ولدعساف
07-Jun-2010, 05:15 AM
إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونتوبُ إليه، ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنا؛ ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ؛ فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل؛ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه صلَّى اللهُ عليه، وعلى آلهِ، وصحبِهِ وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدين.
أمَّا بعدُ:
.
الخلقُ جميعُهم مُفتقِرون إلى اللهِ في جلبِ ما يُصلِحُهم، ودَفْعِ ما يَضُرُّهم في أمرِ دِينهم ودُنياهم، فهم فقراءُ إلى اللهِ في كُلِّ أحوالِهم (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) [فاطر:15]، والعبدُ لا يملكُ شيئًا مِن الضُّرِّ، ولا النفعِ إلا بقضاءِ اللهِ وقَدَرِهِ (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلا نَفْعاً إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ) [الأعراف:188]، ولا ينالُ خيرًا إلا بتوفيقِ اللهِ، وإحسانِهِ إليه (مَا يَفْتَحْ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [فاطر:2]، (وَإِنْيَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [الأنعام:17]، وفي الآية الأخرى (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [يونس:107].
إذا فأهميَّةُ الدعاءِ في حياةِ المُسلمِ لها شأنٌ عظيمٌ؛ فهي سببٌ في دفعِ المكروهِ، وتحقيقِ النافعِ، والدعاءُ عّدُوُّ البلاءِ، يُدافِعُهُ ويَمنعُهُ، فإنْ نَزَلَ؛ فإنَّ الدعاءَ يُخَفِّفُ آلامَ ذلك البلاءَ، ويُضْعِفُهُ؛ فهو سلاحُ المؤمنِ في أحوالِه كُلِّها.
والدعاءُ الاِبْتِهالُ إلى اللهِ بسؤالِهِ الخيرَ الذي يُؤَمِّلُهُ العبدُ، والاستعاذةُ به من كُلِّ ما يُؤذيه، ويُؤْلِمُهُ.
وللدعاءِ شأنٌ عظيمٌ؛ فقد جاءَ في القرآنِ العزيزِ حَثٌّ عليه في مواضعَ، فأولًا أخبرَ اللهُ جَلَّ وعلا عن قُرْبِهِ من داعيه، ترغيبًا للعبادِ في دُعائه، والالتجاءِ إليه (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة:186]،
وأَمَرنا ربُّنا بدعائه، وتَوَعَّدَ المُعرِضين عن دعائه بعقابه الأليمِ؛ فقال: (وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) [غافر:60]، وأمرَنا جَلَّ وعلا أن نَدعوَهُ تّضَرُّعًا وخِيفَةً (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ* وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنْ الْمُحْسِنِينَ) [الأعراف:-5756]،
وأمرَ بالإخلاصِ بالدعاءِ؛ فقال: (فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [غافر:65].
وفي سُنَّةِ مُحمدٍ صلى اللهُ عليه وسلم حَثٌّ على الدعاءِ، وترغيبٌ فيه، ففي حديثِ النعمانِ بنِ بشيرٍ أنه صلى اللهُ عليه وسلم قال: "الدعاءُ هو العبادةُ"، فالداعي للهِ عابدٌ للهِ؛ لأنه يَعتقِدُ أنَّ النَّفعَ والضُّرَّ بِيَدِ اللهِ وحدَهُ، وأنَّ الدعاءَ لا يليقُ إلا باللهِ،
وقال أبو هريرة: قال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: "ليسَ شيءٌ أكرمَ على اللهِ من الدعاءِ"، وأخبرَنا نبيُّنا صلى اللهُ عليه وسلم أنَّ من لم يدعُ اللهَ يغضبِ اللهُ عليهِ؛ فقال صلى اللهُ عليه وسلم: "مَن لم يدعُ اللهَ يغضبْ عليه" فإذا أعرضت عن دعاء الله غضب الله عليك، وأخبرَنا صلى اللهُ عليه وسلم أنَّ كُلَّ دعوةٍ ندعوها إلى الله، كُلَّ دعوةِ نَرفعُها إلى اللهِ؛ فإنها تنفعُ عاجلًا أو آجلا؛ فقال صلى اللهُ عليه وسلم: "ما مِن مسلمٍ يدعو اللهَ بدعوةٍ ليس فيها إثمٌ، ولا قطيعةُ رَحِمٍ إلا أعطاه اللهُ بها إِحدى ثلاثٍ: إمَّا أن يُعَجِّلَ له بالدنيا، وإمَّا أن يَدَّخِرَها له في الآخِرَةِ، وإمَّا أن يصرفَ عنه من السوءِ مثلَها"، وأخبرنا صلى اللهُ عليه وسلم عن كمالِ كَرَم ربِّنا، وكمالِ حيائِه من داعِيهِ؛ فقال: "إنَّ رَبَّكم حَيِّيٌ كريمٌ، يَستحِي مِن عبدِه إذا رفعَ يَدَيْهِ أن يَرُدَّها صِفرًا"، وأخبرنا صلى اللهُ عليه وسلم أنَّ الدُّعاءَ يَنفعُ ممَّا نَزَلَ، وممَّا لم يَنْزِلْ، قال ابنُ عمرَ: قال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: "الدعاءُ يَنفعُ ممَّا نَزَلَ، وممَّا لم يَنْزِلْ".
فادعُ ربَّك، والْتجِئْ إليه، واعرِفْ كمالَ حاجتِك، وكمالَ فقرِكَ، وكمالَ اضطِرارِك إلى ربِّك مهما نِلْتَ مِن المالِ أو الجاهِ، أو نِلْتَ مِن القُوَّةِ؛ فأنت فقيرٌ بذاتك إلى ربِّك، والله غنيٌ عَنك.
وهذا الدعاءُ لا بُدَّ أن يَنضَبِطَ بالضوابِطِ الشَّرعيَّةِ، فأوَّلًا الإخلاصُ للهِ بالدُّعاءِ؛ فإنَّ اللهَ يقولُ: (فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) [غافر:65]، بأن تُخلِصَ دعاءَك للهِ، وأنْ تُعَظِّمَ اللهَ، وتعتقِدَ حَقًّا أنَّ الدعاءَ لا يليقُ إلا لله، وأنَّ دعاءَ غيرَ اللهِ ضلالٌ وكفرٌ، ولهذا قال الله معاتبًا لهؤلاء: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ) [الأحقاف:5]،
وقال: (إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ) [فاطر:14]، فغيرُ اللهِ لا يملكُ نَفعًا ولا ضَرًّا، ولا حياةً، ولا نُشورًا، وأن يكونَ دعاؤُك على الوِفقِ الشرعيِّ بأن لا تدعُوَ بإثمٍ أو قَطيعةِ رحمٍ، أو عُدوانٍ في الدُّعاءِ فتسألُ ما لا يليقُ سؤالُه، وأن تكونَ في دعائِك موقِنًا بأنَّ اللهَ يسمع ُكلامَك، ويرى مكانَك، ويعلمُ سِرَّك وعلانيتَك، لا يَخفى عليه شيءٌ من ذلك، في الحديث: "اُدعوا اللهَ، وأنتم موقِنونَ بالإجابةِ"؛ بأنك تسأل كريمًا جوادًا مُتفضِّلًا مُحسنًا؛ فكُنْ على يقينٍ في دعائِك، أنَّ الدعاءَ لا يَضُرُّ ولا يضيعُ، بل هو مُحتَفَظٌ وحاصلُ خيرٍ بإذن اللهِ، وأنْ يكونَ دعاؤُك بقلبِكَ ولِسانك؛ فلا تدعُ بلسانِك وقلبُك غافلٌ، ففي الحديثِ "فإنَّ اللهَ لا يستجيبُ الدعاءَ مِن قلبٍ غافلٍ لاهٍ"، ولا بُدَّ أن تُقَوِّيَ العزيمةَ في دعائك، تَعزِمُ في الدعاءِ؛ فلا تُعَلِّقْهُ بمشيئةٍ، بل ادعُ اللهَ دعاءً صادقًا، جادًّا في دعائك، يقولُ صلى اللهُ عليه وسلم: "لا يَقُلْ أحدُكم اللَّهمَّ اِغفِرْ لي إن شئتَ، اللَّهمَّ اِرْحَمْني إن شِئتَ، لِيَعْزِمِ المسألةَ -بمعنى أن يقول رب اغفر لي-؛ فإن اللهَ لا مُكرِهَ له، وإنَّ اللهَ لا يَتَعاظَمُهُ شيءٌ أعطاه"، (يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) [الرحمن:29]،
وفي الحديث القُدْسي: (يا عِبادي لو أنَّ أَوَلَّكم وآخِرَكم وإِنسَكُم وجِنَّكُم قاموا في صعيدٍ واحدٍ، فسألوني؛ فأعطيتُ كُلًّامسألتَه ما نقصَ ذلك مِمَّا عندي إلا كما يَنقُصُ المِخْيَطُ إذا أُدخِلَ البحرَ).
وهذا الدعاءُ قد يَعتَريه مانعٌ يمنعُ إجابةَ الدعاءِ، ويَحولُ بينك وبينَ سماعِ اللهِ لدُعائك، وهذه الموانعُ يَجِبُ على المسلمِ البعدُ عنها، حتى يكونَ دعاؤُهُ مُستجابًا بتوفيقِ اللهِ، فمِن أسبابِ مَنعِ الدعاءِ، من أسبابِه أكلُ الحرامِ، تَعاطي الحرامِ، في مَطْعَمِك، وفي مَلْبَسِك، وفي نَفَقاتك كُلِّها؛ فلا بُدَّ للدَّاعي أن يُطَهِّرَ مَكاسِبَه مِن الحرامِ، حتى يَستجيبَ اللهُ دعاءَه، واللهُ جَلَّ وعلا أمرَنا بأكلِ الحلالِ والطيِّبِ قبلَ الدُّعاءِ؛ لأنَّ أكلَ الحلالِ قوةٌ للقلبِ، قُوَّةٌ للإيمانِ في القلب، والتَّعَلُقِ في الله، وأكلَ الحرامِ يُضعِفُ الدُّعاءَ في القلبِ؛ فيدعو اللهَ دعاءَ لاهٍ غافلٍ، يقولُ صلى اللهُ عليه وسلم: "إنَّ اللهَ طَيِّبٌ لا يَقبلُ إلا طَيِّبًا"،
وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين؛ فقال: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً) [المؤمنون:51]،وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) [القرة:172]، "ثم ذكرَ النَّبِيُّ صلى اللهُ عليه وسلم الرَّجلَ الذي دعا اللهَ -وهو يأكل حرام- فقال صلى الله عليه وسلم: "ذكر الرَّجلَ يُطيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَهُ للسماءِ: يا رَبِّ، يا رَبِّ، يا رَبِّ، قال: "ومَأكلُه حرامٌ، ومَلبسُه حرامٌ، وغُذِّيَ بالحرامِ؛ فأنَّى يُستجابُ لذلك؟".
أسبابُ الإجابةِ: كونُه مسافرًا ودعوته مستجابة، كونُهُ مُضطرًّا ومُتضَرِّعًا بين يديِ اللهِ، رافعًا يديه، لكنْ مَنَعَ تلك الأسبابَ أكلُ الحرامِ، حالَ بين الدُّعاءِ وبين وُصولِهِ، حال بين الدعاءِ وبينَ آثارِهِ؛ فاتَقِّ اللهَ أيُّها المسلمُ، اِحْذَرْ أكلَ الحرامِ، مهما استطعتَ، اِحذَرْ أن تكونَ في أموالك رِبًا، واحذَرْ أن يكونَ في مَكاسِبِك رِشوةٌ تَأخُذُها مِن صاحِبِ حَقٍّ بلا حَقٍّ، واحذَرْ أن يكونَ في أموالك أثمانُ مُحَرَّماتٍ، وعِوَضُ مُحَرَّماتٍ، تعلمُ أنها حرامٌ، مِن مُخَدِّراتٍ، ومُسكِراتٍ، وأيُّ بيعٍ حََّرَمَهُ الشارعُ؛ فَاحذَرْ مِنهُ؛ لكي يكونَ لِدُعائِكَ أثرٌ؛ فإنك إن انغمستَ في الحرامِ أضعفَ سَيْرَ قلبِك إلى اللهِ وضَعُفَ القلبُ؛ فلم يكنْ مُقْبِلًا على اللهِ بدعائه.
ومن موانعِ الدعاءِ الاستعجالُ في الدعاءِ، الاستعجالُ في طلبِ الإجابةِ، أنت أيُّها المسلمُ أُمِرْتَ بالدُّعاءِ فادعُ اللهَ، وكِلْ أَمْرَ الإجابةِ إليه؛ فهو يَعلمُ ما يُصلِحُك، وهو أرحمُ بك من رحمةِ أُمِّكَ بك؛ فلا تَظُنْ ذلك بُخلًا منه، تعالى عن ذلك علوًا كبيرا، لكنَّهُ الحكيمُ العليمُ في كُلِّ ما يَقْضي ويُقَدِّرُ عليك، عليكَ أن تدعوَ، وكِلْ أَمْرَ الإجابةِ زَمَنَها وقَدْرَها إلى اللهِ؛ فهو أعلمُ بما يُصْلِحُك وأعلمُ بما يَنفَعُك مِمَّا يَضُرُّك، ولذا يقولُ صلى اللهُ عليه وسلم: "يُستجابُ لأحدِكم ما لم يدعُ بإثمٍ أو قطيعةِ رحمٍ ما لم يَعْجَلْ"، قال: "يقولُ دعوتُ فلم يُسْتَجَبْ لي؛ فَيَتَحَسَّرُ عِندَ ذلك، ويَدَعُ الدعاءَ"، يا أخي لا، ادعُ اللهَ، وواصِلْ الدُّعاءَ ليلًا ونهارًا، إن لم تُقْضَ الحاجةُ؛ فهناك فائدةٌ: كمالُ التَّعَلُّقِ باللهِ وكمالُ الافتقارِ إلى اللهِ؛ فتلك عبوديةٌ عظيمةٌ، قال شيخُ الإسلامِ -رحمه الله- : "وكثيرٌ من الناس يَغْفَلُ عن هذا، ويجعلُ غايتَهُ من دُعائه تحقيقَ طَلَبِهِ العاجلِ، ولا يعلمُ هذا أنَّ دُعاءَه وافتِقارَهُ إلى اللهِ، واستمرارَهُ عِبادةٌ عظيمةٌ، خيرٌ من حاجتِه التي تُقْضَى".
وليكنِ الدعاءُ بقلبٍ حاضرٍ؛ يَتَواطَأ القلبُ واللسانُ عليه، واحذرْ أن تدعوَ بإثمٍ أو قطيعةِ رَحِمٍ؛ فإنَّ ذلك من الأمورِ المُحَرَّمةِ، أو تَعتدِيَ بِدعائك؛ فليكنْ دعاؤُك دعاءَ خيرٍ، فيه لك منفعةٌ، واسْتَخِرِ اللهَ في أمورِك كُلِّها.
ولا بُدَّ في دُعائك مِن أن تَتَأَدَّبَ بالآداب الشرعية، فمِن أعظمِ آدابِ الدعاءِ أن تُقَدِّمَ بينَ دُعائك حَمْدَ اللهِ والثناءَ عليه، ثمَّ الصَّلاةُ على مُحَمَّدٍ صلى اللهُ عليه وسلم، ثمَّ تدعو اللهَ بما شِئْتَ، ثمَّ تَخْتِمُهُ بالصَّلاةِ على مُحَمَّدٍ صلى اللهُ عليه وسلم، سَمِعَ النَّبِيُّ صلى اللهُ عليه وسلم رجلا يَدعو في سجودِه، ولم يَحْمَدِ اللهَ، ولم يُصَلِّ على نبيه، فدعاهُ؛ فقال: "عَجِلَ هذا، إذا أرادَ أحدٌ أن يدعوَ؛ فليحمدِ اللهَ، وليُصَلِّ على نبِيِّهِ، ثم لِيَدعو"، وسَمِعَ رجلًا ساجدًا يَدعو اللهَ، مَجَّدَ اللهَ، وصَلَّى على نبيِّه؛ فقال: "اُدْعُ يُسْتَجَبْ لك".
ولا بُدَّ مِن أن تختارَ الأدعيةَ النبويَّةَ، فالنبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم سَمِعَ داعيًا يقولُ: "اللهمَّ إني أسأَلُك بأنِّي أشهدُ أنَّك أنتَ اللهُ، لا إلهَ إلا أنت، الأحدُ الصَّمَدُ، الذي لم يَلِدْ ولم يُولَدْ، ولم يكن له كُفُوًا أحدٌ"، قال: "سَأَلَ اللهَ باسمِهِ"، وسمع رجلًا يقول: "اللهمَّ إنِّي أسأَلُك بأنَّ لك الحمدُ، المَنَّانُ، بديعُ السمواتِ والأرضِ، ذا الجلالِ والإكرامِ" فقال: "لقدْ سألَ اللهَ باسمِهِ الأعظمِ، الذي مَن دعاه به أجابَهُ، ومَن سألَهُ أعطاهُ"، وقال: "أَلِّظو بيا ذا الجلالِ والإكرامِ".
واحْذَرْ أن تدعوَ على نفسِكَ، أو على مالِك، أو على ولدِك، أو على زَوجَتِكَ، اِحْذَرْ ذلك، فَرُبَّما وافَقْتَ ساعةَ فيستجابُ الدعاء؛ فتخسرُ خسارةً عظيمةً.
سَمِعَ النبِيُّ صلى اللهُ عليه وسلم رجلًا يلعنُ ناقتَهُ؛ فقال: "خلِّ سبيلَها، لا تَصْحَبْنا ناقةٌ ملعونةٌ"، ثم قال: "لا تَدعوا على أنفُسِكم، ولا على أولادِكُم، ولا على أموالِكم؛ فوافقوا مِن اللهِ ساعةَ إجابةٍ".
قدْ يُغضبُك ولدُك، وقد تُغضِبُك زوجتُك، وقد وقد، لكن تَحَمَّلْ، واجْعَلْ عِوَضَ الدُّعاءِ عليهم دعاءَ اللهِ لهم، اِجْعَلْ عِوَضَ الدُّعاءِ عليهم، دعاءَ اللهِ لهم، لا تأخُذْكَ الحَمِيَّةُ الجاهليَّةُ؛ فتَلَعَنَ وتَسُبَّ وتدعوَ على هذا بالهلاكِ، وتندمَ ولا ينفعُك النَّدَمُ، اِجْعَلْ دعاءَكَ على أولادِكَ دعاءً لهم، ودعاءَكَ على مالِك، دعاءَ اللهِ بالحِفْظِ وهكذا.
أيُّها المسلمُ، ولا بُدَّ مِن آدابِ الدُّعاءِ مِن أن يكونَ دعاؤُك للهِ عامًا، في رَخائك وشِدَّتِك، فمن دعا اللهَ في الرَّخاءِ، ودعاه في الشِّدةِ كان ذلك أقربَ للإجابةِ، يقولُ صلى اللهُ عليه وسلم: "تَعَرَّفْ إلى اللهِ في الرَّخاءِ يعرِفْك في الشِّدَةِ"، ولمَّا دعا ذو النونِ في ظُلُماتِ البِحارِ (أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ) [الأنبياء:87]، قالت الملائكةُ: "ربَّنا صوتٌ معروفٌ مِن مكانٍ غريبٍ قال: (ذاك عبدي ذو النون)"، قال اللهُ: (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ) [الأنبياء:87]، قال اللهُ: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنْ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) [الأنبياء:88]، (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِي الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) [الأنبياء:83]، قال اللهُ: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) [الأنبياء:84]، وزكريا يقول: (رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ) [الأنبياء:89]، قال الله: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ) [الأنبياء:90] وإبراهيم يقول: (رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ* وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ* وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ) [الشعراء:83] ويقول: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ* رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ) [إبراهيم:41].
فكنْ يا أخي داعيًا لربِّك، واثقًا بِوعدِهِ، مُلتجِئًا إليه، مُضطَرًّا إليه، تائِبًا له من خَطاياك وذنوبك، سائِلَهُ المَغفِرَةَ والعَفْوَ والعافيةَ، في الدُّنيا والآخِرَةِ، داعيًا لأولادِك بالصَّلاحِ والهِدايةِ، ولوالدّيْكَ بالمَغْفِرَةِ والرِّضوانِ، ولَكَ بالثَّباتِ على الحَقِّ والاستقامةِ عليه؛ فالدعاءُ مُخُّ العِبادةِ؛ فَلْنَدْعُو اللهَ بقلوبٍ وألسنةٍ حاضرةٍ، وألسنةٍ ذاكرةٍ، تلهجُ بالدُّعاءِ بيقينٍ جازِمٍ أنَّ اللهَ على كُلِّ شيءٍ قديرٌ (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [يس:82]، (إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [النحل:40]؛ فَأَلِحَّ على اللهِ بالدعاءِ، وأَظْهِرْ كمالَ الفاقةِ والحاجةِ والاِضطِرارِ إليهِ، لا تَغُرَنَّكَ دُنياكَ، ولا عافيتُك، ولا جاهُك، اِعلَمْ أنك فقيرٌ بذاتك، وأنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنك، كَلَّما دعوتَ ربَّك، وتَضَرَّعْتَ إليه، وسألتَه قَرَّبَكَ وأَدْناك، وكُلَّما أَعْرَضْتَ عن دُعائه غَضِبَ عليك، وعاقَبَك، يقولُ اللهُ: (يا ابنَ آدمَ إنَّكَ ما دَعَوْتَنِي ورَجَوْتَنِي، غَفَرْتُ لك على ما كان مِنكَ ولا أُبالِي، يا ابنَ آدمَ لو بَلَغَتْ ذنوبُك عَنان السَّماءِ، ثُمَّ اِسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لك، يا ابنَ آدمَ لو أَتَيْتَنِي بِقُرابِ الأرضِ خَطايا، ثُمَّ لَقِيتَنِي لا تُشرِكُ بي شيئًا لَأَتَيْتُك بِقُرابِها مَغْفِرَةً).
اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لنا، ولِأَمواتِنا، لِآبائِنا وأُمَّهاتِنا، وأَصْلِحْ ذُرِّياتِنا، واجْمَعْ قلوبَنا على طاعتَك، وأَعِذْنا من شرورِ أنفُسِنا وأَمِّنَّا من كُلِّ مكروهٍ؛ إنَّك على كُلِّ شيءٍ قديرٌ،
للشيخ/ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ المفتي العام للمملكه العربيه السعوديه
أمَّا بعدُ:
.
الخلقُ جميعُهم مُفتقِرون إلى اللهِ في جلبِ ما يُصلِحُهم، ودَفْعِ ما يَضُرُّهم في أمرِ دِينهم ودُنياهم، فهم فقراءُ إلى اللهِ في كُلِّ أحوالِهم (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) [فاطر:15]، والعبدُ لا يملكُ شيئًا مِن الضُّرِّ، ولا النفعِ إلا بقضاءِ اللهِ وقَدَرِهِ (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلا نَفْعاً إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ) [الأعراف:188]، ولا ينالُ خيرًا إلا بتوفيقِ اللهِ، وإحسانِهِ إليه (مَا يَفْتَحْ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [فاطر:2]، (وَإِنْيَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [الأنعام:17]، وفي الآية الأخرى (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [يونس:107].
إذا فأهميَّةُ الدعاءِ في حياةِ المُسلمِ لها شأنٌ عظيمٌ؛ فهي سببٌ في دفعِ المكروهِ، وتحقيقِ النافعِ، والدعاءُ عّدُوُّ البلاءِ، يُدافِعُهُ ويَمنعُهُ، فإنْ نَزَلَ؛ فإنَّ الدعاءَ يُخَفِّفُ آلامَ ذلك البلاءَ، ويُضْعِفُهُ؛ فهو سلاحُ المؤمنِ في أحوالِه كُلِّها.
والدعاءُ الاِبْتِهالُ إلى اللهِ بسؤالِهِ الخيرَ الذي يُؤَمِّلُهُ العبدُ، والاستعاذةُ به من كُلِّ ما يُؤذيه، ويُؤْلِمُهُ.
وللدعاءِ شأنٌ عظيمٌ؛ فقد جاءَ في القرآنِ العزيزِ حَثٌّ عليه في مواضعَ، فأولًا أخبرَ اللهُ جَلَّ وعلا عن قُرْبِهِ من داعيه، ترغيبًا للعبادِ في دُعائه، والالتجاءِ إليه (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة:186]،
وأَمَرنا ربُّنا بدعائه، وتَوَعَّدَ المُعرِضين عن دعائه بعقابه الأليمِ؛ فقال: (وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) [غافر:60]، وأمرَنا جَلَّ وعلا أن نَدعوَهُ تّضَرُّعًا وخِيفَةً (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ* وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنْ الْمُحْسِنِينَ) [الأعراف:-5756]،
وأمرَ بالإخلاصِ بالدعاءِ؛ فقال: (فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [غافر:65].
وفي سُنَّةِ مُحمدٍ صلى اللهُ عليه وسلم حَثٌّ على الدعاءِ، وترغيبٌ فيه، ففي حديثِ النعمانِ بنِ بشيرٍ أنه صلى اللهُ عليه وسلم قال: "الدعاءُ هو العبادةُ"، فالداعي للهِ عابدٌ للهِ؛ لأنه يَعتقِدُ أنَّ النَّفعَ والضُّرَّ بِيَدِ اللهِ وحدَهُ، وأنَّ الدعاءَ لا يليقُ إلا باللهِ،
وقال أبو هريرة: قال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: "ليسَ شيءٌ أكرمَ على اللهِ من الدعاءِ"، وأخبرَنا نبيُّنا صلى اللهُ عليه وسلم أنَّ من لم يدعُ اللهَ يغضبِ اللهُ عليهِ؛ فقال صلى اللهُ عليه وسلم: "مَن لم يدعُ اللهَ يغضبْ عليه" فإذا أعرضت عن دعاء الله غضب الله عليك، وأخبرَنا صلى اللهُ عليه وسلم أنَّ كُلَّ دعوةٍ ندعوها إلى الله، كُلَّ دعوةِ نَرفعُها إلى اللهِ؛ فإنها تنفعُ عاجلًا أو آجلا؛ فقال صلى اللهُ عليه وسلم: "ما مِن مسلمٍ يدعو اللهَ بدعوةٍ ليس فيها إثمٌ، ولا قطيعةُ رَحِمٍ إلا أعطاه اللهُ بها إِحدى ثلاثٍ: إمَّا أن يُعَجِّلَ له بالدنيا، وإمَّا أن يَدَّخِرَها له في الآخِرَةِ، وإمَّا أن يصرفَ عنه من السوءِ مثلَها"، وأخبرنا صلى اللهُ عليه وسلم عن كمالِ كَرَم ربِّنا، وكمالِ حيائِه من داعِيهِ؛ فقال: "إنَّ رَبَّكم حَيِّيٌ كريمٌ، يَستحِي مِن عبدِه إذا رفعَ يَدَيْهِ أن يَرُدَّها صِفرًا"، وأخبرنا صلى اللهُ عليه وسلم أنَّ الدُّعاءَ يَنفعُ ممَّا نَزَلَ، وممَّا لم يَنْزِلْ، قال ابنُ عمرَ: قال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: "الدعاءُ يَنفعُ ممَّا نَزَلَ، وممَّا لم يَنْزِلْ".
فادعُ ربَّك، والْتجِئْ إليه، واعرِفْ كمالَ حاجتِك، وكمالَ فقرِكَ، وكمالَ اضطِرارِك إلى ربِّك مهما نِلْتَ مِن المالِ أو الجاهِ، أو نِلْتَ مِن القُوَّةِ؛ فأنت فقيرٌ بذاتك إلى ربِّك، والله غنيٌ عَنك.
وهذا الدعاءُ لا بُدَّ أن يَنضَبِطَ بالضوابِطِ الشَّرعيَّةِ، فأوَّلًا الإخلاصُ للهِ بالدُّعاءِ؛ فإنَّ اللهَ يقولُ: (فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) [غافر:65]، بأن تُخلِصَ دعاءَك للهِ، وأنْ تُعَظِّمَ اللهَ، وتعتقِدَ حَقًّا أنَّ الدعاءَ لا يليقُ إلا لله، وأنَّ دعاءَ غيرَ اللهِ ضلالٌ وكفرٌ، ولهذا قال الله معاتبًا لهؤلاء: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ) [الأحقاف:5]،
وقال: (إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ) [فاطر:14]، فغيرُ اللهِ لا يملكُ نَفعًا ولا ضَرًّا، ولا حياةً، ولا نُشورًا، وأن يكونَ دعاؤُك على الوِفقِ الشرعيِّ بأن لا تدعُوَ بإثمٍ أو قَطيعةِ رحمٍ، أو عُدوانٍ في الدُّعاءِ فتسألُ ما لا يليقُ سؤالُه، وأن تكونَ في دعائِك موقِنًا بأنَّ اللهَ يسمع ُكلامَك، ويرى مكانَك، ويعلمُ سِرَّك وعلانيتَك، لا يَخفى عليه شيءٌ من ذلك، في الحديث: "اُدعوا اللهَ، وأنتم موقِنونَ بالإجابةِ"؛ بأنك تسأل كريمًا جوادًا مُتفضِّلًا مُحسنًا؛ فكُنْ على يقينٍ في دعائِك، أنَّ الدعاءَ لا يَضُرُّ ولا يضيعُ، بل هو مُحتَفَظٌ وحاصلُ خيرٍ بإذن اللهِ، وأنْ يكونَ دعاؤُك بقلبِكَ ولِسانك؛ فلا تدعُ بلسانِك وقلبُك غافلٌ، ففي الحديثِ "فإنَّ اللهَ لا يستجيبُ الدعاءَ مِن قلبٍ غافلٍ لاهٍ"، ولا بُدَّ أن تُقَوِّيَ العزيمةَ في دعائك، تَعزِمُ في الدعاءِ؛ فلا تُعَلِّقْهُ بمشيئةٍ، بل ادعُ اللهَ دعاءً صادقًا، جادًّا في دعائك، يقولُ صلى اللهُ عليه وسلم: "لا يَقُلْ أحدُكم اللَّهمَّ اِغفِرْ لي إن شئتَ، اللَّهمَّ اِرْحَمْني إن شِئتَ، لِيَعْزِمِ المسألةَ -بمعنى أن يقول رب اغفر لي-؛ فإن اللهَ لا مُكرِهَ له، وإنَّ اللهَ لا يَتَعاظَمُهُ شيءٌ أعطاه"، (يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) [الرحمن:29]،
وفي الحديث القُدْسي: (يا عِبادي لو أنَّ أَوَلَّكم وآخِرَكم وإِنسَكُم وجِنَّكُم قاموا في صعيدٍ واحدٍ، فسألوني؛ فأعطيتُ كُلًّامسألتَه ما نقصَ ذلك مِمَّا عندي إلا كما يَنقُصُ المِخْيَطُ إذا أُدخِلَ البحرَ).
وهذا الدعاءُ قد يَعتَريه مانعٌ يمنعُ إجابةَ الدعاءِ، ويَحولُ بينك وبينَ سماعِ اللهِ لدُعائك، وهذه الموانعُ يَجِبُ على المسلمِ البعدُ عنها، حتى يكونَ دعاؤُهُ مُستجابًا بتوفيقِ اللهِ، فمِن أسبابِ مَنعِ الدعاءِ، من أسبابِه أكلُ الحرامِ، تَعاطي الحرامِ، في مَطْعَمِك، وفي مَلْبَسِك، وفي نَفَقاتك كُلِّها؛ فلا بُدَّ للدَّاعي أن يُطَهِّرَ مَكاسِبَه مِن الحرامِ، حتى يَستجيبَ اللهُ دعاءَه، واللهُ جَلَّ وعلا أمرَنا بأكلِ الحلالِ والطيِّبِ قبلَ الدُّعاءِ؛ لأنَّ أكلَ الحلالِ قوةٌ للقلبِ، قُوَّةٌ للإيمانِ في القلب، والتَّعَلُقِ في الله، وأكلَ الحرامِ يُضعِفُ الدُّعاءَ في القلبِ؛ فيدعو اللهَ دعاءَ لاهٍ غافلٍ، يقولُ صلى اللهُ عليه وسلم: "إنَّ اللهَ طَيِّبٌ لا يَقبلُ إلا طَيِّبًا"،
وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين؛ فقال: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً) [المؤمنون:51]،وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) [القرة:172]، "ثم ذكرَ النَّبِيُّ صلى اللهُ عليه وسلم الرَّجلَ الذي دعا اللهَ -وهو يأكل حرام- فقال صلى الله عليه وسلم: "ذكر الرَّجلَ يُطيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَهُ للسماءِ: يا رَبِّ، يا رَبِّ، يا رَبِّ، قال: "ومَأكلُه حرامٌ، ومَلبسُه حرامٌ، وغُذِّيَ بالحرامِ؛ فأنَّى يُستجابُ لذلك؟".
أسبابُ الإجابةِ: كونُه مسافرًا ودعوته مستجابة، كونُهُ مُضطرًّا ومُتضَرِّعًا بين يديِ اللهِ، رافعًا يديه، لكنْ مَنَعَ تلك الأسبابَ أكلُ الحرامِ، حالَ بين الدُّعاءِ وبين وُصولِهِ، حال بين الدعاءِ وبينَ آثارِهِ؛ فاتَقِّ اللهَ أيُّها المسلمُ، اِحْذَرْ أكلَ الحرامِ، مهما استطعتَ، اِحذَرْ أن تكونَ في أموالك رِبًا، واحذَرْ أن يكونَ في مَكاسِبِك رِشوةٌ تَأخُذُها مِن صاحِبِ حَقٍّ بلا حَقٍّ، واحذَرْ أن يكونَ في أموالك أثمانُ مُحَرَّماتٍ، وعِوَضُ مُحَرَّماتٍ، تعلمُ أنها حرامٌ، مِن مُخَدِّراتٍ، ومُسكِراتٍ، وأيُّ بيعٍ حََّرَمَهُ الشارعُ؛ فَاحذَرْ مِنهُ؛ لكي يكونَ لِدُعائِكَ أثرٌ؛ فإنك إن انغمستَ في الحرامِ أضعفَ سَيْرَ قلبِك إلى اللهِ وضَعُفَ القلبُ؛ فلم يكنْ مُقْبِلًا على اللهِ بدعائه.
ومن موانعِ الدعاءِ الاستعجالُ في الدعاءِ، الاستعجالُ في طلبِ الإجابةِ، أنت أيُّها المسلمُ أُمِرْتَ بالدُّعاءِ فادعُ اللهَ، وكِلْ أَمْرَ الإجابةِ إليه؛ فهو يَعلمُ ما يُصلِحُك، وهو أرحمُ بك من رحمةِ أُمِّكَ بك؛ فلا تَظُنْ ذلك بُخلًا منه، تعالى عن ذلك علوًا كبيرا، لكنَّهُ الحكيمُ العليمُ في كُلِّ ما يَقْضي ويُقَدِّرُ عليك، عليكَ أن تدعوَ، وكِلْ أَمْرَ الإجابةِ زَمَنَها وقَدْرَها إلى اللهِ؛ فهو أعلمُ بما يُصْلِحُك وأعلمُ بما يَنفَعُك مِمَّا يَضُرُّك، ولذا يقولُ صلى اللهُ عليه وسلم: "يُستجابُ لأحدِكم ما لم يدعُ بإثمٍ أو قطيعةِ رحمٍ ما لم يَعْجَلْ"، قال: "يقولُ دعوتُ فلم يُسْتَجَبْ لي؛ فَيَتَحَسَّرُ عِندَ ذلك، ويَدَعُ الدعاءَ"، يا أخي لا، ادعُ اللهَ، وواصِلْ الدُّعاءَ ليلًا ونهارًا، إن لم تُقْضَ الحاجةُ؛ فهناك فائدةٌ: كمالُ التَّعَلُّقِ باللهِ وكمالُ الافتقارِ إلى اللهِ؛ فتلك عبوديةٌ عظيمةٌ، قال شيخُ الإسلامِ -رحمه الله- : "وكثيرٌ من الناس يَغْفَلُ عن هذا، ويجعلُ غايتَهُ من دُعائه تحقيقَ طَلَبِهِ العاجلِ، ولا يعلمُ هذا أنَّ دُعاءَه وافتِقارَهُ إلى اللهِ، واستمرارَهُ عِبادةٌ عظيمةٌ، خيرٌ من حاجتِه التي تُقْضَى".
وليكنِ الدعاءُ بقلبٍ حاضرٍ؛ يَتَواطَأ القلبُ واللسانُ عليه، واحذرْ أن تدعوَ بإثمٍ أو قطيعةِ رَحِمٍ؛ فإنَّ ذلك من الأمورِ المُحَرَّمةِ، أو تَعتدِيَ بِدعائك؛ فليكنْ دعاؤُك دعاءَ خيرٍ، فيه لك منفعةٌ، واسْتَخِرِ اللهَ في أمورِك كُلِّها.
ولا بُدَّ في دُعائك مِن أن تَتَأَدَّبَ بالآداب الشرعية، فمِن أعظمِ آدابِ الدعاءِ أن تُقَدِّمَ بينَ دُعائك حَمْدَ اللهِ والثناءَ عليه، ثمَّ الصَّلاةُ على مُحَمَّدٍ صلى اللهُ عليه وسلم، ثمَّ تدعو اللهَ بما شِئْتَ، ثمَّ تَخْتِمُهُ بالصَّلاةِ على مُحَمَّدٍ صلى اللهُ عليه وسلم، سَمِعَ النَّبِيُّ صلى اللهُ عليه وسلم رجلا يَدعو في سجودِه، ولم يَحْمَدِ اللهَ، ولم يُصَلِّ على نبيه، فدعاهُ؛ فقال: "عَجِلَ هذا، إذا أرادَ أحدٌ أن يدعوَ؛ فليحمدِ اللهَ، وليُصَلِّ على نبِيِّهِ، ثم لِيَدعو"، وسَمِعَ رجلًا ساجدًا يَدعو اللهَ، مَجَّدَ اللهَ، وصَلَّى على نبيِّه؛ فقال: "اُدْعُ يُسْتَجَبْ لك".
ولا بُدَّ مِن أن تختارَ الأدعيةَ النبويَّةَ، فالنبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم سَمِعَ داعيًا يقولُ: "اللهمَّ إني أسأَلُك بأنِّي أشهدُ أنَّك أنتَ اللهُ، لا إلهَ إلا أنت، الأحدُ الصَّمَدُ، الذي لم يَلِدْ ولم يُولَدْ، ولم يكن له كُفُوًا أحدٌ"، قال: "سَأَلَ اللهَ باسمِهِ"، وسمع رجلًا يقول: "اللهمَّ إنِّي أسأَلُك بأنَّ لك الحمدُ، المَنَّانُ، بديعُ السمواتِ والأرضِ، ذا الجلالِ والإكرامِ" فقال: "لقدْ سألَ اللهَ باسمِهِ الأعظمِ، الذي مَن دعاه به أجابَهُ، ومَن سألَهُ أعطاهُ"، وقال: "أَلِّظو بيا ذا الجلالِ والإكرامِ".
واحْذَرْ أن تدعوَ على نفسِكَ، أو على مالِك، أو على ولدِك، أو على زَوجَتِكَ، اِحْذَرْ ذلك، فَرُبَّما وافَقْتَ ساعةَ فيستجابُ الدعاء؛ فتخسرُ خسارةً عظيمةً.
سَمِعَ النبِيُّ صلى اللهُ عليه وسلم رجلًا يلعنُ ناقتَهُ؛ فقال: "خلِّ سبيلَها، لا تَصْحَبْنا ناقةٌ ملعونةٌ"، ثم قال: "لا تَدعوا على أنفُسِكم، ولا على أولادِكُم، ولا على أموالِكم؛ فوافقوا مِن اللهِ ساعةَ إجابةٍ".
قدْ يُغضبُك ولدُك، وقد تُغضِبُك زوجتُك، وقد وقد، لكن تَحَمَّلْ، واجْعَلْ عِوَضَ الدُّعاءِ عليهم دعاءَ اللهِ لهم، اِجْعَلْ عِوَضَ الدُّعاءِ عليهم، دعاءَ اللهِ لهم، لا تأخُذْكَ الحَمِيَّةُ الجاهليَّةُ؛ فتَلَعَنَ وتَسُبَّ وتدعوَ على هذا بالهلاكِ، وتندمَ ولا ينفعُك النَّدَمُ، اِجْعَلْ دعاءَكَ على أولادِكَ دعاءً لهم، ودعاءَكَ على مالِك، دعاءَ اللهِ بالحِفْظِ وهكذا.
أيُّها المسلمُ، ولا بُدَّ مِن آدابِ الدُّعاءِ مِن أن يكونَ دعاؤُك للهِ عامًا، في رَخائك وشِدَّتِك، فمن دعا اللهَ في الرَّخاءِ، ودعاه في الشِّدةِ كان ذلك أقربَ للإجابةِ، يقولُ صلى اللهُ عليه وسلم: "تَعَرَّفْ إلى اللهِ في الرَّخاءِ يعرِفْك في الشِّدَةِ"، ولمَّا دعا ذو النونِ في ظُلُماتِ البِحارِ (أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ) [الأنبياء:87]، قالت الملائكةُ: "ربَّنا صوتٌ معروفٌ مِن مكانٍ غريبٍ قال: (ذاك عبدي ذو النون)"، قال اللهُ: (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ) [الأنبياء:87]، قال اللهُ: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنْ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) [الأنبياء:88]، (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِي الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) [الأنبياء:83]، قال اللهُ: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) [الأنبياء:84]، وزكريا يقول: (رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ) [الأنبياء:89]، قال الله: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ) [الأنبياء:90] وإبراهيم يقول: (رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ* وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ* وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ) [الشعراء:83] ويقول: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ* رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ) [إبراهيم:41].
فكنْ يا أخي داعيًا لربِّك، واثقًا بِوعدِهِ، مُلتجِئًا إليه، مُضطَرًّا إليه، تائِبًا له من خَطاياك وذنوبك، سائِلَهُ المَغفِرَةَ والعَفْوَ والعافيةَ، في الدُّنيا والآخِرَةِ، داعيًا لأولادِك بالصَّلاحِ والهِدايةِ، ولوالدّيْكَ بالمَغْفِرَةِ والرِّضوانِ، ولَكَ بالثَّباتِ على الحَقِّ والاستقامةِ عليه؛ فالدعاءُ مُخُّ العِبادةِ؛ فَلْنَدْعُو اللهَ بقلوبٍ وألسنةٍ حاضرةٍ، وألسنةٍ ذاكرةٍ، تلهجُ بالدُّعاءِ بيقينٍ جازِمٍ أنَّ اللهَ على كُلِّ شيءٍ قديرٌ (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [يس:82]، (إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [النحل:40]؛ فَأَلِحَّ على اللهِ بالدعاءِ، وأَظْهِرْ كمالَ الفاقةِ والحاجةِ والاِضطِرارِ إليهِ، لا تَغُرَنَّكَ دُنياكَ، ولا عافيتُك، ولا جاهُك، اِعلَمْ أنك فقيرٌ بذاتك، وأنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنك، كَلَّما دعوتَ ربَّك، وتَضَرَّعْتَ إليه، وسألتَه قَرَّبَكَ وأَدْناك، وكُلَّما أَعْرَضْتَ عن دُعائه غَضِبَ عليك، وعاقَبَك، يقولُ اللهُ: (يا ابنَ آدمَ إنَّكَ ما دَعَوْتَنِي ورَجَوْتَنِي، غَفَرْتُ لك على ما كان مِنكَ ولا أُبالِي، يا ابنَ آدمَ لو بَلَغَتْ ذنوبُك عَنان السَّماءِ، ثُمَّ اِسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لك، يا ابنَ آدمَ لو أَتَيْتَنِي بِقُرابِ الأرضِ خَطايا، ثُمَّ لَقِيتَنِي لا تُشرِكُ بي شيئًا لَأَتَيْتُك بِقُرابِها مَغْفِرَةً).
اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لنا، ولِأَمواتِنا، لِآبائِنا وأُمَّهاتِنا، وأَصْلِحْ ذُرِّياتِنا، واجْمَعْ قلوبَنا على طاعتَك، وأَعِذْنا من شرورِ أنفُسِنا وأَمِّنَّا من كُلِّ مكروهٍ؛ إنَّك على كُلِّ شيءٍ قديرٌ،
للشيخ/ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ المفتي العام للمملكه العربيه السعوديه