ابو محمد الدعجاني
17-Mar-2010, 11:32 AM
زواج المتعة
الكاتب : عثمان الخميس
بسم الله الرحمن الرحيم
إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهد الله فهز المهتدي ومن يضلله فلن تجد له ولياً مرشداً . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله . {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون}، { يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجال كثيراً ونساء ، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إنّ الله كان عليكم رقيبا} ، {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً ، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً}.
ثم أما بعد ، فإنّ الله تبارك وتعالى يقول في كتابه العزيز {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إنّ في ذلك لآيات لقوم يتفكرون}.
فالأسرة هم الأم للعالم الإنساني الكبير تكونت من رجل واحد ثم خلق الله تبارك وتعالى منه زوجه ، ومن ثم كون الله جل وعلى منهما الأسرة.
قال جل ذكره { يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منها رجالاً كثيراً ونساء ، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا }.
ففي الزواج يكون بناء الأسرة ومن ثم بناء المجتمع ، قال جل ذكره {وهو الذي خلق من الماء بشراً فجعله نسباً وصهراً}.
لذا حث الإسلام على تكوين الأسرة ، في الكتاب والسنة ، وكلامنا هنا عن المتعة التي هي اتفاق بين رجل وامرأة، على أن يجامعها مقابل مبلغا من المال ثم يتركها بعد ذلك.
إنّ المتعة لا ينبني عليها نظام المجتمع إلا إذا كان مجتمعا شيوعيا يشترك رجاله في نسائه . فلا ينبني على قواعده بيت ولا أسرة ولا يقوم على عمودها نسب أبدا . إن أقل رجل على وجه الأرض لا يرضى أن يتمتع أحد بأخته أو ابنته، فكيف يستحلها الفقيه في بنات الأمة؟!! إنّ الله جل وعلا جعل الدنيا كلها للإنسان ، فكيف جعل هؤلاء القوم متاعا للآخرين.
لقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن لعن المحلل والمحلل له ، لا لشيء إلا لأنه مجرد استمتاع بين رجل وامرأة. إنهم يحسبون أن المتعة خير العبادات وأفضل القربات ، ويوردون في فضلها كما سيأتي أخبارا كثيرة . وإذا تأمل العاقل في أصل المتعة يجد فيها مفاسد مكنونة كلها تعارض الشرع ،وسنأتي لذكرها إنشاء الله تبارك وتعالى.
ولا شك أنّ من جعل المتعة حلية لأهل البيت أو شعارا للأئمة يكون قد أهانهم وافترى عليهم ، وكما قيل عدو عاقل خير من صديق جاهل . فهل يليق بالمرأة المسلمة التي أكرمها الله تبارك وتعالى أن تقضي أوقاتها بين أحضان الرجال، باسم شريعة محمد صلى الله عليه وآله وسلم؟!
إنّ الإسلام جاء ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، ومن الرذيلة إلى الفضيلة ، وظاهر امرأة المتعة أنها في كل شهر تحت صاحب بل في كل يوم في حجر ملاعب.
إننا لا نجد فرقا بين المتعة ودورها ، وبين دور العهر التي ترى في بلاد الكفر في أوروبا وأمريكا ، إلا في شيء واحد فقط ، ألا وهو أن دور العهر هناك يحميها القانون وينظمها ، وهذه المتعة يحميها كما زعموا شريعة محمد صلى الله عليه وسلم . ولا شك أن هذا كذب على شريعة محمد صلى الله عليه وسلم . نعم كانت المتعة مباحة في وقت ما ، ثم حرمت تحريما أبديا كما هو الحال بالنسبة للخمر ، ولكن فرقة واحدة من الفرق التي تنتسب إلى الإسلام أبت القول بنسخ المتعة ، وما زالت على القول بحليتها.
وقد أجمع جميع من ينتسب إلى الإسلام على حرمة المتعة ، حتى فرق الشيعة خالفت هذه الفرقة المحلة . فقالت الإسماعيلية والزيدية من الشيعة والخوارج وأهل السنة من باب أولى كل هؤلاء قالوا بتحريم المتعة ، ولم يقل بإباحتها إلا فرقة واحدة وهي الإثناعشرية . وهؤلاء جميعا الإسماعيلية والزيدية والإثناعشرية والخوارج كل هؤلاء لا يؤثر خلافهم في إجماع أهل السنة ولا يلتفت إلى خلافهم أبدا ، ولكن من باب البيان أن هذه الفرقة شذت عن جميع الفرق التي تنتسب إلى الإسلام بالقول بحلية المتعة.
أدلة تحريم المتعة تدور بين ثلاثة:
الكتاب والسنة والإجماع ، ثم إن شئتم بعد ذلك أن تقولوا وكذا العقل الصريح الصحيح يدل دلالة أكيدة على تحريم المتعة كما سيأتي بيانه إنشاء الله تبارك وتعالى.
أما من الكتاب فقول الله تبارك وتعالى {والذين هم لفروجهم حافظون، إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين ، فمن ابتغى وراء فأولئك هم العادون}. فذكر الله تبارك وتعالى أن المباح الزوجة وملك اليمين . وأما ما بعد ذلك فهو كل من أراده فهو عاد ، ولذلك قال تعالى {فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون} . وقال جل ذكره { وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين}.
والمتعة هي سفاح بلا شك ، ولذلك هي لا تحصن صاحبها كما سيأتي أيضا بيانه إنشاء الله تبارك وتعالى . وقول الله تبارك وتعالى {ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فم ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات} فكيف بالله عليكم ينهى الله جل وعلى على نكاح الأمة ثم يرشد سبحانه وتعالى من لا يستطيع النكاح على أن ينكح الأمة مع أن نكاح الأمة أغلى بكثير من نكاح المتعة ، فلا شك لو أرشده الله إلى المتعة لكان ذلك أولى –لو كانت المتعة حلالا. ولكن لما أرشده الله تبارك وتعالى إلى ملك اليمين بعد عجزه عن الزواج فدل على أنه لا متعة . وكذلك قول الله تبارك وتعالى{ وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله}. ولم يقل وليستمتع ، مع أن كلمة ليستعفف على وزن كلمة ليستمتع . ولكن الله تعالى قال{ وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله} ولم يقل الله تبارك وتعالى وليستمتع مع أن المتعة لا تكلف شيئاً. قد جاء في روايات الشيعة أن المتعة يكون مهرها كف من بر!!
لذلك عن الأحول قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أدنى ما يتزوج به المتعة؟ قال: كف من بر!! رواه الكليني في الكافي ج5 ص 457.
أما من السنة فعن على بن أبي طالب قال: إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر. أخرجه البخاري ومسلم.
وعن الربيع بن ثبرة عن أبيه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نكاح المتعة عام الفتح. أخرجه مسلم.
وعن سلمة بن الأكوع قال: رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في متعة النساء عام أوطاس ثلاثة أيام ثم نهى عنها. أخرجه مسلم.
وعن الربيع بن ثبرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أيها الناس إني قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء ، وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة ، فمن كان عنده منهن شيئا فليخل سبيله ولا تأخذوا من ما آتيتموهن شيئا. أخرجه مسلم.
وكذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أن قال: يا معشر الشباب ، من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وِجاء . ولم يرشد النبي إلى المتعة صلوات الله وسلامه عليه.
وكذلك جاء عن جعفر الصادق وهو جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أنه سأل عن المتعة فقال: هي الزنى بعينه. أخرجه البيهقي في الجزء السابع ص 207.
وأما الإجماع، فقد نقل الإجماع على تحريم المتعة الإمام النووي والمازري والقرطبي والخطابي وابن المنذر والشوكاني وغيرهم. كل هؤلاء نقلوا إجماع المسلمين على أن المتعة حرام . كما قلنا قبل قليل إن فرقة واحدة هي التي قالت بحلية أو بجواز أو ببقاء حكم المتعة إلى يومنا هذا وهم الشيعة الإثناعشرية . واستدل الشيعة بأدلة نذكرها ثم نردها مفصلة إنشاء الله تبارك وتعالى. استدلوا أولا بآية النساء ، وهي قول الله تبارك وتعالى {فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة }. قالوا: بدلالة قوله تعالى فما استمتعتم وبدلالة قوله أيضا فآتوهن أجورهن وبدلالة قراءة قرأها عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب وهي: {فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى }. فهذا دليلهم الأول.
أما دليلهم الثاني فاستدلوا بأحاديث عن أهل البيت ، أي قالوا: جاءت روايات عن أهل البيت فيها جواز المتعة ، ونخن متعبدون برواياتهم . فمنها عن علي (ع) قال: لولا ما سبقني به ابن الخطاب ما زنى إلا سقي. أخرجه صاحب الوسائل-وسائل الشيعة 21/5
وفي رواية ما زنى إلا شفي (أي إلا قليل جدا من الناس). وعن الصادق قال: ليس منا من لم يؤمن بكرتنا ولم يستحل متعتنا. وهذا أيضا أخرجه صاحب الوسائل في الجزء 21 ص8
وعن محمد بن مسلم قال: قال لي أبو عبد الله: لا تخرج من الدنيا حتى تحيي السنة –أي المتعة ! أخرجه أيضاَ صاحب الوسائل 21/15
واستدلوا كذلك بأن المتعة إنما ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم وحرمها عمر – هكذا زعموا . واستدلوا كذلك باعتماد أهل السنة على نسخ آية المتعة بآية المؤمنون أو آية المعارج التي ذكرناها قبل قليل وهي قول الله تبارك وتعالى {والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين. فمن ابتغى وراء فأولئك هم العادون}. هذه آية المعارج مكية ، وآية المؤمنون كذلك مكية ، وآية النساء مدنية ، فكيف تنسخ المكية المدنية؟ يعني يقولون أن آية المتعة متأخرة عن آية النهي عنها ، فكيف يكون الناسخ متقدما على المنسوخ؟
واستدلوا كذلك بان أدلة تحريم المتعة مضطربة . يعني أنهم –أي يقصدون السنة-مرة يذكرون أن المتعة حرمت يوم خيبر ، ومرة يذكرون أنها عام أوطاس ومرة يذكرون أنها عام الفتح ، ومرة يذكرون أنها حرمت في حجة الوداع ، ومرة في الحديبية ، ومرة يذكرون أنها حرمت مرتين ومرة يذكرون حرمت مرة واحدة ومرة يذكرون حرمت ثلاث مرات . يقولون: هذا الاضطراب دليل على أن الأحاديث موضوعة وأنه لم يثبت في هذا شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم. هذه تقريبا مجمل أدلة الشيعة على جواز المتعة ، ثم أضف إلى هذا إن شئت وهو قولهم أن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا قد تمتعوا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته في خلافة أبي بكر وجزءا من خلافة عمر حتى نهى عنها عمر رضي الله تبارك وتعالى عنه كما سيأتي تفصيله إنشاء الله تعالى.
أما استدلالهم بآية النساء ، فيجب على المسلم حقيقة قبل أن يتكلم في كتاب الله تبارك وتعالى أن يرجع في هذا إلى علماء التفسير وما قالوه في كتاب الله جل وعلى . ثم كذلك لا بد أن ينظر إلى سياق الآيات وإلى ما سبق وما لحق. إن آية النساء التي يستدلون بها وهي قول الله تبارك وتعالى { فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة }. لو قرأ الإنسان ما قبلها وقرأ أنها ليست في نكاح المتعة في شيء أبداً.
إنّ الله تبارك وتعالى ذكر المحرمات من النساء فقال جل ذكره { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف، إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا} ثم قال جل ذكره {حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائكم اللاتى في جحوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن ، فإن لم تكونوا قد دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم وان تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف ، إن الله كان غفورا رحيماَ. والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم وأحل ما وراء ذلك أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة} .
فالآيات كلها في النكاح الصحيح ، ولذلك لما ذكر الله تبارك وتعالى المحرمات : الأم والبنت والأخت والعمة والخالة وبنت الأخ وبنت الأخت والأم من الرضاعة والأخت من الرضاعة وأم الزوجة وبنت الزوجة والربيبة وزوجات الأبناء الذين من الأصلاب ثم ذكر الجمع بين الأختين ثم ذكر نساء الناس-زوجة الغير –وأنها محرمة بعد ذلك قال تعالى: وأحل لكم ما وراء ذلكم . فالكلام كله في النكاح الصحيح ، وليس في المتعة في شيء ، وليست الآية في المتعة ، ولذلك انظروا إلى قول الله تبارك وتعالى { فما استمتعن به منهن فآتوهن أجورهن فريضة ، ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة ، إن الله كان عليما حكيما } . انظروا إلى قول الله تبارك وتعالى{ والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين } وقفوا عند قوله تعالى {محصنين}. لو كانت الآية في المتعة لما قال الله {محصنين} لأن المتعة لا تحصن ، حتى عند الشيعة المتعة لا تحصن. فلو كانت الآية في المتعة ما قال: { محصنين } لأنها لا تدخل في الإحصان. ولذلك هذه الرواية عندهم عن إسحاق بن عمار قال: سألت أبا إبراهيم عليه السلام (موسى الكاظم) عن الجل إذا هو زنا وعنده الأمة يطأها ، تحصنه الأمة ، قال: نعم . قال: فأن كانت عنده امرأة متعة أتحصِّنُهُ ، قال: لا ، إنما هو على الشيء الدائم عنده. وهذا في وسائل الشيعة ج28 ص 68.
فالآية إذن ليست في المتعة ، وإنما هي في النكاح الصحيح ، بدلالة ما قبلها ، أنها ذكرت في المحرمات ، فذكر الله تبارك وتعالى ما يحل ، ثم بدلالة قول الله تبارك وتعالى { محصنين } ، والمتعة كما قلنا لا تحصن إنما الذي يحصن هو النكاح الشرعي بدلالة قولهم هم ، ولذلك لا يجد الشيعة أبدا جوابا عن هذه الآية ولا يجدون أبدا مفرا من قول الله تبارك تعالى {محصنين} ، فلا يجدون إلا أن يقولوا إنها لا تحصن ولكن هذه الآية في نكاح المتعة! عناد محض ، وليس بعد العناد شيء ، وإذا كان الكلام مع معاند ولذلك يقول الإمام الشافعي الهاشمي رحمه الله تعالى : ما نظرني عاقل إلا غلبته وما ناظرني جاهل إلا غلبني.
لأنّ المسألة إذا كانت تؤخذ بالعناد فالأمر لا يكون بعده نقاش أبدا . ثم كذلك ما يأتي بعدها وهو قول الله تبارك وتعالى {ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم } ولم يرشد إلى المتعة أبداً ، إنما ذكر أن من لم يستطع أن ينكح المحصنات المؤمنات فعليه أن يتزوج ملك اليمين . أما قراءة: إلى أجل مسمى ، فإن هذه القراءة غير صحيحة وهي قراءة شاذة ، لا هي من السبع ولا هي من العشر. ثم إن الشيعة أصلا لا تعترف بالقراءات حتى تستدل بهذه القراءة . وذلك أن عن الفضيل بن يسار قال : قلت لأبي عبد الله (ع): إنّ الناس يقولون إن القرآن نزل على سبعة أحرف . فقال: كذبوا أعداء الله ولكنه نزل على حرف واحد من عند واحد. الكافي ج2 ص 630
وأما علماء التفسير الذين تكلموا عن هذه الآية فإنهم قالوا إن الآية في النكاح الشرعي وليست في المتعة وهذا قول الطبري والقرطبي وابن العربي وابن الجوزي وابن عطية والنسفي والنيسابوري والزجاج والألوسي والشنقيطي والشوكاني وغيرهم …كل هؤلاء قالوا إنّ الآية في النكاح الشرعي وليست في المتعة.
ولذلك قال ابن الجوزي: قد تكلف قوم من مفسري القراء فقالوا : المراد بهذه الآية نكاح المتعة ، ثم نسخت بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن متعة النساء.
فقال ابن الجوزي معقباً: وهذا تكلف لا يحتاج إليه ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز المتعة ثم منع منها ، فكان قوله منسوخ بقوله وأما الآية فإنها لم تتضمن جواز المتعة أبدا ، لأنه تعالى قال فيها { أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين } فدل ذلك عن النكاح الصحيح . ا.هـ زاد المسير ج1 ص53.
وقال الإمام الشنقيطي : فالآية في عقد النكاح لا في نكاح المتعة كما قال به من لا يعلم معناها . أضواء البيان في تفسير هذه الآية .أما ذكر الاستمتاع في الآية ، وهي قوله تبارك وتعالى : { فما استمتعتم به منهن } فإن المقصود به النكاح الصحيح ، وهو استمتاع أيضا ، حتى النكاح الصحيح يسمى استمتاعا . وذلك أن الله تبارك وتعالى ذكره بعد النكاح المحرم ، ذكر النكاح الصحيح سبحانه وتعالى . ولفظ الاستمتاع كما قال الأزهري يقول: المتاع في اللغة : كل ما انتفع به فهو متاع.
وأما قول الله عز وجل في سورة النساء بعقب ما حرم من النساء وقال {وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين} أي عاقدي النكاح الحلال غير زناة . فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة ، فقال: إنّ الزجاج قال: إن هذه الآية غلط فيها قوم غلطا عظيما لجهلهم باللغة وذلك أنهم ذهبوا إلى قوله فما استمتعتم به منهن –من المتعة التي قد اجمع أهل العلم أنها حرام ، وإنما معنى فما استمتعتم به منهن –أي فما نكحتم منهن على الشريطة التي جرى في الآية أنه الإحصان ، أن تبتغوا بأموالكم محصنين أي عاقدين التزويج، فآتوهن أجورهن فريضة أي مهورهن . ا.هـ لسان العرب ج8 ص 329.
وقد ذكر الله تبارك وتعالى التمتع في غير النكاح في مواضع من كتابه الكريم كما قال جل ذكره {أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها} وقال جل ذكره { فاستمتعتم بخلاقكم } وقال سبحانه { والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام } فلا يلزم من ذكر كلمة متعة أنها تكون دائما على هذا الذي زعموه وهو نكاح المتعة ، وقال جل وعلى عن كفار الأنس{ ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا } والآيات كثيرة لا مجال لذكرها كلها هنا.
وأما الأجر أنه ذكر الأجر في الآية {فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة} ، قالوا اذكر الأجر دليلا على ذكر المتعة . نقول ليس ذلك صحيحاً. وذلك أن الأجر أيضا يذكر ويراد به المهر. كما قال الله جل وعلى {والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن } وقال جل ذكره {فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن} والمتعة ليس فيها إذن الأهل. وقال جل ذكره {يا أيها إنا أحللنا لك أزواجك الذي آتيت أجورهن} أي مهورهن. وقال سبحانه {ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن}. فالأجر يذكر ويراد به المهر الذي هو النكاح الصحيح .
هذا هو دليلهم الأول. وأما دليلهم الثاني وهو قولهم إن الدليل على جواز المتعة روايات عن أهل البيت. فنقول مستعينين بالله –الرد على هذا من أوجه ، والرد على هذه النقطة بالذات تحتاج إلى تفصيل طويل لا بأس أن نطيل عليكم به.
نقول أولاً: ثبت أولا عن كثير من الأئمة الإثناعشرية –أي أئمتهم الذين يزعمون أنهم أئمتهم: علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي والحسن بن علي والمنتظر.
هؤلاء الإثناعشر الذين استدلوا برواياتهم أو بما كذبوه عليهم أن المتعة حلال كذلك جاءت عنهم روايات تنهى عن المتعة رضي الله عنهم أجمعين . منها:
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم خيبر لحوم الحمر الأهلية ونكاح المتعة. وهذا رواه الطوسي في الإستبصار الجزء 3 ص 142 ورواه صاحب الوسائل ج21 ص 12.
وعن علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن(ع) (موسى الكاظم) عن المتعة فقال: وما أنت وذاك فقد أغناك الله عنها. خلاصة الإيجاز في المتعة للمفيد ص 57 والوسائل 14/449 ونوادر أحمد ص 87 ح 199 الكافي ج5 ص 452.
وعن عبد الله بن سنان قال: سألت أبا عبد الله (ع) عن المتعة فقال: لا تدنس نفسك بها. وهذا في المستدرك(مستدرك الوسائل) ج14 ص455.وروايات أخرى تركتها لعدم الإطالة.
أنصدق الروايات التي نهت أو نصدق الروايات التي أمرت؟! ثم كذلك نقول: إنّ روايات كثيرة قد كذبت على الأئمة.
ثبت أنّ الأئمة كذب عليهم رضي الله عنهم ، فتكون الروايات التي فيها إباحة المتعة مكذوبة على الأئمة لأنهم في الأصل من علماء أهل السنة. وهم موافقون لأهل السنة في قولهم ، خاصة إذا قلنا إن أمر المتعة مجمع على تحريمه.
عن جعفر الصادق قال: رحم الله عبدا حببنا إلى الناس ، ولم يبغضنا إليهم ، أما والله لو يروون محاسن كلامنا لكانوا به أعز وما استطاع أحد أن يتعلق عليهم بشيء ولكن أحدهم يسمع الكلمة فيحط عليها عشرا . الكافي ج8 ص 192
وقال أيضاً: إن ممن ينتحل هذا الأمر (أي التشيع ) ليكذب حتى إن الشيطان ليحتاج إلى كذبه!! الكافي ج 8 ص 212 وقال كذلك: لو قام قائمنا بدأ بكذاب الشيعة فقتلهم. رجال الكشي ص 253.
وقال أيضاً: إن الناس أولعوا بالكذب علينا، وإني أحدثهم بالحديث فلا يخرج أحدهم من عندي حتى يتأوله على غير تأويله وذلك أنهم لا يطلبون بحديثنا وبحبنا ما عند الله وإنما يطلبون الدنيا . بحار الأنوار ج2 ص 246.
وهذا أحد علمائهم يشهد بهذا –محمد بن باقر البهبودي محقق كتاب الكافي وأحد علماء الشيعة – يقول: ومن الأسف أننا نجد الأحاديث الضعيفة والمكذوبة في روايات الشيعة أكثر من روايات السنة . وهذا قاله في مقدمة الكافي . فهذه شهادات الشيعة على أنفسهم ، وأما شهادات علماء أهل السنة فأشهر من أن تذكر ويكفينا من هذا قول شيخ الإسلام ابن تيمية : سبحان من خلق الكذب وأعطى تسعة أعشاره للشيعة . فالكذب عندهم كثير و لا يبعد ، بل هو الميقن وهو الأكيد أن الروايات التي فيها إباحة المتعة هي مكذوبة رحمهم الله تبارك وتعالى عليهم . ولنأخذ مثالا على ذلك. هذا رجل يقال له جابر بن يزيد الجعفي ، من أشهر رواة الشيعة. قال العاملي: روى سبعين ألف حديث عن الباقر!!!!
وهذا أبو عبد الله جعفر الصادق رحمه الله تعالى ابن الباقر يقول ماذا يقول عن أحاديث جابر ؟ يقول : والله ما رأيته عند أبي قط إلا مرة واحدة وما دخل علي قط !!! وهو يروي عن الباقر 70 ألف حجيث وعن غيره 140 ألف حديث!!!
وهذا لا شك أنه عند أهل السنة من الكذابين الذي هو جابر الجعفي . ثم كذلك ، ثبت عن كثير من علماء الشيعة أن رواياتهم متضاربة لا يمكن التوفيق بينها أبدا !!! وهذا باعترافهم.
فهذا الفيض الكاشاني يقول عن الروايات : تراهم يختلفون في المسألة الواحدة على عشرين قولا أو ثلاثين قولا أو أزيد!! بل لو شئت أقول: لم تبق مسألة فرعية لم يختلفوا فيها أو في بعض متعلقاتها. وهذا قاله في الوافي-المقدمة ص9.
وقال الطوسي(من أكبر علماء الشيعة على الإطلاق): إنه لا يكاد يتفق خبر إلا وبإزائه ما يضاده ، ولا يسلم جديث إلا وفي مقابلته ما ينافيه . وهذا قاله في تهذيب الأحكام في المقدمة.
وهذا دلدار علي (أحد علماء الشيعة العظام في الهند): إنّ الأحاديث المأثورة عن الأئمة مختلفة جداً. لا يكاد يوجد حديث إلا وفي مقابله ما ينافيه ، ولا يتفق خبر إلا وبإزئه ما يضاده !!! وهذا قاله في أساس الأصول ص51. وهو كما قال الله تبارك وتعالى {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثـيرا } . ثم تعالوا لننظر ، لأنّ الشيعة لما نظروا في هذه الروايات التي تحرم المتعة وتنهى عنها، لم يجدوا لها إلا محملين اثنين ، المحمل الأول قالوا : إن هذه الروايات غير صحيحة ضعيفة وتكلموا في بعض رجالها . وقالوا في البعض الآخر: إنها خرجت من باب التقية . فلننظر إلى كتب الشيعة وإلى علماء الشيعة ، هل للشيعة علم بالرجال ودراسة بالأسانيد أوالمصطلح ؟! حتى إذا جاءك أحدهم وقال لك: هذا حديث صحيح أو هذا حديث ضعيف أو هذا فيه فلان أو هذا ضعفه فلان ، اعلم إن هذا مجرد كلام لا يستند على أي شيء يعتمد عليه أبداً.
قال الحر العاملي: الحديث الصحيح هو ما رواه العدل الإمامي الضابط في جميع الطبقات . ثم قال : وهذا يستلزم ضعف كل الأحاديث عند التحقيق!! لأنّ العلماء لم ينصوا على عدالة أحد من الرواة إلا نادراً !! وإنما نصوا على التوثيق وهو لا يستلزم العدالة قطعا!! ثم قال : كيف وهم مصرحون بخلافها ( أي العدالة ) حيث يوثقون من يعتقدون فسقه وكفره وفساد مذهبه!!!
هذا الحر العاملي الذي هو صاحب كتاب وسائل الشيعة الذي هو من الكتب الثمانية المعتمدة عندهم !! ويقول كذلك : فيلزم من ذلك ضعف جميع أحاديثنا لعدم العلم بعدالة أحد منهم!!! الوسائل ج 30 ص 260.
وقال أيضاً: والثقات الأجلاء من أصحاب الإجماع وغيرهم يروون عن الضعفاء والكذابين والمجاهيل حيث يعلمون حالهم . ثم ماذا ؟! قال: ويشهدون بصحة حديثهم!!!! وهذا قاله في الوسائل ج 30 ص 206.
وقال أيضاً: ومن المعلوم قطعا أن الكتب التي أمروا عليهم السلام بالعمل بها ، كان كثير من رواتها ضعفاء ومجاهيل!! وهذا في الوسائل 30/244.
قلت: هذا حال رواة الشيعة ، فكيف حال أصحاب الكتب؟!! كيف حال أصحاب الكتب والمؤلفين الذين جمعوا هذه الكتب؟!!
قال الطوسي: إنّ كثيراً من المصنفين وأصحاب الأصول كانوا ينتحلون المذاهب الفاسدة وإن كانت كتبهم معتمدة !!! وهذا قاله في الفهرست ص 28 . ولنأخذ على هذا مثالاً ؛ هذا رجل يقال له ابراهيم بن إسحاق قال الطوسي في الفهرست : كان صعيفا في الحديث …متهما في دينه وصنف كتبا قريبة من السداد !!!! وهذا في الفهرست ص33.
وأما كتب الشيعة ، فأشهر كتب الشيعة فثمانية : الكافي والإستبصار والتهذيب ومن لا يحضره الفقيه والوسائل والوافي والبحار ومستدرك الوسائل. هذه يسمونها الكتب الثمانية.
يتبع
الكاتب : عثمان الخميس
بسم الله الرحمن الرحيم
إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهد الله فهز المهتدي ومن يضلله فلن تجد له ولياً مرشداً . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله . {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون}، { يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجال كثيراً ونساء ، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إنّ الله كان عليكم رقيبا} ، {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً ، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً}.
ثم أما بعد ، فإنّ الله تبارك وتعالى يقول في كتابه العزيز {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إنّ في ذلك لآيات لقوم يتفكرون}.
فالأسرة هم الأم للعالم الإنساني الكبير تكونت من رجل واحد ثم خلق الله تبارك وتعالى منه زوجه ، ومن ثم كون الله جل وعلى منهما الأسرة.
قال جل ذكره { يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منها رجالاً كثيراً ونساء ، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا }.
ففي الزواج يكون بناء الأسرة ومن ثم بناء المجتمع ، قال جل ذكره {وهو الذي خلق من الماء بشراً فجعله نسباً وصهراً}.
لذا حث الإسلام على تكوين الأسرة ، في الكتاب والسنة ، وكلامنا هنا عن المتعة التي هي اتفاق بين رجل وامرأة، على أن يجامعها مقابل مبلغا من المال ثم يتركها بعد ذلك.
إنّ المتعة لا ينبني عليها نظام المجتمع إلا إذا كان مجتمعا شيوعيا يشترك رجاله في نسائه . فلا ينبني على قواعده بيت ولا أسرة ولا يقوم على عمودها نسب أبدا . إن أقل رجل على وجه الأرض لا يرضى أن يتمتع أحد بأخته أو ابنته، فكيف يستحلها الفقيه في بنات الأمة؟!! إنّ الله جل وعلا جعل الدنيا كلها للإنسان ، فكيف جعل هؤلاء القوم متاعا للآخرين.
لقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن لعن المحلل والمحلل له ، لا لشيء إلا لأنه مجرد استمتاع بين رجل وامرأة. إنهم يحسبون أن المتعة خير العبادات وأفضل القربات ، ويوردون في فضلها كما سيأتي أخبارا كثيرة . وإذا تأمل العاقل في أصل المتعة يجد فيها مفاسد مكنونة كلها تعارض الشرع ،وسنأتي لذكرها إنشاء الله تبارك وتعالى.
ولا شك أنّ من جعل المتعة حلية لأهل البيت أو شعارا للأئمة يكون قد أهانهم وافترى عليهم ، وكما قيل عدو عاقل خير من صديق جاهل . فهل يليق بالمرأة المسلمة التي أكرمها الله تبارك وتعالى أن تقضي أوقاتها بين أحضان الرجال، باسم شريعة محمد صلى الله عليه وآله وسلم؟!
إنّ الإسلام جاء ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، ومن الرذيلة إلى الفضيلة ، وظاهر امرأة المتعة أنها في كل شهر تحت صاحب بل في كل يوم في حجر ملاعب.
إننا لا نجد فرقا بين المتعة ودورها ، وبين دور العهر التي ترى في بلاد الكفر في أوروبا وأمريكا ، إلا في شيء واحد فقط ، ألا وهو أن دور العهر هناك يحميها القانون وينظمها ، وهذه المتعة يحميها كما زعموا شريعة محمد صلى الله عليه وسلم . ولا شك أن هذا كذب على شريعة محمد صلى الله عليه وسلم . نعم كانت المتعة مباحة في وقت ما ، ثم حرمت تحريما أبديا كما هو الحال بالنسبة للخمر ، ولكن فرقة واحدة من الفرق التي تنتسب إلى الإسلام أبت القول بنسخ المتعة ، وما زالت على القول بحليتها.
وقد أجمع جميع من ينتسب إلى الإسلام على حرمة المتعة ، حتى فرق الشيعة خالفت هذه الفرقة المحلة . فقالت الإسماعيلية والزيدية من الشيعة والخوارج وأهل السنة من باب أولى كل هؤلاء قالوا بتحريم المتعة ، ولم يقل بإباحتها إلا فرقة واحدة وهي الإثناعشرية . وهؤلاء جميعا الإسماعيلية والزيدية والإثناعشرية والخوارج كل هؤلاء لا يؤثر خلافهم في إجماع أهل السنة ولا يلتفت إلى خلافهم أبدا ، ولكن من باب البيان أن هذه الفرقة شذت عن جميع الفرق التي تنتسب إلى الإسلام بالقول بحلية المتعة.
أدلة تحريم المتعة تدور بين ثلاثة:
الكتاب والسنة والإجماع ، ثم إن شئتم بعد ذلك أن تقولوا وكذا العقل الصريح الصحيح يدل دلالة أكيدة على تحريم المتعة كما سيأتي بيانه إنشاء الله تبارك وتعالى.
أما من الكتاب فقول الله تبارك وتعالى {والذين هم لفروجهم حافظون، إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين ، فمن ابتغى وراء فأولئك هم العادون}. فذكر الله تبارك وتعالى أن المباح الزوجة وملك اليمين . وأما ما بعد ذلك فهو كل من أراده فهو عاد ، ولذلك قال تعالى {فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون} . وقال جل ذكره { وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين}.
والمتعة هي سفاح بلا شك ، ولذلك هي لا تحصن صاحبها كما سيأتي أيضا بيانه إنشاء الله تبارك وتعالى . وقول الله تبارك وتعالى {ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فم ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات} فكيف بالله عليكم ينهى الله جل وعلى على نكاح الأمة ثم يرشد سبحانه وتعالى من لا يستطيع النكاح على أن ينكح الأمة مع أن نكاح الأمة أغلى بكثير من نكاح المتعة ، فلا شك لو أرشده الله إلى المتعة لكان ذلك أولى –لو كانت المتعة حلالا. ولكن لما أرشده الله تبارك وتعالى إلى ملك اليمين بعد عجزه عن الزواج فدل على أنه لا متعة . وكذلك قول الله تبارك وتعالى{ وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله}. ولم يقل وليستمتع ، مع أن كلمة ليستعفف على وزن كلمة ليستمتع . ولكن الله تعالى قال{ وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله} ولم يقل الله تبارك وتعالى وليستمتع مع أن المتعة لا تكلف شيئاً. قد جاء في روايات الشيعة أن المتعة يكون مهرها كف من بر!!
لذلك عن الأحول قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أدنى ما يتزوج به المتعة؟ قال: كف من بر!! رواه الكليني في الكافي ج5 ص 457.
أما من السنة فعن على بن أبي طالب قال: إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر. أخرجه البخاري ومسلم.
وعن الربيع بن ثبرة عن أبيه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نكاح المتعة عام الفتح. أخرجه مسلم.
وعن سلمة بن الأكوع قال: رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في متعة النساء عام أوطاس ثلاثة أيام ثم نهى عنها. أخرجه مسلم.
وعن الربيع بن ثبرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أيها الناس إني قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء ، وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة ، فمن كان عنده منهن شيئا فليخل سبيله ولا تأخذوا من ما آتيتموهن شيئا. أخرجه مسلم.
وكذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أن قال: يا معشر الشباب ، من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وِجاء . ولم يرشد النبي إلى المتعة صلوات الله وسلامه عليه.
وكذلك جاء عن جعفر الصادق وهو جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أنه سأل عن المتعة فقال: هي الزنى بعينه. أخرجه البيهقي في الجزء السابع ص 207.
وأما الإجماع، فقد نقل الإجماع على تحريم المتعة الإمام النووي والمازري والقرطبي والخطابي وابن المنذر والشوكاني وغيرهم. كل هؤلاء نقلوا إجماع المسلمين على أن المتعة حرام . كما قلنا قبل قليل إن فرقة واحدة هي التي قالت بحلية أو بجواز أو ببقاء حكم المتعة إلى يومنا هذا وهم الشيعة الإثناعشرية . واستدل الشيعة بأدلة نذكرها ثم نردها مفصلة إنشاء الله تبارك وتعالى. استدلوا أولا بآية النساء ، وهي قول الله تبارك وتعالى {فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة }. قالوا: بدلالة قوله تعالى فما استمتعتم وبدلالة قوله أيضا فآتوهن أجورهن وبدلالة قراءة قرأها عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب وهي: {فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى }. فهذا دليلهم الأول.
أما دليلهم الثاني فاستدلوا بأحاديث عن أهل البيت ، أي قالوا: جاءت روايات عن أهل البيت فيها جواز المتعة ، ونخن متعبدون برواياتهم . فمنها عن علي (ع) قال: لولا ما سبقني به ابن الخطاب ما زنى إلا سقي. أخرجه صاحب الوسائل-وسائل الشيعة 21/5
وفي رواية ما زنى إلا شفي (أي إلا قليل جدا من الناس). وعن الصادق قال: ليس منا من لم يؤمن بكرتنا ولم يستحل متعتنا. وهذا أيضا أخرجه صاحب الوسائل في الجزء 21 ص8
وعن محمد بن مسلم قال: قال لي أبو عبد الله: لا تخرج من الدنيا حتى تحيي السنة –أي المتعة ! أخرجه أيضاَ صاحب الوسائل 21/15
واستدلوا كذلك بأن المتعة إنما ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم وحرمها عمر – هكذا زعموا . واستدلوا كذلك باعتماد أهل السنة على نسخ آية المتعة بآية المؤمنون أو آية المعارج التي ذكرناها قبل قليل وهي قول الله تبارك وتعالى {والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين. فمن ابتغى وراء فأولئك هم العادون}. هذه آية المعارج مكية ، وآية المؤمنون كذلك مكية ، وآية النساء مدنية ، فكيف تنسخ المكية المدنية؟ يعني يقولون أن آية المتعة متأخرة عن آية النهي عنها ، فكيف يكون الناسخ متقدما على المنسوخ؟
واستدلوا كذلك بان أدلة تحريم المتعة مضطربة . يعني أنهم –أي يقصدون السنة-مرة يذكرون أن المتعة حرمت يوم خيبر ، ومرة يذكرون أنها عام أوطاس ومرة يذكرون أنها عام الفتح ، ومرة يذكرون أنها حرمت في حجة الوداع ، ومرة في الحديبية ، ومرة يذكرون أنها حرمت مرتين ومرة يذكرون حرمت مرة واحدة ومرة يذكرون حرمت ثلاث مرات . يقولون: هذا الاضطراب دليل على أن الأحاديث موضوعة وأنه لم يثبت في هذا شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم. هذه تقريبا مجمل أدلة الشيعة على جواز المتعة ، ثم أضف إلى هذا إن شئت وهو قولهم أن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا قد تمتعوا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته في خلافة أبي بكر وجزءا من خلافة عمر حتى نهى عنها عمر رضي الله تبارك وتعالى عنه كما سيأتي تفصيله إنشاء الله تعالى.
أما استدلالهم بآية النساء ، فيجب على المسلم حقيقة قبل أن يتكلم في كتاب الله تبارك وتعالى أن يرجع في هذا إلى علماء التفسير وما قالوه في كتاب الله جل وعلى . ثم كذلك لا بد أن ينظر إلى سياق الآيات وإلى ما سبق وما لحق. إن آية النساء التي يستدلون بها وهي قول الله تبارك وتعالى { فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة }. لو قرأ الإنسان ما قبلها وقرأ أنها ليست في نكاح المتعة في شيء أبداً.
إنّ الله تبارك وتعالى ذكر المحرمات من النساء فقال جل ذكره { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف، إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا} ثم قال جل ذكره {حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائكم اللاتى في جحوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن ، فإن لم تكونوا قد دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم وان تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف ، إن الله كان غفورا رحيماَ. والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم وأحل ما وراء ذلك أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة} .
فالآيات كلها في النكاح الصحيح ، ولذلك لما ذكر الله تبارك وتعالى المحرمات : الأم والبنت والأخت والعمة والخالة وبنت الأخ وبنت الأخت والأم من الرضاعة والأخت من الرضاعة وأم الزوجة وبنت الزوجة والربيبة وزوجات الأبناء الذين من الأصلاب ثم ذكر الجمع بين الأختين ثم ذكر نساء الناس-زوجة الغير –وأنها محرمة بعد ذلك قال تعالى: وأحل لكم ما وراء ذلكم . فالكلام كله في النكاح الصحيح ، وليس في المتعة في شيء ، وليست الآية في المتعة ، ولذلك انظروا إلى قول الله تبارك وتعالى { فما استمتعن به منهن فآتوهن أجورهن فريضة ، ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة ، إن الله كان عليما حكيما } . انظروا إلى قول الله تبارك وتعالى{ والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين } وقفوا عند قوله تعالى {محصنين}. لو كانت الآية في المتعة لما قال الله {محصنين} لأن المتعة لا تحصن ، حتى عند الشيعة المتعة لا تحصن. فلو كانت الآية في المتعة ما قال: { محصنين } لأنها لا تدخل في الإحصان. ولذلك هذه الرواية عندهم عن إسحاق بن عمار قال: سألت أبا إبراهيم عليه السلام (موسى الكاظم) عن الجل إذا هو زنا وعنده الأمة يطأها ، تحصنه الأمة ، قال: نعم . قال: فأن كانت عنده امرأة متعة أتحصِّنُهُ ، قال: لا ، إنما هو على الشيء الدائم عنده. وهذا في وسائل الشيعة ج28 ص 68.
فالآية إذن ليست في المتعة ، وإنما هي في النكاح الصحيح ، بدلالة ما قبلها ، أنها ذكرت في المحرمات ، فذكر الله تبارك وتعالى ما يحل ، ثم بدلالة قول الله تبارك وتعالى { محصنين } ، والمتعة كما قلنا لا تحصن إنما الذي يحصن هو النكاح الشرعي بدلالة قولهم هم ، ولذلك لا يجد الشيعة أبدا جوابا عن هذه الآية ولا يجدون أبدا مفرا من قول الله تبارك تعالى {محصنين} ، فلا يجدون إلا أن يقولوا إنها لا تحصن ولكن هذه الآية في نكاح المتعة! عناد محض ، وليس بعد العناد شيء ، وإذا كان الكلام مع معاند ولذلك يقول الإمام الشافعي الهاشمي رحمه الله تعالى : ما نظرني عاقل إلا غلبته وما ناظرني جاهل إلا غلبني.
لأنّ المسألة إذا كانت تؤخذ بالعناد فالأمر لا يكون بعده نقاش أبدا . ثم كذلك ما يأتي بعدها وهو قول الله تبارك وتعالى {ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم } ولم يرشد إلى المتعة أبداً ، إنما ذكر أن من لم يستطع أن ينكح المحصنات المؤمنات فعليه أن يتزوج ملك اليمين . أما قراءة: إلى أجل مسمى ، فإن هذه القراءة غير صحيحة وهي قراءة شاذة ، لا هي من السبع ولا هي من العشر. ثم إن الشيعة أصلا لا تعترف بالقراءات حتى تستدل بهذه القراءة . وذلك أن عن الفضيل بن يسار قال : قلت لأبي عبد الله (ع): إنّ الناس يقولون إن القرآن نزل على سبعة أحرف . فقال: كذبوا أعداء الله ولكنه نزل على حرف واحد من عند واحد. الكافي ج2 ص 630
وأما علماء التفسير الذين تكلموا عن هذه الآية فإنهم قالوا إن الآية في النكاح الشرعي وليست في المتعة وهذا قول الطبري والقرطبي وابن العربي وابن الجوزي وابن عطية والنسفي والنيسابوري والزجاج والألوسي والشنقيطي والشوكاني وغيرهم …كل هؤلاء قالوا إنّ الآية في النكاح الشرعي وليست في المتعة.
ولذلك قال ابن الجوزي: قد تكلف قوم من مفسري القراء فقالوا : المراد بهذه الآية نكاح المتعة ، ثم نسخت بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن متعة النساء.
فقال ابن الجوزي معقباً: وهذا تكلف لا يحتاج إليه ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز المتعة ثم منع منها ، فكان قوله منسوخ بقوله وأما الآية فإنها لم تتضمن جواز المتعة أبدا ، لأنه تعالى قال فيها { أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين } فدل ذلك عن النكاح الصحيح . ا.هـ زاد المسير ج1 ص53.
وقال الإمام الشنقيطي : فالآية في عقد النكاح لا في نكاح المتعة كما قال به من لا يعلم معناها . أضواء البيان في تفسير هذه الآية .أما ذكر الاستمتاع في الآية ، وهي قوله تبارك وتعالى : { فما استمتعتم به منهن } فإن المقصود به النكاح الصحيح ، وهو استمتاع أيضا ، حتى النكاح الصحيح يسمى استمتاعا . وذلك أن الله تبارك وتعالى ذكره بعد النكاح المحرم ، ذكر النكاح الصحيح سبحانه وتعالى . ولفظ الاستمتاع كما قال الأزهري يقول: المتاع في اللغة : كل ما انتفع به فهو متاع.
وأما قول الله عز وجل في سورة النساء بعقب ما حرم من النساء وقال {وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين} أي عاقدي النكاح الحلال غير زناة . فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة ، فقال: إنّ الزجاج قال: إن هذه الآية غلط فيها قوم غلطا عظيما لجهلهم باللغة وذلك أنهم ذهبوا إلى قوله فما استمتعتم به منهن –من المتعة التي قد اجمع أهل العلم أنها حرام ، وإنما معنى فما استمتعتم به منهن –أي فما نكحتم منهن على الشريطة التي جرى في الآية أنه الإحصان ، أن تبتغوا بأموالكم محصنين أي عاقدين التزويج، فآتوهن أجورهن فريضة أي مهورهن . ا.هـ لسان العرب ج8 ص 329.
وقد ذكر الله تبارك وتعالى التمتع في غير النكاح في مواضع من كتابه الكريم كما قال جل ذكره {أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها} وقال جل ذكره { فاستمتعتم بخلاقكم } وقال سبحانه { والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام } فلا يلزم من ذكر كلمة متعة أنها تكون دائما على هذا الذي زعموه وهو نكاح المتعة ، وقال جل وعلى عن كفار الأنس{ ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا } والآيات كثيرة لا مجال لذكرها كلها هنا.
وأما الأجر أنه ذكر الأجر في الآية {فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة} ، قالوا اذكر الأجر دليلا على ذكر المتعة . نقول ليس ذلك صحيحاً. وذلك أن الأجر أيضا يذكر ويراد به المهر. كما قال الله جل وعلى {والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن } وقال جل ذكره {فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن} والمتعة ليس فيها إذن الأهل. وقال جل ذكره {يا أيها إنا أحللنا لك أزواجك الذي آتيت أجورهن} أي مهورهن. وقال سبحانه {ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن}. فالأجر يذكر ويراد به المهر الذي هو النكاح الصحيح .
هذا هو دليلهم الأول. وأما دليلهم الثاني وهو قولهم إن الدليل على جواز المتعة روايات عن أهل البيت. فنقول مستعينين بالله –الرد على هذا من أوجه ، والرد على هذه النقطة بالذات تحتاج إلى تفصيل طويل لا بأس أن نطيل عليكم به.
نقول أولاً: ثبت أولا عن كثير من الأئمة الإثناعشرية –أي أئمتهم الذين يزعمون أنهم أئمتهم: علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي والحسن بن علي والمنتظر.
هؤلاء الإثناعشر الذين استدلوا برواياتهم أو بما كذبوه عليهم أن المتعة حلال كذلك جاءت عنهم روايات تنهى عن المتعة رضي الله عنهم أجمعين . منها:
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم خيبر لحوم الحمر الأهلية ونكاح المتعة. وهذا رواه الطوسي في الإستبصار الجزء 3 ص 142 ورواه صاحب الوسائل ج21 ص 12.
وعن علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن(ع) (موسى الكاظم) عن المتعة فقال: وما أنت وذاك فقد أغناك الله عنها. خلاصة الإيجاز في المتعة للمفيد ص 57 والوسائل 14/449 ونوادر أحمد ص 87 ح 199 الكافي ج5 ص 452.
وعن عبد الله بن سنان قال: سألت أبا عبد الله (ع) عن المتعة فقال: لا تدنس نفسك بها. وهذا في المستدرك(مستدرك الوسائل) ج14 ص455.وروايات أخرى تركتها لعدم الإطالة.
أنصدق الروايات التي نهت أو نصدق الروايات التي أمرت؟! ثم كذلك نقول: إنّ روايات كثيرة قد كذبت على الأئمة.
ثبت أنّ الأئمة كذب عليهم رضي الله عنهم ، فتكون الروايات التي فيها إباحة المتعة مكذوبة على الأئمة لأنهم في الأصل من علماء أهل السنة. وهم موافقون لأهل السنة في قولهم ، خاصة إذا قلنا إن أمر المتعة مجمع على تحريمه.
عن جعفر الصادق قال: رحم الله عبدا حببنا إلى الناس ، ولم يبغضنا إليهم ، أما والله لو يروون محاسن كلامنا لكانوا به أعز وما استطاع أحد أن يتعلق عليهم بشيء ولكن أحدهم يسمع الكلمة فيحط عليها عشرا . الكافي ج8 ص 192
وقال أيضاً: إن ممن ينتحل هذا الأمر (أي التشيع ) ليكذب حتى إن الشيطان ليحتاج إلى كذبه!! الكافي ج 8 ص 212 وقال كذلك: لو قام قائمنا بدأ بكذاب الشيعة فقتلهم. رجال الكشي ص 253.
وقال أيضاً: إن الناس أولعوا بالكذب علينا، وإني أحدثهم بالحديث فلا يخرج أحدهم من عندي حتى يتأوله على غير تأويله وذلك أنهم لا يطلبون بحديثنا وبحبنا ما عند الله وإنما يطلبون الدنيا . بحار الأنوار ج2 ص 246.
وهذا أحد علمائهم يشهد بهذا –محمد بن باقر البهبودي محقق كتاب الكافي وأحد علماء الشيعة – يقول: ومن الأسف أننا نجد الأحاديث الضعيفة والمكذوبة في روايات الشيعة أكثر من روايات السنة . وهذا قاله في مقدمة الكافي . فهذه شهادات الشيعة على أنفسهم ، وأما شهادات علماء أهل السنة فأشهر من أن تذكر ويكفينا من هذا قول شيخ الإسلام ابن تيمية : سبحان من خلق الكذب وأعطى تسعة أعشاره للشيعة . فالكذب عندهم كثير و لا يبعد ، بل هو الميقن وهو الأكيد أن الروايات التي فيها إباحة المتعة هي مكذوبة رحمهم الله تبارك وتعالى عليهم . ولنأخذ مثالا على ذلك. هذا رجل يقال له جابر بن يزيد الجعفي ، من أشهر رواة الشيعة. قال العاملي: روى سبعين ألف حديث عن الباقر!!!!
وهذا أبو عبد الله جعفر الصادق رحمه الله تعالى ابن الباقر يقول ماذا يقول عن أحاديث جابر ؟ يقول : والله ما رأيته عند أبي قط إلا مرة واحدة وما دخل علي قط !!! وهو يروي عن الباقر 70 ألف حجيث وعن غيره 140 ألف حديث!!!
وهذا لا شك أنه عند أهل السنة من الكذابين الذي هو جابر الجعفي . ثم كذلك ، ثبت عن كثير من علماء الشيعة أن رواياتهم متضاربة لا يمكن التوفيق بينها أبدا !!! وهذا باعترافهم.
فهذا الفيض الكاشاني يقول عن الروايات : تراهم يختلفون في المسألة الواحدة على عشرين قولا أو ثلاثين قولا أو أزيد!! بل لو شئت أقول: لم تبق مسألة فرعية لم يختلفوا فيها أو في بعض متعلقاتها. وهذا قاله في الوافي-المقدمة ص9.
وقال الطوسي(من أكبر علماء الشيعة على الإطلاق): إنه لا يكاد يتفق خبر إلا وبإزائه ما يضاده ، ولا يسلم جديث إلا وفي مقابلته ما ينافيه . وهذا قاله في تهذيب الأحكام في المقدمة.
وهذا دلدار علي (أحد علماء الشيعة العظام في الهند): إنّ الأحاديث المأثورة عن الأئمة مختلفة جداً. لا يكاد يوجد حديث إلا وفي مقابله ما ينافيه ، ولا يتفق خبر إلا وبإزئه ما يضاده !!! وهذا قاله في أساس الأصول ص51. وهو كما قال الله تبارك وتعالى {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثـيرا } . ثم تعالوا لننظر ، لأنّ الشيعة لما نظروا في هذه الروايات التي تحرم المتعة وتنهى عنها، لم يجدوا لها إلا محملين اثنين ، المحمل الأول قالوا : إن هذه الروايات غير صحيحة ضعيفة وتكلموا في بعض رجالها . وقالوا في البعض الآخر: إنها خرجت من باب التقية . فلننظر إلى كتب الشيعة وإلى علماء الشيعة ، هل للشيعة علم بالرجال ودراسة بالأسانيد أوالمصطلح ؟! حتى إذا جاءك أحدهم وقال لك: هذا حديث صحيح أو هذا حديث ضعيف أو هذا فيه فلان أو هذا ضعفه فلان ، اعلم إن هذا مجرد كلام لا يستند على أي شيء يعتمد عليه أبداً.
قال الحر العاملي: الحديث الصحيح هو ما رواه العدل الإمامي الضابط في جميع الطبقات . ثم قال : وهذا يستلزم ضعف كل الأحاديث عند التحقيق!! لأنّ العلماء لم ينصوا على عدالة أحد من الرواة إلا نادراً !! وإنما نصوا على التوثيق وهو لا يستلزم العدالة قطعا!! ثم قال : كيف وهم مصرحون بخلافها ( أي العدالة ) حيث يوثقون من يعتقدون فسقه وكفره وفساد مذهبه!!!
هذا الحر العاملي الذي هو صاحب كتاب وسائل الشيعة الذي هو من الكتب الثمانية المعتمدة عندهم !! ويقول كذلك : فيلزم من ذلك ضعف جميع أحاديثنا لعدم العلم بعدالة أحد منهم!!! الوسائل ج 30 ص 260.
وقال أيضاً: والثقات الأجلاء من أصحاب الإجماع وغيرهم يروون عن الضعفاء والكذابين والمجاهيل حيث يعلمون حالهم . ثم ماذا ؟! قال: ويشهدون بصحة حديثهم!!!! وهذا قاله في الوسائل ج 30 ص 206.
وقال أيضاً: ومن المعلوم قطعا أن الكتب التي أمروا عليهم السلام بالعمل بها ، كان كثير من رواتها ضعفاء ومجاهيل!! وهذا في الوسائل 30/244.
قلت: هذا حال رواة الشيعة ، فكيف حال أصحاب الكتب؟!! كيف حال أصحاب الكتب والمؤلفين الذين جمعوا هذه الكتب؟!!
قال الطوسي: إنّ كثيراً من المصنفين وأصحاب الأصول كانوا ينتحلون المذاهب الفاسدة وإن كانت كتبهم معتمدة !!! وهذا قاله في الفهرست ص 28 . ولنأخذ على هذا مثالاً ؛ هذا رجل يقال له ابراهيم بن إسحاق قال الطوسي في الفهرست : كان صعيفا في الحديث …متهما في دينه وصنف كتبا قريبة من السداد !!!! وهذا في الفهرست ص33.
وأما كتب الشيعة ، فأشهر كتب الشيعة فثمانية : الكافي والإستبصار والتهذيب ومن لا يحضره الفقيه والوسائل والوافي والبحار ومستدرك الوسائل. هذه يسمونها الكتب الثمانية.
يتبع