فهيد الايدا المورقي
26-Jun-2010, 08:29 PM
كثير من عوام الناس يظنون أن كل واعظٍ أو قارئٍ أو راقٍ أو ملتحٍ يجوز استفتاؤهم .
- من لا يملك العلم الشرعي ويفتي كأي شخص عمل جناية في قضية.
- هناك فرق بين التعبير عن الرأي وبين تصدير الأحكام الشرعية.
- القوه في ولاية الفتيا تتمثل في ثلاثة عناصر لا بد من وجودها .
حوار : تركي العبدالحي - سبق - الخبر : قال الدكتور سعد مطر العتيبي أستاذ السياسة الشرعية بمعهد القضاء في حوار مع "سبق" أن الفتوى منصب شرعي وليس منصباً رسمياً، وأن صاحب الفتيا يجب أن تتوافر فيه شروط أبرزها القوة والأمانة.
وقال الدكتور سعد العتيبي في حوار مع "سبق" إن المفتي الماجن يراد به الشخص المؤهل للفتيا من الناحية العلمية، لكن لم يتوافر فيه الشرط الثاني الذي هو الأمانة والديانة، وبالتأكيد الفتيا تحتاج إلى شرطين ووجود شرط واحد لا يكفي.
ورفض الشيخ سعد العتيبي إطلاق مسمى الحجر على من لا ينتسبون إلى العلم الشرعي قائلاً: (هذا لا يسمى حجر أصلاً، هذا نوع من التأديب للشخص؛ لأنه افتات على سلطة ليست له، والعلماء حين يتحدثون عن الحجر على المفتي يقصدون من تأهل للفتيا علماً وبقي عنده قضية الأمانة فيكون ليس أميناً أو لديه سلوك في فتواه غير سوي، فالحقيقة أرى أن مسألة الحجر لا تنطبق أصلاً عن من هو ليس أهلاً للفتوى).
وشبه العتيبي من يفتي بلا علم كشخص قام بجناية أو كالطبيب الذي يمارس الطب وهو ليس بطبيب وقال: (يسحب منه الترخيص لعدم تأهله للمهنة) , فيما رفض الحجر على المفتين الذين تتوافر فيهم شروط الفتيا، وقال لا يجوز على السلطة الحجر على من توافرت فيه شروط الفتيا حتى لو أخطأ وخالف إجماع المسلمين.
وحول مفهوم الحرية في الإسلام قال العتيبي: "فلا نأتي بشخص يفتح عيادة وهو ليس بطبيب ونقول نحن نمنعه من ممارسة الطب فنحن نقيد حريته، لا، فالحرية لا تعني التعدي على أمور أخرى وصارت تمس بالآخرين سواءً كان المس بالدين وأحكامه والتلبيس على الناس، أو كان المس بالأشخاص بغير حق".
وأضاف العتيبي متحدثاً عن رؤيته في التفريق بين حرية الرأي وبين إطلاق الأحكام الشرعية: "هناك فرق بين التعبير عن الرأي وبين تصدير الأحكام الشرعية؛ لأن الأحكام الشرعية هي في الحقيقة (قوانين شرعية) وليست آراء، ومن المؤسف أن بعض طلبة العلم يظن أن فتوى المفتي غير ملزمة مطلقاً. وهذا خطأ، فإن من الفتاوى ما هو ملزم للمستفتي، ومن هنا ندرك خطورة إصدار الفتاوى من غير المؤهلين لها".. وإلى الحوار:
- تكاثر الحديث عن صفات المفتي خصوصاً مع ظهور دعوات الحجر على بعض المفتين الجدد، فمن يحق له الفتيا؟
الفتوى منصب شرعي يتولى فيه المفتي بيان الأحكام الشرعية وفق ما تقتضيه الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة، وقواعد الاستنباط والاستدلال الشرعي.
والمنصب الشرعي هنا لا يقصد به المنصب الذي يتولاه الشخص بطريقة رسمية ولكن المراد به ولاية الفتيا التي هي من الولايات الدينية الموجودة في الأمة الإسلامية سواء وجدت في إطار دولة إسلامية بقرار أو بغير قرار رسمي، وكذلك في حال عدم وجود دولة إسلامية، كالبلاد التي فيها أقليات إسلامية اليوم مثلاً، إلا أنه في حال وجود دولة إسلامية كبلادنا؛ فإنه يوجد فيها ولاة الأمر المكونين من العلماء الذين يبينون الحكم الشرعي والأمراء الذين ينفذون الحكم الشرعي، وهذا ما عليه المحققون من أهل العلم من المتقدمين والمتأخرين، ومن أواخر من فصّل في بيان هذه المسألة الأخيرة الشيخ العلامة ابن عثيمين رحمه الله.
- وما هي صفات صاحب الولاية الشرعية في الفتيا؟
صاحب الولاية يجب أن يتوافر فيه شرطان ، القوة والأمانة ، والقوه في ولاية الفتيا تتمثل في ثلاثة عناصر لا بد من وجودها جميعاً في المفتي:
العنصر الأول: العلم، أي: العلم بالأحكام الشرعية.
والثاني: معرفة الوقائع والنوازل، التي تحتاج إلى بيان حكمها شرعاً. والثالث: القدرة على تنزيل الحكم الشرعي على موضوع الفتيا، أي الواقعة العملية أو على النازلة وهذه شروط رئيسية في من يتصدى للفتيا.
أما الشرط الثاني، وهو: الأمانة ، فهي في الحقيقة تعني بيان الحكم الشرعي على ما تقتضيه الشريعة، ومراقبة الله عز وجل في ذلك، وأن يكون صادقاً يبتغي ما عند الله عز وجل لا يريد شيئاً آخر؛ لأنه لو أراد شيئاً آخر لدخلنا في قضية الأغراض الدنيوية التي تصرف الفتوى عن محلها وربما تشرع للناس ما ليس مشروعاً سواء كانت فتوى ماجنة تبتغي تزيين الشهوات، أو داجنة تبتغي الارتزاق المحرم بالفتوى أو الشهرة من وراء الشغب بها، والعياذ بالله من كل ذلك؛ فلا يكفي العلم، بل لا بد من ديانة تمنع المفتي من تجاوز حدود الله باسم الله، فالله ذكر أن اليهود يعلمون لكنه بين أنهم لا يعملون بما يعلمون.
فالأمانة شرط مهم جداً، ومن يفتقد هذا الشرط يدخل به ما يعرف بالمفتي الماجن، الذي تحدّث العلماء عن الحجر عليه.
وهذه الشروط يمكن التحقق منها بعدة طرق، منها: إفصاح بعض علماء الشريعة المعتبرين عند الأمة في الفتوى بأن فلانا أهل للفتوى.
ومنها: إحالة أهل العلم المعروفين بالفتوى- أيضاً- إلى أحد من أهل العلم في مسائل للفتوى فيها.
ومنها: شهادة الشيوخ لأحد تلاميذهم بأنه صار أهلاً للفتوى. أما من لم يعرف بالفتوى، ولم يعرف له شأن في بيان الأحكام الشرعية؛ فلا يعد أهلاً للفتوى.
- كثر الحديث عن المفتي الماجن.. ماهي صفات المفتي الماجن؟
المفتي الماجن يراد به الشخص المؤهل للفتيا من الناحية العلمية، لكن لم يتوافر فيه الشرط الثاني الذي هو الأمانة والديانة، وبالتأكيد الفتيا تحتاج إلى الشرطين ووجود شرط واحد لا يكفي، أما أن يأتي شخص ليس من أهل الفقه في الدين والعلم بالأحكام الشرعية وأدلتها ومناقشاتها العلمية، ويريد أن يفتي فهذا أسوأ من المفتي الماجن الذي تكلم أهل العلم في الحجر عليه؛ لأنه يفتقد الشرطين: العلم، والأمانة؛ وللأسف أن كثيراً من عوام الناس يظنون أن كل واعظٍ أو قارئٍ أو راقٍ، أو موظفٍ إداريٍ في بعض القطاعات الدينية ، أو ملتحٍ ولو كان عامياً، أو حتى من لديه ثقافة عامة كأن يكون مفكراً إسلامياً غير متخصص في العلم الشرعي والفقه بأحكام الشريعة، يظن بعض العامة أن هؤلاء يجوز استفتاؤهم في الأحكام الشرعية، والصحيح أن هؤلاء لا تبرأ الذمة باستفتائهم؛ اللهم إلا إذا كانوا ثقاة، ونقلوا فتوى يحفظونها عن أحد من أهل العلم، أي على سبيل النقل، وليس على سبيل إصدار الفتوى والترجيح بين الأقوال.
وهذا النوع من الناس إذا تصدوا للفتوى يجب منعهم؛ لأنهم ليسوا متخصصين، كما يمنع أي شخص غير متخصص في الطب من فتح عيادة طبية يتولى فيها تطبيب الناس بنفسه؛ إذ إن هؤلاء لا يقال يحجر عليهم، وإنما يقال: يمنعون من ممارسة ما لا يحسنون، أي لعدم تخصصهم.
- هل يحق للسلطة الحجر على من لا يملك العلم الشرعي؟
هذا لا يسمى حجراً أصلاً.
- ماذا يسمى إذاً؟
هذا نوع من التأديب للشخص؛ لأنه افتات على سلطة ليست له، والعلماء حين يتحدثون عن الحجر على المفتي يقصدون من تأهل للفتيا علماً وبقي عنده قضية الأمانه فيكون ليس أميناً أو لديه سلوك في فتواه غير سوي، فالحقيقة أرى أن مسألة الحجر لا تنطبق أصلاً على من هو ليس أهلاً للفتوى.
- ماذا يطلق إذاً على من لا يملك العلم الشرعي ويفتي؟
هذا يعد كأي شخص عمل جناية في قضية من القضايا، كشخص يتولى الطب وهو ليس طبيباً. بخلاف شخص طبيب أصلاً وللأسف يمارس مهنة الطب بغش فهذا هو الذي يحجر عليه ويمكن أن يطلق عليه مصطلح الحجر، أو بعبارة أخرى كمن يسحب منه الترخيص لعدم تأهله للمهنة.
- هل يجوز للسلطة الحاكمة أن تحجر على العالم الذي يشذ في مسألة أو مسألتين؟
إذا كان عالماً وتوافرت فيه الشروط التي ذكرتها قبل قليل لا يجوز الحجر عليه إطلاقاً.
- حتى لو خالف إجماع المسلمين؟
حتى لو خالف الإجماع؛ لأنه لا يوجد أحد لا يخطئ وهذا النوع في الغالب يكون متأولاً، لكن يبين له الحق؛ فالحجر على من تتوافر فيه شروط الفتوى، لا يحق لأحد فعله، إلا في حالات نادرة، وبشكل جزئي في القضايا العامة، وذلك إذا اتفق ولاة الأمر (من العلماء والأمراء) على منع أحد من الفتوى في بعض القضايا التي قد تكون لهم فيها آراء شاذة، أو آراء تسبب فتنة ومشكلات في المجتمع مثلاً، فهنا يكون له وجه شرعي بالقيود المذكورة إذا بينت المسوغات الشرعية في ذلك بياناً واضحاً. وهذا يشبه ما يعرف في القانون بتجاوز النظام العام.
- هناك دعوات الآن بالحجر على بعض المفتين الجدد؟
في ظني أن هذه ليست كلها دعوات للحجر، بل في أكثرها دعوات لإيقاف من ليس أهلاً للفتيا عن تولي هذه الولاية، وهم يقولون تجاوزاً إذا جاز الحجر على المفتي الماجن فمن باب أولى أن يحجر على شخص ليس أهلاً للفتيا أصلاً، وهو نوع من منعه من استخدام سلطات ليست له سواءً سلطة دينية أو غيرها كما ذكرت لك.
وللأسف هؤلاء اليوم كثيرون، فتجد كاتباً أو كاتبة عرفا بالمقالات السيئة، ومع ذلك تجدهما يصدران فتاوى ويرجحان بين الأقوال! بل وجدنا راقصات يفتين! وممثلين يفتون.
- ألا يتناقض هذا مع مفهوم الحرية في الاسلام؟
كلا؛ فهذا داخل في ضبط الحرية، فلا نأتي بشخص يفتح عيادة وهو ليس بطبيب ونقول نحن نمنعه من ممارسة الطب فنحن نقيد حريته، لا، فالحرية لا تعني التعدي على أمور أخرى صارت تمس بالآخرين سواء كان المس بالدين وأحكامه والتلبيس على الناس، أو كان المس بالأشخاص بغير حق.
- هل في التاريخ الإسلامي والدولة الإسلامية حجر أو منع مفتين من الفتيا بسبب آرائهم الشاذة؟
ورد منع بعض المفتين من إبداء آراء معينة فقط في قضايا عامة، لا في الأحكام عموماً، وحدث هذا حتى في عهد الصحابة رضوان الله عليهم، لأسباب تعود إلى الحفاظ على النظام العام، ولكن لم تصادر آراؤهم، وإنما توقفوا عن الفتيا بها.
وهذه قضية مهمة، وهي عدم ترويج الآراء التي تحدث قلقاً في المجتمع وتثير فتناً وفوضى، وهكذا كان شأن أهل العلم، يكون للعالم رأي خاص لا يعلنه، ولا يكاد يخلو من ذلك عالم أو طالب علم، لكن حفاظاً على وحدة الأمة والمجتمع وبعداً عن فتنة العامة وتشويش الأمر عليهم تجد العالم أو طالب العلم يحتفظ برأيه دون أن يثير به فتنة وبلبلة. ومن يتذكر عهد الشيخين ابن باز وابن عثيمين- رحمهما الله- يعرف قدر وحدة الأمة والمجتمع، والبعد عن الفتنة بعرض الآراء الخاصة.
- المملكة العربية السعودية وقعت على مواثيق دولية تتحدث عن حرية الرأي والتعبير ويجري حديث عن استنكار مبدأ الحجر كون المملكة ملتزمة دولياً بمواثيق تدعو للحريات؟
هناك فرق بين التعبير عن الرأي وبين تصدير الأحكام الشرعية؛ لأن الأحكام الشرعية هي في الحقيقة (قوانين شرعية) وليست آراء، ومن المؤسف أن بعض طلبة العلم يظن أن فتوى المفتي غير ملزمة مطلقاً.
وهذا خطأ، فإن من الفتاوى ما هو ملزم للمستفتي، ومن هنا ندرك خطورة إصدار الفتاوى من غير المؤهلين لها.
وهكذا الشأن في القوانين في كل بلاد العالم تصان عن العبث، وعن شرحها من غير المؤهلين، وعن الفتوى القانونية من غير الجهات المختصة، سواء في القوانين الوطنية أو الدولية؛ وفي الولايات المتحدة لا يمكنك الدعوه للشيوعي؛ لأنه مخالف للنظام العام، بل تصل الجرأة على ذلك إلى درجة الخيانة! إذاً هناك خلط واضح في موضوع الحريات.
- هل هناك مواد معينة تخصص عمل الفتيا في أصحاب الشأن الشرعي والمتخرجين من الكليات الشرعية؟
لدينا ضوابط للفتوى الشرعية وردت في النظام الأساسي للحكم، وهي ضوابط تقتضي توافر الشروط السابقة؛ كما أن لدينا مؤهلات في الوظائف الشرعية تشترط في القضاة، وأخرى في الوعاظ، وأخرى في المرشدين في الحج، وهكذا.
وهي شروط تتطلب العلم الشرعي في هذه المجالات؛ وقد سبق الكلام عن ضابط المفتي؛ فهو يحتاج إلى تأهل للفتيا في الدراسات الشرعية المتخصصة، سواء كانت أكاديمية أو تقليدية، وشرط الفتوى في النظام الأساسي للحكم أن تكون وفق الكتاب والسنة. وهي في القضايا العامة عائدة إلى الجهات الرسمية، حفاظاً على النظام العام والمبادئ الإسلامية في الدولة.
ولدينا جهات مختصة، كاللجنة الدائمة للإفتاء، وهيئة كبار العلماء، إضافة إلى عدد كبير من العلماء المعروفين بالفتوى، والمشهود لهم بالتأهل الشرعي فيها عند الجهات الرسمية إضافة إلى شهادة عموم الأمة لهم بالعلم والتقى، وثقتهم فيما يصدرونه من فتاوى عرف عنها الانضباط العلمي والتوازن الفكري والمعرفة بالواقع، والبعد عن الأغراض الدنيوية.
- من لا يملك العلم الشرعي ويفتي كأي شخص عمل جناية في قضية.
- هناك فرق بين التعبير عن الرأي وبين تصدير الأحكام الشرعية.
- القوه في ولاية الفتيا تتمثل في ثلاثة عناصر لا بد من وجودها .
حوار : تركي العبدالحي - سبق - الخبر : قال الدكتور سعد مطر العتيبي أستاذ السياسة الشرعية بمعهد القضاء في حوار مع "سبق" أن الفتوى منصب شرعي وليس منصباً رسمياً، وأن صاحب الفتيا يجب أن تتوافر فيه شروط أبرزها القوة والأمانة.
وقال الدكتور سعد العتيبي في حوار مع "سبق" إن المفتي الماجن يراد به الشخص المؤهل للفتيا من الناحية العلمية، لكن لم يتوافر فيه الشرط الثاني الذي هو الأمانة والديانة، وبالتأكيد الفتيا تحتاج إلى شرطين ووجود شرط واحد لا يكفي.
ورفض الشيخ سعد العتيبي إطلاق مسمى الحجر على من لا ينتسبون إلى العلم الشرعي قائلاً: (هذا لا يسمى حجر أصلاً، هذا نوع من التأديب للشخص؛ لأنه افتات على سلطة ليست له، والعلماء حين يتحدثون عن الحجر على المفتي يقصدون من تأهل للفتيا علماً وبقي عنده قضية الأمانة فيكون ليس أميناً أو لديه سلوك في فتواه غير سوي، فالحقيقة أرى أن مسألة الحجر لا تنطبق أصلاً عن من هو ليس أهلاً للفتوى).
وشبه العتيبي من يفتي بلا علم كشخص قام بجناية أو كالطبيب الذي يمارس الطب وهو ليس بطبيب وقال: (يسحب منه الترخيص لعدم تأهله للمهنة) , فيما رفض الحجر على المفتين الذين تتوافر فيهم شروط الفتيا، وقال لا يجوز على السلطة الحجر على من توافرت فيه شروط الفتيا حتى لو أخطأ وخالف إجماع المسلمين.
وحول مفهوم الحرية في الإسلام قال العتيبي: "فلا نأتي بشخص يفتح عيادة وهو ليس بطبيب ونقول نحن نمنعه من ممارسة الطب فنحن نقيد حريته، لا، فالحرية لا تعني التعدي على أمور أخرى وصارت تمس بالآخرين سواءً كان المس بالدين وأحكامه والتلبيس على الناس، أو كان المس بالأشخاص بغير حق".
وأضاف العتيبي متحدثاً عن رؤيته في التفريق بين حرية الرأي وبين إطلاق الأحكام الشرعية: "هناك فرق بين التعبير عن الرأي وبين تصدير الأحكام الشرعية؛ لأن الأحكام الشرعية هي في الحقيقة (قوانين شرعية) وليست آراء، ومن المؤسف أن بعض طلبة العلم يظن أن فتوى المفتي غير ملزمة مطلقاً. وهذا خطأ، فإن من الفتاوى ما هو ملزم للمستفتي، ومن هنا ندرك خطورة إصدار الفتاوى من غير المؤهلين لها".. وإلى الحوار:
- تكاثر الحديث عن صفات المفتي خصوصاً مع ظهور دعوات الحجر على بعض المفتين الجدد، فمن يحق له الفتيا؟
الفتوى منصب شرعي يتولى فيه المفتي بيان الأحكام الشرعية وفق ما تقتضيه الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة، وقواعد الاستنباط والاستدلال الشرعي.
والمنصب الشرعي هنا لا يقصد به المنصب الذي يتولاه الشخص بطريقة رسمية ولكن المراد به ولاية الفتيا التي هي من الولايات الدينية الموجودة في الأمة الإسلامية سواء وجدت في إطار دولة إسلامية بقرار أو بغير قرار رسمي، وكذلك في حال عدم وجود دولة إسلامية، كالبلاد التي فيها أقليات إسلامية اليوم مثلاً، إلا أنه في حال وجود دولة إسلامية كبلادنا؛ فإنه يوجد فيها ولاة الأمر المكونين من العلماء الذين يبينون الحكم الشرعي والأمراء الذين ينفذون الحكم الشرعي، وهذا ما عليه المحققون من أهل العلم من المتقدمين والمتأخرين، ومن أواخر من فصّل في بيان هذه المسألة الأخيرة الشيخ العلامة ابن عثيمين رحمه الله.
- وما هي صفات صاحب الولاية الشرعية في الفتيا؟
صاحب الولاية يجب أن يتوافر فيه شرطان ، القوة والأمانة ، والقوه في ولاية الفتيا تتمثل في ثلاثة عناصر لا بد من وجودها جميعاً في المفتي:
العنصر الأول: العلم، أي: العلم بالأحكام الشرعية.
والثاني: معرفة الوقائع والنوازل، التي تحتاج إلى بيان حكمها شرعاً. والثالث: القدرة على تنزيل الحكم الشرعي على موضوع الفتيا، أي الواقعة العملية أو على النازلة وهذه شروط رئيسية في من يتصدى للفتيا.
أما الشرط الثاني، وهو: الأمانة ، فهي في الحقيقة تعني بيان الحكم الشرعي على ما تقتضيه الشريعة، ومراقبة الله عز وجل في ذلك، وأن يكون صادقاً يبتغي ما عند الله عز وجل لا يريد شيئاً آخر؛ لأنه لو أراد شيئاً آخر لدخلنا في قضية الأغراض الدنيوية التي تصرف الفتوى عن محلها وربما تشرع للناس ما ليس مشروعاً سواء كانت فتوى ماجنة تبتغي تزيين الشهوات، أو داجنة تبتغي الارتزاق المحرم بالفتوى أو الشهرة من وراء الشغب بها، والعياذ بالله من كل ذلك؛ فلا يكفي العلم، بل لا بد من ديانة تمنع المفتي من تجاوز حدود الله باسم الله، فالله ذكر أن اليهود يعلمون لكنه بين أنهم لا يعملون بما يعلمون.
فالأمانة شرط مهم جداً، ومن يفتقد هذا الشرط يدخل به ما يعرف بالمفتي الماجن، الذي تحدّث العلماء عن الحجر عليه.
وهذه الشروط يمكن التحقق منها بعدة طرق، منها: إفصاح بعض علماء الشريعة المعتبرين عند الأمة في الفتوى بأن فلانا أهل للفتوى.
ومنها: إحالة أهل العلم المعروفين بالفتوى- أيضاً- إلى أحد من أهل العلم في مسائل للفتوى فيها.
ومنها: شهادة الشيوخ لأحد تلاميذهم بأنه صار أهلاً للفتوى. أما من لم يعرف بالفتوى، ولم يعرف له شأن في بيان الأحكام الشرعية؛ فلا يعد أهلاً للفتوى.
- كثر الحديث عن المفتي الماجن.. ماهي صفات المفتي الماجن؟
المفتي الماجن يراد به الشخص المؤهل للفتيا من الناحية العلمية، لكن لم يتوافر فيه الشرط الثاني الذي هو الأمانة والديانة، وبالتأكيد الفتيا تحتاج إلى الشرطين ووجود شرط واحد لا يكفي، أما أن يأتي شخص ليس من أهل الفقه في الدين والعلم بالأحكام الشرعية وأدلتها ومناقشاتها العلمية، ويريد أن يفتي فهذا أسوأ من المفتي الماجن الذي تكلم أهل العلم في الحجر عليه؛ لأنه يفتقد الشرطين: العلم، والأمانة؛ وللأسف أن كثيراً من عوام الناس يظنون أن كل واعظٍ أو قارئٍ أو راقٍ، أو موظفٍ إداريٍ في بعض القطاعات الدينية ، أو ملتحٍ ولو كان عامياً، أو حتى من لديه ثقافة عامة كأن يكون مفكراً إسلامياً غير متخصص في العلم الشرعي والفقه بأحكام الشريعة، يظن بعض العامة أن هؤلاء يجوز استفتاؤهم في الأحكام الشرعية، والصحيح أن هؤلاء لا تبرأ الذمة باستفتائهم؛ اللهم إلا إذا كانوا ثقاة، ونقلوا فتوى يحفظونها عن أحد من أهل العلم، أي على سبيل النقل، وليس على سبيل إصدار الفتوى والترجيح بين الأقوال.
وهذا النوع من الناس إذا تصدوا للفتوى يجب منعهم؛ لأنهم ليسوا متخصصين، كما يمنع أي شخص غير متخصص في الطب من فتح عيادة طبية يتولى فيها تطبيب الناس بنفسه؛ إذ إن هؤلاء لا يقال يحجر عليهم، وإنما يقال: يمنعون من ممارسة ما لا يحسنون، أي لعدم تخصصهم.
- هل يحق للسلطة الحجر على من لا يملك العلم الشرعي؟
هذا لا يسمى حجراً أصلاً.
- ماذا يسمى إذاً؟
هذا نوع من التأديب للشخص؛ لأنه افتات على سلطة ليست له، والعلماء حين يتحدثون عن الحجر على المفتي يقصدون من تأهل للفتيا علماً وبقي عنده قضية الأمانه فيكون ليس أميناً أو لديه سلوك في فتواه غير سوي، فالحقيقة أرى أن مسألة الحجر لا تنطبق أصلاً على من هو ليس أهلاً للفتوى.
- ماذا يطلق إذاً على من لا يملك العلم الشرعي ويفتي؟
هذا يعد كأي شخص عمل جناية في قضية من القضايا، كشخص يتولى الطب وهو ليس طبيباً. بخلاف شخص طبيب أصلاً وللأسف يمارس مهنة الطب بغش فهذا هو الذي يحجر عليه ويمكن أن يطلق عليه مصطلح الحجر، أو بعبارة أخرى كمن يسحب منه الترخيص لعدم تأهله للمهنة.
- هل يجوز للسلطة الحاكمة أن تحجر على العالم الذي يشذ في مسألة أو مسألتين؟
إذا كان عالماً وتوافرت فيه الشروط التي ذكرتها قبل قليل لا يجوز الحجر عليه إطلاقاً.
- حتى لو خالف إجماع المسلمين؟
حتى لو خالف الإجماع؛ لأنه لا يوجد أحد لا يخطئ وهذا النوع في الغالب يكون متأولاً، لكن يبين له الحق؛ فالحجر على من تتوافر فيه شروط الفتوى، لا يحق لأحد فعله، إلا في حالات نادرة، وبشكل جزئي في القضايا العامة، وذلك إذا اتفق ولاة الأمر (من العلماء والأمراء) على منع أحد من الفتوى في بعض القضايا التي قد تكون لهم فيها آراء شاذة، أو آراء تسبب فتنة ومشكلات في المجتمع مثلاً، فهنا يكون له وجه شرعي بالقيود المذكورة إذا بينت المسوغات الشرعية في ذلك بياناً واضحاً. وهذا يشبه ما يعرف في القانون بتجاوز النظام العام.
- هناك دعوات الآن بالحجر على بعض المفتين الجدد؟
في ظني أن هذه ليست كلها دعوات للحجر، بل في أكثرها دعوات لإيقاف من ليس أهلاً للفتيا عن تولي هذه الولاية، وهم يقولون تجاوزاً إذا جاز الحجر على المفتي الماجن فمن باب أولى أن يحجر على شخص ليس أهلاً للفتيا أصلاً، وهو نوع من منعه من استخدام سلطات ليست له سواءً سلطة دينية أو غيرها كما ذكرت لك.
وللأسف هؤلاء اليوم كثيرون، فتجد كاتباً أو كاتبة عرفا بالمقالات السيئة، ومع ذلك تجدهما يصدران فتاوى ويرجحان بين الأقوال! بل وجدنا راقصات يفتين! وممثلين يفتون.
- ألا يتناقض هذا مع مفهوم الحرية في الاسلام؟
كلا؛ فهذا داخل في ضبط الحرية، فلا نأتي بشخص يفتح عيادة وهو ليس بطبيب ونقول نحن نمنعه من ممارسة الطب فنحن نقيد حريته، لا، فالحرية لا تعني التعدي على أمور أخرى صارت تمس بالآخرين سواء كان المس بالدين وأحكامه والتلبيس على الناس، أو كان المس بالأشخاص بغير حق.
- هل في التاريخ الإسلامي والدولة الإسلامية حجر أو منع مفتين من الفتيا بسبب آرائهم الشاذة؟
ورد منع بعض المفتين من إبداء آراء معينة فقط في قضايا عامة، لا في الأحكام عموماً، وحدث هذا حتى في عهد الصحابة رضوان الله عليهم، لأسباب تعود إلى الحفاظ على النظام العام، ولكن لم تصادر آراؤهم، وإنما توقفوا عن الفتيا بها.
وهذه قضية مهمة، وهي عدم ترويج الآراء التي تحدث قلقاً في المجتمع وتثير فتناً وفوضى، وهكذا كان شأن أهل العلم، يكون للعالم رأي خاص لا يعلنه، ولا يكاد يخلو من ذلك عالم أو طالب علم، لكن حفاظاً على وحدة الأمة والمجتمع وبعداً عن فتنة العامة وتشويش الأمر عليهم تجد العالم أو طالب العلم يحتفظ برأيه دون أن يثير به فتنة وبلبلة. ومن يتذكر عهد الشيخين ابن باز وابن عثيمين- رحمهما الله- يعرف قدر وحدة الأمة والمجتمع، والبعد عن الفتنة بعرض الآراء الخاصة.
- المملكة العربية السعودية وقعت على مواثيق دولية تتحدث عن حرية الرأي والتعبير ويجري حديث عن استنكار مبدأ الحجر كون المملكة ملتزمة دولياً بمواثيق تدعو للحريات؟
هناك فرق بين التعبير عن الرأي وبين تصدير الأحكام الشرعية؛ لأن الأحكام الشرعية هي في الحقيقة (قوانين شرعية) وليست آراء، ومن المؤسف أن بعض طلبة العلم يظن أن فتوى المفتي غير ملزمة مطلقاً.
وهذا خطأ، فإن من الفتاوى ما هو ملزم للمستفتي، ومن هنا ندرك خطورة إصدار الفتاوى من غير المؤهلين لها.
وهكذا الشأن في القوانين في كل بلاد العالم تصان عن العبث، وعن شرحها من غير المؤهلين، وعن الفتوى القانونية من غير الجهات المختصة، سواء في القوانين الوطنية أو الدولية؛ وفي الولايات المتحدة لا يمكنك الدعوه للشيوعي؛ لأنه مخالف للنظام العام، بل تصل الجرأة على ذلك إلى درجة الخيانة! إذاً هناك خلط واضح في موضوع الحريات.
- هل هناك مواد معينة تخصص عمل الفتيا في أصحاب الشأن الشرعي والمتخرجين من الكليات الشرعية؟
لدينا ضوابط للفتوى الشرعية وردت في النظام الأساسي للحكم، وهي ضوابط تقتضي توافر الشروط السابقة؛ كما أن لدينا مؤهلات في الوظائف الشرعية تشترط في القضاة، وأخرى في الوعاظ، وأخرى في المرشدين في الحج، وهكذا.
وهي شروط تتطلب العلم الشرعي في هذه المجالات؛ وقد سبق الكلام عن ضابط المفتي؛ فهو يحتاج إلى تأهل للفتيا في الدراسات الشرعية المتخصصة، سواء كانت أكاديمية أو تقليدية، وشرط الفتوى في النظام الأساسي للحكم أن تكون وفق الكتاب والسنة. وهي في القضايا العامة عائدة إلى الجهات الرسمية، حفاظاً على النظام العام والمبادئ الإسلامية في الدولة.
ولدينا جهات مختصة، كاللجنة الدائمة للإفتاء، وهيئة كبار العلماء، إضافة إلى عدد كبير من العلماء المعروفين بالفتوى، والمشهود لهم بالتأهل الشرعي فيها عند الجهات الرسمية إضافة إلى شهادة عموم الأمة لهم بالعلم والتقى، وثقتهم فيما يصدرونه من فتاوى عرف عنها الانضباط العلمي والتوازن الفكري والمعرفة بالواقع، والبعد عن الأغراض الدنيوية.