم العراق ودخول ليبيا في الحظيرة الأمريكية لتعبر عن السيطرة على منابع النفط وتحرير التجارة في المنطقة). - يجب إيلاء البلدان الكبيرة في المنطقة الاهتمام الخاص مثل: تركيا وإيران والهند والباكستان.
- يجب مساعدة الدول الناشئة في آسيا الوسطى سياسيا واقتصاديا لتقف على قدميها مع الاهتمام الخاص للقوتين الصاعدتين في المنطقة وهما: أوزبكستان وقازاخستان.
- الترويج للدمج الاقتصادي للمنطقة الممتدة من البحر الأسود إلى الصين. - الاعتراف بالدور النفطي لمنطقة القوقاز في القرن الحادي والعشرين. فيجب مساعدة أذربيجان في استغلال ثروتها النفطية والغازية وتأهيل جورجيا لتكون ممرا رئيسا لنقل النفط والغاز من أذربيجان والمناطق الأخرى في آسيا الوسطى للأسواق العالمية. يجب توثيق العلاقات بأرمينيا لاستيعابها ضمن المصالح القومية والأهداف الإستراتيجية الأمريكية.
- يجب الاستمرار في إدارة النزاع العربي الإسرائيلي على ضوء مصالح وأهداف الاستراتيجية الأمريكية.
- يجب تشجيع استمرار التعاون بين إسرائيل وتركيا.
- يجب الاستمرار بصبر وواقعية في مطالبة دول المنطقة بالتحول الديموقراطي واحترام حقوق الإنسان. ومثل هذه الدراسات لاقت هوى في نفس بوش الابن وتطابقت مع رؤيته المسيانية Messianic التي استمدت أصولها من أيديولوجية المستعمرين الأوائل (البيوريتان). لقد اقتنع بوش بأنه موسى العصر عندما التقى أحد أنبياء الصهيونية الأنجلو-سكسونية (بيلي غراهام) ووصف لقاءه به بالولادة الجديدة وراح يقرأ الكتاب المقدس وأحضر معه رفاق الدرس إلى البيت الأبيض مثل مايكل غيرسون Michael Gerson و دافيد فرم David Frum اللذين كتبا له خطابه الشهير عن محور الشر.
وكانت فرصة سانحة للمحافظين الجدد لتقديم رؤيتهم الاستراتيجية التي بلوروها منذ سنة 1997 في مشروع القرن الأمريكي الجديد وعلى رأسهم ديك تشيني ودونالد رامسفيلد. فأصبحت دراساتهم -التي قاموا بها في التسعينات من القرن العشرين- ومشاريعهم هي خارطة الطريق- إن صح التعبير- التي ستؤدي إلى السيطرة والهيمنة الأمريكية على العالم بأسره. لقد تشكل مشروع القرن الأمريكي الجديد سنة 1997 وأطلق سهمه الأول بتوجيه رسائل إلى الرئيس السابق كلينتون وإلى أعضاء الكونغرس يدعون فيها إلى تغيير النظام في العراق بالقوة وإرساء تواجد عسكري قوي ودائم في المنطقة. وفي سنة 2000 وقبل أشهر من فوضى الانتخابات التي أحضرت بوش الابن إلى سدة الرئاسة، أصدرت المجوعة إياها وثيقة مفصلة من 90 صفحة يقترحون فيها إعادة تشكيل القوة العسكرية والدور الأمريكي في العالم. وأشاروا إلى أن الهيمنة الأمريكية تتم عبر بناء شبكة من القواعد العسكرية دائمة ومؤقتة في جميع أنحاء العالم وخاصة في الشرق الأوسط وآسيا وأمريكا اللاتينية.
وقد تزامن صدور كتاب شيمون بيريز الشرق الأوسط الجديد مع صدور التقرير الاستراتيجي الأمريكي في أيار/مايو 1995م، الذي جاء متفقا تماما مع جاء في كتاب ريتشارد نيكسون الفرصة السانحة، الذي لا تخرج سياسة الإرهابي بوش عن كونها تنفيذا لتوصياته، وإن كانت تبدو وكأنها استجابة للمصالح الشخصية لأعضاء إدارته، والشركات الخاصة بهم، أو التي يعملون لصالحها. وسوف أعرض لبعض القضايا الرئيسة التي ركز عليها التقرير، وتنفذها إدارة الإرهابي بوش الآن، في سعيها لتنفيذ ما يسمى الشرق الأوسط الكبير. فقد حمل التقرير على الإسلام والحركات الإسلامية الرافضة للهيمنة الغربية على وطننا وأمتنا، والتي تشكل خطراً على العدو الصهيوني في فلسطين متهما لها بالإرهاب وخاصة حركتي حماس والجهاد الإسلامي. فقد جاء في الفصل الثاني منه، وهو تقرير وزارة الخارجية الأمريكية عن الشرق الأوسط تحديد لأنماط ما يسميه التقرير الإرهاب، حيث ألقى باللائمة على حركات المقاومة الإسلامية في تعطيل مسيرة ما يسمونه العملية السلمية، وليس على العدو الصهيوني الذي يريد السلام مقابل السلام فقط، والاعتراف عربي بحدود آمنة له، في الوقت الذي يريد أن يبقي محتفظا بالأرض العربية وضمها إلى الكيان الصهيوني، ويرفض التخلي عنها أو إعادة جزء منها لأصحابها الشرعيين. فقد جاء فيه: (اعتبار الإرهاب الذي يتنكر بزي الإسلام مشكلة لحكومات الشرق الأوسط وتهديد للعملية السلمية بين العرب وإسرائيل). كما أنه اعترف بقدرة حركتي حماس والجهاد الإسلامي على تدمير ما يسميه العملية السلمية، فقال: (أظهرت المجموعات الإسلامية المتطرفة كحركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية قدرة فعالة متزايدة ومعقدة على صعيد الهجمات الإرهابية التي تهدف إلى تدمير عملية السلام في الشرق الأوسط). كما جاء في الفصل الأول منه، وهو تقرير وزارة الدفاع، أن الإسلام هو العدو الرئيس و الخطر الذي يهدد المصالح الحيوية الأمريكية: (إن الإسلام الراديكالي هو الخطر الرئيس على العالم الغربي الديمقراطي بعد انتهاء الحر ب الباردة. لكنه يرفض الزعم أنه صراع حضارات بل الصراع الحقيقي داخل الحضارات نفسها، بين المتطرفين والمعتدلين. ومع ذلك استخدمت بعض الجماعات الإسلامية المتطرفة العنف لتعزيز برامجها وأهدافها، وقد تشكل خطر على مصالح أمريكا في الاستقرار الإقليمي وعلى المواطنين والممتلكات الأمريكية).
ازدياد أهمية وطننا في السياسة الغرب
كما كشف تقرير وزارة الدفاع الأمريكية عن أهمية الموقع الجغرافي للوطن العربي والإسلامي، وما وهبه الله من ثروات وخيرات جعلته يحتل الدرجة الأعلى في اهتمامات السياسة الأمريكية. ثم طرح توجهات السياسة الأمريكية المستقبلية. وأقتطف بعض أهم ما جاء في التقرير حول وطننا, مصالح أمريكا الحيوية فيه، وأهمية توفير الأمن والتفوق العسكري للعدو الصهيوني، وغيرها. فعند حديثه عن إستراتيجية الولايات المتحدة الأمنية في الشرق الأوسط: قال وزير الدفاع الأمريكي (وليم بيري) عن أهم ما يهدد المصالح الأمريكية ويملي عليها وجوب استخدام القوة: (إن أحد أكثر القضايا إثارة للجدل التي تواجه الولايات المتحدة في حقبة ما بعد انتهاء الحرب الباردة هي متى تستخدم القوة العسكرية في العالم المعقد. ولكن لا يكاد يكون هناك خلاف حول وجوب الاستعداد لاستخدام القوة للدفاع عن مصالحنا الحيوية: عندما يكون بقاء الولايات المتحدة الأمريكية أو حلفائها الرئيسيين في خطر، أو عند تهديد مصالحنا الاقتصادية المهمة، أو عند التعامل مع بروز تهديد نووي مستقبلي. وليس هناك من مكان تبرز فيه هذه المعايير بوضوح أكثر من بروزها في منطقة الشرق الأوسط).
ثم يتحدث التقرير عن مصالح الولايات المتحدة الإستراتيجية والثابتة في وطننا، ( فهو يحتوي على 70% من نفط العالم، … وأنه موطن الجماعات المتطرفة التي تستخدم الإرهاب لتحقيق أهداف معادية لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية…وفيه عدد من النقاط البحرية الحيوية والخطوط البحرية والجوية الرئيسة التي تصل أوروبا والبحر الأبيض المتوسط بإفريقيا وآسيا والمحيط الهندي. إن حالة عدم الاستقرار المتكررة في الشرق الأوسط وتجاوره مع القوقاز وآسيا الوسطى يعطيه أيضا القدرة على تعقيد عملية الإصلاح، وعلى تأزيم النزاعات السياسية والعرقية في أجزاء من الاتحاد السوفيتي السابق). وبعد أن يستعرض التقرير قدرة الولايات المتحدة العسكرية على التدخل السريع في وطننا، وقدرتها الدبلوماسية في العالم، ويعيد تكرار الحديث عن أسلحة الدمار الشامل والجماعات المتطرفة، والخوف من فشل ما يسميه العملية السلمية مع العدو الصهيوني، يعرض لطريقة تعامل الولايات المتحدة مع وطننا، فيقول: (وبصورة عامة، فإن طريقة تعامل الولايات المتحدة مع الأمن في الشرق الأوسط تتخذ شكل التدخل أو الحضور المسبق أو الرد السريع. كما تسعى الولايات المتحدة إلى تعزيز وتعديل شراكات أمنية مع الدول الرئيسة في المنطقة، وتوسيع العلاقات الاقتصادية والثقافية، والعمل على التوصل إلى تسوية سلمية إلى النزاعات الإقليمية قبل تفاقمها وتحويلها إلى صراعات مفتوحة). ويجدد التقرير إصرار الولايات المتحدة على أن وطننا سيبقى يعاني من مصاعب حتى بعد التوصل إلى تسوية سلمية نهائية، وذلك ليبرر لأستمرار هيمنته ووصايته على دول المنطقة، فيقول: (وباختصار، سيبقى الشرق الأوسط يواجه مصاعب كبيرة حتى بعد أن تصل العملية السلمية إلى نهاية ناجحة. وإضافة إلى ذلك، سيظل للولايات المتحدة نفس المصالح الأمنية القومية التي كانت موجودة منذ عدة سنين. لاعتبارات أساسية أهمها:
· بقاء العالم معتمدا على بترول الخليج.
· حماية الأمريكيين، ونشر الديمقراطية، وقيم السوق، وحقوق الإنسان.
· تعزيز ازدهار أمريكا في الداخل والخارج.
· تشجيع إيجاد عالم مستقر تزدهر فيه الحريات بأنواعها المتعددة.
في ضوء الاعتبارات السابقة حدد وليم بيري ثلاثة معايير لتحديد إن كان هناك خطر يهدد المصالح الحيوية الأمريكية، وهي:
1- إذا كان يهدد بقاء الولايات المتحدة أو حلفائها الرئيسيين.
2- إذا يهدد مصالح الولايات المتحدة الاقتصادية الهامة.
3- إذا كان يشكل خطرا نوويا مستقبليا.
ويرى التقرير أن هذه المعايير تنطبق أكثر ما تنطبق بشكل واضح على الشرق الأوسط.
ويواصل التقرير الحديث عن رؤية الولايات المتحدة للمخاطر وأسباب عدم استقرار الأوضاع في وطننا، على نفس المنوال، وبتكرار ممل، ليبرر وجوب تدخلها المباشر سياسيا وعسكريا وثقافيا في وطننا. وضرورة دعم الولايات المتحدة لأصدقائها في وطننا، وعلى رأسهم العدو الصهيوني، الذي عاد التقرير ليؤكد على ما أكد عليه كل الرؤساء الأمريكيين السابقين، والإدارات الأمريكية السابقة، وهو وجوب تفوق العدو الصهيوني عسكريا على جميع الدول العربية. فقال: (يرى التقرير أهمية أمن الشركاء الرئيسيين للولايات المتحدة في المنطقة ليس من أجل ضمان تدفق النفط فحسب، وإنما أيضا للدور الذي تلعبه هذه الدول في المنطقة. ويركز بشكل خاص على التزام الإدارة الأمريكية بالحفاظ على أمن إسرائيل. ويوضح التزام الولايات المتحدة بتفوق إسرائيل العسكري على الأعداء المحتملين لها مجتمعين. وهي تتطلع إلى نجاح العملية السلمية المدى البعيد من أجل تعزيز أمن إسرائيل وجيرانها). ولأن السلام الصهيو ـ أمريكي يقوم على أساس القوة والتفوق العسكري، فالسلام كما قال اسحاق رابين يعني أن تكون قويا ومستعدا للحرب!!. لذلك تحدث التقرير عن دعم الولايات المتحدة المالي والعسكري للعدو الصهيوني، وعن التعاون التكنولوجي المشترك، وتطوير الصواريخ، وتخزين المعدات العسكرية لحلف الناتو في الكيان الصهيوني، كل ذلك (لضمان محافظة إسرائيل على تفوق عسكري نوعي لمواجهة التهديدات في المنطقة على المدى البعيد).
والملاحظ سواء في سياسة بوش أو في مشروعه الشرق الأوسط الكبير، ففي الوقت الذي لم يغفل فيهما شيء مما جاء في التقرير، إلا أنه أسقط منهما ما أوصى به التقرير حول ما يسمى العملية السلمية. وذلك بعد أن تراجعت عوامل المقاومة في الأمة، وتراجعت مكانة القضية المركزية بعيدا عن أولويات اهتمامات الدول العربية، وانصب تركيزها على محاربة عدو أمريكا الأول ما تسميه الإرهاب، وانشغلت بصراعاتها الداخلية للقضاء عليه، بعد أن نجحت أمريكا في جعله عدوا مشتركا لها ولهذه الأنظمة المرتبطة كليا بأمريكا. وبعد أن قدم بوش ـ كما قلنا ـ مصالحه وأسرته ومصالح أعضاء إدارته وشركاتهم والشركات التي يعملون لصالحها، على أهمية التوصل إلى تسوية سلمية بين العرب والعدو الصهيوني. ولكنه ركز جهوده على استغلال الوضع العربي المتردي لتحقيق ما سعى أسلافه إلى تحقيقه، ولكن الظروف لم تساعدهم عليه، وهو حفظ أمن العدو الصهيوني وتصفية القضية المركزية للأمة فلسطين، ودمج العدو الصهيوني في وطننا ( وإقامة علاقات ثنائية وقوية بين إسرائيل وجيرانها العرب. لأن السلام الشامل ضروري لحماية مصالح أمريكا الأمنية). من غير أن يحقق شرط ذلك الذي حدده التقرير، وهو: (إن اتفاق السلام سيؤدي إلى دمج الفلسطينيين وإسرائيل على حد سواء في النسيج الاقتصادي للمنطقة، ويعزز الرخاء الإقليمي، ويقلل من دواعي وفرص ظهور صراع يهدد استقرار المنطقة). وبوش يريد أن يحقق كل ذلك دون أن يعطي ضرورة التوصل إلى تسوية بين الفلسطينيين و اليهود أي اهتمام يذكر!!.
- يجب النظر إلى منطقة الشرق الأوسط من خلال البلدان المحيطة به. (فما مصطلح الشرق الأوسط الكبير إلا تعبير عن هذه النظرة الموسعة للشرق الأوسط. فقد أصبح الشرق الأوسط يمتد من المغرب الأقصى غربا إلى باكستان وأفغانستان شرقا).
- يجب وضع الطاقة وتوسيع المجال التجاري على رأس قائمة الأهداف الاستراتيجية الأمريكية. (ومن هنا جاء احتلال أفغانستان ومن ثم العراق ودخول ليبيا في الحظيرة الأمريكية لتعبر عن السيطرة على منابع النفط وتحرير التجارة في المنطقة). - يجب إيلاء البلدان الكبيرة في المنطقة الاهتمام الخاص مثل: تركيا وإيران والهند والباكستان.
- يجب مساعدة الدول الناشئة في آسيا الوسطى سياسيا واقتصاديا لتقف على قدميها مع الاهتمام الخاص للقوتين الصاعدتين في المنطقة وهما: أوزبكستان وقازاخستان.
- الترويج للدمج الاقتصادي للمنطقة الممتدة من البحر الأسود إلى الصين. - الاعتراف بالدور النفطي لمنطقة القوقاز في القرن الحادي والعشرين. فيجب مساعدة أذربيجان في استغلال ثروتها النفطية والغازية وتأهيل جورجيا لتكون ممرا رئيسا لنقل النفط والغاز من أذربيجان والمناطق الأخرى في آسيا الوسطى للأسواق العالمية. يجب توثيق العلاقات بأرمينيا لاستيعابها ضمن المصالح القومية والأهداف الإستراتيجية الأمريكية.
- يجب الاستمرار في إدارة النزاع العربي الإسرائيلي على ضوء مصالح وأهداف الاستراتيجية الأمريكية.
- يجب تشجيع استمرار التعاون بين إسرائيل وتركيا.
- يجب الاستمرار بصبر وواقعية في مطالبة دول المنطقة بالتحول الديموقراطي واحترام حقوق الإنسان. ومثل هذه الدراسات لاقت هوى في نفس بوش الابن وتطابقت مع رؤيته المسيانية Messianic التي استمدت أصولها من أيديولوجية المستعمرين الأوائل (البيوريتان). لقد اقتنع بوش بأنه موسى العصر عندما التقى أحد أنبياء الصهيونية الأنجلو-سكسونية (بيلي غراهام) ووصف لقاءه به بالولادة الجديدة وراح يقرأ الكتاب المقدس وأحضر معه رفاق الدرس إلى البيت الأبيض مثل مايكل غيرسون Michael Gerson و دافيد فرم David Frum اللذين كتبا له خطابه الشهير عن محور الشر.
وكانت فرصة سانحة للمحافظين الجدد لتقديم رؤيتهم الاستراتيجية التي بلوروها منذ سنة 1997 في مشروع القرن الأمريكي الجديد وعلى رأسهم ديك تشيني ودونالد رامسفيلد. فأصبحت دراساتهم -التي قاموا بها في التسعينات من القرن العشرين- ومشاريعهم هي خارطة الطريق- إن صح التعبير- التي ستؤدي إلى السيطرة والهيمنة الأمريكية على العالم بأسره. لقد تشكل مشروع القرن الأمريكي الجديد سنة 1997 وأطلق سهمه الأول بتوجيه رسائل إلى الرئيس السابق كلينتون وإلى أعضاء الكونغرس يدعون فيها إلى تغيير النظام في العراق بالقوة وإرساء تواجد عسكري قوي ودائم في المنطقة. وفي سنة 2000 وقبل أشهر من فوضى الانتخابات التي أحضرت بوش الابن إلى سدة الرئاسة، أصدرت المجوعة إياها وثيقة مفصلة من 90 صفحة يقترحون فيها إعادة تشكيل القوة العسكرية والدور الأمريكي في العالم. وأشاروا إلى أن الهيمنة الأمريكية تتم عبر بناء شبكة من القواعد العسكرية دائمة ومؤقتة في جميع أنحاء العالم وخاصة في الشرق الأوسط وآسيا وأمريكا اللاتينية.
وقد تزامن صدور كتاب شيمون بيريز الشرق الأوسط الجديد مع صدور التقرير الاستراتيجي الأمريكي في أيار/مايو 1995م، الذي جاء متفقا تماما مع جاء في كتاب ريتشارد نيكسون الفرصة السانحة، الذي لا تخرج سياسة الإرهابي بوش عن كونها تنفيذا لتوصياته، وإن كانت تبدو وكأنها استجابة للمصالح الشخصية لأعضاء إدارته، والشركات الخاصة بهم، أو التي يعملون لصالحها. وسوف أعرض لبعض القضايا الرئيسة التي ركز عليها التقرير، وتنفذها إدارة الإرهابي بوش الآن، في سعيها لتنفيذ ما يسمى الشرق الأوسط الكبير. فقد حمل التقرير على الإسلام والحركات الإسلامية الرافضة للهيمنة الغربية على وطننا وأمتنا، والتي تشكل خطراً على العدو الصهيوني في فلسطين متهما لها بالإرهاب وخاصة حركتي حماس والجهاد الإسلامي. فقد جاء في الفصل الثاني منه، وهو تقرير وزارة الخارجية الأمريكية عن الشرق الأوسط تحديد لأنماط ما يسميه التقرير الإرهاب، حيث ألقى باللائمة على حركات المقاومة الإسلامية في تعطيل مسيرة ما يسمونه العملية السلمية، وليس على العدو الصهيوني الذي يريد السلام مقابل السلام فقط، والاعتراف عربي بحدود آمنة له، في الوقت الذي يريد أن يبقي محتفظا بالأرض العربية وضمها إلى الكيان الصهيوني، ويرفض التخلي عنها أو إعادة جزء منها لأصحابها الشرعيين. فقد جاء فيه: (اعتبار الإرهاب الذي يتنكر بزي الإسلام مشكلة لحكومات الشرق الأوسط وتهديد للعملية السلمية بين العرب وإسرائيل). كما أنه اعترف بقدرة حركتي حماس والجهاد الإسلامي على تدمير ما يسميه العملية السلمية، فقال: (أظهرت المجموعات الإسلامية المتطرفة كحركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية قدرة فعالة متزايدة ومعقدة على صعيد الهجمات الإرهابية التي تهدف إلى تدمير عملية السلام في الشرق الأوسط). كما جاء في الفصل الأول منه، وهو تقرير وزارة الدفاع، أن الإسلام هو العدو الرئيس و الخطر الذي يهدد المصالح الحيوية الأمريكية: (إن الإسلام الراديكالي هو الخطر الرئيس على العالم الغربي الديمقراطي بعد انتهاء الحر ب الباردة. لكنه يرفض الزعم أنه صراع حضارات بل الصراع الحقيقي داخل الحضارات نفسها، بين المتطرفين والمعتدلين. ومع ذلك استخدمت بعض الجماعات الإسلامية المتطرفة العنف لتعزيز برامجها وأهدافها، وقد تشكل خطر على مصالح أمريكا في الاستقرار الإقليمي وعلى المواطنين والممتلكات الأمريكية).
ازدياد أهمية وطننا في السياسة الغرب
كما كشف تقرير وزارة الدفاع الأمريكية عن أهمية الموقع الجغرافي للوطن العربي والإسلامي، وما وهبه الله من ثروات وخيرات جعلته يحتل الدرجة الأعلى في اهتمامات السياسة الأمريكية. ثم طرح توجهات السياسة الأمريكية المستقبلية. وأقتطف بعض أهم ما جاء في التقرير حول وطننا, مصالح أمريكا الحيوية فيه، وأهمية توفير الأمن والتفوق العسكري للعدو الصهيوني، وغيرها. فعند حديثه عن إستراتيجية الولايات المتحدة الأمنية في الشرق الأوسط: قال وزير الدفاع الأمريكي (وليم بيري) عن أهم ما يهدد المصالح الأمريكية ويملي عليها وجوب استخدام القوة: (إن أحد أكثر القضايا إثارة للجدل التي تواجه الولايات المتحدة في حقبة ما بعد انتهاء الحرب الباردة هي متى تستخدم القوة العسكرية في العالم المعقد. ولكن لا يكاد يكون هناك خلاف حول وجوب الاستعداد لاستخدام القوة للدفاع عن مصالحنا الحيوية: عندما يكون بقاء الولايات المتحدة الأمريكية أو حلفائها الرئيسيين في خطر، أو عند تهديد مصالحنا الاقتصادية المهمة، أو عند التعامل مع بروز تهديد نووي مستقبلي. وليس هناك من مكان تبرز فيه هذه المعايير بوضوح أكثر من بروزها في منطقة الشرق الأوسط).
ثم يتحدث التقرير عن مصالح الولايات المتحدة الإستراتيجية والثابتة في وطننا، ( فهو يحتوي على 70% من نفط العالم، … وأنه موطن الجماعات المتطرفة التي تستخدم الإرهاب لتحقيق أهداف معادية لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية…وفيه عدد من النقاط البحرية الحيوية والخطوط البحرية والجوية الرئيسة التي تصل أوروبا والبحر الأبيض المتوسط بإفريقيا وآسيا والمحيط الهندي. إن حالة عدم الاستقرار المتكررة في الشرق الأوسط وتجاوره مع القوقاز وآسيا الوسطى يعطيه أيضا القدرة على تعقيد عملية الإصلاح، وعلى تأزيم النزاعات السياسية والعرقية في أجزاء من الاتحاد السوفيتي السابق). وبعد أن يستعرض التقرير قدرة الولايات المتحدة العسكرية على التدخل السريع في وطننا، وقدرتها الدبلوماسية في العالم، ويعيد تكرار الحديث عن أسلحة الدمار الشامل والجماعات المتطرفة، والخوف من فشل ما يسميه العملية السلمية مع العدو الصهيوني، يعرض لطريقة تعامل الولايات المتحدة مع وطننا، فيقول: (وبصورة عامة، فإن طريقة تعامل الولايات المتحدة مع الأمن في الشرق الأوسط تتخذ شكل التدخل أو الحضور المسبق أو الرد السريع. كما تسعى الولايات المتحدة إلى تعزيز وتعديل شراكات أمنية مع الدول الرئيسة في المنطقة، وتوسيع العلاقات الاقتصادية والثقافية، والعمل على التوصل إلى تسوية سلمية إلى النزاعات الإقليمية قبل تفاقمها وتحويلها إلى صراعات مفتوحة). ويجدد التقرير إصرار الولايات المتحدة على أن وطننا سيبقى يعاني من مصاعب حتى بعد التوصل إلى تسوية سلمية نهائية، وذلك ليبرر لأستمرار هيمنته ووصايته على دول المنطقة، فيقول: (وباختصار، سيبقى الشرق الأوسط يواجه مصاعب كبيرة حتى بعد أن تصل العملية السلمية إلى نهاية ناجحة. وإضافة إلى ذلك، سيظل للولايات المتحدة نفس المصالح الأمنية القومية التي كانت موجودة منذ عدة سنين. لاعتبارات أساسية أهمها:
· بقاء العالم معتمدا على بترول الخليج.
· حماية الأمريكيين، ونشر الديمقراطية، وقيم السوق، وحقوق الإنسان.
· تعزيز ازدهار أمريكا في الداخل والخارج.
· تشجيع إيجاد عالم مستقر تزدهر فيه الحريات بأنواعها المتعددة.
في ضوء الاعتبارات السابقة حدد وليم بيري ثلاثة معايير لتحديد إن كان هناك خطر يهدد المصالح الحيوية الأمريكية، وهي:
1- إذا كان يهدد بقاء الولايات المتحدة أو حلفائها الرئيسيين.
2- إذا يهدد مصالح الولايات المتحدة الاقتصادية الهامة.
3- إذا كان يشكل خطرا نوويا مستقبليا.
ويرى التقرير أن هذه المعايير تنطبق أكثر ما تنطبق بشكل واضح على الشرق الأوسط.
ويواصل التقرير الحديث عن رؤية الولايات المتحدة للمخاطر وأسباب عدم استقرار الأوضاع في وطننا، على نفس المنوال، وبتكرار ممل، ليبرر وجوب تدخلها المباشر سياسيا وعسكريا وثقافيا في وطننا. وضرورة دعم الولايات المتحدة لأصدقائها في وطننا، وعلى رأسهم العدو الصهيوني، الذي عاد التقرير ليؤكد على ما أكد عليه كل الرؤساء الأمريكيين السابقين، والإدارات الأمريكية السابقة، وهو وجوب تفوق العدو الصهيوني عسكريا على جميع الدول العربية. فقال: (يرى التقرير أهمية أمن الشركاء الرئيسيين للولايات المتحدة في المنطقة ليس من أجل ضمان تدفق النفط فحسب، وإنما أيضا للدور الذي تلعبه هذه الدول في المنطقة. ويركز بشكل خاص على التزام الإدارة الأمريكية بالحفاظ على أمن إسرائيل. ويوضح التزام الولايات المتحدة بتفوق إسرائيل العسكري على الأعداء المحتملين لها مجتمعين. وهي تتطلع إلى نجاح العملية السلمية المدى البعيد من أجل تعزيز أمن إسرائيل وجيرانها). ولأن السلام الصهيو ـ أمريكي يقوم على أساس القوة والتفوق العسكري، فالسلام كما قال اسحاق رابين يعني أن تكون قويا ومستعدا للحرب!!. لذلك تحدث التقرير عن دعم الولايات المتحدة المالي والعسكري للعدو الصهيوني، وعن التعاون التكنولوجي المشترك، وتطوير الصواريخ، وتخزين المعدات العسكرية لحلف الناتو في الكيان الصهيوني، كل ذلك (لضمان محافظة إسرائيل على تفوق عسكري نوعي لمواجهة التهديدات في المنطقة على المدى البعيد).
والملاحظ سواء في سياسة بوش أو في مشروعه الشرق الأوسط الكبير، ففي الوقت الذي لم يغفل فيهما شيء مما جاء في التقرير، إلا أنه أسقط منهما ما أوصى به التقرير حول ما يسمى العملية السلمية. وذلك بعد أن تراجعت عوامل المقاومة في الأمة، وتراجعت مكانة القضية المركزية بعيدا عن أولويات اهتمامات الدول العربية، وانصب تركيزها على محاربة عدو أمريكا الأول ما تسميه الإرهاب، وانشغلت بصراعاتها الداخلية للقضاء عليه، بعد أن نجحت أمريكا في جعله عدوا مشتركا لها ولهذه الأنظمة المرتبطة كليا بأمريكا. وبعد أن قدم بوش ـ كما قلنا ـ مصالحه وأسرته ومصالح أعضاء إدارته وشركاتهم والشركات التي يعملون لصالحها، على أهمية التوصل إلى تسوية سلمية بين العرب والعدو الصهيوني. ولكنه ركز جهوده على استغلال الوضع العربي المتردي لتحقيق ما سعى أسلافه إلى تحقيقه، ولكن الظروف لم تساعدهم عليه، وهو حفظ أمن العدو الصهيوني وتصفية القضية المركزية للأمة فلسطين، ودمج العدو الصهيوني في وطننا ( وإقامة علاقات ثنائية وقوية بين إسرائيل وجيرانها العرب. لأن السلام الشامل ضروري لحماية مصالح أمريكا الأمنية). من غير أن يحقق شرط ذلك الذي حدده التقرير، وهو: (إن اتفاق السلام سيؤدي إلى دمج الفلسطينيين وإسرائيل على حد سواء في النسيج الاقتصادي للمنطقة، ويعزز الرخاء الإقليمي، ويقلل من دواعي وفرص ظهور صراع يهدد استقرار المنطقة). وبوش يريد أن يحقق كل ذلك دون أن يعطي ضرورة التوصل إلى تسوية بين الفلسطينيين و اليهود أي اهتمام يذكر!!.