تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : وثائق ويكيلكس .. زوبعة في الفنجان الأمريكي


احمد العـتيبي
03-Dec-2010, 05:00 AM
وثائق ويكيلكس .. زوبعة في الفنجان الأمريكي

بقلم:حسين موسى*
تاريخ النشر : 2010-12-02


رغم ما أظهرته وثائق ويكيايكس من خفايا المراسلات الدبلوماسية بين الإدارة الأمريكية وعواصم العالم المتفرقة، إلا أن المخفي ما زال أعظم، وهو ليس بجديد على يعرفه المواطن العربي تحديدا، اللهم إن هذه التسريبات جاءت فقط لتوثق ما في الذاكرة العربية وتنقله من واقع المعرفة التحليلية إلى نقطة التوثيق.

ومع الإعلان عن 250 ألف وثيقة جديدة نشرها الموقع ذات علاقة بالدبلوماسية الأمريكية وحراكها السياسي، ما زالت هذه الوثائق مجرد وخزات لا قيمة حقيقية لها، ولا تعدو كونها مقتطفات معزولة عن بيئتها وسياقها السياسي، فلم تستطع رغم الضجة التي أثيرت حولها ، إحداث تغييرات تذكر على الصعد السياسية والدبلوماسية.

بمعنى أخر، فإن الصخب الذي ترافق مع نشر الوثائق رغم الإعلان المسبق بالترويج له، لم ترق إلى مستوى تأليب رأي عام عالمي تجاه مضامينها، أو تحفيز القانونيين ومنظمات المجتمع المدني ذوات الصلة إلى التحرك ونقل محتويات هذه الوثائق إلى فعل حقيقي مثمر.

حتى أن الإدارة الأمريكية التي انهمكت في سيل من الاتصالات السياسية والدبلوماسية مع غير عاصمة معنية بالتسريبات، لم تتجاوز عتبة التفكير في صيغ نظم امن المعلومات، بما يحافظ على سرية الاتصالات الدبلوماسية الأمريكية مع الخارج ليس إلا، أوالتفكير بتشريع قوانين لضبط حرية النشر وتلافي التسريب، بمثل ما أقدمت عليه هذه الإدارة تجاه المطارات والتحكم بتنقل الأفراد والجماعات، التي تم العمل بها في الولايات المتحدة الأمريكية والدول المنتظمة في حلفها.

فاللافت في ما نشر من وثائق متعلقة بأفغانستان والعراق، بما تشكله من أدلة جرميه دامغة يمكن الإفادة منها في محاسبة الإدارة الأمريكية، على جرائم ارتكبتها، أو تسترت على مرتكبيها، إلا أن الأبرز في الوثائق الجديدة، أنها ركزت الاهتمام على ما يسمى بـ" الحرب على الإرهاب".

وفي هذا السياق، كانت اللائحة الأمريكية السوداء التي صنفت بموجبها الدول والحركات في العالم بـ الإرهاب أو لا هي العنوان الأبرز لهذه الوثائق. فكانت خارطة الوثائق تمتد من كوريا الشمالية إلى تنظيم القاعدة، فيما احتل الملف النووي الإيراني الكم الأعظم من هذه الوثائق.

والمفارقة الكبرى هي في استثناء الكيان الصهيوني من هذه التسريبات، إلا ما ندر من إشارات هامشية غير ذات قيمة يمكن أن تمس الاتصالات السرية بين الكيان الصهيوني والإدارة الأمريكية. وهي اتصالات تحتاج وحدها إلى مئات الآلاف من الوثائق المهمة جدا تتعلق بالعديد من الملفات الخطرة في العالم، من التنسيق بشان العدوان على لبنان وغزة وليس انتهاء بملفات الاغتيالات السياسية والتفجيرات التي طالت حتى تركيا في تفجيرات البحر الأسود وحتى العدوان على سفينة الحرية..... وغير ذلك من الجرائم الصهيونية التي كانت الإدارة الأمريكية وعبر الرسائل الدبلوماسية على علم بها.

وفي سياق التخطيط الصهيوني للعدوان على البرنامج النووي الإيراني، صاحب النصيب الأكبر من الوثائق لم يتم الإشارة إلى الكيان الصهيوني لا من قريب أو بعيد. فالسياسة الصهيونية والجهد الدبلوماسي الصهيوني منصب منذ أعوام باتجاه تأليب العالم نحو خلق عدو عالمي جديد اسمه إيران وما يسمى بالتطرف الإسلامي .

وعلى العكس مما يمكن لهذه الوثائق أن تفعله في فضح وتعرية مخارج الحروف الدبلوماسية " الفوكاليس الدبلوماسي السياسي"، كانت الوثائق بمثابة ورقة رابحة للكيان الصهيوني لمساومة النظام الرسمي العربي المدان وثائقيا بتآمره على الواقع العربي الاممي" كما ظهر بالتسريبات" على عدم الازدواجية بالطرح والتطابق في القول والفعل بين المواقف المضمرة والمعلنة.

ولا ننسى عشية الإعلان عن التسريبات كيف وقف الديك اليهودي نتنياهو داعيا العرب إلى الانسجام بين ما حملته رسائلهم الدبلوماسية ولقاءاتهم بالدبلوماسيين الأجانب وما يعلنوه لشعوبهم.

على أية حال فإن ما ينطبق على الكيان الصهيوني من حجب للوثائق المتعلق به، طال أداته السلطة الفلسطينية.

وبرغم ذلك فإن ما حملته التسريبات لم يأت بجديد على مستوى المواطن العربي الذي يعيش محتويات التسريبات عبر السياسة المطبقة عليه يوميا، فجاءت الوثائق لتؤكد صحة ما نعرف، أي توثيق ما كنا نعرفه ونعيشه يوميا ليس إلا.

وما يمكن أن نستخلصه من الوثائق هو تأكيد الإدارة الأمريكية أن لا حلفاء لها على المستوى العالمي سوى الكيان الصهيوني. وهذه الإدارة تعامل العالم رغم شدة الولاء والارتهان لمشيئتها السياسية على أنهم مجرد أدوات وخدم لمشروعها لا يحق لهم الطعن أو الاعتراض أو الامتعاض مما نشر، تحت تهديد التبديل والإزاحة إن اقتضى الأمر، حسبما تقتضي المصلحة الصهيونية أولا والأمريكية تاليا، فالأولية في المصلحة القومية الأمريكية هي لأمن الكيان الصهيوني.

وإذا ما عدنا إلى المؤتمرات الصحفية التي عقدها مؤسس الموقع وتحديدا في عواصم محسوبة على الإدارة الأمريكية مثل العاصمة الأردنية عمان وقال ما قاله دون انزعاج أمريكي من عمان، وكذا إقامته في بريطانيا وكيل أمريكا في أوروبا رغم مطالبة الانتربول الدولي بتسليمه.

أمام كل ذلك لن نغرق في الابتهاج والتفاؤل في الوثائق لجهة الأهداف والتوقيت وفيما ستسفر عنه، سيما وان المادة الدسمة التي حملتها الوثائق لا تتعدى كونها أراء شخصية وتحليلات وتقييمات دبلوماسيين كلفوا بجمع معلومات عن بعض العواصم وتكهنات بحراكها السياسي، وأراء صالونات السياسيين.

ولا يفوتنا هنا التنبيه إلى أن هذه التسريبات يجب أن تدعونا للحذر واليقظة مما يجري ولن تكون بالخلاصات أكثر من زوبعة في الفنجان الأمريكي، وهي غالبا ما تأتي في سياق التحضير لعدوان ما سيكون خطيرا بحجم الوثائق والتسريبات. حيث يشتم في الأفق رائحة عدوان أمريكي صهيوني .

ودون الغرق في التسريبات، علينا أن ندقق النظر إلى أين سيكون مضرب العصا، وكما يقال بالعامية العربية " بداية الرقص حنجلة".. ولا بأس إذا تذكرنا قصة الصياد والبطة عند ابن المقفع ونتعلم أن لا نؤخذ بالنظر إلى عيني الصياد بقدر تفرسنا فيما بين يديه.



*كاتب وصحفي فلسطيني